الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

(عليهم‌السلام) فالأبناء هم الحسن والحسين والنساء هي فاطمة و «أَنْفُسَنا» إشارة إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١). الحديث».

ومنها ـ ما رواه الشيخ المفيد (قدس‌سره) في كتاب الاختصاص (٢) في حديث طويل عن الكاظم عليه‌السلام مع الرشيد أيضا قال فيه : «وإني أريد أن أسألك عن مسألة فإن أجبتني أعلم أنك قد صدقتني وخليت عنك ووصلتك ولم أصدق ما قيل فيك. فقلت ما كان علمه عندي أجبتك فيه. فقال لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنتم ولد علي وفاطمة إنما هي وعاء والولد ينسب إلى الأب لا إلى الأم؟ فقلت إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة فعل فقال لست أفعل أو تجيب ، فقلت فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شي‌ء فقال لك الأمان. فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى» (٣) فمن أبو عيسى؟ فقال ليس له أب إنما خلق من كلام الله (عزوجل) وروح القدس. فقلت إنما ألحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم وألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي. فقال أحسنت يا موسى زدني من مثله. فقلت اجتمعت الأمة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم‌السلام) فقال الله تبارك وتعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (٤) فكان تأويل «أَبْناءَنا» الحسن والحسين و «نِساءَنا» فاطمة و «أَنْفُسَنا» علي بن أبي طالب (عليه‌السلام). فقال أحسنت. الحديث».

__________________

(١) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(٢) ص ٥٥ و ٥٦.

(٣) سورة الأنعام الآية ٨٥ و ٨٦.

(٤) سورة آل عمران الآية ٥٥.

٤٠١

أقول : لا يخفى عليك ما في هذا الخبر والذي قبله من الدلالة الظاهرة على خلاف ما دلت عليه مرسلة حماد المتقدمة دليلا للقول المشهور ، فإنه عليه‌السلام حكم في تلك المرسلة بأن المرء إنما ينسب إلى أبيه واستدل بقوله عزوجل «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» (١) وفي هاتين الروايتين لما أورد عليه الرشيد ذلك الموجب لعدم جواز نسبتهم بالبنوة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله احتج عليه‌السلام في الرواية الأولى بعدم جواز نكاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كريمته الموجب لكونه ابنه حقيقة كما تضمنته الآية المتقدمة ، وفي كلتا الروايتين بآية عيسى وآية المباهلة ، ولو كانت البنوة في هذه المواضع إنما هي على جهة المجاز فكيف تصلح هذه الآيات للاستدلال؟ وكيف يسلم الخصم تلك الدعوى؟ بل كيف يعترض الرشيد وغيره عليهم بتسمية الناس لهم أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مجازا وباب المجاز واسع ، فلو لا أن المخالفين عالمون بدعواهم (عليهم‌السلام) البنوة الحقيقية وأن الناس إنما أرادوا بذلك كونهم أبناء حقيقة لما كان لهذا الاعتراض وجه بالكلية ، لما عرفت من أن المجاز لا مشاحة فيه ولا يوجب فخرا ولا يخلد ذكرا ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر تمام الظهور لمن سلمت عين بصيرته من الخلل والفتور ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

ومنها ـ ما رواه العياشي في تفسيره (٢) عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له ما الحجة في كتاب الله إن آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هم أهل بيته؟ قال قول الله تبارك وتعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ـ وآل محمد ـ هكذا نزلت (٣) على العالمين (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤)

__________________

(١) سورة الأحزاب الآية ٦.

(٢) ج ١ ص ١٦٩ و ١٧٠.

(٣) الأدلة العقلية والنقلية متوفرة على عدم وقوع أي تحريف بالمعنى المعروف في القرآن ، وما ورد من الأخبار من هذا القبيل ليس المراد منه النزول على وجه القرآنية راجع البيان ج ١ لسماحة الأستاذ آية الله الخوئي دام ظله ص ١٣٦ إلى ١٨١ وقد برهن فيه على أنه ليس من مذهب الشيعة القول بتحريف القرآن.

(٤) سورة آل عمران الآية ٣٢ و ٣٣.

٤٠٢

ولا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم. وقال : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور (١) وآل عمران وآل محمد».

ومنها ـ ما رواه الصدوق في العيون (٢) والمجالس عن الرضا عليه‌السلام في باب مجلس الرضا مع المأمون في الفرق بين العترة والأمة ، والحديث طويل قال عليه‌السلام في جملته «وأما العاشرة فقول الله عزوجل في آية التحريم : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ... الآية» (٣) فأخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا لا. قال فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا نعم. قال ففي هذا بيان لأني من آله ولستم من آله ولو كنتم من آله لحرم عليه بناتكم كما حرم عليه بناتي لأني من آله وأنتم من أمته ، فهذا فرق ما بين الآل والأمة لأن الآل منه والأمة إذا لم تكن من الآل ليست منه ، فهذه العاشرة. وأما الحادية عشرة فقوله عزوجل في سورة المؤمن. وساق الكلام إلى أن قال عليه‌السلام : وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بولادتنا منه. الحديث».

ومنها ـ قوله في الخبر المذكور (٤) حين ادعى الحاضرون أن الآل هم الأمة : «أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا نعم. قال فتحرم على الأمة؟ قالوا لا. قال هذا فرق بين الآل والأمة. الحديث».

