الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

لا يتجه التمسك بالحديث في إثبات ما قالوه ، وليس هو بمظنة بلوغ حد الإجماع ليغني عن طلب الدليل فإن جمعا منهم لم يذكروه أصلا ، وصرح بعضهم بالتوقف فيه لا لما قلناه بل استضعافا لطريق الخبر وهو من الغرابة بمكان. إلى آخر كلامه (قدس‌سره).

أقول : ويمكن أن يؤيد ما ذكره من احتمال حمل الخمس هنا على غير المعنى المشهور ما تقدم في أول الكتاب في صحيحة عبد الله بن سنان (١) من قوله عليه‌السلام «ليس الخمس إلا في الغنائم». بحمل الغنائم في الخبر على المعنى الأعم كما قدمنا بيانه وشددنا أركانه ، وهو أظهر الاحتمالين في معنى الخبر كما قدمنا ذكره ثمة ، ومن الظاهر أن ما نحن فيه هنا لا يدخل تحت الغنائم. وكذا يؤيد ذلك ما تقدم في المقام الرابع في الغوص من الأخبار الدالة بظاهرها على حصر ما فيه الخمس في خمسة أشياء ولم يذكر منها هذه الأرض.

إلا أن ما ذكره (قدس‌سره) من أن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه‌السلام لا يخلو من شي‌ء ، فإن مذهب مالك في زمن وجوده ليس إلا كمذاهب سائر المجتهدين في تلك الأوقات ، ومذهبه إنما اشتهر وصار له صيت مع مذهبي الشافعي وأحمد بن حنبل بعد الاصطلاح على تلك المذاهب أخيرا في ما يقرب من سنة خمسمائة وخمسين كما ذكره جملة من علمائنا وعلمائهم. نعم مذهب أبي حنيفة في وقته كان شائعا مشهورا وله تلامذة يجادلون على مذهبه.

وبالجملة فما ذكره المحقق المشار إليه لا يخلو من قرب ، وقريب منه ما ذكره في المدارك حيث قال ـ بعد أن ذكر أن الرواية خالية من ذكر متعلق الخمس ومصرفه صريحا ـ ما صورته : وقال بعض العامة إن الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم وكانت عشرية ضوعف عليه العشر وأخذ منه الخمس (٢) ولعل ذلك هو المراد من النص. انتهى.

__________________

(١) ص ٣٥١.

(٢) ارجع إلى التعليقة ٤ ص ٣٦٠.

٣٦١

فروع

الأول ـ هل المراد بالأرض هنا أرض الزراعة خاصة أو ما هو أعمّ منها ومن الأرض المشغولة بالبناء والغرس؟ ظاهر المعتبر الأول حيث قال : والظاهر أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساكن. واختاره في المدارك. وبالثاني صرح شيخنا الشهيد الثاني جزما حيث صرح بالوجوب فيها سواء أعدت للزراعة أم لغيرها حتى لو اشترى بستانا أو دارا أخذ منه خمس الأرض عملا بالإطلاق ، وخصها في المعتبر بالأول ، وإلى ذلك أيضا يميل كلام شيخنا الشهيد في البيان ، وجزم في المدارك بضعف هذا القول. والمسألة لا تخلو من الإشكال.

الثاني ـ قالوا : لو اشتملت على أشجار وبناء فالخمس واجب في الأرض لا فيهما ويتخير في الأخذ بين الأخذ من رقبة الأرض أو ارتفاعها. والأقرب أن التخيير إنما هو في ما إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء وإلا يتعين الأخذ من الارتفاع ، وطريقه أنه متى كانت مشغولة بشجر أو بناء أن تقوم الأرض مع ما فيها بالأجرة وتوزع الأجرة على ما للمالك وعلى خمس الأرض فيأخذ الإمام أو المستحق ما يخص الخمس من الأجرة.

الثالث ـ مورد الخبر كما عرفت الشراء وظاهر جملة من عباراتهم ترتب الحكم على مجرد الانتقال ، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة ـ بعد قول المصنف السابع أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم ـ ما صورته : سواء انتقلت إليه بشراء أم غيره وإن تضمن بعض الأخبار لفظ الشراء وبذلك صرح الشهيد في البيان أيضا ، وأكثر عباراتهم على التعبير بلفظ الشراء وهو الأقرب وقوفا على مورد النص متى عمل به.

الرابع ـ لا فرق على القول بذلك بين الأرض التي فيها الخمس كالأرض المفتوحة عنوة بناء على ما هو المفهوم من كلامهم من تعلق الخمس برقبة الأرض وقد مر الكلام فيه والتي ليست كذلك كالأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا وصارت ملكا لهم عملا بإطلاق النص. إلا أن بيع الأرض المفتوحة عنوة في مصالح العسكر

٣٦٢

ونحوها من ما لا إشكال فيه ، وكذا من أرباب الخمس إن أخذوه منها بناء على ما عرفت من كلامهم من أن خمسها لأرباب الخمس ، وأما بيعها تبعا لآثار التصرف كما هو المشهور فاستشكله في المدارك لعدم دخولها في ملك المتصرف بتلك الآثار قطعا ومتى انتفى الملك امتنع تعلق البيع بها كما هو واضح. وسيجي‌ء تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.

