الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

كانت ضعيفة لاعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا كما هو أحد المرجحات عندهم وشذوذ مذهب ابن أبى عقيل عندهم كما تقدم في عبارة المعتبر وبذلك يظهر ضعف ما اختاره. وروايات وجوب القضاء لا دلالة فيها على عدم وجوب الكفارة حتى تكون صحتها موجبا لطرح أخبار الكفارة وإنما غايتها أن تكون مطلقة في الوجوب وعدمه. وبالجملة فالعمل على القول المشهور. والله العالم.

بقي في المقام أبحاث

الأول ـ ظاهر المشهور من كلام الأصحاب هو عموم هذا الحكم لشهر رمضان وغيره من الصوم الواجب والمستحب ، حيث انهم عدوا من جملة المفطرات تعمد البقاء على الجنابة ، وظاهر المحقق في المعتبر تخصيصه بشهر رمضان حيث قال : ولقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام. وظاهر المنتهى التردد في ذلك حيث قال : وهل يختص هذا الحكم برمضان؟ فيه تردد ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدل عليه ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مطلقا.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا الحكم إنما ورد في شهر رمضان كما عرفت من الأخبار التي تقدمت أو قضائه كما تقدم في موثقة سماعة (١).

ومثلها في ذلك ما رواه الكليني في الصحيح عن ابن سنان وهو عبد الله (٢) قال : «كتب أبي الى أبى عبد الله عليه‌السلام وكان يقضى شهر رمضان وقال انى أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر؟ فأجابه (عليه‌السلام) : لا تصم هذا اليوم وصم غدا».

وما رواه الصدوق والشيخ عن عبد الله بن سنان في الصحيح (٣) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضى شهر رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل

__________________

(١) ص ١١٤ الى ١١٧.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٩ من ما يمسك عنه الصائم.

١٢١

حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى ان الفجر قد طلع؟ قال لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره».

وما ذكره في الذخيرة ـ من أن دلالة هذه الأخبار على البطلان وعدم الانعقاد غير واضح ـ فهو من جملة تشكيكاته الركيكة.

واما بالنسبة إلى الصوم المستحب فالذي ورد فيه يدل على عدم الابطال بذلك كما رواه الصدوق في الصحيح عن حبيب الخثعمي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فاعلم انى قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أولا أصوم؟ قال صم».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن ابن بكير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال أليس هو بالخيار بينه وبين نصف النهار. الحديث».

واما ما رواه الشيخ عن ابن بكير ايضا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) ـ قال : «سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار؟ قال يصوم ان شاء وهو بالخيار الى نصف النهار». ـ فظاهر إطلاقه هو جواز الصوم مطلقا كذلك لما عرفت سابقا من أن ما عدا الواجب المعين كالواجب المطلق وقضاء شهر رمضان فإن النية فيه الى الزوال. نعم خرج منه قضاء شهر رمضان بما تقدم من الأخبار فبقي ما عداه.

وقال الشهيد في الدروس : وان كان نفلا ففي رواية ابن بكير (٤) صحته ولو علم بالجنابة ليلا ، وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل. ويحمل على المعين أو الندب للنهى عن قضاء الجنب في رواية عبد الله بن سنان. انتهى.

وما أسنده إلى رواية كليب هو مضمون رواية ابن بكير الثانية ، والرواية التي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من ما يمسك عنه الصائم.

١٢٢

ذكرها لم أقف عليها في كتب الأخبار بعد الفحص والتتبع (١) وحمله الرواية على ما ذكره يشعر بتجويز ذلك عنده.

وبالجملة فالمسألة في ما عدا ما ذكرناه من صوم شهر رمضان وقضائه وصوم الندب محل اشكال ، لعدم الدليل الواضح على ما ادعاه الأصحاب (رضوان الله) عليهم) من العموم وعدم دليل صريح يدل على الحكم فيه سوى ما ذكرنا من إطلاق الخبر المذكور : وما ذكره في المدارك ـ من أن المطابق لمقتضى الأصل عدم اعتبار هذا الشرط والواجب المصير إليه الى أن يثبت المخرج عنه ـ لا يخلو من مجازفة فإنه لم يقم لنا دليل على اعتبار هذا الأصل الذي يكرر التمسك به في الأحكام في غير مقام بل قد تقدم في مقدمات الكتاب ما هو ظاهر في هدم بنيانه وتزعزع أركانه.

الثاني ـ قال العلامة في المنتهى : لم أجد لأصحابنا نصا صريحا في حكم الحيض في ذلك يعنى انها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال ويبطل الصوم لو أخلت به حتى يطلع الفجر؟ الأقرب ذلك لأن حدث الحيض يمنع الصوم فكان أقوى من الجنابة. وتردد في ذلك المحقق في المعتبر وحكم العلامة في النهاية بعدم الوجوب.

