الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

أن هذا القول بعيد من الصواب لضعف الأدلة المقاومة لنص القرآن ، والإجماع على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه. والقول بالدفن أيضا بعيد. والقول بإيصائه بالجميع إلى من يوثق به عند إدراك المنية لا يخلو من ضعف لما فيه من منع الهاشميين من نصيبهم مع شدة حاجتهم وكثرة فاقتهم وعدم ما يتعوضون به من الخمس. والأقرب في ذلك قسمة الخمس نصفين فالمختص باليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يفرق عليهم على حسب حاجتهم والمختص بالإمام عليه‌السلام يحفظ إلى أن يظهر عليه‌السلام فيسلم إليه إما بإدراكه أو بالإيصاء من ثقة إلى ثقة إلى أن يصل إليه عليه‌السلام وهل يجوز قسمته في المحاويج من الذرية كما ذهب إليه جملة من علمائنا؟ الأقرب ذلك لما ثبت بما تقدم من الأحاديث إباحة البعض للشيعة حال حضورهم فإنه يقتضي أولوية إباحة أنسابهم (عليهم‌السلام) مع الحاجة حال غيبة الإمام ، ولاستغنائه عليه‌السلام واحتياجهم ، ولما سبق من أن حصتهم لو قصرت عن حاجتهم لكان على الإمام عليه‌السلام الإتمام من نصيبه حال حضوره فإن وجوب هذا حال ظهوره يقتضي وجوبه حال غيبته عليه‌السلام فإن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه الحق خصوصا إذا كان لله تعالى. انتهى.

السادس ـ ما تقدم أيضا بالنسبة إلى حصة الأصناف وأما حصته عليه‌السلام فتقسم على الذرية الهاشمية ، وقد استقربه في المختلف كما تقدم في عبارته ونقله عن جماعة من علمائنا ، وهو اختيار المحقق في الشرائع والشيخ علي في حاشيته على الكتاب وهو المشهور بين المتأخرين كما نقله شيخنا الشهيد الثاني في الروضة ، ونقل عن شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني أنه اختاره أيضا ، ووجهه معلوم من ما سبق في كلام المختلف ، وعلله المحقق في الشرائع بالتعليل الأخير في كلام المختلف ومرجع هذا القول إلى قسمة الجميع في الأصناف إلا أنهم قد خصوا تولي قسمة حصة الإمام عليه‌السلام بالفقيه النائب عنه عليه‌السلام كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

السابع ـ صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة أيضا وأما حصته عليه‌السلام فيجب

٤٤١

إيصالها مع الإمكان وإلا فتصرف إلى الأصناف ومع تعذر الإيصال وعدم حاجة الأصناف تباح للشيعة ، وهو اختيار المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل.

الثامن ـ ما تقدم من صرف حصة الأصناف عليهم وأما حصته عليه‌السلام فيسقط إخراجها لإباحتهم (عليهم‌السلام) ذلك للشيعة.

وهو ظاهر السيد السند في المدارك حيث قال : والأصح إباحة ما يتعلق بالإمام عليه‌السلام من ذلك للأخبار الكثيرة الدالة عليه. ثم ساق بعضا من الأخبار التي في التحليل. إلى أن قال : وكيف كان فالمستفاد من الأخبار إباحة حقوقهم (عليهم‌السلام) من جميع ذلك. والله تعالى أعلم. انتهى. وهو مذهب المحدث الكاشاني في المفاتيح.

والعجب من شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني في كتاب منية الممارسين أنه نقل أن مذهبه وكذا مذهب الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صرف الجميع على الأصناف الثلاثة ، وتعجب منهما في خروجهما عن أخبار التحليل وإطراحها رأسا مع أنهما من الأخباريين ، ولا ريب أن مذهب الشيخ الحر يرجع بالأخرة إلى ما ذكره كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، وأما مذهب المحدث الكاشاني فهو ما ذكرناه لا ما توهمه (قدس‌سره) نعم جعل ما ذكره طريق الاحتياط.

قال في كتاب المفاتيح بعد الإشارة إلى جملة من أقوال المسألة : أقول والأصح عندي سقوط ما يختص به عليه‌السلام لتحليلهم (عليهم‌السلام) ذلك لشيعتهم ووجوب صرف حصص الباقين إلى أهلها لعدم مانع منه. ثم قال : ولو صرف الكل إليهم لكان أحوط وأحسن. انتهى.

ومثله كلامه في الوافي أيضا حيث قال بعد ذكر الكلام في زمن الحضور : وأما في مثل هذا الزمان حيث لا يمكن الوصول إليهم (عليهم‌السلام) فيسقط

٤٤٢

حقهم رأسا دون السهام الباقية لوجود مستحقيها ، ومن صرف الكل حينئذ إلى الأصناف الثلاثة فقد أحسن واحتاط. والعلم عند الله. انتهى.

وهذا القول عندي هو الأقرب على تفصيل فيه كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى

التاسع ـ كسابقه إلا أنه خص صرف حصته عليه‌السلام بمواليه العارفين وهو منقول عن ابن حمزة ، قال : والصحيح عندي أنه يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح والسداد. انتهى.

العاشر ـ تخصيص التحليل بخمس الأرباح فإنه للإمام عليه‌السلام دون سائر الأصناف وأما سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينهم (عليهم‌السلام) وبين الأصناف ، وهو اختيار المحقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في كتاب منتقى الجمان حيث قال في ذيل صحيحة الحارث النصري المتقدمة ما هذا لفظه : لا يخفى قوة دلالة هذا الحديث على تحليل حق الإمام عليه‌السلام في خصوص النوع المعروف في كلام الأصحاب بالأرباح ، فإذا أضفته إلى الأخبار السابقة الدالة بمعونة ما حققناه على اختصاصه عليه‌السلام بخمسها عرفت وجه مصير بعض قدمائنا إلى عدم وجوب إخراجه بخصوصه في حال الغيبة وتحققت أن استضعاف المتأخرين له ناشئ من قلة الفحص عن الأخبار ومعانيها والقناعة بميسور النظر فيها. انتهى. وأشار بقوله «بمعونة ما حققناه» إلى ما ذكره في الجواب عن الإشكالات الواردة في صحيحة علي بن مهزيار كما قدمنا نقله عنه (١) وأشرنا إلى ما فيه ، وسيأتي مزيد إيضاح لضعفه إن شاء الله تعالى.

