الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

الحول من يوم تنتج». وصحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج». ورواية ثالثة له عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) وفيها بعد ذكر الأصناف الثلاثة «وما كان من هذه الأصناف فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج».

واستقرب الشهيد في البيان اعتبار الحول من حين النتاج إن كان اللبن عن سائمة. والظاهر أنه جعله وجه جمع بين أخبار القولين ، لأنه متى كان اللبن عن سائمة فكأنه يدخل تحت أخبار السوم وإن كان عن معلوفة فكأنه يدخل تحت المعلوفة فلا يدخل في السوم إلا بعد الاستغناء بالرعي. ومقتضى المشهور هو تقييد أخبار السوم بأخبار النتاج بمعنى أن اشتراط السوم مدة الحول مخصوص بما عدا السخال فإن حولها من يوم النتاج وإن صدق أنها معلوفة.

وكيف كان فالأقرب هو القول المشهور وقوفا على ظاهر هذه الأخبار ، إلا أنه قد روى الكليني والصدوق في الموثق عن إسحاق بن عمار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال إذا أجذع». ولا يخفى ما فيه من الإشكال لمخالفته الأخبار وكلام الأصحاب ، فإن الجذع من الغنم بناء على كلام الأصحاب ما كمل له سبعة أشهر وعلى كلام أهل اللغة أنه في الضأن كذلك وفي المعز ما دخل في السنة الثانية. ولم أقف على من تعرض للجواب عنه ، ويحتمل وإن بعد الحمل على الأخذ في الصدقة بناء على ما تقدم من أحد القولين في المسألة وهو أن أقل أسنان المأخوذ في زكاة الغنم جذع من الضأن وثني من المعز.

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل الباب ٧ رقم ٦ والباب ٩ رقم ١ ولا يخفى أن راوي هذا الحديث هو الشيخ ولم يرد في التهذيب ج ١ ص ٣٦٠ اللفظ المذكور وإنما وردت فيه الفقرة الآتية فقط «وكل شي‌ء من هذه الأصناف من الدواجن والعوامل فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج» وأورد اللفظ المذكور في الهامش بعنوان النسخة. نعم في الإستبصار ج ٢ ص ٢٤ والوافي والوسائل ذكرت الفقرتان معا.

(٣) الوسائل الباب ٩ من زكاة الأنعام.

٨١

الموضع الثالث ـ أنه يشترط في الأنعام أن لا تكون عوامل فإنه لا زكاة فيها وإن كانت سائمة ، والحكم المذكور من ما وقع عليه الاتفاق أيضا.

إلا أنه قد روى إسحاق بن عمار في الموثق (١) قال : «سألته عن الإبل تكون للجمال أو تكون في بعض الأمصار أتجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال نعم». ونحوها رواية أخرى له أيضا رواها في الضعيف عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) وبسند آخر في الموثق عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال نعم عليها زكاة».

وأجاب عنها الشيخ في التهذيب ـ بعد الطعن فيها أولا بالاضطراب حيث إن إسحاق رواها تارة مرسلا وتارة مسندا ـ بالحمل على الاستحباب ، وتبعه من تأخر عنه من الأصحاب كما هي قاعدتهم في جل الأبواب.

والأقرب عندي هو الحمل على التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار وإن لم يكن بها قائل من العامة بالكلية كما أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية والمقدمة الأولى من مقدمات هذا الكتاب ، مع أن ذلك مذهب مالك أحد الأئمّة الأربعة (٤) كما نقله عنه في المعتبر.

وقد صرح الأصحاب بأن الخلاف المتقدم في السوم جار هنا أيضا ، قال في البيان : والكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السوم. وقد صرح الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه باعتبار الأغلب هنا أيضا كما ذكره ثمة. والاحتياط لا يخفى.

الموضع الرابع ـ في مسائل تلحق بهذا المقصد : الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لا يضم مال إنسان إلى غيره وإن كانا في مكان واحد بل يعتبر النصاب في مال كل واحد على حدة ، ولا يفرق بين مالي المالك ولو تباعد مكانهما بمعنى أنه لا يكون لكل واحد منهما حكم بانفراده بل يقدران مجتمعين

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من زكاة الأنعام.

(٤) المدونة الكبرى ج ١ ص ٢٦٨.

٨٢

فإن بلغا النصاب كذلك وجبت الزكاة وإلا فلا.