أقول : والأقرب هو ما ذكره في المنتهى وهو المشهور بين الأصحاب ، لكن لا لما ذكره من التعليل فإنه ضعيف بل لما رواه الشيخ في الموثق عن ابى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ان طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم».

نعم يبقى الكلام في أنه على تقدير فساد الصوم بذلك هل الواجب القضاء خاصة أو القضاء والكفارة؟ ظاهر الخبر المذكور وجوب القضاء خاصة وليس

__________________

(١) يمكن ان يكون ذلك تصحيفا من قلم النساخ وان مراده رواية ابن بكير الأخرى بقرينة اتحاد المضمون وعدم العثور على رواية أخرى في الباب.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من ما يمسك عنه الصائم.

١٢٣

غيره في المسألة ، وهو الذي نص عليه ابن ابى عقيل على ما نقله عنه في المختلف.

ثم استقرب في المختلف ان الحائض كالجنب إذا أخل بالغسل فإن أوجبنا القضاء والكفارة عليه أو جبناهما عليها وإلا فالقضاء.

ثم استدل على ذلك باشتراك الجميع في كونه مفطرا للصوم لأن كل واحد منهما حدث يرتفع بالغسل فيشترك في الأحكام.

وأنت خبير بما فيه وانه من ما لا يحتاج الى تنبيه ، والقول بالكفارة في الجنابة لوجود النصوص على ذلك كما تقدم واما هنا فالذي دل عليه النص إنما هو القضاء خاصة والقول بالكفارة يتوقف على النص. وما أبعد ما بين القول بوجوب القضاء والكفارة كما يومئ اليه كلامه هنا وبين القول بصحة الصوم ولا شي‌ء عليه كما اختاره في النهاية ، ولا ريب ان الاعتدال في الوقوف على الوسط.

الثالث ـ انه هل يجب التيمم للصوم على الجنب وذات الدم عند تعذر الماء؟ قولان : أحدهما ـ العدم لاختصاص الأمر بالغسل فيسقط عند تعذره وينتفي التيمم بالأصل. وثانيهما ـ الوجوب والظاهر انه المشهور لعموم «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا» (١) ولأن حدث الجنابة والحيض مانع فيستصحب الى أن يثبت المزيل وهو الغسل أو ما يقوم مقامه في الإباحة.

وفي التعليلات من الطرفين تأمل. نعم يمكن الاستدلال على وجوب التيمم بالأخبار المتقدمة في باب التيمم وقولهم (عليهم‌السلام) في بعضها (٢) «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي آخر (٣) «هو بمنزلة الماء». وفي ثالث (٤) «يجزئك عشر سنين». ونحو ذلك من ما يقتضي وجوب التيمم مع فقد الماء ونيابته عنه عند وجود ما لا يستباح إلا به.

إلا ان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ورواية إسماعيل بن عيسى السابقة

__________________

(١) سورة النساء الآية ٤٧ والمائدة الآية ١٠.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٣ من التيمم. واللفظ في الرقم (٤) «يكفيك».

١٢٤

ايضا (١) ربما أشعر بخلاف ذلك حيث قال في الأولى : «فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى يومه» وفي الثانية «رجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل فلم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع؟ قال يغتسل إذا جاءه ثم يصلى» فإنه لو كان التيمم هنا واجبا لأمره بالتيمم قبل الفجر ولم يجوز له البقاء على جنابته لانتظار حصول الماء الى بعد الصبح.

وكيف كان فالمسألة عندي غير خالية من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

الرابع ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) توقف صوم المستحاضة على الأغسال كتوقف الصلاة عليها فلو أخلت بها وجب قضاء الصوم بل الظاهر انه لا خلاف فيه :

لما رواه الصدوق والكليني والشيخ في الصحيح عن على بن مهزيار (٢) قال : «كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه‌السلام تقضى صومها ولا تقضى صلاتها لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر فاطمة (عليها‌السلام) والمؤمنات من نسائه بذلك».

وفي هذا الخبر إشكال من حيث تضمن ظاهره الأمر بقضاء الصوم دون الصلاة مع استفاضة الأخبار والاتفاق على قضاء الصلاة في الصورة المذكورة والعكس كان أولى.

وأجيب عن ذلك بأجوبة بعيدة الانطباق على السياق ولعله لذلك نسب وجوب قضاء الصوم في المعتبر إلى الرواية إيذانا بنوع توقف في الحكم المذكور ، ونحوه نقل عن الشيخ في المبسوط أيضا.

__________________

(١) ص ١١٤ و ١١٨.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من ما يمسك عنه الصائم.

