الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في قول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)؟ قال خمس الله عزوجل للإمام وخمس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام وخمس ذي القربى لقرابة الرسول الإمام واليتامى يتامى آل الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابنا رفع الحديث (٢) قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه. إلى أن قال : فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم : سهم لله وسهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل ، فالذي لله فلرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرسول الله أحق به فهو له والذي للرسول هو لذي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصة والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس ، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منهم شي‌ء فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان».

وما رواه الكليني في الصحيح عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه‌السلام (٣) قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة. إلى أن قال : ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم : سهم لله وسهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل ، فسهم الله وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأولي الأمر من بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وراثة فله ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٢) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس والباب ١ من قسمة الخمس.

(٣) الوسائل الباب ١ و ٣ من قسمة الخمس.

٤٢١

له من الله فله نصف الخمس كملا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم ، وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة ، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي. وساق الخبر إلى أن قال : وليس في مال الخمس زكاة لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد وجعل لفقراء قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصف الخمس. فأغناهم به عن صدقات الناس وصدقات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وولي الأمر ، فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا وقد استغنى فلا فقير. الحديث».

وما رواه الشيخ عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال يؤدي خمسنا وتطيب له».

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن محمد بن علي عن أبي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن البزنطي (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس.

(٢) الأصول ج ١ ص ٥٤٧ والتهذيب ج ١ ص ٣٨٤ و ٣٨٩ وفي الوسائل الباب ٣ من ما يجب فيه الخمس.

(٣) الوسائل الباب ٤ من ما يجب فيه الخمس عن التهذيب ولم يروه الصدوق في الفقيه.

٤٢٢

عن ما أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».

وما رواه الكليني في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (١) قال : «كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب بعد المئونة».

وما رواه في الكافي عن إبراهيم بن محمد الهمداني (٢) قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك عليه‌السلام في ما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المئونة وأنه ليس على من لم تقم ضيعته بمئونته نصف السدس ولا غير ذلك ، واختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة وخراجها لا مئونة الرجل وعياله؟ فكتب عليه‌السلام : بعد مئونته ومئونة عياله وبعد خراج السلطان».

وما رواه الصدوق مرسلا (٣) قال : «في توقيعات الرضا عليه‌السلام إلى إبراهيم ابن محمد الهمداني إن الخمس بعد المئونة».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري (٤) قال : «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه : الخمس بعد المئونة».

وما رواه في التهذيب عن زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) «أنه سأله عن قول الله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من ما يجب فيه الخمس.

(٢) الأصول ج ١ ص ٥٤٧ وفي الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

(٤) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

(٥) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

٤٢٣

وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١) فقال : أما خمس الله عزوجل فللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يضعه في سبيل الله ، وأما خمس الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه واليتامى يتامى أهل بيته ، فجعل هذه الأربعة الأسهم فيهم ، وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل».

وما رواه محمد بن الحسن الصفار في كتاب بصائر الدرجات عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال «قرأت عليه آية الخمس فقال ما كان لله فهو لرسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وما كان لرسوله فهو لنا. ثم قال والله لقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا وأكلوا أربعة حلالا. ثم قال هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا مؤمن ممتحن قلبه للإيمان». ورواه بسند آخر عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣).

وما رواه الشيخ في التهذيب (٤) عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول كلاما كثيرا ثم قال : وأعطهم من ذلك كله سهم ذي القربى الذين قال الله عزوجل. إلى أن قال نحن والله عني بذي القربى وهم الذين قرنهم الله بنفسه وبنبيه فقال «فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» منا خاصة ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن سماعة (٥) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من ما يجب فيه الخمس.

(٤) ج ١ ص ٣٨٥ وفي الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٥) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

٤٢٤

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه‌السلام الخمس في ذلك».

القسم الثاني ـ في ما يدل على الوجوب والتشديد في إخراجه وعدم الإباحة وهذا القسم وإن اشترك مع القسم الأول في الدلالة على وجوب الإخراج إلا أنه ينفرد عنه بالدلالة على تأكد الوجوب وعدم القبول للتقييد بأخبار الإباحة الآتية إن شاء الله تعالى في القسم الثالث.

