الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

دون ما في بطن السمكة هو كون ما في جوف الدابة من قبيل ما وجد في أرض مملوكة وما في جوف السمكة كالموجود في الأرض المباحة ، ولا إشكال في إن السمك في الأصل من جملة المباحات التي لا تملك إلا بالحيازة مع النية ، والصياد إنما حاز السمكة دون ما في بطنها لعدم علمه به فلم يتوجه إليه قصد ، والملك فرع القصد المتوقف على العلم. وما أورده في المسالك من الإشكال على هذا الكلام الظاهر أنه لا أثر له وليس في التطويل بنقله كثير فائدة.

إلا أنهم لم ينقلوا في مسألة ما يوجد في جوف السمكة هنا خبرا ولا دليلا مع أن الروايات به موجودة ، وإذا كانت النصوص في كل من الموضعين دالة على الحكم المذكور فلا معنى لهذه المناقشات في المقام.

ومن الأخبار التي وقفت عليها من ما يتعلق بما في جوف السمكة ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (١) بسنده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام «أن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا. إلى أن قال : فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم ، فجاء سائل فدق الباب فقال له الرجل ادخل فقال له خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما فانطلق ، فلم يكن بأسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل ادخل فدخل ووضع الكيس في مكانه ، ثم قال كل هنيئا مريئا إنما أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا. ثم ذهب».

وروى سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب قصص الأنبياء عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كان في بني إسرائيل رجل وكان محتاجا فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق فرأى في النوم : أيما أحب إليك درهمان من حل أو ألفان من حرام؟ فقال درهمان من حل. فقال تحت رأسك. فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه فأخذهما واشترى بدرهم سمكة وأقبل إلى منزله فلما

__________________

(١) الروضة ص ٣٨٥ وفي الوسائل الباب ١٠ من اللقطة.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من اللقطة.

٣٤١

رأته امرأته أقبلت عليه كاللائمة وأقسمت أن لا تمسها ، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم».

وروى الصدوق في الأمالي عن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) (١) حديثا يشتمل على أن رجلا شكى إليه الحاجة فدفع له قرصتين وقال له خذهما فليس عندنا غيرهما فإن الله يكشف بهما عنك ويريك خيرا واسعا منهما ، فاشترى سمكة بإحدى القرصتين وبالأخرى ملحا فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين ، فباع اللؤلؤتين بمال عظيم فقضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله. ونحوها خبر في تفسير العسكري عليه‌السلام (٢) أيضا.

الرابعة ـ روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب بسنديهما عن الحارث بن حصيرة الأزدي (٣) قال : «وجد رجل ركازا على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع ، فلامته أمي وقالت أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة وأنفسها مائة وما في بطونها مائة؟ قال فندم أبي فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل ، فقال خذ مني عشر شياه خذ مني عشرين شاة فأعياه ، فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة ، فأتاه الآخر فقال خذ غنمك وآتني ما شئت فأبى فعالجه فأعياه فقال لأضرن بك فاستعدى أمير المؤمنين عليه‌السلام على أبي فلما قص أبي على أمير المؤمنين عليه‌السلام أمره قال لصاحب الركاز : أد خمس ما أخذت فإن الخمس عليك فإنك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شي‌ء لأنه إنما أخذ ثمن غنمه».

أقول : قوله في الخبر «فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع» في رواية الكافي وأما رواية التهذيب (٤) فليس فيها «ثلاثمائة درهم» والظاهر أنه هو

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من اللقطة.

(٣) الوسائل الباب ٦ من ما يجب فيه الخمس.

(٤) ج ٢ ص ١٧٩ باب الزيادات بعد الإجارة.

٣٤٢

الأصح كما يدل عليه سياق الخبر.

ثم إنه لا يخفى ما في هذا الخبر من الإشكال لدلالته على عدم تعلق الخمس بالعين ، وهو خلاف مدلول الآيات والأخبار وكلام الأصحاب ، والحكم في الخمس والزكاة واحد ، وقد سلف تحقيق ذلك في الزكاة بما يدل على ما ذكرناه.

المقام الرابع ـ في ما يخرج من البحر بالغوص من الدر والجواهر ، ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الخمس فيه.

ويدل عليه صحيحة الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس».

ورواية محمد بن علي عن أبي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس».

وروى الصدوق في الخصال في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة. ونسي ابن أبي عمير الخامس». ونحوه في المقنع (٤).