وهذا الكلام خرج في مقام الرد على العامة حيث ذهب جمع منهم إلى أن الخلطة تجعل المالين مالا واحدا سواء كانت خلطة أعيان كأربعين شاة بين شريكين أو خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح والفحل والحلب والحالب والمحلب مع تميز المالين (١) وهو باطل عندنا لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما في صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق». أي في المالك ، وفي حسنة عبد الرحمن بن الحجاج (٣) «أن محمد بن خالد سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصدقة فقال مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء ولا يجمع بين المتفرق ولا يفرق بين المجتمع». ويدل على ذلك أيضا إطلاق الأخبار

كقوله عليه‌السلام (٤) «في كل أربعين شاة شاة». وبالجملة فإنه لا بد من بلوغ كل نصيب نصابا.

ويزيده بيانا ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (٥) في حديث قال فيه «ثم قال زرارة قلت له مائتي درهم بين خمسة أناس أو عشرة حال عليها الحول وهي عندهم أتجب عليهم زكاتها؟ قال لا هي بمنزلة تلك ـ يعني جوابه في الحرث ـ ليس عليهم شي‌ء حتى يتم لكل إنسان منهم مائتا درهم. قلت وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضة وجميع الأموال؟ قال نعم».

الثانية ـ لو بيع النصاب بعد الحول وقبل إخراج الزكاة فإن الزكاة تجب على المشتري ويرجع بها على البائع إلا أن يؤديها البائع.

ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) المغني ج ٢ ص ٦٠٧.

(٢) الوسائل الباب ١١ من زكاة الأنعام.

(٣) الوسائل الباب ١١ من زكاة الأنعام.

(٤) الوسائل الباب ٦ من زكاة الأنعام.

(٥) الوسائل الباب ٥ من زكاة الذهب والفضة.

(٦) الوسائل الباب ١٢ من زكاة الأنعام.

٨٣

عليه‌السلام رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع».

وهذا الخبر من ما يدل على تعلق الزكاة بالعين وإن جاز الإخراج من غيره رخصة وتخفيفا كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

الثالثة ـ قد تكرر في صحيحة الفضلاء بعد ذكر نصب الإبل ثم بعد ذكر نصب البقر أنها ترجع على أسنانها.

ولم أقف على من تعرض للكلام في معنى ذلك إلا على كلام للسيد ماجد بن هاشم البحراني على ما نقل عنه تلميذه المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال : المراد برجوع الإبل على أسنانها استئناف النصاب الكلي وإسقاط اعتبار الأسنان السابقة كأنه إذا أسقط اعتبار الأسنان واستؤنف النصاب الكلي تركت الإبل على أسنانها ولم تعتبر كما يقال رجعت الشي‌ء على حاله أي تركته عليه ولم أغيره. وهو وإن كان بعيدا بحسب اللفظ إلا أن السياق يقتضيه ، وتعقيب ذكر أنصبة الغنم بقوله «وسقط الأمر الأول» ثم تعقيبه بمثل ما عقب به نصب الإبل والبقر من نفي الوجوب عن النيف يرشد إليه ، لأنه جعل إسقاط الاعتبار بالأسنان السابقة في الغنم مقابلا لرجوع الإبل على أسنانها واقعا موقعه وهو يقتضي اتحادهما في المؤدى وربما أمكن حمله على استئناف النصب السابقة في ما تجدد ملكه في أثناء الحول كما أول به المرتضى (رضي‌الله‌عنه) ما رووه من استئناف الفريضة بعد المائة والعشرين. وقد يقال أراد برجوعها على أسنانها استئناف الفرائض السابقة بعد بلوغ المائة والعشرين بأن يؤخذ للخمس الزائدة بعد المائة والعشرين شاة وللعشر شاتان وهكذا إلى الخمس والعشرين فتؤخذ بنت مخاض وهكذا كما هو قول أبي حنيفة (١) ويكون محمولا على التقية. والوجه هو الأول لما ذكرنا. انتهى كلامه (علت في الخلد أقدامه) وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

الرابعة ـ لا خلاف نصا وفتوى في أن ما بين النصابين لا زكاة فيه وهو المشار

__________________

(١) ارجع إلى التعليقة ١ ص ٤٤.

٨٤

إليه في غير خبر من الأخبار المتقدمة بقولهم (عليهم‌السلام) (١) «ليس على النيف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء». والنيف ككيس وقد يخفف وهو الزيادة وكل ما زاد على العقد فهو نيف إلى أن يبلغ العقد الثاني ، ويكون بغير تأنيث للمذكر والمؤنث ولا يستعمل إلا معطوفا على العقود فإن كان بعد العشرة فهو لما دونها وإن كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونها وإن كان بعد الألف فهو للعشرة فأكثر. هكذا تقرر بينهم. وفي بعض كتب أهل اللغة وتخفيف النيف لحن عند الفصحاء. وحكي عن أبي العباس أنه قال الذي حصلناه من أقاويل حذاق البصريين والكوفيّين أن النيف من واحد إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة ، ولا يقال نيف إلا بعد عقد ، نحو عشرة ونيف ومائة ونيف وألف ونيف. ومنه يظهر المدافعة للقول الأول.

