الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

وليس في الحديث ما يدل عليه ، قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه : إن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر فإن ذلك يلزمه دونك. وفي لزوم هذا الشرط نظر. انتهى كلامه زيد مقامه. ونسج على منواله في هذا الكلام جملة من تأخر عنه من الأعلام من المتأخرين ومتأخريهم.

وعندي فيه نظر (أما أولا) فإن ما نقله عن أولئك الأجلاء في صدر عبارته الظاهر أنه لا دلالة فيه على المدعى ، لأن غاية كلامهم وجوب الزكاة على المقترض ولم يتعرضوا لحكم الشرط نفيا ولا إثباتا ، وهو من ما لا نزاع فيه ولا إشكال يعتريه.

والذي يحضرني من كلامهم هنا عبارة الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال : ولا زكاة على المقرض في ما أقرضه إلا أن يشاء التطوع بزكاته ، وعلى المستقرض زكاته ما دام في يده ولم يستهلكه لأن له نفعه. وعبارة الشيخ في النهاية حيث قال : ومال القرض ليس فيه زكاة على صاحبه بل تجب على المستقرض الزكاة إن تركه بحاله حتى يحول عليه الحول. والظاهر أن باقي كلام من نقل عنه من هذا القبيل ، ومثل ذلك الأخبار التي نقلها فإن غايتها إطلاق الزكاة على المقترض ولا تعرض فيها لحكم الشرط نفيا ولا إثباتا.

و (أما ثانيا) فإن ما ادعاه ـ من أن الشرط غير لازم لأنه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه وإنه باطل ـ مردود (أولا) بأن تعلقها بالمقترض مشروط عندهم بعدم تبرع المقرض بها كما صرح به فلو تبرع بها سقطت عن المقترض ، فلا يتم ما ذكره كليا من أن اشتراطها من قبيل اشتراط العبادة على غير من وجبت عليه ، إذ مقتضاه تعين الوجوب على المقترض خاصة وعدم السقوط عنه بفعل الغير تبرعا كان أو اشتراطا. وأيضا فإن الزكاة وإن كانت من قبيل العبادة من وجه إلا أنها من قبيل الدين من وجه آخر.

وثانيا ـ وهو العمدة في الاستدلال الأخبار الدالة على صحة شرط زكاة ثمن المبيع على المشتري (١) كما نقله في آخر كلامه عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه وإن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من زكاة الذهب والفضة.

٤١

تنظر فيه بناء على ما قدمه في صدر كلامه.

ومن الأخبار الدالة على ما قلناه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين وإنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي». ورواه الصدوق أيضا في كتاب العلل في الصحيح مثله (٢).

وروى في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال واشترط عليه في بيعه أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين».

والخبران كما ترى صحيحان صريحان في صحة الشرط المذكور ولزومه ، وبه يظهر لك ما في كلامه (قدس‌سره) ـ وكذا كل من تبعه وحكم ببطلان الشرط لما ذكره من التعليل ـ من الغفلة عن ملاحظة هذين الخبرين.

ومثلهما ما في كتاب الفقه الرضوي (٤) حيث قال عليه‌السلام : فإن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه دونك. انتهى.

وهذه عين عبارة الشيخ علي بن الحسين التي نقلها عنه في المختلف ، ومنه يعلم أن مستنده في هذا الحكم هو الكتاب المذكور وإن كان الخبران المتقدمان يدلان على ذلك. وبمثل هذه العبارة عبر ابنه الصدوق في الفقيه ، وهو ظاهر في أن مذهبه ذلك.

وحينئذ فمتى ثبتت بهذه الأخبار صحة الشرط المذكور وأنه سائغ وأن الزكاة تنتقل به إلى ذمة المشروط عليه فلا فرق بين وقوعه واشتراطه في بيع أو قرض أو غيرهما عملا بما دل على أن المؤمنين عند شروطهم (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من زكاة الذهب والفضة.

(٤) ص ٢٣.

(٥) الوسائل الباب ٦ من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

٤٢

و (أما ثالثا) فإنه لا يخفى أن ما نقله عن الشيخ علي بن الحسين أخيرا مناف لما نقله عنه أولا لو كان النقل صريحا في عدم صحة الشرط كما يدعيه ، وإلا فإنه متى كان مطلقا كما نقلناه من عبارتي المقنعة والنهاية فلا منافاة ، وعلى هذا جرى الشيخ في النهاية كما نقله عنه ، فصرح في باب الزكاة بأنها على المقترض بقول مطلق ، وفي باب القرض بأنها مع الشرط تلزم المقرض وتسقط عن المقترض وبه يقيد الإطلاق الأول