وروى الشيخ بإسناده عن حماد بن عيسى قال رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه‌السلام (٥) قال : «الخمس من خمسة أشياء من الغنائم ومن الغوص والكنوز ومن المعادن والملاحة. وفي رواية يونس «والعنبر» أصبتها في بعض كتبه هذا الحرف وحده العنبر ولم أسمعه».

وروى الشيخ أيضا عن أحمد بن محمد قال حدثني بعض أصحابنا رفع الحديث (٦) قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من ما يجب فيه الخمس.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من ما يجب فيه الخمس.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس.

٣٤٣

عليه. ولم يحفظ الخامس. الحديث».

وما ذكره في المدارك بعد نقله صحيحة الحلبي المتقدمة ـ من أنها قاصرة عن إفادة التعميم لاختصاصها بغوص اللؤلؤ إلا أن يقال أنه لا قائل بالفصل ـ ضعيف فإن رواية محمد بن علي المتقدمة اشتملت على ضم الياقوت والزبرجد وجملة الأخبار الباقية على الغوص أي ما يخرج بالغوص وهو عام.

ثم إنه لا خلاف في اعتبار النصاب فيه ، وإنما الخلاف في تقديره فالمشهور أنه ما بلغ قيمته دينارا وعليه تدل رواية محمد بن علي المتقدمة ، ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد في المسائل الغرية تقديره بعشرين دينارا ولم نقف على مستنده.

قال في المنتهى : ولا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا بل لو زاد قليلا أو كثيرا وجب فيه الخمس.

واعتبار الدينار في الغوص بعد المؤن كما تقدم الدليل عليه. والبحث في الدفعة والدفعات كما تقدم في المعدن ، والأظهر كما تقدم ثمة ضم الجميع وإن أعرض أو طال الزمان. قالوا : ولو اشترك في الغوص جماعة اعتبر بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب. ويضم أنواع المخرج بعضها إلى بعض في التقويم. والظاهر من كلامهم إجزاء القيمة فلا يتعين الإخراج من العين.

وينبغي التنبيه على أمور :

الأول ـ في ما يخرج بالغوص من الأموال التي عليها أثر الإسلام إشكال ينشأ من دلالة ظاهر روايتي الشعيري والسكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) «في سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها : فقال أما ما أخرجه البحر فهو لأهله الله أخرجه وأما ما أخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به». ويؤيدها إطلاق الغوص في الأخبار المتقدمة ، ومن أن المتبادر من ما أخرج بالغوص يعني من ما كان مقره بالأصالة تحت الماء كالأشياء المعدودة في الروايات من

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من اللقطة.

٣٤٤

اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ونحوها لا ما وقع في الماء ورسب فيه ثم أخرج منه بالغوص والروايتان المشار إليهما إنما تدلان على كونه لمخرجه وأما أنه يجب فيه الخمس فلا. على أن ظاهر الخبرين غير خال من الإشكال لأن الحكم به لمخرجه مع وجود أهله من غير ناقل شرعي مشكل ، اللهمّ إلا أن يحمل ذلك على إعراض أهله عنه لعدم إمكان إخراجه ونحو ذلك وإلا فالحكم بما دلا عليه على الإطلاق مخالف للقواعد الشرعية والضوابط المرعية المتفقة على أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا برضاء منه (١).

الثاني ـ المشهور بين الأصحاب اختصاص وجوب الخمس بما يؤخذ من البحر بالغوص فلو أخذ من غير غوص فلا خمس فيه من هذه الجهة ، وقال الشهيد في البيان : ولو أخذ منه شي‌ء من غير غوص فالظاهر أنه بحكمه.

قال في الذخيرة بعد نقل ذلك عن الشهيد : وهو غير بعيد ولعل مستنده إطلاق رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر السابقة. وأشار بها إلى رواية محمد بن علي حيث إن الراوي عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر.

ولا يخفى ما فيه فإن الرواية المذكورة وإن تضمنت التعبير عن ذلك بقوله «يخرج من البحر» الذي هو أعمّ من أن يكون بغوص أو غيره إلا أن جملة الروايات الباقية التي قدمناها كلها قد اشتركت في التعبير بالغوص ، فإطلاق العبارة في الرواية المذكورة مقيد بما ذكر في الأخبار الباقية والتعبير بذلك إنما وقع توسعا لظهور أنه لا يقع إخراج ذلك إلا بالغوص ، فإثبات حكم شرعي بهذا الإطلاق والحال كما ذكرنا لا يخلو عن مجازفة وبه يظهر ضعف ما ذكروه.