الحادي عشر ـ عدم إباحة شي‌ء بالكلية حتى من المناكح والمساكن والمتاجر التي جمهور الأصحاب على تحليلها بل ادعي الإجماع على إباحة المناكح ، وهو مذهب ابن الجنيد فإنه قال : وتحليل من لا يملك جميعه عندي غير مبرئ من وجب عليه حق منه لغير المحلل ، لأن التحليل إنما هو في ما يملكه المحلل لا في ما لا يملك وإنما إليه

__________________

(١) ص ٣٥٥ و ٣٥٦.

٤٤٣

ولاية قبضه وتفريقه في الأهل الذين سماه الله لهم.

الثاني عشر ـ قصر أخبار التحليل على جواز التصرف في المال الذي فيه الخمس قبل إخراج الخمس منه بأن يضمن الخمس في ذمته ، وهو مختار شيخنا المجلسي (قدس‌سره) كما سيأتي نقل كلامه إن شاء الله تعالى.

الثالث عشر ـ صرف حصة الأصناف عليهم والتخيير في حصته عليه‌السلام بين الدفن والوصية على الوجه المتقدم وصلة الأصناف مع الإعواز بإذن نائب الغيبة وهو الفقيه ، وهذا مذهب الشيخ الشهيد في الدروس ، ووجهه معلوم من ما سبق في الأقوال المتقدمة.

الرابع عشر ـ صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة وجوبا أو استحبابا وحفظ نصيب الإمام عليه‌السلام إلى حين ظهوره ، ولو صرفه العلماء إلى من يقصر حاصله من الأصناف كان جائزا ، وهو اختيار الشهيد في البيان ، ووجهه أيضا يظهر من ما سبق

المقام الثالث ـ في تحقيق القول في المسألة وبيان ما هو المختار من هذه الأقوال وأن ما عداه خارج عن سمت الاعتدال :

فأقول : اعلم أولا ـ أيدك الله ـ أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحليل المناكح والمساكن والمتاجر في زمن الغيبة.

وفسرت المناكح بالجواري التي تسبى من دار الحرب فإنه يجوز شراؤها ووطؤها وإن كانت بأجمعها للإمام (عليه‌السلام) إذا غنمت من غير إذنه أو بعضها مع الإذن.

قال في الدروس : وليس ذلك من باب تبعيض التحليل بل تمليك الحصة أو الجميع من الإمام (عليه‌السلام). انتهى. وهو جيد.

وفسرها بعضهم بمهر الزوجة وثمن السراري من الربح ، وهو يرجع إلى المئونة المستثناة من وجوب الخمس في الأرباح كما تقدم.

وظاهر الدروس استثناء مهر الزوجة من جميع ما يجب فيه الخمس. أقول :

٤٤٤

وهو الأقرب إلى ظاهر الأخبار الدالة على التحليل المعلل بطيب الولادة (١) وتخصيصه بمهر الزوجة لا وجه له بل وكذا ثمن الجواري التي للنكاح كما هو ظاهر الأخبار المشار إليها.

والعلامة في المنتهى نقل إجماع علمائنا على إباحة المناكح حال ظهور الإمام (عليه‌السلام) وغيبته ، إلا أن الظاهر من كلام ابن الجنيد كما قدمنا نقل عبارته وكذا ظاهر عبارة أبي الصلاح المتقدمة خلاف ذلك.

أقول : ومن ما يدل على ما ذكروه هنا من استثناء المناكح ظواهر جملة من الأخبار المتقدمة في القسم الثالث المعلل فيها التحليل بطيب الولادة (٢) ودخول الزنا على العامة وإن أولادهم أولاد زنى لعدم تحليلهم ، وخصوص رواية أبي خديجة سالم بن مكرم (٣).

وأما المساكن والمتاجر فألحقهما الشيخ ومن تأخر عنه بالمناكح ، واختلف من تأخر عنه في المراد منهما فقيل إن المراد بالمساكن ما يختص بالإمام (عليه‌السلام) من الأرض أو من الأرباح بمعنى أنه يستثنى من الأرباح مسكن فما زاد مع الحاجة ، ومرجع الأول إلى الأنفال المباحة في زمان الغيبة والثاني إلى المئونة المستثناة من الأرباح ، قيل ولا يبعد أن يكون المراد بها ثمن المساكن من ما فيه الخمس مطلقا. وفسرت المتاجر بما يشترى من الغنيمة المأخوذة من أهل الحرب في حال الغيبة وإن كانت بأسرها أو بعضها للإمام (عليه‌السلام) وهو يرجع إلى الأنفال ، لأن الغنيمة المأخوذة زمان الغيبة من الأنفال كما يأتي إن شاء الله تعالى. وفسرها ابن إدريس بشراء متعلق الخمس ممن لا يخمس فلا يجب على المشتري إخراج الخمس إلا أن يتجر فيه ويربح. وفسرها بعضهم بما يكتسب من الأرض والأشجار المختصة به (عليه‌السلام) وهذا يرجع إلى الأنفال.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٣) ص ٤٣٠.

٤٤٥

ولا بأس بنقل ملخص بعض عباراتهم ، قال شيخنا المفيد في المقنعة عقيب ما روى من أحاديث الرخصة : واعلم أرشدك الله أن ما قدمته في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمّة (عليهم‌السلام) لتطيب ولادة شيعتهم ولم يرد في الأموال ، وما أخرته عن المتقدم من ما جاء في التشديد في الخمس والاستبداد به فهو يختص بالأموال ، وقد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة. إلى آخر الكلام الذي تقدم نقله عنه في أول المقام الثاني.

