الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

الغسل يتحقق بإخراج البدن من الماء ، لكن لي في ذلك تأمل لأن المتبادر من الغسل المأمور به في الاخبار غير ذلك ، وبالجملة لا يحصل اليقين بامتثال التكليف بهذا الفعل. انتهى.

الرابع ـ ذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) ايضا ان المرتمس ناسيا يرتفع حدثه لعدم توجه النهي اليه ، وان الجاهل عامد.

قال سبطه في المدارك : وما ذكره (قدس‌سره) في حكم الناسي جيد ، لكن الأظهر مساواة الجاهل له في ذلك لاشتراكهما في عدم توجه النهي إليهما وان أثم الجاهل بتقصيره في التعلم على بعض الوجوه كما بيناه مرارا.

أقول : وما ذكره (قدس‌سره) من معذورية الجاهل جيد لكنه لم يقف عليه في جميع الأحكام ، وقد تقدم الكلام معه في المسألة الأولى في حكم المفطر جاهلا حيث صرح ثمة بخلاف ما ذكره هنا.

المسألة الرابعة ـ في بقية ما يجب الإمساك عنه وبيان الخلاف فيه وهي ثلاثة

الأول ـ الكذب على الله أو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمة (عليهم‌السلام) وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك مع اتفاقهم على عدم الإفساد بغيره من أنواع الكذب ، فنقل عن الشيخين والمرتضى في الانتصار وأبى الصلاح وابن البراج انه يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة. وعن المرتضى في الجمل وابن إدريس وهو المشهور بين المتأخرين عدم فساد الصوم به وان حرم ، ونقل في المختلف عن على بن بابويه انه عده في المفطرات.

احتج القائلون بعدم الإفساد كما نقله في المدارك بالأصل والحصر المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١).

وفيه ان الأصل يجب الخروج عنه بالدليل الآتي ، وصحيحة محمد بن مسلم المذكورة لا يمكن حملها على الحصر الحقيقي لخروج جملة من المضرات بالصوم عن ذلك

__________________

(١) ص ١٣٤.

١٤١

فالاستناد إليها لا يخلو من مجازفة.

ويدل على القول الأول الاخبار : ومنها ـ ما رواه الشيخ عن منصور بن يونس عن أبى بصير (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم. قال قلت هلكنا. قال ليس حيث تذهب انما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة عليهم‌السلام».

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن رجل كذب في شهر رمضان؟ فقال قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمد». ورواه الكليني (٣) والصدوق في معاني الاخبار (٤).

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة أيضا (٥) قال : «سألته عن رجل كذب في رمضان فقال قد أفطر وعليه قضاؤه. فقلت ما كذبته؟ فقال يكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وما رواه الصدوق عن منصور بن يونس عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «ان الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة (عليهم‌السلام) يفطر الصائم».

وما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «من كذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو صائم نقض صومه ووضوءه إذا تعمد».

ومنها ـ ما قدمناه في المسألة السابقة من روايتي الخصال وكتاب الفقه

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) هذا الحديث لم يروه الكليني وانما روى في الفروع ج ١ ص ١٨٧ حديث ابى بصير المتقدم.

(٤) هذا الحديث لم يروه في معاني الاخبار وانما روى فيه ص ١٦٥ حديث ابى بصير المتقدم.

١٤٢

الرضوي (١) الدالتين على ان ذلك يفطر الصائم.

والظاهر ان ما نقله في المختلف في مسألة الارتماس وفي هذه المسألة عن على ابن بابويه انه عد ذلك من المفطرات إنما هو حيث نقل عبارة كتاب الفقه المذكورة في رسالته جريا على ما عرفته في غير مقام من ما قدمناه ، ولكن العلامة لم ينقل صورة عبارته وانما نقل بهذا العنوان الذي ذكرناه.

وكيف كان فطرح هذه الاخبار ـ من غير معارض سوى الأصل الذي ذكروه والحصر الذي في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة مع ما عرفت فيه ـ لا يخلو من جرأة ولكنهم (رضوان الله عليهم) لم يستوفوا روايات المسألة ، والذي نقله في المدارك منها رواية أبي بصير الأولى ورواية سماعة الأولى ثم ردهما بضعف السند وانهما متضمنان لما أجمع العلماء على خلافه وهو نقض الوضوء بذلك وهذا من ما يضعف الخبر.

