الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

صحتها وصراحتها وبعدها عن مذهب العامة ، وهو من ما يؤذن بكون ذلك مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام). وكيف كان فطريق الاحتياط واضح.

واما ما يدل على استثناء صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ان كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء ، وتصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها من ما يلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وان استطعت ان لا تتكلم بشي‌ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل فان ذلك من ما يعد فيه الفضل ، ثم احمد الله في يوم الجمعة وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسل حاجتك ، وليكن في ما تقول «اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها» فإنك حرى ان تقضى حاجتك ان شاء الله تعالى».

الثامنة ـ قد ورد في الأخبار ـ وبه صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ المنع من صيام التطوع للزوجة إلا بإذن زوجها والعبد إلا بإذن سيده والولد إلا بإذن والده والضيف إلا بإذن مضيفه ، وهل ذلك على وجه التحريم في الجميع أو الكراهة في بعض والتحريم في بعض؟ قولان ، وورد أيضا كراهة الصوم لمن دعي إلى طعام.

وتفصيل ذلك يقع في مواضع خمسة : الأول ـ في حكم الضيف والمشهور هو الكراهة وهو مذهب العلامة في المنتهى وجملة من كتبه والمحقق في الشرائع ، وزاد فيها ان الأظهر انه لا ينعقد مع النهى. وذهب في المعتبر والنافع إلى انه غير

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم والباب ١١ من المزار.

٢٠١

صحيح ، والى ذلك ذهب العلامة في الإرشاد.

ومن الأخبار الواردة في ذلك رواية الزهري ورواية كتاب الفقه الرضوي المتقدم نقلهما في أول الكتاب (١) وقولهما (عليهما‌السلام) فيهما : «واما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحب البيت ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم».

وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام المروية في آخر كتاب الفقيه (٢) «ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه».

ومنها ـ رواية هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا باذنه وامره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره ، ومن بر الولد بابويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسقا عاصيا وكان الولد عاقا».

ومنها ـ ما رواه في الكافي بسنده عن الفضيل بن يسار ـ ورواه في الفقيه عن الفضيل بن يسار وطريقه إليه قوي ـ عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا الشي‌ء فيفسد عليهم ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم فيشتهي الطعام فيتركه لهم».

احتج من قال بالكراهة بأن غاية ما تدل عليه رواية هشام هو ان الضيف

__________________

(١) ص ٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

(٤) الوسائل الباب ٩ من الصوم المحرم والمكروه.

٢٠٢

متى صام كان جاهلا والجهل يتحقق بفعل المكروه فلا يدل على التحريم. واما رواية الفضيل فغاية ما تدل عليه انه لا ينبغي له الصوم إلا بإذنهم ولفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة.

ونقل في المدارك عن المحقق في المعتبر انه استدل على التحريم برواية الزهري ثم رده بضعف الرواية ، قال : وهذه الرواية ضعيفة السند جدا فلا تنهض حجة في إثبات التحريم.

أقول : والحق ان روايتي الزهري وكتاب الفقه الرضوي ظاهرتا الدلالة في التحريم ، ولفظ «لا ينبغي» في رواية الفضيل وان كان ظاهرا في الكراهة بالنظر الى عرف الناس إلا ان هذا اللفظ في الاخبار من ما تكاثر استعماله في التحريم على وجه لا يكاد يحيط به العد ، وقد حققنا في غير موضع من زبرنا انه من الألفاظ المشتركة في الاخبار بين التحريم والكراهة بالمعنى العرفي وانه لا يحمل على أحدهما إلا مع القرينة. واما نسبة الضيف الى الجهل بصيامه بغير اذن فهو محتمل للأمرين

وبالجملة فالقول بالتحريم لا يخلو من ظهور وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي كما يفهم من عنوانه الباب ، حيث قال : «باب من لا يجوز له صيام التطوع» ثم نقل اخبار الضيف في جملة أخبار الباب إلا انه في المفاتيح صرح بالكراهة فعده في ما يكره من الصيام ، وهو منه غريب.