ومن ذلك ما صرح به الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٢) حيث قال : عليه‌السلام : اعلم يرحمك الله أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وأروي عن العالم عليه‌السلام أنه قال : ركز جبرئيل عليه‌السلام برجله حتى جرت خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه : الفرات ودجلة والنيل ونهر مهران ونهر بلخ فما سقت وسقي منها فللإمام عليه‌السلام والبحر المطيف بالدنيا. وروي أن الله عزوجل جعل مهر فاطمة (عليها‌السلام) خمس الدنيا فما كان لها صار لولدها (عليهم‌السلام). وقيل للعالم عليه‌السلام ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال أن يأكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم. وقال جل وعلا : «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ... إلى آخر الآية» (٣) فتطول علينا بذلك امتنانا منه ورحمة إذ كان المالك للنفوس والأموال وسائر الأشياء الملك الحقيقي وكان ما في أيدي الناس عواري وإنهم مالكون مجازا لا حقيقة له. وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفي‌ء الذي لم يختلف فيه وهو ما ادعي فيه الرخصة وهو ربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها ، لأن الجميع غنيمة وفائدة ومن رزق الله عزوجل ، فإنه روى أن الخمس على الخياط من إبرته

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

(٢) ص ٤٠.

(٣) سورة الأنفال الآية ٤٣.

٤٢٥

والصانع من صناعته ، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس فإن أخرجه فقد أدى حق الله عليه وتعرض للمزيد وحل له الباقي من ماله وطاب وكان الله أقدر على إنجاز ما وعده العباد من المزيد والتطهير من البخل على أن يغني نفسه من ما في يديه من الحرام الذي بخل فيه بل قد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين ، فاتقوا الله وأخرجوا حق الله من ما في أيديكم يبارك الله لكم في باقيه ويزكو فإن الله عزوجل الغني ونحن الفقراء وقد قال الله «لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ» (١) فلا تدعوا التقرب إلى الله عزوجل بالقليل والكثير على حسب الإمكان وبادروا بذلك الحوادث واحذروا عواقب التسويف فيها فإنما هلك من هلك من الأمم السالفة بذلك وبالله الاعتصام. انتهى كلامه عليه‌السلام.

وما رواه الشيخ عن محمد بن زيد الطبري (٢) قال : «كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله الإذن في الخمس فكتب عليه‌السلام بسم الله الرحمن الرحيم إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب وعلى الخلاف العقاب لا يحل مال إلا من وجه أحله الله ، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذل ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ، فلا تزووه عنا ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم. الحديث».

وما رواه الشيخ والكليني بالسند المتقدم (٣) قال : «قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس فقال ما أمحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس

__________________

(١) سورة الحج الآية ٣٩.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الأنفال وما يختص بالإمام. وفي التهذيب ج ١ ص ٣٨٩ محمد بن يزيد.

(٣) الوسائل الباب ٣ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٢٦

لا نجعل أحدا منكم في حل».

وما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة في ما ورد على العمري في جواب مسائل محمد بن جعفر الأسدي (١) «وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه ، فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب. فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا وكانت لعنة الله عليه لقول الله عزوجل (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ)» (٢).

وما رواه في الكافي في الصحيح عندي والحسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم (٣) قال : «كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم فقال يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني أنفقتها. فقال له أنت في حل. فلما خرج صالح قال أبو جعفر (عليه‌السلام) أحدهم يثب على أموال آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجي‌ء فيقول اجعلني في حل ، أتراه ظن أني أقول لا أفعل ، والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا».

وما رواه في الفقيه عن أبي بصير (٤) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم».

وما رواه عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) أنه قال «إني لآخذ من أحدكم الدرهم وإني لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أريد بذلك إلا أن تطهروا».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٢) سورة هود الآية ٢٢.

(٤) الوسائل الباب ١ من ما يجب فيه الخمس والباب ٢ من الأنفال.