أقول : والطعن بضعف السند عندنا غير مسموع ولا معمول عليه ، واما الطعن بتضمنهما ما أجمع العلماء على خلافه فقد صرح هو وغيره من المحققين بان طرح بعض الخبر لمعارض أقوى لا يستلزم طرح ما لا معارض له وانه يصير من قبيل العام المخصوص.

نعم يمكن أن يقال : ان ما دل على وجوب الكفارة بالإفطار متعمدا المتبادر من الإفطار فيه إنما هو الإفساد بالأكل والشرب كما ذكره السيد السند في المدارك فيجب الحمل عليه خاصة لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته. وهو جيد ان ثبت ما ادعاه من ان المعنى الحقيقي للفظ الإفطار هو ما ذكره.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط في العمل بالقول الأول.

الثاني ـ الحقنة وقد اختلف الأصحاب فيها على أقوال : فقال الشيخ المفيد

__________________

(١) ص ١٣٥.

١٤٣

انها تفسد الصوم وأطلق وقال على بن بابويه لا يجوز للصائم أن يحتقن وأطلق. وقال السيد المرتضى في الجمل : وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه من وجوب القضاء والكفارة. الى أن قال : والحقنة. ولم يفصل ايضا. ثم قال : وقال قوم ان ذلك ينقص الصوم وان لم يبطله وهو الأشبه. وقالوا في اعتماد الحقنة وما يتيقن وصوله الى الجوف من السعوط وفي اعتماد القي‌ء وبلع الحصى انه يوجب القضاء من غير كفارة. وقال في المسائل الناصرية : فأما الحقنة فلم يختلف في أنها تفطر. وللشيخ أقوال : قال في النهاية يكره الحقنة بالجامدات ويحرم بالمائعات. ولم يوجب بها قضاء ولا كفارة. وكذا في الاستبصار. وأوجب في الجمل والاقتصاد القضاء بالمائعات خاصة وكره الجامدات ، وكذا في المبسوط ، وهو قول ابن البراج ، وقال في الخلاف والحقنة بالمائعات تفطر. ولم يذكر ابن أبى عقيل الحقنة بالمائعات ولا بالجامدات من المفطرات. وقال أبو الصلاح الحقنة يجب بها القضاء ولم يفصل. وقال ابن الجنيد يستحب له الامتناع من الحقنة لأنها تصل الى الجوف. وقال ابن إدريس تحرم الحقنة بالمائعات ولا يجب بها قضاء ولا كفارة وتكره بالجامدات. كذا نقله العلامة في المختلف ، ثم اختار فيه انها مفطرة مطلقا ويجب بها القضاء خاصة. واستوجه المحقق في المعتبر تحريم الحقنة بالمائع والجامد دون الإفساد ، واختاره في المدارك.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة منه ما رواه الكليني في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما ان يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ قال لا بأس». ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن على بن جعفر (٢) ورواه الحميري في قرب الاسناد عنه أيضا مثله (٣).

وما رواه الشيخ والصدوق عن احمد بن محمد بن ابى نصر في الصحيح عن

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من ما يمسك عنه الصائم.

١٤٤

أبي الحسن عليه‌السلام (١) «انه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان؟ فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن».

وما رواه الشيخ عن على بن الحسن عن أبيه في الموثق (٢) قال : «كتبت الى أبى الحسن عليه‌السلام ما تقول في التلطف من الأشياف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب : لا بأس بالجامد».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) : «ولا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا ولا يسعط ولا يحتقن».

والظاهر ان عبارة على بن بابويه مأخوذة من هنا ، والظاهر انه إنما اقتصر على الحقنة لكون البحث فيها في كلامه.

هذا ما وقفت عليه من الأخبار في المسألة ، والظاهر في وجه الجمع بينها هو حمل إطلاق صحيحة على بن جعفر على موثقة الحسن بن على بن فضال ، ومنه يعلم نفى البأس عن الحقنة بالجامد وانه غير مضر بالصوم ، وحمل صحيحة البزنطي على الحقنة بالمائع وانه غير جائز ، وكذا كلام الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه ، وعلى هذا تجتمع الأخبار.

