الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

وأما السادس ـ وهو صرف الجميع إلى الأصناف أما النصف فمن حيث كونه حقهم وأما النصف الذي هو حق الإمام عليه‌السلام فمن حيث إنه في حال حضوره متى قصر الخمس عن مئونتهم كان يتم لهم من ماله ، فوجوب هذا عليه حال حضوره يقتضي وجوبه عليه حال غيبته ، فإن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه الحق ـ

ففيه أولا ـ أنه من الجائز اختصاص ذلك بحال الحضور لكون ذلك في مقابلة الزيادة عن مئونتهم لعامهم وهذا لا يجري في حال الغيبة فقياس الغيبة على الحضور قياس مع الفارق. على أن إيجاب ذلك عليه مطلقا كما يدعونه في محل المنع لدلالة جملة من الأخبار كما عرفت على التحليل ، ولا سيما دلالة صحيحة عمر بن يزيد في حكاية مسمع بن عبد الملك (١) ورد الصادق عليه‌السلام عليه ما حمل إليه من مال الخمس وتحليله به

وثانيا ـ ورود الرخصة من صاحب العصر (عجل الله فرجه) في إباحة الخمس للشيعة حال الغيبة كما تقدم ، وإنما حملناه على حقه (عليه‌السلام) جمعا بين الأخبار كما سلف بيانه.

وبالجملة فإنه لا وجه لهذا القول من حيث الدليل وإن كان الاحتياط به واضح السبيل.

وأما السابع ـ وهو صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة والنصف الذي له عليه‌السلام يجب إيصاله مع الإمكان وإلا فيصرف إلى الأصناف ومع تعذر الإيصال وعدم حاجة الأصناف فيباح للشيعة كما اختاره صاحب الوسائل في كتابه (٢) ـ

ففيه أن الواجب مع وجود الإمام عليه‌السلام والتمكن من الوصول إليه أو إلى وكيله هو إيصال جميع الخمس إليه كما هو مقتضى الأخبار وكلام الأصحاب ، وأما مع غيبته عليه‌السلام فيجب صرف حصة الأصناف عليهم وأما حصته عليه‌السلام فقد

__________________

(١) ص ٤٣٠.

(٢) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٦١

حصلت الإباحة فيها من صاحبها كما تقدم. وأما مع وجوده عليه‌السلام وعدم التمكن منه ـ وإن كان الفرض نادرا حيث إن المفهوم من الأخبار أنهم مع شدة التقية كانت لهم (عليهم‌السلام) وكلاء لقبض الأخماس وغيرها في سائر البلدان ـ وشدة التقية كانت في زمن الكاظم عليه‌السلام وكان السبب في وقف من أنكر موته وقال بالوقف إنما هو الأموال التي كانت بأيديهم من ما يقبضونه له من الناس ـ فالحكم لا يخلو من توقف وصرفها إلى الأصناف كما ذكره في هذه الصورة لا دليل عليه ، وظاهر كلامه حمل أخبار الإباحة على تعذر الإيصال وعدم حاجة الأصناف ، مع أنك قد عرفت أن الإباحة من الصادق والباقر وعلي (عليهم‌السلام) في حال وجودهم وإمكان الإيصال إليهم ، وبالجملة فما ذكره زعما منه جمع الأخبار عليه لا يخلو من تعسف ظاهر كما هو واضح من ما شرحناه آنفا.

وأما الثامن ـ وهو ما ذهب إليه المحدث الكاشاني من إيصال حصة الأصناف وسقوط حقه عليه‌السلام وظاهره أن ذلك أعمّ من حال الحضور أو الغيبة ، حيث قال في كتاب الوافي بعد نقل جملة أخبار المسألة المروية في الكتب الأربعة : والذي يظهر لي من مجموع الأخبار الواردة في ذلك أن تحليلهم (عليهم‌السلام) يعم المناكح وغيرها من الأموال إلا أنه مختص بحصتهم (عليهم‌السلام) أعني السهام الثلاثة كما مر في حديث أبي حمزة (١) «إن الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة». دون سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل فإنها لغيرهم وإن كان لهم التصرف فيها في زمان حضورهم بأن يضعوها في من شاءوا وكيف شاءوا كما كانوا يتصرفون في حصة أنفسهم لأن جميع الأموال في الحقيقة لهم والناس عيالهم ، وكان الواجب على شيعتهم في زمن حضورهم أن يحملوا كل الخمس إليهم ليضعوه في من يشاءون إلا أن من لم يفعل ذلك منهم في حل بعد أن أساء ، وعلى ذلك يحمل التشديد أو على أن التشديد مختص بغير الشيعة وهذا أظهر من الأخبار. وأما في مثل هذا الزمان حيث لا يمكن

__________________

(١) ص ٤٣٢.