الثاني ـ في حكم الولد والمشهور الكراهة وبه صرح في المفاتيح ايضا مع نقله اخبار الولد في الباب الذي عنونه في الوافي بما عرفت ، وذهب المحقق في النافع الى عدم الصحة وهو مذهب العلامة في الإرشاد واستقر به الشهيد في الدروس ، وهو المختار في المسألة لتصريح رواية هشام بعقوقه لو وقع بغير إذنهما والعقوق محرم بلا خلاف ولا إشكال.

وجملة من متأخري المتأخرين إنما صاروا إلى الكراهة مع اعترافهم بدلالة الرواية المذكورة على التحريم من جهة الطعن في سندها بناء على هذا الاصطلاح

٢٠٣

مع انها مروية في الكافي (١) والفقيه (٢) وقد رواها في الفقيه عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم ، قال في الذخيرة : وطريقه إليه في المشيخة غير مذكور وكأنه من كتابه فيكون صحيحا. انتهى.

وصريح الخبر المذكور التوقف على اذن الوالدين فيجب العمل بما دل عليه لعدم المعارض في البين.

وهذا الخبر أيضا رواه الصدوق في العلل (٣) عن أبيه عن احمد بن إدريس عن محمد بن احمد عن احمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام كما تقدم ، وفيه : «ومن بر الولد ان لا يصوم تطوعا ولا يحج تطوعا ولا يصلى تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما. ثم ساق الخبر الى أن قال : وكان الولد عاقا قاطعا للرحم». إلا ان الصدوق قال بعد نقله : قال محمد بن على مؤلف هذا الكتاب جاء هذا الخبر هكذا : «ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعا كان أو فريضة ولا في ترك الصلاة ولا في ترك الصوم تطوعا كان أو فريضة ولا في شي‌ء من ترك الطاعات» وظاهره حمل ذلك على الكراهة دون التحريم كما هو المشهور.

الثالث ـ في حكم العبد والظاهر انه لا خلاف في توقف صحة صومه على اذن سيده كما نقله في المنتهى ، قال : لأنه مملوك له لا يصح له التصرف في نفسه ولا يملك منافعه. ثم قال : ولا فرق بين كون المولى حاضرا أو غائبا.

وقد تقدم ما يدل على ذلك في حديثي الزهري وكتاب الفقه الرضوي (٤) وكذا رواية هشام.

وروى الصدوق في الفقيه (٥) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام : «يا على لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها ولا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه».

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢٠٤.

(٢) ج ٢ ص ٩٩.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

(٤) ص ٦.

٢٠٤

والعجب من صاحب الوسائل انه عنوان الباب الذي أورد فيه هذه الأخبار بالكراهة فقال : (باب كراهة صوم العبد والولد تطوعا بغير اذن السيد والوالدين) (١) مع ما عرفت من عدم الخلاف في التحريم هنا ودلالة الأخبار عليه وهو من جملة غفلاته التي وقعت له في هذا الكتاب.

الرابع ـ الزوجة والظاهر انه لا خلاف في توقف صحة صومها على اذن الزوج كما نقله في المعتبر فقال انه موضع وفاق.

ويدل عليه الأخبار المتقدمة وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها».

ورواية القاسم بن عروة عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : قال «لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه. الحديث».

إلا أنه قد روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن المرأة إلها أن تخرج بغير اذن زوجها؟ قال لا. قال : وسألته عن المرأة إلها أن تصوم بغير اذن زوجها؟ قال : لا بأس». وظاهرها كما ترى جواز الصوم ندبا بغير اذنه ، ولعله محمول على الصوم الواجب جمعا بينه وبين ما دل من الأخبار المذكورة على النهى.

وصاحب الوسائل قد اختار هنا الكراهة أيضا والظاهر انه جعلها وجه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من الصوم المحرم والمكروه.

(٥) الوسائل الباب ٧٩ من مقدمات النكاح والباب ٨ من الصوم المحرم والمكروه.

