الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

وروى في الخصال عن الحسن بن على عليه‌السلام (١) قال : «تحفة الصائم أن يدهن لحيته ويجمر ثوبه وتحفة المرأة الصائمة أن تمشط رأسه وتجمر ثوبها وكان أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام إذا صام يتطيب ويقول : الطيب تحفة الصائم». ونحوه ما تقدم في الاخبار المتقدمة.

السابع ـ بل الثوب على الجسد ، ويدل عليه رواية الحسن بن راشد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الحائض تقضى الصلاة؟ قال لا. قلت تقضى الصوم؟ قال نعم قلت من أين جاء هذا؟ قال ان أول من قاس إبليس. قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال نعم. قلت فيبل ثوبا على جسده؟ قال لا. قلت من أين جاء هذا؟ فقال من ذاك».

وعن الحسن الصيقل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ فقال : لا».

وعن عبد الله بن سنان (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لا تلزق ثوبك الى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره».

ومن ما يدل على ان ذلك على جهة الكراهة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء».

الثامن ـ جلوس المرأة في الماء ، ويدل عليه ما رواه الشيخ عن حنان بن سدير عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الصائم يستنقع في الماء فقال

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٥) التهذيب ج ٤ ص ٢٦ وفي الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم. وتراجع الاستدراكات.

(٦) التهذيب ج ٤ ص ٢٦٣ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم. واللفظ «سألت أبا عبد الله (ع) ...» والشيخ يرويه عن الكليني.

١٦١

لا بأس ولكن لا ينغمس فيه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بفرجها».

قال في المعتبر : وحنان المذكور واقفي لكن روايته حسنة مشهورة فتحمل على الكراهة كما اختاره الشيخان.

وقال أبو الصلاح : إذا جلست المرأة في الماء الى وسطها لزمها القضاء. ونقل عن ابن البراج انه أوجب الكفارة أيضا بذلك. وهما ضعيفان.

وألحق الشهيد في اللمعة بالمرأة الخنثى والخصى الممسوح لمساواتهما لها في العلة. وفيه تأمل.

التاسع ـ الشعر ولم يذكره أكثر الأصحاب في مكروهات الصيام ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : تكره رواية الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة وان يروى بالليل. قال قلت : وان كان شعر حق؟ قال وان كان شعر حق».

وبالإسناد عن حماد بن عثمان وغيره عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا ينشد الشعر بالليل ولا ينشد الشعر في شهر رمضان بليل ولا نهار. فقال له إسماعيل : يا أبتاه فإنه فينا قال وان كان فينا». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن حماد مثله (٣) ورواه الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (٤).

أقول : لا يخفى أن بإزاء هذين الخبرين من الأخبار ما هو ظاهر في المدافعة والمناقضة بالنسبة الى ما كان شعر حق من ما كان متضمنا لحكمة أو وعظ أو مدح أهل البيت (عليهم‌السلام) أو رثائهم ، ولهذا ان أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد خصوا الكراهة بالنسبة إلى كراهة إنشاد الشعر في المسجد أو يوم الجمعة أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة والبقاع المنيفة بما كان من الإشعار الدنيوية الخارجة عن ما ذكرناه ، وممن صرح بذلك شيخنا الشهيد في الذكرى والشهيد الثاني في جملة من شروحه والمحقق الشيخ على والسيد السند في المدارك.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من آداب الصائم.

١٦٢

ومن الأخبار الظاهرة في ما ذكرناه صحيحة على بن يقطين (١) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن إنشاد الشعر في الطواف فقال : ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به». ومورد الخبر كما ترى في الطواف مع تصريح الخبر الأول بمنع المحرم منه وفي الحرم.

وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) (٢) في الصحيح عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة».

وروى فيه أيضا (٣) بسنده فيه عنه عليه‌السلام قال : «ما قال فينا قائل بيتا من الشعر حتى يؤيد بروح القدس».

وروى فيه أيضا (٤) عن الحسن بن الجهم قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول : «ما قال فينا مؤمن شعرا يمدحنا به إلا بنى الله تبارك وتعالى له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات يزوره فيها كل ملك مقرب ونبي مرسل». ونحوها ما ورد في مراثي الحسين (عليه‌السلام) (٥).

وهي كما ترى دالة على ان ذلك من أفضل الطاعات وأشرف العبادات.

وقد روى الصدوق أيضا في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (٦) قال : حدثنا أبي (رحمه‌الله) قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من القوم؟ قالوا وفد بكر بن وائل. قال فهل

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٤ من الطواف ، وهو نقل بالمضمون.