وظاهره (قدس‌سره) الجمع بين الأخبار الدالة على التحليل (١) والدالة على عدمه (٢) بحمل الأولة على المناكح يعني المأخوذ من سبي الكفار من ما هو للإمام عليه‌السلام كلا أو بعضا أو ما صرف في المناكح من جميع ما يجب فيه الخمس كما قدمنا ذكره وذكرنا أنه الظاهر من الأخبار وحمل الأخبار الأخر على الأموال أي التصرف في الأموال بأنواع التصرفات. وكلامه (قدس‌سره) مقصور على استثناء المناكح خاصة

وقال الشيخ في النهاية بعد أن صرح بالمنع من التصرف في حصته (عليه‌السلام) بغير إذنه حال الحضور : وأما حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم (عليهم‌السلام) من ما يتعلق بالأخماس وغيرها في ما لا بد لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن ، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال. ثم ذكر الاختلاف الذي قدمنا نقله عنه في المقام الثاني. ونحو ذلك كلامه في التهذيب.

وأنت خبير بأن ما قدمناه من الأخبار الدالة على التحليل في القسم الثالث أكثرها دال على التحليل في المناكح من حيث التعليلات فيها بطيب الولادة وما عدا ذلك فهو مطلق ، فأما أن يحمل على تلك الأخبار الظاهرة التقييد بالمناكح ، أو يعمل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٤٦

به على إطلاقه كما هو أحد الأقوال في المسألة ، وبذلك يظهر أنه ليس لما ادعاه الشيخ ومن تبعه من تحليل الخمس لخصوص المساكن والمتاجر دليل من الأخبار المذكورة. نعم لو فسرت المساكن والمتاجر بما يرجع إلى الأنفال فلا إشكال في التحليل لما سيأتي إن شاء الله لكنه خارج عن محل البحث كما لا يخفى.

إلا أنه قد روى صاحب كتاب عوالي اللئالي في الكتاب المذكور مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) ما يدل على ذلك (١) قال : «روي عن الصادق (عليه‌السلام) أنه سأله بعض أصحابه فقال يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما حال شيعتكم في ما خصكم الله إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال عليه‌السلام ما أنصفناهم إن آخذناهم ولا أحببناهم إن عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم ونبيح لهم المتاجر لتزكو أموالهم». وهو كما ترى صريح في المدعى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر لي من أخبار هذه المسألة ويقرب إلى فكري الكليل وذهني العليل هو أن يقال إن الظاهر من الآية (٢) والأخبار المتقدمة في القسم الأول والقسم الثاني هو نقل الخمس كملا إليهم (عليهم‌السلام) حال وجودهم والتمكن منهم أو وكلائهم وعدم التصرف فيه بغير إذنهم ، وكون ذلك على وجه الوجوب أو الاستحباب احتمالان أقربهما الأول ، ولا يجب علينا تطلب ما يفعلونه فيه بعد إيصاله إليهم ، إلا أن المفهوم من أخبارهم (عليهم‌السلام) أنهم ربما أباحوا به الناقل وحللوه به كملا كما هو صريح حديث مسمع ومفهوم حديث علباء الأسدي (٣) على احتمال ، وربما أنفقوا منه على الأصناف كما يدل عليه أخبار قسمة الخمس بينهم وبين الأصناف وأنهم يعطونهم منه قدر الكفاية فإن زاد فهو لهم وإن نقص فهو عليهم (٤) وعلى ذلك يدل ظاهر الآية. وأما في حال الغيبة فالظاهر

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٢) وهي قوله تعالى «واعلموا أنما غنمتم ...» سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٣) ص ٤٣٠ و ٤٣٣ وقد تقدم أن الراوي هو الحكم بن علباء الأسدي.

(٤) الوسائل الباب ٣ من قسمة الخمس.

٤٤٧

عندي هو صرف حصة الأصناف عليهم كما عليه جمهور أصحابنا في ما مضى من نقل أقوالهم عملا بما دل على ذلك من الآية والأخبار المتقدمة في القسم الأول المؤكدة بالأخبار المذكورة في القسم الثاني ، فيجب إيصالها إليهم لعدم المانع من ذلك. وأما حقه عليه‌السلام فالظاهر تحليله للشيعة للتوقيع عن صاحب الزمان عليه‌السلام المتقدم في أخبار القسم الثالث (١) والاحتياط في صرفه على السادة المستحقين.

بقي الكلام في بعض أخبار القسم الثالث فإنه ربما دل على التحليل من الخمس كملا في زمن وجودهم وغيبتهم (عليهم‌السلام) إلى يوم القيامة ، وهو مشكل جدا لمنافاته لظاهر الآية والأخبار المتقدمة في القسم الأول والثاني ، بل أخبار القسم الثاني ما بين صريح وظاهر كالصريح في رد ذلك باعتبار زمان وجودهم (عليهم‌السلام) كما علمت من كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي والخبرين المرويين عنه (عليه‌السلام) أيضا وصحيح إبراهيم بن هاشم المروي عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢).

وأما ما أجاب به شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (قدس‌سره) عن خبري محمد بن زيد الطبري المتقدمين (٣) ـ حيث إنه ممن اختار العمل بأخبار التحليل مطلقا من أن الخمس حقه (عليه‌السلام) فله الخيار إن شاء أباحه وإلا فلا ـ فهو مع الإغماض عن المناقشة في كون الخمس كملا حقه (عليه‌السلام) خروج عن محل البحث ، لأن الفرض أن تلك الأخبار بحسب ظاهرها دالة على أن الخمس مباح للشيعة مطلقا كما اختاره (قدس‌سره) وجنح إليه وحينئذ فلا يحتاج في حله إلى رجوع إلى الإمام (عليه‌السلام) ولا إلى استئذانه فيه ، ومقتضى كلامه هنا أنه يجب الرجوع إلى الإمام (عليه‌السلام) واستئذانه فإن أباحه كان مباحا وإلا فلا ، وهذا من ما لا إشكال فيه كما أسلفناه ، وهذا هو الذي اخترناه في صدر الكلام بالنسبة إلى وقت وجودهم (عليهم‌السلام) من أنه يجب إيصاله إليهم واستئذانهم فيه ، ولكنه خارج عن ظواهر تلك الأخبار المشار إليها لأن ظاهرها كما عرفت هو التحليل مطلقا إلى يوم القيامة من غير مراجعة إلى الإمام (عليه‌السلام) وإن

__________________

(١) ص ٤٣١.

