الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

غروب الشمس فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس؟ فقال على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ان الله عزوجل يقول (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنه أكل متعمدا». وبهذا الخبر استدل من قال بوجوب القضاء في المسألة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ وابن بابويه عن زرارة في الصحيح (٢) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وهي ظاهرة الدلالة على القول الأول.

ويمكن ان تكون هذه الرواية هي التي أشار إليها الفاضل الخراساني في ما تقدم من كلامه واستند الى دلالتها على البناء على الظن.

وأنت خبير بان قوله عليه‌السلام «إذا غاب القرص» إما ان يحمل على غيبوبته عن النظر بالمشاهدة اليه ، وهذا لا يصح ترتب الرؤية عليه بعد ذلك فلا يمكن حمل الخبر عليه ، واما أن يحمل على مجرد احتمال الغيبوبة وظنها مع عدم الحائل في السماء وعدم المشاهدة بالكلية ، وهو مع كونه لا قائل به فالأخبار ترده لأن اخبار وقت المغرب متفقة على كون الغروب المترتب عليه جواز الصلاة والإفطار إنما هو عبارة عن غيبوبة القرص عند النظر اليه كما هو أحد القولين أو زوال الحمرة المشرقية كما هو القول الآخر ، وحينئذ فمجرد ظن ذلك من غير مشاهدة ولا علة في السماء مانعة من المشاهدة لا يجوز العمل عليه اتفاقا نصا وفتوى ، واما ان يحمل على حصول المانع من المشاهدة لغيم ونحوه كما هو صريح الأخبار الباقية ، وبه يتم معنى الخبر المذكور وينتظم مع الأخبار الآتية ويتبين فساد ما توهمه الفاضل المتقدم ذكره.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٢) الوسائل الباب ٥١ من ما يمسك عنه الصائم.

١٠١

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن وقت إفطار الصائم قال حين تبدو ثلاثة أنجم. وقال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك قال : ليس عليه قضاء».

ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ ان هذه الرواية هي التي أشار إليها الفاضل المتقدم ذكره حيث عبر فيها بلفظ الظن.

وفيه انه يجب حملها على الظن المستند الى العذر المانع من تحصيل العلم بدخول الوقت لا مطلقا لما ذكرناه من التقريب في الرواية الاولى.

ويؤكد ذلك ما رواه في الكافي عن ابن ابى عمير عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام ان تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «يحل لك الإفطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس».

ألا ترى انه عليه‌السلام جعل وقت الإفطار وجوازه مترتبا على النظر الى زوال الحمرة في الأول وظهور الأنجم الثلاثة المقارنة لغروب الشمس في الثاني الراجع ذلك في المعنى الى زوال الحمرة أيضا ، وهذا مبنى على عدم المانع في السماء من غيم ونحوه ، فكيف يجوز البناء على الظن مطلقا وان لم يكن مانع كما توهمه من الخبر المذكور؟ وقد تقدم في اخبار أوقات الصلوات ما هو صريح في انه مع عدم العذر لا بد في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة.

وبالجملة فإن كلام هذا الفاضل مجرد توهم وغفلة نشأت عن عدم مراجعة الاخبار والتأمل فيها.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ و ٥١ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٢ من ما يمسك عنه الصائم.

١٠٢

ومنها ـ رواية أبي الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال قد تم صومه ولا يقضيه».

ورواية زيد الشحام عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل صائم ظن ان الليل قد كان وان الشمس غابت وقد كان في السماء سحاب فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال تم صومه ولا يقضيه».

وجملة هذه الاخبار ما عدا الرواية الأولى ظاهرة الدلالة على القول بعدم وجوب القضاء في المسألة ، ومن قال بوجوب القضاء رد صحيحة زرارة الأولى بعدم الصراحة في المدعى وباقي الأخبار بالطعن في السند ، ومن قال بالعدم رد الرواية الأولى بضعف السند.

ومنهم من جمع بين الأخبار بحمل الرواية الدالة على وجوب القضاء على الشك وتساوى الاعتقاد ، قال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر الرواية المذكورة (٣) الوجه في هذه الرواية انه متى شك في دخول الليل عند العارض وتساوت ظنونه ولم يكن لأحدهما مزية على الآخر لم يجز له أن يفطر حتى يتيقن دخول الليل أو يغلب على ظنه ، ومتى أفطر والأمر على ما وصفناه وجب عليه القضاء حسب ما تضمنه هذا الخبر. انتهى.

