الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

الحر ما تجب به الزكاة عملا بالعموم.

وقوى الشيخ في المبسوط سقوط الزكاة عنه وعن المولى إذا لم يعله المولى ، لأنه ليس بحر فيلزمه حكم نفسه ولا هو مملوك فتجب زكاته على مالكه لأنه قد تحرر بعضه ، ولا هو في عيلولة مولاه فتلزمه فطرته لمكان العيلولة. انتهى.

وأنت خبير بأن المسألة لما كانت عارية عن النص فهي محل إشكال.

والظاهر أن مستند الأصحاب في ما ذكروه هو عمومات ما دل على وجوب زكاة المملوك على سيده (١) فإنه أعمّ من أن يكون المملوك رأسا كاملا أو بعضها وعموم ما دل على وجوب الزكاة على الحر المستكمل لباقي الشروط (٢) فإنه أعمّ من أن يكون رأسا كاملا أو بعضا.

وفيه ما قدمنا ذكره في كتاب الزكاة من أن إطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الشائعة الكثيرة فإنها هي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ، ولعل الشيخ لحظ ما ذكرناه فأسقط الزكاة عنه وعن المولى لذلك.

ثم إن ظاهر هذا الكلام في المسألة يشعر بوجوب الزكاة بمجرد الملك ، لأن هذا الخلاف إنما يجري على هذا التقدير فإنه مع عيلولة المالك أو غيره متبرعا لا مجرى لهذا الخلاف ، وحينئذ ففي المسألة إشكال آخر كما سيأتي بيانه حيث إن مفاد الأخبار الآتية هو إناطة وجوب الفطرة بالعيلولة بالفعل لا بوجوب العيلولة والإنفاق.

الثالث ـ الغنى على الأشهر الأظهر وقد وقع الخلاف هنا في مقامين : أحدهما ـ في اشتراط الغنى ، فذهب الأكثر إلى اشتراطه حتى قال العلامة في المنتهى إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن الجنيد ، فإنه ذهب إلى وجوب الفطرة على من فضل عن مئونته ومئونة عياله ليوم وليلة صاع. وهذا القول نقله في الخلاف عن الشافعي

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من زكاة الفطرة.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٢ و ٤ و ٥ من زكاة الفطرة.

٢٦١

وجماعة من العامة (١) ونقله في الخلاف أيضا عن أكثر أصحابنا.

والقول المشهور هو المعتمد ، وعليه تدل الأخبار ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال لا».

ورواية إسحاق بن المبارك (٣) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال ليس عليه فطرة».

ورواية يزيد بن فرقد النهدي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال لا».

ورواية إسحاق بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال ليس عليه فطرة».

ورواية يزيد بن فرقد أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) «أنه سمعه يقول من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة.

قال وقال ابن عمار إن أبا عبد الله عليه‌السلام قال لا فطرة على من أخذ الزكاة».

ورواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «قلت له لمن تحل الفطرة؟ قال لمن لا يجد ، ومن حلت له لم تحل عليه ومن حلت عليه لم تحل له».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة عن يونس بن عمار (٨) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة».

__________________

(١) في نيل الأوطار ج ٤ ص ٢٥٧ نقل عن مالك والشافعي وعطاء وأحمد وإسحاق أنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا لقوت يوم وليلة ، وفي المغني ج ٣ ص ٧٣ اعتبر فيه أن يكون عنده فضلة عن قوت يومه وليله ، وفي المجموع شرح المهذب ج ٦ ص ١١٣ الشافعي شرط أن يملك مخرج الفطرة فاضلا عن قوته وقوت من يلزمه نفقته ليلة العيد ويومه.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٢ من زكاة الفطرة.

