الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (١) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده ثم قال : هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكيهم».

وصحيحة علي بن مهزيار الطويلة عن الجواد عليه‌السلام (٢) وستأتي إن شاء الله تعالى بطولها في موضعها ، وهي متضمنة لتفسير الآية بذلك ، إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.

وحينئذ فالكلام في هذا الفصل يقع في مقامات سبعة الأول ـ في غنائم دار الحرب ، قالوا : وهي ما حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها ما لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد قليلا كان أو كثيرا ، ونقل عن الشيخ المفيد في المسائل الغرية أنه قال : والخمس واجب في ما يستفاد من غنائم الكفار والكنوز والعنبر والغوص ، فمن استفاد من هذه الأربعة الأصناف عشرين دينارا أو ما قيمته ذلك كان عليه أن يخرج منه الخمس. وظاهره أنه لا بد من بلوغ قيمة الغنيمة عشرين دينارا فما زاد أو كونها كذلك.

والمشهور ما تقدم ، وهو ظاهر إطلاق الأدلة ومنها الآية الشريفة ، ومنها قوله عليه‌السلام في مرسلة حماد الطويلة (٣) ـ وستأتي إن شاء الله تعالى في موضعها ـ «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن. الحديث».

وصحيحة عبد الله بن سنان (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة».

وصحيحة ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٢) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

(٤) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس.

٣٢١

أخماس. الحديث». وسيأتي إن شاء الله تعالى في محله ، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى.

ولم نقف للشيخ المفيد (رضي‌الله‌عنه) هنا على دليل.

ثم إن ما دل عليه صحيحة عبد الله بن سنان من حصر الخمس في الغنائم قد حمله الشيخ (قدس‌سره) تارة على أن معناه ليس الخمس بظاهر القرآن إلا في الغنائم خاصة لأن ما عدا الغنائم الذي أوجبنا فيه الخمس إنما يثبت ذلك بالسنة وتارة بشمول الغنائم لكل ما وجب فيه الخمس ، والأول منهما في التهذيب والثاني في الإستبصار وهو الأقرب ، فيكون تفسيره للآية الشريفة بالعموم كما تقدم ذكره ، وحينئذ فيكون الحصر بالنسبة إلى ما يدخل في الملك بالشراء كما لو اشترى جارية أو دارا أو طعاما أو نحو ذلك فإنه لا خمس فيه إذ لا يعد ذلك غنيمة.

بقي هنا شي‌ء وهو أنه قال شيخنا الشهيد في الدروس : ويجب في سبعة : الأول ـ ما غنم من دار الحرب على الإطلاق إلا ما غنم بغير إذن الإمام عليه‌السلام فله ، أو سرق أو أخذ غيلة فلآخذه.

وظاهره أن جميع ما يؤخذ من دار الحرب فهو غنيمة إلا أنه متى كان بغير إذن الإمام فإنه يكون للإمام عليه‌السلام وهو على إطلاقه مشكل لأن الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب أن الذي يكون للإمام عليه‌السلام متى كان بغير إذنه إنما هو ما يؤخذ على وجه الجهاد والتكليف بالإسلام كما يقع من خلفاء الجور وجهادهم الكفار على هذا الوجه لا ما أخذ جهرا وغلبة وغصبا ونحو ذلك من ما لم يكن سرقة ولا غيلة فإنه يكون غنيمة بغير إذنه عليه‌السلام ويكون له ، فإنه لا دليل عليه ولا قائل به في ما أعلم.

والرواية التي أوردها الأصحاب دليلا على الحكم المذكور ـ وهي رواية العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام عليه‌السلام الخمس». ـ موردها كما ترى إنما هو ما ذكرناه ، وفي عبارات الأصحاب في معنى

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٣٢٢

الغنيمة بأنها ما حواه العسكر ما يشعر بما قلناه.

وأما ما ذكره ـ من أن ما أخذ غيلة أو سرق فهو لآخذه ولا يجب فيه الخمس لأنه لا يسمى غنيمة ـ فهو أحد القولين ، وقيل بوجوب الخمس فيه.

قال في المدارك : ويدل عليه فحوى ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس».

وعن أبي بكر الحضرمي عن المعلى (٢) قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وابعث إلينا بالخمس».

أقول : وفي هذا الاستدلال نظر لأن مورد الروايتين الناصب لا أهل الحرب ، وهذا الفحوى الذي ادعاه لا يخرج عن القياس إذ الخروج عن مورد الدليل إلى فرد آخر مغاير له لا معنى له.