(٢ و ٣ و ٤) ج ١ ص ٧.

(٥) البحار ج ١٠ ص ١٦٦ وسفينة البحار ج ١ ص ٥٠٩.

(٦) ص ٩٩ و ١٠٠.

١٦٣

عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟ قالوا بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فما فعل؟ قالوا مات. ثم ساق الحديث الى ان قال : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة واحدة ، ثم قال : هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا؟ قال بعضهم سمعته يقول :

في الأولين الذاهبين

من القرون لنا بصائر

لما رأيت مواردا

للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها

تمضى الأصاغر والأكابر

لا يرجع الماضي الى

ولا من الباقين غابر

أيقنت انى لا محالة

حيث صار القوم صائر. الحديث.

فانظر الى هذا الخبر فإنه مع صحته صريح في جواز إنشاد شعر هذا الحكيم بين يديه صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد الحرام وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك.

وروى أمين الإسلام الشيخ أبو على الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب الآداب الدينية للخزانة المعينية (١) عن خلف بن حماد قال : «قلت للرضا عليه‌السلام ان أصحابنا يروون عن آبائك (عليهم‌السلام) ان الشعر ليلة الجمعة ويوم الجمعة وفي شهر رمضان وفي الليل مكروه وقد هممت أن أرثي أبا الحسن (عليه‌السلام) وهذا شهر رمضان فقال إرث أبا الحسن (عليه‌السلام) في ليالي الجمع وفي شهر رمضان وفي سائر الأيام فإن الله عزوجل يكافئك على ذلك».

وبالجملة فالظاهر هو تخصيص الكراهة في جميع ما ورد فيه كراهة إنشاد الشعر من زمان شريف أو مكان منيف بما ذكرناه آنفا ، ولا يبعد عندي حمل المبالغة في الخبرين المتقدمين على التقية.

العاشر ـ في جمل من المنهيات التي وردت بها الأخبار وان لم يذكرها أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذا المقام ، وقد تقدم جملة منها في الفائدة

__________________

(١) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

١٦٤

السادسة من الفوائد المذكورة في صدر الكتاب :

ومنها ايضا ـ الجدال والجهل والحلف لما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل ابن يسار عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام في الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع الى الايمان والحلف بالله وان جهل عليه أحد فليتحمل». ورواه الكليني والصدوق مثله (٢).

المطلب الثالث ـ في من يصح منه ومن لا يصح وفيه مسائل الأولى ـ إنما يجب الصيام لو كان واجبا ويصح مطلقا من المكلف المسلم غير المتضرر به الطاهر من الحيض والنفاس ، فلا يجب ولا يصح من الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه ولا الكافر ولا الحائض ولا النفساء ولا المريض.

اما انه لا يجب ولا يصح من الصبي ولا المجنون فهو من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، لأن التكليف يسقط مع عدم العقل ، وقد نقل عن العلامة وغيره ان الجنون إذا عرض في أثناء النهار لحظة واحدة أبطل صوم ذلك اليوم ، ونقل عن الشيخ انه ساوى بينه وبين الإغماء في الصحة مع سبق النية ، قال في المدارك : ولا يخلو من قرب. والمسألة غير منصوصة والاحتياط في الوقوف على الأول.

واما انه لا يجب على الكافر فهو الظاهر عند جملة من محدثي متأخري المتأخرين وهو الظاهر عندي ، خلافا للمشهور من أن الكافر مخاطب بالفروع وان لم تصح منه إلا بالإسلام ، ومرجعه الى أن الإسلام عندهم شرط في الصحة لا في الوجوب.

والمفهوم من الاخبار كما قدمنا تحقيقه في باب غسل الجنابة انه شرط في الوجوب.

ومن الأخبار الدالة على اشتراط الإسلام ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من آداب الصائم.

١٦٥

عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال ليس عليه إلا ما أسلم فيه». وزاد في الفقيه (٢) «وليس عليه أن يقضى ما قد مضى منه».

وما رواه في الكافي عن مسعدة بن صدقة عن أبى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) «ان عليا عليه‌السلام كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان انه ليس عليه إلا ما يستقبل».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح من بعضهم عن العيص بن القاسم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر».

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحلبي (٥) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلم بعد ما دخل في شهر رمضان أياما؟ فقال ليقض ما فاته». ـ

فقد حمله الشيخ على ما إذا فاته بعد الإسلام لعارض من مرض أو جهل بالوجوب أو غير ذلك ، وحمله بعضهم على الاستحباب.

