الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

صحيح شرعي ونيته صحيحة وينوي الندب لأنه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي غيره. ثم نقل عن أبي حنيفة انه ليس بشرعي وإنما هو إمساك عن المفطرات للتأديب (١) قال : وفيه قوة.

وبالجملة فالأحوط في صورة البلوغ في أثناء اليوم لو كان صائما انه يتمه وجوبا وكذا في الصلاة ثم يأتي بهما بعد ذلك أيضا أداء أو قضاء.

الرابعة ـ البلوغ الذي يترتب عليه التكليف وجوبا بالصوم وغيره إنما يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة أو خروج المنى كيف كان يقظة أو نوما بجماع أو غير جماع ـ وهذا من ما يشترك فيه الذكور والإناث ـ والحيض أو الحبل بالنسبة الى النساء ، إلا ان هذين في الحقيقة إنما هما دليلان على سبق البلوغ وحصوله ، وقيل في الإنبات انه كذلك أيضا ، وقيل انه بنفسه دليل على البلوغ كالمني ـ والسن وبلوغ التسع بمعنى كمالها في الأنثى على المشهور ، ونقل عن الشيخ في كتاب الصوم من المبسوط بلوغ العشر مع انه في كتاب الحجر من الكتاب المذكور وافق المشهور ، وكذا نقل القول بالعشر عن ابن حمزة ، والخمس عشرة كذلك في الذكر على المشهور ، وعن ابن الجنيد بلوغ أربع عشرة سنة كما نقله عنه في المختلف ونقل عنه في المهذب انه من ثلاثة عشر إلى أربعة عشر. وفي المدارك انه لا خلاف في تحقق البلوغ بإكمال الخمس عشرة وإنما الخلاف في ما دونه فقيل بالاكتفاء ببلوغ أربع عشرة سنة ، وقيل بالاكتفاء بإتمام ثلاثة عشرة سنة والدخول في الرابعة عشرة.

وحيث كان ما عدا التحديد بالسن من ما وقع عليه الاتفاق فلا ضرورة في التطويل بذكر رواياته مع وجود ذلك في الأخبار التي نذكرها.

واما ما ورد بالتحديد بالسن فمنها ـ ما رواه في الكافي عن حمزة بن حمران

__________________

(١) لم أقف عليه في ما حضرني من كتبهم ، وفي البحر الرائق لابن نحيم الحنفي ج ٢ ص ٢٧٧ : واما البلوغ فليس من شرط الصحة لصحته من الصبي العاقل ولهذا يثاب عليه. كذا في البدائع.

١٨١

عن حمران (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام قلت له : متى يجب على الغلام ان يؤخذ بالحدود التامة وتقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال : إذا خرج عنه اليتم وأدرك. قلت فلذلك حد يعرف به؟ فقال : إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة وأخذ بها وأخذت له. قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة وتؤخذ بها وتؤخذ لها؟ قال : ان الجارية ليست مثل الغلام ان الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها وبها. قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».

ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (٢) نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن حمزة بن حمران عن ابى جعفر عليه‌السلام بغير واسطة حمران.

وعن يزيد الكناسي عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوجت وأقيمت عليها الحدود التامة عليها ولها».

والاخبار ببلوغ الجارية بالتسع كثيرة لا حاجة الى التطويل بنقلها ، واما القول بالعشر فلم أقف له على دليل وان وجد فهو شاذ مأول.

وفي الحسن على المشهور والصحيح عندي عن سليمان بن خالد عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) في حديث «في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة محصنة؟ قال : لا ترجم لأن الذي زنى بها ليس بمدرك ولو كان مدركا رجمت».

وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (٥) المتضمنة لأنه يؤخذ الصبي بالصيام ما بينه وبين خمس عشرة سنة واربع عشرة سنة.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات.

(٤) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات والباب ٩ من حد الزنا.

(٥) ص ١٧٨.

١٨٢

ورواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه‌السلام (١) قال : «قلت له : جعلت فداك في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال : في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة. قلت : فان لم يحتلم فيها؟ قال : وان لم يحتلم فيها فإن الأحكام تجري عليه».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم وكتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شي‌ء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها».

والظاهر انه بظاهر هذين الخبرين أخذ ابن الجنيد ، وفي المختلف نقل حديث الثمالي حجة لابن الجنيد وطعن فيه بضعف السند.

وروى في الكافي والفقيه عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب ، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك انها تحيض لتسع سنين».

وروى في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سأله أبى وأنا حاضر عن قول الله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (٥) قال : الاحتلام قال فقال يحتلم في ست عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها. فقال إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ونحوها؟ فقال لا إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات وجاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا. فقال وما السفيه؟ قال : الذي يشترى الدرهم بأضعافه. قال : وما الضعيف؟ قال الأبله».