ولعله (قدس‌سره) تبع هنا كلام ابن إدريس في السرائر حيث قال ـ بعد أن أورد صحيحة حفص المذكورة ورواية المعلى ـ ما صورته : قال محمد بن إدريس المعني بالناصب في هذين الخبرين أهل الحرب لأنهم ينصبون الحرب للمسلمين وإلا فلا يحل أخذ مال مسلم ولا ذمي على وجه من الوجوه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الضعف والقصور : (أما أولا) فإن إطلاق الناصب على أهل الحرب خلاف المعروف لغة وعرفا وشرعا ، فإن الناصب لغة هو المبغض لعلي عليه‌السلام كما نص عليه في القاموس وإن كان أصل معنى النصب العداوة إلا أنه صار مختصا بالمبغض له (عليه‌السلام) وأما في الشرع فالأحاديث الدالة عليه أكثر من أن تحصى كما لا يخفى على من أحاط بها خبرا والعرف ظاهر في ذلك ، وأي داع إلى حمله على هذا المعنى البعيد الشارد وحمله على معناه المتبادر منه صحيح لا معارض له في جملة الموارد.

(وأما ثانيا) فإن إطلاق المسلم على الناصب وأنه لا يجوز أخذ ماله من

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من ما يجب فيه الخمس.

٣٢٣

حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا وخلفا من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله ، وإنما الخلاف بينهم في مطلق المخالف هل يحكم بإسلامه أم بكفره؟ وهو نفسه ممن اختار القول بالكفر كما هو المشهور بين متقدمي أصحابنا ، حيث قال في مبحث صلاة الأموات : ولا تجب الصلاة إلا على المعتقدين للحق أو من كان بحكمهم من أطفالهم الذين بلغوا ست سنين على ما قدمناه ومن المستضعفين ، وقال بعض أصحابنا تجب الصلاة على أهل القبلة ومن شهد الشهادتين ، والأول مذهب شيخنا المفيد والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي ، والأول أظهر في المذهب ، ويؤيده القرآن وهو قوله تعالى : «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً» (١) يعني الكفار ، والمخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا. هذه عبارته بعينها فإذا حكم بكفر المخالف فكيف يحكم بإسلام الناصب؟ ما هذا إلا غفلة من هذا التحرير وسهو وقع في هذا التحرير.

وفي المقام فوائد الأولى ـ ظاهر الأكثر أن حكم مال البغاة الذي حواه العسكر حكم غنيمة دار الحرب ، فإن أرادوا باعتبار وجوب الخمس فهو محل إشكال إذ لا أعرف عليه دليلا واضحا ومورد الآية والروايات إنما هو أهل الحرب من المشركين ، وإن أرادوا باعتبار حل ذلك للمسلمين فالتخصيص بما حواه العسكر كما اشتهر عندهم محل إشكال. وسيجي‌ء تحقيق القول في ذلك إن شاء الله تعالى في محله.

الثانية ـ ظاهر كلام الأصحاب كما قدمنا نقله أن الغنيمة التي يجب فيها الخمس هي جميع أموال أهل الحرب من ما ينقل ويحول أم لا حواه العسكر أم لا ، وظاهره دخول الأراضي والضياع والدور والمساكن ونحوها.

ولا أعرف على هذا التعميم دليلا سوى ظاهر الآية فإن الظاهر من الروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة :

ومنها ـ صحيحة ربعي بن عبد الله (٢) المتقدمة الدالة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٨٦.

(٢) الوسائل الباب ١ من قسمة الخمس.

٣٢٤

إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا ، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ونحوها غيرها من الأحاديث الدالة على قسمة الخمس أخماسا أو أسداسا وإعطاء كل ذي حق حقه.

وفي بعضها (١) أنه يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منه شي‌ء فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان.

وهذا كله كما ترى صريح في أن الخمس إنما هو في ما ينقل ويحول من غنيمة أو غيرها ، وكيف يجري هذا في الأراضي والضياع والدور ونحوها؟

وقد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار كالوافي والوسائل المشتمل على أخبار الكتب الأربعة وغيرها فلم أقف فيها على ما يدل على دخول الأرض ونحوها من ما قدمناه في الغنيمة التي يتعلق بها الخمس ، ولم أقف في شي‌ء منها على وجوب إخراج الخمس منها عينا أو قيمة حتى الأخبار الواردة في تفسير الآية المشار إليها فإنها ما بين صريح أو ظاهر في تخصيصها بما ينقل ويحول.

وحينئذ فيمكن تخصيص الآية بما دلت عليه هذه الأخبار مع أن الأخبار الواردة في الأراضي ونحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوة إنما دلت على أنها في‌ء للمسلمين من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة وأن أمرها إلى الإمام عليه‌السلام يقبلها أو يعمرها ويصرف حاصلها في مصالح المسلمين.

وأما ما ذكره المحقق في الشرائع في باب الجهاد ـ بالنسبة إلى هذه الأراضي بعد تقسيم الغنيمة إلى ما ينقل وما لا ينقل ، حيث قال : وأما ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة وفيه الخمس والإمام مخير بين إخراج الخمس لأربابه وبين إبقائه وإخراج الخمس من ارتفاعه ـ فلا أعرف له دليلا ولا وقفت له على مستند إلا ما قدمناه من ظاهر

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من قسمة الخمس.