الخامس ـ قالوا : لو باعها الذمي ذميا آخر لم يسقط الخمس إذا لم يكن قد أخذ ولو باعها على مسلم فالأقرب أنه كذلك لأن أهل الخمس استحقوه في العين. ولو شرط الذمي في البيع سقوط الخمس عنه فسد الشرط ، وهل يفسد البيع؟ إشكال وظاهرهم الحكم بفساده كما هو المشهور بينهم في كل عقد اشتمل على شرط فاسد. ولو تقايلا بعد البيع احتمل سقوط الخمس بناء على أن الإقالة فسخ عندهم ، وفيه إشكال

المقام السابع ـ في الحلال إذا اختلط بالحرام ، والقول بوجوب الخمس هنا هو المشهور ، ونقل عن الشيخ المفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد أنهم لم يذكروا الخمس هنا في عداد الأفراد المتقدمة كما لم يذكروه في سابق هذا المقام.

وقد ورد بالخمس هنا روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن ابن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه؟ فقال له أخرج الخمس من ذلك المال فإن الله عزوجل قد رضي من المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبه يعلم».

وما رواه في الفقيه مرسلا (٢) قال : «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال : ائتني بخمسه فأتاه بخمسه فقال هو لك إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من ما يجب فيه الخمس.

٣٦٣

وما رواه الصدوق في الخصال بسند قوي إلى عمار بن مروان (١) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول في ما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) «أنه أتاه رجل فقال إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط علي؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام تصدق بخمس مالك فإن الله رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال». ورواه البرقي في المحاسن (٣) والمفيد في المقنعة (٤).

أقول : والكلام في هذه الأخبار يقع في مقامين الأول ـ في مخرج الخمس هنا ، ظاهر الأخبار المذكورة هو وجوب الخمس في هذا المال الممتزج حلاله بحرامه أعمّ من أن يكون علم مالكه وقدره أم لم يعلمهما أو علم القدر دون المالك أو بالعكس إلا أن الأصحاب خصوها بصورة عدم معلومية القدر والمالك ، قالوا فلو علمهما فالواجب هو دفع ما علمه لمالكه. وهذا من ما لا ريب فيه ولا إشكال يعتريه لأنه يصير من قبيل الشريك الذي يجب دفع حصته له متى أراد.

وأما إذا علم القدر دون المالك فقيل هنا بوجوب الصدقة مع اليأس من المالك سواء كان بقدر الخمس أو أزيد أو أنقص واختاره في المدارك ، وقيل بوجوب إخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة.

والظاهر أن مستند القول الأول هو الأخبار الدالة على الأمر بالتصدق بالمال المجهول المالك (٥) ومن أجل ذلك أخرجوا هذه الصورة من عموم النصوص المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من ما يجب فيه الخمس. والرواية عن أبي عبد الله «ع».

(٢) الوسائل الباب ١٠ من ما يجب فيه الخمس. واللفظ «عن أبي عبد الله قال أتى رجل أمير المؤمنين ...».

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من ما يجب فيه الخمس.

(٥) الوسائل الباب ٤٧ من ما يكتسب به والباب ٦ من ميراث الخنثى وما أشبهه.

٣٦٤

ولقائل أن يقول أن مورد تلك الأخبار الدالة على التصدق إنما هو المال المتميز في حد ذاته لمالك مفقود الخبر وإلحاق المال المشترك به مع كونه من ما لا دليل عليه قياس مع الفارق ، لأنه لا يخفى أن الاشتراك في هذا المال سار في كل درهم درهم وجزء جزء منه ، فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول مع كون الشركة شائعة في أجزائه كما أنها شائعة في أجزاء الباقي لا يوجب استحقاق المالك المجهول له حتى أنه يتصدق به عنه ، فهذا العزل لا ثمرة له بل الاشتراك باق مثله قبل العزل.

فإن قيل : إنه متى كان المال مشتركا بين شريكين فإن لهما قسمته ويزول الاشتراك بالقسمة وتمييز حصة كل منهما عن الآخر.

قلنا : إنما صحت القسمة في الصورة المذكورة وذاك الاشتراك من حيث حصول التراضي من الطرفين على ما يستحقه أحدهما في مال شريكه بما يستحقه الآخر في حصته كما صرح به الأصحاب ، فهو في قوة الصلح بل هو صلح موجب لنقل حصة كل منهما للآخر ، وهذا غير ممكن في ما نحن فيه فقياس أحدهما على الآخر مع الفارق كما لا يخفى.