٢٠٥

جمع بين رواية على بن جعفر المذكورة وبين الأخبار المتقدمة ، وقد عرفت غير مرة ما في هذا الجمع بين الأخبار وان كان بالغا بينهم في الاشتهار الى حد لا يقبل عندهم الإنكار إلا انه من قبيل «رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور»

والوجه في الجمع إنما هو ما ذكرناه من حمل الرواية على الصوم الواجب فان الروايات المتقدمة صريحة أو كالصريحة في التحريم ، ويؤيده أيضا ما صرح به الأصحاب من ان منافع الاستمتاع بالزوجة مملوكة للزوج فلا يجوز لها أن تعرض نفسها للتصرف بما يمنعه.

وإطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي انه لا فرق في الزوجة بين الدائم ولا المتمتع بها ولا في الزوج بين الحاضر والغائب ، ونقلوا عن الشافعي اشتراط حضوره (١) وردوه بإطلاق النصوص.

الخامس ـ المدعو الى الطعام والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب إفطاره وان الأفضل له عدم الاعلام بصومه.

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عنه ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ (٢) انه قال : «من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة». قال الصدوق (قدس‌سره) قال مصنف هذا الكتاب : هذا في السنة والتطوع جميعا.

وعن داود الرقى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لإفطارك في منزل أخيك المؤمن أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا».

__________________

(١) المجموع ج ٦ ص ٣٩٢.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٥١ وفي الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٥١ وفي الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم ، ورواه في الفروع ج ١ ص ٢٠٤.

٢٠٦

وعن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوعا».

وعن نجم بن حطيم عن أبى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «من نوى الصوم ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور فإنه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيام وهو قول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٣)».

وعن جميل بن دراج (٤) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة».

وعن صالح بن عقبة (٥) قال : «دخلت على جميل بن دراج وبين يديه خوان عليه غسانية يأكل منها فقال ادن فكل فقلت انى صائم فتركني حتى إذا أكلها فلم يبق منها إلا اليسير فعزم على إلا أفطرت فقلت له ألا كان هذا قبل الساعة فقال أردت بذلك أدبك. ثم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمن عليه بإفطاره كتب الله (جل ثناؤه) له بذلك اليوم صيام سنة».

وعن على بن حديد (٦) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام أدخل على قوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا صائم فيقولون أفطر؟ فقال أفطر فإنه أفضل».

والمستفاد من هذه الأخبار تعليق الاستحباب على الدعوة الى طعام ، واما ما اشتهر في هذه الأوقات سيما في بلاد العجم من تعمد تفطير الصائم بشي‌ء يدفع إليه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم عن الفروع ج ١ ص ٢٠٤.

(٣) سورة الانعام الآية ١٦٢.

(٤) الفروع ج ١ ص ٢٠٤ وفي الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم رقم ٤.

(٥) الفروع ج ١ ص ٢٠٤ وفي الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم رقم ٥.

(٦) الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم رقم ٧ ، وعلى بن حديد يرويه عن عبد الله بن جندب والمروي عنه أبو الحسن الماضي (ع).

٢٠٧

من تمرة أو يسير من الحلواء أو نحو ذلك لأجل تحصيل الثواب بذلك فليس بداخل تحت هذه الاخبار ولا هو من ما يترتب عليه الثواب المذكور فيها كما لا يخفى.

التاسعة ـ الظاهر انه لا خلاف في ان من عليه قضاء من شهر رمضان فلا يجوز له التطوع بشي‌ء من الصيام حتى يؤدى ما بذمته من القضاء إلا ما يفهم من كلام السيد المرتضى في أجوبة المسائل الرسية حيث قال : ويجوز لمن عليه صيام من شهر رمضان ان يصوم نذرا عليه أو يصوم كفارة لزمته ، ولو صام نفلا أيضا لجاز وان كان مكروها. كذا نقله عنه في المختلف في كتاب الصلاة ، ونقل عنه في كتاب الصوم انه احتج على ما ذكره من جواز صوم النافلة بالأصل الدال على الإباحة ثم رده بأنه معارض بالاخبار. وبالجملة فإن ما ذكره شاذ نادر لا عبرة به.

ويدل على ما ذكرناه ما رواه الكليني في الصحيح عندي والحسن على المشهور عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوع؟ فقال : لا حتى يقضى ما عليه من شهر رمضان».