وروى في الكافي والتهذيب عن عيسى بن زيد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من الوصايا.

(٢ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٤٤ من الوصايا.

(٣) الوسائل الباب ٤٤ من الوصايا. ولم تنقل الرواية عن الفقيه نعم وردت في التهذيب أيضا ج ٩ ص ١٨٤.

(٥) سورة الأحقاف الآية ١٥.

١٨٣

«قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يثغر الصبي لسبع سنين ويؤمر بالصلاة لتسع ويفرق بينهم في المضاجع لعشر ويحتلم لأربع عشرة وينتهى طوله لإحدى وعشرين وينتهى عقله لثمان وعشرين إلا التجارب».

وروى في التهذيب في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فإذا احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك إذا أتى لها ثلاث عشرة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم».

أقول : لا يخفى ما بين هذه الأخبار من التدافع في تعيين البلوغ بالسن بالنسبة إلى الغلام.

وقد وردت أيضا أخبار في باب الوصايات والعتق دالة على صحة وصية ابن عشر سنين وعتقه وصدقته مع رشده وتمييزه (٢).

وجعلها صاحب المفاتيح دالة على البلوغ بالنسبة الى هذه الأشياء وجعل البلوغ مراتب باعتبار التكليفات.

والظاهر بعده فإنه ليس في شي‌ء منها ما يشير الى حصول البلوغ بذلك فضلا عن التصريح به ولا صرح بذلك أحد من أصحابنا ، والظاهر منها إنما هو إرادة بيان رفع الحجر عنه في أمور خاصة متى كان مميزا وان لم يكن بالغا.

وأكثر الأخبار التي ذكرناها دال على البلوغ بكمال ثلاث عشرة والدخول في الرابعة عشرة ، وهي دالة على ما ذهب اليه ابن الجنيد.

ويمكن ان يحمل الاختلاف في هذه الأخبار على اختلاف الناس في الفهم والذكاء وقوة العقل وقوة البدن ، ولذا ردد في رواية الثمالي «في ثلاث عشرة أو أربع عشرة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من الوقوف والباب ٤٤ من الوصايا والباب ٥٦ من العتق.

١٨٤

وفي صحيحة معاوية بن وهب «خمس عشرة واربع عشرة». ولذا تراها أيضا اختلفت في الاحتلام ، فظاهر موثقة عبد الله بن سنان ان الاحتلام في ست عشرة وسبع عشرة ونحوهما ، وظاهر رواية عيسى بن زيد انه يحتلم لأربع عشرة ، وظاهر موثقة عمار انه يحتلم قبل ثلاث عشرة ، إلا انه لا يبعد أن يكون هذا من قبيل ما يقع في رواياته من التهافتات والغرائب كما يفهم منها أيضا من أن بلوغ الجارية إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة مع استفاضة الأخبار واتفاق العلماء على انها تبلغ بتسع سنين أو عشر.

ولا يبعد عندي في الجمع بين الأخبار المذكورة حمل ما دل على البلوغ بخمس عشرة على الحدود والمعاملات كما هو مقتضى سياق رواية حمران وحمل ما دل على ما دون ذلك على العبادات ، ويحتمل خروج بعضها مخرج التقية إلا انه لا يحضرني الآن مذهب العامة (١) في هذه المسألة. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.

ثم انه لا يخفى ان ظاهر عبارات الأصحاب وظاهر الاخبار أيضا ان بلوغ الخمس عشرة موجب للبلوغ أعم من أن يكون بالدخول فيها أو بإتمامها ، إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال : ويعتبر إكمال السنة الخامسة عشرة والتاسعة في الأنثى فلا يكفى الطعن فيها عملا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب ، ولأن الداخل في السنة الأخيرة لا يسمى ابن خمس عشرة سنة لغة ولا عرفا. والاكتفاء بالطعن فيها وجه للشافعية (٢) انتهى.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم صحة الصوم الواجب من المسافر الذي يلزمه التقصير إلا في ما يأتي استثناؤه ، وحكى المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف عن الشيخ المفيد قولا بجواز صوم ما عدا شهر رمضان

__________________

(١) في المحلى ج؟ ص ٨٨ و ٩٠ والمغني ج ٤ ص ٤٦٠ تحديد البلوغ في الذكر والأنثى بالخمس عشرة سنة الى التسع عشرة باختلاف الأقوال.