وقد جرت عادة الفقهاء في هذا المقام بتسمية ما بين النصابين في الإبل شنقا وفي البقر وقصا وفي الغنم عفوا ، والشنق بالتحريك وضبطه بعضهم بضم الشين ، والوقص بفتح القاف ، والمستفاد من كلام أكثر أهل اللغة هو ترادف الشنق والوقص بمعنى ما بين الفريضتين ، وبعضهم خص الأول بالإبل والثاني بالبقر كما عليه الفقهاء وهي أمور اصطلاحية لا مشاحة فيها.

المطلب الثاني ـ في زكاة النقدين وهي مشروطة بشروط الأول ـ النصاب ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وإنما الخلاف في قدره من الذهب ، والمشهور بين الأصحاب هو أن النصاب الأول عشرون دينارا ، والدينار مثقال شرعي ، فربما عبر بالمثقال تارة وربما عبر بالدينار أخرى والمرجع واحد كما سيأتي بيانه وفيها نصف دينار ، ثم أربعة دنانير وفيها عشر دينار وقيراطان ، وهكذا بالغا ما بلغ.

__________________

(١) ورد ذلك في ما يخص الأنعام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل والبقر ، وفي زكاة الغنم هكذا «وليس في النيف شي‌ء» فقط ، الوسائل الباب ٢ و ٤ و ٦ و ٧ من زكاة الأنعام. وفي حديث العلل المتقدم ص ٨٣ النفي في الأنعام والنقدين وفي أخبار النقدين نفي الزكاة في النيف في بعضها ونفيها في الكسور في آخر ارجع إلى الوسائل الباب ٢ رقم ١ و ٦ و ٧ و ٨ من زكاة الذهب والفضة.

٨٥

ونقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه ـ وحكاه في المعتبر عن ابنه الصدوق وجماعة من أصحاب الحديث ـ أن النصاب الأول أربعون دينارا فأربعون وهكذا.

والأظهر الأول للأخبار المتكاثرة ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».

وما رواه الكليني عن الحسين بن بشار في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام في كم وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة؟ فقال في كل مائتي درهم خمسة دراهم فإن نقصت فلا زكاة فيها ، وفي الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فإن نقص فلا زكاة فيه».

وما رواه فيه في الموثق عن علي بن عقبة وعدة من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) قالا : «ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، وإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة دنانير».

وما رواه الشيخ في الموثق عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «في عشرين دينارا نصف دينار».

وما رواه في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (٥) قال : «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار وليس في ما دون العشرين شي‌ء ، وفي الفضة إذا بلغت مائتي

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من ما يجب فيه الخمس.

(٢) الفروع ج ١ ص ١٥٤ وفي الوسائل الباب ١ و ٢ من زكاة الذهب والفضة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١ من زكاة الذهب والفضة.

(٥) الوسائل الباب ١ و ٢ من زكاة الذهب والفضة.

٨٦

درهم خمسة دراهم وليس في ما دون المائتين شي‌ء ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين فليس فيها شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، وليس في شي‌ء من الكسور شي‌ء حتى تبلغ الأربعين وكذلك الدنانير على هذا الحساب».

وما رواه في الموثق عن زرارة وبكير (١) «أنهما سمعا أبا جعفر عليه‌السلام يقول في الزكاة أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شي‌ء فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وليس في أقل من مائتي درهم شي‌ء فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك ، وليس في مائتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلا خمسة دراهم ، فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستة دراهم فإذا بلغت ثمانين ومائتين ففيها سبعة دراهم وما زاد فعلى هذا الحساب ، وكذلك الذهب وكل ذهب. وإنما الزكاة على الذهب والفضة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة وما لم يحل عليه الحول فليس فيه شي‌ء». إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

ويدل على القول الثاني موثقة الفضلاء الأربعة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) أنهما قالا : «في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كل مائتين خمسة دراهم ، وليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء ولا في أقل من مائتي درهم شي‌ء ، وليس في النيف شي‌ء حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد».

واستدل عليه أيضا بما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا أيزكيها؟ قال لا ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتم تتم أربعين دينارا والدراهم مائتي درهم. قال قلت فرجل عنده أربعة أينق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة أيزكيهن؟ قال لا يزكي شيئا منها لأنه

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٢ و؟ ١ من زكاة الذهب والفضة.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٣٥١ وفي الوسائل الباب ١ و ٢ من زكاة الذهب والفضة.

(٣) الوسائل الباب ١ من زكاة الذهب والفضة و ١ من زكاة الأنعام.

٨٧

ليس شي‌ء منهن قد تم فليس تجب فيه الزكاة».