وما رواه فيه بسنده عن أبى الصباح الكناني (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيام أيتطوع؟ فقال : لا حتى يقضى ما عليه من شهر رمضان».

قال في الفقيه (٣) : وردت الاخبار والآثار عن الأئمة (عليهم‌السلام) انه لا يجوز ان يتطوع الرجل بالصيام وعليه شي‌ء من الفرض ، وممن روى ذلك الحلبي وأبو الصباح الكناني عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

وقال في المقنع : واعلم انه لا يجوز أن يتطوع الرجل وعليه شي‌ء من الفرض ، كذلك وجدته في كل الأحاديث. انتهى.

أقول : ويدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدمة في باب الأوقات من كتاب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٨ من أحكام شهر رمضان.

(٣) ج ٢ ص ٨٧ وفي الوسائل الباب ٢٨ من أحكام شهر رمضان.

٢٠٨

الصلاة عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن ركعتي الفجر؟ قال قبل الفجر. ثم ساق الخبر الى أن قال عليه‌السلام : أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وبالجملة فالحكم في الصوم اتفاقي نصا وفتوى إلا ما عرفت من خلاف المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وإنما الخلاف في الصلاة كما تقدم. والله العالم.

المطلب الرابع

في الكفارة وفيه مسائل :

الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه تجب الكفارة في صوم شهر رمضان وقضائه بعد الزوال والنذر المعين وصوم الاعتكاف إذا وجب ، وما عدا ذلك مثل صوم الكفارات والنذر الغير المعين والصوم المندوب فلا تجب الكفارة فيه بالإفساد.

والحكم الثاني اتفاقي كما يظهر من المنتهى ، وقد نص العلامة وغيره على جواز الإفطار قبل الزوال وبعده ، وربما قيل بتحريم الإفساد في كل واجب لعموم النهى عن إبطال العمل (٢) وهو ضعيف.

وانما الخلاف في الأول حيث ان المنقول عن ابن أبى عقيل انه قال : من جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم وعليه القضاء ولا كفارة. وظاهر هذا الإطلاق عدم وجوب الكفارة في قضاء شهر رمضان قبل الزوال وبعده وكذا في النذر مطلقا كان أو معينا ، ونقل الشهيد في الدروس عنه انه لا كفارة في غير رمضان ثم قال : وهو شاذ.

وبه يظهر ان ما ذكره في المدارك في مسألة وجوب الكفارة في النذر

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من مواقيت الصلاة والباب ٢٨ من أحكام شهر رمضان.

(٢) في قوله تعالى في سورة محمد الآية ٣٦ (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).

٢٠٩

المعين ـ حيث قال : واما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه بين الأصحاب وإنما الخلاف في قدرها ـ غفلة عن الاطلاع على القول المذكور.

أقول : اما وجوب الكفارة في صوم شهر رمضان فهو من ما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى وان وقع الخلاف في بعض الجزئيات وإلا فاصل الحكم لا خلاف فيه ، وقد تقدم من الأخبار في تضاعيف المباحث السابقة وسيأتي في اللاحقة أيضا ما يدل عليه.

ويدل على ذلك من الأخبار زيادة على ما تقدم ويأتي ما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فان لم يقدر تصدق بما يطيق».

وما رواه الكليني عن جميل بن دراج بإسنادين أحدهما حسن على المشهور صحيح على الأصح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «انه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فقال ان رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال هلكت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال وما لك؟ فقال النار يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال وما لك؟ قال وقعت على أهلي. قال تصدق واستغفر. فقال الرجل فوالذي عظم حقك ما تركت في البيت شيئا لا قليلا ولا كثيرا. قال فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خذ هذا التمر فتصدق به فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على من أتصدق به وقد أخبرتك انه ليس في بيتي قليل ولا كثير؟ قال فخذه وأطعمه عيالك واستغفر الله». الى غير ذلك من الأخبار التي لا حاجة الى التطويل بنقلها بعد ما عرفت.

واما وجوب الكفارة في صوم النذر فيدل عليه روايات : منها ـ ما رواه

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم. ورواه الشيخ بسند آخر أيضا.