٢٦٢

والتقريب في ما عدا رواية المقنعة أنها قد دلت على أن الفقير ومن يأخذ الزكاة لفقره لا فطرة عليه ، ومتى ضم إلى ذلك الأخبار المستفيضة بوجوب زكاة الفطرة وأنه يجب إخراجها عن نفسه وعن عياله ينتج من ذلك تخصيص الوجوب بمن لم يكن فقيرا يجوز له أخذ الزكاة وليس إلا الغني المالك لمئونة سنة فعلا أو قوة. ويفصح عن ذلك قوله في رواية الفضيل «ومن حلت له لم تحل عليه ومن حلت عليه لم تحل له» وأما رواية المقنعة فهي ظاهرة الدلالة في المراد غير محتاجة إلى ضم ضميمة لدفع الإيراد.

وأما ما رواه في الكافي عن زرارة (١) ـ قال : «قلت الفقير الذي يتصدق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ قال نعم يعطي من ما يتصدق به عليه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «زكاة الفطرة صاع من تمر. إلى أن قال وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج».

وفي الموثق عن زرارة (٣) قال : «قلت له هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال أما من قبل زكاة المال فإن عليه زكاة الفطرة وليس على من قبل الفطرة فطرة». ونحوه عن الفضيل (٤) ـ

فقد أجاب عنها الأصحاب بالحمل على الاستحباب ، ولا يخفى أن صحيحة القداح المذكورة غير ظاهرة في المخالفة إلا باعتبار مفهوم اللقب وهو ضعيف غير معمول عليه عندنا.

ومن ما يؤكد الحمل على الاستحباب ما ورد أيضا في موثق إسحاق بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلا ما يؤدي

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ٣ من زكاة الفطرة.

(٢) الوسائل الباب ٥ و ٢ من زكاة الفطرة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢ من زكاة الفطرة.

٢٦٣

عن نفسه وحدها أيعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله؟ قال يعطي بعض عياله ثم يعطي الآخر عن نفسه يرددونها بينهم فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة».

وثانيهما ـ ما يتحقق به الغنى المقتضي لوجوب الزكاة ، والأشهر الأظهر أنه الغنى بالمعنى الذي تقدم في الزكاة المالية وهو ملك مئونة السنة فعلا أو قوة كما تدل عليه رواية يونس بن عمار المتقدم نقلها عن كتاب المقنعة ، والتقريب فيها أنها دلت على كون الموجب لتحريم أخذ الزكاة والموجب للفطرة هو ملك قوت السنة وهذا هو معنى الغنى المدعى في المقام.

وأما ما استدل به في المدارك على ذلك ـ حيث قال في بيان معنى الغنى المقتضي للوجوب : والأصح أنه ملك قوت السنة فعلا أو قوة ، لأن من لم يملك ذلك تحل له الزكاة على ما بيناه في ما سبق فلا تجب عليه الفطرة كما دلت عليه صحيحة الحلبي المتقدمة وغيرها. انتهى ـ

ففيه أن هذا الدليل قاصر عن إفادة المدعى لأن حاصله أن من لم يملك مئونة السنة لا تجب عليه الفطرة ، وأين هذا من المدعى وهو أن الغنى المقتضي للوجوب عبارة عن ملك مئونة السنة فعلا أو قوة. نعم اللازم من هذا الدليل رد القول الآتي في المسألة وأما إثبات المدعى فلا. نعم إذا ضم إلى ذلك ما أشرنا إليه آنفا من الأخبار الدالة على وجوب الزكاة وإخراج المكلف لها عن نفسه ومن يعوله ينتج من الجميع وجوب الزكاة على من لم يكن فقيرا يجوز له أخذ الزكاة لفقره وليس إلا الغني المالك لقوت سنته فعلا أو قوة لعدم ثالث لهذين الفردين ، فأخبار وجوب الزكاة المشار إليها لا يجوز أن تكون شاملة لما ذكره ابن الجنيد أولا من الوجوب على من فضل عن مئونته ومئونة عياله ليومه وليلته صاع ، ولا لما ذكره الشيخ وابن إدريس كما يأتي وهو وجوب الزكاة على من يملك نصابا تجب فيه الزكاة ، لدخول هذين الفردين في الفقير الذي دلت تلك الأخبار على أنه لا تجب عليه الفطرة.

وبالجملة فالأظهر هو الاستدلال على القول المذكور برواية يونس المذكورة

٢٦٤

فإنها وافية بالمراد عارية عن الإيراد.