الثالث ـ لا ريب في وجوب الخمس في العنبر وعليه إجماع الأصحاب وقد

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من الأنفال رقم «٦» والباب ١ من الغصب عن صاحب الزمان (ع) «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه». وفي المحاضرات قسم المعاملات ص ٤١٨ ذكر الحجة المقرم مصادره من طرق الشيعة والسنة فراجعه.

٣٤٥

تقدم ذلك في صحيحة الحلبي (١) ولكن اختلف كلامهم في مقدار نصابه فذهب الأكثر إلى أنه إن أخرج بالغوص روعي مقدار دينار وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن.

قال في المدارك : ويشكل بانتفاء ما يدل على اعتبار الدينار في مطلق المخرج بالغوص وبالمنع من إطلاق اسم المعدن على ما يجنى من وجه الماء.

أقول : أما الإشكال الثاني فوجهه ظاهر ، وأما الأول ففيه أن الظاهر من الرواية المشتملة على ذكر الدينار أن ما ذكر فيها من ما يخرج من البحر من اللؤلؤ وما بعده من الأفراد إنما هو على جهة التمثيل لا الحصر ، وعلى هذا بني الاستدلال بها على نصاب الدينار في ما أخرج بالغوص مطلقا كما عليه اتفاق الأصحاب قديما وحديثا.

الرابع ـ قال في القاموس : العنبر من الطيب روث دابة بحرية أو نبع عين فيه ، ونقل عن ابن إدريس في سرائره أنه نقل عن الجاحظ في كتاب الحيوان أنه قال يقذفه البحر إلى جزيرة فلا يأكل منه شي‌ء إلا مات ولا ينقره طائر بمنقاره إلا نصل فيه منقاره وإذا وضع رجله عليه نصلت أظفاره. وحكى الشهيد في البيان عن أهل الطب أنهم قالوا أنه جماجم تخرج من عين في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال. وعن الشيخ أنه نبات في البحر. وعن ابن جزلة المتطبب في كتاب منهاج البيان أنه من عين في البحر. ونقل في كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان قال : والعنبر المشموم قيل أنه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعا فيطفو على الماء فيلقيه الريح إلى الساحل.

وظاهر أكثر هذه العبائر أنه إنما يؤخذ من وجه الماء أو من الساحل بعد أن تقذفه الريح وأما أنه يؤخذ بالغوص فهو بعيد عن ظواهرها ، فما ذكروه من التفصيل المتقدم مع خلوه من الدليل بعيد عن ظاهر الرواية المتقدمة وكلام هؤلاء القوم.

__________________

(١) ص ٣٤٣.

٣٤٦

ويظهر من كلام الشيخ في النهاية وجوب الخمس فيه مطلقا ولعله الأظهر ولا ريب أنه الأحوط.

المقام الخامس ـ في ما يفضل عن مئونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والزراعات والصناعات ، ووجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل ادعى عليه العلامة في المنتهى والتذكرة الإجماع وتواتر الأخبار ، ونقل عن ابن الجنيد في المختصر الأحمدي أنه قال : فأما ما استفيد من ميراث أو كد يد أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك ، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها. وهو ظاهر في العفو عن هذا النوع ، وحكاه الشهيد في البيان عن ظاهر ابن أبي عقيل أيضا فقال : وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع وأنه لا خمس فيه والأكثر على وجوبه ، وهو المعتمد لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما واشتهار الروايات فيه. انتهى.

ومن ما يدل على الوجوب الآية الشريفة (١) بمعونة الأخبار التي وردت بتفسيرها بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب وقد تقدمت الإشارة إليها في أول الكتاب (٢) وبه يظهر أن ما ذكره في المدارك ـ وتبعه عليه الفاضل الخراساني في الذخيرة من الطعن في دلالة الآية من أن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها غنيمة دار الحرب كما يدل عليه سوق الآيات ـ لا تعويل عليه فإنه بعد ورود النصوص بذلك لا مجال لهذا الكلام إذ أحكام القرآن وغيره وتفسيره وبيان مجملاته وحل مشكلاته إنما يتلقى عنهم (عليهم‌السلام) فإذا ورد التفسير عنهم بذلك فالراد له راد عليهم.

والأخبار ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار عن محمد بن

__________________

(١) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٢) ص ٣٢٠.

٣٤٧

الحسن الأشعري (١) قال : «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه عليه‌السلام : الخمس بعد المئونة».

وما رواه أيضا في الصحيح عن علي بن مهزيار عن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري (٢) «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع عليه‌السلام : لي منه الخمس من ما يفضل من مئونته».