(٢) ص ٤٢٥ و ٤٢٦ و ٤٢٧.

(٣) ص ٤٢٦.

٤٤٨

كان موجودا. ومقتضى كلامه هنا أن التحليل مخصوص بما يتعلق بذلك الإمام بخصوصه وزمانه دون زمن غيره من الأئمّة (عليهم‌السلام) وأنه في كل عصر يحتاج إلى الرجوع إلى إمام ذلك العصر واستئذانه ، وهو خلاف ظاهر إطلاق تلك الأخبار التي استند إليها.

ومن ما ذكرنا يعلم أيضا بطلان ما أجاب به الفاضل الخراساني في الذخيرة ، حيث إنه ممن ذهب إلى القول بالتحليل مطلقا كما مضى ويأتي ، حيث نقل حديث محمد بن زيد المذكور وقال بعد الطعن في السند : ويمكن الجمع بينه وبين الأخبار السابقة بعد الإغماض عن سنده بحمله على الرجحان والأفضلية وحمل الأخبار السابقة على أصل الجواز والإباحة ، وبأن الترخيص والتحليل في أمر الخمس بيدهم (عليهم‌السلام) فيجوز استثناء بعض الأفراد والأشخاص في بعض الأزمان عن عموم التحليل والترخيص لمصلحة دعت إلى ذلك وحكمة تقتضيه ، وذلك لا يقتضي انتفاء حكم التحليل وزواله عن أصله. انتهى.

وفيه أولا ـ أن ما دلت عليه رواية الطبري المذكورة ليس منحصرا فيها حتى أنه بالطعن فيها بما ذكره من ضعف السند وتأويله لها يتم ما ذكره بل الدال على ذلك جملة من الأخبار كما عرفت في القسم الثاني منها الصحيح وغيره.

وثانيا ـ أن ما ذكره من حمل الخبر على الرجحان والأفضلية دون الوجوب ينافي لفظ الخبر المذكور ، فإن سياقه صريح أو كالصريح في وجوب أداء الخمس لقوله في الرواية التي بطريق الكليني (١) «ما أمحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقا جعله الله لنا. لا نجعل أحدا منكم في حل». فأي صراحة في عدم التحليل ووجوب الإخراج أبلغ من هذا الكلام. ونظيره ما في صحيحة إبراهيم بن هاشم (٢) وقوله عليه‌السلام «ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا».

وثالثا ـ أن قوله ـ وبأن الترخيص والتحليل في أمر الخمس بيدهم (عليهم

__________________

(١) ص ٤٢٦.

(٢) ص ٤٢٧.

٤٤٩

السلام). إلى آخره ـ فيه ما عرفت آنفا من أن مقتضاه وجوب الرجوع في كل عصر إلى إمامه واستئذانه فإن أذن صح التحليل وإلا فلا ، وهو خلاف ظاهر الأخبار التي استند إليها من الدلالة على التحليل إلى يوم القيامة كما ذهب إليه. على أن صحيحة علي بن مهزيار لا خصوصية لها بشخص بخصوصه ليتم هذا الحمل فيها ، وكذلك ما ذكره عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي بل هو عام لكل من وجب عليه الخمس بأن يوصله إليه عليه‌السلام أو إلى وكيله.

وبالجملة فإن ما ذكروه من الجواب عن هذه الأخبار لا أعرف له وجها بل هي صريحة الدلالة واضحة المقالة في وجوب إيصال الخمس إليهم (عليهم‌السلام) وأنه لا تحليل فيه ولا إباحة فهي ظاهرة المنافاة لتلك الأخبار ، إلا أنك قد عرفت أن البحث عن ذلك زمان وجودهم (عليهم‌السلام) لا ثمرة له فإنهم (عليهم‌السلام) يحللون من يريدون بما يريدون ولا اعتراض عليهم ولا نزاع معهم لما دلت عليه أخبار القسم الرابع من أن الأرض وما خرج منها لهم (عليهم‌السلام) ولكن الواجب في كل وقت الرجوع إلى إمامه عليه‌السلام لأن الأمر له فلا بد من الرجوع إليه.

وإنما الكلام في زمن الغيبة والمرجع فيه إلى صاحب الزمان (عجل الله فرجه) والذي وصل لنا منه عليه‌السلام التوقيع الذي تقدم في أخبار القسم الثالث رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن إسحاق بن يعقوب المشتمل على أن الخمس قد أبيح لشيعتنا وقد جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث (١).

والتوقيع الآخر الذي تقدم في أخبار القسم الثاني برواية الصدوق في الكتاب المذكور من مسائل محمد بن جعفر الأسدي (٢) الدال بظاهره على التحريم وعدم الإباحة ، وربما أوهم ظاهر كل منهما المنافاة للآخر والتحقيق أنه لا منافاة إذ الظاهر هو العمل بالتوقيع الدال على التحليل المعتضد بما استفاض عن آبائه (عليهم‌السلام)

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام ، وفيه «إلى أن يظهر أمرنا».

(٢) ص ٤٢٧.