والتقريب فيه أن كل من انتسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمه فإنه داخل في آله لما ورد من تفسير الآل بالذرية في خبر وبمن حرم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحه في خبر آخر (٥) ومتى دخل في الآل حرمت عليه الصدقة بنص الخبر المذكور مع

__________________

(١) سورة سبأ الآية ١٣ والكلام في التتمة كما تقدم في التعليقة ٣ ص ٤٠٢.

(٢) ج ١ ص ٢٣٩ الطبع الحديث وفي المجالس ص ٣١٨.

(٣) سورة النساء الآية ٢٨.

(٤) العيون ص ٢٢٩ والمجالس ٣١٣.

(٥) راجع التعليقة ١ و ٢ ص ٤٠٥.

٤٠٣

إن خبر حماد بن عيسى دل على حل الصدقة لمن انتسب إلى هاشم بالأم الموجب لإخراجه من الآل والذرية.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في أبواب الزيارات (١) بسنده عن بعض أصحابنا قال : «حضرت أبا الحسن الأول عليه السلام وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة وقد جاءوا إلى قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال هارون لأبي الحسن عليه‌السلام تقدم فأبى فتقدم هارون فسلم وقام ناحية فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن عليه‌السلام تقدم فأبى فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون فقال جعفر لأبي الحسن عليه‌السلام تقدم فأبى فتقدم جعفر فسلم ووقف مع هارون فتقدم أبو الحسن عليه‌السلام وقال السلام عليك يا أبت أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلي عليك. فقال هارون لعيسى سمعت ما قال؟ قال : نعم. فقال هارون أشهد أنه أبوه حقا». فانظر أيدك الله إلى شهادة هارون بأبوته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) له عليه‌السلام حقا وأي مجال للحمل على المجاز في ذلك؟

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه والشيخ في كتابيه بطرق عديدة ومتون متقاربة عن عائذ الأحمسي (٢) قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : وعليك السلام إي والله إنا لولده وما نحن بذوي قرابته. الحديث».

أقول : انظر إلى صراحة كلامه عليه‌السلام في المطلوب والمراد وقسمه على ذلك برب العباد وأنه ليس انتسابهم إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمجرد القرابة كما يدعيه ذوو العناد والفساد ومن تبعهم من أصحابنا ممن حاد في المسألة عن طريق السداد حيث حملوا لفظ الابنية في حقهم (عليهم‌السلام) على المجاز وهي ظاهرة بل صريحة كما ترى في

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٣١٦ وفي الوسائل الباب ٦ من المزار.

(٢) الفروع ج ١ ص ١٣٧ وفي الوسائل الباب ١٧ من أعداد الفرائض ونوافلها.

٤٠٤

إرادة البنوة الحقيقية لا مسرح للعدول عنها والجواز.

ومجمل القول في هذه الأخبار ونحوها أنها قد دلت على دعواهم (عليهم‌السلام) البنوة له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وافتخارهم بذلك وأن المخالفين أنكروها عليهم ، وهم (عليهم‌السلام) قد استدلوا على إثباتها بالآيات القرآنية كما مرت ، ولو لا أن المراد بالبنوة الحقيقية لما كان لما ذكر من هذه الأمور وجه ، لأن المجاز لا يوجب الافتخار ولا يصلح أن يكون محلا للمخاصمة والجدال وطلب الأدلة وإيراد الآيات دليلا عليه بل هذه الأشياء إنما تترتب على المعنى الحقيقي كما أشرنا إليه آنفا ، ولكن أصحابنا (رضوان الله عليهم) لم يعطوا المسألة حقها من التتبع لأخبارها والتطلع في آثارها فوقعوا في ما وقعوا فيه.

الثالث ـ أن جملة الأخبار التي وقفت عليها بالنسبة إلى مستحقي الخمس عدا مرسلة حماد المتقدمة إنما تضمنت التعبير عنهم بكونهم آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو ذريته أو عترته أو ذوي قرابته أو أهل بيته أو نحو ذلك من الألفاظ التي لا تناكر في دخول المنتسب بالأم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ، فإن معنى الآل على ما رواه الصدوق في معاني الأخبار (١) عن الصادق عليه‌السلام من حرم على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحه ، وفي رواية أخرى (٢) فسره بالذرية ، ولا ريب أيضا في صدق الذرية على من انتسب بالأم للآية الدالة على كون عيسى من ذرية نوح عليه‌السلام (٣).

وحينئذ فإذا كان التعبير عن مستحق الخمس في الأخبار إنما وقع بهذه الألفاظ التي لا إشكال في دخول المنتسب بالأم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها فإنه لا مجال لنزاع القوم في هذه المسألة باعتبار عدم صدق البنوة على من انتسب إلى هاشم بالأم ، لأن علة النسبة إلى هاشم لم نقف عليها إلا في المرسلة المتقدمة حيث قال فيها (٤) : «وهؤلاء الذين

__________________

(١) ص ٩٣ و ٩٤ الطبع الحديث.

(٢) ص ٩٤ الطبع الحديث.

(٣) وهي قوله تعالى «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ . إلى قوله تعالى وَعِيسى» سورة الأنعام الآية ٨٥ و ٨٦.