١٢٥

وبالجملة فحيث كان الحكم متفقا عليه بين الأصحاب وهو الأوفق بالاحتياط فلا بأس بالمصير اليه.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من أجنب ونام ناويا للغسل حتى أصبح فلا قضاء عليه ، ولو انتبه ثم نام ثانيا ناويا أيضا حتى أصبح فعليه القضاء خاصة ، ولو انتبه ثم نام كذلك حتى أصبح فعليه مع القضاء الكفارة.

أقول : اما الحكم الأول والثاني فيدل عليهما ما تقدم من صحيحتي معاوية بن عمار وعبد الله بن أبى يعفور المتقدمتين (١) بحمل إطلاقهما على ذلك.

وأما ما دل عليه إطلاق بعض الأخبار المتقدمة ثمة من وجوب القضاء بأول نومة فقد عرفت انه محمول على تعمد البقاء على الجنابة كما صرح به في بعضها وقد أشرنا الى ذلك ثمة.

ثم ان ظاهر بعض الأصحاب تقييد النوم زيادة على نية الغسل بإمكان الانتباه واعتياده ، وبعض الأصحاب صرح بتحريم النومة الثانية وان عزم على الغسل واعتاد الانتباه وان لم يجب عليه مع المخالفة إلا القضاء خاصة ، وفي بعض الأخبار ما يشير الى التحريم كما قدمنا الإشارة اليه.

وظاهر المعتبر والمنتهى انسحاب التحريم ايضا الى النومة الأولى ولو مع نية الغسل ، حيث قال في المعتبر : ولو أجنب فنام ناويا للغسل حتى أصبح فسد صوم ذلك اليوم وعليه قضاؤه وعليه أكثر علمائنا. مع أنه قال في موضع آخر من الكتاب المذكور : من أجنب ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر فلا شي‌ء عليه لأن نومه سائغ ولا قصد له في بقائه والكفارة مرتبة على التفريط أو الإثم وليس أحدهما مفروضا ، اما لو انتبه ثم نام ثانيا ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة ، ولا كذا المرة الأولى لأن في المنع منها تضييقا على المكلف. انتهى.

__________________

(١) ص ١١٤.

١٢٦

وقال في المنتهى : لو أجنب ثم نام ناويا للغسل حتى يطلع الفجر ولم يستيقظ فمفهوم ما تقدم من الأحاديث يدل على الإفساد ووجوب القضاء لكن قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار. ثم نقل الرواية التي أشرنا إليها ثم قال : وهو الصحيح عندي وعمل الأصحاب عليه.

وما ذكره في المنتهى من دلالة مفهوم الأخبار التي أشار إليها على الإفساد قد عرفت انها يجب تقييدها بما في صريح بعضها من تعمد البقاء على الجنابة الى أن يصبح فلا إشكال فيها.

واما الحكم الثالث فاستدل عليه الشيخ في التهذيب بالروايات الثلاث التي في آخر روايات القول المشهور المشار اليه آنفا (١).

وأنت خبير بأنه ليس في شي‌ء من هذه الروايات الثلاث ما يدل على التفصيل أو يشير إليه بالكلية وإنما هي ظاهرة في ترتب ذلك على أول نومة إلا انه يجب حملها على من نام متعمدا البقاء على الجنابة كما هو صريح بعضها.

والأصح ما اختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى من سقوط الكفارة مع تكرر النوم ناويا للغسل وإنما يجب القضاء خاصة.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) قال عليه‌السلام : وان أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس ان تنام متعمدا وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر ، فان غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شي‌ء إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت وتوانيت ولم تغتسل وكسلت فعليك صوم ذلك اليوم واعادة يوم آخر مكانه ، وان تعمدت النوم الى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة وهو صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا. انتهى. وقد كشف عليه‌السلام بهذا الكلام الإجمال الذي في الروايات المتقدمة وأوضحه بأوضح بيان.

السادس ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في أنه

__________________

(١) ص ١١٦ و ١١٧.

(٢) ص ٢٤.

١٢٧

لا يبطل الصيام بالاحتلام نهارا في شهر رمضان وغيره ، وقال العلامة في المنتهى : لو احتلم نهارا في رمضان نائما أو من غير قصد لم يفسد صومه ويجوز له تأخير الغسل ولا نعلم فيه خلافا. انتهى.

أقول : ويدل على ذلك من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح الى عبد الله ابن ميمون عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة».

وما رواه الكليني في الموثق عن ابن بكير في حديث (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان أيتم صومه كما هو؟ قال لا بأس».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن العيص بن القاسم (٣) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال لا بأس». ودلالة هذا الخبر من حيث الإطلاق إذ لا تصريح فيه بالنوم نهارا.

وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن عمر بن يزيد (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم والنكاح يفطر الصائم؟ قال لأن النكاح فعله والاحتلام مفعول به».

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه المتقدمة (٥) قال : «سألته عن احتلام الصائم قال فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له ان ينام حتى يغتسل».