وما ذكره في المدارك حيث اختار تحريم الحقنة مطلقا ـ من رد موثقة الحسن بن على بن فضال بان على بن الحسن وأباه فطحيان فلا يمكن التعويل على روايتهما ـ فهو مردود بما قدمنا نقله عنه من قبولها حيث يحتاج إليها ومدحه لهما واطرائه عليهما بما هو مذكور في كتب الرجال في شأنهما من المدح الزائد الذي اعتمد عليه ثمة.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في المقام من الاحتمالات الركيكة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من ما يمسك عنه الصائم ورواه الكليني بسند فيه سهل بن زياد.

(٢) الوسائل الباب ٥ من ما يمسك عنه الصائم وفي التهذيب ج ٤ ص ٢٠٤ من الطبع الحديث «التلطف بالأشياف».

(٣) ص ١٦.

١٤٥

والتشكيكات الضعيفة فلا ينبغي الالتفات اليه ، مع انهما قد وافقا على ما ذكرناه حيث قال في المدارك واقتفاه الفاضل المذكور فيه : نعم يمكن ترجيح هذا القول ـ وأشار به الى جواز الحقنة بالجامد ـ بان المتبادر من الاحتقان ما كان بالمائع فينبغي الحمل عليه ويبقى الاحتقان بالجامد على الإباحة. انتهى.

نعم يبقى الكلام في انه لو احتقن بالمائع مع دلالة الخبر على عدم جوازه فهل يكون موجبا للقضاء أو مجرد الإثم خاصة ، إذ غاية مفاد عدم الجواز التحريم وترتب القضاء عليه يحتاج الى دليل؟ اشكال والاحتياط يقتضي القضاء.

فوائد

الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو صب الدواء في إحليله فوصل الى جوفه ، فذهب في المبسوط إلى انه يفطر واستقربه العلامة في المختلف ، والأكثر على عدم الإفطار وبه صرح في الخلاف.

واحتج العلامة على الإفطار بأنه قد أوصل إلى جوفه مفطرا بأحد المسكين فإن المثانة تنفذ الى الجوف فكان موجبا للإفطار كما في الحقنة. والظاهر ضعفه لأن الأصل صحة الصوم وإبطاله يتوقف على دليل واضح.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تقطير الدواء في الاذن والمشهور انه غير مفطر ، وذهب أبو الصلاح إلى أنه مفطر.

والأظهر الأول لما رواه الكليني عن حماد بن عثمان في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الصائم يشتكي أذنه يصب فيها الدواء؟ قال لا بأس به».

وما رواه في الصحيح أو الحسن على المشهور عن حماد (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يصب في اذنه الدهن؟ قال : لا بأس به».

وما رواه في الموثق عن ليث المرادي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من ما يمسك عنه الصائم.

١٤٦

عن الصائم يحتجم ويصب في اذنه الدهن؟ قال لا بأس به إلا السعوط فإنه يكره».

وروى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في اذنه الدهن؟ قال : إذا لم يدخل حلقه فلا بأس».

والجمع بين هذه الرواية وما تقدمها يقتضي الكراهة مع الوصول الى الحلق ولو كانت صريحة في التحريم لحملناها على التقية لأن القول بان ذلك مفطر مذهب الشافعي وأبى حنيفة ومالك واحمد (٢) كما نقله في المنتهى محتجين بأنه أوصل إلى جوفه مع ذكره للصوم مختارا فأفطر كالأكل. والعلامة أجاب عن ذلك في الكتاب المذكور بأنه قد تقدم مرارا انه ليس كل واصل الى جوفه مفطرا. انتهى. وهو جيد

الثالثة ـ قال الشيخ في المبسوط : لو طعنه غيره طعنة وصلت الى جوفه لم يفطر وان أمره هو بذلك ففعل به أو فعل هو بنفسه أفطر.

واستقر به العلامة في المختلف وقال : لنا ـ انه أوصل إلى جوفه الجامد فكان كالازدراد فوجب القضاء والأصل براءة الذمة من الكفارة. ولا يخفى ما فيه من الوهن.

الثالث ـ تعمد القي‌ء وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكمه فالأكثر على انه موجب للقضاء خاصة ، وقال ابن إدريس انه لا يوجب قضاء ولا كفارة إلا انه محرم ، وعن السيد المرتضى انه حكى عن بعض علمائنا قولا بأنه يوجب القضاء والكفارة ، وعن بعضهم انه ينقص الصوم ولا يبطله ، قال وهو الأشبه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٠٥ وبدائع الصنائع ج ٢ ص ٩٣ وبداية المجتهد ج ١ ص ٢٨٠ و ٢٨١ وقال في المجموع ج ٦ ص ٣١٤ : لو قطر في اذنه ماء أو دهنا أو غيرهما فوصل الى الدماغ فوجهان : أصحهما يفطر وبه قطع المصنف والجمهور.