(٢) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم. ويرويه الشيخ عنه ايضا.

٢١٠

الشيخ في الصحيح عن على بن مهزيار (١) قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته : لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ، فان كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى».

هذا على ما هو المشهور المنصور بالأدلة الواضحة ، وقد عرفت من ما تقدم نقله عن ابن ابى عقيل انه لا كفارة عنده إلا في شهر رمضان وهو ضعيف مردود بالأخبار المتكاثرة. واما كونها كفارة يمين أو كفارة شهر رمضان فسيأتي الكلام فيه محررا في كتاب النذر ان شاء الله تعالى.

واما في صيام الاعتكاف فهو المشهور ايضا وظاهر كلام ابن ابى عقيل المتقدم السقوط هنا.

ويدل على المشهور أخبار عديدة : منها ـ ما رواه الكليني والشيخ عنه في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معتكف واقع أهله؟ قال : هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان».

وعن زرارة (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المعتكف يجامع أهله؟ فقال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر».

وعن عبد الأعلى بن أعين (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال عليه الكفارة. قال : قلت فإن وطأها نهارا؟ قال عليه كفارتان».

قيل : ولعل حجة ابن ابى عقيل ما رواه حماد في الحسن عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف ورواهما في الفقيه ج ٢ ص ١٢٢ و ١٢٣ أيضا.

(٤) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف عن التهذيب والفقيه.

(٥) الوسائل الباب ٥ من الاعتكاف ، وحماد يرويه عن الحلبي.

٢١١

قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه. فقال بعضهم : واعتزل النساء. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام اما اعتزال النساء فلا». وحملها الشيخ على ان المراد محادثتهن ومجالستهن دون الجماع لا غير. وهو جيد.

واما قضاء شهر رمضان فقد عرفت الخلاف فيه أيضا.

ويدل على القول المشهور بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن بريد العجلي عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) «في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان؟ قال ان كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي‌ء عليه إلا يوما مكان يوم ، وان كان أتى أهله بعد زوال الشمس فان عليه أن يتصدق على عشرة مساكين فان لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع».

قال في الفقيه (٢) : وروى أنه ان أفطر قبل الزوال فلا شي‌ء عليه وان أفطر بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان.

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن هشام بن سالم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل وقع على أهله وهو يقضى شهر رمضان؟ فقال ان كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه يصوم يوما بدل يوم ، وان فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك».

وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (٤) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فاتى النساء؟ قال عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان لان ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان».

وما رواه عن حفص بن سوقة عن من ذكره عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) «في

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٩ من أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.

٢١٢

الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ فقال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) «إذا قضيت صوم شهر رمضان أو النذر كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس فإن أفطرت بعد الزوال فعليك كفارة مثل من أفطر يوما من شهر رمضان. وقد روى ان عليه إذا أفطر بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام فان لم يقدر عليه صام يوما بدل يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما فعل». وبهذه العبارة عبر ابنا بابويه في الرسالة والمقنع كما نقله في المختلف.

وهل الحكم مختص بقضاء شهر رمضان عن نفسه أو يشمل ما كان عن غيره؟ إشكال ينشأ من إطلاق الأخبار فيمكن القول بالعموم ومن ان المتبادر منها ما كان عن نفسه فيختص به. ولم أقف على من تعرض للتنبيه على ذلك من الأصحاب.

احتج ابن ابى عقيل على ما نقل عنه بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال : هو بالخيار الى أن تزول الشمس فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم وان كان نوى الإفطار فليفطر. سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال لا. سئل فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال : قد أساء وليس عليه شي‌ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه».

وأجاب عنه في المدارك بضعف السند باشتماله على جماعة من الفطحية. وفيه ما عرفت مرارا من ان هذا الجواب لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا على من يعمل بالأخبار الموثقة من أصحاب هذا الاصطلاح.

__________________

(١) ص ٢٦.

(٢) الوسائل الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته والباب ٢٩ من أحكام شهر رمضان.