وحمل الأصحاب النهي عن النوم في هذا الخبر على الكراهة ، ويؤيده صحيحة العيص المذكورة بالنظر الى دلالتها بإطلاقها على الاحتلام في نهار شهر رمضان.

السابع ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز الجماع في شهر

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٥) ص ١١٧.

١٢٨

رمضان حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل ، فلو تيقن ضيق الوقت عن ذلك وجامع فسد صومه ووجبت عليه الكفارة بناء على ما هو المشهور المنصور كما تقدم تحقيقه من تحريم تعمد البقاء على الجنابة الى أن يصبح ، قالوا : ولو فعل ذلك ظانا سعة الوقت فان كان مع المراعاة لم يكن عليه شي‌ء وان كان لا معها فعليه القضاء وهو ظاهر من ما قدمناه من الأخبار المتقدمة في الإفطار مع المراعاة وعدمها.

المطلب الثاني ـ في الإنزال بالاستمناء ولمس المرأة ، لا ريب ان الاستمناء في حد ذاته وان كان محرما إلا انه لا يجب به شي‌ء ، ولمس المرأة أجنبية كانت أو محرما لا يجب به شي‌ء ، وإنما يبطل الصوم بالإنزال بذلك اما بطلبه كما في الاستمناء وهو طلب الأمناء بفعل غير الجماع أو بالمس والقبلة والملاعبة مع عدم وثوقه من نفسه بعدم سبق الماء وهو من ما لا خلاف فيه ، وكذا لا خلاف في أنه يجب به القضاء والكفارة ، قال المحقق في المعتبر : ويفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة اتفاقا. ونحوه في المنتهى والتذكرة.

والذي يدل على ما ذكرنا من الاخبار ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن حفص بن سوقة عن من ذكره عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (٣) قال : «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين».

وما رواه عن ابى بصير (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وضع

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.

١٢٩

يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق؟ فقال : كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة».

قال في كتاب الفقه الرضوي (١) : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أما يستحي أحدكم أن لا يصبر يوما الى الليل ، انه كان يقال بدو القتال اللطام ، ولو ان رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة».

وهذه الرواية أوردها الصدوق في الفقيه (٢) بصورتها المذكورة ومن الظاهر انه أخذها عن الكتاب المذكور.

ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) «انه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال : انى أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق ان لا يسبقه منيه».

ويستفاد من مجموع هذه الأخبار ان كل شي‌ء يفعله المكلف من ما يكون سببا في خروج المنى متعمدا بذلك إخراجه أم لا مع حصوله به عادة فإنه يكون موجبا لفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة ، وبذلك يجمع بين هذه الاخبار وبين ما رواه في المقنع مرسلا عن على عليه‌السلام (٤) قال : «لو ان رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي‌ء». بحمل هذا الخبر على من لم يكن قاصدا ولا معتادا لذلك ، ولو لا هذا الخبر لأمكن القول بإطلاق تلك الأخبار وهو انه متى فعل شيئا من تلك الأشياء وامنى فسد صومه ووجب عليه القضاء والكفارة متعمدا لذلك أم لا معتادا أم لا؟

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد السند في المدارك استدل على فساد الصوم بالاستمناء بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المذكورة ، ثم انه استدل على فساده

__________________

(١) ص ٢٦.

(٢) ج ٢ ص ٧٠ وفي الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.

١٣٠

بالأمناء عقيب الملامسة بروايتي أبي بصير وحفص بن سوقة المذكورتين (١) وردهما بضعف السند ثم قال : والأصح ان ذلك يفسد الصوم إذا تعمد الانزال بذلك. انتهى

أقول : فيه أولا ـ ان الاستدلال بالصحيحة المذكورة على خصوص الاستمناء مبنى على كون «حتى» في الخبر تعليلية ، وهو غير متعين وذلك فإن أهل العربية قد صرحوا بان ل «حتى» الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان : أحدها ـ ان تكون بمعنى «الى» فتكون لانتهاء الغاية نحو قوله عزوجل (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (٢) وثانيها ـ بمعنى «كي» التعليلية فتكون للتعليل كما في قوله عزوجل : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) (٣) وقوله (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتّى يَنْفَضُّوا) (٤) ومنه قولهم «أسلم حتى تدخل الجنة» والثالث ـ مرادفة «إلا» في الاستثناء ، واستدلال السيد بالخبر مبنى على المعنى الثاني وهو غير متعين بل يحتمل البناء على المعنى الأول وهو الغاية ، والمراد انه عبث بأهله الى أن حصل منه المنى ، فيكون من قبيل خبري أبي بصير وحفص بن سوقة (٥) وبذلك يظهر انه لو خص حكم الإفساد بتعمد الانزال كما جنح إليه أخيرا بناء على ما فهمه من الصحيحة المذكورة فإنه لا دليل عليه ظاهرا من الأخبار.