وما رواه في الصحيح عن علي بن مهزيار (٣) قال : «قال لي أبو علي بن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك فقال بعضهم وأي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي أي شي‌ء؟ فقال في أمتعتهم وضياعهم. قلت فالتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال ذلك إذا أمكنهم بعد مئونتهم».

وما رواه في الكافي عن إبراهيم بن محمد الهمداني (٤) قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك عليه‌السلام في ما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المئونة وأنه ليس على من لم تقم ضيعته بمئونته نصف السدس ولا غير ذلك واختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة وخراجها لا مئونة الرجل وعياله؟ فكتب عليه‌السلام بعد مئونته ومئونة عياله وبعد خراج السلطان».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن مهزيار (٥) قال : كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني أقرأني على كتاب أبيك. الحديث مثل ما تقدم إلا أنه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

(٤) الأصول ج ١ ص ٥٤٧ وفي الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

٣٤٨

قال في آخره «فكتب عليه‌السلام وقرأه علي بن مهزيار : عليه الخمس بعد مئونته ومئونة عياله وبعد خراج السلطان».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (١) قال : «كتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال : الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار وسأفسر لك بعضه إن شاء الله تعالى : إن موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا في ما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس ، قال الله تعالى «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (٢) ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله تعالى عليهم ، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم وبما ينوبهم في ذاتهم. فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ، قال الله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ» (٣) فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

(٢) سورة التوبة الآية ١٠٥ و ١٠٦ و ١٠٧.

(٣) سورة الأنفال الآية ٤٣.

٣٤٩

يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، ومن ضرب ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي ، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي ومن كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين فإن نية المؤمن خير من عمله. فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته ومن كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك».

أقول : الوجه في إيجابه نصف السدس هو أنه صاحب الحق فله تحليل شيعته بما أراد من حقه ، وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى على وجهها في الفصل الثاني

وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».

وما رواه فيه أيضا عن يزيد (٢) قال : «كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها؟ رأيك أبقاك الله تعالى أن تمن علي ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي ولا صوم؟ فكتب : الفائدة من ما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس من ما أصاب لفاطمة (عليها‌السلام) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا وحرم عليهم الصدقة ، حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة. الحديث».

وما رواه بإسناده عن الريان بن الصلت (٤) قال : «كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

٣٥٠

ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (١) قال : «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه‌السلام الخمس في ذلك. وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة تأكله العيال إنما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكسب : أما ما أكل فلا وأما البيع فنعم هو كسائر الضياع».

ولم نقف لما نقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل على دليل معتمد سوى ما نقله في المختلف فقال احتج ابن الجنيد بأصالة براءة الذمة وبما رواه عبد الله بن سنان (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة». ثم قال (قدس‌سره) : والجواب عن الأول أنه معارض بالاحتياط مع أن الأصل لا يعمل به مع قيام الموجب ، وعن الثاني بالقول بالموجب فإن الخمس إنما يجب في ما يكون غنيمة وهو يتناول غنائم دار الحرب وغيرها من جميع الاكتسابات. على أنه لا يقول بذلك فإنه أوجب الخمس في المعادن والغوص وغير ذلك. انتهى.

ويمكن أن يقال ولعله الأظهر : أن الوجه في ما ذكره ابن الجنيد وابن أبي عقيل إنما هو من حيث ورود جملة من الأخبار كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محلها بتحليل الخمس من هذا النوع كما يشير إليه قول ابن الجنيد في عبارته المتقدمة : «لاختلاف الرواية في ذلك» فكأنهما رجحا العمل بأخبار التحليل فأسقطاه هنا.

إذا عرفت ذلك فتنقيح هذا المقام يتوقف على رسم مسائل الأولى ـ المشهور

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس ، وابن محبوب يرويه عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع).

(٢) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس.

٣٥١

بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الخمس في جميع أنواع المكاسب من الزراعات والصناعات والتجارات عدا الميراث والصداق والهبة ، ونقل عن أبي الصلاح وجوبه في الميراث والهبة والهدية ، وأنكر ذلك ابن إدريس وقال هذا شي‌ء لم يذكره أصحابنا غير أبي الصلاح.

أقول : ويدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح عموم رواية محمد بن الحسن الأشعري المتقدمة (١) من أن الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب ،. وموثقة سماعة (٢) لقوله عليه‌السلام فيها «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».