٤٥٠

في ذلك ، وأما التوقيع الآخر فالظاهر حمله على المخالفين وأعداء الدين لترتيبه عليه‌السلام المنع واللعن على من أكل أموالهم مستحلا وتصرف فيها تصرفه في ماله ، فإنه ينادي بظاهره أن هذا المتصرف لا يثبت له مالا ولا يعترف له بحق بل يرى ذلك حلالا كسائر أمواله والشيعة إنما تصرفوا بالإذن منه (عليه‌السلام) معترفين بأن ذلك حقه ولكن لما أباحه لهم تصرفوا فيه بالإذن منه والإباحة فالفرق واضح ، وقد وقع الإشارة بذلك إلى المخالفين في كثير من الأخبار المتقدمة مثل قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في صحيحة الفضلاء (١) «هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا. الحديث». ومثله غيره. نعم ظاهر توقيع التحليل هو التحليل في مجموع الخمس ولكن مقتضى الجمع بينه وبين الأدلة التي قدمناها من الآية والروايات الدالة على أن النصف للأصناف الثلاثة (٢) تخصيص التحليل بحقه (عليه‌السلام) وسياق الكلام قبل هذه العبارة في أمواله (عليه‌السلام) والتجوز في التعبير باب واسع ، فقوله «وأما الخمس» يعني وأما حقنا من الخمس ، ومجموع الخمس وإن أضيف إليهم (عليهم‌السلام) في جملة من الأخبار إلا أن المراد باعتبار كون النصف لهم أصالة والنصف الآخر ولاية ، وحينئذ فيجب دفع حصة الأصناف إليهم للأدلة المشار إليها سيما مع دلالة جملة من النصوص على أن الخمس جعله الله لهم عوضا عن الزكاة التي حرمها عليهم (٣) فكيف يجوز أن يحرموا من العوض والمعوض؟ وبالجملة فهذا القول عندي أظهر الأقوال ولكني مع ذلك أحتاط بالدفع إلى مستحقي السادة غالبا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا بد من عطف الكلام على الأقوال المتقدمة وبيان صحيحها من فاسدها ورائجها من كاسدها :

فنقول : أما القول الأول وهو عزل الخمس كملا والوصية به إلى أن يصل إليه

__________________

(١) ص ٤٢٩.

(٢) ص ٣٧٠.

(٣) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

٤٥١

عليه‌السلام ففيه أولا ـ أنه لم يقم عليه دليل يركن إليه ولا برهان يعتمد عليه ، وظاهر قائله أنه إنما صار إليه عملا بالاحتياط لأنه لم يرسم فيه شي‌ء يجب الرجوع إليه ، والظاهر أنه خلاف الاحتياط في حصة الأصناف ، لأن مقتضى الأدلة استحقاقهم لها ووجوب إيصالها إليهم ولا مانع منه ولا صارف عنه إلا ما ربما يتوهم من أن المتولي لصرفها هو الإمام عليه‌السلام وهو محمول على حال وجوده عليه‌السلام فإنا قد حكمنا بإيصال الجميع إليه كما تقدم ، وأما مع عدم وجوده فلا يجوز الخروج عن ظواهر تلك الأدلة الدالة على أنه لهم وأنه عوض عن الزكاة. وأما حصته عليه‌السلام فقد عرفت ما دل على إباحتها من التوقيع الخارج عن صاحب العصر أيده الله تعالى عاجلا بالنصر

وثانيا ـ ما في الإيداع من التغرير بالمال وتعريضه للتلف ولا سيما في مثل أوقاتنا هذه التي قد صار فيها العدل الحقيقي أعز عزيز ، وكأنهم بنوا ذلك على أوقاتهم المملوءة بالعلماء الصلحاء الأتقياء وظنوا قرب خروجه عليه‌السلام أو أن زمان الغيبة كله على ذلك المنوال ولم يعلموا بتسافل الحال وتقلب الأحوال بما يضيق عن نشره المجال.

وأما القول الثاني ـ وهو ما اختاره الفاضل الخراساني وشيخنا المحدث الصالح البحراني وجملة من المعاصرين وهو القول بسقوطه مطلقا ـ فظني بعده غاية البعد ونحن نكتفي بنقل ملخص كلام الفاضل المشار إليه حيث إنه ممن بالغ في نصرة هذا القول والاستدلال عليه بما لم يسبقه أحد إليه ، وشيخنا المحدث المشار إليه إنما حذا حذوه :

فنقول : قال الفاضل المذكور في كتاب الذخيرة ـ بعد أن ادعى دلالة الأخبار المتقدمة في القسم الثالث على إباحة الخمس مطلقا للشيعة ـ ما ملخصه : لكن يبقى على القول به إشكالات : منها ـ أن التحليل مختص بالإمام الذي يصدر منه الحكم إذ لا معنى لتحليل غير صاحب الحق ، فلا يلزم عموم الحكم. وجوابه أن ظاهر التعليل بطيب الولادة المذكور في بعض الأخبار ـ والتصريح بدوام الحكم في بعضها وإسناد التحليل بصيغة الجمع في بعض ـ يقتضي تحقق التحليل منهم (عليهم‌السلام) جميعا ويكفي

٤٥٢

في ثبوته إخبار بعضهم (عليهم‌السلام) وقد أشار إلى ذلك المحقق وغيره.

أقول : فيه أولا ـ ما عرفت آنفا من أن أخبار التحليل معارضة بظاهر الآية وأخبار القسم الأول والثاني ، وأخبار القسم الأول وإن أمكن تقييدها بأخبار التحليل إلا أن أخبار القسم الثاني منها ما هو صريح في وجوب دفعه وعدم التحليل به كروايتي محمد بن زيد الطبري وصحيحة إبراهيم بن هاشم وصحيحة علي بن مهزيار ورواية كتاب الفقه الرضوي (١) ومنها ما هو ظاهر كباقي الأخبار.

وما تمسك به الفاضلان المذكوران ـ من حمل روايتي الطبري وصحيحة إبراهيم ابن هاشم على كون أولئك الطالبين للتحليل من المخالفين ـ بعيد بل غلط محض : أما أولا ـ فلأنه قد صرح في إحدى روايتي محمد بن زيد الطبري أنه بعض موالي أبي الحسن عليه‌السلام وفي الرواية الثانية بأنهم يمحضونهم المودة ، ومن المعلوم أن العامة لا يمحضونهم مودة ولا محبة ليتوجه عتابه لهم ولا يكونون من مواليه ، وفي صحيحة إبراهيم بن هاشم أنه كان وكيله عليه‌السلام الذي يتولى الوقف له بقم ، ومن المعلوم أن ذلك لا يكون من المخالفين.