(٢) لم أقف عليه في ما حضرني من كتبهم وفي المحلى ج ١ ص ٩٠ والمهذب ج ١ ص ٣٣٠ والفقه على المذاهب ج ٢ ص ٣٥٢ انه بإكمال خمس عشرة سنة عند الشافعي والشافعية.

١٨٥

من الواجبات في السفر ، والظاهر انه في غير المقنعة فإن مذهبه فيها مطابق للقول المشهور. ونقل عن على بن بابويه انه جوز صوم جزاء الصيد في السفر.

ويدل على القول المشهور وهو المعتمد المنصور الأخبار المستفيضة كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبى الحسن عليه‌السلام (١) «انه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم؟ فقال : ليس من البر الصيام في السفر». والعبرة بعموم الجواب لا بخصوص السؤال.

وصحيحة عمار بن مروان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سمعته يقول من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعصى الله عزوجل أو في طلب شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم مسلمين».

ورواية أبان بن تغلب عن أبى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا وإذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا».

وموثقة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «انه قال في من ظاهر في شعبان فلم يجد ما يعتق : ينتظر حتى يصوم رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين. وان ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم».

وموثقة زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن الظهار من الحرة

__________________

(١) التهذيب ج ٤ ص ٢١٧ و ٢١٨ وفي الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٨ من صلاة المسافر.

(٣) الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٤) الوسائل الباب ٤ من بقية الصوم الواجب.

(٥) لم أقف على رواية لزرارة بهذا المضمون وانما الوارد بهذا المضمون ثلاث روايات لمحمد بن مسلم : إحداها ـ رواها في الفروع ج ٢ ص ١١٧ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) ورواها في التهذيب ج ٨ ص ١٧ عن الكليني وهي تشتمل على عدة اسئلة وفيها السؤال عن الظهار على الحرة والأمة ثم عن الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم

١٨٦

والأمة؟ قال نعم وان ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم وان صام فأصاب ما لا يملك فليقض الذي ابتدأ فيه».

وموثقته الأخرى (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ان أمي كانت جعلت عليها نذرا ان رد الله عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أم تفطر؟ فقال لا تصوم وضع الله عزوجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها. قلت فما ترى إذا هي رجعت الى المنزل أتقضيه؟ قال لا ، قلت أفتترك ذلك؟ قال : لا لأني أخاف ان ترى في الذي نذرت فيه ما تكره».

والظاهر ان المراد من قوله عليه‌السلام «وتصوم هي ما جعلت على نفسها» يعنى من صوم مستحب تعتاده ، ففيه إشارة إلى جواز الصوم المستحب في السفر كما يأتي بيانه. وقوله : «أفتترك ذلك» يعنى تنقض أصل النذر وتترك صيامه بعد رجوعها الى المنزل.

وموثقة عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لله على أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فعرض له أمر لا بد له من أن يسافر أيصوم وهو مسافر؟ قال إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة

__________________

بيان حكم الظهار في السفر. ثانيها ـ رواها الشيخ في التهذيب ج ٨ ص ٣٢٢ عن محمد ابن مسلم عن أحدهما «ع» وهي تشتمل على حكم الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم حكم الظهار في السفر. ثالثها ـ رواها الشيخ في التهذيب ج ٤ ص ٢٣٢ عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله «ع» وهي تشتمل على السؤال عن الظهار على الحرة والأمة ثم الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم الظهار في السفر. وبذلك يظهر لك أن ما نسبه الى زرارة هو جزء من موثقة محمد بن مسلم المتقدمة بلحاظ كونه عن أبى عبد الله «ع» راجع الوافي باب (كفارة الظهار ما هي؟) والوسائل الباب ٩ ممن يصح منه الصوم والباب ٤ من بقية الصوم الواجب والباب ١١ من الظهار والباب ٤ و ٥ من الكفارات.

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

١٨٧

كان أو غيره والصوم في السفر معصية».

ورواية على بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة وشهر بالمدينة وشهر بمكة من بلاء ابتلى به فقضى له انه صام بالكوفة شهرا ودخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما ولم يقم عليه الجمال؟ فقال : يصوم ما بقي عليه إذا انتهى الى بلده».

ورواية عقبة بن خالد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل مرض في شهر رمضان فلما بري‌ء أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال : إذا رجع فليقضه».

ورواية سماعة (٣) قال : «سألته عن الصيام في السفر فقال : لا صيام في السفر قد صام أناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسماهم العصاة فلا صيام في السفر إلا الثلاثة الأيام التي قال الله عزوجل في الحج (٤)».

ورواية محمد بن حكيم (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لو ان رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه».

وصحيحة زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره وكان يوم بدر في شهر رمضان وكان الفتح في شهر رمضان».