١٤٧

والأظهر هو ما عليه الأكثر ، ويدل عليه من الأخبار ما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم فان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه».

وما رواه عن الحلبي ـ بإسنادين صحيحين وفي أحدهما إبراهيم بن هاشم المعدود حديثه في الحسن على المشهور ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا تقيأ الصائم فقد أفطر وان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من تقيأ متعمدا وهو صائم قضى يوما مكانه».

وما رواه عن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألته عن القي‌ء في رمضان قال ان كان شي‌ء يبدره فلا بأس وان كان شي‌ء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء».

وروى الصدوق عن سماعة في الموثق عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) نحوا منه. وفي الموثق إلى مسعدة بن صدقة وهو عامي عن أبى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٦) انه قال : «من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة فإن شاء الله عذبه وان شاء غفر له. وقال : من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء».

وربما قيل بان مقتضى صحيحة الحلبي ورواية مسعدة ان القي‌ء مفطر ومن تعمد الإفطار لزمته الكفارة على ما دلت عليه الأخبار الكثيرة.

وأجيب بأن المتبادر من الإفطار إنما هو إفساد الصوم بالأكل والشرب فيجب الحمل عليه خاصة ، لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته. وقد تقدم ما فيه.

والحق ان اشتمال هذه الأخبار على تعددها على القضاء خاصة من غير تعرض لذكر الكفارة مع ان المقام مقام البيان من ما يفيد نفى الكفارة في المسألة.

احتج ابن إدريس والمرتضى بأصالة البراءة من وجوب القضاء ، وبان الصوم إمساك عن ما يصل الى الجوف لا عن ما ينفصل منه.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٩ من ما يمسك عنه الصائم.

١٤٨

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح الى عبد الله بن ميمون عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة».

وأجيب عن الأول بأن الأصل يرتفع بما ذكرنا من الأدلة. وعن الثاني بأنه اجتهاد في مقابلة النص فلا يكون مسموعا. وعن الرواية بالحمل على غير العامد جمعا. وهو جيد.

واما ما ذكره صاحب الذخيرة في هذا المقام ـ من الاحتمالات حتى انه ذكر ان المسألة عنده محل اشكال ـ فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة وخيالاته السخيفة ، بل المسألة بحمد الله ظاهرة الدليل على القول المشهور بما لا يداخله القصور ولا الفتور.

وهو إنما يصول في هذا الموضع ونحوه بصحيحة محمد بن مسلم (٢) الدالة على حصر المبطل للصيام في الأربعة المذكورة فيها الدالة على نفي الابطال والقضاء في هذه المسألة ونحوها.

وليت شعري ما يقول في جملة من المواضع المتقدمة التي اتفقت فيها الأخبار وكلمة الأصحاب على الإفساد ، فإن خصصها بها فللقائل أن يخصصها أيضا بأخبار هذه المسألة ونحوها ، وإلا فليقتصر في مبطلات الصوم على الأربعة المذكورة فيها.

والمشهور انه لو ذرعه أى سبقه بغير اختياره فلا شي‌ء فيه ، وظاهر كلام المدارك الاتفاق عليه.

ونقل في المختلف عن ابن الجنيد ان القي‌ء يوجب القضاء خاصة إذا تعمد فان ذرعه لم يكن عليه شي‌ء إلا أن يكون القي‌ء من محرم فيكون فيه إذا ذرع القضاء وإذا استكره القضاء والكفارة. ويدفعه ما تقدم من الأخبار.

المسألة الخامسة ـ في ما يستحب الإمساك عنه وهو أمور الأول ـ النساء

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من ما يمسك عنه الصائم. وأبو عبد الله (ع) برؤية عن أبيه (ع) وقد تقدم ص ١٢٨.

(٢) ص ١٣٤.

١٤٩

تقبيلا ولمسا وملاعبة ، كذا أطلقه أكثر الأصحاب.

وخصه جماعة منهم ـ كالمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة ، واليه مال في المدارك والذخيرة ـ بمن يحرك ذلك شهوته.

