الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

الشرح مضطرب غاية الاضطراب.

وأما ما نقله عن العلامة في المنتهى ونفى البعد عنه من أوضحية السند فهو ممنوع بما ذكرناه. والأصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح غير معمول عليه ولا يلتفت إليه مع وجوب تحصيل يقين البراءة من التكليف الثابت بل هو حاكم عليه ورافع له.

وبالجملة فالحق أن الخبرين المذكورين صحيحان صريحان في ما دلا عليه ولا وجه للجمع بينهما إلا بحمل صحيحة محمد بن قيس على التقية كما ذكرنا.

ثم العجب منهم (قدس الله أسرارهم) في إلغاء العمل بهذه القواعد المقررة عن أئمتهم (عليهم‌السلام) مع استفاضة الأخبار بها التي من جملتها عرض الخبرين المختلفين على مذهب العامة والأخذ بخلافه (١) بل ورد العرض عليه وإن لم يكن في مقام الاختلاف (٢) بل ما هو أبلغ من ذلك وهو أنه إذا احتاج إلى حكم ولم يكن في البلد من يسأله من فقهاء الشيعة سأل قاضي البلد وأخذ بخلافه (٣) كما لا يخفى على من أحاط بالأخبار وجاس خلال تلك الديار ، وهم ينقلون هنا أن صحيحة محمد بن قيس موافقة لمذهب أئمة المخالفين الأربعة وأتباعهم (٤) ومع هذا يكابرون على العمل بها ويرجحونها على ما عارضها إعراضا عن تلك القواعد المقررة والضوابط المعتبرة ، وليس البحث معهم في ذلك مخصوصا بهذا المقام بل هذه عادتهم في جميع أبواب الفقه كما نبهنا عليه في غير موضع من كتابنا هذا.

وليت شعري إلى من خرجت هذه الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) بهذه الضوابط والقواعد ومن المخاطب والمكلف بها في جميع الموارد؟ هل إلى غير هذه الشريعة؟ أم إلى شيعة غير هذه الشيعة؟ إذا أعرضوا عنها في جميع أبواب الفقه كما عرفت وستعرف ، سامحنا الله وإياهم بعفوه وغفرانه.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز أن يقضى به.

(٤) ارجع إلى التعليقة ٢ ص ٥٩.

٦١

وأما ما ذكره (قدس‌سره) ـ من احتمال حمل الكثرة في رواية محمد بن قيس على بلوغ الأربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة فيها مهملا ـ فقد تبعه فيه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين حتى زعموا أنه لا تنافي بين الخبرين ، قال في الوسائل بعد ذكر صحيحة محمد بن قيس ما صورته : أقول حكم الثلاثمائة وواحدة غير مذكور هنا صريحا فلا ينافي الحديث الأول. انتهى.

والظاهر أنه مبني على ما ذكره بعض الفضلاء في هذا المقام حيث قال : وقد ظن جمع من متأخري الأصحاب أن بين هذا الحديث وحديث محمد بن قيس تعارضا في حكم زيادة الواحدة تحوج إلى الترجيح لإشكال الجمع ، والحق أنه لا تعارض بين الخبرين لخلو رواية محمد بن قيس عن التعرض لذكر زيادة الواحدة على الثلاثمائة ، فإن قوله : «فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة» يقتضي كون بلوغ الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيا كما هو الشأن في أكثر الغايات الواقعة فيه وفي غيره من الأخبار المتضمنة لبيان نصب الإبل والغنم ، والكلام الذي بعده يقتضي إناطة الحكم بوصف الكثرة وفرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي‌ء فلا يتناوله الحكم ليقع التعارض بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على حكم لم يتعرض له في الآخر. انتهى.

وفيه أنه لا يخفى أن سياق الحديث لبيان نصب الغنم وترتيبها كما هو الواقع في سائر أخبار نصب الإبل والبقر والغنم حيث ذكرت النصب فيها على سبيل الترتيب وما يجب في كل نصاب من الفريضة إلى أن وصل في هذا الخبر إلى ثلاثمائة ثم قال : «فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة» ولا ريب أن مبدأ الكثرة التي ثبت بها هذا الحكم ما بعد الثلاثمائة من الواحدة فصاعدا لا الأربعمائة الذي هو النصاب الخامس كما توهمه ، ونظير هذه العبارة قد وقع في أخبار نصب الإبل كما تقدم ، فعبر في جملة منها «فإذا كثرت الإبل» كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحة أبي بصير ، وفي بعض «فإذا زادت واحدة» كما في

٦٢

صحيحة الفضلاء (١) والمرجع إلى أمر واحد وهو الكثرة التي هي من الواحدة فصاعدا وأما قوله «إن فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي‌ء» ففيه مع كونه مردودا بالروايات المشار إليها أنه لو تم للزم أن لا يكون للكثرة في شي‌ء من المراتب مبدأ أصلا وهو باطل. وبالجملة فتعارض الخبرين لا مجال لإنكاره ولا وجه للجمع إلا بما ذكرناه.