ويشكل بأن هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه (١) بما هذه صورته : قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أيزكيها؟ فقال لا ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى يتم. قال زرارة : وكذلك هو في جميع الأشياء. قال وقلت. إلى آخر ما تقدم.

وبذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور ، ولهذا إن المحدث الكاشاني في الوافي إنما نقل الخبر برواية الصدوق ثم نبه على رواية الشيخ وقال إن ما في الفقيه هو الصواب.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : «وليس في ما دون عشرين دينارا زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار ، وكل ما زاد بعد العشرين إلى أن يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب. إلى أن قال بعد ذكر أحكام عديدة : ونروى إنه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ أربعين مثقالا فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال ، وليس في النيف شي‌ء حتى يبلغ أربعين».

وظاهر نقله عليه‌السلام هذه الرواية بعد فتواه سابقا بما قدمنا نقله يعطي أن هذه الرواية ليست معمولا عليها وأن لها معنى آخر يجب أن تحمل عليه ، وليس إلا التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية وإن كان القائل بذلك من العامة قليلا (٣) لما حققناه في محل أليق وأشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم من أنه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القائل بذلك من العامة.

وأما النصاب في الفضة فإن النصاب الأول مائتا درهم وفيها خمسة دراهم ثم

__________________

(١) ج ٢ ص ١١ وفي الوسائل الباب ٥ من زكاة الذهب والفضة.

(٢) ص ٢٢.

(٣) المحلى ج ٦ ص ٦٦.

٨٨

ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ أربعين وفيها درهم وهكذا ، وهو من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، وقد تقدم في الأخبار السابقة ما يدل عليه ، ومثلها غيرها من الأخبار الكثيرة

الثاني ـ الحول ولا بد من وجود النصاب بعينه بشرائطه مدة الحول ، وقد تقدم الكلام في تحقيق الحول.

ويدل على هذا الشرط الأخبار الكثيرة ومنها ـ صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول». وموثقة زرارة وبكير المتقدمة في المقام (٢) ونحوهما غيرهما.

الثالث ـ كون الذهب والفضة دنانير ودراهم منقوشة بسكة المعاملة الحاضرة أو القديمة.

وتدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ حسنة علي بن يقطين بإبراهيم بن هاشم التي هي صحيحة عندنا عن أبي إبراهيم (٣) وفيها «وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء. قال قلت وما الركاز؟ قال الصامت المنقوش».

وما رواه الشيخ عن جميل عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما‌السلام) (٤) أنهما قالا : «ليس على التبر زكاة إنما هي على الدنانير والدراهم». ونحوهما غيرهما.

وأما اشتراط الملك والتمكن من التصرف فقد تقدم ولا وجه لإعادته هنا كما يذكره بعضهم.

مسائل

الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وغيرهم أيضا أن الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية ولا إسلام صرح بذلك جملة من علماء الطرفين (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من ما تجب فيه الزكاة.

(٢) ص ٨٧.

(٣) الوسائل الباب ٨ من زكاة الذهب والفضة.

(٤) الوسائل الباب ٨ من زكاة الذهب والفضة.

(٥) المجموع شرح المهذب ج ٦ ص ٧ وقد حقق فيه وزن الدينار والدرهم بنحو مبسوط ص ٤ و ١٥.

٨٩

قال شيخنا العلامة (أجزل الله إكرامه) في النهاية : والدنانير لم يختلف المثقال منها في جاهلية ولا إسلام. وكذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز (١) أنه قال : المثقال لم يختلف في جاهلية ولا إسلام. والدينار مثقال شرعي فهما متحدان وزنا فلذا يعبر في أخبار الزكاة تارة بالدينار وتارة بالمثقال.

وأما الدراهم فقد ذكر علماء الفريقين أيضا أنها كانت في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سابقا كما كان قبل زمانه بغلية وكان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق ، وطبرية وزن الدرهم منها أربعة دوانيق ، وهكذا بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زمن بني أمية ، فجمعوا الدرهمين وقسموهما نصفين كل درهم ستة دوانيق واستقر أمر الإسلام على ذلك.

قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقلا عن ابن دريد أن الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية ووزنه ثمانية دوانيق ، قال : والبغلية كانت تسمى قبل الإسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الإسلام والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانيق ، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما واتخذ الدرهم منهما واستقر أمر الإسلام على ستة دوانيق. انتهى.

وقد ذكروا في نسبة كل من الدينار والدرهم إلى الآخر أن الدينار درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم نصف الدينار وخمسه ، فعلى هذا يكون مقدار عشرة دراهم سبعة دنانير ، وتكون العشرون مثقالا التي هي أول نصب الذهب في وزن ثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم ، والمائتا درهم التي هي أول نصب الفضة في وزن مائة وأربعين مثقالا ، ومن ذلك يعلم نصاب الفضة بهذه المحمديات الجارية في هذه الأزمان المتأخرة حيث إن المحمدية منها وزن الدينار مثقال شرعي فيكون النصاب الأول مائة محمدية وأربعين محمدية.