ويشكل أولا ـ بأن ظاهر قوله في الرواية «فرأوا انه الليل» هو حصول الظن بدخول الليل كما هو المتبادر من هذا اللفظ.

وثانيا ـ بان الظاهر ان من أفطر في هذه الصورة فعليه مع القضاء الكفارة أيضا لأنه متى كان عالما بعدم جواز الإفطار في الصورة المذكورة وأفطر فقد وجبت عليه الكفارة لإقدامه على الإفطار في نهار شهر رمضان عدوانا. إلا أن يقال ان إيجاب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥١ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) ج ٢ ص ١١٦.

١٠٣

القضاء في الخبر لا ينافي إيجاب الكفارة أيضا ، ويؤيده قوله في الخبر «لأنه أكل متعمدا» وقد صرح ابن إدريس في ما قدمنا من كلامه بوجوب القضاء والكفارة في الصورة المذكورة.

ومنهم من جمع بين الأخبار بالتنزيل على مراتب الظن وجعل بعضها غالبا على بعض ، فأوجب القضاء بحصول الظن وحمل عليه الخبر الأول ونفاه مع غلبة الظن وحمل عليه الأحاديث الأخر ، وهو صريح كلام ابن إدريس المتقدم وتبعه فيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل.

وهو ضعيف كما صرح به جملة ممن تأخر عنه ، قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل ذلك عنه : ويشكل بعدم انضباط مراتب الظن حتى يجعل بعضها غالبا وبعضها غير ذلك بل الظن كله غالب ، وبان الحكم في النصوص معلق على مطلق الظن في الحالين.

أقول : والأظهر عندي العمل بالأخبار الدالة على عدم الوجوب وحمل الرواية الدالة على الوجوب على التقية. فإن القول بالوجوب مذهب الجمهور (١) كما نقله في المنتهى ، ونقل من أخبارهم الدالة عليه ما رواه حنظلة (٢) قال : «كنا في شهر رمضان وفي

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٣٦.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢١٧ وقد رواه عنه بطريقين واللفظ في أحدهما هكذا : كنا عند عمر فاتى بجفنة في شهر رمضان فقال المؤذن الشمس طالعة فقال اغنى الله عنا شرك انا لم نرسلك راعيا للشمس انما أرسلناك داعيا إلى الصلاة. يا هؤلاء من كان منكم أفطر فقضاء يوم يسير وإلا فليتم صومه. وفي الآخر قريب من ذلك وفيه قال عمر «من كان أفطر فليصم يوما مكانه» وليس فيهما ان الظن بغياب الشمس لوجود السحاب. نعم ورد ذلك في رواية خالد بن أسلم عن عمر وفيها انه قال «الخطب يسير وقد اجتهدنا» وقد حمله الشافعي ومالك على ارادة القضاء ، وورد أيضا في رواية بشر بن قيس عمر وفيها قال عمر «لا نبالي والله نقضي يوما مكانه» وورد أيضا في رواية زيد بن وهب وفيها قال عمر «والله لا نقضيه وما تجانفنا لإثم» كل ذلك في سنن البيهقي ج ٤ ص ٢١٧.

١٠٤

السماء سحاب فظننا ان الشمس غابت فأفطر بعضنا فأمر عمر من كان أفطر ان يصوم مكانه».

واما ما استدل به في المنتهى على هذا القول حيث اختاره ـ من انه تناول ما ينافي الصوم عمدا ـ فهو لا يخلو من المصادرة لأن الخصم ينكر كون ذلك ينافي الصوم ، وهو محل النزاع كما لا يخفى فان الخصم يدعى ان الشارع كما جوز له الصلاة بالبناء على ظن دخول الوقت مع تعذر العلم كما مر في كتاب الصلاة كذلك جوز له الإفطار بناء على ذلك ، وحينئذ فما تناوله ـ في حالة جوز الشارع الأكل فيها وكونه بحسب الواقع ليس كذلك لظهور كونه قد تناول نهارا ـ غير ضائر لأن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الظاهر في نظر المكلف لا الواقع ، وبالجملة فإنه لما ثبت بالروايات المذكورة هنا والمتقدمة في كتاب الصلاة انه يجوز البناء على الظن في صورة عدم إمكان العلم والمكلف هنا قد بنى على ذلك فلا يتعقبه نقض لأنه لم يخالف أمر الشارع بوجه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جملة من المتأخرين ـ كالمحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد وغيره من مختصراته وغيرهما في غيرها ـ قد عبروا في هذه المسألة في تعداد ما يجب به القضاء خاصة دون الكفارة بهذه العبارة ، قالوا : والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل فلو غلب على ظنه لم يفطر. وشراح كتبهم قد اضطربوا في تصحيح هذه العبارة وبيان المعنى المراد من الوهم فيها بما لا مزيد فائدة في التطويل بالبحث عنه هنا بعد عدم وجود ما يدل عليه في الاخبار ، فإن الأخبار الواردة في المسألة هي ما قدمناه وموردها كلها الظن خاصة وليس في شي‌ء منها ما يدل على حكم الإفطار في صورة الوهم أو الشك ليحتاج إلى التفصي عنه والبحث عن المراد منه. وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك ايضا فقال : واما الإفطار مع الشك أو الوهم فليس فيه نص في ما علمنا ولا ادعاه مدع.