بقي هنا شي‌ء يجب التنبيه عليه وهو ما وقع للعلامة في المنتهى من السهو في هذا المقام حيث إنه نقل عن ابن بابويه أنه روى في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : «فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا كثر الغنم أسقط هذا كله وأخرج عن كل مائة شاة» وجعل هذه الرواية دليلا على القول بما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس وهو غفلة منه (قدس‌سره) واشتباه وقع له ، حيث إن صورة ما في الفقيه (٢) هكذا : روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له في الجواميس شي‌ء قال مثل البقر. وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها شاة. إلى آخر العبارة» فالعلامة توهم أن قوله «وليس على الغنم شي‌ء. إلى آخر العبارة» من صحيحة زرارة وإنما هو من كلام الصدوق المأخوذ من كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا ذكره فإن العبارة المذكورة بطولها عين ما في كتاب الفقه ، نعم كلامه في الكتاب المذكور موافق لما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس وكل ما تحمل عليه الصحيحة المذكورة يجب أن يحمل عليه كلامه عليه‌السلام وقد عرفت أنه ليس إلا التقية.

وتنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل الأولى ـ اعلم أن هاهنا سؤالا مشهورا نقل أن المحقق (رحمه‌الله تعالى) أورده في درسه ، والأحسن في تقريره أن يقال إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأي فائدة

__________________

(١) ص ٥٨ و ٥٩.

(٢) ج ٢ ص ١٤ وفي الوسائل الباب ٥ من زكاة الأنعام.

٦٣

في جعلهما نصابين؟ وينسحب مثله في المائتين وواحدة والثلاثمائة وواحدة على القول الآخر.

والجواب أن الفائدة تظهر في موضعين : في الوجوب والضمان ، أما الوجوب فلأن محله في الأربعمائة مجموعها وفي الثلاثمائة وواحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة وواحدة خاصة وما زاد فهو عفو. فهذا أحد وجهي الفائدة في كونهما نصابين. وكذا الكلام في نظيره على القول الآخر. وأما الضمان فإنه لو تلفت واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة ولو كان محل الفريضة ناقصا عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شي‌ء ما دامت الثلاثمائة وواحدة باقية لأن الزائد عفو. وهكذا يقال بالنسبة إلى القول الآخر.

وأورد في المدارك على ذلك ـ واقتفاه الفاضل الخراساني ـ أن في عدم سقوط شي‌ء في صورة النقص عن الأربعمائة نظرا لأن الزكاة تتعلق بالعين فتكون الفريضة حقا شائعا في المجموع ومقتضى الإشاعة توزيع التالف على المجموع وإن كان الزائد على النصاب عفوا ، ولا منافاة بين الأمرين.

وعندي أن هذا الكلام لا يخلو من المناقشة فإن قوله : «إن الزكاة تتعلق بالعين فتكون حقا شائعا في المجموع» إن أريد عين المجموع من النصاب والزائد الذي هو عفو فهو ممنوع ، وإن أريد بعين النصاب فتكون حقا شائعا في مجموع النصاب فهو مسلم لكن لا يلزم منه ما ذكروه ، وتوضيحه أنا نقول إن الزكاة حق في النصاب شائع في مجموعه لا في مجموع الغنم من ما كان عفوا ، وحينئذ فلا تقتضي الإشاعة توزيع التالف على مجموع الغنم من النصاب والعفو ، وغاية ما يلزم أن يقال إن النصاب هنا غير متميز بل هو مخلوط بالعفو ولكن هذا لا يستلزم تقسيط التالف على ما كان عفوا وإن كان النصاب شائعا فيه ، إذ الحكم إنما يتعلق بالنصاب الذي هو محل الوجوب ونقصان الفريضة إنما يدور مدار نقصانه والنصاب الآن موجود كملا ووجود هذا العفو مع كونه خارجا عن محل الوجوب في حكم العدم.

٦٤

وإن أردت مزيد توضيح لذلك فإنا نقول متى كانت الغنم أربعمائة إلا واحدة وحال عليها الحول فإن النصاب منها وهو ثلاثمائة وواحدة قد وجبت فيه أربع شياه ، فمحل الفرض والوجوب هو النصاب الذي هو ثلاثمائة وواحدة وإن كان شائعا في الجملة المذكورة ، والفريضة وهي أربع شياه إنما تعلقت به وإن كانت شائعة في المجموع فلو تلفت واحدة من هذه الغنم على الوجه المفروض لم يضر ذلك بالفريضة بل يجب إخراج تلك الأربع شياه التي أوجبها الشارع في النصاب ، لأن النصاب موجود لم يلحقه نقص بتلف هذه الشياه والإيجاب إنما تعلق به ، ولو تم ما ذكروه لاستلزم أنه متى حال الحول على هذه الغنم المذكورة فإنه لا يجوز للمالك التصرف في شي‌ء منها قبل إخراج الزكاة إلا مع ضمانها تحقيقا للشياع الذي ذكروه ، بعين ما صرحوا به في التصرف في النصاب بعد حول الحول وقبل إخراج الزكاة من حيث شيوع حصة الفقراء فيه ، وهو باطل قطعا فإنه ما دام النصاب باقيا له التصرف في الزائد بما أراد ولا يتعلق المنع إلا بالنصاب خاصة.

وقال في المدارك : ولو تلفت الشاة من الثلاثمائة وواحدة سقط من الفريضة جزء من خمسة وسبعين جزء من شاة إن لم تجعل الشاة الواحدة جزء من النصاب وإلا كان الساقط منه جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء.