٣٢٥

الآية ، وقد عرفت أنه يمكن تخصيصها بالأخبار الدالة على انحصار مخرج الخمس في ما ينقل ويحول ، ومن الجائز خروج الأراضي ونحوها عن ما يجب فيه الخمس كما خرجت عن حكم الغنيمة بالنسبة إلى اختصاص المقاتلين بها فإنها كما اتفقوا عليه للمسلمين قاطبة من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة.

وشيخنا الشهيد في المسالك لم يتعرض لنقل هذه العبارة فضلا عن إيراد دليل لها ، والظاهر أنه من حيث إن المسألة مسلمة الثبوت بينهم.

ويؤيد ما قلناه الأخبار الواردة في حكم الأرض المفتوحة عنوة ومنها خيبر وعدم التعرض فيها لذكر الخمس بالكلية مع ذكر الزكاة فيها ، ولو كان ثابتا فيها لكانت أولى بالذكر لتعلقه برقبة الأرض :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن البزنطي (١) قال : «ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه في يده. إلى أن قال : وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر قبل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها ، والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل (٢) وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر ، وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم. الحديث».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن البزنطي (٣) قال : «ذكرت لأبي الحسن عليه‌السلام الخراج وما سار به أهل بيته فقال العشر ونصف العشر على من أسلم طوعا تركت أرضه في يده. إلى أن قال : وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها ، والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٧٢ من جهاد العدو.

(٢) في كتاب الأموال لأبي عبيد ص ٥٥ أن الأرض المفتوحة عنوة حكم بعض بتخميسها وتقسيمها وأرجع بعض أمرها إلى الإمام إن شاء صنع كذلك وإن شاء تركها موقوفة على المسلمين عامة وأنه تقر في أيدي أهلها بالطسق.

٣٢٦

وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر».

وبالجملة فما ذكروه لا وجود له في شي‌ء من الأخبار ، بل ظواهرها من حيث عدم التعرض لذكره ولو إشارة سيما في مقام البيان هو العدم ، بل ظاهر مرسلة حماد بن عيسى الطويلة (١) الدلالة على ما قلناه حيث قال فيها : «وليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين. الحديث».

الثالثة ـ قد اختلفوا في تقديم الخمس على المؤن وعدمه ، واختلفوا أيضا في تقديمه على السلب والجعائل وما يرضخه الإمام للنساء والعبيد والكفار إن قاتلوا وعدمه ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الجهاد ، إلا أن الذي حضرني من الأخبار الآن وهو صحيحة ربعي المتقدمة (٢) إنما تضمنت إخراج الخمس بعد إخراج صفو المال الذي هو من الأنفال للإمام عليه‌السلام.

المقام الثاني ـ في المعادن وهي من «عدن» إذا أقام لإقامة أهله فيه دائما أو لإنبات الله عزوجل إياه فيه ، قال في القاموس : والمعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائما أو لإنبات الله عزوجل إياه فيه. وقال في المغرب : عدن بالمكان إذا أقام به ، ومنه المعدن لما خلقه الله تعالى في الأرض من الذهب والفضة لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ، وقيل لإنبات الله تعالى فيه جوهرها وإنباته إياه في الأرض حتى عدن فيها أي نبت. وهو أعمّ من أن يكون منطبعا كالنقدين والحديد والرصاص والصفر أو غير منطبع كالياقوت والعقيق والكحل والفيروزج والبلور ونحوها أو مائعا كالقير والنفط والكبريت ، والظاهر أن مجمله ما خرج عن حقيقة الأرضية ولو بخاصية زائدة عليها. وقال في التذكرة : المعادن هي كل ما خرج من الأرض من ما يخلق فيها من غيرها من ما له قيمة. وقال في البيان بعد عد جملة من ما ذكرناه : وكل أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة والمغرة. وقال في الدروس : حتى المغرة والجص والنورة وطين الغسل وحجارة الرحى. وقال في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من جهاد العدو.

(٢) ص ٣٢١.

٣٢٧

المدارك بعد نقل ذلك عنه : وفي الكل توقف. وكأنه للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة. وفي البيان : وألحق به حجارة الرحى وكل أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة والمغرة. وظاهره عدم دخولها في حقيقة المعادن. والمسألة لا تخلو من إشكال وإن كان الأقرب هو الأول ، لتناول ظاهر كلام أهل اللغة في تعريف المعدن لذلك.

ووجوب الخمس في المعدن من ما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى ، ومن الأخبار في ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص فقال عليها الخمس جميعا».

وصحيحة الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكنز كم فيه؟ قال الخمس. وعن المعادن كم فيها؟ قال الخمس. وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال : يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة».

وصحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الملاحة قال وما الملاحة؟ فقلت أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا. فقال : هذا المعدن فيه الخمس. فقلت : والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ قال فقال هذا وأشباهه فيه الخمس».

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال كل ما كان ركازا ففيه الخمس. وقال ما عالجته بمالك ففيه من ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفي الخمس».

أقول : لفظ الركاز في الخبر محتمل لأن يحمل على الكنز وأن يحمل على المعدن ، قال ابن الأثير في نهايته (٥) : في حديث الصدقة «وفي الركاز الخمس» الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من ما يجب فيه الخمس.

(٥) مادة ركز.

٣٢٨

والقولان تحتملهما اللغة لأن كلا منهما مركوز في الأرض أي ثابت ، يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه ، وأركز الرجل إذا وجد الركاز ، والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي ، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه ، وقد جاء في مسند أحمد في بعض طرق هذا الحديث «وفي الركائز الخمس» كأنها جمع ركيزة أو ركازة ، والركيزة والركزة القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها ، وجمع الركزة الركاز ومنه حديث عمر : أن عبدا وجد ركزة على عهده فأخذها منه. أي قطعة عظيمة من الذهب. وهذا يعضد التفسير الثاني. انتهى.

والظاهر إن معنى آخر الخبر إن الخمس إنما يجب في ما عولج بعد وضع مئونة العلاج ، ومرجعه إلى تقديم إخراج المئونة على الخمس ، وبه صرح جملة من الأصحاب.

ويدل عليه أيضا صحيحة ابن أبي نصر (١) قال : «كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب بعد المئونة». ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية في الأرباح إن شاء الله تعالى (٢).

ثم إنه قد وقع الخلاف هنا في موضعين : أحدهما ـ في اعتبار النصاب وعدمه في المعدن ، وعلى تقدير اعتباره فهل هو عشرون دينارا أو دينار واحد؟

فذهب الشيخ في الخلاف إلى وجوب الخمس فيها ولا يراعى فيها النصاب وهو اختياره في الاقتصاد أيضا ، ونقل عن ابن البراج وابن إدريس مدعيا عليه الإجماع حيث قال : إجماعهم منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها قليلا كان المعدن أو كثيرا ذهبا كان أو فضة من غير اعتبار مقدار وهذا إجماع منهم بغير خلاف. ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد والسيد

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من ما يجب فيه الخمس.

(٢) كخبر الأشعري والنيسابوري وعلي بن مهزيار والهمداني الآتية في أول المقام الخامس.

٣٢٩

المرتضى وابن زهرة وسلار أنهم أطلقوا وجوب الخمس ، وهو ظاهر في موافقة القول المتقدم.

واعتبر أبو الصلاح بلوغ قيمته دينارا واحدا ، ورواه ابن بابويه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه (١).

وقال الشيخ في النهاية : ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي تجب فيه الزكاة. ونحوه في المبسوط. واختاره ابن حمزة ، وعليه جمهور المتأخرين :

لما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال : ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».

احتج القائلون بالقول الأول بإطلاق النصوص والإجماع الذي تقدم في كلام ابن إدريس ، وهما بمكان من الضعف : أما الإطلاق فيجب تقييده بالدليل المذكور ، وأما الإجماع فهو في موضع النزاع غير مسموع ، قال في المختلف : وكيف يدعى الإجماع في موضع الخلاف من مثل ابن بابويه والشيخ وأبي الصلاح وغيرهم.

ويدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح ما رواه الكليني والشيخ عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر في الصحيح عن محمد بن علي بن أبي عبد الله وهو مجهول عن أبي الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيه زكاة؟ فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». ورواه ابن بابويه مرسلا عن الكاظم عليه‌السلام (٤).

والشيخ قد جمع بين هذا الخبر وما قبله بإرجاع الجواب إلى السؤال عن ما

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من ما يجب فيه الخمس رقم ٥.

(٢) الوسائل الباب ٤ من ما يجب فيه الخمس.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من ما يجب فيه الخمس.

٣٣٠

يخرج من البحر دون المعادن. وفيه تعسف فإن السؤال قد اشتمل عليهما ولا قرينة تؤنس بصرفه إلى بعض دون بعض. والأكثر حملوا الخبر الثاني على الاستحباب ، وبعض حمل الأول على الرخصة والتبرع منهم (عليهم‌السلام). وفي النفس من جميع هذه المحامل توقف.

فروع

الأول ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يعتبر في النصاب الإخراج دفعة بل لو أخرج من المعدن في دفعات متعددة ضم بعضها إلى بعض واعتبر النصاب من المجموع وإن تخلل بين الدفعات الإعراض ، وشرط العلامة في المنتهى أن لا يكون بين الدفعات إعراض فلو أهمله معرضا ثم أخرج بعد ذلك لم يضم. وهو تقييد للنص بغير دليل فإن ظاهر النصوص المتقدمة وجوب الخمس في هذا النوع كيف اتفق الإخراج فالتقييد بهذا الشرط يحتاج إلى دليل وليس فليس.