وأما القول الآخر وهو إخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة ففيه ما في سابقه بالنسبة إلى الصدقة بالزائد في الصورة المذكورة.

وبما ذكرنا يظهر أن الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة وأنه لا دليل على إخراجها.

وأما إذا علم المالك دون القدر فإنهم قالوا الواجب في هذه الصورة هو التخلص منه بصلح ونحوه ، فإن أبي قال في التذكرة : دفع إليه خمسه لأن القدر جعله الله مطهرا للمال. وفيه نظر فإن جعله مطهرا إنما هو من حيث عدم ظهور المالك ومعلوميته لا مع ظهوره. قال في المدارك : والاحتياط يقتضي وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة ، ويحتمل الاكتفاء بدفع ما يتيقن انتفاؤه عنه. وعندي في هذه الصورة توقف من حيث احتمال ما ذكروه من وجوب التخلص منه بصلح ونحوه ومن

٣٦٥

حيث إطلاق الأخبار المتقدمة. ولا ريب أن الاحتياط في ما ذكروه والاحتياط التام ما ذكره في المدارك من دفع ما يحصل به يقين البراءة.

وأما ما ذكره السيد السند في المدارك في الصورة المتفق عليها بينهم ـ من إن المطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه والتفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به فيتصدق به على الفقراء كما في غيره من الأموال المجهولة المالك. إلى آخره ـ ففيه أولا ـ ما عرفت من أن مورد تلك الأخبار إنما هو المال المتميز في حد ذاته لا ما كان مشتركا وأحدهما غير الآخر كما عرفت. و (ثانيا) ـ أن ما ذكره موجب لاطراح هذه النصوص رأسا ، فإنها صريحة الدلالة في وجوب إخراج الخمس وحل الباقي بذلك أعمّ من أن يتيقن انتفاء شي‌ء منه عنه أم لا ، بل التيقن البتة حاصل ولو جزء يسيرا مع أنه عليه‌السلام حكم بوجوب إخراج الخمس وحل الباقي ولم يلتفت إلى هذا التيقن بالكلية. وطرحها مع تكررها في الأصول واتفاق الأصحاب على القول بها من ما لا يجترئ عليه ذو مسكة. وبالجملة فإن الحق أن مورد تلك الأخبار غير مورد هذه فيعمل بكل منهما في ما ورد فيه ولا إشكال ولا منافاة.

المقام الثاني ـ في مصرف هذا الخمس ، جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أن مصرفه هو مصرف غيره من المصارف التي تضمنتها الآية (١) وظاهر جملة من محققي متأخري المتأخرين المناقشة في ذلك.

قال المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد نقل خبر أرض الذمي أولا ثم خبر الحسن بن زياد وخبر الفقيه التي قدمناها ـ ما لفظه : وهذا الخبران والذي قبلهما لا دلالة في شي‌ء منها على أن مصرف الخمس المذكور فيه هو المصرف المذكور في آية الخمس كما فهمه جماعة من أصحابنا ، بل يحتمل أن يكون المراد بالأول تضعيف الزكاة على الذمي المشتري من المسلم أرضه أو الخراج وبالأخيرين التصدق على

__________________

(١) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال الآية ٤٣.

٣٦٦

الفقراء والمساكين ويكون التعليل برضا الله تعالى بالخمس من المال لتعيين هذا القدر للتصدق في رضا الله ، والدليل على ذلك قوله عليه‌السلام في هذين الخبرين برواية السكوني (١) على ما يأتي في كتاب المعايش «تصدق بخمس مالك فإن الله جل اسمه رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال». هذا كلامه عليه‌السلام هناك وظاهر أن التصدق لا يحل لبني هاشم. وأما قوله عليه‌السلام (٢) : «ائتني بخمسه». فلا دلالة فيه على أن هذا الخمس له عليه‌السلام ولعله إنما قبضه ليصرفه على أهله لأنه أعرف بمواضعه ولذا أعطاه إياه حيث وجده أهلا له. انتهى.

ويظهر من شيخنا الشهيد في البيان التردد في المسألة حيث قال : ظاهر الأصحاب أن مصرف هذا الخمس أهل الخمس وفي الرواية (٣) «تصدق بخمس مالك لأن الله رضي من الأموال بالخمس». وهذه تؤذن بأنه في مصرف الصدقات لأن الصدقة الواجبة محرمة على مستحق الخمس. انتهى.

أقول : أما ما ذكره في الوافي ـ من أنه لا دلالة في الخبرين وكذلك الذي قبلهما على أن مصرف الخمس المذكور هو المصرف المذكور في آية الخمس ـ ففيه أن الأخبار المتقدمة في المعدن والكنز والغوص والأرباح كلها من هذا القبيل لم يتعرض في شي‌ء منها لبيان المصرف وإنما دلت على ما دلت عليه هذه الأخبار من أن فيه الخمس فالإيراد بهذا الوجه من ما لا وجه له. نعم ما ذكره من دلالة ظاهر رواية السكوني على خلاف ما ذكروه جيد كما أشار إليه شيخنا الشهيد أيضا.