وأما ثانيا ـ فإن العامة لا يثبتون لهم (عليهم‌السلام) حقا في الخمس ولا غيره فكيف يستأذنونهم (عليهم‌السلام) في ذلك؟

وأما ثالثا ـ فإن صحيحة علي بن مهزيار لا يجري فيها ما ذكره هنا ، فإنها صريحة في كون مواليه وشيعته قصروا في ما يجب عليهم من الخمس وأنه يريد تطهيرهم فلو كان الخمس حلالا مباحا كيف ينسبهم إلى التقصير؟ وكيف يريد التخفيف عنهم بما صنعه في عامه ذلك؟ وكيف يأمرهم بنقل ذلك إليه أو إلى وكيله؟ ونحو ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي وإن لم يقف عليه.

وبذلك يظهر لك ما في قوله : «أنه يكفي في ذلك أخبار بعضهم عليهم‌السلام» ولو كان ما ذكره حقا من أنه يكفي في التحليل مطلقا أخبار الصادق عليه‌السلام بأنه حلال

__________________

(١) ص ٤٢٥ و ٤٢٦ و ٤٢٧ و ٤٢٨.

٤٥٣

كيف يأمر الجواد عليه‌السلام بنقله إليه؟ مضافا إلى ما في الرواية من الدلالة الصريحة على الوجوب ، وكيف يقول أبو الحسن الثالث عليه‌السلام في رواية محمد بن علي بن شجاع «إن لي منه الخمس»؟ وفي رواية أبي علي بن راشد وكيله «أمرتني بأخذ حقك فأعلمت مواليك فقال لي بعضهم وأي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. الخبر» ونحو ذلك من الروايات المتقدمة في القسم الأول.

وثانيا ـ أن ما استند إليه من تلك العبارات ففيه أن طيب الولادة يمكن قصره على المناكح كما هو المتفق عليه وهو ظاهر حسنة سالم بن مكرم ، وهي التي ورد فيها دوام الحكم إلى يوم القيامة ، وإطلاق غيرها من الأخبار يحمل عليها ، أو تخصيص ذلك بحقوقهم (عليهم‌السلام) فلا يقتضي ذلك تحليل جميع الخمس.

وبالجملة فإنه حيث دلت الآية (١) والأخبار المتقدمة في القسم الأول على وجوب الخمس واشتراكه بينهم (عليهم‌السلام) وبين الأصناف الثلاثة ـ ودلت الأخبار التي في القسم الثاني على عدم التحليل منه ووجوب إخراجه صريحا في بعض وظاهرا في آخر على وجه لا يمكن تأويلها كما عرفت ـ فلا بد من تخصيص أخبار التحليل بوجه ظاهر تجتمع به مع تلك الأخبار ولا يمكن العمل بها على إطلاقها البتة.

ثم قال (قدس‌سره) : ومنها ـ أن النصف حق للأصناف الثلاثة فكيف يسوغ التحليل بالنسبة إليه. ثم أجاب بوجهين : حاصل الأول المنع من كون النصف ملكا لهم مطلقا لجواز كون الأرباح ملكا للإمام عليه‌السلام وكذا المعادن والغوص والغنائم التي تؤخذ من غير إذن الإمام عليه‌السلام. إلى أن قال : وثانيهما ـ أنه يجوز أن يكون اختصاص الأصناف بالنصف أو مالكيتهم له مشروطا بحضور الإمام عليه‌السلام لا مطلقا لا بد لنفيه من دليل (فإن قلت) ظاهر الآية اختصاص النصف بالأصناف وكذا مرفوعة أحمد بن محمد ومرسلة حماد ورواية يونس (٢) (قلت) أما الآية

__________________

(١) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٢) ص ٤٢١ وفي رواية يونس ارجع إلى الاستدراكات.

٤٥٤

فظاهرها اختصاصها بالغنائم فلا تعم غيرها ، مع أنها لا تشمل زمان الغيبة بناء على أن الخطابات القرآنية متوجهة إلى الحاضرين في زمن الخطاب وانسحاب الحكم في غير الحاضرين مستندا إلى الإجماع وهو إنما يتم مع التوافق في الشرائط وهو ممنوع في محل البحث ، فلا تنهض الآية حجة على حكم زمان الغيبة. سلمنا لكن لا بد من صرفها عن ظاهرها إما بالحمل على كونها بيانا للمصرف أو بالتخصيص جمعا بينها وبين الأخبار الدالة على الترخيص. وأما الأخبار فمع ضعف سندها غير دالة على تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية أو الاختصاص مطلقا بل دالة على أن على الإمام عليه‌السلام أن يقسمه كذلك ، فيجوز أن يكون هذا واجبا على الإمام من غير أن يكون شي‌ء من الخمس ملكا لهم أو مختصا بهم مطلقا. سلمنا لكنها تدل على ثبوت هذا الحكم في زمان حضور الإمام لا مطلقا فيجوز اختلاف الحكم بحسب الأزمان سلمنا لكن لا بد من التخصيص فيها وصرفها عن ظاهرها جمعا بين الأدلة. وبالجملة أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالأخبار المذكورة. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : فيه أولا ـ أنه لا ريب أن ظاهر الآية دال على اختصاص الأصناف بالنصف ، وهو قد اعترف بذلك في كلام له سابق على هذا المقام ، حيث قال بعد أن نقل عن المحقق حمل الآية على بيان المصرف ما صورته : وفيه نظر لأن حمل الآية على أن المراد بيان مصارف الاستحقاق عدول عن الظاهر من الآية ، بل الظاهر من الآية الملك أو الاختصاص والعدول عنه يحتاج إلى دليل. ولو كان كذلك لاقتضى جواز صرف الخمس كله في أحد الأصناف الستة وهم لا يقولون به. انتهى وحينئذ فإذا ضم إلى الآية الأخبار الدالة على تفسير الغنيمة فيها بما هو أعمّ من كل ما يغنمه الإنسان ويفيده حتى الإفادة يوما بيوم كما قدمنا ذكره في أول الكتاب دخل فيها جميع ما ذكره من الأرباح والغوص ونحوهما وسقط ما ذكره في الوجه الأول ، ويدل على ذلك صريحا مرفوعة أحمد بن محمد المتقدمة في أخبار القسم