ورواية عبد الكريم بن عمرو (٧) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم عليه‌السلام؟ فقال : صم ولا تصم في السفر ولا العيدين

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٨ ممن يصح منه الصوم.

(٣ و ٦) الوسائل الباب ١١ ممن يصح منه الصوم.

(٤) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٩٣ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ).

(٥) الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٧) الوسائل الباب ١١ من بقية الصوم الواجب ، والراوي كرام ويروى عنه ابن ابى عمير.

١٨٨

ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان».

أقول : لعل النهى عن صوم اليوم الذي يشك فيه بنية النذر محمول على الكراهة بل الأفضل صومه من شعبان ليكون مجزئا عن شهر رمضان متى ظهر كونه منه بخلاف ما إذا صامه بنية النذر فإنه يحتاج إلى قضائه لو ظهر كونه من شهر رمضان.

ورواية القاسم بن ابى القاسم الصيقل (١) قال : «كتبت اليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه : قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها وتصوم يوما بدل يوم ان شاء الله تعالى».

وفي معناها صحيحة على بن مهزيار (٢) قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته : لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك. الحديث».

وصحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال : لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وإنما قيدنا في صدر المسألة عدم جواز الصوم بالمسافر الذي يلزمه التقصير لأن من ليس كذلك فحكمه حكم المقيم مثل كثير السفر والعاصي بسفره ومن نوى اقامة عشرة أيام في غير بلده أو مر بمنزل قد استوطنه أو مضى عليه ثلاثون يوما مترددا ، فإنه لا ريب في صحة الصوم من هؤلاء جميعا كما يجب عليهم إتمام الصلاة ولا خلاف فيه نصا وفتوى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٨ ممن يصح منه الصوم.

١٨٩

وفي صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام (١) «هما ـ يعنى التقصير والإفطار ـ واحد : إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت». والكلام في ذلك قد تقدم مفصلا في كتاب الصلاة.

وقد استثنى الأصحاب من المنع من صوم الواجب في السفر مواضع :

أحدها ـ صوم ثلاثة أيام بدل الهدي لإطلاق قوله عزوجل «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ» (٢).

وخصوص صحيحة رفاعة بن موسى عن ابى عبد الله عليه‌السلام الواردة في صوم هذه الأيام (٣) حيث قال فيها : «يصوم وهو مسافر؟ قال نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزوجل (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ)» (٤).

وموثقة الحسن بن الجهم (٥) قال : «سألته عن رجل فاته صوم الثلاثة الأيام في الحج قال : من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ما لم يكن عمدا تاركا فإنه يصوم بمكة ما لم يخرج منها فان ابى جماله أن يقيم عليه فليصم في الطريق».

الى غير ذلك من الروايات الآتية ان شاء الله في محلها من كتاب الحج.

ونقل عن ابن ابى عقيل المنع من ذلك في السفر.

وثانيها ـ صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا وعجز عن الفداء وهو بدنة :

لما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ضريس عن ابى جعفر عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال : عليه بدنة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من صلاة المسافر والباب ٤ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٤) سورة البقرة الآية ١٩٣.

(٣) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب الذبح من كتاب الحج.

(٥) الوسائل الباب ١١ ممن يصح منه الصوم.

(٦) الوسائل الباب ٢٣ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

١٩٠

ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله».

وثالثها ـ من نذر يوما معينا وشرط في نذره أن يصوم سفرا وحضرا ، وقد ذهب الشيخان وأتباعهما إلى أنه يصوم كذلك.

واستدل على ذلك بصحيحة على بن مهزيار المتقدمة (١) وقوله فيها : «وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك».

ويشكل ذلك بما دلت عليه من صحة صوم النذر في المرض إذا نوى ذلك مع انه لا قائل به والأخبار المتقدمة في عدم جواز صوم المريض صريحة في رده.

والظاهر انه من أجل ذلك توقف المحقق في المعتبر فقال : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا.

واعترضه السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما بأن الرواية صحيحة والإضمار الذي فيها غير ضائر وكذا جهالة الكاتب ، قال في الذخيرة بعد ذكر ذلك : وما أدري لأي سبب ضعفها المحقق؟

أقول : لا يخفى ان هذا الاصطلاح الذي نوعوا عليه الأخبار إنما وقع بعد عصر المحقق في زمن العلامة (رضوان الله عليه) أو شيخه أحمد بن طاوس وان كان قد تحدثوا به في زمانه كما يشير اليه كلامه في المعتبر إلا ان مراد المحقق كثيرا ـ كما يفهم من عباراته من وصف الضعيف السند بأنه حسن والصحيح السند بأنه ضعيف ـ إنما هو باعتبار المتن جريا على الاصطلاح القديم كما لا يخفى على من تأمل كلامه ، وقد أشرنا في مواضع من ما تقدم الى ذلك ، وهذه الرواية لما دلت على جواز صوم النذر في السفر إذا نوى ذلك في نذره ـ مع استفاضة الأخبار بالنهي عنه في السفر مطلقا كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، ودلت على جواز صوم المريض كذلك مع الاتفاق نصا وفتوى على عدم جوازه ـ صار ذلك سببا في ضعفها وردها والتوقف فيها ، إلا ان الحكم اتفاقي عندهم ولا مخالف فيه ظاهرا إلا ما يظهر من كلام المحقق (قدس‌سره).