وأما تأويله قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) «ائتني بخمسه» فلا يخفى أنه خلاف الظاهر ، إذ الظاهر من طلبه له هو كونه له ومختصا به كغيره من أفراد الأخماس ، ولا ينافي ذلك رده على صاحبه لأنه من قبيل رد الصادق عليه‌السلام على مسمع بن عبد الملك خمس ما حمل إليه من الغوص كما تقدم (٥) المؤذن بالتحليل ، وسيأتي في أخبار

__________________

(١) ص ٣٦٤.

(٢ و ٤) في مرسلة الفقيه المتقدمة ص ٣٦٣.

(٣) المتقدمة ص ٣٦٤ عن السكوني.

(٥) ص ٣٥٨ و ٣٥٩.

٣٦٧

التحليل في محله إن شاء الله تعالى فيكون هذا الخبر من جملتها ، ويؤيد قوله عليه‌السلام في صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة في عد ما يجب فيه الخمس من الغنائم والفوائد قال : «ومثله مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب» إلا أن ما ذكره يصلح وجه تأويل للجمع بينه وبين خبر السكوني ولعله الأرجح. وأما ما تضمنته صحيحة علي بن مهزيار فهو مخالف لما دلت عليه الأخبار الكثيرة من التصدق بما هذا شأنه عن صاحبه لا أنه يؤخذ منذ الخمس ويحل الباقي له ، وهذا من جملة المخالفات التي أوجبت التوقف في هذا الخبر. إلا أن الظاهر من رواية الخصال التي قدمناها (١) حيث عد الحلال المختلط بالحرام في جملة ما يجب فيه الخمس بالمعنى المعروف أنه كذلك وظهورها في هذا المعنى أمر لا ينكر ، وبه تبقى المسألة في قالب الإشكال.

وأما ما يفهم من كلام المحدث المذكور ـ ومثله شيخنا الشهيد على تقدير كون هذا الخمس صدقة من أنه يحرم على بني هاشم لأنه صدقة واجبة ـ ففيه أن المفهوم من الأخبار كما قدمنا بيانه أن المحرم عليهم من الصدقة واجبة كانت أو مستحبة إنما هو الزكاة خاصة وبذلك صرح جملة من أصحابنا كما سلف بيانه.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط بعد إخراج هذا الخمس دفعه لفقراء السادة للخروج به عن العهدة على الاحتمالين ، وأما ما ذكره الفاضلان المتقدمان فقد عرفت ما فيه.

تتمة

روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس». ورواه بسند آخر عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٣).

ويقرب منه أيضا ما رواه في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من ما يجب فيه الخمس.

٣٦٨

«أنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال لا إلا أن لا يقدر على شي‌ء ولا يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت عليهم‌السلام».

وهذه الأخبار صريحة كما ترى في وجوب الخمس في هذا الموضع وأن مصرفه مصرف الخمس الذي في الآية مع أن أحدا من الأصحاب لم يتعرض لذكر هذا الحكم في هذا الباب في ما أعلم. وربما أشعرت هذه الأخبار بأن الخمس مشاع في أموالهم حيث إنهم لا يرون وجوب أدائه إلى أصحابه فكل من اغتال شيئا من أموالهم أوصل الخمس إلى أهله وملك الباقي.

ومن ما يدل على وجوب الخمس هنا أيضا ما تقدم في صحيحة علي بن مهزيار (١) من قوله عليه‌السلام «ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ... ومن ضرب ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي. الحديث». والاصطلام بمعنى الاستئصال قال في الوافي : والخرمية بالخاء المعجمة والراء المهملة أصحاب التناسخ والإباحة.

الفصل الثاني

في قسمة الخمس وما يتبعها

والكلام في هذا الفصل يقع في مطالب الأول ـ في كيفية القسمة والكلام فيه يقع في مقامين أحدهما ـ في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا؟ المشهور الأول وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى وهي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده للإمام عليه‌السلام القائم مقامه والثلاثة الأخر لليتامى والمساكين وابن السبيل ، وحكى المحقق والعلامة عن بعض الأصحاب قولا بأنه يقسم خمسة أقسام : سهم الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) ص ٣٥٠.

٣٦٩

وسهم ذي القربى لهم والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل ، وإلى هذا القول ذهب أكثر العامة ونقله في المعتبر عن أبي حنيفة والشافعي (١).

حجة القول الأول ظاهر الآية وهو قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (٢) قالوا : فإن اللام للملك أو الاختصاص والعطف بالواو يقتضي التشريك فيجب صرفه في الأصناف الستة.

والأخبار الدالة على ذلك ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) «في قول الله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (٤) قال خمس الله للإمام وخمس الرسول للإمام وخمس ذي القربى لقرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام عليه‌السلام واليتامى يتامى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم».