الثاني ـ قالوا : لو اشترك جماعة في استخراج المعدن اشترط بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب وظاهر النص العدم ، وتتحقق الشركة بالاجتماع على الحيازة والحفر. ولو اختص أحدهم بالحيازة وآخر بالنقل وآخر بالسبك ، فإن نوى الحيازة لنفسه كان الجميع له وعليه أجرة الناقل والسابك ، وإن نوى الشركة كان بينهم أثلاثا ويرجع كل واحد منهم على الآخر بثلث أجرة عمله بناء على أن نية الحائز تؤثر في ملك غيره.

الثالث ـ صرح جملة من الأصحاب بأنه لو وجد معدنا في أرض مملوكة فهو لصاحبها ولا شي‌ء للمخرج وإن كان في أرض مباحة فهو لمخرجه وعليه الخمس.

الرابع ـ قالوا : لو أخرج خمس تراب المعدن لم يجزئه لجواز اختلافه في الجوهر ، ومقتضاه أنه لو علم التساوي جاز. ولو اتخذ منه دراهم أو دنانير أو حليا فالظاهر أن الخمس في السبائك لا غير.

٣٣١

المقام الثالث ـ في الكنوز والكنز لغة هو المال المذخور تحت الأرض ، ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الخمس فيه.

ويدل عليه من الأخبار صحيحة الحلبي (١) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال الخمس».

وروي في الفقيه والخصال في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام (٢) قال : «يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام. إلى أن قال ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ... الآية (٣)».

وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن ما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».

وروى الشيخ المفيد (طيب الله مرقده) في المقنعة مرسلا (٥) قال : «سئل الرضا عليه‌السلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه».

ولا خلاف أيضا بين الأصحاب في ما أعلم في اشتراط الخمس في هذا النوع ببلوغ عشرين دينارا أو مائتي درهم وهو النصاب الأول من الذهب والفضة ، ويدل عليه الخبران الأخيران ، وما عدا النقدين المذكورين فإنه يعد بهما ، وبذلك صرح العلامة في المنتهى.

إلا أن عبائر جملة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع اقتصروا على نصاب الذهب خاصة ولعله لمجرد التمثيل ، قال في المنتهى : وليس للركاز نصاب آخر بل لا يجب الخمس فيه إلا أن يكون عشرين مثقالا فإذا بلغها وجب فيه الخمس وفي ما زاد قليلا كان أو كثيرا.

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٥ من ما يجب فيه الخمس.

(٣) سورة الأنفال الآية ٤٣.

٣٣٢

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المنتهى : ويشكل بأن مقتضى رواية ابن أبي نصر مساواة الخمس الزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول إلا أني لا أعلم بذلك مصرحا. انتهى.

أقول : لا يخفى أن المراد من السؤال في الرواية المذكورة إنما هو السؤال عن المقدار الذي يتعلق به الخمس بحيث لا يجب في ما هو أقل منه كما هو ظاهر من رواية المقنعة فأجاب عليه‌السلام بقدر ما تجب الزكاة في مثله وهو عشرون دينارا أو مائتا درهم ، لا أن المراد المساواة في النصب ليكون ما بينها عفوا لا خمس فيه كالزكاة. وبالجملة فالمقصود بالسؤال والجواب إنما هو المساواة في مبدإ تعلق الخمس كما في مبدإ تعلق الزكاة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إن ما يوجد في دار الحرب فإنه لآخذه وعليه الخمس أعمّ من أن يكون عليه أثر الإسلام أم لا.

قالوا : أما أنه لو أجده فلان الأصل في الأشياء الإباحة ، والتصرف في مال الغير إنما يحرم إذا كان ملكا لمحترم وهو هنا غير معلوم أو تعلق به نهي خصوصا أو عموما وهو هنا غير ثابت ، وحينئذ فيكون باقيا على مقتضى الإباحة الأصلية. وأما وجوب الخمس فلما تقدم من الأخبار.

أقول : ولك أن تقول إن المعلوم من أحاديث وجوب الخمس في الكنز وغيره من معدن وغوص ونحوهما من أصناف ما يجب فيه الخمس أن وجوب الإخراج متفرع على ملك المخرج ليتجه الخطاب له بالإخراج إذ لا يعقل الوجوب عليه في مال غيره ، فإيجاب الخمس في الصورة المذكورة بالأخبار المتقدمة مستلزم للملك البتة ، وحينئذ فتكون الأخبار المشار إليها دالة على كل من الأمرين.

وأما ما يوجد في دار الإسلام فإن لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده أيضا وعليه الخمس سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة ولم يعترف به المالك.