وعلى خصوص الهدية الرواية المتقدم نقلها من مستطرفات السرائر ، وإليه يشير أيضا ما رواه في الكافي عن علي بن الحسين بن عبد ربه (٣) قال : «سرح الرضا عليه‌السلام بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي هل علي في ما سرحت إلي خمس؟ فكتب إليه : لا خمس عليك في ما سرح به صاحب الخمس». فإنه يشعر بوجوب الخمس في ما يسرح به غير صاحب الخمس وإلا لكتب إليه أنه لا خمس في ما يسرح به مطلقا.

وعلى الجميع صحيحة علي بن مهزيار وقوله فيها «الفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن».

وما في كتاب الفقه الرضوي (٤) حيث ذكر الغنيمة في الآية وفسرها بهذه الأفراد : ربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها لأن الجميع غنيمة وفائدة.

وبالجملة فإنه متى فسرت آية الغنيمة بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب كما عرفته من الأخبار فإن هذه الأشياء تدخل فيها البتة وتخرج الأحاديث الواردة في هذه الأشياء على الخصوص شاهدة لذلك. وبه يظهر قوة القول المذكور.

__________________

(١) ص ٣٤٧ و ٣٤٨.

(٢) ص ٣٥٠.

(٣) الوسائل الباب ١١ من ما يجب فيه الخمس.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ٦ من ما يجب فيه الخمس.

٣٥٢

وأما عد الصداق في ذلك فلم أقف على قائل به ، ولو قيل به فالظاهر أنه ليس من قبيل هذه لأن الصداق عوض البضع كثمن المبيع فلا يكون من قبيل الغنيمة. ومثله ما لو دفع إليه مال يحج به كما رواه في الكافي عن علي بن مهزيار (١) قال : «كتبت إليه يا سيدي رجل دفع إليه مال يحج به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب : ليس عليه الخمس».

الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الخمس المتعلق بالأرباح إنما يجب بعد مئونة السنة له ولعياله ، وقد تقدم في الأخبار المذكورة في المقام ما يدل على كونه بعد المئونة له ولعياله ، إلا أني لم أقف على خبر صريح يتضمن كون المراد مئونة السنة ، لكن الظاهر أنه هو المتبادر من إطلاق هذه الألفاظ.

واعتبار الحول هنا ليس في الوجوب بمعنى توقف الوجوب عليه خلافا لابن إدريس كما نقله عنه في الدروس ، بل بمعنى تقدير الاكتفاء فلو علم الاكتفاء في أول الحول وجب الخمس ولكن يجوز تأخيره احتياطا له وللمستحق لجواز زيادة النفقة بسبب عارض أو نقصها كما صرح به شيخنا الشهيد في البيان.

وظاهر العلامة في التذكرة حيث نسب اعتبار السنة الكاملة إلى علمائنا أنه لا يكتفى بالدخول في الثاني عشر كما في الزكاة واستقربه الشهيد في الدروس.

وذكر غير واحد من الأصحاب أن المراد بالمئونة هنا ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم كالضيف ، ومنها الهدية والصلة لإخوانه وما يأخذه الظالم منه قهرا أو يصانعه به اختيارا والحقوق اللازمة له بنذر وكفارة ومئونة التزويج وما يشتريه لنفسه من دابة ومملوك ونحو ذلك ، كل ذلك ينبغي أن يكون على ما يليق بحاله عادة وإن أسرف حسب عليه ما زاد وإن قتر حسب له ما نقص.

وما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) لا بعد فيه فإنه هو المتبادر من هذا

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من ما يجب فيه الخمس.

٣٥٣

اللفظ بالنظر إلى العادة الجارية والطريقة التي عليها الناس في جميع الأعصار والأمصار وظاهرهم أن ما يستثنى من ربح عامه وبه صرح بعضهم ، فلو استقر الوجوب في مال بمضي الحول لم يستثن ما تجدد من المؤن.

ولا يعتبر الحول في كل تكسب بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه فإذا تم الحول خمس ما بقي عنده.

ولو تملك قبل الحول ما يزيد على المئونة دفعة أو دفعات تخير في التعجيل والتأخير كما ذكرنا أولا ، إلا أن ظواهر بعض الأخبار ـ مثل قوله عليه‌السلام (١) «حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق». ـ ربما ينافي ما ذكرناه ولكن الظاهر أن هذا الخبر ونحوه ليس على إطلاقه بل يجب تقييده بأخبار استثناء المئونة المتكاثرة كما عرفت.

ولو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المئونة منه أو من الربح المكتسب أو بالنسبة منهما؟ أوجه أجودها الثاني وأحوطها الأول.