٤٥٥

الأول لقوله عليه‌السلام بعد ما ذكر ما فيه الخمس من الأنواع المذكورة «وأما الخمس فيقسم على ستة أسهم. إلى آخره» ومثلها مرسلة حماد بن عيسى المذكورة ثمة ، فإنهما صريحتان في كون النصف للأصناف الثلاثة من جميع ما فيه الخمس لا من غنيمة دار الحرب بالخصوص كما زعمه. وما ربما يتخيل دلالته على ما ادعاه ـ من إضافة مجموع الخمس إليهم (عليهم‌السلام) في بعض الأخبار أو تصرفهم بالعفو وإعطائه كملا لبعض الناس ـ فقد تقدم الجواب عنه.

وثانيا ـ أن ما ذكره من أنه يجوز أن يكون اختصاص الأصناف بالنصف مشروطا بحضور الإمام عليه‌السلام تعسف ظاهر مخالف لصريح الأدلة كتابا وسنة ، فإنها دالة كما عرفت على الاختصاص أو الملك كما اعترف به في ما قدمنا من كلامه ، ومقتضى ذلك العموم لحال وجوده وغيبته والتخصيص بحال وجوده يتوقف على الدليل ، فقوله «لا بد لنفيه من دليل» قلب للمسألة بل لا بد لإثباته من دليل ، ويؤيد ما قلنا بأوضح تأييد الروايات الدالة على أن الخمس عوض لهم عن الزكاة التي حرمها الله تعالى عليهم (١) ولا ريب أن تحريم الزكاة عليهم غير مختص بوجود الإمام عليه‌السلام حتى يكون اختصاصهم بالخمس مخصوصا بوجود الإمام عليه‌السلام.

وثالثا ـ أن ما ذكره ـ بقوله : «قلت أما الآية فظاهرها اختصاص الغنائم فلا تعم غيرها» ـ مردود بما عرفت من أن الروايات المعتمدة قد دلت على تفسير الغنيمة في الآية بالمعنى الأعم الشامل لجميع ما فيه الخمس ، ومنها صحيحة علي بن مهزيار الطويلة ورواية حكيم مؤذن بني عبس وكتاب الفقه الرضوي وغيرها من ما تقدم.

ورابعا ـ أن ما ذكره ـ من أن الآية لا تشمل زمان الغيبة بناء على أن الخطابات القرآنية متوجهة إلى الحاضرين. إلى آخره ـ مردود بأنا إنما نستند في انسحاب الحكم وعموم الآية لزمن الغيبة إلى الأخبار لا إلى الإجماع الذي ذكره ، فإنا لا ضرورة بنا تلجئ إليه ليتجه ما أورده عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

٤٥٦

والأخبار الدالة على ما ذكرناه كثيرة : منها ـ ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) في حديث قال : «لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه حي يجري في من بقي كما جرى في من مضى». ومثلها غيرها.

ومن أظهر ذلك في المقام استدلال الأئمّة (عليهم‌السلام) بالآية المذكورة وتفسيرهم لها بما قدمنا ذكره ، ولو كان الخطاب فيها مقصورا على زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ساغ ذلك.

وخامسا ـ أن ما أجاب به ثالثا ـ بعد التنزل بقوله : «سلمنا لكن لا بد من صرف الآية عن ظاهرها. إلى آخره» ـ مردود بأن الحمل على بيان المصرف من ما قد اعترف في ما قدمنا نقله عنه بعدم صحته لاقتضائه جواز صرف الخمس كملا في أحد الأصناف الستة وهو باطل إجماعا نصا وفتوى فكيف يتمسك هنا بذلك؟

وأما التخصيص ففيه أن مقتضى القواعد الشرعية والضوابط المرعية والسنة المحمدية هو إرجاع الأخبار إلى القرآن وعرضها عليه فإن طابقته ووافقته وجب قبولها وإلا وجب ردها وطرحها (٢) ولا ريب أن الأخبار في المسألة مختلفة والأخبار التي استند إليها مخالفة لظاهر الآية ، فالواجب بمقتضى القاعدة المنصوصة طرحها أو تأويلها بما يخرجها عن المخالفة ، فكيف عكس القاعدة وأوجب رد الآية وإخراجها عن ظاهرها إلى الأخبار التي ذكرها؟ وما وقع من أصحابنا (رضوان الله عليهم) في مثل مسألة الحبوة وميراث الزوجة ونحوهما من تخصيص الآيات بالأخبار فإنما هو من حيث اعتضاد الأخبار بإجماع الطائفة واتفاقها في بعض وإجماع المعظم منها في بعض ، أو عدم ظهور الآية في العموم على وجه ينافي الخبر المخصص ، أو نحو ذلك ، وهو في محل البحث على طريق العكس. على أن ما ذهبوا إليه

__________________

(١) الأصول ج ١ ص ١٩٢ باب أن الأئمّة (ع) هم الهداة.

(٢) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.

٤٥٧

من التحليل مطلقا في زمن الوجود والغيبة في جميع أنواع ما فيه الخمس مقتض لطرح الآية رأسا لا تخصيصها كما هو ظاهر لا يخفى.

وسادسا ـ فإن طعنه في الأخبار بضعف سندها مردود بأنه ضعيف لا يلتفت إليه وسخيف لا يعرج عليه :

أما أولا ـ فإن هذه الأخبار هي معتمدهم في قسمة الخمس إنصافا بين الإمام والأصناف الثلاثة ، فإن اعتمدوا عليها فليكن في جميع الأحكام وإلا فلا.