وكما دلت هذه الأخبار على سقوط الأداء دلت على سقوط القضاء ايضا. نعم ذهب الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط على ما نقل عنه إلى انه متى أسلم قبل الزوال يصوم وان تركه قضاه وجوبا ، وقواه المحقق في المعتبر لإطلاق الأمر بالصوم وبقاء وقت النية على وجه يسرى حكمها إلى أول النهار كالمريض والمسافر. وظاهر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام شهر رمضان ، والراوي في الفروع والتهذيب هو الحلبي وفي الفقيه ج ٢ ص ٨٠ هكذا : «سئل الصادق ع» وقال في الوسائل : «ورواه الصدوق مرسلا» ويمكن أن يكون وصف الطريق بالصحة في رواية الصدوق بلحاظ ان نسبة السؤال والجواب اليه (ع) يكشف عن وصوله اليه بطريق صحيح.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام شهر رمضان.

١٦٦

صحيحة العيص المتقدمة يرده حيث قيد القضاء بالإسلام قبل الفجر.

واما انه لا يصح من المغمى عليه فهو المشهور بين الأصحاب لتصريحهم بأنه يفسد بحصول الإغماء في جزء من اجزاء النهار كالجنون ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة : فإن استهل الشهر عليه وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه لأنه في حكم الصائم بالنية والعزيمة على أداء الفرض. ونحوه قال الشيخ في الخلاف.

احتج العلامة في المنتهى على ما اختاره من القول المشهور بأنه بزوال عقله يسقط التكليف عنه وجوبا وندبا فلا يصح منه الصوم مع سقوطه ، وبان كل ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون والحيض ، وبان سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم والأول ثابت على ما يأتي فيتحقق الثاني.

ولا يخفى ما في هذه الأدلة من الوهن وعدم الصلوح لابتناء الأحكام الشرعية لو كانت صحيحة فكيف ووجوه الطعن عليها متجهة.

اما الأول فبالمنع من الملازمة فإن النائم غير مكلف قطعا مع ان صومه لا يفسد بذلك إجماعا.

واما الثاني فبالمنع من كون الإغماء في جميع النهار مفسدا للصوم مع سبق النية بل ذلك محل النزاع فكيف يجعل دليلا؟

واما الثالث فبان سقوط القضاء يجامع صحة الأداء وفساده كما ان وجوبه يجامع وجوب الأداء وعدمه ، لأنه فرض مستأنف منفك عن الأداء فيتوقف على الدليل وينتفي بانتفائه ، وحينئذ فلا يكون في سقوط القضاء دلالة على سقوط الأداء.

والحق انه مع قيام الأدلة كما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام على سقوط القضاء عن المغمى عليه مطلقا فالنزاع في صحة صومه هنا وبطلانه مع تقديم النية لا ثمرة

١٦٧

فيه إلا باعتبار ترتب الثواب عليه عند الله تعالى وعدمه ، فان قلنا بأن الإغماء لا يبطله في صورة تقديم النية كان مستحقا للثواب عليه وان قلنا بالإبطال فلا ثواب وحينئذ فليس في النزاع هنا كثير فائدة. والله سبحانه العالم بصحته أو بطلانه يعامله بما علم من ذلك.

قيل : والحق ان الصوم ان كان عبارة عن مجرد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النية كما اختاره الشيخان ، وان اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع اجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك اتجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء ، لأنه لا يوصف بوجوب ولا ندب ويلزم من فساده فساد الكل لأن الصوم لا يتبعض. إلا ان ذلك منفي بالأصل ومنقوض بالنائم فإنه غير مكلف قطعا مع ان صومه لا يفسد بذلك إجماعا. كذا ذكره السيد السند في المدارك أقول : لقائل أن يختار الشق الأخير وهو أن يعتبر مع ذلك وقوعه بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب لكن لا مطلقا بل مع الإمكان فلا ينافيه حصول الغفلة أو النسيان عن ذلك ولا الإغماء ولا النوم ويصير حكم الإغماء كهذه الأشياء المذكورة ، وحينئذ فيمكن الحكم بالصحة في موضع البحث. وسيأتي في كلامه (قدس‌سره) في مسألة النوم ما يؤيد ما قلناه هنا.

واما انه لا يجب على الحائض والنفساء ولا يصح منهما سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر فهو موضع وفاق بين الأصحاب كما ذكروه.

ويدل عليه روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم البجليّ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل ان تغيب الشمس؟ قال : تفطر حين تطمث».

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٩٣ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ٢٥ ممن يصح منه الصوم.