__________________

(١) ص ١٨٩.

١٩١

ونقل العلامة في المختلف عن على بن بابويه في رسالته وابنه في مقنعه انهما استثنيا الصوم في كفارة صيد المحرم وصوم كفارة الإحلال من الإحرام ، قال وهو إشارة إلى بدل الهدى قال وان كان به أذى من رأسه (١) وصوم الاعتكاف. ثم نقل عنهما في مسألة الخلاف في صوم التطوع في السفر انهما قالا : لا يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا واستثنى من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة.

وأنت خبير بان ما نقله عن ابني بابويه هنا فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (٢) ولا يصوم في السفر شيئا من صوم الفرض ولا السنة ولا تطوع إلا الصوم الذي ذكرناه في أول الباب من صوم كفارة صيد الحرم وصوم كفارة الإحلال في الإحرام ان كان به أذى من رأسه وصوم ثلاثة أيام لطلب الحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوم الأربعاء والخميس والجمعة وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن. انتهى.

ومنه يعلم ان مستند الحكم المذكور عندهما إنما هو الكتاب المشار اليه وان من توهم عدم المستند لهما فهو ليس في محله.

ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه استثنى من الصوم الواجب الممنوع في السفر مطلق الصوم المنذور إذا علق بوقت معين فاتفق في السفر.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى؟ قال : يصومه أبدا في السفر والحضر».

والرواية مع ضعفها معارضة بما هو أصح وأصرح منها من ما دل على عدم الجواز في السفر عموما وخصوصا كما تقدم ، ومن الثاني موثقة زرارة المتقدمة

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٣ (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ).

(٢) ص ٢٦.

(٣) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

١٩٢

ورواية الصيقل وصحيحة على بن مهزيار المتقدمات (١) والشيخ حمل هذه الرواية على من نذر يوما وشرط على نفسه أن يصومه في السفر والحضر واستدل على ذلك بصحيحة على بن مهزيار المتقدمة (٢).

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأحوط أن لا يتعرض لإيقاع النذر على هذا الوجه.

السادسة ـ لو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين أو أيام التشريق في منى لم يصح صومه.

وهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ قولان أولهما للشيخ في النهاية وموضع من المبسوط وابن حمزة ونقل عن الصدوق ايضا ، والثاني للشيخ أيضا في موضع آخر من المبسوط واختاره ابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في الشرائع والعلامة في المختلف ، وظاهر الشهيد في الدروس التوقف في ذلك حيث قال بعد ذكر تحريم صوم هذه الأيام : ولو وافقت نذره لم يصمها وفي صيام بدلها قولان أحوطهما الوجوب.

ويدل على وجوب القضاء ما تقدم في سابق هذه المسألة من رواية الصيقل (٣) وصحيحة على بن مهزيار (٤) قال : «كتبت اليه يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب (عليه‌السلام) اليه : قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوما بدل يوم ان شاء الله تعالى».

وهذه الرواية قد رواها السيد السند في المدارك بطريق صحيح عن محمد بن يعقوب وزاد فيها بعد قوله «أو أضحى» «أو يوم جمعة» ثم طعن فيها باشتمالها على

__________________

(١ و ٢ و ٣) ص ١٨٧ و ١٨٩.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من كتاب النذر والعهد. والمكتوب اليه هو أبو الحسن (ع).

١٩٣

ما أجمع الأصحاب على خلافه من مساواة يوم الجمعة ليومي العيدين في تحريم الصوم. وهذه الزيادة إنما هي في رواية التهذيب (١) لا في رواية الكافي (٢) مع ان الشيخ في التهذيب (٣) أيضا قد روى هذا المتن بعينه عن القاسم بن ابى القاسم الصيقل عنه (عليه‌السلام) بغير هذه الزيادة كما قدمناه (٤) والظاهر ان هذه الزيادة انما هي سهو من قلم الشيخ أو النساخ. واما الرواية الأولى فردها بضعف السند من حيث جهالة الكاتب والمكتوب اليه. ثم نقل عن فخر المحققين بأنه أجاب عن الروايتين بالحمل على الاستحباب لأن القضاء لو كان واجبا لم يعلقه بالمشيئة بلفظ «ان» لان «أن» تختص بالمحتمل لا المتحقق. ثم رده بأنه ضعيف إذ من المعلوم ان هذا التعليق للتبرك لا للشك مع ان المندوب مساو للواجب في مشيئة الله تعالى. ثم قال : والمسألة محل تردد ولا ريب ان القضاء أولى وأحوط.

