الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

ومات الموصي فإن قبل قبل الهلال فعليه فطرته وإن قبل بعده قال الشيخ لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد ، ومنها ـ لو مات وعليه دين وله عبد ففطرته في تركته ، ولو مات قبل الهلال لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد. وهذا كما ترى كله ظاهر في أن محل البحث إنما هو أصل تعلق الوجوب لا وجوب الإخراج وبالجملة فكلامه هنا وقع على سبيل الاستعجال وعدم التأمل في المقام.

الموضع الثاني ـ في آخر وقت وجوب الإخراج ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فذهب الأكثر ومنهم الشيخ المفيد وابنا بابويه والسيد المرتضى وسلار وأبو الصلاح والمحقق في المعتبر إلى التحديد بصلاة العيد ، ونسب في التذكرة إلى علمائنا أنه يأثم بالتأخير عن صلاة العيد ، وقال في المنتهى : لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا فإن أخرها أثم وبه قال علماؤنا أجمع. إلا أنه قال بعد ذلك بأسطر قليلة : الأقرب عندي هو جواز تأخيرها عن الصلاة وتحريم التأخير عن يوم العيد. وظاهره امتداد وقتها إلى آخر النهار ، قال في المدارك : ولا يخلو من قوة. واستقربه أيضا الفاضل الخراساني في الذخيرة وقيل بالتحديد إلى الزوال ، ونقل عن ابن الجنيد حيث قال أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر وآخره زوال الشمس منه ، واستقربه في المختلف واختاره في البيان والدروس.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة : منها ـ رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة (١) الدالة على أنه إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة.

وما رواه الكليني بسند ليس فيه من ما ربما يطعن به إلا رواية محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) في حديث قال فيه : «وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل وبعد الصلاة صدقة».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من زكاة الفطرة.

٣٠١

وما رواه الشيخ في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (١) أنهما قالا : «على الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر وعبد وصغير وكبير يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره».

وما رواه السيد رضي الدين بن طاوس في كتاب الإقبال (٢) قال : «روينا بإسنادنا إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ينبغي أن يؤدي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبانة فإذا أداها بعد ما يرجع فإنما هي صدقة وليست فطرة».

وما رواه العياشي في تفسيره عن سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «أعط الفطرة قبل الصلاة وهو قول الله عزوجل (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (٤) وإن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعد له فطرة». وما ذكره عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٥) قال : «وهي زكاة إلى أن تصلي صلاة العيد فإن أخرجتها بعد الصلاة فهي صدقة».

وما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي (٦) قال : «سمعته يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. الحديث».

وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في القول الأول ، وصاحب المدارك إنما استدل لهذا القول برواية إبراهيم بن ميمون ثم طعن فيها بجهالة الراوي مع استدلاله في المسألة السابقة بها ووصفه لها بالصحة إلى الراوي المذكور تنويها بشأنها وجبرا لنقصانها.

أقول : ولفظ «ينبغي» في رواية الإقبال بمعنى الوجوب كما هو شائع في الأخبار ، ويدل عليه قوله : «فإذا أداها بعد ما يرجع فهي صدقة» ولفظ «أفضل» في صحيحة الفضلاء ليس على بابه بل هو من قبيل لفظ «أفضل» أيضا في رواية عبد الله

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من زكاة الفطرة.

(٤) سورة البقرة الآية ٤١ و ٧٨ و ١٠٥.

(٥) ص ٢٥.

(٦) الوسائل الباب ٩ و ١٣ من زكاة الفطرة.

٣٠٢

ابن سنان المصرحة بأنها بعد الصلاة صدقة ، غاية الأمر أنها دلت على جواز التقديم من أول الشهر رخصة أو قرضا على الخلاف الآتي بيانه إن شاء الله تعالى.

احتج العلامة في المنتهى على ما اختاره من جواز تأخيرها بعد الصلاة وتحريم التأخير عن يوم العيد بصحيحة العيص بن القاسم (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر. قلت فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ فقال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه».

قال في المدارك بعد نقل هذه الرواية : ويدل عليه أيضا إطلاق قول الصادقين (عليهما‌السلام) في صحيحة الفضلاء «يعطي يوم الفطر فهو أفضل».

أقول : أما ما ذكره من الاستدلال بصحيحة الفضلاء فقد عرفت الجواب عنه ، وأما صحيحة العيص فصدرها ظاهر الدلالة في القول الأول ، وأما عجزها فهو محمول على العزل جمعا كما سيأتي في الأخبار (٢) أنك إذا عزلتها لا يضرك متى أخرجتها. وبذلك تجتمع مع الأخبار السابقة.

ولا يخفى أنه مع العمل على ما يدعى من ظاهر هذه الرواية وهو الامتداد إلى آخر النهار يلزم منه طرح الأخبار الأولة مع كثرتها وصراحة أكثرها في المدعى والعمل بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما ، إلا أن الأصحاب لم ينقلوا في المسألة ما نقلناه من هذه الأخبار وإنما الدائر في كلامهم الاستدلال لهذا القول برواية إبراهيم بن ميمون خاصة.