١٦٨

وفي الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر؟ قال نعم وان كان وقت المغرب فلتفطر. قال : وسألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار في شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم كيف تصنع في ذلك اليوم؟ قال : تفطر ذلك اليوم فإنما إفطارها من الدم».

وما رواه ابن بابويه عن أبى الصباح الكناني عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت انفطر؟ قال : نعم وان كان قبل المغرب فلتفطر. وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار من شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم شيئا كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال : إنما فطرها من الدم».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) «انه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال : تفطر ثم تقضى ذلك اليوم».

واما انه لا يصح من المريض مع التضرر به فهو من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى في ما أعلم ، ويتحقق الضرر الموجب للإفطار بزيادة المرض بسبب الصوم أو بطوء البرء أو حصول المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة أو حدوث مرض آخر والمرجع في ذلك كله الى الظن الغالب سواء استند إلى امارة أو تجربة أو قول عارف وان لم يكن عدلا.

ويدل على وجوب الإفطار في هذه المسألة قوله عزوجل : «وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ... الآية» (٤).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن حريز عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم والشيخ برؤية عن الكليني.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٩٤ وفي الوسائل الباب ٢٥ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٢٦ ممن يصح منه الصوم.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٥) الوسائل الباب ١٩ و ٢٠ ممن يصح منه الصوم.

١٦٩

«الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر. وقال : كل ما أضربه الصوم فالإفطار له واجب».

وفي الصحيح عن بكر بن محمد الأزدي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سأله ابى وأنا أسمع عن حد المرض الذي يترك الإنسان فيه الصوم؟ قال : إذا لم يستطع أن يتسحر».

وفي الموثق عن ابن بكير عن زرارة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال : بل الإنسان على نفسه بصيرة (٣) هو أعلم بما يطيقه».

وفي الموثق عن سماعة (٤) قال : «سألته ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر «مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ»؟ قال : هو مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر وان وجد قوة فليصمه كان المرض ما كان».

وفي الصحيح عن جميل بن دراج عن الوليد بن صبيح (٥) قال : «حممت بالمدينة في شهر رمضان فبعث الي أبو عبد الله عليه‌السلام بقصعة فيها خل وزيت وقال : أفطر وصل وأنت قاعد».

وما رواه في الكافي والفقيه عن سليمان بن عمرو عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦)

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٨٣ وفي الوسائل الباب ٢٠ ممن يصح منه الصوم.

(٣) قال الله تعالى في سورة القيامة الآية ١٥ (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).

(٤) الوسائل الباب ٢٠ ممن يصح منه الصوم. والرواية للكليني في الفروع ج ١ ص ١٩٥ ويرويها الشيخ عنه في التهذيب ج ٤ ص ٢٥٦ من الطبع الحديث.

(٥) الوسائل الباب ١٨ ممن يصح منه الصوم.

(٦) الوسائل الباب ١٩ ممن يصح منه الصوم.

١٧٠

قال : «اشتكت أم سلمة عينها في شهر رمضان فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تفطر وقال عشاء الليل لعينك ردى».

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : وقال عليه‌السلام : «كل ما أضر به الصوم فالإفطار له واجب».

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن عقبة بن خالد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) ـ «في رجل صام شهر رمضان وهو مريض؟ قال يتم صومه ولا يعيد». ـ فحمله في التهذيب على مرض لا يضر معه الصوم غير بالغ الى حد وجوب الإفطار.

تفريعان

الأول ـ قال العلامة في المنتهى : الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام هل يباح له الإفطار؟ فيه تردد ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته عن معارضة المرض ، ومن كون المريض إنما أبيح له الفطر لأجل الضرر به وهو حاصل هنا لأن الخوف من تجدد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله. انتهى.

ويمكن ترجيح الوجه الثاني بعموم قوله عزوجل (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) وبقوله (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٤) وقوله عليه‌السلام في صحيحة حريز المتقدمة ورواية الفقيه (٥) «كل ما أضر به الصوم فالإفطار له واجب».

ويؤيده أيضا ان أصل المرض مع عدم بلوغه حد الإضرار لا يكون مبيحا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ ممن يصح منه الصوم. وهو عين ما تقدم في ذيل صحيح حريز وليس حديثا غيره.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ ممن يصح منه الصوم.

(٣) سورة الحج الآية ٧٨.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٥) ظاهره (قدس‌سره) ان هذا اللفظ أورده الصدوق في الفقيه بطريقين مع ان الأمر ليس كذلك فان ما ذكره في ذيل صحيحة حريز هو الذي ذكره بنحو الإرسال كما تقدم.