واعلم أنهم اتفقوا أيضا على أن كل دانق وزنه ثمان حبات من أوساط حب

__________________

(١) ج ٦ ص ٥ من المطبوع بضميمة المجموع شرح المهذب للنووي.

٩٠

الشعير كما صرح به علماء الفريقين (١) فالدرهم حينئذ ثمان وأربعون شعيرة والدينار ثمان وستون شعيرة وأربعة أسباع شعيرة. إلا أنا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية وهي الدنانير ، والظاهر أن حبات الشعير المتعارفة سابقا كانت أعظم حجما وأثقل وزنا من الموجود في زماننا.

الثانية ـ اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أنه لا يضم أحد النقدين إلى الآخر على وجه يكون النصاب مركبا منهما بل يجب لكل منهما نصابه المتقدم ، ويدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن التهذيب والفقيه (٢) المشتملة على السؤال عن من ملك مائة درهم وتسعة وتسعين درهما وتسعة وثلاثين دينارا على رواية التهذيب وتسعة عشر دينارا على رواية الفقيه حيث نفى الزكاة في ذلك حتى يتم كل من النصابين. ومثلها موثقة إسحاق بن عمار الآتية قريبا في مسألة الفرار (٣)

وأما ما ورد في رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ـ (٤) قال : «قلت له مائة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أعليها في الزكاة شي‌ء؟ فقال إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة ، لأن عين المال الدراهم وكل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات».

وحسنة محمد بن مسلم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة». ـ

فقد حملهما الشيخ في التهذيب على ما تندفع به المنافاة ، قال : ويحتمل أن يكون

__________________

(١) في رد المختار لابن عابدين ج ٢ ص ٣٢ المذكور في كتب الشافعية والحنابلة أن درهم الزكاة ست دوانق والدانق ثمان حبات شعير وخمسا حبة من شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال ، وهو لم يتغير في الجاهلية والإسلام. وفي كتاب الأوزان والمقادير للشيخ إبراهيم العاملي ص ٢٦ نقل عن الفقهاء أن الدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير ثم قال ص ٢٧ الدانق ثمان حبات قمحات وخمسان.

(٢) ص ٨٧ و ٨٨.

(٣) ص ٩٨.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من زكاة الذهب والفضة.

٩١

المراد إذا بلغ كل واحد مائتي درهم ففيه الزكاة ، ويجري هذا مجرى قوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» (١) والمراد كل واحد منهم ثمانين جلدة. إلى آخر كلامه. ومرجعه إلى ما ذكره أيضا من أن قيمة عشرين دينارا كانت في ذلك الوقت مائتي درهم ، قال : ولذا تراهم يجعلون الدينار في مقابلة عشرة دراهم في الديات وغيرها. وجعل في التهذيب المشار إليه في قوله «فبلغ ذلك مائتي درهم» في صدر الخبر الأول كل واحد من الذهب والفضة باعتبار القيمة في الذهب لأنهم كانوا يقومون الدنانير على هذا الوجه كل دينار بعشرة دراهم في الديات وغيرها. واحتمل في الإستبصار حمله على التقية ، قال لأن ذلك مذهب العامة (٢). أقول : والحمل الأول قريب في حسنة محمد بن مسلم ولا بأس به في رواية إسحاق إلا أن الأظهر حملهما على التقية.

واحتمل بعض الأصحاب حمل الخبر الأول على زكاة التجارة ، والظاهر أنه مبني على أن اتخاذ الذهب فيه للتجارة ليتم الحمل المذكور فإن المرجع فيه إلى القيمة ، ويؤيده آخر الحديث. وهذا الاحتمال يمكن إجراؤه أيضا في الحديث الثاني إلا أن الأظهر ما ذكرناه من الحمل على التقية.

الثالثة ـ اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أنه لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا لعموم أدلة الوجوب.

وخصوص ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن زيد الصائغ (٣) قال

__________________

(١) سورة النور الآية ٥.

(٢) في المغني ج ٣ ص ٣ : إذا كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب الآخر فذكر الخرقي فيه روايتان إحداهما لا يضم وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واختاره أبو بكر عبد العزيز. وثانيهما يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وهو قول الحسن وقتادة ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي ، وروى الأثرم عن أحمد التوقف فيه ، وفي رواية حنبل عنه أنه قطع بالضم.

(٣) الوسائل الباب ٧ من زكاة الذهب والفضة.