٢١٣

وأجاب عنه الشيخ في الاستبصار بان الوجه في قوله : «ليس عليه شي‌ء» ان نحمله على انه ليس عليه شي‌ء من العقاب لأن من أفطر في هذا اليوم لا يستحق العقاب وان أفطر بعد الزوال وان لزمته الكفارة حسب ما قدمناه. ولا يخفى ما فيه من البعد سيما مع اعترافه بجواز الإفطار بعد الزوال فيبعد مجامعة الكفارة له.

وأجاب عنه المحدث الكاشاني في الوافي بأنه خبر شاذ لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار المتفق عليها.

والأظهر عندي حمل الخبر المذكور على التقية لما صرح به العلامة (قدس‌سره) في المنتهى من اطباق الجمهور على سقوط الكفارة في ما عدا رمضان إلا قتادة (١).

قال (قدس‌سره) : فرق علماؤنا بين الإفطار في قضاء رمضان أول النهار وبعد الزوال فأوجبوا الكفارة في الثاني دون الأول ، والجمهور لم يفرقوا بينهما بل قالوا بسقوط الكفارة في البابين إلا قتادة فإنه أوجبها فيهما معا ، وابن ابى عقيل من علمائنا اختار مذهب الجمهور في سقوط الكفارة. انتهى.

أقول : ومقتضى إطلاق عبارة ابن ابى عقيل التي قدمناها ـ وكذا نقل الشهيد في الدروس عنه انه لا كفارة في غير رمضان ـ هو موافقة الجمهور في سقوط الكفارات من جميع افراد الصوم عدا شهر رمضان كما حكاه في المنتهى عنهم ، حيث قال : وأطبق الجمهور كافة على سقوط الكفارة في ما عدا رمضان.

واما ما جنح اليه صاحب الذخيرة ـ من اختيار مذهب ابن ابى عقيل عملا بموثقة عمار وحمل الروايات الأربع المتقدمة الدالة على وجوب الكفارة على الاستحباب ـ فهو من جملة تشكيكاته التي لا ينبغي أن يصغى إليها ولا يعرج عليها بعد ما عرفت.

وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور الأول ـ لا يخفى ان كلمة

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٢٥ والمجموع ج ٦ ص ٣٤٥.

٢١٤

الأصحاب القائلين بوجوب الكفارة متفقة على التحديد بالزوال كما تقدم ، وهو صريح رواية بريد العجلي ورواية كتاب الفقه الرضوي ، وإجمال روايتي زرارة وحفص بن سوقة المتقدمتين محمول على ذلك. واما ما دل عليه صحيح هشام بن سالم من التحديد بصلاة العصر فيجب تأويله بما يرجع به الى تلك الاخبار وإلا فطرحه أو حمله على التقية ، لأن الأخبار قد تكاثرت ـ كما ستأتي في المقام ان شاء الله تعالى ـ بان الزوال هو الحد في جواز الإفطار وعدمه فيجب أن يكون هو الحد في وجوب الكفارة وعدمه.

وقال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر خبري بريد وهشام انه لا تنافي بين الخبرين لأنه إذا كان وقت الصلاتين عند الزوال إلا ان الظهر قبل العصر على ما بيناه في ما تقدم جاز ان يعبر عن ما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين ويعبر عن ما بعد الزوال بأنه بعد العصر لمثل ذلك. ورده جملة من متأخري المتأخرين بالبعد وهو وان كان كذلك إلا انه أولى من الطرح رأسا فإن العمل عليه بعد ما عرفت غير ممكن.

ثم ان الشيخ أيضا جوز حمل خبر العصر على الوجوب وخبر الزوال على الاستحباب ، وهو غير جيد وان استقربه في الذخيرة لاستفاضة الأخبار بالتحديد بالزوال في تحريم الإفطار وهو وقت تعلق الكفارة البتة ، ولا معنى لكونه يحرم عليه الإفطار بعد الزوال ولا تجب عليه الكفارة إلا بعد العصر كما هو ظاهر لكل ذي فهم.