١٧١

للإفطار وإنما يبيح الإفطار خوف التضرر بزيادته أو نحوها من ما قدمناه ، فاصل المرض والصحيح الذي ليس بمريض بالكلية أمر واحد ، وبالجملة فإن أصل المرض لا مدخل له حتى يتجه ما ذكره من وجوب الصوم بالعموم وسلامته من معارضة المرض ، فإن الذي أوجب الإفطار إنما هو المتجدد بالصيام فهذا هو المعارض وهو هنا حاصل.

الثاني ـ لو صح من مرضه قبل الزوال ولم يتناول شيئا وجب عليه الصوم وان كان بعد الزوال أو كان تناول شيئا استحب له الإمساك تأديبا على المشهور ، ونقل عن الشيخ المفيد الوجوب أيضا وان وجب عليه القضاء.

اما وجوب الصوم في الصورة الأولى فاستدل عليه العلامة في المنتهى والتذكرة وقبله المحقق في المعتبر بأنه قبل الزوال يتمكن من أداء الواجب على وجه تؤثر النية في ابتدائه فوجب. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال وقال في المدارك : ويدل عليه فحوى ما دل على ثبوت ذلك في المسافر فان المريض أعذر منه. وفيه ما عرفت في ما تقدم في بحث النية.

وبالجملة فحيث كانت المسألة عارية من النص في هذا المجال فهي لا تخلو من الاشكال.

واما عدم الوجوب في الصورة الثانية فاما في صورة التناول فلا اشكال فيه لبطلان الصوم بذلك ، واما في صورة ما بعد الزوال فعللوه بفوات وقت النية ، وهو محل إشكال أيضا فإنه قد تقدم النقل عن ابن الجنيد القول بجواز تجديد النية ولو بعد الزوال ، وعليه تدل ظواهر جملة من الأخبار المتقدمة ثمة.

وبالجملة فإن المسألة في كل من الطرفين غير خالية من شوب الاشكال.

احتج الشيخ المفيد على ما نقل عنه من وجوب الإمساك وان أفطر بأنه وقت يجب فيه الإمساك على غير المريض والتقدير برؤه فيه.

وأجاب عنه في المختلف بأنه إنما يجب الإمساك على الصحيح لوجوب صوم

١٧٢

ابتدأ به اما على تقدير عدمه فلا.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف في أن النائم إذا سبقت منه النية وان استمر نومه في جميع النهار فان صومه صحيح لتحقق الصوم الذي هو عبارة عن الإمساك عن تعمد المفطر مع النية.

ويدل عليه الأخبار الكثيرة ومنها ـ ما رواه الكليني بسنده عن الحسن بن صدقة (١) قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام قيلوا فان الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه». ورواه الصدوق مرسلا (٢) وفي ثواب الأعمال مسندا (٣).

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (٤) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح». قال : وقال الصادق عليه‌السلام (٥) «الصائم في عبادة وان كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما». ورواه الشيخ مرسلا (٦) ورواهما الصدوق (٧)

وقال ابن إدريس ان النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا. وغلطه العلامة في المختلف قال : لأنه بحكم الصائم ولا تسقط عنه التكاليف بنومه لزوال عذره سريعا. انتهى.

قيل : ومراد ابن إدريس ان الإمساك في حال النوم لا يوصف بوجوب ولا ندب ولا يوصف بالصحة لكنه بحكم الصحيح في استحقاق الثواب عليه للإجماع

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم ، وهو يرويه عن الصادق (ع) عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) راجع المقنعة ص ٤٩ ورواه الكليني في الفروع ج ١ ص ١٨٠ والشيخ في التهذيب ج ٤ ص ١٩٠.

(٥) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم ، وهو كسابقه يرويه عن الصادق «ع» عن رسول الله «ص».

(٦) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم ، وقد رواه وما قبله كما تقدم عن الكليني راجع الفروع ج ١ ص ١٨٠ والتهذيب ج ٤ ص ١٩٠.

(٧) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم.

١٧٣

القطعي على ان النوم لا يبطل الصوم.