وهو الظاهر من الأخبار ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال ان ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المنى».

وما رواه عن منصور بن حازم في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة؟ فقال اما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس واما الشاب الشبق فلا لأنه لا يؤمن والقبلة إحدى الشهوتين. قلت فما ترى في مثلي تكون له الجارية فيلاعبها؟ فقال لي انك لشبق يا أبا حازم كيف طعمك؟ قلت ان شبعت أضرني وان جعت أضعفني. قال كذلك أنا. فكيف أنت والنساء؟ قلت ولا شي‌ء. قال ولكني يا أبا حازم ما أشاء شيئا أن يكون ذلك منى إلا فعلت».

وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام (٣) «انه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال انى أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا ان يثق أن لا يسبقه منيه».

وما رواه في الفقيه (٤) قال : «سأل سماعة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟ فقال ما لم يخف على نفسه فلا بأس». الى غير ذلك من الاخبار

وفي جملة من الأخبار ما يدل على الرخصة في ذلك مثل ما رواه في الفقيه مرسلا (٥) قال : «سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الرجل يقبل امرأته وهو صائم؟ قال هل هي إلا ريحانة يشمها».

وما رواه في التهذيب عن ابى بصير (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الفروع ج ١ ص ١٩١ وفي الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.

١٥٠

الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم؟ فقال : لا بأس وان أمذى فلا يفطر».

وما رواه أيضا عن ابى بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الصائم يقبل امرأته؟ قال نعم ويعطيها لسانه تمصه».

وما رواه عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل الصائم إله أن يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟ قال لا بأس».

والجمع بين هذه الأخبار وبين ما تقدمها ممكن بحمل هذه على ما إذا وثق بنفسه كما تقدمت الإشارة إليه في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم فلا كراهة حينئذ ، واما بالحمل على أصل الجواز وان كره ذلك مطلقا كما هو ظاهر الأكثر أو بالنسبة الى من لا يثق بنفسه كما هو ظاهر الاخبار المتقدمة.

وفي بعض الأخبار ما يدل على المنع مطلقا ولعله الحجة لظاهر قول الأكثر

مثل ما رواه عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقبل أو يلمس وهو يقضى شهر رمضان؟ قال لا».

ومثله روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن المرأة هل يحل لها ان تعتنق الرجل في شهر رمضان وهي صائمة فتقبل بعض جسده من غير شهوة؟ قال لا بأس. قال : وسألته عن الرجل هل يصلح له وهو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها وفخذها وعجزها؟ قال ان لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به واما بشهوة فلا يصلح».

ويمكن الجمع بينها وبين ما تقدم بحمل الأخبار المتقدمة على تأكد الكراهة وان كان أصل الكراهة يحصل بدون ذلك.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.

١٥١

واما ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن رفاعة (١) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لامس جارية في شهر رمضان فأمذى؟ قال ان كان حراما فليستغفر الله استغفار من لا يعود أبدا ويصوم يوما مكان يوم» وزاد في التهذيب (٢) «وان كان من حلال فليستغفر الله ولا يعود ويصوم يوما مكان يوم».

فقد نسبه الشيخ في التهذيبين الى الشذوذ ومخالفته لفتوى أصحابنا كلهم ثم الى وهم الراوي ثم حمله على الاستحباب. ولا يخفى ما في الوجهين الأخيرين والوجه إرجاعه إلى قائله فهو أعلم بما قال.

الثاني ـ الاكتحال بما فيه مسك أو يصل الى الحلق ، والروايات في هذه المسألة مختلفة : فمنها ـ ما يدل على الترخص مطلقا مثل

ما رواه الكليني والشيخ عنه عن محمد ابن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) «في الصائم يكتحل؟ قال : لا بأس به ليس بطعام ولا شراب».

ورواه الكليني في الحسن على المشهور والصحيح على المختار عن سليم الفراء عن غير واحد عن أبى جعفر عليه‌السلام مثله (٤).

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الحميد بن أبى العلاء عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال «لا بأس بالكحل للصائم».

وما رواه عن ابن أبى يعفور (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكحل

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ج ٢ ص ٢٧٢ و ٣٢٠ من الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٥٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم. ويظهر منه ان الشيخ يرويه من غير طريق الكليني أيضا كما يظهر ذلك ايضا من الاستبصار ج ٢ ص ٨٩.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم.