وأما ما اختاره في المختلف من الامتداد إلى الزوال فإنما استند فيه إلى صحيحة العيص بن القاسم وقوله فيها : «قبل الصلاة يوم الفطر» فحمل الصلاة على معنى وقت الصلاة ، ووقت الصلاة عندهم ممتد إلى الزوال.

وفيه أولا ـ أنه وإن كان المشهور بينهم امتداد وقت صلاة العيد إلى الزوال إلا أنا لم نقف لهم على دليل يدل عليه غير مجرد ما يدعونه من اتفاقهم على ذلك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من زكاة الفطرة.

(٢) ص ٣٠٧.

٣٠٣

والروايات كلها إنما دلت على أن وقتها بعد طلوع الشمس ولم نطلع على ما يدل على الامتداد إلى الزوال كما يدعونه.

وثانيا ـ أن هذا التجوز وإن تم له في هذه الرواية إلا أنه لا يتم له في الروايات التي قدمناها المشتملة على التفصيل قبل الخروج إلى الصلاة وبعد الرجوع من الصلاة فإنه لا مجال لهذا التجوز بل يتعين حمل الصلاة على معناها الحقيقي.

إلا أنه قد روى السيد رضي الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب الإقبال نقلا من كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري عن أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «أد الفطرة عن كل حر ومملوك. إلى أن قال : قلت أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال : إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة ولا تجزئك. قلت فأصلي الفجر وأعزلها فأمكث يوما أو بعض يوم ثم أتصدق بها؟ قال لا بأس هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة. الحديث».

والأقرب عندي أن لفظ «الظهر» في الخبر وقع سهوا من الراوي أو غلطا في النسخ وإنما هو «الصلاة» ويؤيده مفهوم قوله في آخر الخبر «هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة» الدال على أنها بعد الصلاة ليست بفطرة ، وبذلك يجمع بينه وبين الأخبار المتقدمة. وبذلك يظهر لك بطلان ما عدا القول الأول الذي عليه من بينها المعول. هكذا حقق المقام ولا تصغ إلى ما زلت به أقدام أقلام أولئك الأعلام.

الموضع الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز تقديم الفطرة ، والمشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز التقديم إلا على جهة القرض ثم احتساب ذلك عن الفطرة في وقت وجوبها ، ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ في الاقتصاد وأبو الصلاح وابن إدريس والعلامة في بعض كتبه وغيرهم ، وقيل بالجواز وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف وابني بابويه ، قال في المختلف :

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من زكاة الفطرة.

٣٠٤

وقال ابنا بابويه : لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان ، ذكره علي بن بابويه في رسالته وابنه محمد في مقنعه وهدايته ، قالا : وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده. وإلى القول بالجواز في المسألة مال المحقق في المعتبر أيضا والعلامة في التذكرة والمختلف وغيرهم.

أقول : لم أقف في كتب الأخبار على ما يتعلق بهذه المسألة إلا على صحيحة الفضلاء المتقدمة قريبا (١) وقوله عليه‌السلام فيها «وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره».

وأما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه هنا فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على عادتهما الجارية من نقلهما عبارات الكتاب المذكور والإفتاء بها على وجه يظن الناظر أنها من كلامهما.

قال عليه‌السلام في الكتاب المذكور (٢) وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده فعلى هذا. ولا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره ، وهي زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة ، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان. انتهى كلامه عليه‌السلام.

وظاهر الخبرين المذكورين الدلالة على الجواز ، وأصحاب القول الأول قد حملوا صحيحة الفضلاء على القرض.

ولم أقف على حجة للقول الأول إلا ما نقله في المختلف حيث قال : احتج المانع بأنها عبادة موقتة فلا يجوز فعلها قبل وقتها ، ولأنها زكاة منوطة بوقت فلا يجوز قبله إلا على وجه القرض كزكاة المال ، ولأنه لو جاز تقديمها في شهر

__________________

(١) ص ٣٠٢.

(٢) ص ٢٥.

٣٠٥

رمضان لجاز قبله لاشتراكهما في المصالح المطلوبة من التقديم بل هنا أولى ، وما رواه العيص في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر». ثم قال : والجواب عن الأولين بأنا نقول بموجبه ونقول إن وقتها شهر رمضان كما تلوناه من حديث محمد بن مسلم وغيره. وعن الثالث بالفرق فإن سبب الفطرة الصوم والفطر منه فجاز فعلها عند أحد السببين وهو دخول الصوم كما جاز عند حصول النصاب وإن لم يحصل السبب الثاني وهو الحول ، بخلاف تقديمها على رمضان فإنه يكون تقديما على السببين معا وهو غير جائز ، والرواية لا تدل على منعها في غيره. انتهى.