أقول : فيه أولا ـ انه لا يخفى بعد انطباق كلام ابن إدريس على هذا المذكور وثانيا ـ ان ما ادعاه من أن صوم النائم لا يوصف بالصحة وإنما هو بحكم الصحيح مبنى على تعريفهم الصوم بما ذكروه من أنه الإمساك عن تعمد الإفطار مع النية ، وهذا التعريف مجرد اصطلاح منهم (رضوان الله عليهم) ولا أثر له في النصوص ، ومن الجائز بناء على هذا التعريف أيضا اختصاص ذلك بغير الغافل والساهي والنائم والمغمى عليه ونحوهم وهذا التعريف خرج بناء على الغالب المتكثر فلا منافاة.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك انه لا يعرف خلافا ممن يعتد به من العامة (١) والخاصة في أن النوم غير مبطل للصوم ولا مانع منه ، ولانه لو أبطله لحرم النوم على الصائم اختيارا حيث يجب المضي فيه وهو خلاف الإجماع والنصوص الدالة على إباحته بل المجازاة عليه في الآخرة كما روى ان نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح (٢). ونقل عن ابن إدريس ان النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا وقد عرفت فساده. ثم قال (فان قيل) النائم غير مكلف لانه غافل ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «رفع القلم عن ثلاثة ...». وعد منهم النائم حتى يستيقظ ، وقد أطبق المحققون في الأصول على استحالة تكليفه وذلك يقتضي عدم وقوع الجزء الحاصل وقت النوم شرعيا لأنه غير مكلف به ، ويلحقه باقي النهار لأن الصوم لا يقبل التجزئة في اليوم الواحد ، وهذا يؤيد ما ذكره ابن إدريس بل يقتضي عدم جواز النوم اختيارا على الوجه المذكور (قلنا) تكليف النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء بمعنى توجه الخطاب الى المكلف بالفعل وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب ، وقد ينظر فيه من حيث

__________________

(١) راجع المغني ج ٣ ص ٩٨ والمجموع ج ٦ ص ٣٤٥.

(٢) ص ١٧٣.

(٣) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٤.

١٧٤

الاستدامة بمعنى انه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة وغيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء ، والقسم الأول لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق من غير فرق بين أنواع الغفلة ، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين وغيرهم امتناعه كما يرشد الى ذلك دليلهم عليه وان أطلقوا الكلام فيه ، لأنهم احتجوا عليه بان الإتيان بالفعل المعين لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر ونحوه ، فان هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعا إذ لا تتوقف صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على الوجه المطلوب كما سنبينه. واما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب والتهيؤ له أصلا كالجنون والإغماء على أصح القولين وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه ، وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء التعقل ، وهذه المعاني وان منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع من استدامته إذا وقع على وجهه. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه غير جيد فان كلام الأصوليين مطلق في امتناع تكليف الغافل ، وكذا الدليل الذي عولت عليه الإمامية في امتناع ذلك من كونه قبيحا عقلا لجريانه مجرى تكليف البهائم والجمادات صريح في سقوط التكاليف كلها عنه وكذا حديث رفع القلم. وبالجملة فالمستفاد من الأدلة العقلية والنقلية عدم تكليف الغافل بوجه وانه لا فرق بين المجنون والمغمى عليه والنائم في ذلك ، لاشتراك الجميع في تحقق الغفلة المقتضية لقبح التكليف معها سواء في ذلك الابتداء والاستدامة. على ان اللازم من كون النائم مكلفا بالاستدامة كونه آثما بالإخلال بها وهو باطل ضرورة. وكيف كان فلا ضرورة الى ما ارتكبه الشارح (قدس‌سره) من التكلف في هذا المقام بعد ثبوت عدم منافاة النوم للصوم بالنص والإجماع. انتهى.

أقول : الظاهر ان ما ذكره (قدس‌سره) في الإيراد على جده (طاب ثراه)

١٧٥

لا يخلو من شي‌ء ، وذلك فان مبنى كلام جده بالنسبة إلى القسم الثاني وهو عروض هذه الأشياء في الاستدامة على الفرق بين ما يبطل به الصيام ـ من الجنون والسكر ونحوهما الإغماء على ما اختاره من حيث انها مزيلة للعقل كما صرح به جده في صدر كلامه في الكتاب المذكور ، وكل ما كان مزيلا للعقل عندهم فهو مخرج عن أهلية التكليف ومبطل للعبادة ـ وبين ما لا يبطل به من النوم والسهو والنسيان فإنها غير مزيلة للعقل وإنما تغطى الحواس الظاهرة وتعطلها وتبطل التمييز والعقل معها باق على حاله ، فهذه ان عرضت في الابتداء فلا إشكال عنده كما ذكره في حصول العذر بها لامتناع التكليف بالفعل من حيث الغفلة والخطاب لا يتوجه الى الغافل لامتناع تكليفه لأنه من باب تكليف ما لا يطاق وهو منفي عقلا ونقلا ، وان عرضت بعد أن انعقد الفعل وصح فلا وجه لبطلان الفعل إذ الإبطال في الصورة السابقة إنما هو من حيث زوال العقل والحال ان العقل هنا موجود ، وليس هنا إلا توهم وجوب الاستدامة والاستدامة الفعلية منفية إجماعا بل الحكمية في الصوم على ما صرح به السيد وجده في ما تقدم ، فلا موجب لبطلان الصوم بعد الحكم بصحته أولا.