(٤) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

٤٠٥

جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين ذكرهم الله تعالى فقال «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (١) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى. إلى أن قال : ومن كانت أمه من بني هاشم. إلى آخر ما تقدم» وكذا ما في رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم». والثاني لا صراحة فيه بل ولا ظاهرية في المنع من ما ندعيه ، لأن النسبة إلى هاشم تصدق بكونه من الذرية وهي حاصلة بالانتساب بالأم كما عرفت ، فلم يبق إلا المرسلة المتقدمة وموضع المنافاة فيها وهو الصريح في المنافاة إنما هو قوله «ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له ...» وإلا فتفسيرهم بالقرابة وأنهم بنو عبد المطلب لا صراحة فيه ولا ظهور بعد ما حققناه آنفا ، فإنا قد أثبتنا بالآيات القرآنية والروايات المتقدمة حصول البنوة بالأم.

وتعلق الخصم بعدم صدق الابنية الحقيقية ـ وأنه لا يقال تميمي ولا حارثي إلا إذا انتسب إلى تميم وإلى حارث بالأب والاستناد إلى ذلك الشعر المنقول في مقابلة ما ذكرناه من المنقول ـ غير معقول عند ذوي الألباب والعقول بل هو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت لما شرحناه وأوضحناه في ذيل تلك الآيات والروايات.

ويزيده إيضاحا وبيانا دلالة جملة من الأخبار على صحة نسبتهم (عليهم‌السلام) بل جميع الذرية إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأن يقال محمدي كما يقال علوي.

ومن ذلك ما رواه في الكافي (٣) في باب ما نص الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على الأئمّة واحدا فواحدا بسند صحيح عن عبد الرحيم بن روح القصير عن

__________________

(١) سورة الشعراء الآية ٢١٥.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من المستحقين للزكاة.

(٣) الأصول ج ١ ص ٢٨٨.

٤٠٦

أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١) ثم ساق الحديث الدال على اختصاص الإمامة بهم (عليهم‌السلام). إلى أن قال : «فقلت له : هل لولد الحسن عليه‌السلام فيها نصيب؟ فقال لا والله يا عبد الرحيم ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا».

وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار (٢) عن حمزة ومحمد ابني حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال فيه بعد ذكر حمران لعقيدته في الإمامة ما صورته : «يا حمران مد المطمر بينك وبين العالم ـ قلت يا سيدي وما المطمر؟ قال أنتم تسمونه خيط البناء ـ فمن خالفك على هذا الأمر فهو زنديق. فقلت وإن كان علويا فاطميا؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام وإن كان محمديا علويا فاطميا». وهما صريحان كما ترى في صحة النسبة إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأن كل من كان من ذريته وأبناء ابنته فهو محمدي. وبه يظهر أن ما ذكروه من أنه لا تصح النسبة إليه إلا إذا انتسب بالأب كلام شعري لا تعويل عليه.

ومن ما يؤكد ذلك ما رواه في الكافي (٣) في حديث طويل في باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في الإمامة عن أبي جعفر عليه‌السلام وهو طويل قال في آخره : «الله بيننا وبين من هتك سترنا وجحدنا حقنا وأفشى سرنا ونسبنا إلى غير جدنا وقال فينا ما لم نقله في أنفسنا».

ومن ما يدل على صحة الانتساب بالأم زيادة على ما قدمنا ما رواه العياشي في تفسيره (٤) والبرقي في المحاسن (٥) عن بشير الدهان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : والله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم من قبل النساء. ثم تلا (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ). إلى آخر الآيتين (٦) وذكر عيسى (عليه‌السلام).

__________________

(١) سورة الأحزاب الآية ٧.

(٢) ص ٢١٢ الطبع الحديث.

(٣) الأصول ج ١ ص ٣٥٦ و ٣٥٧.

(٤) ج ١ ص ٣٦٧.

(٥) ج ١ ص ١٥٦.

(٦) سورة الأنعام الآية ٨٥ و ٨٦.

٤٠٧

وأما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في قرينة المجاز ـ من صحة السلب في قول القائل : هذا ليس ابني بل ابن بنتي أو ابن ابني ـ فمردود بأنه غير مسلم على إطلاقه فإنا لا نسلم سلب الولدية حقيقة ، إذ حاصل المعنى بقرينة الإضراب أن مراد القائل المذكور أنه ليس بولدي بلا واسطة بل ولدي بالواسطة ، فالمنفي حينئذ إنما هو كونه ولده من غير واسطة والولد الحقيقي عندنا أعمّ منهما ، ولو قال ذلك القائل ليس بولدي من غير الإتيان بالإضراب منعنا صحة السلب.

وبالجملة فإنه لم يبق هنا شي‌ء ينافي ما حققناه إلا قوله في المرسلة المذكورة «ومن كانت أمه من بني هاشم ...» ولو أنا نجري على قواعدهم في هذا الاصطلاح لكان لنا أن نقول أنه لا ريب أن هذه الرواية ضعيفة السند لا تقوم بمعارضة ما ذكرناه من الآيات والأخبار التي فيها الصحيح وغيره ، والجمع بين الأخبار إنما يصار إليه مع التكافؤ سندا وقوة وإلا فتراهم يطرحون المرجوح من البين.

وأما على ما هو المختار عندنا من صحة جميع الأخبار فالجواب عن ذلك أنه لا ريب أن مقتضى القواعد المقررة عن أصحاب العصمة (عليهم‌السلام) أنه مع اختلاف الأخبار يجب عرضها على القرآن والأخذ بما وافقه ورمي ما خالفه (١) وكذا ورد أيضا العرض على مذهب العامة والأخذ بما خالفه وطرح ما وافقه (٢).

ولا ريب بمقتضى ما قدمناه من الآيات والروايات والتحقيق في المقام أن ما تضمنته هذه المرسلة مخالف للقرآن ومطابق للعامة ، وحينئذ فبمقتضى هاتين القاعدتين يجب طرح ما خالف في هذه الرواية المذكورة.