أقول : أما الاحتجاج بأنها عبادة موقتة فهو احتجاج صحيح والوقت المشار إليه هنا هو ما دلت عليه الأخبار التي قدمناها من كون وقتها قبل الصلاة وبعدها تصير صدقة ، لأنها قد اتفقت على أن وقت إخراجها ذلك وأن التأخير إلى بعد الصلاة موجب لخروج الوقت ، وإذا ثبت توقيتها بذلك امتنع تقديمها عليه لما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد أو حسنته بإبراهيم المتقدمة في الزكاة وعدم جواز تقديمها (٢) أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك لا يصومن أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء ، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت. ونحوها صحيحة زرارة (٣) وقول العلامة (قدس‌سره) هنا في الجواب ـ أن وقتها شهر رمضان استنادا إلى صحيحة الفضلاء ـ ليس في محله إذ لا دلالة فيها على أزيد من أنه موسع له في التقديم بعد أن ذكر أن وقتها قبل الصلاة كما قدمنا ذكره سابقا ، وهذا التوسيع إما على سبيل الرخصة كما هو الأقرب أو التقديم قرضا كما ذكروه. وكذلك قوله عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي : «ولا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره» مع قوله : «إنها زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد فإن أخرجها

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من زكاة الفطرة.

(٢ و ٣) ص ٢٣٣.

٣٠٦

بعد الصلاة فهي صدقة» فإن ظاهره أن وقتها هو قبل الصلاة وأنه لا بأس بالتقديم والظاهر حمله على الرخصة.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال وإن كان الأقرب هو القول الأول وحمل الخبرين المذكورين على الرخصة. والاحتياط لا يخفى.

الموضع الرابع ـ الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه متى عزل الفطرة أي عينها في مال مخصوص قبل الصلاة فإنه يجوز إخراجها حينئذ بعد ذلك وإن خرج وقتها.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الحسن بإبراهيم ابن هاشم عن صفوان عن إسحاق بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة؟ قال : إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها. الحديث».

وما رواه الشيخ في الموثق عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الفطرة إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به».

وعن إسحاق بن عمار وغيره (٣) قال «سألته عن الفطرة؟ قال إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة».

ورواية سليمان بن حفص المروزي (٤) قال : «سمعته يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. الحديث».

وفي الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) «في رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا؟ فقال إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى أربابها».

قال بعض الفضلاء بعد ذكر صحيحة زرارة المذكورة : ولعل المراد أنه إذا أخرج الفطرة التي عزلها إلى مستحقها فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها ،

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من زكاة الفطرة.

٣٠٧

بمعنى أنه مكلف بإيصالها إلى مستحقها لا كونه بحيث يضمن المثل أو القيمة مع التلف ، لأنها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك. ويحتمل إرجاع الضمير في قوله «أخرجها» إلى مطلق الزكاة ويكون المراد بإخراجها عن ضمانه عزلها ، والمراد أنه إذا عزلها فقد برئ من ما عليه من التكليف بالعزل وإلا فهو ضامن لها مكلف بأدائها إلى أن يوصلها إلى أربابها. وكأن المعنى الأول أقرب. انتهى.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بإخراجها من ضمانه إنما هو العزل ، فكأنه قال : إذا عزلها فقد برئ يعني برئت ذمته لأنها خرجت من ذمته وصارت في يده من قبيل الأمانة إلى أن يدفعها إلى أهلها. والضمان عبارة عن شغل الذمة بها فإذا عزلها فقد برئت الذمة منها وإن لم يعزلها فالذمة مشغولة بها حتى يؤديها ، غاية الأمر أنه لو خرج الوقت سقط الأداء وبقي شغل الذمة. ولعل ما ذكرناه هو الأقرب في معنى الخبر لأنه أقل تكلفا من المعنيين الأولين.

وظاهر إطلاق كلام الأصحاب يقتضي جواز العزل وإن وجد المستحق وهو الظاهر من إطلاق الرواية الأولى والثالثة ، ولا منافاة في الخبرين الأخيرين لذلك لأنهما دلا على جواز العزل في هذه الصورة ولا دلالة فيهما على الحصر وعدم جوازه في غير ذلك. وأما اختلافهم في كون الإخراج بعد الوقت مع العزل أداء أو قضاء فلا ثمرة مهمة تتعلق به عندنا.

هذا كله على تقدير العزل وأما لو لم يعزلها وخرج الوقت الموظف لها فهل تسقط بالكلية أم لا؟ وعلى الثاني تعطى أداء أو قضاء؟ أقوال : أولها منقول عن الشيخ المفيد وابني بابويه وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة وادعى ابن زهرة الإجماع عليه واختاره المحقق ، والقول الثاني لجملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ والعلامة وابن إدريس وغيرهم ، والمشهور بينهم أنها قضاء ونقل عن ابن إدريس أنها أداء.

احتج الأولون بما تقدم في رواية إبراهيم بن ميمون الدالة على أنها قبل الصلاة

٣٠٨

زكاة وبعد الصلاة صدقة ، قالوا : والتفصيل قاطع للشركة.