٣٣٣

والظاهر أنه لا خلاف فيه ، واستدلوا بما قدمنا نقله عنهم في الموجود في أرض دار الحرب ، ولهذا إن شيخنا الشهيد في البيان شرط وجوب الخمس في الكنز بأمرين : أحدهما النصاب عشرون دينارا وثانيهما وجوده في دار الحرب مطلقا أو دار الإسلام وليس عليه أثر الإسلام.

وإنما الخلاف والإشكال في ما وجد في دار الإسلام وعليه أثره فهل هو كما تقدم أو يكون لقطة؟ قولان مشهوران ، اختار أولهما الشيخ في الخلاف حيث قال : إذا وجد دراهم مضروبة في الجاهلية فهو ركاز ويجب فيه الخمس سواء كان ذلك في دار الإسلام أو دار الحرب ، وإن وجد كنزا عليه أثر الإسلام بأن تكون الدراهم والدنانير مضروبة في دار الإسلام وليس عليها أثر ملك يؤخذ منه الخمس. وهو ظاهر في إيجابه الخمس في ما وجد في دار الإسلام وعليه أثره أعمّ من أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة ولم يعترف به المالك. وإلى هذا القول ذهب ابن إدريس وغيره ومنهم المحقق في كتاب اللقطة. واختار ثانيهما الشيخ في المبسوط حيث قال : الكنوز التي تؤخذ من دار الحرب من الذهب والفضة والدراهم والدنانير سواء كان عليها أثر الإسلام أم لم يكن يجب فيها الخمس وأما التي تؤخذ من بلد الإسلام فإن وجدت في ملك إنسان وجب أن يعرف أهله فإن عرفه كان له وإن لم يعرفه أو وجدت في أرض لا مالك لها ، فإن كان عليها أثر الإسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء ، وإن لم يكن عليها أثر الإسلام أخرج منها الخمس وكان الباقي لواجدها. وإلى هذا القول ذهب جل المتأخرين : منهم ـ العلامة في المختلف والمحقق في كتاب الخمس. وظاهره في المعتبر التوقف حيث اقتصر على نقل الخلاف عن الشيخ في الكتابين المذكورين. وظاهر الشهيد في البيان الفرق بين الموجود في الأرض المباحة والموجود في المملوكة ولم يعترف المالك به حيث وافق الخلاف في الأرض المملوكة إذا لم يعترف به المالك ووافق المبسوط في الأرض المباحة ، وهو غريب.

٣٣٤

استدل العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من كونه لقطة قال : لنا ـ أنه مال ضائع عليه ملك إنسان ووجده في دار الإسلام فيكون لقطة كغيره.

ثم قال احتج في الخلاف بعموم ظاهر القرآن (١) والأخبار الواردة في إخراج الخمس من الكنوز (٢) والتخصيص يحتاج إلى دليل. ثم أجاب بالقول بالموجب ما لم يظهر المخصص ، قال : والمخصص هنا ثابت فإنه مال يغلب على الظن أنه مملوك لمسلم فلا يحل من غير تعريف. ولا يخفى ما في هذا الجواب.

والأظهر الجواب عن ذلك بما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن إسحاق ابن عمار (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال يتصدق بها».

وهو ظاهر في كونه لقطة لا كنزا وحينئذ فيخص به إطلاق الأخبار التي استند إليها. وهذا الخبر صريح في الرد على ما اختاره في البيان من كون الموجود في الأرض المملوكة مع عدم اعتراف المالك به يكون فيه الخمس. والخبر المذكور أيضا ظاهر في الرد على صاحب المدارك في ما ذكره من المناقشة في صحة إطلاق اللقطة على المال المكنوز ، قال إذ المتبادر من معناها أنها المال الضائع على غير هذا الوجه. وهذا الخبر حجة عليه.

والأظهر في الاستدلال على القول الأول هو الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «وسألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال : إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت».

__________________

(١) وهو قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ...» سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٢) الوسائل الباب ٥ من ما يجب فيه الخمس.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ من اللقطة.

٣٣٥

وصحيحته الأخرى عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به».

وبهذين الخبرين استدل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب اللقطة للمصنف على ما ذكره من أن ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا تعريف ، وكذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها.

وفي الاستدلال على القول الثاني هو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام (٢) قال : «قضى علي عليه‌السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها».

وهذه الرواية وإن كانت أعمّ من أن يكون ذلك الورق عليه سكة الإسلام إلا أنه يجب تخصيص عمومها بما دل على أن ما لا أثر للإسلام عليه فإن فيه الخمس ويكون لواجده ، ومثلها في ذلك موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة.

وأنت خبير بما في هذه الأخبار من التناقض والتضاد إلا أن من قال بالقول الثاني جمع بين صحيحتي محمد بن مسلم وصحيحة محمد بن قيس بحمل الصحيحتين المذكورتين على ما لم يكن عليه أثر الإسلام وحمل صحيحة محمد بن قيس على ما إذا كان عليه أثر الإسلام. ولا يخفى ما فيه من البعد لعدم ما يدل عليه من الأخبار.