أما مخالفتها للقرآن فظاهر لما عرفت من دلالتها على عدم دخول ابن البنت في الابن الحقيقي وإجراء أحكام الابن الحقيقي عليه لأن الولد إنما ينسب إلى أبيه ، مع دلالة الآيات القرآنية والأخبار المتقدمة على دخوله في الابن الحقيقي كما عرفت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.

٤٠٨

وأما موافقتها للعامة فلما عرفت من كلام السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) المتقدم وقوله فيه «وأما مخالفونا فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة وفيهم من وافق» ولما عرفت من رواية أبي الجارود وحديثي الكاظم (عليه‌السلام) مع الرشيد.

على أنه لو تم العمل على هذه الرواية للزم خروجهم (عليهم‌السلام) عن أن يكونوا آله وذريته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما تقوله العامة ، وهو من ما لا يقول به أحد من الإمامية لأن ظاهر هذه الرواية أن المنتسب بالأم خاصة حكمه حكم سائر الأجانب وأن نسبته بالأم في حكم العدم وإنما الاعتبار بالأب للآية التي ذكرها مع أنك عرفت من تفسير الآل والذرية ما يوجب دخوله ، ويزيده بيانا ما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في الحديث الطويل المروي في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) (١) في الفرق بين آل النبي وذريته وبين الأمة فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.

وبالجملة فإنه قد تلخص بما ذكرناه أن وجه المخالفة في هذه الرواية الموجب لطرحها ناشئ من أمرين : أحدهما ـ دلالتها على نفي الابنية عن ولد البنت وقد عرفت من الآيات والروايات المتقدمة ثبوتها. وثانيهما ـ أن المستفاد من ما قدمناه من الأخبار أن من انتسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمه فهو من آله وكل من كان من آله حرمت عليه الصدقة ، ينتج من ذلك أن كل من انتسب إليه بأمه تحرم عليه الصدقة ، دليل الصغرى ما قدمناه من الخبر المنقول من معاني الأخبار في معنى الآل ، ودليل الكبرى الخبر الذي قدمناه في الفرق بين العترة والأمة ، ومتى ثبت تحريم الصدقة عليه حل له الخمس إذ لا ثالث لهذين القسمين بالاتفاق نصا وفتوى ، كما يدل عليه أيضا آخر حديث حماد بن عيسى (٢) الذي احتج به الخصم فليلاحظ.

ومن ما يؤكد موافقة ما تضمنه الخبر المذكور للعامة أيضا ما نقله الفقيه محمد

__________________

(١) ج ١ ص ٢٢٨ الطبع الحديث.

(٢) ص ٣٨٥.

٤٠٩

ابن طلحة الشامي الشافعي في كتابه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) قال : وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى آل الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكان لا يذكرهم إلا وهو يقول هم أبناء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وذريته ، فنقل عنه ذلك إلى الحجاج بن يوسف وتكرر ذلك منه وكثر نقله عنه فأغضبه ذلك من الشعبي ونقم عليه ، فاستدعاه الحجاج يوما وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما ، فلما دخل الشعبي عليه لم يهش له ولا وفاه حقه من الرد عليه ، فلما جلس قال يا شعبي ما أمر يبلغني عنك فيشهد عليك بجهلك؟ قال ما هو يا أمير؟ قال ألم تعلم أن أبناء الرجل هل ينسبون إلا إليه والأنساب لا تكون إلا بالآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي (عليه‌السلام) أبناء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وذريته؟ وهل لهم اتصال برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا بأمهم فاطمة (عليها‌السلام) والنسب لا يكون بالبنات وإنما يكون بالأبناء؟ فأطرق الشعبي ساعة حتى بالغ الحجاج في الإنكار عليه وقرع إنكاره مسامع الحاضرين والشعبي ساكت ، فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه فرفع الشعبي رأسه فقال يا أمير ما أراك إلا متكلما بكلام من يجهل كلام الله تعالى وسنة نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو يعرض عنهما. فازداد الحجاج غضبا منه وقال المثلي تقول هذا يا ويلك؟ قال الشعبي نعم هؤلاء قراء المصرين وحملة الكتاب العزيز فكل منهم يعلم ما أقول ، أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده «يا بَنِي آدَمَ» (٢) وقال «يا بَنِي إِسْرائِيلَ» (٣) وقال عن إبراهيم : «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ... إلى أن قال وَعِيسى» (٤)؟ فترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وإسرائيل نبي الله وإبراهيم خليل الله بأيّ آبائه

__________________

(١) ص ٤.

(٢) سورة الأعراف الآية ٢٦ و ٢٧ و ٣٠ و ٣٤.

(٣) سورة البقرة الآية ٣٩ و ٤٥ و ١١٧.

(٤) سورة الأنعام الآية ٨٥ و ٨٦.

٤١٠

كان أو بأيّ أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريم؟ وقد صح النقل عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «ابني هذا سيد». فلما سمع ذلك منه أطرق خجلا ثم عاد يتلطف بالشعبي واشتد حياؤه من الحاضرين. انتهى.

أقول : ولعل إلى مثل الشعبي أشار سيدنا المرتضى في عبارته بقوله : «وفيهم من وافق».