وما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمد قال حدثنا بعض أصحابنا رفع الحديث (٥) قال : «الخمس من خمسة أشياء. ثم ساق الخبر إلى أن قال : فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم : سهم لله وسهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل ، فالذي لله فلرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرسول الله أحق به فهو له خاصة ، والذي للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو لذي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين لا تحل

__________________

(١) المغني ج ٦ ص ٤٠٦ والمحلى ج ٧ ص ٣٢٧ والأموال ص ٣٢٥ والبداية ج ١ ص ٣٧٧ والبدائع ج ٧ ص ١٢٤ وقد نقل فيه ذلك وفي البداية عن الشافعي كما في المتن إلا أن المنقول عن أبي حنيفة في البدائع اختصاص ذلك بحياة النبي «ص» وأنه يقسم بعده ثلاثة أقسام ، وفي المحلى ج ٧ ص ٣٣٠ نقل عنه القسمة إلى ثلاثة أقسام أيضا.

(٢ و ٤) سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

٣٧٠

لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس ، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منهم شي‌ء فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان. الحديث».

وما رواه ثقة الإسلام الكليني في الحسن بإبراهيم الذي هو صحيح عندي عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه‌السلام (١) قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة ، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله تعالى له ، ويقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك ، ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم : سهم لله وسهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل ، فسهم الله وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأولي الأمر من بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وراثة فله ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله فله نصف الخمس كملا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالى وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم. الحديث».

وقريب من ذلك أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام (٢) قال : «سئل عن قول الله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) (٣) فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما كان لرسول الله فهو للإمام. الحديث».

وروى السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في رسالة المحكم والمتشابه من تفسير النعماني بإسناده عن علي عليه‌السلام (٤) قال : «الخمس يخرج من أربعة وجوه : من

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٣ من قسمة الخمس.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٣) سورة الأنفال الآية ٤٣.

٣٧١

الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين ومن المعادن ومن الكنوز ومن الغوص ، ويجزأ هذا الخمس على ستة أجزاء فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم ذي القربى ثم يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومساكينهم وأبناء سبيلهم».

وروى الصدوق في المجالس والعيون بسنده عن الريان بن الصلت عن الرضا عليه‌السلام (١) في حديث طويل قال عليه‌السلام «وأما الثامنة فقول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (٢) فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. إلى أن قال عليه‌السلام فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بذي القربى فكل ما كان من الفي‌ء والغنيمة وغير ذلك من ما رضيه لنفسه فرضيه لهم. إلى أن قال وأما قوله «وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ» فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب ، وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من الغنم ولا يحل له أخذه ، وسهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم للغني والفقير لأنه لا أحد أغنى من الله ولا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل لنفسه منها سهما ولرسوله سهما فما رضيه لنفسه ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رضيه لهم. الحديث».

حجة القول بأنه يقسم خمسة أقسام الآية الشريفة بالحمل على أن ذكر الله تعالى مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما هو لإظهار تعظيمه وأن جميع ما ينسب إليه ويأمر به وينهى عنه فهو راجع إلى الله تعالى كما تضمنته جملة من الآيات القرآنية ومنها قوله عزوجل «وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ» (٣) «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ» (٤) «وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ» (٥) إلى غير ذلك من الآيات التي قرن فيها نفسه برسوله

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٢) سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٣) سورة التوبة الآية ٦٤.

(٤) سورة المائدة الآية ٦١.

(٥) سورة الأنفال الآية ٢.

٣٧٢

للحث على اتباع رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويدل على هذا القول ما رواه الشيخ في الصحيح عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه ، ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا ، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

أقول : أما ما ذكروه في معنى الآية وإن احتمل إلا أنه خلاف ظاهر الآية أولا. وثانيا ـ أن الأخبار التي تقدمت دالة على تفسير الآية تأبى هذا المعنى.

وأما الخبر المذكور فقد أجاب عنه الشيخ ومن تأخر عنه بكونه حكاية فعل ولا عموم فيه ، ولعله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ذلك ليتوفر على المستحقين. وفيه أن قوله : «وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ينافي ذلك ، والأظهر عندي حمله على التقية فإن التقسيم إلى خمسة أقسام مذهب جمهور العامة كما عرفت (٢) ولهم في معنى الآية تأويلات (٣) منها ما قدمناه في حجة هذا القول ، ومنها ما ذكره بعضهم من أن الافتتاح بذكر اسم الله تعالى على جهة التيمن والتبرك لأن الأشياء كلها لله عزوجل ، ومنها ما ذكره بعض آخر وهو أن حق الخمس أن يكون متقربا به إلى الله عزوجل لا غير وأن قوله عزوجل : «وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ... إلى آخره» من قبيل التخصيص بعد التعميم تفضيلا لهذه الوجوه على غيرها كقوله

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٢) التعليقة ١ ص ٣٧٠.