(٥) الوسائل الباب ١ من ما يجب فيه الخمس.

٤٢٧

وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله ، اشترى ما لا يحل له».

وما رواه الكليني عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «لا يحل لأحد إن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (٣) قال : «كتب إليه أبو جعفر (عليه‌السلام) وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة ...». وقد تقدمت الرواية بتمامها في المقام الخامس من الفصل الأول ، وموضع الاستدلال منها قوله (عليه‌السلام) «الذي أوجبت في سنتي هذه. إلى أن قال : إن موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا في ما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس. ثم أورد الآيات المتقدمة. إلى أن قال : فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام. إلى أن قال : فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي ومن كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين فإن نية المؤمن خير من عمله».

القسم الثالث ـ في ما يدل على التحليل والإباحة مطلقا وهي أخبار مستفيضة متكاثرة : منها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب بسنده في الأول إلى محمد بن سنان وفي الثاني بسنده إلى حكيم مؤذن بني عبس (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى)؟ فقال (عليه‌السلام) : هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا».

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من ما يجب فيه الخمس والباب ٣ من الأنفال.

(٢) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس رقم ٥.

(٣) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس ، وقد تقدمت ص ٣٤٩.

(٤) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام. وتمام الكلام في الاستدراكات.

٤٢٨

ومنها ـ صحيحة الحارث النصري عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمت أن لك فيها حقا؟ قال فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ، وكل من والى آبائي فهو في حل من ما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب».

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه عن يونس بن يعقوب (٢) قال : «كنت عند أبي عبد الله (عليه‌السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال جعلت فداك يقع في أيدگينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت وأنا عن ذلك مقصرون؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل». ورواه الصدوق في كتاب العلل (٤) وفيه «وأبناءهم» عوض «وآبائهم» ولعله الأصح.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (٥) قال : «قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليه‌السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس فكتب بخطه : من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل». وظاهره أخص من ما ذكر من هذه الأخبار.

ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن الثمالي (٦) قال : «سمعته يقول : من أحللنا له

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام. وربما ينقدح الإشكال في قوله «ع» «فلم أحللنا» من حيث دخول «لم» الجازمة على الفعل الماضي ولكن الظاهر أنها ليست «لم» الجازمة وأن اللفظ على الاستفهام فكأنه «ع» قال : «فلما ذا أحللنا إذا لشيعتنا؟ لم نحل لهم إلا لتطيب ولادتهم».

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٦) الوسائل الباب ٣ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٢٩

شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال وما حرمناه من ذلك فهو حرام». وظاهره أعمّ من الخمس ولكنه أخص بالنسبة إلى الخمس من المدعى لاختصاص التحليل بمن حللوه لا مطلقا.

وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) حللهم من الخمس ـ يعني الشيعة ـ لتطيب مواليدهم».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الحسن عن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رجل وأنا حاضر : حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه. فقال هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب ، والميّت منهم والحي ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة ، فهو لهم حلال ، أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له ، ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة وما عندنا لأحد عهد ولا لأحد عندنا ميثاق».

وما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول يا رب خمسي. وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم وليزكو أولادهم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن أذينة (٤) قال : «رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام مالا في تلك السنة فرده عليه فقلت له لم رد عليك أبو عبد الله عليه‌السلام المال الذي حملته إليه؟ فقال إني قلت له حين حملت إليه المال إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٣٩١ وفي الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام والراوي عن مسمع عمر بن يزيد كما سيأتي في القسم الرابع.

٤٣٠

جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك أو أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا؟ فقال وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟ يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا. قال قلت له أنا أحمل إليك المال كله. فقال لي يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ويحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا. الحديث». وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في القسم الرابع.