الرابع ـ أن الظاهر أن معظم الشبهة عند من منع في هذه المسألة من تسمية المنتسب بالأم ولدا بالنسبة إلى جده من أمه هو أنه إنما خلق من ماء الأب والأم إنما هي ظرف ووعاء كما سمعته من كلام الرشيد للكاظم (عليه‌السلام) في الحديثين المتقدمين وإليه يشير كلام الحجاج ، ولعل الذي استند إليه الأصحاب مبني على ذلك. وهو في البطلان أظهر من أن يحتاج إلى بيان لدلالة الآيات الشريفة والأخبار المنيفة على أنه مخلوق من مائهما معا كقوله عزوجل «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ» (١) أي صلب الرجل وترائب المرأة ، وقوله عزوجل «مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ» (٢) أي مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة ، ودلالة جملة من الأخبار على أن مشابهة الولد لأمه ومن يتقرب بها تارة ولأبيه ومن يتقرب به أخرى باعتبار سبق نطفة كل منهما ، فإن سبقت نطفة الرجل أشبه الولد الأب أو من يتقرب به ، وإن سبقت نطفة الأم أشبه الولد أمه أو من يتقرب بها.

هذا. وممن وافقنا على هذه المقالة فاختار ما اخترناه ورجح ما رجحناه المحقق المدقق المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول ، حيث قال في شرح حديث أبي الجارود المتقدم عند قوله في الخبر «ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما صورته : أي ابناه حقيقة من صلبه ، إذ لا نزاع في إطلاق الابن والبنت والولد والذرية على ولد البنت ، وإنما النزاع في أن هذا الإطلاق

__________________

(١) سورة الطارق الآية ٨.

(٢) سورة الدهر الآية ٣.

٤١١

من باب الحقيقة أو المجاز ، فذهب طائفة من أصحابنا ومنهم السيد المرتضى إلى الأول ، وذهب طائفة منهم ومنهم الشهيد الثاني وجمهور العامة إلى الثاني ، وتظهر الفائدة في كثير من المواضع كإطلاق السيد وإجراء أحكام السيادة والنذر لأولاد الأولاد والوقف عليهم ، والظاهر هو الأول للآيات والروايات وأصالة الحقيقة وضعف هذه الرواية بأبي الجارود الذي تنسب إليه الجارودية لا يضر لأن المتمسك هو الآية ، ودلالة الآيتين الأولتين على المطلوب ظاهرة والثالثة صريحة. واحتمال التجوز غير قادح لإجماع أهل الإسلام على أن ظاهر القرآن لا يترك إلا بدليل لا يجامعه بوجه. وما روي عن الكاظم عليه‌السلام (١) وهو مستند المشهور على تقدير صحة سنده حمله على التقية ممكن ، واستناده باستعمال اللغة غير تام لأن اللغة لا تدل على مطلوبه ، قال في القاموس : وولدك من دمي عقبيك أي من نفست به فهو ابنك. فليتأمل. انتهى كلامه (علت في الخلد أقدامه).

أقول : قد عرفت أن رواية حماد المشار إليها ضعيفة بالإرسال ، ولهذا إن شيخنا الشهيد الثاني لم يعتمد عليها في الاستدلال وإنما اعتمد على ما ادعوه من حمل ذلك الإطلاق على المجاز بدعوى أن اللغة والعرف مساعدان لما يدعونه ، وقد عرفت من ما قدمناه إن ما استدللنا به غير مقصور على هذه الرواية وإن كانت باصطلاحهم قاصرة بل الآيات والروايات به متظافرة متظاهرة.

وممن اختار هذا القول أيضا المحدث الفاضل السيد نعمة الله الجزائري (طاب ثراه وجعل الجنة مثواه) في شرح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إن ابني هذا سيد» (٢) من كتاب عوالي الليالي ، حيث قال : وفي قوله «ابني هذا» نص على أن ولد البنت ابن على الحقيقة والأخبار به مستفيضة ، وذكر الرضا (عليه‌السلام) في مقام المفاخرة مع المأمون أن ابنته عليه‌السلام تحرم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بآية «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ

__________________

(١) وهو مرسل حماد المتقدم ص ٣٩٤.

(٢) راجع مفتاح كنوز السنة مادة «حسن» وقد تقدم في حديث الشعبي ص ٤١١.

٤١٢

أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ» (١) وإليه ذهب السيد المرتضى (طاب ثراه) وجماعة من أهل الحديث ، وهو الأرجح والظاهر من الأخبار ، فيكون من أمه علوية سيدا يجري عليه ما يكون للعلويين. وإن وجد ما يعارض الأخبار الدالة على ما ذكرناه فسبيله إما الحمل على التقية أو التأويل كما فصلنا الكلام فيه في شرحنا على التهذيب والإستبصار. انتهى. وأشار (قدس‌سره) بحديث الرضا عليه‌السلام مع المأمون في المفاخرة إلى ما قدمنا نقله عن كتابي العيون والمجالس. (٢)