وأما ثانيا ـ فإنه وأمثاله كثيرا ما يستدلون بأمثال هذه الأخبار ويتسترون عن ضعفها باصطلاحهم الضعيف الواهي بأعذار لبيت العنكبوت الذي هو أضعف البيوت تضاهي ، ولكن هذه عادة أصحاب هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح : إذا نافت الرواية ما اختاروه أجابوا عنها بضعف السند وإذا ألجأتهم الحاجة لها في الاستدلال تستروا عن مخالفة اصطلاحهم والخروج عن مقتضاه بتلك الأعذار الواهية. وسابعا ـ أن ما ذكره ـ من أن تلك الأخبار غير دالة على تعلق النصف بالأصناف على جهة الملكية أو الاختصاص ـ فيه أن دلالتها على ذلك أظهر من أن تنكروا بين من أن تنشر ، وذلك مثل

قوله عليه‌السلام في مرفوعة أحمد بن محمد (١) بعد ذكر الخمس وأنه يقسم ستة أقسام قال : «فالنصف له ـ يعني الإمام عليه‌السلام ـ خاصة والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس. الحديث». ولا ريب أن اللام هنا إما للملك أو الاختصاص كما هو القاعدة النحوية المطردة في أمثال هذا الكلام ، ويؤكده ذكر التعويض لهم عن الصدقة فإنه يقتضي الاطراد والاستمرار ، فكيف يحرمون العوض والمعوض؟ ومثل قوله عليه‌السلام في صحيحة إبراهيم بن هاشم المتقدمة في القسم الثاني (٢) «أحدهم يثب على أموال آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأيتامهم ومساكينهم

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٢) ص ٤٢٧.

٤٥٨

وأبناء سبيلهم فيأخذه. الحديث» فأي عبارة أظهر من هذه العبارة؟ ولو صح المناقشة في ذلك بالنسبة إلى الأصناف صح أيضا بالنسبة إلى الإمام عليه‌السلام كما لا يخفى على ذوي الأفهام. وفي مرسلة حماد بن عيسى أيضا (١) قال : «فله ـ يعني الإمام عليه‌السلام ـ نصف الخمس كملا ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب والسنة. إلى أن قال عليه‌السلام وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس ، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة. إلى أن قال أيضا : وجعل لفقراء قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس وصدقات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وولي الأمر ، فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا وقد استغنى فلا فقير. الحديث». وأي دليل يريد بعد هذه الأدلة الصريحة الواضحة؟

وثامنا ـ أن قوله ـ سلمنا لكنها تدل على ثبوت هذا الحكم في زمان حضور الإمام لا مطلقا ـ ظاهر الضعف بل البطلان ، والظاهر أن كلامه هذا مبني على ما توهمه من أن مستند الاختصاص أو الملك في تلك الأخبار إنما هو من جهة ما دلت عليه من أن الإمام عليه‌السلام يقسمه كذلك ، وهو غلط بل موضع الاستدلال إنما هو نسبته إليهم بلام الملك أو الاختصاص المؤكد بكونه عوضا لهم عن الصدقات وأنه جعله الله لهم وخصهم به دون الناس وأنه لم يبق فقير في الناس بعد جعل الله سبحانه الزكاة لسائر الناس والخمس لقرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وكيف يجامع هذا الاختصاص بزمان الحضور ، ما هذه إلا غفلة واضحة ، وليت شعري كأنه لم يراجع هذه الأخبار أو لم يتأمل فيها بعين التحقيق والاعتبار. على أن لقائل أن يعكس عليه هذه الدعوى بأن يقول إن مقتضى الأدلة الدالة على استحقاق الأصناف من

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

٤٥٩

الآية والروايات هو العموم والاستمرار في جميع الأوقات ولا سيما رواية حماد المذكورة كما سمعت ، ومقتضى أخبار التحليل هو الاختصاص بزمان وجودهم (عليهم‌السلام) لمصالح قد احتملنا بعضها في ما تقدم ، وما ربما يوهم الاستمرار في بعض قد بينا وجهه آنفا ، فالاختصاص إنما هو في جانب التحليل لا في جانب استحقاق الأصناف.

وتاسعا ـ أن قوله ـ سلمنا لكن لا بد من التخصيص فيها وصرفها عن ظاهرها جمعا بين الأدلة ـ مردود أولا ـ بما عرفت آنفا من صراحتها وعدم قبولها لما أراده.

وثانيا ـ أن هذه الأخبار قد ترجحت بموافقة القرآن كما عرفت فيصير العمل عليها ويجب تأويل ما خالفها أو طرحه بمقتضى القواعد المنصوصة (١) وقد ترجحت أيضا بذهاب المعظم من أجلاء الأصحاب متقدميهم ومتأخريهم إلى القول بمضمونها.

وثالثا ـ أن المخالفة ليست منحصرة فيها حتى أنه بتأويلها يسقط البحث ويتم ما ذكره بل أكثر أخبار القسم الأول والثاني كلها مخالفة لما ذكره وعاضدة لهذه الأخبار.

وبذلك يظهر لك أن ما ذهبوا إليه من هذا القول من ما لا يعول عليه وأنه ناشئ عن عدم إعطاء التأمل حقه في الأدلة الواردة في المسألة.

وأما القول الثالث وهو القول بدفنه فهو مع كونه مجهول القائل مجهول الدليل ولو ثبت هذا الخبر الذي ذكروه لوجب طرحه في مقابلة ما ذكرناه من الأدلة وهي أكثر عددا وأصح سندا وأظهر دلالة.

وأما الرابع ـ وهو دفع النصف إلى الأصناف والنصف الآخر يودع من ثقة إلى ثقة أو يدفن ـ فهو جيد بالنسبة إلى حصة الأصناف لما عرفت آنفا ، وأما بالنسبة إلى حقه عليه‌السلام فجوابه قد علم من ما ذكرنا في جواب القول الأول والقول الثالث.

وأما الخامس ـ وهو بعينه القول الرابع إلا أنه يعين الإيداع دون الدفن ـ فجوابه معلوم من ما سبق.

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز إن يقضي به.

٤٦٠