وأدخل في المنتهى في الاكتساب زيادة قيمة ما غرسه لزيادة نمائه فأوجب الخمس فيها بخلاف ما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه وهو جيد ، ومنهم من أوجب في زيادة القيمة أيضا.

وهل يكفي ظهور الربح في أمتعة التجارة أم يحتاج إلى البيع والإنضاض؟ وجهان ولعل الثاني هو الأقرب.

الثالثة ـ قال الشيخ في المبسوط العسل الذي يؤخذ من الجبال وكذلك المن يؤخذ منه الخمس ، واختاره ابن إدريس وابن حمزة وقطب الدين الكيدري وجملة من المتأخرين ، ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في أجوبة المسائل الناصرية عدم الوجوب.

والظاهر هو القول المشهور لكون ذلك كسبا فيدخل تحت الأخبار الدالة

__________________

(١) في رواية عبد الله بن سنان ص ٣٥٠.

٣٥٤

على وجوب الخمس في المكاسب كرواية محمد بن الحسن الأشعري المتقدمة (١) الدالة على أن الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب ونحوها من ما تقدم.

احتج السيد على ما نقل عنه بالإجماع ، وبأن الأصل أن لا حق في الأموال ، فمن أثبت حقا في العسل أو غيره إما خمسا أو غيره فعليه إقامة الدليل ولا دليل. وضعفه ظاهر ، أما الإجماع ففيه أنه لا قائل به سواه وأما الدليل فقد ذكرناه.

ولا أعرف هنا وجها لتخصيص الكلام بالعسل والمن كما ذكره في المبسوط إلا أن يكون المراد من كلامه مجرد التمثيل ، وإلا فالحكم جار في كل ما يجتنى كالترنجبين والصمغ والشير خشك وغير ذلك لدخول الجميع تحت الاكتساب كما عرفت.

الرابعة ـ قال المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في كتاب المنتقى بعد نقل صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدمة (٢) ما صورته : قلت على ظاهر هذا الحديث عدة إشكالات ارتاب منها فيه بعض الواقفين عليه ، ونحن نذكرها مفصلة ثم نحلها بما يزيل عنها الارتياب بعون الله سبحانه ومشيئته :

الإشكال الأول ـ أن المعهود والمعروف من أحوال الأئمّة (عليهم‌السلام) أنهم خزنة العلم وحفظة الشرع يحكمون فيه بما استودعهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأطلعهم عليه ، وأنهم لا يغيرون الأحكام بعد انقطاع الوحي وانسداد باب النسخ ، فكيف يستقيم قوله عليه‌السلام في هذا الحديث «أوجبت في سنتي ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام» إلى غير ذلك من العبارات الدالة على أنه عليه‌السلام يحكم في هذا الحق بما شاء واختار.

الثاني ـ أن قوله عليه‌السلام : «ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم» ينافيه قوله بعد ذلك : «فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام».

__________________

(١) ص ٣٤٧ و ٣٤٨.

(٢) ص ٣٤٩.

٣٥٥

الثالث ـ أن قوله عليه‌السلام : «وإنما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول» خلاف المعهود إذ الحول يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا الخمس. وكذا قوله : «ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم» فإن تعلق الخمس بهذه الأشياء غير معروف.

الرابع ـ أن الوجه في الاقتصار على نصف السدس غير ظاهر بعد ما علم من وجوب الخمس في الضياع التي تحصل منها المئونة كما يستفاد من الخبر الذي قبل هذا وغيره من ما سيأتي.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن الإشكال الأول مبني على ما اتفقت فيه كلمة المتأخرين من استواء جميع أنواع الخمس في المصرف ، ونحن نطالبهم بدليله ونضايقهم في بيان مأخذ هذه التسوية ، كيف وفي الأخبار التي بها تمسكهم وعليها اعتمادهم ما يؤذن بخلافها بل ينادي بالاختلاف كالخبر السابق عن أبي علي بن راشد (١) ويعزى إلى جماعة من القدماء في هذا الباب ما يليق أن يكون ناظرا إلى ذلك ، وفي خبر لا يخلو من جهالة في الطريق تصريح به أيضا فهو عاضد للصحيح ، والخبر يرويه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن مهزيار قال حدثني محمد بن علي بن شجاع النيسابوري (٢) «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن رجل أصاب من ضيعته مائة كر ...». ثم نقل الخبر بتمامه كما قدمناه ، ثم قال : وإذا قام احتمال الاختلاف فضلا عن إيضاح سبيله باختصاص بعض الأنواع بالإمام عليه‌السلام فهذا الحديث مخرج عليه وشاهد به ، وإشكال نسبة الإيجاب فيه بالإثبات والنفي إلى نفسه عليه‌السلام مرتفع معه فإن له التصرف في ماله بأيّ وجه شاء أخذا وتركا.