وممن صرح بهذه المقالة أيضا المحدث الصالح شيخنا الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (عطر الله مرقده) حيث قال في جواب سؤال عن هذه المسألة فأجاب بما ملخصه ـ ومن خطه نقلت وهو طويل قد كتبه على طريق الاستعجال وتشويش من البال كما ذكره فانتخبنا ملخصه ، قال ـ : إنه قد تحقق عندي وثبت لدي بأدلة قطعية عليها المدار والمعتمد من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكفي بهما حجة مع اعتضادهما بالدليل العقلي إن أولاد البنات أولاد لأبي البنت حقيقة لا مجازا خلافا للأكثر من علمائنا ووفاقا للسيد المرتضى وأتباعه وهم جماعة من المتأخرين كما حققته في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه مبسوطا منقحا بحيث لا يختلجني فيه الرين ولا يتطرق إلى فيه المين ، ولكن حيث طلبت بيان الدليل فلنشر الآن إلى شي‌ء قليل. ثم ذكر آية عيسى عليه‌السلام وأنه من ذرية نوح عليه‌السلام (٣) وذكر آية «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» (٤) إلى أن قال : ويدل عليه ما رواه الكليني في الكافي في صحيح محمد بن مسلم. ثم ساق الرواية كما قدمناه (٥) ثم قال : فقد وضح من هذا أن الجد من الأم أب حقيقة لا مجازا. ثم ذكر آيتي «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ» (٦) وقوله «مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ» (٧) وعضدهما بالأخبار التي أشرنا إليها آنفا ، ثم أضاف

__________________

(١ و ٤) سورة النساء الآية ٢٨.

(٢) ص ٤٠٣.

(٣) ص ٤٠١.

(٥) ص ٣٩٩.

(٦) سورة الطارق الآية ٨.

(٧) سورة الدهر الآية ٣.

٤١٣

إلى ذلك أنه لو اختص الولد بنطفة الرجل لم يكن العقر من جانب المرأة وإنما يكون من جانب الرجل خاصة مع أنه ليس كذلك. ثم قال : وأما السنة فالأخبار فيها أكثر من أن تحصى ، ومنها ما سبق ، ومنها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ما تواتر عندنا للحسنين (عليهما‌السلام) (١) «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا». وقوله للحسين عليه‌السلام (٢) «ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام». وبالجملة فتسميتهما (عليهما‌السلام) ابنين وكونهما وجميع أولادهما التسعة المعصومين (عليهم‌السلام) يسمونه صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا وخطاب الأمة إياهم بذلك من غير أن ينكر أمر متواتر ، حتى أنه قد روى الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه بإسناديهما الصحيح عن عائذ الأحمسي. ثم ساق الرواية كما قدمنا (٣) بزيادة «ثلاث مرات» بعد قوله «والله إنا لولده وما نحن بذوي قرابته» قال : ولا وجه لتقرير السائل على ما فعله وقسمه عليه‌السلام بالاسم الكريم وتكرير ذلك ثلاثا للتأكيد لأنه في مقام الإنكار ، ونفيه انتسابهم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة القرابة بل من جهة الولادة دليل واضح وبرهان لائح على أنهم أولاد حقيقة وليس كونهم أولاده إلا من جهة أمهم لا من أبيهم ، فما ادعاه الأكثر من علمائنا ـ من أن تسميته صلى‌الله‌عليه‌وآله إياهم أولادا وتسميتهم (عليهم‌السلام) إياه صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا مجاز ـ لا حقيقة له بعد ذلك. وقولهم ـ إن الإطلاق أعمّ من الحقيقة والمجاز ـ كلام شعري لا يلتفت إليه ولا يعول عليه بعد ثبوت ذلك ، ولو كان الأمر كما ذكروه لما جاز لأئمتنا (عليهم‌السلام) الرضا بذلك إذا خاطبهم من لا يعرف كون هذا الإطلاق حقيقة ولا مجازا لأن فيه إغراء بما لا يجوز ، مع أنه لا يجوز لأحد أن ينتسب لغير نسبه أو يتبرأ من نسب وإن دق فكيف بعد القسم

__________________

(١) ارجع إلى التعليقة ١ ص ٣٩٥.

(٢) هذا المضمون ورد في البحار ج ٩ ص ١٤١ إلى ص ١٥٩ إلا أني لم أعثر عليه بلفظ «ابني» وإنما الموجود بلفظ «أنت» ونحوه.

(٣) ص ٤٠٤.

٤١٤

والتأكيد ودفع ما عساه أن يتوهم. وأما قول الشاعر :

«بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد»

فقول بدوي جاهل لا يثمر حجة ولا يوضح محجة ، فلا يجوز الاستدلال به في معارضة القرآن والحديث والدليل العقلي. أما استدلال بعض فقهائنا بصحة السلب ـ في قول أب الأم لولدها لمن سأله «هذا ابنك أم لا؟» فإنه يصح أن يقول «هذا ليس بابني بل ابن بنتي» ـ فكلام ساقط عن درجة الاعتبار وخارج عن الأدلة الواضحة المنار ، لأنه إن كان مراد السائل من كونه ابنه لصلبه بلا واسطة صح السلب ولا ضرر فيه ، وإلا فهو عين المتنازع ونحن نقول لا يصح سلبه لما أثبتناه من الأدلة ، مع أنه بعينه جار في ولد الولد الذي لا نزاع فيه والفرق بينهما لا يمكن إنكاره ، وعلى هذا فقد تبين لك الجواب وأن من كانت أمه علوية أو أم أبيه أو أم أمه أو أم أم أبيه فقط أو أم أم أمه فصاعدا وأبوه من سائر الناس أنه علوي حقيقة وفاطمي إن كان منسوبا إلى جده أو جدته أبا أو أما إلى فاطمة بغير شك ، ويترتب عليه كل ما يترتب على السيادة من جواز الانتساب إليهم (عليهم‌السلام) والافتخار بهم بل لا يجوز إخفاؤه والتبري منه لما عرفت ، وعلى هذا فيجوز النسبة في اللباس وغير ذلك. نعم عندي توقف في استحقاق الخمس لحديث رواه الكليني في الكافي (١) وإن كان خبرا واحدا ضعيف الإسناد محتملا للتقية وأن الترجيح لعدم العمل به للأدلة الصحيحة الصريحة المتواترة الموافقة للقرآن المخالفة للعامة ، إلا أن التنزه عن أخذ الخمس أولى خصوصا عند عدم الضرورة والعلم عند الله. وكتب خادم المحدثين وتراب أقدام العلماء والمتعلمين العبد الجاني عبد الله بن صالح البحراني بضحوة يوم الإثنين من الثاني والعشرين من ربيع الثاني السنة الرابعة والثلاثين بعد المائة والألف بالمشهد الحسيني على مشرفه السلام حامدا مصليا مسلما. انتهى.