٤٦٢

الوصول إليهم (عليهم‌السلام) فتسقط حصتهم رأسا لتعذر ذلك وغناهم عنه رأسا دون السهام الباقية لوجود مستحقيها ، ومن صرف الكل حينئذ إلى الأصناف الثلاثة فقد أحسن واحتاط. والعلم عند الله. انتهى ـ

فهو قريب من ما اخترناه : أما في حال الغيبة فهو عين ما ذكرناه من وجوب صرف النصف إلى الأصناف وإباحة حقه عليه‌السلام إلا أنه إنما علل ذلك بتعذر إيصاله وغناه عنه وغفل عن التوقيع الوارد من صاحب الخمس بتحليله للشيعة زمن الغيبة ، ولعله لعدم اطلاعه عليه حيث إنه ليس من أخبار الكتب الأربعة التي تصدى لجمعها ، وأما حال الحضور فظاهره تخصيص التحليل في ما ورد من أخبار التحليل بحصتهم (عليهم‌السلام) دون حصة الأصناف وهو جيد ، إلا أن ظاهره أن ذلك عام وجار في جميع الأئمّة (عليهم‌السلام) كما يؤذن به حمله أخبار التشديد على الاختصاص بغير الشيعة ، وهذا هو موضع الخلاف بيننا وبينه لما أوضحناه سابقا من أن أخبار القسم الثاني وجملة من أخبار القسم الأول أيضا لا تقبل الحمل على ذلك بل هي ما بين صريح وظاهر في عدم التحليل ووجوب إيصال الخمس إليهم (عليهم‌السلام) كصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة إبراهيم بن هاشم وروايتي الطبري وعبارة كتاب الفقه الرضوي (١) ويعضدها من روايات القسم الأول أيضا رواية محمد بن علي بن شجاع ورواية أبي علي بن راشد (٢) وحمل روايتي الطبري وصحيحة إبراهيم ابن هاشم على غير الشيعة من المخالفين قد أوضحنا بعده بل فساده ، ومع الإغماض عن ذلك فإنه لا يتم له في الأخبار الباقية.

وبالجملة فالأظهر كما حققناه سابقا اختصاص التحليل بمن حصل منه التحليل حسبما يقع من خصوص أو عموم دون غيره من باقي الأئمّة ، وبه يعلم ما في قوله أيضا «أن من لم يحمل ذلك إليهم كان في حل وإن أساء» بناء على حمله أخبار التشديد في إخراج الخمس على ما ذكره ، وكيف يكون في حل مع قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة

__________________

(١) ص ٤٢٥ إلى ٤٢٨.

(٢) ص ٤٢٠.

٤٦٣

إبراهيم بن هاشم «والله ليسألنهم الله تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» وفي إحدى روايتي الطبري (١) بعد التوبيخ والتقريع العظيم «لا نجعل أحدا منكم في حل» وقريب منهما صحيحة علي بن مهزيار (٢) بل لا تقصر عنهما.

وأما التاسع ـ وهو صرف حصة الأصناف إليهم وقسمة حصته عليه‌السلام على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح والسداد ـ فهو موافق لما اخترناه إلا أن التخصيص بمن ذكر لا دليل عليه وإن كان أولى ، وأولى منه صرفه على السادة المستحقين.

وأما العاشر ـ وهو تخصيص التحليل بخمس الأرباح حيث إنه له عليه‌السلام خاصة دون باقي الأصناف كما ذهب إليه المحقق الشيخ حسن في المنتقى ـ

ففيه ـ مع إغماض النظر عن المناقشة في دلالة الروايات التي أشار إليها على اختصاص خمس الأرباح به عليه‌السلام بأن نسبة الخمس كملا فيها إلى نفسه باعتبار مالكيته لنصفه وولايته على النصف الآخر ـ أن ذلك مردود أولا ـ بصريح رواية مسمع والاحتمال الذي في رواية الحكم بن علباء الأسدي (٣) اللذين قد حللهما الإمامان (عليهما‌السلام) بخمس الغوص مع أنه ليس من الأرباح بالمعنى الذي ذكره.

وثانيا ـ بصحيحة علي بن مهزيار (٤) المتضمنة لحمل الخمس إلى وكيله ولو بعد حين مع كون ظاهر سياقها أن ذلك من خمس الأرباح ، فلو كان خمس الأرباح من ما حللوه كيف يأمر بنقله إليه أو إلى وكيله ويذكر في أول الخبر أن مواليه قصروا في أمر الخمس وأنه أراد أن يطهرهم بما وضعه عنهم في ذلك العام فإن جميع هذا من ما ينافي التحليل.

وبالجملة فالظاهر إنما هو ما قدمناه من أن الخمس مطلقا وإن كان مشتركا بينهم وبين الأصناف إلا أن لهم الاختيار فيه بل وفي غيره كيف شاءوا وأرادوا ولا

__________________

(١) ص ٤٢٦.

(٢ و ٤) ص ٣٤٩.

(٣) ص ٤٣٠ و ٤٣٣.

٤٦٤

اعتراض عليهم ، لأن الأرض وما خرج منها لهم (عليهم‌السلام) كما عرفت من أخبار القسم الرابع ، وأنه يحل لمن حللوه ويحرم على من لم يحللوه وأنه يجب الرجوع فيه في كل وقت إلى إمام ذلك الوقت.

هذا. وأما اعتضاده بذهاب بعض قدمائنا إلى السقوط ـ وتشنيعه على المتأخرين برد هذا القول بأنه ناشئ عن قلة الفحص عن الأخبار ومعانيها والقناعة بميسور النظر فيها ـ ففيه أن ذلك القائل الذي نقل عنه من القدماء ـ كما عرفت من عبارتي الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في النهاية ـ إنما أراد سقوط الخمس مطلقا من أي نوع كان الأرباح وغيرها ، وهو لا يقول به وإنما يخص التحليل بخمس الأرباح خاصة فكيف يحكم بصحة القول المذكور ويشنع على من رده؟ مع ما عرفت من كلام الشيخين المذكورين في منشأ الخلاف بين القدماء في هذه المسألة.