والعلامة حيث ذهب في المختلف إلى وجوب الإخراج وأنها تكون قضاء قال : فهنا مقامان : المقام الأول ـ وجوب الإخراج والخلاف فيه مع المفيد وابني بابويه وأبي الصلاح وابن البراج ، لنا ـ أنه لم يأت بالمأمور به فيبقى في عهدة التكليف إلى أن يأتي به ، ولأن المقتضي للوجوب قائم والمانع لا يصلح للمانعية ، أما الأول فللعموم الدال على وجوب إخراج الفطرة عن كل رأس صاع ، وأما الثاني فلأن المانع ليس إلا خروج وقت الأداء لكنه لا يصلح للمعارضة إذ خروج الوقت لا يسقط الحق كالدين وزكاة المال والخمس وغيرها ، وما رواه زرارة في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام (١) «في رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها حتى يجد لها أهلا؟ فقال إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى أربابها». إلى أن قال : المقام الثاني ـ أنها تكون قضاء والخلاف فيه مع ابن إدريس ، لنا ـ أنها عبادة موقتة بوقت وقد خرج وقتها فتكون قضاء إذ المراد بالقضاء ذلك. احتج ابن إدريس بأن الزكاة المالية والرأسية تجب بدخول وقتها فإذا دخل وجب الأداء ولا يزال الإنسان مؤديا لها لأن بعد دخول وقتها هو وقت الأداء في جميعه. والجواب المنع لأن لوقتها طرفين أولا وآخرا بخلاف زكاة المال ولو لا ضبط أولها وآخرها لما تضيقت عند الصلاة ، لأن بعد الصلاة يكون الوقت باقيا في زعمه ، ولأنه لو كان الوقت باقيا لوجبت الفطرة على من بلغ بعد الزوال كما تجب الصلاة لو بلغ والوقت باق. انتهى كلامه زيد إكرامه.

أقول : ما ذكره من الدليل في المقام الأول منظور فيه من وجوه :

أحدها ـ دعوى العموم الدال على وجوب إخراج الفطرة فإنه ممنوع بما اعترف به في رده على ابن إدريس من التقييد بالوقت ، فوجوب إخراج الفطرة مقيد بذلك الوقت المخصوص. وبذلك يظهر بطلان قوله «لأن المقتضي للوجوب قائم».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من زكاة الفطرة.

٣٠٩

وثانيها ـ قوله : «المانع لا يصلح للمانعية» فإن فيه أنه قد صرح جملة من المحققين بأن الأمر بالأداء لا يتناول القضاء بل يحتاج القضاء إلى أمر جديد. وبه يظهر ما في قوله : «إذ خروج الوقت لا يسقط الحق».

وثالثها ـ قياسه ذلك على الدين والزكاة المالية والخمس فإنه قياس محض ، مع كونه قياسا مع الفارق فإن هذه الأشياء التي ذكرها ليست من قبيل الواجب الموقت بخلاف الفطرة كما عرفت.

ورابعها ـ أن الرواية على ما قدمناه من الاحتمالات فيها إنما تدل على وجوب الإخراج مع العزل وهو غير محل النزاع.

وأما ما ذكره في الرد على ابن إدريس فهو جيد ، قال المحقق في المعتبر بعد نقل كلام ابن إدريس : وهذا ليس بشي‌ء لأن وجوبها موقت فلا يتحقق وجوبها بعد الوقت.

وبما ذكرناه يظهر أن القول بالسقوط هو الذي عليه العمل كما استفاضت به الأخبار التي قدمناها.

ثم إنه قد ذكر الأصحاب أنه لو عزلها وأخر دفعها مع الإمكان فإنه يكون ضامنا ولا معه لا يضمن ، وهو من ما لا ريب فيه لأنها بعد العزل تكون أمانة في يده فلا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط المتحقق بتأخير الدفع إلى المستحق مع إمكانه.

وأما جواز الحمل إلى بلد آخر فهو مبني على عدم وجود المستحق في البلد فلو حمل مع وجوده كان ضامنا ولا معه لا ضمان كما تقدم في الزكاة المالية.

الفصل الرابع ـ في مصرفها والمشهور في كلام الأصحاب أن مصرفها مصرف الزكاة المالية من الأصناف الثمانية.

واستدل عليه في المنتهى بأنها زكاة فتصرف إلى ما يصرف إليه سائر الزكوات وبأنها صدقة فتدخل تحت قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ... الآية (١)»

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٦١.

٣١٠

وظاهرهم سقوط سهم المؤلفة والعاملين من هذه الصدقة والتخصيص بالستة الباقية ، قال في المعتبر : وهي لستة أصناف : الفقراء والمساكين والرقاب والغارمون وسبيل الله وابن السبيل. وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : ومستحق الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة من الفقر أولا ثم المعرفة والإيمان. وظاهر هذا الكلام اختصاصها بفقراء المؤمنين ومساكينهم.

ويدل عليه ظواهر جملة من الأخبار كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) في حديث قال : «عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين».

ورواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قلت له لمن تحل الفطرة؟

قال لمن لا يجد».

وفي رواية زرارة (٣) «قلت له هل على من قبل الزكاة زكاة؟ قال أما من قبل زكاة المال فإن عليه الفطرة وليس على من قبل الفطرة فطرة».

وفي رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن الفطرة من أهلها الذين تجب لهم؟ قال من لا يجد شيئا».

وكيف كان فلا ريب أن الوقوف مع ظواهر هذه الأخبار هو الأحوط.

مسائل

الأولى ـ المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع صرح به الشيخ المفيد وابنا بابويه والشيخ والسيد المرتضى وابن إدريس وابن حمزة وسلار وابن زهرة والعلامة وغيرهم ، بل قال المرتضى في الإنتصار : من ما انفردت به الإمامية القول بأنه لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقل من صاع ، وباقي الفقهاء

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من زكاة الفطرة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من زكاة الفطرة.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من زكاة الفطرة.

٣١١

يخالفون في ذلك (١).

واستدل الأصحاب على ذلك بما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لا تعط أحد أقل من رأس».

قال المحقق في المعتبر ـ بعد نقل مذهب الأصحاب ونقله إطباق الجمهور على خلافه وذكر حجة الجمهور على جواز تفريق الصاع الواحد ـ ما صورته : فإن احتج المانعون منا بما رواه أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لا يعطى أحد أقل من رأس». قلت : الرواية مرسلة فلا تقوى أن تكون حجة ، والأولى أن يحمل ذلك على الاستحباب تفصيا من خلاف الأصحاب ويدل على جواز الشركة ما رواه إسحاق بن المبارك (٤) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن صدقة الفطرة قلت أجعلها فضة وأعطيها رجلا واحدا أو اثنين؟ قال تفريقها أحب إلي». فأطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل. انتهى. وتبعه في القول بالاستحباب جمع من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك بل الظاهر أنه أولهم ، وتبعه الفاضل الخراساني في الذخيرة.

أقول : العجب من هذا المحقق (قدس‌سره) وعدم وقوفه على قاعدة ، فإنه في كتابه المشار إليه في غير موضع كما لا يخفى على من راجعه كثيرا ما يذكر الأخبار الضعيفة ويعمل بها مستندا إلى فتوى الأصحاب بها وقولهم بمضمونها فكيف خالف نفسه هنا؟ والحال أنه لا مخالف في الحكم قبله كما هو صريح كلام العلامة في المختلف حيث قال ـ بعد أن نقل عن ظاهر الشيخ في التهذيب الاستحباب ـ ما صورته : لنا ـ أنه قول فقهائنا ولم نقف لهم على مخالف فوجب المصير إليه ، وما رواه أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تعط أحدا أقل من رأس»

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٧٩.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من زكاة الفطرة.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٣٧٣ وفي الوسائل الباب ٩ و ١٦ من زكاة الفطرة باختلاف في اللفظ.

٣١٢

(لا يقال) هذا الحديث مرسل فلا نعمل عليه (لأنا نقول) الحجة في قول الفقهاء فإنه يجري مجرى الإجماع ، وإذا تلقت الأمة الخبر بالقبول لم يحتج إلى سند. ثم نقل احتجاج الشيخ برواية إسحاق بن المبارك المذكورة في كلام المحقق وأنه عليه‌السلام أطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل. ثم قال : والجوب أنه ليس دالا على المطلوب إذ لا تقدير فيه لإعطاء الفقير ، وترك التفصيل لا يدل على صورة النزاع بالخصوص إذا قام هناك معارض.

قال الشيخ في الإستبصار : يحتمل هذا الحديث أشياء : منها ـ أن جواز التفريق في حال التقية لأن مذهب جميع العامة يوافق ذلك ولا يوافقنا على وجوب إعطاء رأس لرأس واحد. ومنها ـ أنه ليس في الخبر تجويز تفريق رأس واحد فيجوز أن يكون إشارة إلى من وجبت عليه عدة أصواع. ومنها ـ أن عند اجتماع المحتاجين وأن لا يكون هناك ما يفرق عليهم يجوز تفريق الرأس الواحد. وكلامه (قدس‌سره) هنا يدل على وجوب إعطاء رأس الرأس ولم يتعرض للتأويل بالاستحباب كما ذكره في التهذيب. وما ذكره من المحامل الثلاثة جيد ولا سيما المحملين الأولين.

ثم العجب أيضا من المحقق ومن تبعه في المقام أنه مع ثبوت تعارض الخبرين المذكورين واعترافهم بإطباق العامة على جواز التشريك في صاع كيف عملوا بخبر التشريك الموافق للعامة واطرحوا ما قابله ردا على أئمتهم في ما وضعوه لهم من القواعد عند اختلاف الأخبار وهو عرض الخبرين على مذهب العامة والأخذ بما خالفهم كما استفاضت به نصوصهم (١) فليت شعري لمن أخرجت هذه الأخبار ومن خوطب بها غيرهم وهم قد ألقوها وراء ظهورهم؟ فتراهم في جميع أحكام الفقه لا يلمون بشي‌ء من تلك القواعد بل مهدوا لأنفسهم قاعدة الجمع بين الأخبار بالكراهة والاستحباب التي لم يرد بها سنة ولا كتاب ، نسأل الله تعالى المسامحة لنا ولهم من هفوات الأقلام وزلات الأقدام.