وما رواه الشيخ في الموثق عن الحارث بن المغيرة النصري (١) قال : «دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال جعلت فداك أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار. فكأنه رق له فاستوى جالسا فقال يا نجية سلني فلا تسألني اليوم عن شي‌ء إلا أخبرتك به. قال جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال يا نجية إن لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله وأول من حمل الناس على رقابنا ، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة ، وإن الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت. فقال نجية إنا لله وإنا إليه راجعون «ثلاث مرات» هلكنا ورب الكعبة. قال فرفع فخذه عن الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئا إلا أنا سمعناه في آخر دعائه وهو يقول : اللهمّ إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا».

وما رواه الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن محمد بن عصام الكليني (٢) قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد ابن عثمان العمري أن يوصل إلي كتابا قد سألت فيه مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام «أما ما سألت عنه. إلى أن قال : وأما المتلبسون

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٢) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام وفيه «إلى أن يظهر أمرنا».

٤٣١

بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران ، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وقد جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث».

وما رواه في الكافي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) في حديث قال : «إن الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء. إلى أن قال : فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. الحديث».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن ضريس الكناسي (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت لا أدري. فقال من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم».

وما رواه في الكافي عن عبد العزيز بن نافع (٣) قال : «طلبنا الإذن على أبي عبد الله (عليه‌السلام) وأرسلنا إليه فأرسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين فدخلت أنا ورجل معي ، فقلت للرجل أحب أن تستأذنه بالمسألة فقال نعم فقال له جعلت فداك إن أبي كان ممن سباه بنو أمية وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا ولا يحللوا ولم يكن لهم من ما في أيديهم قليل ولا كثير وإنما ذلك لكم فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد علي عقلي ما أنا فيه؟ فقال له أنت في حل من ما كان من ذلك وكل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك. قال فقمنا وخرجنا فسبقنا معتب إلى النفر القعود الذين ينتظرون إذن أبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال لهم قد ظفر عبد العزيز بن نافع بشي‌ء ما ظفر بمثله أحد قط. فقيل له وما ذاك؟ ففسره لهم فقام اثنان فدخلا على أبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال أحدهما جعلت فداك إن أبي كان من سبايا بني أمية وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم من ذلك قليل ولا كثير وأنا أحب أن تجعلني من ذلك في حل فقال وذلك إلينا؟ ما ذلك إلينا ما لنا أن نحل ولا أن نحرم. فخرج الرجلان وغضب أبو عبد الله (عليه‌السلام) فلم يدخل عليه أحد في تلك الليلة إلا بدأه أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقال ألا تعجبون من فلان يجيئني فيستحلني

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٣٢

من ما صنعت بنو أمية كأنه يرى أن ذلك إلينا. ولم ينتفع أحد في تلك الليلة بقليل ولا كثير إلا الأولين فإنهما عنيا بحاجتهما».

وما رواه الصدوق في الفقيه عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول : الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك».

وما رواه في التهذيب عن علباء الأسدي (٢) قال : «وليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا فأنفقت واشتريت ضياعا كثيرة واشتريت رقيقا وأمهات أولاد وولد لي ثم خرجت إلى مكة فحملت عيالي وأمهات أولادي ونسائي وحملت خمس ذلك المال فدخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقلت له إني وليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا واشتريت متاعا واشتريت رقيقا واشتريت أمهات أولاد وولد لي وأنفقت وهذا خمس ذلك المال وهؤلاء أمهات أولادي ونسائي قد أتيتك به. فقال أما إنه كله لنا وقد قبلت ما جئت به وقد حللتك من أمهات أولادك ونسائك وما أنفقت وضمنت لك علي وعلى أبي الجنة».

وهذا الحديث قد عده في الوافي في باب الأحاديث الدالة على تحليل الخمس ، إلا أنه ليس بظاهر في ذلك بل ربما ظهر في خلاف ذلك ، فإن ظاهر قوله : «قبلت ما جئت به» هو أخذ ما جاء به من الخمس وحله من الباقي حيث أنه أخبره أن الكل له. هذا ما يظهر من الخبر.

وما رواه في الكتاب المذكور عن الفضيل (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفاطمة (عليها‌السلام) أحلى نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا ليطيبوا. ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا».