وتنظر فيه الفاضل الخراساني في الذخيرة بأنه على تقدير عدم كون الواحدة جزء من الفريضة تكون الواحدة مثل الزائد عليها في عدم سقوط شي‌ء من الفريضة بعد التلف كما ذكروه بالنسبة إلى الأربعمائة لو نقصت. وهو كذلك.

وكيف كان فبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الفروض الغريبة النادرة مشكل.

الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا تؤخذ المريضة من الصحاح ولا الهرمة ولا ذات العوار ، والعوار مثلثة : العيب كما في القاموس. والحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم.

٦٥

واستدل عليه في المنتهى بقوله تعالى «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (١) وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس المتقدمة في نصاب الغنم (٢) وقوله فيها : «ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق». ومقتضى الرواية جواز أخذ ذلك متى رضي المصدق.

هذا إذا كان في النصاب ما هو سالم من هذه الأوصاف ولو كان النصاب كله منها لم يكلف شراء الخالي منها إجماعا. والممتزج يخرج منه بالنسبة. ولا فرق في هذا الحكم بين الغنم والإبل والبقر.

الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع أن الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم والإبل أن يكون أقله جذعا من الضأن وثنيا من المعز. وقيل بأنه ما يسمى شاة ، وهو الأصح وإليه ذهب جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ، عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة في نصب الغنم والإبل.

واستدل على المشهور كما ذكره في المعتبر بما رواه سويد بن غفلة (٣) قال : «أتانا مصدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال نهينا أن نأخذ الراضع وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية». والظاهر أن الخبر المذكور عامي فإنه غير موجود في أصولنا.

قال الشيخ في المبسوط : وأسنان الغنم أول ما تلد الشاة يقال لولدها سخلة ذكرا كان أو أنثى في الضأن والمعز سواء ، ثم يقال بعد ذلك بهمة ذكرا كان أو أنثى فيهما سواء ، فإذا بلغت أربعة أشهر فهي من المعز جفر للذكر والأنثى جفرة والجمع

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٧٠.

(٢) ص ٥٨.

(٣) لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما وقفنا عليه من كتب العامة ، وفي سنن أبي داود ج ٢ ص ١٠٢ رقم ٥٧٩ عن سويد بن غفلة قال «أخبرني من سار مع مصدق النبي «ص» فإذا في عهد رسول الله «ص» أن لا نأخذ من راضع لبن ولا نجمع بين مفترق ولا نفرق بين مجتمع» وفي المغني ج ٣ ص ٦٠٥ روى مالك عن سويد بن غفلة قال «أتانا مصدق رسول الله «ص» وقال أمرنا رسول الله «ص» أن نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز». نعم أورد الشيخ في الخلاف ص ١١٦ الحديث باللفظ المذكور في المتن.

٦٦

جفار ، وإذا جاوزت أربعة أشهر فهي العتود وجمعها عتدان وعريض وجمعها عرضان ومن حين ما تولد إلى هذه الغاية يقال لها عناق للأنثى والذكر جدي ، فإذا استكملت سنة فالأنثى عنز والذكر تيس ، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة والذكر جذع ، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنية والذكر الثني ، فإذا دخلت في الرابعة فرباع ورباعية ، وإذا دخلت في الخامسة فهي سديس وسدس ، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ ، ثم لا اسم لها بعد هذا السن لكن يقال صالغ عام وصالغ عامين وعلى هذا أبدا ، وأما الضأن فالسخلة والبهمة مثل ما في المعز سواء ثم هو حمل للذكر والأنثى إلى سبعة أشهر فإذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي إن كان بين شابين فهو جذع وإن كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر ، وهو جذع أبدا حتى يستكمل سنة فإذا دخل في الثانية فهو ثني وثنية على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها. وإنما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ في الأضحية لأنه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو وضراب والمعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية فلهذا أقيم الجذع في الضحايا مقام الثني من المعز وأما الذي يؤخذ في الصدقة فمن الضأن الجذع ومن الماعز الثني. انتهى كلام الشيخ (قدس‌سره) وبنحوه صرح العلامة في المنتهى والتذكرة.

ومقتضاه أن الجذع من المعز ما دخل في الثانية والثني ما دخل في الثالثة ، والجذع من الضأن ما بلغ سبعة أشهر إن كان بين شابين وما استكمل ثمانية أشهر إن كان بين هرمين ، والثني منها ما دخل في الثانية.

وفي الصحاح أن الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. وفي النهاية أنه من البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية ، وقيل البقر في الثالثة ، ومن الضأن ما تمت له سنة وقيل أقل منها. وعن الأزهري الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر. وفي المغرب الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر. وفي كتاب المصباح المنير والجذع ولد الشاة في السنة الثانية. ثم نقل عن ابن الأعرابي أن الجذع من الضأن إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر وإذا كان من هرمين

٦٧

أجذع من ثمانية إلى عشرة.

وهذا الكلام كله متفق على أن الجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية ومن الضأن ما له سبعة أشهر إلى عشرة ، والقول بالستة نادر.