ومقتضى ما ذكرنا في معنى الغنى أنه لا يعتبر ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة وبه قطع شيخنا الشهيد الثاني ، وجزم المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى باعتبار ذلك ، قال في المدارك : ولا بأس به. وأنت خبير بأن ظاهر رواية يونس بن عمار التي ذكرناها مستندا للقول المذكور ظاهر في القول الأول فيكون هو الذي عليه المعول ، ولا أعرف لهم مستندا على هذا القول إلا أن كان لزوم صيرورته فقيرا بإخراج زكاة الفطرة لقصور قوت السنة بذلك فيلزم أن يكون فقيرا يجوز له أخذ الزكاة فلا معنى لوجوبها عليه ثم جواز أخذه لها ، بخلاف ما إذا اشترط ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة. وقد تقدم لهم نظير هذه المسألة وبسطنا الكلام معهم فيها في شرحنا على المدارك.

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال تجب زكاة الفطرة على من يملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب. واعتبر ابن إدريس ملك عين النصاب دون قيمته ولله در المحقق في المعتبر حيث قال بعد نقل ذلك عنهما ـ ونعم ما قال ـ وما ذكره الشيخ لا أعرف به حجة ولا قائلا من قدماء الأصحاب ، فإن كان تعويله على ما احتج به أبو حنيفة (١) فقد بينا ضعفه ، وبالجملة فإنا نطالبه من أين قاله؟ وبعض المتأخرين ادعى عليه الإجماع وخص الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية ومنع القيمة وادعى اتفاق الإمامية على قوله. ولا ريب أنه وهم ، ولو احتج بأن مع ملك النصاب تجب الزكاة بالإجماع منعنا ذلك ، فإن من ملك النصاب ولا يكفيه لمئونة عياله يجوز له أن يأخذ الزكاة وإذا أخذ الزكاة لم تجب عليه الفطرة ، لما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في عدة روايات : منها رواية الحلبي ويزيد بن فرقد ومعاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) «أنه سئل عن الرجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال لا. انتهى.

__________________

(١) ارجع إلى الصفحة ١٦٠.

(٢) الوسائل الباب ٢ من زكاة الفطرة.

٢٦٥

ومتى تكاملت هذه الشروط وجب على المكلف إخراجها عن نفسه وعن جميع من يعوله فرضا أو نفلا مسلما أو كافرا ، وعلى ذلك دلت الأخبار المستفيضة المعتضدة باتفاق الأصحاب في هذا الباب :

ومنها ـ ما رواه في الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : «نزلت الزكاة وليس للناس أموال وإنما كانت الفطرة».

أقول : هذا الخبر يدل على دخول زكاة الفطرة تحت آية الزكاة وهي قوله عزوجل : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ... الآية» (٢).

وما رواه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة؟ فقال نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو مملوك».

أقول : المراد بوجوب الفطرة هنا وجوب إخراجها عنه لا وجوب إخراجها عليه ، والعبارة خرجت مخرج التجوز كما يدل عليه الخبر الآتي.

وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن ما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد أو صغير أو كبير».

وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان الجمال (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة؟ فقال على الصغير والكبير والحر والعبد عن كل إنسان

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من زكاة الفطرة.

(٢) سورة التوبة الآية ١٠٥.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٥ من زكاة الفطرة.

٢٦٦

صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب».

ورواية معتب عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد تقدمت في أول الباب.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك : الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمك وولدك وامرأتك وخادمك».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) «في صدقة الفطرة؟ فقال تصدق عن جميع من تعول من صغير أو كبير أو حر أو مملوك. الحديث».

وما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه». قال في المعتبر بعد إيراد هذا الخبر : وهذا وإن كان مرسلا إلا أن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه.

والمستفاد من هذه الأخبار هو وجوب إخراج الفطرة عن كل من يعول من حر وعبد وذكر وأنثى وكبير وصغير ومسلم وكافر واجب النفقة أو غير واجب النفقة.