وما رواه فيه أيضا عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «موسع

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٣٨٩ وفي الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام. والراوي هو الحكم بن علباء الأسدي.

٤٣٣

على شيعتنا أن ينفقوا من ما في أيديهم بالمعروف فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتوه به يستعين به».

ورواه في الكافي (١) بزيادة «يستعين به على عدوه». وما رواه الإمام العسكري عليه‌السلام في تفسيره عن آبائه (عليهم‌السلام) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) «أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولي على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه ، وقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل ومشرب ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما تصدق أحد أفضل من صدقتك ، وقد تبعك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فعلك أحل للشيعة كل ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي ولا أحلها أنا ولا أنت لغيرهم».

القسم الرابع ـ في ما دل على أن الأرض وما خرج منها كله للإمام عليه‌السلام ومنها ما رواه في الكافي عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة فما كان لآدم فلرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو للأئمة (عليهم‌السلام) من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وما رواه فيه عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس (٤) قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال إن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض : منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات ، فما سقت أو استقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ١٧٩.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

(٤) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٤٣٤

شي‌ء إلا ما غصب عليه ، وإن ولينا لفي أوسع في ما بين ذه إلى ذه يعني ما بين السماء والأرض. ثم تلا هذه الآية «قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» المغصوبين عليها «خالِصَةً» لهم «يَوْمَ الْقِيامَةِ» (١) بلا غصب.

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «وجدنا في كتاب علي (عليه‌السلام) (إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٣) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها ، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتى يظهر القائم (عليه‌السلام) من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم».

ومنها ـ ما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد في حديث مسمع بن عبد الملك (٤) حيث قال فيه «إن الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا. إلى أن قال فيه زيادة على ما تقدم : حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة». قال في الكافي (٥) قال عمر بن يزيد : فقال لي أبو سيار ما أرى أحدا من أصحاب الضياع

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ٣١.

(٢) الوسائل الباب ٣ من إحياء الموات.

(٣) سورة الأعراف الآية ١٢٦.

(٤) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام. واللفظ في الزيادة المذكورة هنا موافق للأصول ج ١ ص ٤٠٨.

(٥) الأصول ج ١ ص ٤٠٨.

٤٣٥

ولا ممن يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلا من طيبوا له ذلك.

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إن جبرئيل عليه‌السلام كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه : الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ ، فما سقت أو سقي منها فللإمام ، والبحر المطيف بالدنيا» وزاد في الفقيه (٢) «وهو أفسيكون».

وما رواه في الكافي عن محمد بن الريان (٣) قال : «كتبت إلى العسكري عليه‌السلام جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الدنيا إلا الخمس؟ فجاء الجواب إن الدنيا وما عليها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وما رواه فيه عن أحمد بن محمد بن عبد الله عليه‌السلام عن من رواه (٤) قال : «الدنيا وما فيها لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولنا ، فمن غلب على شي‌ء منها فليتق الله وليؤد حق الله وليبر إخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن برآء منه».

وما رواه فيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «قلت له أما على الإمام زكاة؟ فقال أحلت يا أبا محمد أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء جائز له ذلك من الله ، إن الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبدا ولله في عنقه حق يسأله عنه». وروى في الفقيه (٦) نحوه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام. وإن أردت تشخيص محال الأنهار المذكورة في هذه الرواية ومصادرها فارجع إلى الفقيه التعليقة ١ ص ٢٤ ج ٢ الطبعة الحديثة.

(٢) ج ٢ ص ٢٤ الطبعة الحديثة وقد ضبط فيها اللفظ المذكور كما ضبط هنا ، وقد جاء في التعليقة عليه هكذا : وفي نسخة أ«أفسنكون» وكلاهما وهم من النساخ والمراد «أبسكون» وهي بحيرة قزوين وتسمى بعدة أسماء منها ما ذكره الصدوق (ره) وتفسيره للبحر (المطيف بالدنيا) بهذا البحر لا تساعد عليه خرائط الجغرافية الحديثة.

(٣) الأصول ج ١ ص ٤٠٩.