بقي هنا شي‌ء ينبغي التنبيه عليه وهو ان السيد السند (قدس‌سره) هنا في

١٠٥

المدارك ـ بعد أن نقل عبارة المصنف في المسألة وهي ما قدمنا ذكره ـ قال ما صورته : الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان مقدمة وهي انه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق الى العلم وإنما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن. ثم نقل الخلاف في المسألة وبعض الأخبار المتعلقة بها. والعجب كل العجب منه (قدس‌سره) في هذا المكان ـ وان كان لا عجب فان المعصوم من عصمه الله تعالى من السهو والنسيان ـ انه (قدس‌سره) في كتاب الصلاة ـ بعد أن ذكر ان من لا طريق له الى العلم يجوز له الاجتهاد في الوقت بمعنى التعويل على الأمارات المفيدة للظن ولا يكلف الصبر حتى يتيقن ـ قال : وهو أحد القولين في المسألة وأشهرهما بل قيل انه إجماع ، وقال ابن الجنيد : ليس للشاك في يوم الغيم ولا غيره أن يصلى إلا عند يقينه بالوقت ، وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك. ثم استدل للقول المشهور برواية أبي الصباح الكناني التي ذكرها في هذه المسألة وردها بضعف السند ، ونقل صحيحة زرارة وهي الأولى من صحيحتيه المتقدمتين وطعن في دلالتها بحمل قوله فيها «ومضى صومك» يعنى بالمضي الفساد. ثم قال : وبالجملة فالمسألة محل تردد وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة.

فانظر أيدك الله الى هذا السهو الظاهر من مثل هذا الحبر الماهر حيث انه في كتاب الصلاة ينقل عن ابن الجنيد عدم جواز البناء على الظن في مقام الاشتباه ووجوب الأخذ باليقين ويختاره ويطعن في الروايات الدالة على خلافه ، وفي هذه المسألة يدعى الإجماع على عدمه ويختاره.

المسألة الثانية يجب الإمساك عن الجماع في القبل إجماعا نصا وفتوى أنزل أو لم ينزل فان فعل وجب عليه القضاء والكفارة.

واستدل على ذلك بقوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ

١٠٦

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ). الآية (١) والمستفاد منها بناء على كون الغاية غاية للمجموع تحريم الجماع بعد التبين ، ويضم اليه عدم القائل بالفصل حتى يتم الاستدلال على الإفساد المقتضي للقضاء والكفارة. كذا قالوا في تقرير الاستدلال بالآية.

أقول : من ما يدل على كون الغاية في الآية للجميع ما رواه الثقة الجليل على ابن إبراهيم في التفسير (٢) قال : حدثني أبي رفعه قال : قال الصادق عليه‌السلام كان النكاح والأكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم بمعنى كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الإفطار وكان النكاح حراما بالليل والنهار في شهر رمضان ، وكان رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له خوات بن جبير أخو عبد الله ابن جبير وكان شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما ، فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم على الأكل في هذه الليلة ، فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرق له ، وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان ، فانزل الله (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ). وساق الآية في التفسير الى قوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٣) قال فأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم الى طلوع الفجر بقوله تعالى (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (٤).

وروى السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير النعماني بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام نحوه (٥).

أقول : قد دلت الآية بمعونة تفسيرها بالخبرين المذكورين على التحريم.

واما وجوب القضاء والكفارة فيرجع فيه الى الاخبار ، ويدل عليه من الأخبار صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١ و ٣ و ٤) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٤٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٦) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.