وأما ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج (٥) ـ قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه يتكلف له نفقته وكسوته أتكون عليه فطرته؟ قال لا إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. وقال : العيال الولد والمملوك والزوجة وأم الولد». ـ فما تضمنه من حصر

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٥ من زكاة الفطرة.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٣٧١ وفي الوسائل الباب ٦ من زكاة الفطرة.

٢٦٧

العيال في الأفراد المذكورة يجب حمله على الخروج مخرج التمثيل ، بمعنى أن تكلف الإنفاق والكسوة لا يكفي في وجوب الفطرة بل لا بد من صدق العيلولة كما في هذه الأفراد الأربعة ، وعلى ذلك ينبغي أن تحمل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.

وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل الأولى ـ لا خلاف في وجوب إخراج الفطرة عن واجبي النفقة كالأبوين والأولاد والزوجة والمملوك متى كانوا في عياله وإنما الخلاف لو لم يكونوا كذلك.

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع أحدها ـ الزوجة لو لم تكن واجبة النفقة على الزوج كالناشز والصغيرة وغير المدخول بها مع عدم التمكين ، فالمشهور عدم الوجوب إلا مع العيلولة تبرعا ، وذهب ابن إدريس إلى الوجوب مطلقا سواء كانت ناشزة أم لا وجبت نفقتها أم لا دخل بها أو لم يدخل دائمة ومنقطعة.

واحتج على ذلك بالإجماع والعموم من غير تفصيل ، ولا ريب في ضعفه لما عرفت من الأخبار المتقدمة الدالة صريحا على أن ذلك منوط بالعيلولة وبموجب ذلك تنتفي عند عدمها.

قال المحقق في المعتبر : قال بعض المتأخرين الزوجية سبب لإيجاب الفطرة لا باعتبار وجوب مئونتها ثم تخرج فقال يخرج عن الناشز والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها ، ولم يبد حجة عدا دعوى الإجماع من الإمامية على ذلك. وما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإمامية أوجب الفطرة على الزوجة من حيث هي زوجة بل ليس تجب فطرة إلا عن من تجب مئونته أو يتبرع بها عليه ، فدعواه إذا غريبة عن الفتوى والأخبار. انتهى. وهو جيد.

وثانيها ـ أنه لو كانت الزوجة واجبة النفقة ولكن لم يعلها الزوج ولا غيره فالمشهور وجوب فطرتها على الزوج لأنها تابعة لوجوب النفقة ، ونقل في الشرائع قولا بعدم وجوبها إلا مع العيلولة وإليه مال السيد السند في المدارك ، وهو الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة.

والمحقق في الشرائع بعد نقل القولين المذكورين قال : وفيه تردد. قال شيخنا

٢٦٨

الشهيد الثاني في المسالك في بيان التردد : إن منشأه الشك في كون السبب هو العيلولة أو الزوجية والمملوكية ، وظاهر النصوص الثاني فيجب عنهما وإن لم يعلمها كما مر. انتهى.

وأنت خبير بما فيه فإن النصوص المتقدمة ظاهرة بل صريحة في إناطة الوجوب بالعيلولة زوجة كانت أو غيرها من تلك الأفراد المعدودة في الأخبار وليس فيها ما ربما يتوهم منه ما ذكره إلا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية إسحاق بن عمار وقد عرفت الجواب عنهما.

وثالثها ـ المملوك وقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب زكاته على المولى مطلقا ، قال في المعتبر : تجب الفطرة عن العبد الغائب الذي يعلم حياته والآبق والمرهون والمغصوب ، وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم ، وقال أبو حنيفة لا تلزمه زكاته لسقوط نفقته كما تسقط عن الناشز (١) لنا أن الفطرة تجب على من يجب أن يعوله وبالرق تلزم العيلولة فتجب الفطرة. وحجته ضعيفة لأنا لا نسلم أن نفقته تسقط عن المالك مع الغيبة وإن اكتفى بغير المالك كما لو كان حاضرا واستغنى بكسبه. ونحوه كلام العلامة في المنتهى ، وفي الشرائع تردد في المسألة كما قدمنا نقله عنه في الزوجة ، وقد عرفت وجه التردد من ما نقلناه عن شيخنا الشهيد الثاني آنفا.