(٤ و ٥) الأصول ج ١ ص ٤٠٨.

(٦) ج ٢ ص ٢٠.

٤٣٦

وما رواه فيه عن علي عن السندي بن الربيع (١) قال : «لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئا وكان لا يغب إتيانه ثم انقطع عنه وخالفه ، وكان سبب ذلك أن أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام وقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة في شي‌ء من الإمامة : قال ابن أبي عمير : الدنيا كلها للإمام على جهة الملك وأنه أولى بها من الذين هي في أيديهم. وقال أبو مالك ليس كذلك أملاك الناس لهم إلا ما حكم الله به للإمام من الفي‌ء والخمس والمغنم فذلك له ، وذلك أيضا قد بين الله للإمام أين يضعه وكيف يصنع به. فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه فحكم هشام لأبي مالك علي بن أبي عمير فغضب ابن أبي عمير وهجر هشاما بعد ذلك».

قال في الوافي بعد نقل الخبر : لعل هشاما استعمل التقية في هذه الفتوى. والظاهر أنه كذلك لما عرفت من الأخبار المذكورة لأن عدم اطلاع هشام عليها بعيد جدا فالحمل على ما ذكره جيد ، ومنها ما تقدم في أول أخبار القسم الثاني من كتاب الفقه الرضوي (٢) ويؤيد ذلك أيضا ما تقدم (٣) من حديث أبي خالد الكابلي عنه عليه‌السلام قال : «إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شي‌ء فإنه إنما يعمل بأمر لله».

المقام الثاني ـ في بيان المذاهب في هذه المسألة واختلاف الأصحاب فيها على أقوال متشعبة

أحدها ـ عزله والوصية به من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهوره عليه‌السلام وإلى هذا القول ذهب شيخنا المفيد في المقنعة حيث قال : قد اختلف أصحابنا في حديث الخمس عند الغيبة وذهب كل فريق منهم فيه إلى مقال : فمنهم من يسقط فرض إخراجه لغيبة الإمام بما تقدم من الرخص فيه من الأخبار ، وبعضهم يذهب إلى كنزه ويتأول خبرا ورد (٤) «إن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام وإنه عليه‌السلام إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان». وبعضهم يرى

__________________

(١) الأصول ج ١ ص ٤٠٩ وفيه «السري بن الربيع».

(٢) ص ٤٢٥.

(٣) ص ٣٥٧ و ٣٥٨.

(٤) التهذيب ج ١ ص ١٤٧ الطبع الحديث.

٤٣٧

صلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب ، وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام عليه‌السلام ثم إن أدرك قيامه وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة ، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه‌السلام قال : وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدمه ، لأن الخمس حق وجب لصاحبه لم يرسم فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه والتمكن من إيصاله إليه أو وجود من انتقل بالحق إليه ، ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند عدم ذلك سقوطها ولا يحل التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك ويجب حفظها بالنفس أو الوصية إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة من الأصناف ، وإن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في شطر الخمس الذي هو خالص للإمام عليه‌السلام وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب. وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ ، وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حظر التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك وحفظ الودائع لأهلها ورد الحقوق. انتهى وإنما أطلنا بنقله بطوله لدلالته (أولا) على أن الخلاف في هذه المسألة متقدم بين متقدمي الأصحاب ، و (ثانيا) لاشتماله على السبب في الاختلاف والعلة في ما اختاره وذهب إليه (رضوان الله عليه).

الثاني ـ القول بسقوطه كما نقله شيخنا المتقدم في صدر عبارته ، وهو مذهب سلار على ما نقله عنه في المختلف وغيره ، قال بعد أن ذكر المنع من التصرف فيه زمن الحضور إلا بإذنه عليه‌السلام : وفي هذا الزمان قد حللونا بالتصرف فيه كرما وفضلا لنا خاصة. واختار هذا القول الفاضل المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني ، وسيجي‌ء نقل كلاميهما

٤٣٨

ومستندهم فيه أخبار التحليل المتقدمة (١) وسيجي‌ء الكلام معهما فيه إن شاء الله تعالى ، وهذا القول مشهور الآن بين جملة من المعاصرين.