وثانيا ـ ان الخبرين المذكورين وان كانا ـ كما ذكره ـ ضعيفي السند بناء على اصطلاحه إلا ان الحكم بما دلا عليه إجماعي لا خلاف فيه ، ولذلك عمل بهما من عداه من أصحاب هذا الاصطلاح ، وهو ايضا قد صرح في غير مقام من شرحه هذا بقبول الأخبار الضعيفة المجبورة باتفاق الأصحاب على القول بمضامينها ، ولكنه (عطر الله مرقده) ليس له قاعدة يقف عليها ولا ضابطة يعتمد عليها.

تفريع

اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من نظر الى امرأة فأمنى فقال

__________________

(١ و ٥) ص ١٢٩.

(٢) سورة طه الآية ٩٤.

(٣) سورة البقرة الآية ٢١٥.

(٤) سورة المنافقين الآية ٨.

١٣١

الشيخ في الخلاف انه يأثم ولا قضاء عليه ولا كفارة ، وقال في المبسوط : من نظر الى من لا يحل له النظر إليه بشهوة فأمنى فعليه القضاء ، وان كان نظره الى من يحل فأمنى لم يكن عليه شي‌ء. قال في المختلف : وهو اختيار الشيخ المفيد.

وقال سلار : من نظر الى من يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء.

ونقل في المختلف عن ابن ابى عقيل ان من أنزل بالنظر الى امرأته من غير أن يقبلها أو يفضي إليها بشي‌ء منه الى جسدها أو تفضي اليه لم يكن عليه شي‌ء.

وعن ابن إدريس انه قال : وان أمنى لنظر لم يكن عليه شي‌ء ولا يعود الى ذلك ، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى انه ان نظر الى من يحرم عليه النظر إليه فأمنى كان عليه القضاء دون الكفارة ، قال : والصحيح انه لا قضاء عليه لانه لا دليل على ذلك.

وقال في المختلف : والأقرب انه ان قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء والكفارة مطلقا سواء كان النظر الى من يحرم عليه أولا ، وان لم يقصد الانزال فانزل لتكرر النظر من غير قصد بل كرر النظر فسبقه الماء وجب القضاء خاصة.

ثم قال : لنا على الأول انه وجد منه الهتك وهو إنزال الماء متعمدا فوجب عليه القضاء والكفارة كالعابث بأهله والمجامع. وعلى الثاني انه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده وكان عليه القضاء كالمتمضمض للتبرد إذا وصل الماء حلقه.

ثم نقل عن الشيخ انه احتج بالإجماع وبعدم دليل على كون النظر مفطرا والأصل براءة الذمة.

ثم أجاب بمنع الإجماع ، قال : وقد بينا الدليل على إيجاب القضاء ، والبراءة معارضة بالاحتياط. انتهى.

وقال في المدارك : والأصح ان النظر غير مفسد إلا إذا كان من عادته الأمناء بذلك وفعله عامدا قاصدا به الى حصول الانزال ، وكذا القول في التخيل لو ترتب عليه الانزال. انتهى. وكلامه هنا مبنى على ما تقدم منه في تلك المسألة من تخصيصه الإفساد بتعمد الإنزال بذلك الفعل.

١٣٢

أقول : والمسألة غير منصوصة على الخصوص إلا انه لا يبعد القول بالإفساد بذلك بما إذا علم من عادته الإنزال بذلك سواء قصد تعمد الإنزال بذلك أم لا جريا على ظواهر الأخبار المتقدمة في ما دلت عليه من الإفساد بما كان من الأفعال موجبا لذلك.

نعم روى الشيخ في التهذيب (١) عن ابى بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فأمنى؟ فقال : لا بأس». والظاهر حمله على ما تقدم في خبر المقنع.

وبالجملة فالاحتياط في أمثال هذه المواضع من ما لا ينبغي تركه.

المسألة الثالثة ـ يجب الإمساك عن الارتماس على الأشهر الأظهر ، وللأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة اختلاف زائد فذهب جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخان والسيد المرتضى في الانتصار والشيخ في النهاية والجمل والاقتصاد وابن البراج إلى أنه موجب للقضاء والكفارة ، قال العلامة في المختلف ورواه ابن بابويه في كتابه. ونسبه في المبسوط إلى أظهر الروايات ، ثم قال وفي أصحابنا من قال انه لا يفطر. وقال في الاستبصار : ولست اعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء. ونقل عن أبى الصلاح انه يوجب القضاء خاصة ، وذهب الشيخ في الاستبصار إلى انه محرم لا يوجب قضاء ولا كفارة ، واختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والمختلف والسيد السند في المدارك ، ونقل في المختلف عن على بن بابويه انه عده من المفطرات ، وذهب ابن إدريس إلى أنه ينقص الصوم ولا يبطله ونقله عن السيد المرتضى ، ونقله في المختلف عن ابن أبى عقيل أيضا.