وأما الثني فقد عرفت من كلام الشيخ أنه من المعز ما دخل في الثالثة ومن الضأن ما دخل في الثانية ، ونقل عن الجوهري أنه يكون في الظلف والحافر في السنة الثالثة. وبمثل ذلك صرح الفيومي في كتاب المصباح المنير وصاحب القاموس وصاحب المغرب. وفي النهاية الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ومن البقر كذلك. وهو موافق لما تقدم. وقال في المجمل : وإذا دخل ولد الشاة في السنة الثانية فهو ثني والأنثى ثنية.

وقال في كتاب مجمع البحرين : والثني الذي ألقى ثنيته وهو من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة ومن ذوات الخف في السنة السادسة وهو بعد الجذع. إلى إن قال : وعلى ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة. وقيل الثني من الخيل ما دخل في الرابعة ومن المعز ما له سنة ودخل في الثانية. وقد جاء في الحديث والثني من البقر والمعز هو الذي تم له سنة. وفي المجمع الثنية من الغنم ما دخل في الثالثة وكذا من البقر والإبل في السادسة والذكر ثني ، وعن أحمد من المعز في الثانية. انتهى إلى هنا كلام صاحب مجمع البحرين. ومنه يظهر الاختلاف في الثني إلا أن ظاهر المشهور عند أهل اللغة أنه في السنة الثالثة من ذوات الظلف بقرا أو معزا أو ضأنا.

وأما كلام الفقهاء (رضوان الله عليهم) فالمنقول عن العلامة ومن تبعه من المتأخرين أن الجذع ما كمل له سبعة أشهر والثني ما كمل له سنة ودخل في الثانية وظاهرهم الأعم من الضأن والمعز.

والجمع بين كلامهم وكلام أهل اللغة لا يخلو من الإشكال ، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي العمل بما ذكره أهل اللغة إلا أن يعلم لهم مستند من الأخبار في ما ذكروه.

الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عد الأكولة وفحل

٦٨

الضراب فالمشهور عدهما وذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في النافع والشهيد في اللمعة والعلامة في الإرشاد إلى عدم عدهما ، ويدل عليه ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) وقوله عليه‌السلام فيها «ليس في الأكيلة ولا في الربى ـ والربى التي تربى اثنين ـ ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة».

وما ذكره في المدارك ـ من قوله بعد نقلها أنها غير صريحة في المطلوب لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة لا عدم تعلق الزكاة بها ـ بعيد غاية البعد لأنها وإن لم تكن صريحة كما ذكره إلا أنها ظاهرة في ذلك تمام الظهور ، والاستدلال لا يختص بالصريح بل كما يقع به يقع بالظاهر بل أغلب الاستدلالات إنما هي بالظاهر ، ولا يخفى أن المتبادر من قول الشارع «ليس في هذا صدقة» أنه ليس من ما تجب فيه الصدقة بأن يكون من الأجناس الزكوية لا بمعنى أنه لا يؤخذ في الزكاة. والتأويل بارتكاب الخروج عن الظواهر إنما يصار إليه في مقام ضرورة الجمع وليس هنا ما يعارض هذه الصحيحة إن كان إلا ما يتخيل من إطلاق الأخبار كقولهم (عليهم‌السلام) (٢) «في كل أربعين شاة شاة». والقاعدة في مثله حمل المطلق على المقيد.

وممن وافقنا على بعد هذا التأويل الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر كلام السيد المشار إليه غالبا وانتصاره له في كثير من المواضع ، حيث قال بعد نقل كلامه : وما ذكره من الاحتمال بعيد جدا. انتهى.

وما أيد به هذا الحمل في المدارك ـ من قوله بعد العبارة المتقدمة : بل ربما تعين المصير إلى هذا الحمل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عد شاة اللبن والربى ـ ففيه أن ما ذكره من الاتفاق غير معلوم ولا مدعى في المسألة ، مع مناقشته في الإجماع الذي يدعونه في غير مقام وإن كان يستسلقه ويوافقهم في أمثال هذا الكلام ، ومع

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ١٥١ وفي الوسائل الباب ١٠ من زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل الباب ٦ من زكاة الأنعام رقم (١).

٦٩

فرض دعواه فأي مانع من العمل بظاهر الخبر وترجيحه على الإجماع المذكور؟ ومع تسليم العمل به وترجيحه على الخبر فأي مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي من ما لم يقم إجماع ولا دليل على ما ينافيه؟ وهل هو إلا من قبيل العام المخصوص؟

وبالجملة فالظاهر عندي هو القول بما دل عليه الخبر المذكور في الأكولة وفحل الضراب كما هو القول الآخر ، والقول بما دل عليه ظاهر الخبر من عدم عد شاة اللبن والربى غير بعيد لدلالة الصحيحة المذكورة عليه من غير معارض ظاهر في البين.

وإلى ما ذكرنا يشير كلام المحقق المولى الأردبيلي (قدس‌سره) حيث قال وأيضا روى في الكافي صحيحا عن عبد الرحمن الثقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) أنه قال : «ليس في الأكيلة ولا في الربى التي تربى اثنين ولا شاة لبون ولا فحل الغنم صدقة». والظاهر منه عدم الحساب في النصاب والقول بذلك غير بعيد كما نقل القول به في الفحل عن أبي الصلاح. انتهى.

وتردد المحدث الكاشاني في المفاتيح في هذه المسألة من حيث بعد التأويل المذكور عن ظاهر الخبر.