والعلامة في المختلف بعد أن اختار عدم وجوب القضاء كما قدمنا نقله عنه ـ قال : لنا ـ انه نذر صوم زمان لا ينعقد صومه فلا ينعقد نذره كما لو نذر صوم الليل ولم يعلم به. ولأن صوم العيد حرام فلا يقع قربة فلا يصح نذره ووجوب القضاء تابع للأداء. ثم نقل عن الشيخ انه احتج على وجوب القضاء برواية القاسم ابن أبى القاسم الصيقل ثم ساق الرواية. واستدل له أيضا بأنه نذر صوما على وجه الطاعة ظاهرا ولم يسلم له الزمان فكان عليه القضاء لانعقاد نذره كالمسافر. ثم أجاب عن الرواية بأنه لا يحضرني الآن حال رواتها ومع ذلك فهي مرسلة ولا تدل على المطلوب لاحتمال أن يكون الأمر بالقضاء متوجها الى المريض والمسافر أو يكون للاستحباب ولا نزاع فيه. ثم قال : ونمنع كون النذر منعقدا لأنه تناول ما لا يصح صومه وكان كما لو نذر الليل جاهلا به ، والفرق بينه وبين المسافر ظاهر لأن العيد زمان لا يقع فيه الصوم البتة وزمان السفر يصح فيه الصوم منه مع التقييد

__________________

(١) ج ٨ ص ٣٠٥.

(٢) ج ٢ ص ٣٧٣.

(٣) ج ٤ ص ٢٣٤.

(٤) ص ١٨٩.

١٩٤

بالسفر ومن غيره من المقيمين فلهذا وجب قضاؤه لأن إفطاره ليس باعتبار عدم قبول الزمان إيقاع الصوم فيه بل للإرفاق بالمسافر. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة سيما في مقابلة الاخبار خصوصا مع صحة السند في بعضها.

وقال في المنتهى : لو نذر صوم يوم بعينه فظهر انه العيد أفطر إجماعا ، وهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ فيه تردد أقربه عدم الوجوب ، لنا ـ انه زمان لا يصح صومه فلا يتعلق النذر به ولا أثر للجهالة لأنه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا ، وإذا لم يجب الأداء سقط القضاء : اما أولا ـ فلأنه إنما يجب بأمر جديد ولم يوجد. واما ثانيا ـ فلأنه يتبع وجوب الأداء والمتبوع منتف فيكون منتفيا. انتهى.

والجواب الحق ان أصل النذر لم يتعلق بالعيد وان اتفق كونه كذلك واقعا والمبطل إنما هو الأول فإن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الظاهر لا الواقع ، فقوله ـ انه لا أثر للجهالة لأنه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا ـ ممنوع أشد المنع لما ذكرناه وغاية ما يلزم من ذلك عدم جواز الصوم بعد اتفاق كونه يوم عيد وهو لا نزاع فيه إذا الكلام إنما هو في وجوب القضاء. وقوله ـ فلأنه إنما يجب بأمر جديد ـ صحيح والأمر موجود في الروايتين المتقدمتين. واما قوله ـ انه يتبع وجوب الأداء ـ فهو مناف لما ذكره أولا من قوله انه لا يجب إلا بأمر جديد. وهو من مثله (قدس‌سره) بعيد فان القول بتوقف القضاء على أمر جديد ولا تعلق له بالأداء مقابل للقول بكون القضاء تابعا للأداء بمعنى انه متى انتفى الأداء انتفى القضاء. اللهمّ إلا أن يكون مراده هنا سقوط القضاء على كلا القولين.

قال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب النذر من المسالك بعد أن أورد صحيحة على بن مهزيار حجة للشيخ ومن تبعه واستدل لهم أيضا بأن اليوم المعين من الأسبوع كيوم الاثنين مثلا قد يتفق فيه العيد وقد لا يتفق فيتناوله النذر. الى أن قال : وأجيب عن الرواية بحملها على الاستحباب لأنه لو كان واجبا لم يعلقه بالمشيئة

١٩٥

بلفظ «ان» لان «أن» مختص بالمحتمل لا بالمتحقق. ثم قال : وفيه نظر لأن من جملة المسؤول عنه ما يجب قضاؤه قطعا وهو أيام السفر والمرض والمشيئة كثيرا ما تقع في كلامهم (صلوات الله عليهم) للتبرك. وهو اللائق بمقام الجواب عن الحكم الشرعي. انتهى. وهو مؤيد لما ذكرناه وظاهر في ما اخترناه.