المقصد الثاني ـ في ما تجب فيه الزكاة من الأموال ، وحيث إنه من المجمع عليه نصا وفتوى هو وجوبها في الأنعام والنقدين والغلات الأربع وأنها تستحب في بعض الأموال أيضا ، فالكلام في هذا المقصد يقتضي بسطه في مطالب أربعة :

المطلب الأول ـ في الأنعام والكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة :

المقام الأول ـ في نصب زكاة الإبل ، وهي اثنا عشر نصابا بالإجماع من علماء الإسلام على ما نقله جملة من الأعلام (١) وكأنه بناء منهم على عدم الاعتداد بالمخالف في بعضها وشذوذه وندرته كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى من الخلاف في المقام ولا تجب في ما دون خمس من الإبل فإذا تمت خمسا ففيها شاة ثم إذا بلغت عشرا ففيها شاتان ثم خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ثم عشرين ففيها أربع ثم خمسا وعشرين ففيها خمس ثم ستا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي التي دخلت في الثانية ثم ستا وثلاثين ففيها بنت لبون وهي التي دخلت في الثالثة ثم ستا وأربعين ففيها حقة وهي التي دخلت في الرابعة ثم إحدى وستين ففيها جذعة وهي التي دخلت في الخامسة ثم ستا وسبعين ففيها بنتا لبون ثم إحدى وتسعين ففيها حقتان ثم مائة وإحدى وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.

ولا خلاف في الخمسة الأول وإنما الخلاف في النصاب السادس فإن ابن أبي عقيل أسقطه وأوجب بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ست وثلاثين وهو

__________________

(١) يظهر الحال في مذهب العامة في نصب الإبل من التعليقة الآتية.

٤٣

قول الجمهور (١) كما صرح به جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) وفي المدارك نقل هذا القول عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد ، وهو سهو منه فإن ابن الجنيد لم يسقطه غاية الأمر أنه وافق ابن أبي عقيل في إخراج بنت مخاض في خمس وعشرين. وبما ذكرنا صرح العلامة في المختلف.

ويدل على القول المشهور الأخبار الكثيرة ومنها ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) المروية في الكافي والتهذيب قال : «في خمس قلائص شاة وليس في ما دون الخمس شي‌ء ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث وفي عشرين أربع وفي خمس وعشرين خمس وفي ست وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ـ

__________________

(١) ذكر في المغني ج ٢ ص ٥٧٧ نصب الإبل كما هنا بإسقاط السادس كما نقل عن ابن أبي عقيل ثم قال : وهذا كله مجمع عليه. وفي البداية ج ١ ص ٢٣٨ أجمع المسلمون عليه إلا في ما زاد على عشرين ومائة ففيه الخلاف ، فإن مالكا قال إذا زاد على مائة وعشرين فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين ، وقال ابن القاسم من أصحابه بل يأخذ ثلاث بنات لبون من غير خيار إلى أن تبلغ ثمانين ومائة فيكون فيها حقة وابنتا لبون ، وبهذا القول قال الشافعي. وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك بل يأخذ الساعي حقتين فقط من غير خيار إلى إن تبلغ مائة وثلاثين. وقال الكوفيّون أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا زادت على مائة وعشرين عادت الفريضة بمعنى أن في كل خمس شاة ، فإذا كانت الإبل مائة وخمس وعشرين كان فيها حقتان وشاة : الحقتان المائة وعشرين والشاة للخمس. إلى آخر كلامه. وفي المهذب ج ١ ص ١٤٤ بعد أن وافق المغني والبداية في ترتيب النصب قال : إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين كان فيها ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ، والأصل فيه رواية أنس. وفي البحر الرائق ج ٢ ص ٢١٣ عد النصب كما تقدم إلى مائة وعشرين ، وأما الزائد عليه فتفصيله في كل خمس شاة إلى مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق ثم في كل خمس شاة وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين.

(٢) الوسائل الباب ٢ من زكاة الأنعام.

٤٤

وقال عبد الرحمن هذا فرق بيننا وبين الناس ـ فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة».

وصحيحة أبي بصير ـ وهو المرادي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الزكاة قال ليس في ما دون الخمس من الإبل شي‌ء فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس وعشرين فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة. ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق أن يعد صغيرها وكبيرها».

وصحيحة زرارة المروية في من لا يحضره الفقيه (٢) وهي مثل صحيحة أبي بصير المذكورة إلا إن آخرها هكذا : «فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون».

وما نقله في المعتبر (٣) قال : روى أبو بصير وعبد الرحمن بن الحجاج وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) قالا : «إذا زادت عن خمس وعشرين ففيها بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإن زادت فابنة لبون

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ و ١٠ من زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل الباب ٢ من زكاة الأنعام.