وأما الحادي عشر ـ وهو عدم التحليل بالكلية كما ذهب إليه ابن الجنيد ـ فهو من ما لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه : أما أولا ـ فلأن التحليل ثابت بيقين لا يداخله الظن ولا التخمين وإنما الكلام في عمومه من جهة المحلل بكسر اللام والمحلل بفتحها أو خصوصه فيهما أو خصوصه في أحدهما على ما سبق من التفصيل في الأقوال والأخبار.

وأما ثانيا ـ فإن كلامه في ما قدمناه من عبارته لا يخلو من سوء الأدب في حق الإمام عليه‌السلام من حيث إنه نسبه إلى التصرف في ما لا يجوز له التصرف فيه وإباحة ما ليس له إباحته ، إلا أن يحمل كلامه على عدم ثبوت أخبار التحليل عنده وهو بعيد غاية البعد لما عرفت من شهرتها واستفاضتها ، قال المحقق في المعتبر بعد نقل محصل كلامه ـ ونعم ما قال ـ إن هذا ليس بشي‌ء لأن الإمام لا يحلل إلا ما يعلم أن له الولاية في تحليله ولو لم يكن له ذلك لاقتصر في التحليل على زمانه ولم يقيده بالدوام.

وأما ثالثا ـ فلأنك قد عرفت من أخبار القسم الرابع أن الأرض وما فيها له

٤٦٥

عليه‌السلام فأي مانع من التحليل في ما اقتضت المصلحة يومئذ تحليله؟

ولو نوقش في تلك الأخبار بأنه لا ريب في تسلط الناس على ما في أيديهم من الأملاك من ما ينقل ويحول أم لا والتوارث والتصرف بجميع أنواع التصرفات وأن المتصرف فيه غير المالك غاصب مستحق للعقاب ، وهذا من ما عليه الاتفاق كتابا وسنة وإجماعا وهو من ما يدافع تلك الأخبار.

قلنا : لا ريب أن جميع هذه الأشياء المذكورة ملك لله عزوجل وأنه ملكها العباد على الوجه المذكور ، فلو أراد الله سبحانه التصرف فيها بما ينافي رضا مالكها أرأيت أن ذلك يوجب اعتراضا عليه تعالى ويكون ظلما وجورا؟ فإنه هو المالك الحقيقي والمالك الآخر مجازي فله التصرف في الأموال وفي أصحابها كيف شاء وأراد ، وهكذا فقل بالنسبة إليهم (عليهم‌السلام) فإن الله عزوجل المالك للأرض وما فيها قد ملكها نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصياءه بعده كما دلت عليه تلك الأخبار وهم (عليهم‌السلام) قد حللوا شيعتهم خاصة زمان الغيبة بالتملك والتصرف كيف شاءوا وأرادوا وجرت أيدي الناس على الأملاك على الوجوه المذكورة ، فلو تصرفوا (عليهم‌السلام) في شي‌ء من ذلك على خلاف رضا من ملكوه لم يثمر ذلك اعتراضا عليهم لأن الأصل لهم عين ما عرفت بالنسبة إليه عزوجل ، وأما المخالفون لهم (عليهم‌السلام) فتصرفهم محرم والعقاب فيه ثابت والاقتصاص منهم في القيامة قائم ، فلا إشكال بحمد الله في هذا المجال.

وأما الثاني عشر ـ وهو ما ذهب إليه شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) ـ من قصر التحليل على التصرف في مال الخمس قبل إخراجه مع ضمان الخمس في الذمة وأنه لا يحل شي‌ء من الخمس ـ فعجيب من مثله وأي عجيب ، وقد رأيت كلامه أولا في بعض الحواشي المنسوبة إليه على كتب الأخبار فحصل لي العجب من ذلك ولم أتيقن أنه يقول بمثل هذه المقالة البعيدة عن الأخبار حتى رأيت كلامه في كتاب زاد المعاد موافقا لما وحدته أولا ، وها أنا أسوق أولا ما وقفت عليه من كلامه ثم أذكر ما فيه :

٤٦٦

قال في حاشية له على كتاب الإستبصار ـ على قول الشيخ هناك بعد نقل رواية محمد بن زيد الطبري المتقدمة : «فالوجه في الجمع بين هذه الروايات ما ذهب إليه شيخنا. إلى آخره» ـ ما لفظه : ومراد كلامه أن الرخصة في صرف المال في المناكح قبل إخراج الخمس منه لا في سقوط الخمس في الأموال وإنما الفائدة حل الوطء وطيب الولادة مع استقرار المال في الذمة إلى أن يؤدى الخمس ، وبالجملة نقول نصوص الرخصة مقتضاها في باب المناكح حل انتفاع البضع في الأمة المسبية من دون إخراج حق الإمام عليه‌السلام من الخمس وفي باب المساكن حل انتفاع السكنى وفي باب المتاجر جواز تصرفات التجارة. انتهى.