ومن هفوات صاحب الوسائل جموده هنا على القول المشهور وتأويله الخبر المذكور بما ذكره في المدارك.

هذا بالنسبة إلى العد وأما الأخذ في الفريضة فظاهرهم الاتفاق على أنه لا تؤخذ الربى ولا الأكولة ولا فحل الضراب.

ويدل على ذلك موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لا تؤخذ الأكولة ـ والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ـ ولا والدة ولا الكبش الفحل».

ويؤيد المنع من أخذ الأكولة وفحل الضراب أنهما من كرائم الأموال وقد نهي في الخبر عن التعرض لكرائم أموالهم (٣).

والأصحاب قد عللوا المنع في الربى بالإضرار بولدها ، وجعلوا الحد في المنع من أخذها إلى خمسة عشر يوما وقيل إلى خمسين يوما. ولم نقف لشي‌ء من هذين

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من زكاة الأنعام.

(٣) سنن ابن ماجة ج ١ ص ٥٤٣.

٧٠

التحديدين على مستند.

والذي يفهم من كلام أهل اللغة أن الربى هي التي ولدت حديثا كما في الصحاح وفي النهاية أنها القريبة العهد بالولادة. إلا أنه قد تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) «والربى هي التي تربى اثنين». والمستفاد منها تفسير الربى في هذا المقام بذلك ، وهو مشكل لمخالفته للعرف وكلام أهل اللغة كما عرفت. إلا أن الصحيحة المذكورة رواها في الفقيه (٢) بهذه الصورة «ولا في الربى التي تربى اثنين» وهو أظهر إلا أن فيه تخصيص الحكم بالتي تربى اثنين.

الخامسة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أن النصاب المجتمع من المعز والضأن وكذا من الإبل العراب والبخاتي وكذا من الجاموس والبقر تجب فيه الزكاة ، لأن كلا من هذين الصنفين داخل تحت جنس واحد من هذه الأجناس التي تعلقت بها الزكاة ، والأول يجمعه جنس الغنم والثاني جنس الإبل والثالث جنس البقر.

وإنما الخلاف في أنه هل للمالك الخيار في الإخراج من أي الصنفين شاء وإن تفاوتت القيم أو أنه يجب التقسيط والأخذ من كل بقسطه مطلقا أو يناط بتفاوت القيم؟ أقوال ثلاثة أشهرها الثاني وأظهرها الأول وأحوطها الثالث ، وحينئذ فلو كان عند المالك نصب عديدة بعضها من الإبل العراب وبعضها من البخاتي أخرج من العراب عربية ومن البخاتي بختية من كل نصاب من صنفه ، وهكذا البقر والغنم. ولو كان النصاب مجتمعا من صنفي ضأن ومعز مثلا فإن كانت الغنم متحدة القيم فلا إشكال في إخراج أي صنف كان ، وإن تفاوتت القيم يرجع إلى التقسيط ، كأن يكون عشرون من البقر وعشرون من الجاموس والتبيع من البقر وهو الفريضة قيمته اثنا عشر درهما مثلا ومن الجاموس قيمته أربعة عشر أخرج تبيعا قيمته ثلاثة عشر بقرا كان أو جاموسا ، هذا على المشهور وأما على ما اخترناه

__________________

(١) ص ٦٩ واللفظ هكذا «والربى التي تربى اثنين».

(٢) الوسائل الباب ١٠ من زكاة الأنعام.

٧١

وإليه مال جملة من محققي متأخري المتأخرين فإنه يكتفي بما يصدق عليه من ذلك الجنس كما يستفاد من ظواهر الأدلة وإن كان الاحتياط في ما ذكروه.

السادسة ـ الظاهر أنه لا خلاف في الاجتزاء بالقيمة في النقدين والغلات ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن محمد بن خالد البرقي (١) قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجاب عليه‌السلام أيما تيسر يخرج». ورواه الصدوق بإسناده إلى محمد بن خالد مثله (٢).

وما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر (٣) قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة أيحل ذلك؟ قال لا بأس به». ورواه الحميري في قرب الإسناد (٤) ورواه الصدوق بإسناده إلى علي بن جعفر (٥) ورواه علي بن جعفر في كتابه (٦).

وإنما الخلاف في زكاة الأنعام هل يجب الإخراج من العين ما دام متمكنا أو يجوز الانتقال إلى القيمة وإن أمكن الإخراج من العين؟ قولان نقل أولهما عن الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال : لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة. ويفهم من كلام المحقق في المعتبر الميل إليه. وثانيهما عن الشيخ في الخلاف فإنه قال : يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلها أي شي‌ء كانت القيمة وتكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين ، واستدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم. ورده في المعتبر بمنع الإجماع وعدم دلالة الأخبار على موضع النزاع. وهو كذلك. وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد تحقيق في هذه المسألة في زكاة الغلات.

المقام الرابع ـ في بيان الشروط المتعلقة بالوجوب وهي أربعة : النصاب وقد

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٤ من زكاة الذهب والفضة.

٧٢

تقدم الكلام فيه ، والحول والسوم وأن لا تكون عوامل ، وما يتبع هذا المقصد من بعض المسائل ، فالكلام في هذا المقام يقع في مواضع أربعة :

الأول ـ في الحول وهو من ما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى ، ومن الأخبار قولهما (عليهما‌السلام) في صحيحة الفضلاء (١) المتقدمة «وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه». ونحوها غيرها من الأخبار الكثيرة.