الثالث ـ القول بدفنه كما تقدم في عبارة شيخنا المفيد. كذا نقله الشيخ في النهاية استنادا إلى الخبر المذكور في كلاميهما.

الرابع ـ دفع النصف إلى الأصناف الثلاثة وأما حقه عليه‌السلام فيودع كما تقدم من ثقة إلى ثقة إلى أن يصل إليه عليه‌السلام وقت ظهوره أو يدفن.

وهو مذهب الشيخ في النهاية ، حيث قال (قدس‌سره) : وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه وليس فيه نص معين إلا أن كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط ، فقال بعضهم إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر ، وقال قوم إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه ليسلمه إلى صاحب الأمر عليه‌السلام إذا ظهر ويوصي به حسبما وصى به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر وقال قوم يجب دفنه لأن الأرض تخرج كنوزها عند قيام الإمام (عليه‌السلام) (٢) وقال قوم يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام فثلاثة للإمام (عليه‌السلام) تدفن أو تودع من يوثق بأمانته والثلاثة الأخر تفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومساكينهم وأبناء سبيلهم. وهذا من ما ينبغي أن يكون العمل عليه لأن هذه الثلاثة الأقسام مستحقها ظاهر وإن كان المتولي لتفريق ذلك فيهم غير ظاهر ، كما أن مستحق الزكاة ظاهر وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر ، ولا أحد يقول في الزكاة إنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقها. ولو إن إنسانا استعمل الاحتياط وعمل على الأقوال المتقدم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوما ، فأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الأول فهو ضد الاحتياط والأولى اجتنابه حسبما قدمناه. انتهى. ويفهم من فحوى كلامه تجويز القول الأول على كراهة.

__________________

(١) ص ٤٢٨.

(٢) بمقتضى الخبر المتقدم ص ٤٣٧.

٤٣٩

وبمثل هذا الكلام صرح في المبسوط إلا أنه منع من الوجه الأول وقال لا يجوز العمل عليه ، وقال في الوجه الأخير : وعلى هذا يجب أن يكون العمل وإن عمل عامل على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس. انتهى.

ومبنى كلامه وكذا كلام شيخنا المفيد على أن المسألة المذكورة وما يجب العمل به فيها زمن الغيبة غير منصوص والاحتمالات فيها متعددة فيؤخذ بكل ما كان أقرب إلى الاحتياط من تلك الاحتمالات. وستعرف إن شاء الله تعالى ما فيه ، وقد تقدم في كلام الشيخ المفيد تصويب ما اختاره الشيخ هنا.

الخامس ـ كسابقه بالنسبة إلى حصة الأصناف وصرفها عليهم وأما حقه (عليه‌السلام) فيجب حفظه إلى أن يوصل إليه ، وهو مذهب أبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس واستحسنه العلامة في المنتهى واختاره في المختلف.

وشدد أبو الصلاح في المنع من التصرف في ذلك فقال : فإن أخل المكلف بما يجب عليه من الخمس وحق الأنفال كان عاصيا لله سبحانه ومستحقا لعاجل اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وآجل العقاب لكونه مخلا بالواجب عليه لا فضل مستحق ، ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها لأن فرض الخمس والأنفال ثابت بنص القرآن (١) والإجماع من الأمة وإن اختلف في من يستحقه ، ولإجماع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على ثبوته وكيفية استحقاقه وحمله إليهم وقبضهم إياه ومدح مؤديه وذم المخل به ، ولا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الأخبار. انتهى.

وقال العلامة في المختلف ـ بعد نقل القول بالإباحة عن سلار وإيراد جملة من الأخبار الدالة على ذلك في زمن الحضور فضلا عن زمن الغيبة ـ ما صورته : واعلم

__________________

(١) أما الخمس فبقوله تعالى في سورة الأنفال الآية ٤٣ «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ...» وأما الأنفال فبقوله تعالى في سورة الأنفال الآية ٢ «قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ».

٤٤٠