وقال (قدس‌سره) في حاشية له على الكافي على قوله في رواية سالم بن مكرم المتقدمة (١) : «ليس يسألك أن يعترض الطريق». ما صورته : يعني ليس يسألك تحليل الفروج واعتراض طريق الشرع بل إنما يسألك إحلال تصرفاته في ماله من المناكح والمساكن من قبل تخميسه : فيكون له مال فيه الخمس فلا يخمسه ويشتري منه خادما ينكحها أو يجعل منه صداقا لامرأة يتزوجها أو يصيب ميراثا أو مالا من التجارة أو عطية يعطاها فيصرف ذلك في مناكحه أو مساكنه ولم يكن يخمسه؟ فقال عليه‌السلام : هذا أي هذا التصرف من قبل تخميس المال لشيعتنا حلال لتطيب ولادتهم والخمس في ذمتهم حتى يؤدون. ولم يعن عليه‌السلام بالإحلال سقوط الخمس عنهم وبراءة ذمتهم كما هو المستبين. انتهى.

وقال في كتاب زاد المعاد ما هذا ملخصه : وأما مستحق الخمس فالمشهور أنه يقسم على ست حصص كما هو ظاهر الآية (٢) فثلاث منها للإمام وثلاث منها للأصناف الثلاثة ، والظاهر من الأحاديث المعتبرة أن جميع الخمس في زمان وجود الإمام عليه‌السلام يوصلونه له وهو يأخذ نصفه لنفسه والنصف الآخر يقسمه على الأصناف الثلاثة بقدر كفايتهم في عامهم فإن فضل شي‌ء أخذه وإن أعوز أتم لهم من نصيبه ، وأما في

__________________

(١) ص ٤٣٠.

(٢) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال الآية ٤٣.

٤٦٧

زمان الغيبة فالأحوط أن حصة السادات تدفع إلى العالم العادل ليصرفها على الأصناف وأما النصف الآخر الذي هو حصة الإمام عليه‌السلام ففيها خلاف في زمن الغيبة والمشهور دفعها إلى العالم العادل ليوصلها إلى السادات على سبيل التتمة فإن زاد شي‌ء حفظه عنده وبعده يودعه إلى عالم آخر فإن وجد سيدا محتاجا دفعه إليه وإلا حفظه إلى أن يوصل إلى الإمام عليه‌السلام ، إلا أن الفرض في هذا الزمان نادر جدا لكثرة السادة المستحقين وقلة المخرجين للخمس. وذهب جمع في زمن الغيبة إلى أنه عليه‌السلام حلل حصته من الخمس للشيعة. وهذا القول لا وجه له لعدم ورود رواية صريحة عنه عليه‌السلام بأنه حلل ذلك بل الوارد خلاف ذلك ، لأنه في زمان الغيبة الصغرى وهي نيف وسبعون سنة كان السفراء الأربعة المشهورون يقبضون حصته عليه‌السلام بل جميع الخمس من الشيعة ويصرفونه في المصارف التي أمر بها عليه‌السلام والظاهر أن مثل هذا الزمان يكون الحكم راجعا إلى النائب العام وهم العلماء الربانيون والمحدثون الحاملون لعلومهم فينبغي أن يقبضوها ويصرفوها على السادة الذين هم عياله (عليه‌السلام). ثم أظال بتأييد ذلك بما يدل على إعانة السادة وإكرامهم وسد فقرهم ولا سيما في مثل هذه الأزمان. إلى أن قال : وأكثر العلماء قد صرحوا بأن صاحب الخمس لو تولى دفع حصته (عليه‌السلام) للسادة لم تبرأ ذمته بل يجب عليه دفعها إلى العالم المحدث العادل. وظني أن هذا الحكم جار في جميع الخمس. انتهى.

أقول : لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما أسلفناه من الأخبار والتأمل في معانيها والنظر في ما ذكرناه من الأبحاث المشيدة لمبانيها ما في كلام شيخنا المذكور من الضعف والقصور :

أما أولا ـ فإن صحيحة عمر بن يزيد (١) قد صرحت برد الخمس كملا على مسمع بن عبد الملك وتحليله به ، ومثلها ظواهر جملة روايات القسم الثالث ، فإن جملة منها كالصريح في التحليل لأصل الخمس أو حصتهم (عليهم‌السلام) منه لا يعتريها

__________________

(١) ص ٤٣٠.

٤٦٨

شك ولا شبهة ، ولهذا إن أصحابنا كملا متقدميهم ومتأخريهم إلا الشاذ النادر قد اتفقوا على التحليل بالمعنى الذي ندعيه لما فهموه من هذه الأخبار ، وإنما اختلفوا كما عرفت من ما أسلفناه في عموم التحليل أو تخصيصه بالمناكح أو مع إلحاق المساكن والمتاجر ، وكذا اختلفوا في عمومه بالنسبة إلى جميع ما فيه الخمس أو التخصيص ببعضها ، وكذا اختلفوا في دوام التحليل أو تخصيصه بحال وجودهم (عليهم‌السلام) فأصل التحليل من ما لا إشكال فيه عندهم ، ومن الظاهر أن هذه الاختلافات إنما ترتبت على التحليل بالمعنى الذي ندعيه لا بمعنى جواز التصرف قبل إخراج الخمس كما فسر به الأخبار.