__________________

(١) وهو مرسل حماد في الوسائل الباب ٣٠ من المستحقين للزكاة والباب ١ من قسمة الخمس.

٤١٥

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد إلا أن توقفه أخيرا في جواز أخذ الخمس للرواية المشار إليها وهي مرسلة حماد المتقدمة لا وجه له ، وذلك لأنه قد علل فيها عدم جواز أخذ الخمس بعدم صحة النسبة بالبنوة كما ينادي به استدلاله (عليه‌السلام) بالآية «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» (١) وهو (قدس‌سره) قد صرح في صدر كلامه بأن ثبوت البنوة قد تحقق عنده وثبت لديه بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة والدليل العقلي واعترف أخيرا بأنها مخالفة للقرآن وموافقة للعامة ، وبذلك يتعين وجوب طرحها بغير إشكال ولا ريب. نعم لو كانت الرواية قد منعت من الخمس بقول مجمل من غير ذكر هذه العلة لربما أمكن احتمال ما ذكره ، ولكن مع وجود العلة وظهور بطلانها بما ذكر من الأدلة يبطل ما يترتب عليها. على أن هذا الكلام خلاف المعهود من طريقته في غير مقام بل طريقة جملة العلماء الأعلام ، فإنه متى ترجح أحد الدليلين ولا سيما بمثل هاتين القاعدتين المنصوصتين فإنهم يرمون بالدليل المرجوح ويطرحونه كما صرحت به النصوص من أن ما خالف القرآن يضرب به عرض الحائط وما وافق العامة يرمى به (٢) وليت شعري أي حكم من الأحكام سلم من اختلاف الأخبار؟ مع أنهم في مقام الترجيح لأحد الخبرين يفتون به ويرمون الآخر ، ولا سيما ما نحن فيه لما عرفت من الأدلة الظاهرة والبراهين الباهرة كتابا وسنة المعتضدة بمخالفة العامة.

وبالجملة فكلامه (قدس‌سره) وتوقفه لا أعرف له وجها ، وكأنه تبع في ذلك شيخه العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس‌سره) فإنه كان يرجح مذهب السيد المرتضى في هذه المسألة ولكن يمنع المنتسب بالأم من الخمس والزكاة احتياطا ، والظاهر أنه جرى على ما جرى عليه.

وظاهر صاحب المدارك أيضا التوقف في أصل المسألة وكذا ظاهر المولى

__________________

(١) سورة الأحزاب الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز إن يقضي به.

٤١٦

الفاضل الخراساني في الذخيرة ، ولعمري إن من سرح بريد نظره في ما ذكرناه وأرسل رائد فكره في ما سطرناه لا يخفى عليه صحة ما اخترناه ولا رجحان ما رجحناه وإن خلاف من خالف في هذه المسألة أو توقف من توقف إنما نشأ عن عدم إعطاء التأمل حقه في أدلة المسألة والتدبر فيها ، ولم أقف على من أحاط بما ذكرناه من الأدلة والأخبار الواردة في هذا المضمار. وبالجملة فالحكم عندي فيها أوضح واضح والصبح فاضح.

فإن قيل : أنه قد روى الصدوق في الفقيه عن ثعلبة بن ميمون عن عبد الله بن هلال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل يتزوج ولد الزنا فقال لا بأس إنما يكره مخافة العار وإنما الولد للصلب وإنما المرأة وعاء. الحديث». وهذا بظاهره مناف لما ذكرتموه سابقا من جواز انتساب الولد إلى جده لأمه بالبنوة ومؤيد لما ذكره الخصم من أنه لا ينسب إلا إلى أبيه الذي بلا فصل.

وقد روى الصدوق أيضا في كتاب عيون الأخبار (٢) في باب علل محمد بن سنان التي نقلها عن الرضا عليه‌السلام قال : وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قول الله عزوجل «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ» (٣) مع أنه المأخوذ بمئونته صغيرا وكبيرا والمنسوب إليه والمدعو له لقول الله عزوجل «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ» (٤) ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت ومالك لأبيك. انتهى. والتقريب ما تقدم.

فالجواب : أما عن الأول فبأنك قد عرفت بما قدمناه دلالة الآيات والأخبار على أن الولد مخلوق من نطفتي الرجل والمرأة ، والقول بأن المرأة وعاء محض يعني

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من ما يحرم بالمصاهرة.

(٢) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

(٣) سورة الشورى الآية ٤٩.

(٤) سورة الأحزاب الآية ٦.

٤١٧

ليس لها مدخل ولا شراكة في خلق الولد مخالف لظاهر القرآن والسنة المتفق عليها وكل ما كان كذلك يجب طرحه بالأخبار المستفيضة عنهم (عليهم‌السلام) بأن ما خالف الكتاب والسنة يضرب به عرض الحائط (١) ويؤكد ذلك موافقة الخبر للعامة القائلين بذلك كما عرفت (٢) وحينئذ فما هذا سبيله لا يعترض به ولا يقوم حجة ، وعلى هذا فيمكن حمل الخبر المذكور على التقية بالنسبة إلى هذه العبارة.