وكيف كان فإنه مع وجود الروايتين المذكورتين وصراحتهما في وجوب القضاء سيما مع صحة إحداهما وعدم وجود المعارض فلا مجال للخروج عن ما دلتا عليه

نعم يبقى الإشكال في انهما قد دلتا على وجوب القضاء مع اتفاق السفر في ذلك اليوم.

ومثلهما في ذلك ما رواه في الكافي عن ابن جندب (١) قال : «سأل عباد بن ميمون وانا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذر صوم وأراد الخروج في الحج فقال ابن جندب سمعت من رواه عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه سأله عن رجل جعل على نفسه صوم يوم يصومه فحضرته نية في زيارة أبى عبد الله عليه‌السلام قال : يخرج ولا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك».

وروى هذه الرواية في التهذيب عن ابن جندب (٢) قال : «سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ميمون وأنا حاضر. الى آخره.

وظاهر كلام العلامة في المختلف انه لا نزاع في وجوب القضاء هنا ، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب النذر كما سمعته من عبارته المتقدمة ، ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع حيث صرح في شرح قول المصنف (قدس‌سره) ـ لو نذر يوما معينا فاتفق السفر أفطر وقضاه وكذا لو مرض أو حاضت المرأة أو نفست ـ بما صورته بعد كلام في المقام : واما وجوب القضاء فمقطوع به في كلام الأصحاب ولم نقف على مستند سوى ما رواه الكليني. ثم ذكر رواية على ابن مهزيار (٣) بطريق فيه محمد بن جعفر الرزاز ثم طعن فيها به حيث انه غير

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم. ارجع الى لاستدراكات.

(٣) ص ١٩٣.

١٩٦

موثق وطعن في متنها بما تقدم عنه في كتاب الصوم.

وبالجملة فإن الظاهر هو العمل بالروايتين المتقدمتين في وجوب القضاء في المواضع التي اشتملتا عليها من كون ذلك العيدين أو السفر أو المرض ، والأصحاب إنما اختلفوا في ما لو اتفق في العيدين وظاهرهم الاتفاق على وجوب القضاء في السفر والمرض وهو في المرض من ما لا اشكال فيه حيث لم يرد لهما معارض في ذلك وانما الإشكال في السفر لما تقدم في موثقة زرارة الثانية من ما هو صريح في عدم وجوب القضاء.

ومثلها أيضا ما رواه الكليني والشيخ عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) «في الرجل يجعل على نفسه أياما معدودة مسماة في كل شهر ثم يسافر فتمر به الشهور : انه لا يصوم في السفر ولا يقضيها إذا شهد».

ولعل الترجيح للروايتين المتقدمتين لاعتضادهما بعمل الأصحاب مع إمكان التأويل في هذين الخبرين.

السابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في صيام التطوع في السفر فقال الشيخ المفيد (قدس الله روحه) لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو في مشهد من مشاهد الأئمة (عليهم‌السلام) قال (٢) وقد روى حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام (٣) وجاءت أخبار بكراهة ذلك وانه ليس من البر الصيام في السفر (٤). وهي أكثر وعليها العمل عند فقهاء العصابة ، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا أخذ به من جهة الاتباع ومن عمل على أكثر الروايات واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصوم في السفر على وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.

(٣) سيأتي ص ١٩٩.

١٩٧

وقال الشيخ : يكره صيام النوافل في السفر على كل حال وقد وردت رواية في جواز ذلك (١) فمن عمل بها لم يكن مأثوما إلا ان الأحوط ما قدمناه.

وقال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في الجمل : قد اختلفت الرواية في كراهة صوم التطوع في السفر وجوازه. ولم يتعرض فيه لفتوى.

وقال ابنا بابويه : لا يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا ، واستثنى من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة

وقال سلار : ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا إلا ثلاثة أيام بدل المتعة وصوم يوم النذر إذا علقه بوقت الحضر والسفر وصوم ثلاثة أيام للحاجة ، وقد روى جواز صوم التطوع في السفر (٢).

وقال ابن حمزة : صيام النفل في السفر ضربان : مستحب وهو ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجائز وهو ما عدا ذلك ، وروى كراهة صوم النافلة في السفر (٣) والأول أثبت.