١٥٢

للصائم؟ فقال : لا بأس به انه ليس بطعام يؤكل».

وما رواه عن الحسين بن ابى غندر (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام اكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالكحل للصائم وكره السعوط».

ورواية عبد الله بن ميمون عن أبى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) في حديث «انه كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم».

ومنها ـ ما يدل على المنع مطلقا مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) «انه سئل عن الرجل يكتحل وهو صائم؟ فقال : لا انى أتخوف عليه أن يدخل رأسه».

وما رواه عن الحسن بن على (٥) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصائم إذا اشتكى عينه يكتحل بالذرور وما أشبهه أم لا يسوغ له ذلك؟ فقال لا يكتحل».

وما رواه الكليني عن سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن من يصيبه الرمد في شهر رمضان هل يذر عينه بالنهار وهو صائم؟ قال يذرها إذا أفطر ولا يذرها وهو صائم».

ومنها ـ ما يدل على التفصيل : مثل ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٧) «انه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة؟ فقال : إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس».

وما رواه الكليني والشيخ عن سماعة في الموثق (٨) قال : «سألته عن الكحل

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٧ و ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم. وفي الباب ٧ انهى الرواية الى على (ع) وفي التهذيب ج ٤ ص ٢١٤ كما هنا والباب ٢٥.

(٨) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم. والشيخ يرويه عن الكليني.

١٥٣

للصائم؟ فقال : إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فليس به بأس».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان عليا عليه‌السلام كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : ولا بأس بالكحل إذا لم يكن ممسكا ، وقد روى فيه رخصة فإنه يخرج على عكدة لسانه.

ونقل ابن إدريس في كتاب السرائر هذه العبارة عن على بن بابويه في رسالته فقال : وقال ابن بابويه في سألته : ولا بأس بالكحل ما لم يكن ممسكا ، وقد روى فيه رخصة لأنه يخرج على عكدة لسانه.

أقول : يمكن الجمع بين هذه الأخبار بالحكم بالقسم الثالث على القسمين الأولين فتحمل أخبار الرخصة مطلقا على ما إذا لم يجد له طعما في الحلق ولم يكن ممسكا ويكون ذلك جائزا من غير كراهة واخبار المنع على ما إذا كان كذلك فيكون مكروها.

وجمع بعضهم بينها بحمل أخبار الترخص على الجواز المطلق وحمل أخبار المنع على الكراهة وحمل اخبار التفصيل على شدة الكراهة.

والظاهر ان ما ذكرناه أقرب لأن الجمع بين الأخبار بحمل مطلقها على مقيدها هو الشائع الذائع وتكون اخبار التفصيل سندا لهذا الجمع.

وإنما حملنا ذلك على الكراهة مع كون ظاهر النهى فيها التحريم لما علل به عليه‌السلام نفى البأس في بعض الاخبار الأولة من أنه ليس بطعام ولا شراب.

الثالث ـ السعوط وقد قيده جملة من الأصحاب بما لا يتعدى الى الحلق.

وقد اختلف كلام الأصحاب فيه فقال الشيخ في الخلاف والنهاية والجمل والاقتصاد :

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ٢٦.

١٥٤

والسعوط مكروه. وأطلق وفصل في المبسوط فقال انه مكروه سواء بلغ الدماغ أو لم يبلغ إلا ما ينزل الى الحلق فإنه يفطر ويوجب القضاء. وقال ابن الجنيد والصدوق في المقنع لا بأس به. وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز للصائم ان يستعط. وأوجب المفيد وسلار فيه القضاء والكفارة. وقال السيد المرتضى : وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه في وجوب القضاء والكفارة. الى أن قال : والسعوط ، وقال قوم انه ينقص الصوم وان لم يبطله وهو الأشبه. واختار ابن إدريس انه لا يوجب قضاء ولا كفارة ، وقال أبو الصلاح وابن البراج انه يوجب القضاء خاصة.

كذا نقله العلامة في المختلف ثم قال : والأقرب عندي انه إذا وصل الى الحلق متعمدا وجب القضاء والكفارة وإلا فلا ، ثم استدل على ذلك فقال : لنا ـ انه أوصل إلى حلقه المفطر متعمدا فكان عليه القضاء والكفارة كما لو أوصل إلى حلقه لقمة ، ولو لم يوصل لم يكن عليه شي‌ء لأن الصوم عبادة شرعية انعقدت على الوجه المأمور به شرعا فلا تبطل إلا بحكم شرعي ولم يثبت.