(٣) البدائع ج ٧ ص ١٢٤ والأموال ص ٣٢٦ و ٣٢٨ والبداية ج ١ ص ٣٧٧ والمغني ج ٦ ص ٤٠٦.

٣٧٣

تعالى «وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ» (١) وإلى هذا المعنى ذهب القائلون منهم بأن خمس الغنيمة مفوض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه في من شاء من هذه الأصناف وغيرهم ، وهو مذهب مالك (٢).

وظاهر صاحب المدارك التوقف في هذا المقام حيث نقل الخلاف في المسألة وأدلة القولين ولم يرجح شيئا في البين ، والظاهر أن السبب في ذلك ضعف الأخبار المتقدمة باصطلاحه مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على العمل بها ، والرواية التي هي دليل القول الثاني وإن كانت صحيحة لكنها لما كانت من ما أعرضوا عنها وتأولوها لم يجسر على المخالفة في القول بها فأغمض النظر عن الترجيح في المسألة.

المقام الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو قسمة السهام الستة على المصارف الستة التي أحدها سهم ذي القربى ويختص به الإمام عليه‌السلام وإن له سهمين بالوراثة وهما سهم الله تعالى وسهم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم بالأصالة وهو سهم ذي القربى ، ونقل السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) عن بعض علمائنا أن سهم ذي القربى لا يختص بالإمام عليه‌السلام بل هو لجميع قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من بني هاشم ، ولعله (قدس‌سره) أشار بذلك البعض إلى ابن الجنيد فإنه قال على ما نقل عنه في المختلف : وهو مقسوم على ستة أسهم : سهم الله يلي أمره إمام المسلمين وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأولى الناس به رحما وأقربهم إليه نسبا وسهم ذي القربى لأقارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بني هاشم وبني المطلب بن عبد مناف إن كانوا من بلدان أهل العدل.

ويدل على الأول مرسلة ابن بكير ومرسلة أحمد بن محمد ومرسلة حماد بن عيسى التي قدمناها في أول الأخبار المتقدمة (٣) وكذلك ما نقلناه عن رسالة المحكم

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٩٣.

(٢) البداية ج ١ ص ٣٧٧ و ٣٧٨ والمحلى ج ٧ ص ٣٢٩ و ٣٣٠ والمغني ج ٦ ص ٤٠٦.

(٣) ص ٣٧٠ و ٣٧١.

٣٧٤

والمتشابه ، ونحوه أيضا ما نقلناه عن كتاب المجالس والعيون.

وأما ما استدل به في المعتبر على ذلك ـ من ظاهر الآية باعتبار أن قوله : «ذي القربى» لفظ مفرد فلا يتناول أكثر من الواحد فينصرف إلى الإمام عليه‌السلام لأن القول بأن المراد واحد مع أنه غير الإمام منفي بالإجماع. ثم قال : (لا يقال) أراد الجنس كما قال : «وابن السبيل» (لأنا نقول) تنزيل اللفظ الموضوع للواحد على الجنس مجاز وحقيقته إرادة الواحد فلا يعدل عن الحقيقة ، وليس كذلك قوله «وابن السبيل» لأن إرادة الواحد هنا إخلال بمعنى اللفظ إذ ليس هناك واحد متعين يمكن حمل اللفظ عليه ـ

فقد أورد عليه إن لفظ «ذي القربى» صالح للجنس وغيره بل المتبادر منه في هذا المقام الجنس كما في قوله تعالى «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» (١) و «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى» (٢) وغير ذلك من الآيات الكثيرة فيجب الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه.

أقول : والأظهر هو الرجوع في الاستدلال إلى الروايات وكذا في الاستدلال بالآية إلى ما ورد من تفسيرها في الأخبار ، فإن الروايات قد فسرت «ذي القربى» هنا بالإمام عليه‌السلام كما تقدم فالحمل على الجنس حينئذ ـ كما ذكره المجيب من أنه يجب الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه ـ خروج عن ظاهر تلك الأخبار ورد لها بمجرد الاعتبار.

واستدلوا على الثاني بظاهر الآية بناء على ما تقدم في الجواب عن استدلال صاحب المعتبر بالآية. وفيه ما عرفت.

واستدل أيضا على ذلك بصحيحة ربعي المتقدمة (٣) لقوله فيها : «ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل».

__________________

(١) سورة بني إسرائيل الآية ٢٩.

(٢) سورة النحل الآية ٩٣.

(٣) ص ٣٧٣.

٣٧٥

والجواب عن ذلك ما عرفت من حمل الصحيحة المذكورة على التقية ، ولا ريب أن العامة لا يثبتون للإمام حصة بخصوصه وإنما يفسرون «ذي القربى» بجميع قرابته صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) وبه يظهر ضعف ما جنح إليه في المدارك من التعلق في الاستدلال على هذا القول بالدليلين المذكورين.