٩٢

«قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث مس وثلث رصاص وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها؟ قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم. فقلت أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما يجب على فيه الزكاة أزكيها؟ قال نعم إنما هو مالك. قلت فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها؟ قال إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيها الزكاة فزك ما كان لك فيها من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبث. قلت وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة؟ قال فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبث ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة». والظاهر أن قوله «لسنة واحدة» أي السنة التي كانت الدراهم مغشوشة فيها دون ما بعدها من ما جعل سبائك.

وقد صرح العلامة في المنتهى بأنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس وبلغ كل من الغش والمغشوش النصاب وجبت الزكاة فيهما. وهو كذلك بلا إشكال. ويجب الإخراج من كل جنس بحسابه وإلا توصل إليه بالسبك كما تدل عليه الرواية المتقدمة.

ولو شك المالك في بلوغ الخالص نصابا قال في التذكرة : لم يؤمر بسبكها ولا بالإخراج منها ولا من غيرها لأن بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شي‌ء. وهو جيد.

ثم إنه يجب في المخرج أن يكون خالصا إلا إذا علم اشتماله على ما يجب من الخالص.

الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض وإن اختلفت الرغبة ، لعموم ما دل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة الشامل ذلك للردي‌ء من كل منهما والجيد والمختلفة القيمة

٩٣

وغيرها ، لكن يخرج الواجب بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب.

وقيل بجواز إخراج الأدون لحصول الامتثال بما يصدق عليه الاسم ، وهو منقول عن الشيخ (قدس‌سره) ولا يخلو من قرب من حيث ظاهر التعليل المذكور إلا أنه ربما يدفع بظاهر قوله عزوجل «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ... الآية» (١) وما سيأتي في تفسيرها في بحث الغلات من الأخبار الدالة على عدم جواز إخراج الردي‌ء من التمر عن الجيد منه (٢) قيل : وأولى بالجواز لو أخرج الأدنى بالقيمة.

ولو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون مثل أن يخرج نصف دينار جيد عن دينار أدون فالمشهور عدم الجواز من حيث إن الواجب عليه دينار فلا يجزئ ما نقص عنه. واحتمل العلامة في التذكرة الإجزاء ، ورده جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بأنه ضعيف.

أقول : لا ريب أن عدم الإجزاء في هذه الصورة كما هو المشهور إنما يتم بناء على المشهور من وجوب الأخذ بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب ، وإلا فعلى مذهب الشيخ من جواز إخراج الأدون الظاهر أنه لا إشكال في ذلك ، لأنه متى كان الواجب عليه دينارا واختار دفع الأدون وأراد دفع قيمته فدفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمته حينئذ لا أنه الفريضة الواجبة حتى يقال إن الواجب دينار فلا يجزئ ما دونه ، ولعل الاحتمال المنقول عن العلامة مبني على هذا.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل الظاهر الاتفاق عليه ـ أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة متى ملك النصاب.

ويدل عليه إطلاق الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب بالشروط المتقدمة (٣).

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٧٠.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من زكاة الغلات.

(٣) يستفاد ذلك من أخبار الباب ٧ ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل.

٩٤

وخصوص ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وضريس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) أنهما قالا : «أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكيه وأن كان عليه من الدين مثله أو أكثر منه فليزك ما في يده».

وظاهر الشهيد في البيان التوقف في ذلك حيث نقل عن كتاب الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) أنه قال : «من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما عليه فإن كان ماله فضل على مائتي درهم فليعط خمسة دراهم». قال : وهذا نص في منع الدين الزكاة والشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم منع الدين إلا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة. انتهى.

وفيه (أولا) أن الكتاب المذكور مجهول لا يمكن الاعتماد عليه. و (ثانيا) أن ما نقله عنه معارض بالصحيحة المذكورة المؤيدة بإطلاق الأخبار وعمل الأصحاب.

والظاهر أن شيخنا المذكور غفل عن ملاحظة الصحيحة المذكورة وتوهم انحصار الدليل في الإطلاقات فرام تقييدها بهذا الخبر والحال ما عرفت.

السادسة ـ لو خلف الرجل نفقة لعياله سنة أو سنتين وبلغت النصاب فالمشهور أنه إن كان حاضرا وجب عليه إخراج الزكاة وإلا فلا ، ونقل عن ابن إدريس أنه لم يفرق بين الحضور والغيبة بل اعتبر التمكن من التصرف وعدمه.

والذي دلت عليه الأخبار الأول كصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) «في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول؟ قال إن كان مقيما زكاه وإن كان غائبا لم يزك». ونحوها موثقة إسحاق بن عمار (٤) وفيها «إن كان شاهدا فعليه زكاة وإن كان غائبا فليس عليه زكاة». وموثقة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ ممن تجب عليه الزكاة.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٨ ممن تجب عليه الزكاة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٧ من زكاة الذهب والفضة.