١٠٧

الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وصحيحة حفص بن سوقة عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل يعبث بامرأته وهو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان؟ فقال عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وصحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء». ونحوها أخبار تأتي في الأحكام الآتية في توابع هذه المسألة.

واما الجماع في الدبر فان كان مع الانزال فظاهرهم الاتفاق على انه كالأول ، ويدل عليه الأخبار المتقدمة من حيث دلالتها على وجوب الكفارة بالإنزال الحاصل بالملاعبة والعبث بأهله.

واما مع عدم الانزال فالمعروف من مذهب الأصحاب انه كذلك ايضا حتى نقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه ايضا ، وقال في المبسوط بعد أن حكم بوجوب الكفارة في الجماع مطلقا : وقد روى ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلا إذا أنزل معه وان المفعول به لا ينقض صومه بحال (٤) والأحوط الأول. وربما أشعر كلامه هذا بنوع تردد في الحكم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) الوسائل الباب ١ من ما يمسك عنه الصائم. ارجع الى التعليقة ٢ ص ٥٠.

(٤) راجع الاخبار ص ١١٠.

١٠٨

احتجوا على الحكم المذكور بإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة (١) وهي لغة عبارة عن إلصاق البشرة بالبشرة وهي ظاهر الجلد ، خرج منه المباشرة بما عدا الوطء في القبل والدبر لعدم الدليل على التحريم فيه بل دلالة الأدلة على الجواز فيبقى الباقي ، ومتى ثبت التحريم كان مفسدا للصوم بالإجماع المركب فيثبت القضاء والكفارة. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال.

والتحقيق أن يقال : ان المباشرة وان كانت لغة ما ذكر إلا ان المراد في الآية إنما هو الجماع والجماع وان صدق على الوطء في الدبر إلا ان الفرد المتكرر الذي ينصرف إليه الإطلاق إنما هو الجماع في القبل وصدقه في المقام على الوطء في الدبر محل اشكال. وأشكل من ذلك الاستناد إلى الإجماع المركب في تتمة الاستدلال بالآية.

وبالجملة فإني لا أعرف لذلك دليلا بالنسبة إلى التحريم والى إيجاب القضاء والكفارة إلا اتفاقهم على الحكم المذكور ولعله كاف مع عدم وجود دليل يناقضه سيما مع موافقته للاحتياط.

وأيد بعضهم الاستدلال بالآية بالأخبار التي قدمناها (٢) من حيث صدق الجماع فيها على الوطء في الدبر.

وفيه ما عرفت من ان الفرد الشائع المتكثر المأمور به في الاخبار انما هو الجماع في القبل واما الآخر فهو مع كونه منهيا عنه نادر الوقوع والإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة.

ولعل منشأ تردد الشيخ في المبسوط في هذه المسألة هو عدم الدليل الصريح على الحكم المذكور مع ما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد عن بعض الكوفيين

__________________

(١) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية ٨٤ : «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ...».

(٢) ص ١٠٧.

١٠٩

يرفعه الى ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة؟ قال لا ينقض صومها وليس عليها غسل».

وعن على بن الحكم في الصحيح عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل».

إلا انه قال في التهذيب بعد نقل رواية على بن الحكم : هذا خبر غير معمول عليه وهو مقطوع الإسناد.

أقول : العجب منه انه في باب غسل الجنابة في هذه المسألة اختار عدم وجوب الغسل على الموطوءة في الدبر واستدل بهذه الرواية وكذا التي قبلها وفي هذه المسألة ردها بأنها غير معمول عليها وانها مقطوعة الاسناد ، ومن الظاهر ان كلا من الغسل ونقض الصوم تابع لحصول الجنابة بذلك.

وجملة من المتأخرين قد ردوا هاتين الروايتين بضعف الاسناد بناء على هذا الاصطلاح واما من لا يرى العمل به فيتحتم عليه القول بمضمونهما لعدم المعارض من الاخبار لهما سوى اتفاق الأصحاب.

وبالجملة فالمسألة عندي لذلك محل اشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال وهو في جانب العمل بما عليه الأصحاب. والله العالم بحقيقة الحق والصواب.

واما الوطء في دبر الغلام والدابة فاما مع الإنزال فإنه لا خلاف ولا إشكال في فساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة من حيث الانزال لما تقدم.