وفي المدارك حيث اختار العمل بصحيحتي محمد بن مسلم حمل صحيحة محمد بن قيس على ما إذا كانت الخربة لمالك معروف أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز. ولا يخفى أن هذا وإن أمكن في الصحيحة المذكورة إلا أنه لا يمكن في موثقة إسحاق ابن عمار التي ذكرناها إلا أنه لم يذكرها أحد منهم في المقام.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من اللقطة عن أبي جعفر (ع) كما في الفروع ج ١ ص ٣٦٧ والتهذيب ج ٦ ص ٣٩٠ أيضا.

(٢) الوسائل الباب ٥ من اللقطة.

٣٣٦

وبالجملة فالمسألة عندي موضع إشكال ، على أن ظواهر الصحاح الثلاث التي ذكروها لا دلالة فيها على كون ذلك الورق كنزا ، وحينئذ فيشكل التعلق بها في المسألة ، بل ربما ظهر منها كونه لا كذلك ، وظاهر عبارة الشرائع المتقدم ذكرها ذلك حيث عطف فيها ما يجده مدفونا على ما ذكره أولا بقوله : «وما يوجد في المفاوز. إلى آخره».

وقد ذكر جمع منهم أيضا أنه لو كان في أرض مملوكة للواجد ، فإن ملكت بالإحياء كان كالموجود في المباح في كونه للواجد مع عدم أثر الإسلام عليه ومع وجود الأثر يدخل تحت الخلاف المتقدم ، وإن ملكت بالابتياع عرفه من جرت يده على الأرض فإن اعترف أحدهم به فهو له وإلا جرى فيه التفصيل المتقدم.

وبعض عبائرهم هنا اشتملت على كونه للواجد مطلقا ، ولكن نبه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب اللقطة على التقييد بالتفصيل ، حيث إن عبارة المصنف هنا مطلقة فقال : وإطلاق الحكم بكونه لواجده مع عدم اعتراف المالك والبائع به الشامل لما عليه أثر الإسلام وعدمه تبع لإطلاق النص كما سبق ، ومن قيد تلك بانتفاء أثر الإسلام قيد هنا أيضا لاشتراكهما في المقتضى فمعه يكون لقطة. وأشار بالنص إلى ما قدمه من صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين.

وممن صرح بما ذكره شيخنا الشهيد في الدروس فقال بعد أن حكم بكون الركاز الذي فيه الخمس هو ما يوجد في دار الحرب مطلقا أو في دار الإسلام ولا أثر له ولو كان عليه أثر الإسلام فلقطة خلافا للخلاف ، ثم قال : ولو وجده في ملك مبتاع عرفه البائع ومن قبله فإن لم يعرفه فلقطة أو ركاز بحسب أثر الإسلام وعدمه. انتهى.

وبالجملة فالمتحصل من كلامهم أن ما وجد في أرض الإسلام مطلقا ولم يعلم له مالك فإنه مع عدم أثر الإسلام كنز لواجده وعليه الخمس ، ومعه يكون محل الخلاف المتقدم سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة للواجد أو غيره مع عدم اعتراف

٣٣٧

أحد من الملاك به.

وينبغي التنبيه هنا على فوائد

الأولى ـ قد صرح شيخنا الشهيد في الدروس بأن الظاهر أن مجرد قول المعترف كاف بلا بينة ولا يمين ولا وصف ، نعم لو تداعيا لكان لذي اليد بيمينه ولو كان مستأجرا فقولان للشيخ.

أقول : أما أن مجرد قول المعترف كاف فهو مقتضى القواعد المتفق عليها بينهم المؤيدة بالنصوص أيضا (١) فإن من ادعى شيئا ولا منازع له دفع إليه ، ويدل عليه صريحا خبر كيس الألف درهم (٢) وأما مع تداعيهما معا فالحكم كما ذكره أيضا لما تبين في محله. وأما لو حصل التداعي بين المالك والمستأجر فقد أوضحه في البيان وهو محل توقف.

الثانية ـ قد صرح جملة من الأصحاب بوجوب التعريف لمن تقدم من الملاك متى كان في أرض مملوكة للغير أو للواجد مع انتقالها بالبيع أو الإرث مقدما الأقرب فالأقرب.

وقال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : ويمكن المناقشة في وجوب تعريفه لذي اليد السابقة إذا احتمل عدم جريان يده عليه ، لأصالة البراءة من هذا التكليف مضافا إلى أصالة عدم التقدم. ولو علم انتفاؤه عن بعض الملاك فينبغي القطع بسقوط تعريفه لانتفاء فائدته. وكذا الكلام لو كانت موروثة. انتهى.