أقول : والدي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة رواية غياث بن إبراهيم المتقدمة قريبا (١) وقوله فيها : «وكره السعوط».

ورواية ليث المرادي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يحتجم ويصب في اذنه الدهن؟ قال : لا بأس إلا السعوط فإنه يكره».

ورواية كتاب الفقه الرضوي المتقدمة في المسألة الرابعة (٣) وقوله فيها : «لا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا ولا يسعط».

__________________

(١) ص ١٥٣.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) ص ١٤٥.

١٥٥

وظاهر هذه الأخبار ـ ان حملنا الكراهة على المعنى المشهور وكذا عدم الجواز في عبارة كتاب الفقه الرضوي على ذلك ـ هو الكراهة مطلقا وصل الى الحلق أم لم يصل.

وما ذكره في المختلف تعليلا لإيجاب القضاء والكفارة ـ بأنه أوصل إلى حلقه المفطر متعمدا ، وكذا ظاهر كلام من قيد الكراهة بما لا يتعدى الى الحلق الدال بمفهومه على المنع من المتعدي ـ

فيه انه لم يقم دليل على كون مطلق الإيصال للحلق مفسدا ، كيف وظاهر كلامهم في مسألة الكحل الحكم بالكراهة في ما يجد له طعما في حلقه دون الإفساد ، والحكم في المسألتين من باب واحد.

وان حملنا الكراهة على معنى التحريم ـ كما هو أحد معنييها في الأخبار فإنها بهذا المعنى شائعة ذائعة في الأخبار ويؤيده ظاهر عبارة كتاب الفقه ـ أشكل الأمر وكان ذلك مؤيدا لمن قال ببطلان الصوم في المسألة وبالجملة فالمسألة غير واضحة الدليل كما لا يخفى.

الرابع ـ السواك بالرطب نص عليه الشيخ والحسن بن أبى عقيل على ما نقله في الدروس ، والمشهور بين الأصحاب الجواز من غير كراهة.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «لا يستاك الصائم بعود رطب».

وما رواه عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «يستاك الصائم أي النهار شاء ولا يستاك بسواك رطب».

وفي الصحيح أو الحسن على المشهور عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الصائم أيستاك بالماء؟ قال : لا بأس به ولا يستاك بسواك رطب».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) «انه كره للصائم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٨ من ما يمسك عنه الصائم.

١٥٦

أن يستاك بسواك رطب. وقال : لا يضر أن يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شي‌ء».

وفي الموثق عن عمار بن موسى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الصائم ينزع ضرسه؟ قال : لا ولا يدمي فاه ولا يستاك بعود رطب».

ومن ما يدل على الجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه عن موسى بن أبى الحسن الرازي عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام (٣) قال : «سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال : جائز. فقال بعضهم ان السواك تدخل رطوبته في الجوف. فقال ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق؟ فقال الماء للمضمضة أرطب من السواك بالرطب. فان قال قائل لا بد من الماء للمضمضة من أجل السنة فلا بد من السواك من أجل السنة التي جاء بها جبرئيل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى في كتاب قرب الاسناد بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قال على عليه‌السلام : لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار وآخره. فقيل لعلى عليه‌السلام في رطوبة السواك فقال المضمضة بالماء أرطب منه. فقال على عليه‌السلام فان قال قائل لا بد من المضمضة لسنة الوضوء قبل له فإنه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل عليه‌السلام».

أقول : لا يخفى ما في هذه الأخبار من الإشعار بأن مجرد وصول الطعم الى الحلق من أي الأجسام كان فإنه غير مضر بالصوم ، وفيه تأييد لما ذكرناه في مسألة السعوط من أن وصول طعمه إلى الحلق غير مضر ولا مفسد للصيام.

هذا. واما ما يدل على جواز السواك بقول مطلق فهو كثير لا حاجة الى التطويل بنقله.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٨ من ما يمسك عنه الصائم.

١٥٧

الخامس ـ الحجامة مع خوف الضعف ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعيد الأعرج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يحتجم؟ فقال لا بأس إلا أن يتخوف على نفسه الضعف».