(٣) ص ٢٥٩ والظاهر أنه يشير إلى الروايات الثلاث المتقدمة وليست رواية مستقلة.

٤٥

إلى خمس وأربعين فإن زادت فحقة إلى ستين فإن زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين فإن زادت فحقتان إلى عشرين ومائة ـ قال وهذا مذهب علماء الإسلام ـ فإن زادت ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون». قال : وبه قال علماؤنا. ثم نقل أقوال العامة. وهذه الرواية لم يتعرض لنقلها أحد من الأصحاب في كتب الاستدلال ولا من المحدثين في كتب الحديث حتى صاحب الوسائل الذي جمع فيه ما زاد على كتب الحديث الأربعة ، إلى غير ذلك من الأخبار.

احتج ابن أبي عقيل على ما نقل عنه بصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (١) قالا : «في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض وليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وأربعين فإذا بلغت خمسا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها جذعة ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وسبعين فإذا بلغت خمسا وسبعين ففيها ابنتا لبون ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ثم ليس فيها شي‌ء أكثر من ذلك حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ثم ترجع الإبل على أسنانها. وليس على النيف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء ولا على العوامل شي‌ء إنما ذلك على السائمة الراعية. قال قلت فما في البخت السائمة؟ قال مثل ما في الإبل العربية. الحديث».

ونقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل (٢) هذا الحديث عن كتاب معاني الأخبار بما يوافق القول المشهور وذكر أنه رواه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى مثله ، إلا أنه قال ـ على

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ و ٧ و ٣ من زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل الباب ٣ من زكاة الأنعام.

٤٦

ما في بعض النسخ الصحيحة ـ «فإذا بلغت خمسا وعشرين فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض. إلى أن قال فإذا بلغت خمسا وثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون ثم قال فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ثم قال فإذا بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة ثم قال فإذا بلغت خمسا وسبعين وزادت واحدة ففيها ابنتا لبون ثم قال فإذا بلغت تسعين وزادت واحدة ففيها حقتان». وذكر الحديث مثله.

أقول : وقد اضطرب كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الجواب عن صحيحة الفضلاء بناء على الرواية المشهورة ، فنقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) حمل بنت المخاض على كونها بالقيمة عن الخمس شياه ، واحتمل بعض حمله على الاستحباب

والشيخ (قدس‌سره) قد أجاب عنه بأن قوله عليه‌السلام «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض» يحتمل أن يكون المراد وزادت واحدة وإن لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلك ، قال : ولو لم يحتمل ما ذكرناه لكان لنا أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة (١).

واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه : والتأويلان ضعيفان ، أما الإضمار فبعيد في التأويل ، وأما التقية فكيف يحمل على التقية ما صار إليه جماعة من محققي الأصحاب ورواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، وكيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممن اختار ذلك مذهب الإمامية من غيرهم؟ والأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الوهن الغني عن التنبيه عليه والتوجيه ، والحق أنه لا معدل عن أحد الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ (قدس‌سره) ويؤيد الحمل على التقية ـ وهو الذي اختاره المحدث الكاشاني في الوافي ـ صحيحة عبد الرحمن المتقدمة وقوله فيها «هذا فرق بيننا وبين الناس» مع ما عرفت من أنه مذهب الجمهور ، إلا أنه يخدشه أن الإشكال في الصحيحة المذكورة ليس مخصوصا بهذا الموضع بل الإشكال

__________________

(١) ارجع إلى التعليقة ١ ص ٤٤.

٤٧

في جملة النصب المتأخرة إلى النصاب الأخير ، فإنه لا قائل بذلك من العامة ولا من الخاصة وهو خلاف جملة الأخبار الواردة في المسألة ، والأمر دائر بين شيئين : إما رد الرواية المذكورة من هذه الجهة مع ما هي عليه من الصحة والإسناد إلى إمامين واشتمالها على نصب الأنعام الثلاثة وجملة من أحكامها كما سيأتي نقل ذلك كل في موضعه وهو مشكل لا يمكن التزامه ، وإما قبولها وحملها على ما يقوله الشيخ من الإضمار والتقدير في كل نصاب ، وهو وإن بعد لعدم كونه معهودا في الكلام إلا أنه في مقام الجمع مما لا بد منه. وأما كلام صاحب المعتبر فإنه غير موجه ولا معتبر كما لا يخفى على من تأمل بعين الإنصاف ونظر.

وينبغي التنبيه على أمور

الأول ـ لا يخفى أنه قد وقع الخلاف في هذا المقام أيضا في مواضع : منها ـ ما ذهب إليه ابن الجنيد من أن الواجب في خمس وعشرين بنت مخاض أنثى فإن لم تكن فابن لبون فإن لم يكن فخمس شياه. ولم نقف له في الأخبار على مستند.