أقول : ما ذكره لا يخلو من قرب ويؤيده صحيحة عبد الله بن جعفر الآتية في المقام (٣).

الثالثة ـ قد ذكر جملة من الأصحاب في هذا المقام أنه لو اشترى دابة ووجد

__________________

(١) يمكن أن يريد بذلك إطلاق موثقة إسحاق بن عمار وصحيحة محمد بن قيس المتقدمتين.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

(٣) ص ٣٣٩.

٣٣٨

في جوفها شيئا له قيمة عرفه البائع فإن عرفه فهو له وإن جهله فهو للمشتري وعليه الخمس. ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا أخرج خمسه وكان الباقي له ، وليس عليه تعريف هنا.

وبما ذكروه بالنسبة إلى مسألة الدابة وأنه يجب تعريفه ومع عدم اعتراف البائع به يكون للمشتري قد وردت

صحيحة عبد الله بن جعفر (١) قال : «كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه‌السلام عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك الله تعالى إياه».

والرواية لا دلالة فيها على وجوب الخمس في ذلك المال الذي في جوف الدابة ولم ينقلوا في المقام دليلا غيرها ، وكأنهم بنوا في ذكر هاتين المسألتين هنا على أن ما يوجد في جوف الدابة والسمكة من قبيل الكنوز ، وهو بعيد فإن الكنز لغة هو المال المدفون في الأرض. نعم يمكن أن يكون ذلك داخلا في صنف الأرباح فيكون وجوب الخمس لذلك ، وحينئذ فالأنسب ذكر ذلك في ذلك المقام.

وإطلاق الخبر المذكور شامل لما لو كانت الدراهم ونحوها من ما عليه أثر الإسلام أو لم يكن ، ومقتضى عدهم ذلك في الكنز كما ذكرنا التفصيل هنا أيضا بين ما عليه أثر الإسلام أولا وجريان الخلاف المتقدم في ما عليه أثر الإسلام ، مع أن الرواية صريحة في كونه لواجده ، فتحمل عند من قال ثمة بكونه لواجده مع عدم أثر الإسلام على كون تلك الدراهم ليس عليها أثر الإسلام ، وأما عند من قال أنه لواجده مطلقا فلا إشكال بل تكون مثل صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين.

وأما ما ذكره في المدارك ـ حيث قال : وإطلاق الرواية يقتضي عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره ، بل الظاهر كون الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من اللقطة.

٣٣٩

الإسلام ، ولعل ذلك هو الوجه في إطلاق الأصحاب الحكم في هذه المسألة والتفصيل في السابقة. انتهى ـ

فظني عدم استقامته ، لأنه متى كانت هذه المسألة من قبيل مسألة الكنز الموجود في دار الإسلام ، وقد تقدم في تلك المسألة التفصيل بين ما لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده اتفاقا أو كونه عليه أثره ففيه الخلاف بين كونه لواجده أو يكون لقطة ، وحينئذ فمتى كان الظاهر كون تلك الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة الإسلام كانت محل الخلاف ، فكيف يكون ذلك سببا في إطلاق الحكم بكونه لواجده في هذه المسألة؟ وإطلاقهم الحكم هنا كذلك إنما يصح تفرعه على عدم كونها مسكوكة بسكة الإسلام لأنه محل الوفاق على كونه لواجده لا العكس كما ذكره ولذا قال جده (قدس‌سره) في المسالك : وفي المسألتين إشكال آخر وهو إطلاقهم الحكم بكونه لواجده بعد الخمس في أي فرض ، فإن تم فإن ذلك إنما يتم مع عدم أثر الإسلام وإلا فلا يقصر عن ما يوجد في الأرض لاشتراك الجميع في دلالة أثر الإسلام على مالك سابق والأصل عدم زواله ، فيجب تقييد جواز التملك بعدم وجود الأثر وإلا كان لقطة في الموضعين. انتهى.

وكيف كان فالأظهر عندي هو ما تقدم من أن هذه المسألة بفرديها المذكورين لا ارتباط لها بهذا المقام كما ذكروه لعدم صحة إطلاق الكنز الذي هو لغة وعرفا عبارة عن المال المدفون في الأرض على ما في جوف دابة أو سمكة أو نحوهما ، وإنما الأنسب في إيجاب الخمس فيها أن تجعل في صنف الأرباح لأنها من قبيله بغير إشكال ، وفي ذلك الخروج من هذه الإشكالات والتكلفات التي ذكروها في هذه المسألة من ما ذكرناه وما لم نذكره.

ثم لا يخفى أن ظاهر الرواية المذكورة هو وجوب تعريف البائع خاصة دون من جرت يده على ذلك المبيع مطلقا ، وهو مؤيد لما ذكرناه في المسألة السابقة.

والظاهر أن مبنى كلام الأصحاب في وجوب تعريف ما في جوف الدابة

٣٤٠