واستدل على ذلك أيضا برواية زكريا بن مالك الجعفي (٢) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (٣) فقال : أما خمس الله عزوجل فللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يضعه في سبيل الله وأما خمس الرسول فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله واليتامى يتامى أهل بيته فجعل هذه الأربعة الأسهم فيهم ، وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل».

أقول : أنت خبير بما عليه هذه الرواية بعد ضعف السند من ضعف الدلالة ، فإن جل ما اشتملت عليه من الأحكام خلاف ما قدمناه من الأخبار واتفقت عليه كلمة علمائنا الأعلام :

فمنها ـ جعل سهم الله عزوجل للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يصرفه في سبيل الله الذي هو الجهاد أو ما هو أعمّ من أبواب البر ، وهو خلاف ما عليه الأصحاب ودلت عليه جملة الأخبار من أنه له صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل به ما يشاء.

ومنها ـ الحكم بأن خمس الرسول لأقاربه فإنه إن أريد حال الحياة فلا قائل به ولا دليل عليه بل الإجماع والأخبار على خلافه ، وإن أريد بعد موته فلا قائل به أيضا منا مع دلالة الأخبار أيضا على خلافه لدلالتها على كونه للإمام عليه‌السلام. وابن الجنيد وإن خالف في سهم ذي القربى إلا أنه لم يخالف في سهم الرسول (صلى الله

__________________

(١) البداية ج ١ ص ٣٧٧ والمحلى ج ٧ ص ٣٢٧ والمغني ج ٦ ص ٤١٠ إلى ٤١٢.

(٢) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٣) سورة الأنفال الآية ٤٣.

٣٧٦

عليه وآله) والظاهر من قوله في عبارته المتقدمة «وسهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأولى الناس به رحما وأقربهم إليه نسبا» أنه أراد بذلك الإمام عليه‌السلام كما يشير إليه المقابلة بسهم ذي القربى وأنه لأقاربه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من بني هاشم ومنها ـ

جعل سهم ذي القربى لجميع أقربائه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه وإن قال به ابن الجنيد ودل عليه هذا الخبر إلا أنه خلاف ما اتفقت عليه كلمة أصحابنا ووردت به جملة أخبارنا وإنما هو قول مخالفينا (١).

وبذلك يظهر أن الرواية المذكورة لا تصلح للاستدلال وحملها على التقية ظاهر فإن جميع ما تضمنته من المخالفات لمذهبنا إنما ينطبق على مذهب العامة (٢).

وأما قوله في تتمة الخبر «وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة. إلى آخره» فيحتمل أن يكون المعنى فيه الاستدراك لما ورد في آية الزكاة من دخول المساكين وأبناء السبيل فيها فربما يتوهم عمومها للهاشميين أيضا فأراد (عليه‌السلام) دفع هذا الوهم بأنهم وإن دخلوا في عموم اللفظين المذكورين لكن قد عرفت أن الزكاة محرمة علينا أهل البيت فلا تدخل مساكيننا وأبناء سبيلنا فيها فلا بد لهم من حصة من الخمس عوض الزكاة التي حرمت عليهم ومن أجل ذلك فرض لهم في هذه الآية حصة من الخمس ، وحينئذ فقوله : «فهي للمساكين وأبناء السبيل» إما راجع إلى الصدقة ، وحينئذ فالمراد بالمساكين وأبناء السبيل من ذكر في آية الزكاة وحاصل المعنى ما قدمناه ، وإما راجع إلى الحصة التي من الخمس بقرينة المقام وإن لم تكن مذكورة في اللفظ ، وحينئذ فالمراد بالمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين ، ومرجع الاحتمالين إلى ما قدمناه.

وبما قررناه في المسألتين المذكورتين يظهر أن القول المشهور في كل منهما هو

__________________

(١) ارجع إلى التعليقة ١ ص ٣٧٦.

(٢) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب.

٣٧٧

المؤيد المنصور وإن توقف صاحب المدارك ـ بل ميله إلى خلاف ذلك كما يعطيه تقويته لدليل القول المخالف ـ من ما لا وجه له.

وقال في المدارك : واعلم أن الآية الشريفة (١) إنما تضمنت ذكر مصرف الغنائم خاصة إلا أن الأصحاب قاطعون بتساوي الأنواع في المصرف ، واستدل عليه في المعتبر بأن ذلك غنيمة فيدخل تحت عموم الآية. ويتوجه عليه ما سبق. وربما لاح من بعض الروايات اختصاص خمس الأرباح بالإمام (عليه‌السلام) ومقتضى رواية أحمد بن محمد المتقدمة (٢) أن الخمس من الأنواع الخمسة يقسم على الستة الأسهم لكنها ضعيفة بالإرسال والمسألة قوية الإشكال. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. انتهى.