وبهذا ينحل الإشكال الرابع أيضا فإنه في معنى الأول ، وإنما يتوجه السؤال عن وجه الاقتصار على نصف السدس بتقدير عدم استحقاقه للكل ، فأما مع كون

__________________

(١ و ٢) ص ٣٤٨.

٣٥٦

الجميع له فتعيين مقدار ما يأخذ ويدع راجع إلى مشيئته وما يراه من المصلحة ولا مجال للسؤال عن وجهه.

أقول : لا يخفى أن الجواب عن السؤال المذكور لا ينحصر في ما ذكره (قدس‌سره) ليتخذه مستندا لما ذهب إليه من اختصاص هذا النوع به عليه‌السلام دون الأصناف الأخر ، بل يمكن الجواب بما ورد في جملة من الأخبار من أنهم (عليهم‌السلام) قد فوض إليهم كما فوض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد عقد له في الكافي بابا على حدة.

ومن أخباره ما رواه (قدس‌سره) عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن قال وجدت في نوادر محمد بن سنان عن عبد الله بن سنان (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الأئمّة (عليهم‌السلام) قال الله تعالى (إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (٢) وهي جارية في الأوصياء عليهم‌السلام».

وفي حديث آخر (٣) «فما فوض الله إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فوضه إلينا». وفي ثالث (٤) «إن الله فوض إلى سليمان بن داود فقال (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٥) وفوض إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٦) فما فوض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فوضه إلينا». إلى غير ذلك من الأخبار.

ويؤيد هذه الأخبار أيضا ما في رواية أبي خالد الكابلي عنه عليه‌السلام (٧) قال :

__________________

(١ و ٣) أصول الكافي ج ١ ص ٢٦٨.

(٢) سورة النساء الآية ١٠٧.

(٤) أصول الكافي ج ١ ص ٢٦٥ رقم ٢.

(٥) سورة ص الآية ٣٩.

(٦) سورة الحشر الآية ٨.

(٧) الوسائل الباب ٢ من قسمة الخمس.

٣٥٧

«إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شي‌ء فإنه إنما يعمل بأمر الله».

وحينئذ يكون ما ذكره عليه‌السلام راجعا إلى الخمس بجميع موارده لا إلى صنف منه مختص به كما يدعيه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه مزيد تحقيق للمقام والكلام على ما ذهب إليه بما يكشف عن المسألة غياهب الإبهام.

ثم قال (قدس‌سره) : وأما الإشكال الثاني فمنشؤه نوع إجمال في الكلام اقتضاه تعلقه بأمر معهود بين المخاطب وبينه عليه‌السلام كما يدل عليه قوله «بما فعلت في عامي هذا» وسوق الكلام يشير إلى البيان وينبه على أن الحصر في الزكاة إضافي مختص بنحو الغلات ، ومنه يعلم أن قوله عليه‌السلام : «والفوائد» ليس على عمومه بحيث يتناول الغلات ونحوها بل هو مقصور على ما سواها ، ويقرب أن يكون قوله «والجائزة» وما عطف عليه إلى آخر الكلام تفسيرا للفائدة أو تنبيها على نوعها ، ولا ريب في مغايرته لنحو الغلات التي هي متعلق الحصر هناك. ثم إن في هذه التفرقة بمعونة ملاحظة الاستشهاد بالآية وقوله بعد ذلك «فليعمد لإيصاله ولو بعد حين» دلالة واضحة على ما قلناه من اختلاف حال أنواع الخمس ، فإن خمس الغنائم ونحوها من ما يستحقه أهل الآية ليس للإمام عليه‌السلام أن يرفع فيه ويضع على حد ماله في خمس نحو الغلات وما ذاك إلا للاختصاص هناك والاشتراك هنا.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) هنا ـ بناء على ما اختاره من ما أشرنا إليه آنفا من أنه ليس للإمام عليه‌السلام أن يرفع ويضع في ما يستحقه أهل الآية على حد ماله ـ منظور فيه ، فإن المفهوم من الأخبار خلافه ومنها رواية أبي خالد الكابلي وما سيأتي إن شاء الله تعالى في أخبار التحليل (١) من دلالة جملة من الأخبار بعمومها على تحليل الخمس مطلقا ، وصحيحة عمر بن أذينة (٢) الواردة في حمل أبي سيار مسمع بن عبد الملك

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الأنفال.