واما ما ذكروه من ما قدمنا نقله عنهم قريبا ـ من أنه يجب نية الوجوب أو الندب في كل جزء جزء من نهار الصوم ، وهنا يمتنع تكليفه بذلك من حيث الغفلة لامتناع تكليف الغافل فيبطل هذا الجزء من اليوم ويبطل بذلك بقية اليوم لأن الصوم لا يتبعض ـ فلم يقم عليه دليل ، وحينئذ فيكون صومه حال النوم والنسيان بعد انعقاده بالنية السابقة صحيحا والقول ببطلانه يتوقف على الدليل وليس فليس.

الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه يستحب تمرين الصبي على الصوم قبل البلوغ ، قال الشيخ في النهاية : ويستحب ان يؤخذ الصبيان بالصيام إذا أطاقوه وبلغوا تسع سنين وان لم يكن واجبا عليهم ولم يتعرض لما قبل التسع وظاهره ان مبدأ الأمر لهم بذلك كمال التسع ، ونقل عنه في المختلف انه قال في المبسوط ان مبدأ ذلك بعد تمام سبع سنين ، وعن الشيخ المفيد انه يؤخذ بالصيام

١٧٦

إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم ، بذلك جاءت الآثار. وقال ابن الجنيد يستحب أن يعود الصبيان وان لم يبلغوا الصيام ويؤخذوا إذا أطاقوا صيام ثلاثة أيام تباعا. وعن ابني بابويه يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت وإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر ، وإذا صام ثلاثة أيام ولاء أخذ بصوم الشهر كله. واستقرب في المختلف ما ذهب إليه في المبسوط.

أقول : والظاهر ان السبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في هذه المسألة :

ومنها ـ صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بنى سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان الى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا». أقول : والغرث بالغين المعجمة والراء المهملة والثاء المثلثة : الجوع.

وروى هذا الخبر في الفقيه أيضا مرسلا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢).

وروى فيه أيضا مرسلا (٣) قال : «قال الصادق عليه‌السلام الصبي يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ ممن يصح منه الصوم. واللفظ فيه مطابق لما ورد في الوافي باب (صيام الصبيان ومتى يؤخذون به وفيه هكذا : «إذا كانوا في سبع سنين» وحيث ان الوارد في غيره من كتب الحديث «بنى سبع» أوردناه كذلك.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٩ ممن يصح منه الصوم.

١٧٧

وروى في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبى عبد الله عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (١) قال : «الصبي إذا أطاق أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان».

وروى في الكافي والفقيه في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن الصبي متى يصوم؟ قال : إذا قوى على الصيام».

وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) «انه سئل عن الصبي متى يصوم؟ قال : إذا أطاقه».

وروى الثلاثة في كتبهم الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال : ما بينه وبين خمس عشرة وأربع عشرة سنة فان هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته».

قال في الفقيه : وهذه الأخبار كلها متفقة المعاني يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ تسع سنين إلى أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة والى الاحتلام ، وكذلك المرأة إلى الحيض. ووجوب الصيام عليهما بعد الاحتلام والحيض وما قبل ذلك تأديب. انتهى.

أقول : ولعل من جعل التمرين بعد السبع أخذ بصدر صحيحة الحلبي ومن ناطه بالتسع أخذ بعجزها مع المرسلة المنقولة عن الفقيه ، ولعله الأظهر لكثرة الأخبار به زيادة على ما نقلناه ، ولدلالة صحيحة الحلبي على ان الأمر بعد السبع إنما هو لأولادهم (عليهم‌السلام) والذي أمروا به شيعتهم إنما هو بعد التسع ، ومن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ ممن يصح منه الصوم ، وقد رواه في الفروع ج ١ ص ١٩٧ عن ابى عبد الله «ع» وفي التهذيب ج ٤ ص ٢٨١ الطبع الحديث عن ابى عبد الله عن أبيه عن على «ع» وص ٣٢٦ عن ابى عبد الله عن أبيه «ع» وفي الفقيه ج ٢ ص ٧٦ عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق «ع» واللفظ هنا مطابق لما ورد ص ٢٨١ من التهذيب.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٩ ممن يصح منه الصوم.