وقد تلخص من ذلك ان الأقوال في المسألة أربعة : أحدها ـ القول بإبطال الصوم ووجوب القضاء والكفارة ، وثانيها ـ القول بالتحريم خاصة مع صحة

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٧٣ وفي الوافي باب (مس النساء وقبلتهن).

١٣٣

الصوم ، وثالثها ـ القول بالجواز على كراهة ، ورابعها ـ القول بوجوب القضاء خاصة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه».

وفي الصحيح عن حريز عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٤) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب اربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء».

ورواية عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «يكره للصائم ان يرتمس في الماء».

ورواية إسحاق بن عمار (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال ليس عليه قضاء ولا يعود».

ورواية حنان بن سدير (٧) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال : لا بأس ولكن لا ينغمس فيه. الحديث».

ورواية مثنى الحناط والحسن الصيقل (٨) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٨) الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) الوسائل الباب ١ من ما يمسك عنه الصائم. ارجع الى التعليقة ٢ ص ٥٠.

(٦) الوسائل الباب ٦ من ما يمسك عنه الصائم.

(٧) الفروع ج ١ ص ١٩٢ وفي الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم.

١٣٤

الصائم يرتمس في الماء؟ قال : لا ولا المحرم».

وما رواه الصدوق في كتاب الخصال (١) قال : «حدثنا محمد بن الحسن (رضى الله عنه) قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن ابى عبد الله البرقي عن أبيه محمد بن خالد بإسناده رفعه الى أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة عليهم‌السلام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) : وادنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة وهي النية وترك الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم ترك الأكل والشرب والنكاح والارتماس في الماء واستدعاء القذف ، فإذا تم هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤديا لفرض الصوم مقبولا منه بمنة الله.

وقال في موضع آخر (٣) أيضا : واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة (عليهم‌السلام).

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لم ينقل الأصحاب دليلا لمن قال بوجوب القضاء والكفارة وانما نقلوا القول بذلك عن من قدمنا ذكره مجردا.

واما القول بالتحريم فاستدلوا عليه بالروايات الدالة على النهى عنه والمنع منه للصائم ، فإن غاية النهى تحريم الفعل المذكور ولا يوجب فساد الصوم لأن النهي هنا عن أمر خارج عن العبادة.

واستدلوا على نفي القضاء والكفارة برواية إسحاق بن عمار المذكورة (٤) واما رواية عبد الله بن سنان (٥) التي هي دليل السيد المرتضى ومن معه ممن ذهب الى الجواز على كراهة فقد أجيب عنها بحمل الكراهة فيها على التحريم كما ذكره في المدارك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ٢٣.

(٣) ص ٢٤.

(٤ و ٥) ص ١٣٤.

١٣٥

قال : فان كثيرا ما تستعمل بمعنى التحريم بل ربما ظهر من بعض الروايات كونها حقيقة فيه.

واما القول بوجوب القضاء خاصة فلا اعرف له دليلا واضحا ، وذكر شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد ان مستنده مفهوم حديث (١) «لا يضر الصائم». ثم أجاب عنه بأنه يكفي في الإضرار فعل الحرام.

أقول : والذي يقرب عندي من هذه الأقوال هو القول الأول :

لنا ـ النهى عنه في أكثر هذه الأخبار والظاهر ان النهى إنما هو من حيث ما يترتب عليه من بطلان الصوم إذ لا يعقل للنهى علة سوى ذلك.

واما ما ذكره في المعتبر واستحسنه في المدارك ـ من أنه يمكن أن يكون الوجه في التحريم الاحتياط في الصوم ، فان المرتمس في الأغلب لا ينفك أن يصل الماء الى جوفه فيحرم وان لم يجب به قضاء ولا كفارة إلا مع اليقين بابتلاعه ما يوجب المفطر. انتهى ـ

فلا يخفى ما فيه من التكلف والبعد ، فان هذا التوجيه إنما يصلح للكراهة لا للتحريم ، على ان ما ذكره من دعوى أغلبية وصول الماء الى جوف المرتمس ممنوع وما دل عليه حديث الخصال وحديث كتاب الفقه الرضوي من التصريح بإبطاله الصيام وعده في قرن ما يوجب القضاء والكفارة إجماعا من الأكل والشرب والجماع ، وحينئذ فيكون مثلها.

وهو أيضا ظاهر مفهوم صحيحة محمد بن مسلم (٢) الدالة على انه لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال ، فان مفهومه الشرطي الذي هو حجة عند المحققين وعليه دلت الأخبار ايضا انه لو لم يجتنب ضره ، وإضراره إنما هو من حيث الصوم لأن التعليق على الوصف يشعر بالعلية.