وأما ثانيا ـ فإن ما ذكره في كتاب زاد المعاد ـ من أن الظاهر من الأحاديث المعتبرة. إلى آخره ـ لم يرد إلا في مرسلة أحمد بن محمد ومرفوعة حماد بن عيسى خاصة ، وجل الروايات وأكثرها إنما دلت بعد الوصول إليه على التحليل كما عرفت من روايات القسم الثالث وهي أكثر عددا وأصح سندا وأصرح دلالة.

وأما ما ذكره في رد القول بتحليل حصته عليه‌السلام في زمان الغيبة ـ من أنه لم يرد عنه ما يدل على التحليل ـ فمردود بما نقلناه من التوقيع الذي رواه الصدوق كما قدمناه في القسم الثالث فإنه صحيح صريح في التحليل.

وأما ما استند إليه من أمر السفراء في زمن الغيبة الصغرى فهو قياس مع الفارق فإن مراد أصحابنا بزمان الغيبة هو زمان الغيبة الكبرى التي لا يمكن الوصول إليه فيها بالكلية لا ما توهمه من الغيبة الصغرى ، فإن هذا إنما هو من قبيل الحضور وعدم التمكن من الوصول إليه بمنزلة الإمام الذي يكون في حبس الظلمة كالإمام الكاظم عليه‌السلام مدة كونه في حبس الرشيد (١) بل هذا أظهر في الحضور للتمكن من استعلام الأحكام منه عليه‌السلام في كل ساعة وإن كان بالواسطة بخلاف الكاظم (عليه‌السلام) وبالجملة فإن ما ذكره ليس من محل البحث في شي‌ء.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا الباب ٧ و ٨ ص ٦٩ إلى ١٠٨ الطبع الحديث.

٤٦٩

وأما ثالثا ـ فإن ما اختاره ـ من دفع الخمس كملا أو حصته عليه‌السلام إلى النائب العام في حال الغيبة مع الإغماض عن المناقشة في ما ادعاه من عدم التحليل ـ لا يخلو عندي من نظر وإن كان قد سبقه إلى القول بذلك جملة من الأصحاب بالنسبة إلى حصة الإمام عليه‌السلام فإنا لم نقف له على دليل ، وغاية ما يستفاد من الأخبار نيابته بالنسبة إلى الترافع إليه والأخذ بحكمه وفتاواه وأما دفع الأموال إليه فلم أقف له على دليل لا عموما ولا خصوصا. وقياسه على النواب الذين ينوبونهم (عليهم‌السلام) حال وجودهم لذلك أو لما هو أعمّ منه لا دليل عليه.

ويؤيد ما ذكرناه ما نقلوه عن شيخنا المفيد (قدس‌سره) في المسائل الغرية حيث قال : إذا فقد إمام الحق ووصل إلى الإنسان ما يجب فيه الخمس فليخرجه إلى يتامى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومساكينهم وأبناء سبيلهم وليوفر قسط ولد أبي طالب عليه‌السلام لعدول الجمهور عن صلتهم ولمجي‌ء الرواية عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) بتوفير ما يستحقونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأيتامهم وأبناء سبيلهم.

هذا. مع ما في كلامه أيضا من المناقشات الأخر. وبالجملة فإن كلامه (قدس‌سره) في هذا المقام من أبعد البعيد من مثله من الأعلام ذوي النقض والإبرام.

وأما القولان الأخيران فالكلام فيهما معلوم من ما سبق. والله العالم بحقائق أحكامه وأولياؤه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.

الفصل الثالث

في الأنفال جمع نفل بسكون الفاء وفتحها وهو لغة : الغنيمة والهبة كما ذكره في القاموس ، وقال الأزهري : النفل ما كان زيادة على الأصل. سميت الغنائم بذلك لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم ، وسميت صلاة التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض ، وقال الله تعالى «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ

٤٧٠

نافِلَةً» (١) أي زيادة على ما سأل. والمراد بها شرعا ما يختص به الإمام بالانتقال من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأنا أذكر أولا الأخبار الواردة بذلك ثم أعطف الكلام على تفاصيلها وبيانها :

ومنها ـ ما رواه في الكافي ـ في الصحيح عندي والحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور ـ عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء».

وما رواه فيه في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن وهب (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليه‌السلام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقسم بينهم أربعة أخماس وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام (عليه‌السلام) يجعله حيث أحب».

وما رواه في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (عليه‌السلام) في الحديث المتقدم ذكره (٤) : «وللإمام (عليه‌السلام) صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها : الجارية الفارهة والدابة الفارهة والثوب والمتاع من ما يحب أو يشتهي ، فذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس. إلى أن قال : وله بعد الخمس الأنفال ، والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحا وأعطوا بأيديهم على غير قتال ، وله رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام وكل أرض ميتة لا رب لها ، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب كله

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية ٧٣.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٧١

مردود ، وهو وارث من لا وارث له ، يعول من لا حيلة له».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن فرقد (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) قطائع الملوك كلها للإمام وليس للناس فيها شي‌ء».

وما رواه عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول وسئل عن الأنفال فقال كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عزوجل نصفها يقسم بين الناس ونصفها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو للإمام عليه‌السلام». وروى العياشي في تفسيره عن حريز عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٣).