وهذه الأقوال كما ترى دائرة بين الجواز من غير كراهة وهو قول ابن حمزة وبين الجواز على الكراهة وهو المشهور وبين التحريم إلا ما استثنى وهو قول الصدوقين.

والى القول بالتحريم يميل كلام السيد السند في المدارك حيث قال بعد نقل جملة من الأقوال في المسألة ما لفظه : والأصح المنع من التطوع مطلقا إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم أورد جملة من الأخبار الصحاح المتقدمة الدالة على ذلك بإطلاقها مثل صحيحة صفوان بن يحيى وصحيحة عمار بن مروان وصحيحة زرارة (٤) وصحيحة أحمد بن محمد (٥) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصيام

__________________

(١ و ٢) ستأتي ص ١٩٩.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.

(٤) ص ١٨٦ و ١٨٨.

١٩٨

بمكة والمدينة ونحن في سفر؟ فقال فريضة؟ فقلت لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة. فقال تقول اليوم وغدا؟ قلت نعم. فقال : لا تصم». ثم قال : قال الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب بعد أن أورد هذه الروايات : ولو خلينا وظاهر هذه الأخبار لقلنا ان صوم التطوع في السفر محظور كما ان صوم الفريضة محظور غير انه قد ورد فيه من الرخصة ما نقلنا عن الحظر إلى الكراهة. ثم أورد في ذلك روايتين أحدهما بطريق فيه عدة من الضعفاء والمجاهيل عن إسماعيل بن سهل عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المدينة في أيام بقين من شعبان وكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر فقيل له أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟ فقال نعم شعبان الي ان شئت صمته وان شئت لا وشهر رمضان عزم من الله عزوجل على الإفطار». والثانية رواها بطريق ضعيف جدا عن الحسن بن بسام الجمال عن رجل (٢) قال : «كنت مع ابى عبد الله عليه‌السلام في ما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟ فقال ان ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا وهذا فرض وليس لنا ان نفعل إلا ما أمرنا». ثم قال : ولا يخفى ان الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة بهاتين الروايتين الضعيفتين غير جيد.

أقول : لا يخفى ان كلامه هذا إنما يتجه بناء على ثبوت هذا الاصطلاح المحدث وصحته واما من لا يرى العمل به كاصحابنا المتقدمين وجملة من المتأخرين فلا معنى له لأنهم يحكمون بصحة الأخبار كملا والضعف عندهم ليس باعتبار الأسانيد وإنما هو باعتبار متون الأخبار ومضامينها متى خالفت السنة المستفيضة أو القواعد المقررة أو القرآن أو نحو ذلك من الوجوه التي قرروها ، ولهذا ترى الشيخين وغيرهما من المتقدمين تفادوا من طرح هذه الأخبار بحمل تلك الاخبار على الكراهة وهو

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.

١٩٩

المشهور أيضا بين المتأخرين ، على أن ما دل على الجواز ليس منحصرا في هذين الخبرين بل هو ظاهر

موثقة زرارة المتقدمة (١) لقوله عليه‌السلام : «لا تصوم وضع الله عزوجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها».

فإنه منعها عن صوم النذر الذي هو حق الله عزوجل ورخص لها في صيام المستحب وهو ما جعلته على نفسها

وروى الشيخ في الصحيح عن سليمان الجعفري (٢) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول كان ابى عليه‌السلام يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل من ما يبلغ منه من الحر».

ومن الاخبار الصريحة في المنع من الصوم المستحب موثقة عمار المتقدمة (٣) لقوله عليه‌السلام فيها «إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره والصوم في السفر معصية». ونحوها صحيحة زرارة المتقدمة (٤).

ونقل الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (٥) قال روى العياشي بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة.

بقي الكلام في أن الجمع بين هذه الأخبار بحمل اخبار التحريم على الكراهة كما ذكروه مشكل بما قدمنا ذكره في غير موضع من أن حمل اللفظ الدال على التحريم على الكراهة وإخراجه عن حقيقته مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ووجود المعارض من الأخبار ليس قرينة على ذلك. وأيضا فإن الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بالدليل الواضح واختلاف الاخبار ليس بدليل على ذلك. ولعل اخبار الجواز إنما خرجت مخرج التقية كما هو الغالب في اختلاف الأخبار ، فإن ذلك هو المناسب لمذهب العامة (٦) حيث ان أخبار المنع معتضدة بعمل الطائفة قديما وحديثا مع

__________________

(١ و ٣) ص ١٨٧.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من الصوم المندوب.

(٤) ص ١٨٨.

(٥) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.

(٦) لتجويزهم الصوم الواجب في السفر ، ارجع الى المغني ج ٣ ص ١٤٩.

٢٠٠