ويمكن أن يقال أيضا إن الغرض من ذلك هو بيان أن جانب الأب أقوى من جهات عديدة : منها ـ أن الولد إنما ينسب إليه كما هو الشائع الذائع المعتضد بالآية فيقال فلان بن فلان ولا يقال ابن فلانة ، ومنها ـ أنه يلحق به في الإسلام كما قرر في محله وأنه يلحق به في الفراش كما في الخبر (٣) «الولد للفراش». ونحو ذلك من أحكام التربية وغيرها ، وبهذا التقريب بعدت الأم منه فكأنها إنما هي بمنزلة الوعاء لحمله ، وحينئذ فلا يقال له باعتبار كون أمه من الزنا أنه ابن زنى وإنما يقال ابن فلان لمزيد العلاقة كما عرفت ومزيد العلاقة هو الذي أوجب إلحاقه بالأب ونسبته إليه.

وأما الجواب عن الثاني فإنه لا يخفى أولا ـ أنه لا قائل في ما أعلم من أصحابنا بظاهر هذا الكلام على إطلاقه من حل مال الولد للوالد مطلقا وإن ذهب بعضهم في بعض الجزئيات إليه ودل عليه بعض الأخبار إلا أن الأظهر الأشهر هاهنا هو التحريم.

وثانيا ـ أن ما دل عليه من النسبة إلى الأب لا منافاة فيه لأنه هو الشائع الذائع المستعمل في جميع الأعصار والأدوار ، ولا دلالة فيه على المنع من جواز النسبة إلى الجد لأب كان أو أم بالبنوة أيضا ، ومورد الآية وسبب نزولها إنما كان

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز إن يقضي به.

(٢) ص ٤٠٨ و ٤٠٩.

(٣) الوسائل الباب ٨ من ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه.

٤١٨

باعتبار الرد لما جرت عليه الجاهلية من أنهم إذا تبنوا يتيما واتخذوه ولدا جعلوا حكمه حكم الولد الحقيقي ، ولهذا عابوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تزويجه بزينب زوجة زيد بن حارثة مع أنه ابنه بزعمهم حيث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله تبناه صغيرا فكان يدعى زيد بن محمد فنزلت الآية في الرد عليهم في ما زعموه من بنوة المتبنى حقيقة وأمرهم بأن يدعوه بأبيه النسبي وأنه هو الأقسط عند الله.

وبالجملة فإنه عليه‌السلام علل جواز أخذ الأب من مال ابنه بغير إذنه بعلل : منها ـ أنه موهوب له والإنسان مخير في ما يوهب له ويملكه بالهبة ، ومنها أنه يدعى به فيقال فلان بن فلان وهو الشائع المتعارف ، ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أنت ومالك لأبيك». ومن الظاهر أنها علل تقريبية ومناسبات حكمية للتقريب إلى الأذهان كما في سائر العلل المذكورة في الكتاب المذكور.

المطلب الثالث ـ في حكم الخمس في زمن الغيبة ، وهذه المسألة من أمهات المسائل ومعضلات المشاكل وقد اضطربت فيها أفهام الأعلام وزلت فيها أقدام الأقلام ودحضت فيها حجج أقوام واتسعت فيها دائرة النقض والإبرام ، والسبب في ذلك كله اختلاف الأخبار وتصادم الآثار الواردة عن السادة الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم آناء الليل وأطراف النهار) وها أنا باسط فيها القول إن شاء الله تعالى بما لم يسبق له سابق في المقام ولا حام حوله أحد من فقهائنا الكرام مستوف لنقل ما وقفت عليه من الأخبار والأقوال كاشف عن وجوه تلك الأخبار إن شاء الله تعالى غشاوة الإشكال بما تجتمع به على وجه لا يتطرق إليه إن شاء الله تعالى الاختلال.

فأقول ـ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ـ اعلم أن الكلام في هذه المسألة يقتضي بسطه في مقامات ثلاثة :

المقام الأول ـ في نقل الأخبار المتعلقة بالمسألة وهي على أربعة أقسام :

الأول ـ ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقا في غيبة الإمام عليه‌السلام أو حضوره

٤١٩

من أي نوع كان من أنواع الخمس.

ومن الأدلة على ذلك الآية الشريفة وهي قوله عزوجل : «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ... الآية» (١) وقد عرفت من ما قدمناه في أول الكتاب دلالة جملة من الأخبار على أن المراد بالغنيمة في الآية ما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب ، وبه صرح أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلا الشاذ كما تقدم جميع ذلك في أثناء المباحث السابقة.

ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن الريان بن الصلت (٢) قال : «كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب : يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى».

وما رواه في الفقيه عن علي بن مهزيار في الصحيح (٣) قال : «قال لي أبو علي ابن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك فقال لي بعضهم وأي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي أي شي‌ء؟ فقال في أمتعتهم وضياعهم. الحديث».

وما رواه الشيخ في الصحيح إلى محمد بن علي بن شجاع النيسابوري وهو مجهول (٤) «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكي فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع عليه‌السلام لي منه الخمس من ما يفضل من مئونته».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

(٣) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس عن التهذيب ولم يروه في الفقيه.

٤٢٠