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز إن يقضي به.

٣١٣

هذا. وما علل به مصيره إلى الاستحباب من التفصي من خلاف الأصحاب فهو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت ، وأي مخرج له في القول بالاستحباب عن مخالفة الأصحاب إذا كان القول بالاستحباب مؤذنا بجواز التشريك في صاع والأصحاب قائلون بتحريم التشريك فأي تفص هنا من خلافهم؟ ما هذا إلا عجيب منه وممن تبعه في هذا الباب.

قال الصدوق (قدس‌سره) في كتاب من لا يحضره الفقيه ـ بعد نقل رواية إسحاق بن عمار الدالة على أنه لا بأس أن يعطي الرجل الرجل عن رأسين وثلاثة وأربعة يعني في الفطرة ـ ما صورته : وفي خبر آخر «لا بأس بأن تدفع عن نفسك وعن من تعول إلى واحد ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين» وهذه العبارة كملا نقلها في الوسائل على أنها من الخبر المشار إليه ، وصاحب الوافي نقلها إلى ما قبل قوله «ولا يجوز» بناء على أن «ولا يجوز» من كلام المصنف وهو الظاهر إلا أن هذه العبارة إنما أخذها المصنف من كتاب الفقه الرضوي وأفتى بها كما عرفت في غير موضع منه ومن أبيه في رسالته إليه ، حيث قال عليه‌السلام (١) «ولا يجوز إن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين». وأما العبارة التي قبلها في الفقيه فلم يتعرض لها عليه‌السلام في الكتاب ، وحينئذ فتكون هذه الرواية عاضدة لمرسلة الحسين بن سعيد المتقدمة صريحة في التحريم. وبذلك يظهر أن الأصح هو القول المشهور وأن من خالف في ذلك فهو مجرد اجتهاد في مقابلة النصوص.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز دفع الفطرة إلى غير المؤمن من المستضعفين ، فقيل بعدم الجواز وهو مذهب الشيخ المفيد والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وجمع من الأصحاب ، وقيل بالجواز ذهب إليه الشيخ وأتباعه.

والذي يدل على الأول صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا

__________________

(١) ص ٢٥.

٣١٤

عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الزكاة هل توضع في من لا يعرف؟ قال لا ولا زكاة الفطرة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (٢) قال : «كتب إليه إبراهيم ابن عقبة يسأله عن الفطرة كم هي برطل بغداد عن كل رأس؟ وهل يجوز إعطاؤها غير مؤمن؟ فكتب عليه‌السلام. إلى أن قال : ولا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلا مؤمنا».

وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (٣) : «أنه كتب إلى المأمون : وزكاة الفطرة فريضة. إلى أن قال : ولا يجوز دفعها إلا إلى أهل الولاية».

ويدل على الثاني ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن يقطين (٤) «أنه سأل أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن زكاة الفطرة أيصلح أن تعطى الجيران والظئورة ممن لا يعرف ولا ينصب؟ قال لا بأس إذا كان محتاجا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (٥) قال : «حدثني علي بن بلال ـ وأراني قد سمعته من علي بن بلال ـ قال : كتبت إليه هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل من إخوانه في بلدة أخرى محتاج أن يوجه له فطرة أم لا؟ فكتب يقسم الفطرة على من حضر ولا يوجه ذلك إلى بلدة أخرى وإن لم يجد موافقا».

وعن الفضيل في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «كان جدي عليه‌السلام يعطي فطرته الضعفة ومن لا يجد ومن لا يتولى. قال وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هي لأهلها إلا أن لا تجدهم فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ، ولا تنقل من أرض إلى أرض. وقال : الإمام أعلم يضعها حيث يشاء ويصنع فيها ما يرى».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (٧) قال : «سألته عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل الباب ٦ من زكاة الفطرة.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من زكاة الفطرة.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ١٥ من زكاة الفطرة.

٣١٥

صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال : نعم الجيران أحق بها لمكان الشهرة».

ورواية مالك الجهني (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن زكاة الفطرة فقال : تعطيها المسلمين فإن لم تجد مسلما فمستضعفا».

أقول : هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة من ما يتعلق بكل من القولين ، والجمع بينها ممكن بأحد وجهين : أما حمل الأخبار الأخيرة على التقية كما يشير إليه قوله عليه‌السلام في موثق إسحاق بن عمار «الجيران أحق بها لمكان الشهرة» أي خوف أن يشهروه ويطعنوا عليه بالرفض إذا لم يعطهم ، وأما حملها على ما إذا لم يجد المؤمن كما يشعر به قوله عليه‌السلام في رواية الفضيل «هي لأهلها إلا أن لا تجدهم».