وفي الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الصائم أيحتجم؟ فقال إني أتخوف عليه اما يتخوف على نفسه؟ قلت ما ذا يتخوف عليه؟ قال الغشيان أو تثور به مرة. قلت : أرأيت ان قوى على ذلك ولم يخش شيئا؟ قال نعم ان شاء».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا أن لا يخاف على نفسه ، وانا إذا أردنا الحجامة في شهر رمضان احتجمنا ليلا». الى غير ذلك من الأخبار التي على هذا النحو.

والأصحاب قد عبروا في هذه المسألة بإخراج الدم المضعف وكأن التعدية الى غير الحجامة من باب تنقيح المناط نظرا الى ظاهر التعليل ، فإنه يقتضي تعدية الحكم الى غيرها من ما سواها في المعنى.

وفي حكمه أيضا دخول الحمام إذا خيف منه الضعف لما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام (٤) «انه سئل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم؟ فقال : لا بأس ما لم يخش ضعفا».

السادس ـ الريحان وهو لغة كل نبت طيب الريح خصوصا النرجس ، وكراهة شم الرياحين من ما ظاهرهم الاتفاق عليه ، قال في المنتهى : وهو قول علمائنا أجمع.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد عن ابى عبد الله

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٦ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٢٧ من ما يمسك عنه الصائم.

١٥٨

(عليه‌السلام) (١) قال : «الصائم لا يشم الريحان».

وعن الحسن الصيقل عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ فقال : لا ولا يشم الريحان».

وفي رواية أخرى للحسن بن راشد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قلت : «الصائم يشم الريحان؟ قال : لا لأنه لذة ويكره له ان يتلذذ».

وقال الصدوق في الفقيه (٤) : «وكان الصادق عليه‌السلام إذا صام لا يشم الريحان فسئل عن ذلك فقال انى أكره أن أخلط صومي بلذة». ورواه في كتاب العلل مسندا (٥).

وروى الصدوق مرسلا (٦) قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن المحرم يشم الريحان؟ قال لا. قيل والصائم؟ قال لا. قيل يشم الصائم الغالية والدخنة؟ قال نعم. قيل كيف حل له أن يشم الطيب ولا يشم الريحان؟ قال : لان الطيب سنة والريحان بدعة للصائم».

واما ما يدل على تأكد ذلك في النرجس رواية محمد بن الفيض (٧) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ينهى عن النرجس للصائم فقلت : جعلت فداك لم ذلك؟ فقال : انه ريحان الأعاجم».

قال في الكافي (٨) بعد نقل هذه الرواية : وأخبرني بعض أصحابنا ان الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا وقال انه يمسك الجوع.

وذكر الشيخ المفيد ان ملوك العجم كان لهم يوم معين يصومونه ويكثرون فيه شم النرجس فنهوا (عليهم‌السلام) عن ذلك خلافا لهم.

والحق العلامة في المنتهى بالنرجس المسك لشدة رائحته ، ولما رواه الشيخ عن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٩) قال : «ان عليا عليه‌السلام كره المسك

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٩) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم. والشيخ يرويه عن الكليني.

١٥٩

أن يتطيب به الصائم».

واما ما يدل على الجواز فأخبار عديدة : منها ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن ابن الحجاج في الصحيح (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصائم يشم الريحان أم لا ترى ذلك له؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصائم يشم الريحان والطيب؟ قال لا بأس به».

قال في الكافي (٣) وروى انه لا يشم الريحان لأنه يكره له أن يتلذذ به.

وما رواه الشيخ عن سعد بن سعد (٤) قال : «كتب رجل الى ابى الحسن عليه‌السلام هل يشم الصائم الريحان يتلذذ به؟ فقال عليه‌السلام : لا بأس به».

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الصائم يدهن بالطيب ويشم الريحان».

والظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في استحباب الطيب للصائم عدا المسك لما تقدم.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن الحسن بن راشد (٦) قال : «كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا صام يتطيب بالطيب ويقول الطيب تحفة الصائم». ورواه الصدوق عن الحسن بن راشد مثله (٧).

وروى الصدوق مرسلا (٨) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) من تطيب بطيب أول النهار وهو صائم لم يكد يفقد عقله». ورواه في كتاب ثواب الأعمال مسندا (٩).

والظاهر ان المراد من قوله (عليه‌السلام) «لم يكد يفقد عقله» انه لقوة دماغه لا يسفه على أحد للضعف الحاصل من الصوم.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.

١٦٠