ومنها ـ ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه من أنه قال في رسالته فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ـ وسميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها ـ إلى أن تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإن زادت واحدة ففيها ثني. ثم قال في المختلف : وهو قول ابنه محمد في كتاب الهداية. ولم يوجب باقي علمائنا في إحدى وثمانين شيئا أصلا عدا نصاب ست وسبعين. ثم استدل على القول المشهور بالأخبار المتقدمة.

أقول : ما نقله هنا من عبارة الرسالة هو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا لك أمثال ذلك في مواضع عديدة من كتاب الصلاة ، فإنه عليه‌السلام قال (١) بعد ذكر النصب المتقدمة كما مر في الأخبار : «فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ـ وسميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها ـ إلى أن تبلغ ستين فإذا

__________________

(١) ص ٢٢.

٤٨

زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثني».

ومنه يعلم أن مستند الصدوقين هنا إنما هو الكتاب المذكور كما تقدم في تلك المواضع. إلا إن الحكم غريب لخروجه عن مقتضى الأخبار الكثيرة المتفق عليها بين الطائفة سواهما (رضي‌الله‌عنهما).

ولا يخفى ما في تمسكهما بهذا الكتاب في مثل هذا المقام من الدلالة على يقينهما بكونه عنه عليه‌السلام وثبوته زيادة على تلك الأخبار ، وإلا فكيف يجوز منهما الخروج عن تلك الأخبار الصحيحة الصريحة مع قرب العهد إلى العمل بهذا الكتاب.

ومنها ـ النصاب الأخير فقد نقل فيه الخلاف عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في الإنتصار كما نقله في المختلف ، وليس في التعرض لنقله كثير فائدة وإن ادعى عليه الإجماع مع مخالفته له في سائر كتبه ولا سيما المسائل الناصرية ، ومن أحب الوقوف على ذلك فليرجع إلى كتاب المختلف.

الثاني ـ قد اشتمل بعض الأخبار المتقدمة على أن الواجب إخراجه في النصاب الأخير ـ وهو مائة وإحدى وعشرون ـ في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ، ومنها صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن الفقيه ، ورواية أخرى له في التهذيب أيضا (١) وصحيحة الفضلاء ، وظاهر هذه الروايات التخيير بين هذين الفردين بعد العد بأحد العددين ، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد كما نقل عنه ونسبه إلى ظاهر الأصحاب.

وظاهره (قدس‌سره) في كتاب المسالك بل صريحه أن المراد بذلك كون النصاب أمرا كليا لا ينحصر في فرد وأن التقدير بالأربعين والخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب ، فإن أمكن بهما تخير وإن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء ولو لم يمكن إلا بهما وجب الجمع ، فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب وهو المائة وإحدى وعشرون

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من زكاة الأنعام.

٤٩

بالأربعين وتقدير المائة والخمسين بالخمسين والمائة والسبعين بهما ، ويتخير في المائتين وفي الأربعمائة بين اعتباره بهما وبكل واحد منهما. انتهى. وبمثل ذلك صرح المحقق الشيخ علي والعلامة في المنتهى ، والظاهر أنه هو المشهور كما يفهم من عبارة المنتهى.

وفيه أن ظاهر ما ورد بالعد بالخمسين خاصة كما تقدم في صحيحتي عبد الرحمن وأبي بصير يدفع ذلك ، فإن ظاهرهما العد بالخمسين مطلقا ولو في نصاب المائة وإحدى وعشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة ، ولو كان العد في هذا الموضع متعينا بالأربعين كما ذكره (قدس‌سره) لما ساغ إطلاق هذه الأخبار بالعد بالخمسين. وأيضا فإن التخيير في صحيحتي الفضلاء وزرارة وقع على أثر ذكر نصاب مائة وإحدى وعشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة ، ولو تعين فيه العد بالأربعين لم يحسن ذكر التخيير في صورة لا يجوز فيها إلا أحدهما. وبالجملة فإن الروايات كملا لا تجتمع إلا على القول بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر تلك الأخبار المشتملة على الأربعين والخمسين ، نعم ما ذكره متضمن للاحتياط ولا ريب في أولويته وأما تعينه فهو خلاف ظاهر تلك الأخبار كما عرفت.

الثالث ـ هل الواحدة الزائدة على المائة وعشرين جزء من النصاب أو شرط في الوجوب وليست بجزء ، فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي‌ء كما لا يسقط في الزائد عنها من ما ليس بجزء ، للأربعين أو الخمسين على المشهور بين المتأخرين؟ فيه وجهان ، اختار أولهما العلامة في النهاية ، وثانيهما جملة من المتأخرين ، وتوقف في البيان ، من حيث اعتبارها نصا الموجب للجزئية ، ومن إيجاب الفريضة في كل خمسين وأربعين الظاهر في خروجها.