ولا يخفى أن الحول لغة وعرفا إنما هو عبارة عن اثني عشر شهرا وهي تمام السنة إلا أنه لما ورد عنهم (عليهم‌السلام) إطلاق الحول في الزكاة على أحد عشر شهرا صار هذا معنى شرعيا للحول ، فحيثما أطلق في كلام الأصحاب في هذا الباب وكذا في الأخبار فإنما يراد به هذا المعنى ، والظاهر إنه لا خلاف فيه إلا ما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي كما سيأتي.

واستدل الأصحاب على ذلك بحسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (٢) التي هي صحيحة عندنا وفيها «قال زرارة فقلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة. الحديث». وفي صدر الخبر المذكور ما يدل على ذلك أيضا كما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكره.

وبالجملة فإنه لا إشكال ولا خلاف في ذلك بينهم ، إنما الخلاف في موضعين : أحدهما ـ أنه هل يحتسب هذا الشهر بعد حصول الوجوب بهلاله من الحول الثاني أو الأول؟ قولان أولهما لفخر المحققين ابن العلامة (قدس الله تعالى روحيهما) والثاني ـ للشهيد (قدس‌سره) في البيان والدروس.

حجة القول الأول أن الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأول جزء منه يصدق

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من زكاة الذهب والفضة.

٧٣

أنه حال عليه الحول و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه. وربما يناقش في أن التعقيب إنما هو مقتضى الفاء العاطفة وأما الفاء الجزائية فإنه محل خلاف. إلا أن الظاهر أن هذا المعنى من ما يتبادر من ترتب الجزاء على الشرط هنا.

حجة القول الثاني أن الحول لغة عبارة عن تمام الاثني عشر والأصل عدم النقل ، قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك : اعلم أن الحول لغة اثنا عشر شهرا ولكن أجمع أصحابنا على تعلق الوجوب بدخول الثاني عشر ، وقد أطلقوا على أحد عشر اسم الحول أيضا بناء على ذلك ، وورد عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (١) «إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت الزكاة». فصار الأحد عشر حولا شرعيا. إلى أن قال : إذا تقرر ذلك فنقول لا شك في حصول أصل الوجوب بتمام الحادي عشر ولكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر؟ الذي اقتضاه الإجماع والخبر السالف الأول ، لأن الوجوب دائر مع الحول وجودا مع باقي الشرائط وعدما لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول». وقول الصادق عليه‌السلام (٣) «لا تزكه حتى يحول عليه الحول». وقد تقدم في الخبر السالف «إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت الزكاة» والفاء تقتضي التعقيب بغير مهلة فيصدق الحول بأول جزء منه و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه ، وحيث ثبت تسمية الأحد عشر حولا شرعيا قدم على المعنى اللغوي لما تقرر من أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية. ويحتمل الثاني لأنه الحول لغة والأصل عدم النقل ، ووجوبه في الثاني عشر لا يقتضي عدم كونه من الحول الأول لجواز حمل الوجوب بدخوله على غير المستقر. والحق إن الخبر السابق إن صح فلا عدول عن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من زكاة الذهب والفضة. والظاهر أن الرواية عن الباقر «ع» كما يظهر بمراجعة الفروع ج ١ ص ١٤٨ والتهذيب ج ١ ص ٣٥٨.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٩٥.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من زكاة الذهب والفضة ، واللفظ «لا يزكيه ...».

٧٤

الأول لكن في طريقه كلام والعمل على الثاني متعين إلى أن يثبت ، وحينئذ فيكون الثاني عشر جزء من الأول واستقرار الوجوب مشروط بتمامه. انتهى كلامه زيد مقامه.

وظاهر هذا الكلام اختيار كون الوجوب غير مستقر بمجرد دخول الثاني عشر وهو خلاف ما عليه ظاهر الأصحاب من استقرار الوجوب بدخوله. وهذا هو الموضع الثاني من موضعي الخلاف المشار إليه آنفا.

ثم إن السيد السند في المدارك اعترض جده هنا بكلام أوردناه في شرحنا على المدارك وبينا ما فيه.

وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الطعن في دلالة الخبر المذكور وحمله على مورده من حكم الفرار ، حيث قال في الكتاب المذكور : لعل المراد بوجوب الزكاة وحول الحول برؤية هلال الثاني عشر الوجوب والحول لمريد الفرار بمعنى أنه لا يجوز الفرار حينئذ لاستقرار الزكاة في المال بذلك ، كيف والحول معناه معروف والأخبار بإطلاقه مستفيضة ، ولو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه وإنما يستقيم بوجوه من التكلف. انتهى. وهو جيد لو لا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على العمل بمضمونه في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره.

أقول : ومن ما يؤيد ما ذكره (طاب ثراه) صحيحة عبد الله بن سنان (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (٢) وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة. ففرض الله عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير

__________________

(١) ارجع إلى الصفحة ٣.

(٢) سورة التوبة الآية ١٠٣.

٧٥

والتمر والزبيب ، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عن ما سوى ذلك. قال ثم لم يتعرض لشي‌ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق». وهو ظاهر كما ترى في اعتبار حول الاثني عشر شهرا.