أقول : ما تضمنه هذان الخبران من كون النصف يقسم بين الناس لعله خرج مخرج التقية أو أن الإمام يقسمه تفضلا وإلا فالأخبار عدا هذين الخبرين متفقة على أنه له (عليه‌السلام) يفعل به ما يحب.

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «أنه سمعه يقول إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا كله من الفي‌ء ، والأنفال لله وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب».

وما رواه الصدوق في الفقيه عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى له؟ فقال : هو من أهل هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ)» (٦).

وما رواه الشيخ عن العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٤) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام. والرواية للشيخ ولم يروها الكليني.

(٦) سورة الأنفال الآية ٢.

٤٧٢

(عليه‌السلام) وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام (عليه‌السلام) الخمس».

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران (١) قال : «سألته عن الأنفال فقال كل أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام (عليه‌السلام) ليس للناس فيها سهم. قال : ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب».

وما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سمعته يقول الفي‌ء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء وقوم صولحوا وأعطوا بأيديهم وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كله من الفي‌ء فهذا لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء وهو للإمام بعد الرسول. وقوله (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) (٣) قال ألا ترى هو هذا؟ وأما قوله : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى (٤) فهذا بمنزلة المغنم كان أبي يقول ذلك ، وليس لنا فيه غير سهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم القربى ثم نحن شركاء الناس في ما بقي».

وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الموثق عن إسحاق بن عمار (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأنفال فقال هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وما كان للملوك فهو للإمام ، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وكل أرض لا رب لها والمعادن منها ، ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال».

وما رواه العياشي في تفسيره عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) في حديث قال : «قلت وما الأنفال؟ قال : بطون الأودية ورءوس الجبال والآجام والمعادن وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكل أرض ميتة قد جلا أهلها وقطائع الملوك».

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٣ و ٤) سورة الحشر الآية ٧.

٤٧٣

وما رواه فيه أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «لنا الأنفال قلت وما الأنفال؟ قال منها المعادن والآجام وكل أرض لا رب لها وكل أرض باد أهلها فهو لنا». إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد عدوا الأنفال وحصروها في جملة أفراد : أحدها ـ الأرض التي تملك من غير قتال سواء انجلى أهلها بمعنى أنهم خرجوا منها وتركوها للمسلمين أو سلموها طوعا بمعنى أنهم مكنوا المسلمين منها مع بقائهم فيها ، ويدل على هذا الفرد ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته وكذا مرفوعة حماد بن عيسى ورواية محمد بن مسلم وموثقته وغيرها من ما ذكرناه وما لم نذكره.

وثانيها ـ الأرضون الموات سواء ملكت ثم باد أهلها أو لم يجر عليها ملك ، قالوا : والمراد بالموات ما لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو نحو ذلك من موانع الانتفاع.

وظاهر تقييدهم باضمحلال أهلها أو عدم جريان الملك عليها أنه لو كان لها مالك معروف لم تكن كذلك.

ويشكل ذلك بما تقدم في صحيحة أبي خالد الكابلي المتقدمة في القسم الرابع من أخبار الخمس (٢) وقوله عليه‌السلام فيها بعد أن ذكر أن الأرض كلها لهم (عليهم‌السلام) «فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها ، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها. الخبر» فإن ظاهره كما ترى أنه بإعراض الأول عنها ورفع يده منها ولا سيما إذا أخربها فإنها تعود إلى ما كانت عليه من الرجوع إلى الإمام والدخول

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٢) ص ٤٣٥.

٤٧٤

في الأنفال فيجوز التصرف فيها لكل من أحياها ، وبذلك أيضا صرح جملة من الأصحاب كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب إحياء الموات.

وكيف كان فقد تقدم في الأخبار ما يدل على هذا الفرد أيضا كالرواية الأولى والرواية الثالثة ، وفيها التقييد بما باد أهلها ، ويمكن حمله على الأهل المالكين لها بالإرث أو الشراء أو نحو ذلك لا بالإحياء ، لما ذكرناه من الصحيحة المتقدمة والرواية السابعة والعاشرة والحادية عشرة ـ وقد عبر عنها بالأرض التي لا رب لها ـ والثانية عشرة.

وثالثها ـ رءوس الجبال وما يكون بها وكذا بطون الأودية والآجام ، والأجمة الشجر الملتف والجمع أجم مثل قصبة وقصب ، والآجام جمع الجمع ، كذا ذكره في كتاب المصباح المنير.

وإطلاق النصوص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي اختصاصه عليه‌السلام بهذه الأنواع الثلاثة من أي أرض كانت ، ومنع ابن إدريس من اختصاصه بذلك على الإطلاق بل قيده بما يكون في موات الأرض أو الأرضين المملوكة للإمام عليه‌السلام ورده الشهيد في البيان بأنه يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين.

قال في المدارك بعد نقل كلام الشهيد المذكور : وهو جيد لو كانت الأخبار المتضمنة لاختصاصه عليه‌السلام بذلك على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم لكنها ضعيفة السند ، فيتجه المصير إلى ما ذكره ابن إدريس قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق. انتهى.