الرابع ـ قد صرح الأصحاب بأن الزكاة في الإبل بنوعيها من البخت والعراب وعلى ذلك دلت صحيحة الفضلاء المتقدمة (١) حيث قال فيها : «قلت ما في البخت السائمة؟ قال مثل ما في الإبل العربية». قال في المصباح المنير : والبخت نوع من الإبل

__________________

(١) ص ٤٦.

٥٠

الواحد بختي مثل روم ورمي ويخفف ويثقل. انتهى. والأصحاب عبروا عنها بالإبل الخراسانية ويؤيده مقابلتها في الخبر بالإبل العربية.

الخامس ـ الأظهر تخير المالك في إخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب كما اختاره جملة من الأصحاب ، وقيل إنه إذا وقعت المشاحة يقرع حتى تبقى السن التي تجب ، بأن يقسم ما جمع الوصف قسمين ثم يقرع بينهما ثم يقسم ما خرجت عليه القرعة وهكذا حتى يبقى قدر الواجب. نقل ذلك عن الشيخ وجماعة ولم نقف لهم على مستند على الخصوص.

ويدل على الأول صحيحة بريد العجلي (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد الله انطلق. إلى أن قال فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه ، فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله. الحديث». ونحوه في الدلالة على المراد غيره ولكن ليس بهذا التفصيل. وهذا الحكم جار في غير الإبل من المواشي الزكوية.

السادس ـ قال شيخنا الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (٢) قال مصنف هذا الكتاب (رحمة الله) أسنان الإبل أول ما تطرحه أمه إلى تمام السنة حوار فإذا دخل في الثانية سمي ابن مخاض لأن أمه قد حملت ، فإذا دخل في الثالثة سمي ابن لبون لأن أمه قد وضعت وصار لها لبن ، فإذا دخل في الرابعة سمي الذكر حقا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من زكاة الأنعام.

(٢) ج ٢ ص ١٣.

٥١

والأنثى حقة لأنه قد استحق أن يحمل عليه ، فإذا دخل في الخامسة سمي جذعا ، فإذا دخل في السادسة سمي ثنيا لأنه قد ألقى ثنيته ، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيته وسمي رباعيا ، فإذا دخل في الثامنة ألقى السن التي بعد الرباعية وسمي سديسا ، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه وسمي بازلا ، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف ، وليس له بعد هذا اسم ، والأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع. انتهى. وبمثل ذلك صرح ثقة الإسلام الكليني والشيخ ، والصدوق قد علل كلا من هذه الأسنان إلا الجذع ، وقد علل التسمية بذلك لأنه يجذع مقدم أسنانه أي يسقط.

السابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من وجبت عليه سن من الإبل وليس عنده إلا الأعلى منه بسن دفعه واستعاد من المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن لم يكن عنده إلا الأدنى بسن دفعه ووجب عليه أن يجبره بشاتين أو عشرين درهما ، والحكم مجمع عليه بينهم في ما أعلم.

ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه (١) «أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب له في كتابه الذي كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات : من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنه تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنه تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ويعطى معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقة فإنه تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه تقبل منه ابنة مخاض ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من زكاة الأنعام.

٥٢

وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس معه شي‌ء. الحديث». ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله (١).

وجمهور المتأخرين ومتأخريهم ومنهم السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما لم ينقلوا إلا الخبر الأول واعتذروا عن ضعف سنده باتفاق الأصحاب على القول بمضمونه مع أن صحيحة زرارة المشار إليها صريحة في ذلك غنية عن هذا الاعتذار.

ونقل عن الشيخ علي بن بابويه وابنه الصدوق في المقنع جعل التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها. كذا نقله عنهما في المختلف

أقول : وهذا أيضا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام في الكتاب المذكور (٢) بعد ذكر خمسة وثلاثين : فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون ومن لم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق ابنة مخاض وأعطى معها شاة ، وإذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها واسترجع من المصدق شاة. انتهى.

فروع

الأول ـ نقل عن العلامة في التذكرة ـ وبه قطع الشهيد الثاني على ما نقله عنه سبطه في المدارك ـ الاكتفاء في الجبر بشاة وعشرة دراهم ، وكأنه بنى على التخيير بين الشاتين والعشرين درهما في الأخبار. وهو لا يخلو من وجه من حيث الاعتبار إلا أنه خلاف ظاهر النص.

الثاني ـ قد ذكر الأصحاب هنا أن الخيار في دفع الأعلى أو الأدنى وفي الجبر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من زكاة الأنعام.