والى ما ذكرنا لمح في المدارك فقال ـ بعد ما استدل على ما اختاره من مجرد

__________________

(١ و ٢) ص ١٣٤.

١٣٦

التحريم بما أشرنا إليه آنفا ونقل كلام الشيخ في الاستبصار المتقدم من انه لم يجد حديثا في إيجاب القضاء والكفارة. الى آخره ـ ما صورته : وهو كذلك نعم في رواية ابن مسلم (١) اشعار بمساواته للأكل والشرب والنساء لكنها غير صريحة. انتهى

وقال شيخنا الشهيد في كتاب شرح نكت الإرشاد ـ بعد أن نقل القول بالكفارة وانهم لم ينقلوا عليه دليلا معتمدا ـ ما صورته : ويمكن الاحتجاج بعطفه على ما يوجب الكفارة في صحيح محمد بن مسلم المتقدم (٢).

أقول : لا يخفى ان إجمال هذه الرواية قد أوضح في رواية الخصال ورواية كتاب الفقه الرضوي (٣).

واما ما دلت عليه رواية إسحاق بن عمار من عدم القضاء فالأقرب عندي فيها هو الحمل على التقية ، فإن العامة في هذه المسألة على ما نقله في المعتبر والمنتهى على قولين : فالجمهور منهم على الجواز بلا كراهة والقول الآخر الجواز على كراهة (٤) وظاهر هذا الخبر مؤذن بالجواز.

وبالجملة فإنه مع قطع النظر عن روايتي الخصال وكتاب الفقه الرضوي (٥) فالقول بما ذهب اليه المحقق ومن انتفاه من مجرد التحريم ظاهر ، ولكنهم معذورون حيث لم يقفوا على الروايتين المذكورتين ، واما مع وجود هاتين الروايتين وضمهما الى تلك الروايات فإنه لا مجال لإنكار القول بوجوب القضاء والكفارة إلا بالطعن في سند هاتين الروايتين بناء على هذا الاصطلاح المحدث وهو عندنا غير ملتفت اليه ولا معول عليه. وكتاب الفقه وان لم يكن مشهورا بينهم إلا انك قد عرفت من ما قدمنا في كتاب الصلاة وما بعده من هذه الكتب انه معتمد عند الصدوقين كما أوضحناه سابقا رأى العين.

وتمام الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان أمور الأول ـ قد ذكر

__________________

(١ و ٢) ص ١٣٤.

(٣ و ٥) ص ١٣٥.

(٤) المغني ج ٣ ص ١٠٩ والمجموع ج ٦ ص ٣٤٧.

١٣٧

جمع من الأصحاب ان المراد بالارتماس هنا غمس الرأس في الماء أعم من أن يكون مع البدن أو وحده وان كان البدن خارجا من الماء ، ووجهه ظاهر من ما تقدم في الأخبار حيث ان جملة منها تضمنت المنع من غمس الرأس في الماء وهو ظاهر في أن النهى إنما تعلق برمس الرأس خاصة كيف اتفق.

والظاهر ان الرقبة غير داخلة فيه بل المراد منه ما فوق الرقبة ، ودخولها في اخبار الغسل لا يستلزم دخولها هنا لأنها عضو منفصل عن الرأس ، وإنما دخلت في الرأس في أخبار الغسل من حيث تثليث الأعضاء فيه بالرأس والجانب الأيمن والجانب الأيسر وهي غير داخلة في أحد الجانبين اتفاقا فتدخل في الرأس ، ولهذا ان بعضهم كما تقدم في باب الغسل توقف في دخولها فيه أيضا والحق دخولها كما أوضحناه ثمة.

ثم ان بعض الأصحاب اشترط في غمس الرأس الدفعة العرفية فلو غمسه على التعاقب لم يتعلق به التحريم ، وهو مبنى على ما ذكروه في الغسل الارتماسي من اشتراط الدفعة العرفية ، وقد بينا في باب غسل الجنابة من كتاب الطهارة ضعفه وانه مجرد وهم نشأ من قولهم (عليهم‌السلام) في اخبار الغسل الارتماسي «ارتماسة واحدة» فحملوا ذلك على الدفعة وأبطلوا الغسل بما إذا لم يكن كذلك ، والأمر ليس كما ذكروه كما بيناه ثمة. وبه يظهر ان ما فرعوا عليه في هذا الموضع لا وجه له ولا دليل عليه. وحيث قد عرفت ان الرأس هو ما فوق الرقبة فيحب قصر الحكم عليه.

واما ما ذكره في المدارك ـ بعد أن فسر الرأس بما ذكرنا من انه لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وان كانت منابت الشعر خارجة عن الماء ـ فهو في غاية البعد لعدم صدق غمس الرأس والارتماس المعلق عليه الحكم في الاخبار وكلام الأصحاب.