ويمكن الجمع بين هذا الخبر والخبر المتقدم بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من حصول الوجوب بدخول الثاني عشر وإن كان لا يستقر إلا بتمامه.

وما ذكره المحدث المشار إليه ـ من الإشارة إلى ما في الخبر المذكور من الإشكال في مواضع منه ـ متجه ، فإن الخبر طويل مشتمل على بعض الأحكام العويصة الغير الظاهرة بل الظاهرة المخالفة إلا بتكلفات بعيدة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى نقل الخبر المذكور بتمامه والكلام فيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح هذا الموضع يتوقف على رسم مسائل :

الأولى ـ الظاهر أنه لو اختل أحد الشروط الموجبة للزكاة في أثناء الحول بطل الحول ، وهو بالنسبة إلى النصاب اتفاقي وأما بالنسبة إلى غيره من الشروط ففيه خلاف سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في مواضعه.

الثانية ـ لو عاوض الأنعام بجنسها كالغنم بالغنم الشامل لصنفي الضأن والمعز أو بغير جنسها كالغنم بالبقر مثلا سقطت الزكاة.

والخلاف هنا في موضعين أحدهما ـ في المعاوضة لا بقصد الفرار ، وقد نقل عن الشيخ في المبسوط أنه ذهب إلى أن المعاوضة بالجنس لا تقطع الحول لصدق الاسم. وهو ضعيف فإن ظواهر الأخبار تعلق الحكم بالأعيان فمتى تبدلت سقط الحكم

الثاني ـ في المعاوضة بقصد الفرار والمشهور العدم ، وقال الشيخ في المبسوط إن بادل بجنسه أو بغير جنسه فرارا وجبت الزكاة. وإليه ذهب في موضع من التهذيب وهو منقول عن السيد المرتضى في كتاب الإنتصار مدعيا عليه الإجماع. وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في زكاة النقدين.

٧٦

الثالثة ـ إذا حال الحول على النصاب مستكملا للشرائط ثم تلف منه شي‌ء فإن كان عن تفريط ولو بتأخير الإخراج مع التمكن ضمن المالك وإلا وزع التالف على النصاب وسقط من الفريضة بالنسبة ، وأما مع وجود الزيادة على النصاب فقد تقدم بيان الحكم فيه في المسألة الأولى من المقام الثالث.

الرابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه لا تعد الأولاد مع الأمهات بل لكل منهما حول بانفراده للأخبار الكثيرة الدالة على أن كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه (١). وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة (٢) «ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج». ومثلها غيرها ، وحينئذ فلو كانت الأولاد المتجددة نصابا مستقلا كما لو ولدت خمس من الإبل خمسا فلكل حول بانفراده ، ولو ولدت أربعون من الغنم أربعين وجب في الأمهات شاة عند تمام حولها ولم يجب في السخال شي‌ء ، فإن الزائد على الأربعين عفو حتى يصل إلى النصاب الثاني وهو مائة وإحدى وعشرون. واحتمل المحقق في المعتبر وجوب شاة في الثانية عند تمام حولها لقوله عليه‌السلام (٣) «في كل أربعين شاة شاة». وفيه أن الظاهر اختصاص الرواية بالنصاب الأول المبتدأ إذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان إجماعا.

نعم يبقى الإشكال في ما لو كانت الزيادة متممة للنصاب الثاني بعد إخراج ما وجب في الأول ، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر ، وثمانون من الغنم اثنين وأربعين ، فهل يسقط اعتبار الأول ويعتبر الجميع نصابا واحدا من الزمان الثاني بمعنى أنه يلغى ما مضى من حول الأمهات ويعتبر النصاب من زمان وجود الزيادة ، أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الأول في المثال المتقدم تبيع وشاة وعند

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل الباب ٩ من زكاة الأنعام.

(٣) الوسائل الباب ٦ من زكاة الأنعام.

٧٧

مضى سنة من تلك الزيادة شاتان ومسنة ، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي حول الأول ثم استئناف حول للجميع؟ أوجه اختار جملة من المتأخرين منها الوجه الأخير لوجوب إخراج زكاة الأول عند تمام حوله لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، ومتى وجب إخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلى جزئه في ذلك الحول للأصل وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «لا ثنى في صدقة». وقوله عليه‌السلام في حسنة زرارة (٢) «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد». والمسألة لا تخلو من إشكال لعدم النص فيها وإن كان ما ذكروه من الوجه هو أقرب الوجوه المذكورة.

الخامسة ـ إذا ارتد المسلم الفطري قبل تمام الحول استأنف ورثته الحول لانتقال المال إليهم ولا يعتبر بما مضى من الحول في ملك المورث كما لو مات. وأما الملي فحيث لا يجب قتله حتى يستتاب فلا تجري عليه أحكام الردة ولا تخرج أمواله عن ملكه بمجرد الردة وإن حجر عليه التصرف فيها حتى يتوب ، ولو استتيب ثلاثا ولم يتب وجب قتله وتعلق به الحكم المتقدم.

الموضع الثاني ـ في السوم وهو لغة الرعي ، ولا بد أن يكون طول الحول فلا تجب الزكاة في المعلوفة ، والحكم مجمع عليه كما نقله غير واحد.