(٢) ص ٢٢.

٥٣

بشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى المصدق أو الفقير سواء كانت قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور أم زائدة عليها أم ناقصة عنها لإطلاق النص. واستشكل فيه بعضهم في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدق لقيمة المدفوع إليه ، من إطلاق النص وشموله للصورة المذكورة ، ومن أن المالك كأنه لم يؤد شيئا ، كما إذا وجبت على المالك ابنة مخاض وليست عنده وأعطى عوضها سنا أعلى ابنة لبون فإنه يعطيه المصدق حينئذ عشرين درهما ، فلو فرضنا كون ابنة اللبون قيمتها السوقية يومئذ عشرين درهما فكأن المالك لم يعط شيئا بالكلية لأنه أعطى ابنة لبون وأخذ قيمتها السوقية.

وقد نقل هنا عن العلامة في التذكرة القول بعدم الإجزاء ، قال في المدارك بعد نقله عنه : وهو متجه. ونفى عنه البعد في الذخيرة أيضا ، وهو محتمل حملا للرواية على ما هو المتعارف في ذلك الزمان أو الغالب من زيادة قيمة السن الأعلى على الأدنى بذلك المقدار فلا تدخل الصورة المفروضة في إطلاق النص. وينبغي مراعاة الاحتياط في مثل ذلك.

الثالث ـ مورد الأخبار المتقدمة التفاوت بسن واحد فلو كان التفاوت بأزيد كما إذا كانت عنده ابنة مخاض وكان الواجب عليه حقة أو بالعكس فهل يكون الحكم كالأول ويتضاعف الجبران بتضاعف السن فيعطي في الصورة المفروضة ابنة مخاض مع أربع شياه أو أربعين درهما أو يرجع حينئذ إلى القيمة السوقية؟ قولان والمشهور الثاني قصرا للحكم المخالف للأصل على مورد النص فيجب أخذ القيمة. وهو جيد.

وكذا تعتبر القيمة أيضا في ما عدا أسنان الإبل من البقر والغنم ولا يجب الجبران ، فمن عدم فريضة البقر ووجد الأعلى أو الأدنى أخرجه بالقيمة فيعطى ما نقص على الأول ويسترد ما زاد على الثاني إن اقتضت القيمة السوقية ذلك.

المقام الثاني ـ في نصاب البقر ولها نصابان : ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة على المشهور وهو الذي دخل في الثانية ، ثم أربعون وفيها مسنة ، أما كون نصابها ذلك

٥٤

فعليه الإجماع نصا وفتوى.

وينبغي أن يعلم أنه ليس المراد أن الثلاثين ينحصر في النصاب الأول والأربعين في الثاني بل إن هذا نصابها دائما كما سيظهر لك من الخبر الآتي وكذا من كلام الأصحاب ، بمعنى أن الأعداد متى تضاعفت وارتفعت فإنه يعد النصاب بالثلاثين والأربعين ، وحينئذ فمرجع النصابين إلى نصاب واحد على التخيير ويقدم ما يحصل به الاستيعاب أو يكون به أقرب إليه.

وأما كون المخرج في النصاب الأول تبيعا أو تبيعة فهو المشهور بل ادعى عليه الإجماع في المنتهى ، ونقل عن الشيخ علي بن بابويه وابن أبي عقيل إيجاب تبيع حولي خاصة ، وبه صرح الصدوق في الفقيه أيضا ، وهذا هو الذي تضمنته صحيحة الفضلاء (١) المتقدم صدرها حيث قال فيها بعد ذكر ما قدمنا نقله منها «وقالا في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وليس في أقل من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة بقرة مسنة ، وليس في ما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ، وليس في ما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة ، إلى الثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كل أربعين مسنة ، ثم ترجع البقر على أسنانها. وليس على النيف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء ولا على العوامل شي‌ء إنما الصدقة على السائمة الراعية. وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه الحول وجب عليه. الحديث».

والعجب من المحدث الحر في بدايته مع كونه من متصلي الأخباريين وأجلاء المحدثين أنه تبع المشهور في هذه المسألة فقال بالتخيير بين التبيع والتبيعة وترك العمل بالخبر مع صحته وصراحته ووجود القائل به من قدماء الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ و ٧ و ٨ من زكاة الأنعام.

٥٥

ومثل هذا الخبر أيضا ما صرح به في كتاب الفقه الرضوي ، والظاهر أنه هو المعتمد لما ذكره الشيخ علي بن الحسين حيث قال عليه‌السلام (١) «وفي البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع حولي وليس فيها إذا كانت دون ثلاثين شي‌ء ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة إلى ستين ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين ، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع ، فإذا كثرت البقر سقط هذا كله ويخرج من كل ثلاثين بقرة تبيعا ومن كل أربعين مسنة».