ويمكن أن يقال إن موثقة إسحاق بن عمار ليس فيها تصريح بكون الدفع إلى المستضعف وإنما تضمنت غير أهل الولاية ، فيمكن حملها على النصاب وأنه يجوز الدفع تقية سيما من حيث كونهم جيرانا وخوف الشهرة ، وحينئذ فتخرج هذه الرواية عن محل البحث وينحصر الجمع بين أخبار المسألة في الوجه الثاني وهو إذا لم يجد المؤمن.

قال في المعتبر بعد نقل أخبار الطرفين : والرواية المانعة أشبه بالمذهب لما قررته الإمامية من تضليل مخالفيها في الاعتقاد وذلك يمنع الاستحقاق. انتهى

أقول : ينبغي أن يعلم أن المراد بالمستضعف هنا هو الجاهل بالإمامة وهؤلاء في وقت الأئمّة (عليهم‌السلام) أكثر الناس لاستفاضة الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) بتقسيم الناس يومئذ إلى مؤمن وكافر ومستضعف (٢) والمراد بالمؤمن هو المقر بإمامة الأئمّة (عليهم‌السلام) والكافر هو المنكر لها وهم المرادون بالنصاب ، والأولان من أهل الوعدين بالجنة والنار والثالث من المرجئين لأمر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من زكاة الفطرة.

(٢) الأصول ج ٢ ص ٤٠١ إلى ٤٠٨.

٣١٦

الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، وهؤلاء مسلمون يجوز مناكحتهم وموارثتهم ويحكم بطهارتهم وحقن أموالهم ودمائهم ، ويفهم من بعض الأخبار أنهم يدخلون الجنة بعفو الله من حيث عدم إنكارهم الإمامة ونصبهم ، فلا استبعاد في ما دلت عليه هذه الأخبار من جواز إعطائهم من الفطرة مع عدم المؤمن. إلا أن هذا الفرد من الناس في هذه الأوقات الأخيرة بعد عصرهم (عليهم‌السلام) وما قاربه من ما لا يكاد يوجد لاشتهار صيت الإمامة والخلاف فيها بين الأمة. ولتحقيق هذا المقام محل آخر وقد أودعناه كتابنا الموسوم بالشهاب الثاقب في معرفة الناصب وما يترتب عليه من المطالب.

الثالثة ـ قد تقدم في الباب الأول تحريم الصدقة الواجبة على بني هاشم إلا في حال الضرورة أو صدقة بعضهم على بعض ، والحكم في الفطرة كذلك أيضا لدخولها في عموم تلك الأخبار من غير خلاف يعرف.

نعم يبقى الكلام هنا في شي‌ء لم أقف على من تعرض للتنبيه عليه وهو أنه لو كانت الفطرة واجبة على عامي لعيلولته جماعة من السادة أو سيد لعيلولته جماعة من غير السادة فهل الاعتبار هنا في جواز دفع الزكاة للسيد بناء على جواز أخذه زكاة مثله بالمعيل أو المعال؟ فعلى الأول يجوز في الصورة الثانية دون الأولى وعلى الثاني يجوز في الأولى دون الثانية.

والذي يقرب عندي هو أن الاعتبار بالمعال لأنه هو الذي تضاف إليه الزكاة فيقال فطرة فلان وإن وجب إخراجها عنه على غيره لمكان العيلولة وأضيفت إليه أيضا من هذه الجهة وإلا فهي أولا وبالذات إنما تضاف إلى المعال.

ومن ما يؤيد ما قلناه قول الصادق عليه‌السلام (١) لمعتب «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة وأعط عن الرقيق واجمعهم ولا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت». فإنه ظاهر كما ترى في كون الزكاة الواجب عليه عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من زكاة الفطرة.

٣١٧

إخراجها إنما هي زكاة الغير وفطرته وهم عياله وإنما وجبت عليه من حيث العيلولة فهي منسوبة إليهم ومتعلقة بهم ولهذا خاف عليهم الفوت مع عدم إخراجها عنهم.

ونحو ذلك صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) قال : «بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام بدراهم لي ولغيري وكتبت إليه أخبره أنها من فطرة العيال فكتب بخطه : قبضت وقبلت».

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك : الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير ، عن كل إنسان نصف صاع. الحديث». ومعنى قوله : «على كل رأس» إما بمعنى عن كل رأس أو بمعنى ثبوتها على كل رأس وإن كان وجوب الإخراج على المعيل من حيث العيلولة لا من حيث إن أصل الوجوب متعلق به.

وبالجملة فالمفهوم من هذه الأخبار أن هذه الزكاة التي وجب على المعيل دفعها إنما هي زكاة المعال وإن تعلقت به من حيث العيلولة ، ولهذا لو سئل عن تفصيلها لقال هذه زكاتي وهذه زكاة زوجتي وهذه زكاة ابني وهذه زكاة خادمي ونحو ذلك.