وأنت خبير بأن الظاهر من النصوص المتقدمة كما أشرنا إليه آنفا هو حصول العيلولة بالفعل لا مجرد وجوب العيلولة ، وإلى ذلك مال السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وهو الحق الحقيق بالاتباع.

وينبغي أن يعلم أنه لو عال الزوجة أو المملوك غير الزوج والسيد تعلقت الزكاة به وسقطت عنهما بغير إشكال ولا خلاف.

ورابعها ـ الأبوان والأولاد ، قال الشيخ في المبسوط على ما نقل في المختلف :

الأبوان والأجداد والأولاد الكبار إذا كانوا معسرين كانت نفقتهم وفطرتهم

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٧١.

٢٦٩

عليه. ثم قال (قدس‌سره) : والأقرب أن نفقتهم عليه ، أما الفطرة فإن عالهم وجبت الفطرة وإلا فلا وإن وجبت النفقة ، لنا ـ أن الفطرة منوطة بالعيلولة وقد انتفت فينتفي الوجوب. احتج الشيخ بأنهم واجبو النفقة فتجب الفطرة لأنها تابعة لها. والجواب أنها تابعة للنفقة لا لوجوبها. انتهى.

وفيه أن ما ذكره في مقام الرد على الشيخ وإن كان هو الظاهر من الأخبار والذي عليه العمل إلا أنه مخالف لما صرح به هو وغيره كما قدمنا نقل ذلك عنهم في مسألة الزوجة والمملوك ، فإنهم جعلوا الفطرة تابعة لوجوب النفقة دون حصولها بالفعل ، وسؤال الفرق متجه كما لا يخفى.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في العبد الغائب الذي لا تعلم حياته هل تجب فطرته على المولى أم لا؟ فذهب جماعة : منهم ـ الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى إلى عدم الوجوب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : الغائب إن علم مولاه حياته وجبت عليه فطرته وإن لم يعلم لم تجب.

وقال في المعتبر : لو كان له مملوك لا يعلم حياته قال الشيخ لا تلزمه فطرته. ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بأنه لا يعلم أن له مملوكا فلا تجب عليه زكاته. ثم قال وما ذكره الشيخ حسن.

والخلاف في هذه المسألة منقول عن ابن إدريس ، فإنه أوجب فطرته في هذه الصورة على المولى محتجا بأن الأصل البقاء ، وبأنه يصح عتقه في الكفارة إذا لم يعلم بموته وهو إنما يتحقق مع الحكم ببقائه فتجب فطرته. ويظهر من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى هذا القول أيضا.

احتج الشيخ ومن تبعه على ما ذكروه بما تقدم نقله أولا ، وبأن الإيجاب شغل الذمة فيقف على ثبوت المقتضي وهو الحياة وهي غير معلومة ، وبأن الأصل عصمة مال الغير فيقف انتزاعه على العلم بالسبب ولم يعلم.

وأما ما ذكره ابن إدريس من الأصل فهو معارض بهذا الأصل المذكور.

٢٧٠

وما ذكره من القياس على عتقه في الكفارة ـ إشارة إلى صحيحة أبي هاشم الجعفري الواردة بذلك (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قد أبق عنه مملوكه أيجوز أن يعتقه في كفارة الظهار؟ قال لا بأس به ما لم يعرف منه موتا». ففيه (أولا) أن التسوية بين صحة العتق ووجوب الفطرة لا دليل عليه إذ لا ملازمة بينهما ولا ترتب للثاني على الأول. و (ثانيا) بإمكان الفرق بين الأمرين ، فإن العتق إسقاط ما في الذمة من حقوق الله تعالى وهي مبنية على التخفيف بخلاف الفطرة فإنها إيجاب مال على مكلف لم يثبت سبب وجوبه عليه.