واما مع عدمه فقد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال الشيخ في الخلاف : إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفارة ، وادعى الإجماع عليه. ثم قال : وإذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء والكفارة ، فإن أولج ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص لكن مقتضى المذهب ان عليه القضاء لأنه لا خلاف فيه ، اما الكفارة فلا تلزمه لأن الأصل براءة الذمة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من الجنابة.

١١٠

قال ابن إدريس : لما وقفت على كلامه كثر تعجبي والذي دفع به الكفارة يدفع القضاء مع قوله «لا نص لأصحابنا فيه» وإذا لم يكن فيه نص مع قولهم (١) «اسكتوا عن ما سكت الله عنه». فقد كلفه القضاء بغير دليل ، واى مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء؟ بل أصول المذهب تقتضي نفيه وهي براءة الذمة والخبر المجمع عليه. أقول : ما ذكره ابن إدريس جيد لا غبار عليه.

وقال في المبسوط : يجب القضاء والكفارة بالجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة وعلى كل حال على الظاهر من المذهب. وقد روى ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم. الى آخر ما قدمناه من عبارته.

وقد بينا سابقا ان الظاهر من قوله : «وقد روى. الى آخره» هو الإشارة إلى الروايتين المتقدمتين من حيث دلالتهما على عدم نقض الصوم وموردهما كما عرفت دبر المرأة ، فيصير محل التردد في عبارته التي قدمناها مخصوصا بدبر المرأة من حيث هاتين الروايتين ، وحينئذ فيبقى ما عدا دبر المرأة من دبر الغلام والبهيمة والميتة خاليا من التردد وموجبا عنده للقضاء والكفارة. وبهذا التقريب يكون فيه منافاة بينه وبين كلامه في المبسوط من انه مع عدم الإنزال فإنما يجب القضاء خاصة.

وظاهر جملة من المتأخرين : منهم ـ المحقق في المعتبر والشرائع والعلامة في جملة من كتبه ان إفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة تابع لإيجاب الغسل.

قال في المختلف : والأقرب ان إفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة تابع لإيجاب الغسل وكل موضع قلنا بوجوب الغسل فيه وجبت الأحكام الثلاثة فيه ايضا وإلا فلا.

__________________

(١) الشهاب في الحكم والآداب لمحمد بن سلامة القضاعي حرف الالف عن النبي (ص) ويستفاد من الاخبار الواردة بهذا المضمون المتقدمة ص ٣٠.

١١١

وهذا الكلام منه (قدس‌سره) مبنى على ما اختاره في باب الغسل من إيجاب الغسل بذلك.

ثم قال هنا في الاستدلال على هذه المسألة : لنا ـ ان الغسل معلول للجنابة وهي علة للأحكام المذكورة فإذا حصل المعلول دل على وجود العلة فيلزم وجود المعلول الآخر.

أقول : فيه ان مرجع هذا الاستدلال الى ثبوت وجوب الغسل بالجماع في دبر الغلام والبهيمة ، وقد قدمنا في باب غسل الجنابة تحقيق الكلام في المسألة وانا لم نقف على دليل سوى ما يدعونه من الإجماع. وفيه ما عرفت في مقدمات الكتاب ولا سيما في موضع النزاع.

مع ان ما يدعيه هنا ايضا من ان الجنابة علة في فساد الصوم من ما اعترضه فيه بعض محققي متأخري المتأخرين بأنه ليس في الأخبار ما يدل على ذلك صريحا لكن يلوح من بعضها ذلك.

أقول : لعله أشار بالأخبار التي يلوح منها ذلك الى رواية حفص بن سوقة المتقدمة في باب غسل الجنابة عن من أخبره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) حيث سأله عن الرجل يأتي المرأة من خلفها؟ قال هو أحد المأتيين فيه الغسل. وهو من ما يدل على وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة إلا انه أخص من المدعى.

وبالجملة فذيل الكلام واسع في المقام وليس عندي هنا دليل يعتمد عليه في أحد الجانبين سوى الاحتياط في البين المأمور بالوقوف عليه في مقام الشك والارتياب. والله العالم بحقيقة الحق والصواب.

ويجب ان يلحق بالجماع في هذا المقام ما يتفرع على الجنابة من الأحكام المتعلقة بالصيام ، والبحث عن ذلك ينتظم في مطلبين :

المطلب الأول ـ في البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر ، والمشهور بين

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من الجنابة.