أقول : لا إشكال بحمد الملك المتعال عند من وفقه الله تعالى إلى العمل بأخبار الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) وذلك (أولا) فإن ما ذكره في المعتبر من حمل الغنيمة في الآية على المعنى الأعم حق لا ريب فيه كما دلت عليه الأخبار وقد تقدمت. و (ثانيا) فإن رواية أحمد بن محمد التي ذكرها ومثلها مرسلة حماد أيضا قد تضمنت إن الخمس من هذه الأنواع الخمسة يقسم على الأصناف التي في الآية ومثلها ما قدمنا نقله عن رسالة المحكم والمتشابه. وأما طعنه في هذه الأخبار بضعف الإسناد ففيه أنه في غير موضع من ما تقدم قد عمل بالأخبار الضعيفة التي اتفق الأصحاب على القول بها وجعل اتفاق الأصحاب جابرا لضعفها كما بيناه في شرحنا على الكتاب في غير موضع ، ولكنه (قدس‌سره) ليس له رابطة يقف عليها. وأيضا فإن مرسلة حماد قد اشتملت على أحكام عديدة استند إليها الأصحاب وعملوا بها ولا راد لها. وبالجملة فإن إشكاله (قدس‌سره) ضعيف وتوقفه سخيف كما لا يخفى على من نظر بعين الإنصاف.

__________________

(١) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٢) ص ٣٧٠.

٣٧٨

مسائل

الأولى ـ المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب كل طائفة من الطوائف الثلاث بل لو اقتصر من كل طائفة على واحد جاز.

قالوا : والوجه فيه أن المراد من اليتامى والمساكين في الآية الشريفة الجنس كابن السبيل كما في آية الزكاة لا العموم ، إما لتعذر الاستيعاب أو لأن الخطاب للجميع بمعنى أن الجميع يجب عليهم الدفع إلى جميع المساكين بأن يعطي كل بعض بعضا.

ويدل عليه أيضا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (١) قال : «سئل عن قول الله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) (٢) فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وما كان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهو للإمام عليه‌السلام. فقيل له أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال ذاك إلى الإمام أرأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كيف يصنع أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام».

وقال شيخنا الشهيد في الدروس بعد أن تنظر في اعتبار تعميم الأصناف : أما الأشخاص فيعم الحاضر ولا يجوز النقل إلى بلد آخر إلا مع عدم المستحق. ومقتضى هذا الكلام وجوب التعميم في الحاضرين ، ورده من تأخر عنه بالبعد وسيأتي في المسألة الثانية ما فيه مزيد بيان لهذه المسألة.

الثانية ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز تخصيص النصف الذي للطوائف الثلاث بواحدة منها ، وظاهر الشيخ في المبسوط المنع حيث قال : والخمس إذا أخذه الإمام ينبغي أن يقسمه ستة أقسام : سهم لله وسهم لرسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وسهم لذي القربى ، فهذه الثلاثة أقسام للإمام القائم مقام النبي

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من قسمة الخمس.

(٢) سورة الأنفال الآية ٤٣.

٣٧٩

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصرفه في ما شاء من نفقته ونفقة عياله وما يلزمه من تحمل الأثقال ومؤن غيره ، وسهم ليتامى آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم وليس لغيرهم من سائر الأصناف شي‌ء على حال ، وعلى الإمام أن يقسم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السنة على الاقتصاد ، ولا يخص فريقا منهم بذلك دون فريق بل يعطي جميعهم على ما ذكرناه من قدر كفايتهم ويسوي بين الذكر والأنثى ، فإن فضل شي‌ء كان له خاصة وإن نقص كان عليه أن يتم من حصته خاصة. انتهى. ونقل عن أبي الصلاح أنه قال : يلزم من وجب عليه الخمس إخراج شطره للإمام عليه‌السلام والشطر الآخر للمساكين واليتامى وأبناء السبيل لكل صنف ثلث الشطر. وظاهره مثل كلام الشيخ في وجوب التشريك وعدم جواز تخصيص طائفة بذلك.

واستدل للقول المشهور بصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة (١) حيث قال فيها : «ذاك إلى الإمام أرأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كيف يصنع أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام عليه‌السلام».

وأجاب في المدارك بأنه يمكن المناقشة في الرواية بالطعن في السند باشتماله على ابني فضال وهما فطحيان مع أنها غير صريحة في جواز التخصيص.

وفيه أن المناقشة بالطعن في السند إنما تتجه بناء على نقله الرواية من التهذيب (٢) فإنه كما ذكره ، وأما على رواية الكليني لها في الكافي (٣) فإنها صحيحة لأنه رواها فيه عن العدة عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر. وأما الدلالة فسيأتي الكلام فيها في المقام إن شاء الله تعالى.

واستدل للشيخ بظاهر الآية فإن اللام للملك أو الاختصاص والعطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم. وأجيب عن ذلك بأنها مسوقة لبيان المصرف كما في آية

__________________

(١) ص ٣٧٩.

(٢) ج ١ ص ٣٨٥.

(٣) الأصول ج ١ ص ٥٤٤.

٣٨٠