أقول : والتحقيق في الاحتجاج للقول المشهور والرد على ابن إدريس هو أن يقال إن وجوب الفطرة تابع للعيلولة كما اخترناه وذكرنا أنه مدلول الأخبار المتقدمة ، أو لوجوبها كما قدمنا نقله عنهم ، وانتفاء الأصل على ما ذكرنا ظاهر ، وعلى ما ذكروه هو عدم معلومية الوجود فكيف يخاطب بوجوب الإنفاق عليه وهو لا يعلم حياته؟.

ولا يخفى أن الظاهر من كلامهم كما قدمنا لك من كلام الشيخ والمحقق أن محل الخلاف في المسألة هو مفقود الخبر الذي لا يعلم حياته ولا موته ، وهو الذي اختلف الأصحاب في حكمه بالنسبة إلى ميراثه وزوجته وأوجبوا في ميراثه وزوجته طلب أربع سنين ، وهو الذي تضمنته صحيحة الجعفري المتقدمة التي استند إليها ابن إدريس ورتب حكم الفطرة عليها ، فما ذكره في المدارك ـ من أن محل الخلاف في هذه المسألة غير محرر حتى أنه احتمل أن يكون محل الخلاف مطلق المملوك الغائب الذي لا يعلم حياته ـ ليس بجيد.

وبالجملة فهنا أمران : أحدهما ـ ما ذكرناه من مفقود الخبر الذي لا يعلم له حياة ولا موت. وثانيهما ـ من كان غائبا وأخباره تأتي في أغلب الأوقات فإنه يحكم بوجوده وقت الفطرة مثلا وإن كان ذلك غير معلوم قطعا لغيبته وبعده عملا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٨ من كتاب العتق.

٢٧١

باستصحاب الحياة ، ولذا ورد في صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله وهم غيب عنه ويأمرهم فيعطون عنه وهو غائب عنهم». ومحل الخلاف إنما هو الفرد الأول كما لا يخفى على المتأمل ، وكيف يحتمل أن يجعل هذا الفرد الأخير مطرح الخلاف في هذه المسألة مع قولهم بمضمون صحيحة جميل المذكورة من غير خلاف يعرف.

الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما فإن عاله أحدهما فالزكاة على العائل ، ونقل في الدروس قولا بأنه لا زكاة فيه ، ولعله إشارة إلى ما نقل عن ابن بابويه من أنه قال لا فطرة عليهم إلا أن يكمل لكل واحد منهم رأس تام. كذا نقله عنه في المدارك والظاهر أنه من غير الفقيه.

نعم روى في الفقيه ما يدل على ذلك رواه عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قلت عبد بين قوم عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال إذا كان لكل إنسان رأس فعليه أن يؤدي عنه فطرته ، وإذا كان عدة العبيد وعدة الموالي سواء وكانوا جميعا فيهم سواء أدوا زكاتهم لكل واحد منهم على قدر حصته ، وإن كان لكل إنسان منهم أقل من رأس فلا شي‌ء عليهم».

قال في المدارك : وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلا أنه لا يبعد المصير إلى ما تضمنته ، لمطابقته لمقتضى الأصل وسلامتها من المعارض. انتهى.

أقول : فيه (أولا) ـ أن ظاهر الخبر المذكور هو وجوب الزكاة بمجرد الملك ، وهو لا يقول به لما تقدم منه في غير موضع من إناطة ذلك بالعيلولة كما قدمنا ذكره.

و (ثانيا) ما علم من طريقته وتصلبه في الوقوف على الاصطلاح المشهور

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من زكاة الفطرة.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من زكاة الفطرة وفي الفقيه ج ٢ ص ١١٩ «رقيق» بدل «عبد».