١١٢

الأصحاب (رضوان الله عليهم) بطلان الصيام بذلك ووجوب القضاء والكفارة ، ذهب اليه الشيخان وعلى بن بابويه وابن الجنيد والسيد المرتضى وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس وهو قول جمهور المتأخرين. ونقل ابن إدريس إجماع الفرقة على انه يفسد الصوم ثم قال ولا يعتد بالشاذ الذي يخالف ذلك ونسبه في المنتهى والتذكرة إلى علمائنا.

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين أحدهما ـ في بطلان الصيام بذلك وعدمه ، والمشهور هو البطلان كما عرفت.

ونقل عن ابن بابويه القول بصحة الصيام حيث انه قال في كتاب المقنع (١) : «سأل حماد بن عيسى أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل الى أن طلع الفجر فقال كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه (٢)». ومن عادته في الكتاب المذكور الإفتاء بمتون الأخبار التي ينقلها فيه.

إلا أن ظاهر كلام المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد قول الصدوق بذلك صريحا حيث أسند إليه القول بعدم وجوب شي‌ء وانه لا يجب الإمساك عنه بل يجوز البقاء على الجنابة عمدا حتى يصبح ثم يغتسل للصلاة فيصح الصوم والصلاة. إلا أن يكون هذا النقل بناء على فهمه ذلك من إفتائه بالرواية المذكورة وان اللازم منها ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من ما يمسك عنه الصائم والسائل حماد بن عثمان كما فيه وفي المقنع ص ١٦.

(٢) في بدائع الصنائع ج ٢ ص ٩٢ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٢٥ ان الجمهور ذهبوا الى عدم بطلان الصوم بالإصباح جنبا وإنما ذهب الى وجوب القضاء بعضهم كأبي هريرة وعروة بن الزبير وطاوس والحسن البصري وسالم بن عبد الله وعطاء والحسن ابن صالح بن حي كما يحكى.

١١٣

والسيد السند في المدارك قد نسب هذا القول في كتاب الطهارة إلى شيخه المعاصر ، وهو إشارة إلى المحقق المذكور كما وقع منه في غير موضع من هذا الشرح وقد صرح في بعض المواضع منها في حواشيه على الكتاب بأنه المراد.

إلا أن الذي يظهر من بحث المحقق المشار إليه في هذه المسألة في كتاب شرح الإرشاد هو الاستشكال في المسألة ، فإنه أطال الكلام فيها بنقل الخلاف والاخبار ومع ذلك يشير الى الاستشكال وان كان يظهر من كلامه نوع ترجيح لما نقله عن الصدوق.

نعم قد وقفت على كلام للمولى المحقق العماد مير محمد باقر الداماد (قدس‌سره) في رسالة الرضاع صريح في اختيار هذا القول.

وكيف كان فالواجب التشاغل بذكر أدلة الطرفين وبيان ما هو الراجح في البين :

فنقول : من ما استدلوا به على القول المشهور صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان؟ قال ليس عليه شي‌ء. قلت فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح؟ قال فليقض ذلك اليوم عقوبة». ويستفاد من هذا الخبر تحريم النوم بعد التيقظ.

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن ابى يعفور (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح؟ قال يتم صومه ويقضى يوما آخر ، وان لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له».

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال يتم صومه ويقضى ذلك اليوم إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى يومه».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من ما يمسك عنه الصائم.

١١٤

وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه قال في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح؟ قال يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه».

وصحيحة أحمد بن محمد ـ وهو ابن ابى نصر ـ عن أبى الحسن عليه‌السلام (٢) قال «سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا؟ قال يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه».

وصحيحة الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل أجنب في رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصيام».

ورواية إبراهيم بن ميمون المروية في الفقيه (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضى لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصوم».

قال : وروى في خبر آخر (٥) ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه أن يغتسل ويقضى صلاته وصومه إلا ان يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلاته وصيامه الى ذلك اليوم ولا يقضى ما بعد ذلك.

ورواية إبراهيم بن ميمون ايضا (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في شهر رمضان فينسى ذلك جميعه حتى يخرج شهر رمضان؟ قال يقضى الصلاة والصوم».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٣٠ ممن يصح منه الصوم. راجع التهذيب ج ٤ ص ٣٢٢.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من ما يمسك عنه الصائم و ٣٠ ممن يصح منه الصوم.

(٦) التهذيب ج ٤ ص ٣٣٢ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ١٧ من ما يمسك عنه الصائم والباب ٣٠ ممن يصح منه الصوم.