٩٥

أبي بصير (١) وفيها كما في موثقة إسحاق المذكورة.

أقول : ويمكن حمل كلام ابن إدريس على ما يرجع إلى المشهور بأن يكون التعبير بالتمكن من التصرف كناية عن الحضور وعدم التمكن كناية عن الغيبة بناء على ما هو الغالب ، ومثله في التعبيرات غير عزيز.

وقيد الشيخ الشهيد في البيان الحكم المذكور بعدم العلم بزيادتها ، وهو تقييد للنص من غير دليل.

السابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط الزكاة عن السبائك والنقار والتبر وإنما الخلاف في ما إذا عملها كذلك قبل تمام الحول بقصد الفرار من الزكاة ، فقيل بوجوب الزكاة عليه بعد تمام الحول ، والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين نقله في المختلف عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه في الرسالة حيث قال : وليس في السبائك شي‌ء إلا أن تفر بها من الزكاة فإن فررت بها من الزكاة فعليك زكاته. وكذا نقله عن ابنه في المقنع. أقول وبهذه العبارة عبر في الفقيه. وممن نقل عنه القول المذكور في المختلف أيضا الشيخ في الجمل والخلاف والمبسوط والسيد المرتضى في الجمل. ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد القول بعدم الوجوب ونسبة القول بالوجوب إلى الرواية في الصورة المذكورة ، ونقل القول بالعدم أيضا عن الشيخ في النهاية وابن إدريس واختاره وهو المشهور بين المتأخرين

ومن ما يدل على القول بعدم الوجوب في الصورة المذكورة إطلاق الأخبار الدالة على أن السبائك والحلي ليس فيه زكاة (٢) وما تقدم من الأخبار الدالة على اشتراط النقش بسكة المعاملة في الوجوب (٣).

وخصوص صحيحة عمر بن يزيد (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من زكاة الذهب والفضة.

(٢) الوسائل الباب ٨ و ٩ و ١١ من زكاة الذهب والفضة.

(٣) الوسائل الباب ٨ من زكاة الذهب والفضة.

(٤) الوسائل الباب ١١ من زكاة الذهب والفضة.

٩٦

فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أعليه فيه شي‌ء؟ فقال لا ولو جعله حليا أو نقرا فلا شي‌ء عليه. وما منع نفسه من فضله أكثر من ما منع من حق الله الذي يكون فيه».

ورواية علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (١) قال «قلت له إنه يجتمع عندي الشي‌ء الكثير قيمته فيبقى نحوا من سنة أنزكيه؟ قال لا كل ما لم يحل عليه عندك الحول فليس عليك فيه زكاة ، وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء. قال قلت وما الركاز؟ قال الصامت المنقوش. ثم قال إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة شي‌ء من الزكاة».

وحسنة هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال «قلت له إن أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة وإنه جعل ذلك المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أعليه الزكاة؟ قال ليس على الحلي زكاة ، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر من ما يخاف من الزكاة».

وصحيحة علي بن يقطين (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المال الذي لا يعمل به ولا يقلب؟ قال يلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن يسبك».

وروى في كتاب العلل عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن ـ يعني علي بن يقطين ـ عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (٤) قال : «لا تجب الزكاة في ما سبك. قلت فإن كان سبكه فرارا من الزكاة؟ فقال ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا تجب فيه الزكاة». ورواه البرقي في كتاب المحاسن مثله (٥).

ومن ما يدل على القول الآخر جملة من الأخبار : منها ـ موثقة محمد بن مسلم (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحلي فيه زكاة؟ قال لا إلا ما فر به من الزكاة».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٨ من زكاة الذهب والفضة.

(٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١١ من زكاة الذهب والفضة.

٩٧

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار (١) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ فقال إن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت لم يفر بها ورث مائة درهم وعشرة دنانير؟ قال ليس عليه زكاة. الحديث».

وعن معاوية بن عمار في القوي بل الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قلت له الرجل يجعل لأهله الحلي من مائة دينار والمائتي دينار وأراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة. قلت فإنه فر به من الزكاة؟ فقال إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب معاوية بن عمار مثله (٣) فيكون الحديث صحيحا.

أقول : ويدل على ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي (٤) حيث قال عليه‌السلام «وليس في السبائك زكاة إلا أن يكون فر به من الزكاة فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة».

وبهذه العبارة عبر الشيخ علي بن بابويه في ما تقدم نقله عن المختلف وبها عبر ابنه في الفقيه والظاهر أنها كذلك في المقنع.