وقال في المدارك ـ بعد قول المصنف : في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة. إلى آخره ـ ما لفظه : هذا قول العلماء كافة وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.

وفيه أولا ـ أن ما ادعاه من اتفاق العلماء على التخيير في هذا النصاب وإن سبقه إليه العلامة في المنتهى إلا أنه مردود بما عرفت من خلاف أولئك الفضلاء ، ومن ثم نسبه في المختلف إلى المشهور ونقل خلاف ابن أبي عقيل وعلى بن بابويه.

وثانيا ـ أن التخيير بين الفردين المذكورين لم نقف له على دليل في الأخبار والرواية التي أشار إلى أنها تقدمت وهي صحيحة الفضلاء إنما تضمنت التبيع خاصة كما عرفت.

إلا أن المحقق في المعتبر (٢) نقل صحيحة الفضلاء بما يطابق القول المشهور ولعله كان في بعض الأصول التي كانت عنده حيث قال : ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير والفضيل وبريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) «قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وليس في أقل من ذلك شي‌ء ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة ثم في ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاث تبايع».

وهذه الرواية أيضا مثل الأولى التي نقلنا عنه في نصاب الإبل لم يتعرض لها

__________________

(١) ص ٢٢.

(٢) ص ٢٦٠.

٥٦

أحد من المحدثين في كتب الأخبار ولا الأصحاب في كتب الاستدلال ، وهو عجيب في المقام سيما مع خلو ما ذهبوا إليه في المسألة من الدليل ودلالة هذه الرواية عليه.

قال العلامة في المختلف : المشهور أن في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ، اختاره الشيخان وابن الجنيد والسيد المرتضى وسلار وباقي المتأخرين ، وقال ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه في ثلاثين تبيع حولي ولم يذكرا التبيعة ، لنا ـ أنه أشهر بين الأصحاب ولأن التبيعة أفضل من التبيع فإيجابها يستلزم إيجاب التبيع دون العكس فهو أحوط فيتعين التخيير. احتجا بما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير وبريد والفضيل في الحسن عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) «قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع حولي» والجواب أنه غير مانع من إيجاب الأزيد على وجه التخيير. انتهى.

وأنت خبير بما في هذا الكلام من الضعف الذي لا يخفى على سائر الأنام فضلا عن ذوي الأفهام ، وهل هو إلا محض مجازفة في الأحكام. وبالجملة فالأظهر هو ما ذكره الفضلاء المتقدمون لقيام الدليل عليه ، سيما مع تكرره في الرواية في النصب الباقية واعتضادها برواية كتاب الفقه الرضوي. وأما ما نقلناه عن المعتبر ففي النفس منه شي‌ء من حيث عدم تعرض أحد لنقل ذلك بالكلية مع تكرر النقل عن المعتبر في كتب الأصحاب في نقل الأقوال والفتاوى وهذا الموضع أولى لما عرفت.

المقام الثالث ـ في نصب الغنم وهي خمسة على المشهور وقيل أربعة ، فالأول أربعون وفيها شاة ، وذهب الصدوق في الفقيه إلى أن النصاب الأول أربعون وواحدة ، حيث قال : وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها شاة. ورده المتأخرون بعدم وجود الدليل.

أقول : لا يخفى أن ما ذكره الصدوق في هذا المقام من هذا الكلام من أوله إلى آخره عين عبارة كتاب الفقه الرضوي (١) ومنه يعلم أنه المستند له في ما ذكره.

ثم إنه ليس في ما زاد على ذلك شي‌ء حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين وفيها

__________________

(١) ص ٢٢.

٥٧

شاتان ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ثم ثلاثمائة وواحدة وهذا هو النصاب الرابع ، فقيل بأنه بعد بلوغ هذا المقدار يلغى ما تقدم ويؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا ثلاث شياه كما تقدم ولا يتغير الفرض إلا ببلوغ أربعمائة. وإلى هذا القول ذهب جملة من الأجلاء كالشيخ المفيد والمرتضى والصدوق وابن أبي عقيل وسلار وابن حمزة وابن إدريس ، وعلى هذا فتكون النصب أربعة. وذهب جملة : منهم ـ الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج ـ والظاهر أنه المشهور كما يظهر من المعتبر ـ إلى أنه بعد بلوغ ثلاثمائة وواحدة يجب فيها أربع شياه إلى أن تبلغ أربعمائة فيلغى ما تقدم ويؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا أربع شياه ولا يتغير الفرض إلا ببلوغ خمسمائة.

ويدل على القول الأول صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال «ليس في ما دون الأربعين من الغنم شي‌ء فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة. ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق. ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق. ويعد صغيرها وكبيرها».