وكأنه بنى على ان النهى عن الارتماس إنما هو من حيث خوف دخول الماء في شي‌ء من هذه المنافذ فحكم بصدق الارتماس بمجرد غمسها في الماء.

١٣٨

وفيه أولا ـ ان هذه علة مستنبطة إذ لا وجود لها في شي‌ء من الأخبار.

وثانيا ـ انه مع فرض وجودها فان علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول معها وجودا وعدما بل هي معرفات لبيان وجه الحكمة أو المناسبة أو نحو ذلك.

الثاني ـ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي ان لا فرق في هذا الحكم بين صوم الفريضة والنافلة. ثم انه ان قلنا بأنه مفسد للصوم كما اخترناه فإنه يجوز فعله في صوم النافلة كغيره من المفطرات ، وان قلنا بأنه محرم كما هو أحد الأقوال فقد ذكروا انه يحتمل التحريم في صوم النافلة كالتكفير في صلاة النافلة ويحتمل الإباحة اما لقصور أخبار التحريم عن افادة العموم أو لأنه إذا جاز تناول المفطر جاز ما هو مظنة له بطريق أولى.

أقول : لا يخفى ما في تعليل احتمال الإباحة بالوجه الأول من الضعف ، لأن الكلام من أوله مبنى على ان إطلاق النصوص يقتضي دخول الصوم المندوب. نعم التعليل الثاني متجه بناء على كلامهم ، وحيث ان الظاهر عندنا هو الإفساد به فيجوز فعله في الصوم المندوب حينئذ ولا اشكال.

الثالث ـ قد ذكر شيخنا الشهيد الثاني ان فائدة التحريم تظهر في ما لو ارتمس في غسل مشروع فإنه يقع فاسدا للنهى عن بعض أجزائه المقتضي للفساد في العبادة.

قال سبطه السيد السند في المدارك : وهو جيد ان وقع الغسل في حال الأخذ في الارتماس أو الاستقرار في الماء لاستحالة اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد ، أما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب الحكم بصحته لان ذلك واجب محض لم يتعلق به نهى أصلا فينتفي المقتضي للفساد. انتهى.

أقول : يمكن المناقشة في ما ذكره شيخنا المشار إليه بأن المعلوم من القاعدة المشهورة وهو ان النهى إذا توجه إلى العبادة أو جزئها أو شرطها يكون مبطلا لها إنما هو ما إذا توجه لها من حيث هي لا من حيث أمر خارج عنها كما حققنا ذلك بما

١٣٩

لا مزيد عليه في كتاب الصلاة في مسألة الصلاة في المكان والثوب المغصوبين ، والأمر هنا كما هو هناك فإن النهي هنا عن الارتماس إنما توجه للصائم من حيث الصوم اغتسل أو لم يغتسل ولم يتوجه للمغتسل ليكون الغسل منهيا عن بعض أجزائه كما أن النهى في تلك المسألة إنما توجه من حيث المنع من التصرف في المغصوب بغير اذن مالكه صلى فيه أو لم يصل. وبالجملة فالكلام في المسألتين من باب واحد.

ثم انه بناء على الإغماض عن ما ذكرناه فكلام السيد (قدس‌سره) هنا لا يخلو من شي‌ء فان الظاهر من كلامه ان الوجه في الفساد إنما هو لزوم اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد وهو مستحيل ، وهو إنما يتحقق في ما إذا وقعت نية الغسل في حال الأخذ في الارتماس ، فإنه مأمور به وواجب لكونه غسل جنابة مثلا ومنهي عنه من حيث النهى عن غمس الرأس فيبطل حينئذ ، اما لو وقعت نية الغسل بعد الدخول تحت الماء في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب الحكم بصحته لانتهاء النهى الموجب للتحريم حينئذ باعتبار حصول الارتماس أولا فيبقى الوجوب من غير معارض.

وفيه أولا ـ ان ما ذكره أخيرا بعينه جار في حال الاستقرار في الماء إذا نوى الغسل وحرك بدنه على وجه يحصل به الجريان عليه مع انه حكم بالبطلان فيه وجعله من قبيل الغسل حال الأخذ في الارتماس.

وثانيا ـ ان الظاهر ان الارتماس المحرم إنما هو عبارة عن الأمر الكلي الحاصل بأول دفعة فما زاد بعين ما قالوه في القيام الركني الذي هو عبارة عن ما يركع عنه المصلى طال أو قصر وكذا الوقوف بعرفات ونحو ذلك ، وحينئذ فيتوجه صدق النهى عن الارتماس في الصورة الأخيرة ويصير من قبيل الصورة الاولى.

وثالثا ـ ان ثبوت الغسل الارتماسي على الكيفية التي ذكرها من كونه في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء من ما يمكن تطرق المناقشة إليه كما ذكره الفاضل الخراساني في كتاب الذخيرة ، حيث قال بعد نقل كلامه : وهو حسن ان كان

١٤٠