وليس ببعيد تطرق التحريف الى هذا الخبر من قلم الشيخ بتبديل الظهر بالعصر كما لا يخفى على من له انس بطريقته وما وقع له في الاخبار متونا وإسنادا من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان.

وبالجملة فالعمل على القول المشهور المؤيد بالأخبار المذكورة.

الثاني ـ اختلف أصحابنا (رضوان الله عليهم) في كفارة قضاء شهر رمضان فالمشهور بينهم أنها إطعام عشرة مساكين فان لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، ونقل في

٢١٥

المختلف عن ابني بابويه في الرسالة والمقنع ان عليه مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان ، وقد روى ان عليه إذا أفطر. إلى آخر ما تقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي والظاهر انه اقتطع من العبارة موضع الحاجة ولم ينقل عبارة الرسالة من أولها. ونقل في المختلف عن ابن إدريس انه قال بالقول المشهور وقال في موضع آخر انها كفارة يمين ونقله أيضا عن ابن البراج ، وعن ابى الصلاح انها صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين.

ويدل على القول المشهور ما تقدم من رواية بريد العجلي وصحيحة هشام (١) وعلى قول ابني بابويه موثقة زرارة ورواية حفص بن سوقة (٢) وان كان معتمدهما إنما هو على كتاب الفقه الذي نقلا عبارته كما هي قاعدتهم في غير مقام من ما أوضحنا بيانه. واما القولان الآخران فلم أقف لهما على دليل.

بقي الكلام في الجمع بين الاخبار المذكورة والشيخ بعد ذكر خبر زرارة حمله على الشذوذ أولا ثم على من أفطر مستخفا بالفرض متهاونا به فيغلظ عليه ويعاقب بذلك. ورده جملة من متأخري المتأخرين بالبعد وهو كذلك. واما الخبر الثاني فذكره في موضع آخر ولم يتعرض له. وجملة من متأخري المتأخرين حملوهما على الاستحباب ، وفيه ما عرفت في غير مقام. والمسألة عندي محل توقف والاحتياط لا يخفى.

الثالث ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز الإفطار قبل الزوال حتى ان المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى لم ينقلا في ذلك خلافا ، ونقل في المختلف عن ابى الصلاح ان كلامه يشعر بتحريمه. وقال ابن ابى عقيل : ومن أصبح صائما لقضاء ما كان عليه من رمضان وقد نوى الصوم من الليل فأراد أن يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك. وهو ظاهر في ما نقل عن ابى الصلاح أيضا.

ويدل على القول المشهور وهو المختار جملة من الأخبار : ومنها ـ رواية بريد العجلي المتقدمة (٣).

__________________

(١ و ٢ و ٣) ص ٢١٢.

٢١٦

ومنها ـ صحيحة جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه قال في الذي يقضى شهر رمضان انه بالخيار الى زوال الشمس وان كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار».

وموثقة أبي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تقضى شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار؟ فقال : لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال».

أقول : ولفظ «لا ينبغي» وان استعمل في الاخبار بمعنى الكراهة تارة والتحريم أخرى إلا انه هنا بالمعنى الثاني للأخبار المتقدمة.

ورواية سماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في قوله : الصائم بالخيار الى زوال الشمس قال : ذلك في الفريضة فاما النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء الى غروب الشمس».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر الى زوال الشمس فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر».

ورواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «الذي يقضى شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس وفي التطوع ما بينه وبين أن تغيب الشمس».

ولعل حجة المانعين ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٦) قال : «سألته عن الرجل يقضى رمضان إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال : إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه. الحديث».

وأجيب عنه بالحمل على الاستحباب ، وهو غير بعيد لورود مثل ذلك في الصوم المستحب والواجب اولى.

وقد تقدم في رواية معمر بن خلاد عن ابى الحسن عليه‌السلام) (٧) قال : «كنت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٤ من وجوب الصوم ونيته.

٢١٧

جالسا عنده آخر يوم من شعبان فلم أره صائما قلت جعلت فداك صمت اليوم؟ فقال لي ولم. الى أن قال : فقلت أفطر الآن؟ فقال : لا. فقلت : وكذلك في النوافل ليس لي ان أفطر بعد الظهر؟ قال نعم».