٢٧٢

من رد الأخبار الضعيفة فكيف يتلقى هذا الخبر هنا بالقبول؟

و (ثالثا) أن تستره هنا بمطابقته لمقتضى الأصل مردود بأن الأخبار المتقدمة قد دلت على وجوب إخراج الزكاة عن المملوك أعمّ من أن يكون رأسا تاما أو أقل ، وإلا لانتقض عليه بما ذكره هو وغيره في المكاتب المطلق إذا تحرر منه بعض ، فإنه استند ـ في الوجوب عليه وعلى المولى بالنسبة ـ إلى ما نقله في تلك المسألة عن العلامة في المنتهى من ما يؤذن بوجوب الزكاة على كل منهما بالنسبة. ولو أجاب هنا ـ بأن تلك الأخبار التي ادعيتم دلالتها على وجوب إخراج الزكاة عن المملوك إنما هي مع العيلولة فلا دلالة فيها ـ قلنا يلزم إذا طرح هذا الخبر من البين لخروجه عن ما دلت عليه تلك الأخبار المتكاثرة من إناطة الوجوب بالعيلولة فلا معنى لاستناده إليه هنا مع قوله بمضمون تلك الأخبار.

الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سقوط الفطرة عن الزوجة الموسرة والضيف الغني بالإخراج عنهما ، ونقل عن ظاهر ابن إدريس إيجاب الفطرة على الضيف والمضيف ، ولا ريب في ضعفه لما تقدم من الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على المعيل ولا ريب في سقوطها بعد ذلك عن المعال ، وإيجابها على الضيف أو غيره بعد ذلك يحتاج إلى دليل وليس فليس.

والعجب من صاحب الذخيرة حيث إنه بعد نقل ذلك عن ابن إدريس قال وهو أحوط. وما أدري ما وجه هذا الاحتياط مع عدم معارض بل ولا شبهة توجب خلاف ما ذكرناه؟

نعم لو علم بعدم إخراج المعيل لها عنه ففيه احتمال وإن كان ظواهر الأخبار المشار إليها ـ من حيث دلالتها على تعلق الخطاب بالمعيل ـ سقوط ذلك عن المعال ضيفا أو غيره علم بعدم الإخراج أو لم يعلم ، إلا أن الاحتياط هنا هو إخراج الضيف عن نفسه وكذا غيره ممن تجب عليه لو لم يكن عيالا على غيره.

الخامسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الزوجة الموسرة إذا

٢٧٣

كان الزوج معسرا هل تجب الفطرة عليها أم لا؟ فقال الشيخ في المبسوط لا فطرة عليها ولا على الزوج ، لأن الفطرة على الزوج فإذا كان معسرا لا تجب عليه الفطرة ولا تلزم الزوجة لأنه لا دليل عليه. وقواه فخر المحققين في الإيضاح. وقيل بوجوبها على الزوجة وبه قطع ابن إدريس وقواه المحقق في المعتبر ، لأنها ممن يصح أن يزكي والشرط المعتبر موجود فيها وإنما تسقط عنها لوجوبها على الزوج فإذا لم تجب عليه وجبت عليها ، واختار هذا القول الشهيد في الدروس.

وفصل العلامة في المختلف فقال : والأقرب أن نقول إن بلغ الإعسار بالزوج إلى حد تسقط عنه نفقة الزوجة بأن لا يفضل معه شي‌ء البتة فالحق ما قاله ابن إدريس وإن لم ينته الحال إلى ذلك بأن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا. والحق ما قاله الشيخ. ثم استدل على الأول بعموم الأدلة الدالة على وجوب الفطرة على كل مكلف غني خرج منه الزوجة الموسرة لمكان العيلولة فيبقى الباقي مندرجا في العموم. وعلى الثاني بأنها في عيلولة الزوج فسقطت فطرتها عن نفسها وعن زوجها لفقره.

واعترضه هنا الشهيد في البيان فقال : ويضعف بأن النفقة لا تسقط فطرة الغني إلا إذا تحملها المنفق. قال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشهيد : وهو جيد.

ثم إن شيخنا العلامة في المختلف أيضا رجع في تتمة الكلام السابق إلى بناء المسألة على وجوبها على الزوج بالأصالة أو عليها بالأصالة فقال : والتحقيق أن الفطرة إن كانت بالأصالة على الزوج سقطت لإعساره عنه وعنها ، وإن كانت بالأصالة على الزوجة وإنما يتحملها الزوج سقطت عنه لفقره ووجبت عليها عملا بالأصل. انتهى وأورد عليه بأن ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب وإن اقتضى وجوب الفطرة بالأصالة على الزوج مع يساره إلا أن ذلك لا يقتضي سقوطها عن الزوجة الموسرة مع إعساره. ومرجع هذا الكلام إلى تخصيص الأصالة على الزوج بصورة اليسار.