(٢) الصحيح «عمر بن يزيد».

٣٥٨

خمس ما استفاده من الغوص إلى أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ورده عليه وتحليله به كملا. ويعضد ذلك الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى فإنها دالة على أن الأرض وما خرج منها كله لهم (عليهم‌السلام) (٢) ويؤكد ذلك أيضا أخبار التفويض التي تقدم ذكر بعض منها.

ثم قال (قدس‌سره) : وبقي الكلام على الإشكال الثالث ومحصله أن الأشياء التي عددها عليه‌السلام في إيجابه للخمس ونفيه أراد بها ما يكون محصلا من ما يجب له فيه الخمس فاقتصر في الأخذ على ما حال عليه الحول من الذهب والفضة ، لأن ذلك أمارة الاستغناء عنه فليس في الأخذ منه ثقل على من هو بيده ، وترك التعرض لهم في بقية الأشياء المعدودة طلبا للتخفيف كما صرح به عليه‌السلام انتهى كلامه زيد مقامه

أقول : جميع ما تكلفه في دفع هذه الإشكالات مبني على ما زعمه من اختصاص خمس الأرباح به عليه‌السلام دون شركائه المذكورين في الآية وسيأتي ما فيه. وبالجملة فالحق ما ذكره جملة من الأصحاب من أن الرواية في غاية الإشكال ونهاية الإعضال ، وأجوبته (قدس‌سره) مع كونها تكلفات ظاهرة مدخولة بما ذكرناه هنا وما سيأتي إن شاء الله تعالى.

المقام السادس ـ في أرض الذمي التي اشتراها من مسلم ، وهذه الأرض ذكرها الشيخ وأتباعه استنادا إلى صحيحة أبي عبيدة الحذاء (٣) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس».

وحكى العلامة في المختلف عن كثير من المتقدمين كابن الجنيد والشيخ المفيد وابن أبي عقيل وسلار وأبي الصلاح أنهم لم يذكروا هذا الفرد في ما يجب فيه الخمس وظاهرهم سقوط الخمس هنا ، ونقل عن شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد الميل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام رقم ١٢.

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٤٠٧ باب إن الأرض كلها للإمام «ع».

(٣) الوسائل الباب ٩ من ما يجب فيه الخمس.

٣٥٩

إلى ذلك استضعافا للرواية الواردة بذلك ، وذكر في الروضة تبعا للعلامة في المختلف أنها من الموثق.

والجميع سهو ظاهر فإن سند الرواية في أعلى مراتب الصحة لأن الشيخ قد رواها في التهذيب (١) عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء ، وروى هذه الرواية في الفقيه (٢) عن أبي عبيدة الحذاء ورواها المحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب ، وروى الشيخ المفيد في باب الزيادات من المقنعة (٣) عن الصادق عليه‌السلام مرسلا قال : «الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس».

بقي الكلام في أن مصرف هذا الخمس هل هو مصرف الخمس الذي تضمنته الآية؟ ظاهر الأصحاب ذلك حيث عدوا هذه الأرض في هذا الباب.

وقال المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في كتاب المنتقى بعد نقل الخبر المتقدم : قلت ظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أن المراد من الخمس في هذا الحديث معناه المعهود وللنظر في ذلك مجال ، ويعزى إلى مالك (٤) القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية وأنه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب عليه الخمس ، وهذا المعنى يحتمل إرادته من هذا الحديث أما موافقة عليه أو تقية ، فإن مدار التقية على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم ، ومعلوم أن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه‌السلام ومع قيام هذا الاحتمال بل قربه

__________________

(١) ج ١ ص ٣٨٤ و ٣٨٩.

(٢) ج ٢ ص ٢٢.

(٣) الوسائل الباب ٩ من ما يجب فيه الخمس.

(٤) نقل أبو عبيد في كتاب الأموال ص ٩٠ عن أبي حنيفة أنه إذا اشترى الذمي أرض عشر تحولت أرض خراج. قال وقال أبو يوسف يضاعف عليه العشر. ثم نقل ذلك عن غيره ثم قال : فأما مالك بن أنس فكان يقول غير ذلك كله ، حدثني عنه يحيى بن بكير لا شي‌ء عليه فيها. ثم ذكر علة ذلك ثم قال : وروى بعضهم عن مالك أنه قال لا عشر عليه ولكنه يؤمر ببيعها لأن في ذلك إبطالا للصدقة.

٣٦٠