١١٥

وموثقة سماعة (١) قال : «سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال عليه أن يتم صومه ويقضى يوما آخر. فقلت إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضى رمضان؟ قال فليأكل يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور».

أقول : وهذه الاخبار ما بين مطلق في وجوب القضاء وما بين مقيد بالتعمد فيجب حمل مطلقها على مقيدها جمعا وبذلك يتم الاستدلال بها كملا على المدعى. واما اخبار النسيان فإنها مطلقة في ما إذا كان النسيان بعد النوم متعمدا أو غير متعمد أو قبل ذلك وحينئذ فتقبل التقييد بما ذكرناه. واما صدر صحيحة معاوية بن عمار وعجز صحيحة عبد الله بن ابى يعفور فسيأتي الكلام عليهما ان شاء الله تعالى.

والظاهر ان المراد من آخر موثقة سماعة ان شهر رمضان وان فسد صوم بعض أيامه ووجب قضاؤه إلا أنه لا يجوز إفطاره ، واما غيره من قضائه ونحوه فإنه يجوز إفطاره ولا يجب عليه الإمساك كما في أيام الشهر.

واما ما ذكره بعضهم ـ من أن معناه ان قضاء شهر رمضان ملحق بأدائه في هذا الحكم وذلك لحرمة هذا الشهر بمعنى ان الإبطال بذلك مختص بشهر رمضان وقضائه ففرع عليه حينئذ ان له صوم النافلة وان أصبح جنبا بل النذر المعين ايضا من غير احتياج الى القضاء ـ فالظاهر انه بعيد.

ومنها ـ موثقة أبي بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح؟ قال يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا. قال وقال انه خليق أن لا أراه يدركه ابدا». قال المحقق في المعتبر بعد نقل هذه الرواية : وبهذا أخذ علماؤنا إلا شاذا.

ورواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه‌السلام (٣) قال : «إذا أجنب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من ما يمسك عنه الصائم.

١١٦

الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه».

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه (١) قال : «سألته عن احتلام الصائم قال فقال إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل ، ومن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلى ساعة حتى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، ويتم صيامه ، ولن يدركه أبدا». وربما أشعر هذا الخبر ايضا بتحريم النومة الثانية.

واما ما استدلوا به على القول الآخر فقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (٢) وقوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ). الى قوله (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ). الآية (٣).

والتقريب في الأولى أنها تقتضي جواز الرفث في كل جزء من اجزاء الليل وان كان الجزء الأخير منه. وفي الثانية أنها تقتضي جواز المباشرة في الجزء الأخير من الليل وهو يقتضي عدم تحريم البقاء على الجنابة إلى الصبح ، وبعبارة أخرى وجوب تقديم الغسل على طلوع الفجر يقتضي تحريم الرفث والمباشرة في الجزء الأخير من الليل وهو خلاف ما دل عليه إطلاق الآية.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فاخر الغسل حتى طلع الفجر؟ قال يتم صومه ولا قضاء عليه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عنه (٥) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال لا بأس».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من ما يمسك عنه الصائم. راجع التهذيب ج ٤ ص ٢١٢ و ٣٢١ من الطبع الحديث.

(٢ و ٣) سورة البقرة الآية ٨٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من ما يمسك عنه الصائم.

١١٧

وما رواه الشيخ عن حبيب الخثعمي في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلى صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر».

ورواية سليمان بن أبي زينبة (٢) قال : «كتبت الى أبى الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام اسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فاخر الغسل حتى طلع الفجر؟ فكتب الى بخطه عليه‌السلام ـ أعرفه ـ مع مصادف : يغتسل من جنابته ويتم صومه ولا شي‌ء عليه».

ورواية إسماعيل بن عيسى (٣) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح أي شي‌ء عليه؟ قال لا يضره هذا ولا يفطر فان ابى عليه‌السلام قال قالت عائشة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح جنبا من جماع غير احتلام (٤) قال لا يفطر ولا يبالي. ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتى يصبح أي شي‌ء يجب عليه؟ قال لا شي‌ء عليه يغتسل. ورجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل ولم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع؟ قال يغتسل إذا جاءه ثم يصلى».

ورواية سعد بن إسماعيل بن عيسى عن أبيه (٥) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى أصبح أي شي‌ء عليه؟ قال لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي فان أبى عليه‌السلام قال قالت عائشة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) التهذيب ج ٤ ص ٢١٠ والاستبصار ج ٢ ص ٨٥ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ١٣ و ١٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤ و ٦) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢١٣ و ٢١٤.