ويدل على الثاني صحيحة الفضلاء (٢) المتقدم ذكرها في المقامين المتقدمين ، حيث قالوا : «وقالا في الشاة في كل أربعين شاة شاة وليس في ما دون الأربعين شي‌ء ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ و ١١ من زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل الباب ٦ من زكاة الأنعام.

٥٨

ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة وسقط الأمر الأول ، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء «وليس في النيف شي‌ء. وقالا كل ما لم يحل عليه من ذلك عند ربه حول فلا شي‌ء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه».

أقول : ويعضد الخبر الأول ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام (١) وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا زادت على الأربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم سقط هذا كله وتخرج عن كل مائة شاة. وبهذه الرواية عبر الصدوق في الفقيه كما هي عادته غالبا في ما يفتي به من الكتاب المذكور.

والظاهر أن وجه الجمع بين الخبرين المتقدمين هو حمل صحيحة محمد بن قيس على التقية ، فإن ما تضمنته من إسقاط هذا النصاب مذهب أصحاب المذاهب الأربعة كما ذكره في التذكرة ، ونقله في المعتبر عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك (٢).

تتمة مهمة

قال في المدارك بعد الكلام في المقام : والمسألة قوية الإشكال لأن الروايتين معتبرتا الإسناد والجمع بينهما مشكل جدا ، ومن ثم أوردهما المصنف في المعتبر من غير ترجيح واقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين ونسب القول الثاني إلى

__________________

(١) ص ٢٢.

(٢) أفتى بذلك الشيرازي الشافعي في المهذب ج ١ ص ١٤٨ وابن رشد المالكي في بداية المجتهد ج ١ ص ٢٤١ ونسبه إلى الجمهور إلا الحسن بن صالح فإنه قال : إذا كانت الغنم ثلاثمائة شاة وشاة ففيها أربع شياه وإذا كانت أربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه. وفي بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج ٢ ص ٢٨ بعد أن ذكر أن في المائتين وواحدة ثلاث شياه قال : فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة. ثم قال هذا قول عامة العلماء وقال الحسن بن حي إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه وفي أربعمائة خمس شياه.

٥٩

الشهرة ، وقال العلامة في المنتهى إن طريق الحديث الأول أوضح من الثاني واعتضد بالأصل فتعين العمل به. وهو غير بعيد ، مع أن الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النصاب الثاني وذلك من ما يضعف الحديث ، ولو كانتا متكافئتين في السند والمتن لأمكن حمل الرواية الأولى على التقية لموافقتها لمذهب العامة أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة مهملا في الرواية. والله العالم.

أقول : ما ذكره من مخالفة الرواية الثانية وهي صحيحة الفضلاء لما عليه الأصحاب فإنه صحيح بناء على نقله لها من التهذيب فإنها فيه (١) هكذا «وليس في ما دون الأربعين شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ففيها شاتان. إلى آخره» وأما على ما قدمناه وهو رواية الكليني في الكافي والشيخ في الإستبصار فإنه موافق لما عليه الأصحاب ، وعلى ذلك اعتمد في الوافي وكذا صاحب الوسائل لمعلومية الغلط في نقل الشيخ في التهذيب ، ولا يخفى على من له أنس بالتهذيب ما وقع للشيخ (قدس‌سره) فيه من التحريف والزيادة والنقصان في المتون والأسانيد كما تقدم التنبيه عليه في مواضع من كتاب الصلاة.

وأما ما ذكره ـ من أن الحمل على التقية فرع مكافأة السند والمتن ـ ففيه أما بالنسبة إلى المتن فقد عرفت ما فيه وأن هذا الطعن إنما نشأ من قصور تتبعه (قدس‌سره) لكتب الأخبار وجموده على مراجعة التهذيب خاصة مع اعترافه في بعض المواضع من شرحه بما وقع للشيخ فيه من ما أشرنا إليه ، وأما بالنسبة إلى السند فإنه ليس في طريق الرواية من يشير إليه كلامه سوى إبراهيم بن هاشم وحديثه عند أصحاب هذا الاصطلاح معتمد مقبول وإن عدوه في الحسن ، ولم نجد له رادا من أصحاب هذا الاصطلاح سواه في الموضع الذي يريد المناقشة فيه ، وإلا فإنه قد عده في الصحيح في مواضع من شرحه كما تقدمت الإشارة إليه في غير مقام. وبالجملة فإن كلامه في هذا

__________________

(١) ج ١ ص ٣٥٥ ، واللفظ فيه لا يختلف عن الكافي ج ١ ص ١٥١ والإستبصار ج ٢ ص ٢٢ نعم في المدارك نقله كما هنا.

٦٠