وقال المحقق في المعتبر : قال الشيخان رءوس الجبال والآجام من الأنفال. وقيل : المراد به ما كان في الأرض المختصة به. وظاهر كلامهما الإطلاق ولعل مستند ذلك رواية الحسن بن راشد عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام (١) قال : «وله رءوس

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام رقم ٤ وهي مرسلة حماد

٤٧٥

الجبال وبطون الأودية والآجام». والراوي ضعيف. انتهى. وظاهره الميل إلى قول ابن إدريس.

أقول : من الأخبار المشتملة على هذه الثلاثة زيادة على رواية الحسن بن راشد التي ذكرها مرفوعة حماد بن عيسى الطويلة المذكورة في ما قدمناه من الأخبار.

ومنها ـ ما اشتمل على رءوس الجبال وبطون الأودية وهي مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى من ما لم نذكره هنا لقوله عليه‌السلام (١) فيها «وبطون الأودية ورءوس الجبال والموات كلها هي له. الخبر».

وما رواه الشيخ المفيد في المقنعة عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام. إلى أن قال : «وسألته عن الأنفال فقال كل أرض خربة أو شي‌ء كان يكون للملوك وبطون الأودية ورءوس الجبال وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكل ذلك للإمام خالصا».

وقد تقدم في رواية داود بن فرقد المروية في تفسير العياشي عد الثلاثة المذكورة وفي روايته الثانية عد المعادن والآجام ، وقد تقدم في صحيحة حفص وفي صحيحة محمد بن مسلم وموثقته عد بطون الأودية.

وبذلك يظهر لك ضعف ما صار إليه في المدارك ومثله صاحب المعتبر وأنه غير معتمد ولا معتبر.

ورابعها ـ صوافي ملوك الحرب وقطائعهم ما لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد ، والمراد بالقطائع الأرض التي تختص به ، والصوافي ما يصطفيه من الأموال

__________________

بطريق الشيخ فإنه يرويها بسنده عن الحسن بن راشد عن حماد. وقد ذكر صاحب الوسائل هنا طريق الكليني وأشار إلى طريق الشيخ بقوله «ورواه الشيخ كما مر» وهو إشارة إلى ما ذكره في ذيل الحديث (٨) من الباب ١ من قسمة الخمس حيث تعرض لطريق الشيخ تفصيلا. فإضافته (قدس‌سره) مرفوعة حماد يمكن أن يكون بالنظر إلى طريق الكليني.

(١) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام رقم ١٧.

(٢) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٧٦

يعني يختص به ، ومرجع الجميع إلى أن كل ما يختص به سلطان دار الحرب من ما لا ينقل ولا يحول أو من ما ينقل فهو للإمام (عليه‌السلام) كما كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويدل عليه ما تقدم في مرفوعة حماد بن عيسى وصحيحة داود بن فرقد وموثقة سماعة بن مهران وموثقة إسحاق بن عمار برواية علي بن إبراهيم وكذا في رواية العياشي الأولى.

وخامسها ـ ما يصطفيه من الغنيمة بمعنى أن له أن يصطفي من الغنيمة قبل القسمة ما يريد من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك.

والروايات به متكاثرة : منها ـ ما تقدم في مرسلة حماد بن عيسى ، ومنها صحيحة ربعي بن عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له. إلى أن قال في آخر الرواية : وكذلك الإمام (عليه‌السلام) يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن صفو المال قال : الإمام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفاره والسيف القاطع والدرع قبل أن تقسم الغنيمة ، فهذا صفو المال».

وموثقة أبي الصباح (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو المال. الحديث». والظاهر أن عطف صفو المال على الأنفال من قبيل عطف الخاص على العام تنبيها على مزيد اختصاصه بهم (عليهم‌السلام) ردا على العامة حيث إنهم يقولون باختصاص ذلك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسقوطه بعده (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٢) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٣) الوسائل الباب ٢ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٤) المغني ج ٦ ص ٤٠٩ وبدائع الصنائع ج ٧ ص ١٢٥.

٤٧٧

وسادسها ـ غنيمة من غنم بغير إذنه ، ذكر ذلك الشيخان والمرتضى وابن إدريس وغيرهم وادعى عليه ابن إدريس الإجماع.

ورده المحقق في المعتبر فقال : وبعض المتأخرين يستسلف صحة الدعوى مع إنكاره العمل بخبر الواحد فيحتج لقوله بدعوى إجماع الإمامية ، وذلك مرتكب فاحش إذ هو يقول إن الإجماع إنما يكون حجة إذا علم أن الإمام عليه‌السلام في الجملة فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه فلا يكون علمه حجة على من لم يعلم. وظاهره في النافع التوقف حيث ذكر الحكم المذكور ثم قال : والرواية مقطوعة. وفي الشرائع وافق المشهور.

وقوى العلامة في المنتهى مساواة ما يغنم بغير إذن الإمام عليه‌السلام لما يغنم بإذنه.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد لإطلاق الآية الشريفة (١) وخصوص حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال يؤدي خمسها وتطيب له». انتهى.

وأيده بعضهم أيضا بقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدمة في بحث خمس الأرباح في عداد ما يجب فيه الخمس (٣) «ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله».