(٥) التهذيب ج ٤ ص ٢٣ والاستبصار ج ٢ ص ٨٨ وفي الوافي باب (الصائم يصبح جنبا أو يحتلم نهارا).

١١٨

وصحيحة أبي سعيد القماط (١) ـ وهو خالد بن سعيد ثقة وفي الذخيرة انه غير موثق في كتب الرجال ولا ممدوح وهو سهو منه (قدس‌سره) ـ «انه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن من أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح؟ قال لا شي‌ء عليه وذلك ان جنابته كانت في وقت حلال».

ومنها ـ رواية حماد بن عيسى المتقدمة نقلا عن المقنع في أول البحث (٢).

وأجيب عن هذه الأدلة : اما عن الآية فبان إطلاقها مخصص بالروايات المتقدمة.

واما عن صحيحة العيص فبالحمل على ان التأخير لم يكن عن عمد أو بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب جمهور العامة (٣). واما عن صحيحته الثانية فبعدم دلالتها على جواز التأخير الى الفجر بل مقتضاها جواز النومة الأولى ونحن لا ننكر ذلك لكن نقيده بما إذا كانت مع نية الغسل.

وأما عن صحيحة الخثعمي فبالحمل على التقية (٤) لأن في ظاهرها اشعارا بمداومة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذا الفعل وإكثاره منه ومداومته على الفعل المكروه بعيد.

واما عن رواية سليمان بن حفص فبما تقدم عن صحيحة العيص الأولى. واما عن روايتي إسماعيل بن عيسى فبالحمل على التقية (٥) وشاهده موجود في الخبرين. واما عن صحيحة أبي سعيد فبالحمل على النوم مع نية الغسل أو الحمل على التقية (٦).

واما عن رواية حماد بن عيسى فبالحمل على التقية (٧) ونسبة القول بالقضاء الذي استفاضت به الأخبار المتقدمة إلى الأقشاب لمزيد التأكيد في التقية.

أقول : ومن ما يوضح ذلك بأوضح بيان ان الرواية دلت على انه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٧٤ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ١٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ١١٣.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) بدائع الصنائع ج ٢ ص ٩٢ والمغني ج ٣ ص ١٠٩ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٢٥.

١١٩

يجنب من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر مع وجوب صلاة الليل عليه اتفاقا نصا وفتوى.

وبالجملة فإن ما كان من هذه الروايات صريحا في تعمد التأخير لا وجه له إلا الحمل على التقية التي هي في الاختلاف في جملة الأحكام أصل كل بلية.

وثانيهما ـ في أن الواجب على تقدير فساد الصوم هل هو القضاء والكفارة أو القضاء خاصة؟ قولان المشهور الأول استنادا في القضاء الى الروايات المتقدمة في أدلة القول المشهور في المسألة المتقدمة (١) وفي الكفارة إلى الروايات الثلاث الأخيرة منها.

ونقل في المختلف عن ابن ابى عقيل القول بوجوب القضاء خاصة ، ونقله في المدارك عن المرتضى ايضا ، والظاهر انه غفلة فإن المنقول عنه كما في المختلف وغيره إنما هو القول المشهور حتى انه نقل عنه في المختلف انه قال في الانتصار : من ما انفردت به الإمامية إيجابهم على من أجنب في ليالي شهر رمضان وتعمد البقاء الى الصباح من غير اغتسال القضاء والكفارة ، ومنهم من أوجب القضاء دون الكفارة. ومراده ان الإمامية انفردت بإيجاب الأمرين أو أحدهما ، وهو إشارة إلى مذهب العامة من عدم إيجاب شي‌ء بالكلية كما تقدم ذكره (٢) فلا يتوهم التناقض في عبارته.

ويدل على القول المذكور الأخبار المتقدمة (٣) ولصحة الأخبار المذكورة وضعف الأخبار الدالة على الكفارة مال في المدارك الى القول المذكور حيث قال بعد نقل روايات الكفارة : وهذه الروايات كلها ضعيفة السند فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب اليه ابن ابى عقيل والمرتضى (رضى الله عنهما) من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة. انتهى.

وأصحاب هذا الاصطلاح من المتأخرين قد تلقوا هذه الأخبار بالقبول وان

__________________

(١ و ٣) ص ١١٤.

(٢) ص ١١٩.

١٢٠