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كفارة شهر رمضان فالمشهور التخيير بين الأنواع الثلاثة : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، ذهب اليه الشيخان والمرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وسلار وابن البراج وابن إدريس وغيرهم ، واختاره السيد السند في المدارك. وقال ابن ابى عقيل على ما نقله عنه في المختلف : الكفارة عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. قال : وهذا يدل على الترتيب. وقال الشيخ في الخلاف ان فيه روايتين الترتيب والتخيير. ولم يرجح إحداهما. وفي المبسوط اختار التخيير ثم قال : وقد روى انها مرتبة. وذهب الصدوق في من لا يحضره الفقيه الى التفصيل وهو وجوب الثلاث ان أفطر على محرم ووجوب الواحدة في الإفطار على محلل ، وهو قول الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد وابنه فخر المحققين في الإيضاح ونقله عن ابن حمزة أيضا.

ويدل على القول الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام. وقد تقدم في المسألة الأولى (١).

وما رواه في التهذيب عن ابى بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق؟ فقال : كفارته ان يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة».

وروى في الوسائل نقلا من نوادر احمد بن محمد بن عيسى عن عثمان بن

__________________

(١) ص ٢١٠.

(٢) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.

٢١٨

عيسى عن سماعة (١) قال : «سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا؟ قال : عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ومن اين له مثل ذلك اليوم؟». قال : ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى.

ويدل على ذلك أيضا ما تقدم (٢) في المسألة الأولى من حسنة جميل بن دراج الدالة على أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لذلك الرجل الذي شكى إليه انه أتى أهله في شهر رمضان ـ بالصدقة.

ونحوها صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال : عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد».

والتقريب في هذين الخبرين دلالتهما على الاجتزاء بالصدقة مطلقا ولو كانت الكفارة مرتبة كما يدعى لكان مقام البيان يقتضي ذكرهما وان الصيرورة إلى الصدقة لتعذرهما.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) : ومن جامع في شهر رمضان أو أفطر فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من طعام ، وعليه قضاء ذلك اليوم وانى له بمثله؟.

احتج القائلون بالترتيب بما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن ابى جعفر عليه‌السلام (٥) «ان رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هلكت وأهلكت. فقال : وما أهلكك؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعتق رقبة. قال : لا أجد؟ قال : فصم شهرين متتابعين. قال : لا أطيق؟ قال : تصدق على ستين مسكينا. قال : لا أجد؟ فاتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعذق

__________________

(١ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ٢١٠.

(٤) ص ٢٥.

٢١٩

في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : خذها فتصدق بها فقال والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فقال : خذه فكله أنت وأهلك فإنه كفارة لك».

وأجاب عنه في المدارك أولا ـ بالطعن في السند بجهالة الراوي فلا يعارض الأخبار السليمة.

وثانيا ـ بأن أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشي‌ء بعد الشي‌ء ليس صريحا في الترتيب ولو كان كذلك لوجب تنزيله على الاستحباب فتكون جامعين بين العمل بالروايتين وليس كذلك لو أوجبنا الترتيب بل يلزم منه سقوط خبر التخيير.

أقول : وهذا الجواب من حيث عدم الصراحة في الدلالة على القول المذكور جيد إلا انه قد روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فان لم يجد فليستغفر الله».

وهذا الخبر كما ترى صحيح صريح في القول المذكور ، وصاحب الوسائل بعد نقله حمله على الاستحباب والأفضلية ، وقد عرفت ما في هذا الحمل من الاشكال كما أوضحناه في غير موضع من ما تقدم.

والأظهر عندي حمل هذه الرواية لصراحتها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، ولو كانت الرواية الأولى صريحة في القول المذكور لوجب حملها على ذلك أيضا بأن تكون التقية في النقل فإن العامة قد رووا الحديث المذكور كذلك (٢) فيكون حكاية لما رووه ، إلا ان الخبر غير صريح كما عرفت.

ووجه الحمل على التقية ما نقله في المنتهى من أن الترتيب مذهب أبي حنيفة

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٢١.

٢٢٠