أقول : والظاهر أن منشأ هذا الخلاف إنما هو من حيث إنهم لم يقفوا على دليل لهذا الحكم إلا مرسلة العباس الوراق المتقدمة (٤) وهي ضعيفة باصطلاحهم سيما مع معارضتها بظاهر حسنة الحلبي المذكورة ، وأنت خبير بأنه قد تقدم في صحيحة معاوية ابن وهب أو حسنته بإبراهيم بن هاشم ما يدل على ما دلت عليه رواية الوراق وحينئذ فلا يتم لهم الطعن في دليل القول المشهور بضعف السند بناء على أنه لا دليل عليه إلا الرواية التي ذكروها لصحة هذه الرواية التي ذكرناها كما هو الحق وبه صرح جملة من محققي الأصحاب أو

__________________

(١) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال ٢ لآية ٤٣.

(٢) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس.

(٣) ص ٤٣٩.

(٤) ص ٤٧٢.

٤٧٨

حسنها الذي يعدونه أيضا في مرتبة الصحيح فإنه لا راد منهم لرواية علي بن إبراهيم وإن عدوها في الحسن ، إلا أن صاحب المدارك كلامه مضطرب فيه ولا عبرة به ، على أن هذا الطعن لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله من المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح عندهم.

بقي الكلام في ما دلت عليه حسنة الحلبي ويمكن حملها على تحليله عليه‌السلام لذلك الرجل بخصوصه حيث أنه من الشيعة حقه من ذلك دون الحق المشترك بينه وبين غيره.

وأما التأييد بما في صحيحة علي بن مهزيار فالظاهر بعده بل الظاهر أن المراد بالعدو هنا إنما هو المخالف كما أشرنا إليه سابقا لا الكافر المشرك.

وسابعها ـ ميراث من لا وارث له ، قال في المنتهى : ذهب علماؤنا أجمع إلى أنه يكون للإمام خاصة ينقل إلى بيت ماله وخالف فيه الجمهور كافة (١)

ويدل على ذلك ما تقدم (٢) من رواية أبان بن تغلب ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «من مات وليس له وارث من قبل قرابته ولا مولى عتاقة ولا ضامن جريرة فماله من الأنفال».

وفي رواية حماد بن عيسى الطويلة (٤) قال : «وهو وارث من لا وارث له».

وثامنها ـ المعادن قاله الشيخان وبه صرح ثقة الإسلام في الكافي ونقله في المختلف أيضا عن سلار ونقله بعض أفاضل متأخري المتأخرين عن علي بن إبراهيم

__________________

(١) في المغني ج ٦ ص ٣٠٣ : ومتى مات الذمي ولا وارث له كان ماله فيئا ، وكذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس له وارث إلا أحد لزوجين فإن الفاضل عن ميراثه يكون فيئا ، لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميّت المسلم الذي لا وارث له.

(٢) ص ٤٧٢.

(٣) الوسائل الباب ٣ من ولاء ضمان الجريرة والإمامة.

(٤) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٧٩

ابن هاشم ، ولعله لروايته ذلك في كتاب التفسير كما قدمناه (١) وإلا فلم أقف على من نسبه إليه.

وقال المحقق في المعتبر بعد نقل ذلك عن الشيخين : فإن كانا يريدان ما يكون في الأرض المختصة به أمكن أما ما يكون في أرض لا تختص بالإمام فالوجه أنه لا يختص به لأنه أموال مباحة تستحق بالسبق إليها والإخراج لها ، والشيخان يطالبان بدليل ما أطلقاه. انتهى.

أقول : دليلهما ما تقدم في رواية علي بن إبراهيم وروايتي العياشي ولكنه (قدس‌سره) لم يقف على هذه الأخبار.

فإن قيل : إن وجوب الخمس في المعادن كما تقدم ينافي ما ذهبوا إليه من كونها للإمام عليه‌السلام إذ لا معنى لوجوب الخمس في ماله (عليه‌السلام) على الغير.

قلت : إن في عبارة شيخنا المفيد في المقنعة وكذا عبارة شيخنا ثقة الإسلام ما يتضمن الجواب عن ذلك حيث صرحا بعد عد الآجام والمعادن والمفاوز والبحار بأن من عمل في شي‌ء منها بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس وللإمام خمس يعمل فيه ما يعمل في الخمس الذي تقدم البحث فيه ومن عمل فيها بغير إذنه فالجميع للإمام ، وعلى هذا فتحمل لأخبار وجوب الخمس في المعادن على ما إذا وقع التصرف فيها بإذنه (عليه‌السلام) وبالجملة فإنه يصير الحكم فيها عين ما تقدم في الغنيمة بإذنه وبغير إذنه. نعم يبقى الكلام في أن هذا التفصيل الذي ذكراه (رضي‌الله‌عنهما) إنما يجري حال وجوده (عليه‌السلام) والحال أن لأخبار وجوب الخمس في المعادن وغيرها من ما تقدم دالة على العموم والاستمرار في جميع الأوقات ، ومقتضى ما سيأتي بيانه إن شاء الله من حل الأنفال للشيعة زمان الغيبة سقوط الخمس منها وهو خلاف ظواهر تلك الأخبار.

والجواب أن وجوب الخمس تابع لمشروعية التصرف الذي يحصل حال وجود الإمام عليه‌السلام بإذنه وحال غيبته بتحليله ، وكون ذلك من الأنفال مع تحليل

__________________

(١) ص ٤٧٣.

٤٨٠