ومن ما يؤيد ما قلناه ما ورد من العلة في تحريم الزكاة على بني هاشم من إن الزكاة أوساخ الناس (٣). إشارة إلى قوله عزوجل «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (٤) فكأنها مثل الماء الذي يغسل به الثوب الوسخ فينتقل الوسخ إلى الماء ، وهذا المعنى إنما يناسب المعال من جهة حديث معتب الدال على أن من لم يخرج عنه الزكاة يخاف عليه الموت ، فهي في قوة المطهرة له والدافعة للبلاء عنه ولا مدخل للمعيل في ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من زكاة الفطرة.

(٢) الوسائل الباب ٥ و ٦ من زكاة الفطرة.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من المستحقين للزكاة ، والمحلى ج ٦ ص ١٤٦ وبدائع الصنائع ج ٢ ص ٤٩ والمغني ج ٢ ص ٦٥٥ والمجموع ج ٦ ص ٢٢٧ ونيل الأوطار ج ٤ ص ١٨٢.

(٤) سورة التوبة الآية ١٠٥.

٣١٨

ونظير هذه المسألة ما تقدم في دفع المقرض زكاة مال القرض عن المقترض بشرط كان أو تبرعا ، وكذا شرط دفع زكاة قيمة المبيع كما في حديثي الباقر عليه‌السلام مع هشام بن عبد الملك (١) فإن الاعتبار بمن وجبت عليه وهو المقترض والبائع لا بمن وجب عليه إعطاؤها بالشرط أو التبرع ، ولا فرق بين ما نحن فيه وبين صورة الشرط إلا من حيث إن وجوب الدفع هنا من حيث العيلولة وثمة من حيث الشرط وإلا فأصل الزكاة إنما تعلق بالمعال في ما نحن فيه وبالمشترط ثمة.

(لا يقال) إن في المعال من لا يجب عليه الإخراج مثل الصغير والعبد والفقير (لأنا نقول) الوجوب في ما نحن فيه نوع آخر غير وجوب الإخراج على من استكمل الشرائط المقررة في محلها ، ولا يلزم في من وجب الإخراج عنه أن يكون ممن يجب الإخراج عليه لو لا العيلولة ، وذلك فإنه بالعيلولة حصل هنا أمران : أحدهما تعلق الزكاة بالمعال ، والآخر وجوب الإخراج على المعيل ، إذ لا يعقل وجوب الإخراج عن أحد ما لم يستقر على المخرج عنه ويثبت عليه.

وكيف كان فالمسألة لخلوها عن النص الصريح من ما ينبغي أن لا يترك فيها الاحتياط. والله العالم.

الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب حملها إلى الإمام عليه‌السلام مع وجوده ومع عدمه فإلى فقهاء الإمامية المستكملين لشروط النيابة عنه عليه‌السلام وظاهر كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة الوجوب ، واستدل الأصحاب على ما ذكروه بأنهم أبصر بمواقعها ، ولأن في ذلك جمعا بين براءة الذمة وأداء الحق. والأظهر في الاستدلال على ذلك ما تقدم في رواية علي بن أبي راشد (٢) قال : «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال للإمام. قال : فقلت فأخبر أصحابي؟ قال نعم من أردت تطهيره منهم. الحديث». وقوله عليه‌السلام : «من أردت

__________________

(١) ص ٤٢ ، والثاني مع سليمان بن عبد الملك.

(٢) الوسائل الباب ٩ من زكاة الفطرة. واللفظ «من أردت أن تطهره منهم».

٣١٩

تطهيره منهم» إشارة إلى الآية «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (١) وما تقدم في سابق هذه المسألة من قوله عليه‌السلام في رواية الفضيل : «الإمام أعلم يضعها حيث يشاء ويصنع فيها ما يرى» وأما ما ذكره شيخنا المفيد فترده الأخبار الدالة على تولي المالك صرفها بنفسه أو نائبه.

كتاب الخمس وما يتبعه

وفيه فصول الأول ـ في ما يجب فيه الخمس ، وظاهر كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) حصره في سبعة : غنائم دار الحرب والمعادن والكنوز والغوص والمكاسب وأرض الذمي التي اشتراها من مسلم والحرام المختلط بالحلال ، قال في المدارك : وهذا الحصر استقرائي مستفاد من تتبع الأدلة الشرعية وذكر الشهيد في البيان أن هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة.

ويدل عليه صريحا قوله عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٢) بعد ذكر الآية وهي قوله عزوجل : «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ... الآية» (٣) : «وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص. إلى آخره». وسيأتي نقله بتمامه إن شاء الله تعالى في الفصل الثاني.

وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (٤) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».

وما رواه فيه وفي التهذيب عن حكيم مؤذن بني عبس (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ

__________________

(١) سورة التوبة الآية ١٠٥.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٦ من ما يجب فيه الخمس.

(٣) سورة الأنفال الآية ٤٣.

(٤) الوسائل الباب ٨ من ما يجب فيه الخمس.

(٥) الوسائل الباب ٤ من الأنفال وما يختص بالإمام.

٣٢٠