والعجب منه (قدس‌سره) في الفقيه أنه بعد أن ذكر هذه العبارة الدالة كما ترى على وجوب الزكاة مع قصد الفرار نقل بعد ورقة تقريبا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة التي هي كما عرفت من أدلة القول بعدم الوجوب.

وكيف كان فمن هذه العبارة يعلم أن مستند الصدوقين في هذا الحكم هو الكتاب المذكور كما نبهنا عليه مرارا وإن كانت الأخبار الأخر دالة على ذلك ، والظاهر أن إيثارهما التعبير بعبارة الكتاب لمزيد الاعتماد عليه زيادة على غيره من كتب الأخبار

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من زكاة الذهب والفضة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٩ و ١١ من زكاة الذهب والفضة.

(٤) ص ٢٣.

٩٨

كما يدل عليه أيضا عدولهما إلى القول بما فيه مع مخالفته لأكثر الأخبار في جملة من المواضع حتى إن الأصحاب ينسبون تلك الأقوال إلى الشذوذ كما مر وسيأتي إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد حمل هذه الأخبار الأخيرة تارة على الاستحباب وتارة على الفرار بعد أن حال الحول.

واستدل على الثاني بما رواه عن زرارة في الموثق (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن أباك قال من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال صدق أبي إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه منه. ثم قال لي أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ قلت لا. قال إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لي أرأيت لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه؟ قلت لا. قال وكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول».

وجملة المتأخرين حيث اختاروا عدم وجوب الزكاة مع الفرار تبعوا الشيخ في حمل هذه الأخبار فبعضهم اختار الحمل على الاستحباب وبعضهم الحمل على ما إذا كان الفرار بعد الحول.

وعندي في كلا الحملين نظر : أما الحمل على الاستحباب فلما أشرت إليه في غير موضع من أنه وإن اشتهر العمل به بين الأصحاب في الجمع بين الأخبار إلا أنه ـ مع كونه لا دليل عليه من الأخبار وليس من القواعد المروية عن الأئمّة الأطهار (صلوات الله عليهم) في الجمع بين الأخبار ـ مردود بأن الحمل على الاستحباب مع ظهور الأدلة في الوجوب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة ، واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز وإن كان قد جرت عادتهم في أبواب الفقه من أوله إلى آخره بحمل الأوامر في مقام الجمع على الاستحباب والنواهي على الكراهة إلا أنه من

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من زكاة الذهب والفضة.

٩٩

قبيل رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور.

وأما الحمل على القرار بعد الوجوب ففيه أن ظواهر تلك الأخبار تأباه ولا ترضاه ، حيث إنها ظاهرة في كون الفرار قبل وقت الوجوب كما هو المدعى منها والمستدل بها عليه ، مثل رواية معاوية بن عمار (١) وقوله في آخرها «إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة». فإنه متى جعل محل التقسيم بعد تمام الحول ووجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عن من فعله ليتجمل به مع أنه لا قائل به بل الاتفاق على الوجوب. ولا جائز أن يحمل الفرار على ما بعد الحول وقصد التجمل على ما قبله لأنه يصير الكلام متهافتا منحل الزمام مختل النظام يجل عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام كما هو بحمد الله ظاهر لذوي الأذهان والأفهام. ونحو ذلك مفهوم الشرط في موثقة إسحاق بن عمار وقوله فيها «إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة» ومثله مفهوم عبارة كتاب الفقه الرضوي ، فإن مفهومهما الشرطي الذي هو حجة عند المحققين أنه إن لم يقصد الفرار فليس عليه زكاة ، وهو باطل قطعا لما عرفت من أن التصرف في النصاب بعد حول الحول بالتغيير والتبديل أو السبك وغير ذلك لا يسقط الزكاة. وهكذا موثقة محمد بن مسلم فإن نفيه عليه‌السلام الزكاة عن الحلي محمول على ما قبل الحول البتة وقبل وجوب الزكاة وحينئذ فيكون هو محل الاستثناء.

وبالجملة فظهور هذه الأخبار في وجوب الزكاة بعد الحول مع قصد الفرار قبل تمام الحول من ما لا يستطاع أن ينكر كما لا يخفى على من تأمل بعين الإنصاف ونظر وما أوردوه دليلا على هذا الحمل ليس فيه دلالة كما ادعوه وإنما غايته الدلالة على ما دلت عليه الأخبار الأولة وإن كان بوجه أوضح ، وحيث كانت العبارة التي نقلها الراوي عن أبيه عليه‌السلام مجملة لا تفصيل فيها مثل الأخبار التي ذكرناها تأولها وحملها على الأخبار الأولة ، وهو جيد بناء على العمل بظاهر تلك الأخبار.

__________________

(١) ص ٩٨.

١٠٠