ويدل عليه من الأخبار قول الصادقين (عليهما‌السلام) في صحيحة الفضلاء (٣) «ليس على العوامل من الإبل والبقر شي‌ء إنما الصدقات على السائمة الراعية».

والظاهر أن وصف الراعية كاشف لما عرفت من أن السوم لغة الرعي كما تدل عليه موثقة زرارة الآتية وقوله عليه‌السلام (٤) في حسنة الفضلاء المشار إليها بعد ذكر نصاب الإبل «ولا على العوامل شي‌ء إنما ذلك على السائمة الراعية». وقول أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) النهاية لابن الأثير مادة «ثني» و «ثنى» على وزن «إلى».

(٢) ص ٣٩.

(٣) الوسائل الباب ٧ من زكاة الأنعام ، وقوله «من الإبل والبقر» منه (قدس‌سره) باعتبار وروده فيهما.

(٤) الوسائل الباب ٧ من زكاة الأنعام. واللفظ مطابق للوافي وفي الفروع والتهذيب والوسائل «وليس ...» كما تقدم.

٧٨

في صحيحة زرارة الواردة في الخيل (١) حيث قال له الراوي «هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ قال لا ليس على ما يعلف شي‌ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل».

والمرج بالجيم مرعى الدواب والأخبار المذكورة وإن لم تشتمل على ذكر الغنم إلا أن عموم الجواب كاف في ثبوت الحكم فإن خصوص السبب لا يخصص كما ثبت عندهم في الأصول ، مضافا إلى ما في موثقة زرارة الآتية في أول المطلب الثالث (٢) من قوله عليه‌السلام في عد التسعة التي تجب فيها الزكاة «والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية». واتفاق عامة أهل الإسلام على ذلك (٣).

بقي الكلام في تحقيق السوم الذي يترتب عليه الوجوب والعلف الذي ينقطع به السوم في أثناء الحول ، فقيل إنه يراعى الأغلب في ذلك وهو منقول عن الشيخ ، وقد نص في المبسوط على سقوط الزكاة مع التساوي. وقال ابن إدريس ليس فيها زكاة إلا إذا كانت سائمة طول الحول ولا يعتبر الأغلب في ذلك. واعتبر المحقق في المعتبر استمرار السوم طول الحول وإنه يزول بالعلف اليسير. وهو يرجع إلى قول ابن إدريس. واختار العلامة في التحرير والتذكرة اعتبار الاسم فإن بقي عليها اسم السوم وجبت الزكاة وإلا سقطت. وظاهره إرجاع ذلك إلى العرف والظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين. واختار الشيخ في النهاية سقوطه بعلف اليوم وصرح بعدم اعتبار اللحظة. وتردد في الدروس في اليوم في السنة بل في الشهر واستقرب بقاء السوم.

ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الإشكال ولا سيما الرجوع إلى العرف كما نبهنا عليه في مواضع من أن العرف مع كونه لا دليل على الرجوع إليه من الأخبار ليس أمرا منضبطا ليصح بناء الأحكام الشرعية عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل الباب ٨ من ما تجب فيه الزكاة رقم ٩.

(٣) المغني ج ٢ ص ٥٩٦ و ٥٩٧.

٧٩

وأنت خبير بأن ظواهر الأخبار ولا سيما صحيحة زرارة وقوله عليه‌السلام فيها «إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» هو اعتبار السوم طول الحول كما هو ظاهر المحقق وابن إدريس ، إلا أنه ينبغي الاحتياط في عدم إسقاط الزكاة بعلف ساعة بل يوم في السنة.

والظاهر أنه لا فرق في العلف الموجب لسقوط السوم بين كونه من المالك أو الدابة نفسها أو علف الغير لها بإذن المالك أو بغير إذنه من مال المالك أو من مال نفسه ، ولا بين أن يكون لعذر يمنع من الرعي كالثلج ونحوه أم لا ، لصدق المعلوفة في جميع هذه الصور.

وأما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ من أنه يشكل الحكم في ما لو علفها الغير من مال نفسه نظرا إلى المعنى المقصود والحكمة المقتضية لسقوط الزكاة معه وهي المئونة على المالك الموجبة للتخصيص كما اقتضته في الغلات عند سقيها بالدوالي ـ فالظاهر ضعفه لأن الأحكام الشرعية لا تبنى على مثل هذه المناسبات ، وقيام النصوص في الغلات بما ذكره لا يقتضي الحمل عليه هنا والخروج عن إطلاق النصوص الموجب لسقوط الزكاة عن المعلوفة مع صدق كونها معلوفة.

فرع

قد صرح جملة من الأصحاب بأن السخال ـ والمراد بها في كلامهم ما هو أعمّ من أولاد الغنم وإن كان أصل التسمية لغة مخصوصة بأولاد الغنم بعد وضعها كما تقدم ـ لا تعد في الحول إلا بعد الاستغناء بالرعي ليتحقق شرط السوم بالنسبة إليها كما دلت عليه الأخبار المتقدمة.

ونقل عن الشيخ وجماعة بل الظاهر إنه هو المشهور كما صرح به في المسالك أن حولها من حين النتاج ، وعليه تدل الأخباركقوله عليه‌السلام في رواية زرارة (١) «وما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليها

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٥٤ وفي الوسائل الباب ٢ من زكاة الأنعام رقم «٣».

٨٠