١٧٨

قيد بصيام ثلاثة أيام متتابعة أخذ برواية السكوني.

واما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه فهو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام (١) : واعلم ان الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت ، فان غلب عليه الجوع والعطش أفطر ، وإذا صام ثلاثة أيام ولاء يأخذه بصيام الشهر كله. انتهى.

واما ما ذكره المحقق في الشرائع ـ من انه يمرن الصبي والصبية على الصوم قبل البلوغ ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة ـ

فلم نقف له على دليل والروايات كما عرفت منها ما دل على السبع أو التسع أو القدرة على ثلاثة أيام متواليات أو الإطاقة والقوة على الصيام ، والذي يتلخص من الجمع بينها وضم بعضها الى بعض هو ان مراتب الأطفال في القوة والضعف والإطاقة وعدمها متفاوتة وبلوغ التسع أعلى المراتب بمعنى إمكان ذلك وتيسره من الجميع ، واما ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة فبعض يكلف قبل السبع لاطاقته ذلك وبعض بوصولها وبعض بعدها وهكذا.

وما صرحت به رواية السكوني من الوجوب فهو محمول على تأكد الاستحباب للإجماع نصا وفتوى على اناطة الوجوب الشرعي بالبلوغ ، ومن المحتمل قريبا حمل الخبر المذكور على التقية فإنه منقول عن أحمد محتجا بما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) قال : «إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان».

ثم لا يخفى ان مورد الأخبار المتقدمة إنما هو الصبي خاصة والأصحاب قد

__________________

(١) ص ٢٥.

(٢) الإنصاف ج ٣ ص ٢٨١ ، وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج ٣ ص ١٥٤ بعد ان ذكر عدم الوجوب حتى يبلغ : وذهب بعض أصحابنا إلى إيجابه على الغلام المطيق له إذا بلغ عشرا لما روى. ثم نقل الرواية المذكورة في المتن وقال بعد ذلك : والمذهب الأول واستدل لذلك بحديث رفع القلم. وارجع الى نيل الأوطار ج ٤ ص ٢١١.

١٧٩

عمموا الحكم في الصبي والصبية فذكروهما معا ، وعللوه بأن المقتضي في الصبي موجود في الصبية. ولا يخلو من توقف إذ من الجائز اختصاص الحكم بالصبي خاصة كما لا يخفى.

واما البحث في كون صوم الصبي هنا شرعيا يستحق عليه الثواب أو تمرينيا فقد تقدم الكلام فيه في الموضع العاشر (١) من المطلب الأول.

بقي هنا شي‌ء وهو انه نقل في المختلف عن الشيخ في الخلاف انه قال : الصبي إذا نوى الصوم ثم بلغ في الأثناء وجب عليه الإمساك. ونقل عنه انه قال في كتاب الصلاة منه : إذا دخل في الصوم ثم بلغ أمسك بقية النهار تأديبا وليس عليه قضاء. ثم قال في المختلف : والوجه هو الثاني وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس ، لنا ـ ان الصوم عبادة لا تقبل التجزئة وهو في أول النهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف به في باقيه.

احتج بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار فيجب عليه إتمامه. والجواب المنع من شرعية صومه وانعقاده. انتهى.

أقول : قد صرح جملة من الأصحاب بان من فروع الخلاف في صوم الصبي بأنه تمريني أو شرعي الاتصاف بالصحة والبطلان فيتصف على الثاني دون الأول ، وترتب الثواب وعدمه فيترتب على الثاني دون الأول ، والاجتزاء به لو بلغ في أثناء النهار فإنه ينوي الوجوب ويصح صومه على الثاني دون الأول.

والظاهر ان الشيخ في كتاب صوم الخلاف إنما صرح بوجوب الإمساك بناء على كون الصوم عنده شرعيا والعلامة لما كان مذهبه في المختلف انه تمريني ادعى منافاة أول اليوم لآخره وادعى انه في الأول غير مكلف فلا يقع التكليف به في باقيه. وفيه نظر قد أوضحناه في ما تقدم في الموضع المشار اليه آنفا ، مع انه في المنتهى اختار كون صومه صحيحا شرعيا فقال : ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية ذلك. الى أن قال : فكان صومه ثابتا في نظر الشرع ، وإذا ثبت ذلك فان صومه

__________________

(١) ص ٥٣ الموضع الحادي عشر.

١٨٠