أقول : والتحقيق عندي في هذا المقام أن يقال لا ريب أنه قد اتفقت

٢٧٤

الأخبار وكلمة الأصحاب على وجوب زكاة الفطرة على المكلف الحر الغني كما تقدم تحقيقه كائنا من كان ، خرج من ذلك بالأخبار المتقدمة من وجبت فطرته على غيره بالعيلولة كائنا من كان ، ولا ريب أن الزوج المعسر لا تجب عليه فطرته ولا فطرة زوجته في الصورة المفروضة ، فيبقى وجوب إخراج الفطرة على الزوجة بمقتضى الأخبار وكلام الأصحاب خاليا من المعارض. ومن ما ذكرنا يعلم توجه المنع إلى كلام الشيخ المتقدم في موضعين : (أحدهما) قوله : «لأن الفطرة على الزوج» فإنه على إطلاقه ممنوع فإنها إنما تكون عليه مع يساره. و (ثانيهما) قوله : «ولا تلزم الزوجة لأنه لا دليل عليه» وكيف لا دليل عليه وهي داخلة في عموم الأخبار وكلمة الأصحاب الدالة على وجوب الفطرة على كل مكلف حر غني.

السادسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قدر الضيافة المقتضية لوجوب إخراج الفطرة عن الضيف ، فنقل عن الشيخ والمرتضى اشتراط الضيافة طول الشهر ، واكتفى الشيخ المفيد بالنصف الأخير ، وعن ابن إدريس أنه اجتزأ بليلتين في آخره واختاره في المختلف ، واجتزأ في المنتهى والتذكرة بالليلة الواحدة ونقل في المعتبر والتذكرة عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بالعشر الأواخر ونقل في المعتبر عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بآخر جزء من الشهر بحيث يهل الهلال وهو في ضيافته ، قال وهذا هو الأولى. وقال في الدروس : ويكفي في الضيف أن يكون عنده في آخر جزء من شهر رمضان متصلا بشوال سمعناه مذاكرة ، والأقرب أنه لا بد من الإفطار عنده في شهر رمضان ولو ليلة. وفي البيان فيمكن الاكتفاء بمسمى الضيافة في جزء من الشهر بحيث يدخل شوال وهو عنده كما قال في المعتبر ، إلا أن مخالفة قدماء الأصحاب مشكل. وهو مؤذن بالتوقف في المسألة ، واختار هذا القول أيضا المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ولكن صرح بوجوب الأكل عند المضيف كما لو ساغ له الإفطار لسفر أو مرض لتصدق العيلولة بذلك ، وظاهر من عداه ممن ذهب إلى ذلك الإطلاق وإن لم يأكل عنده ، ومنهم شيخنا الشهيد الثاني حيث إنه اختار ذلك فقال : إن المتبادر من معنى الضيافة لغة

٢٧٥

وعرفا هو النزول للقرى وإن لم يكن قد أكل عنده. وكأنه (قدس‌سره) غفل عن ملاحظة ما اشتملت عليه الروايات من ذكر العيلولة ، ولا سيما رواية عمر بن يزيد (١) التي تضمنت ذكر الضيف حيث قال فيها : «نعم الفطرة واجبة على كل من يعول».

ونقل في المدارك أنه استدل على هذا القول الأخير بتعلق الحكم في رواية عمر بن يزيد المتقدمة على حضور يوم الفطر ويكون عند الرجل الضيف من إخوانه ، فإن ذلك تحقيق لمسمى الضيافة في جزء من الشهر. ثم اعترضه فقال : وهو منظور فيه أيضا لأن مقتضى قوله عليه‌السلام : «نعم الفطرة واجبة على كل من يعول» اعتبار صدق العيلولة عرفا في الضيف كغيره. انتهى. وهو جيد.

والظاهر من ما ذكرناه أن هذا القول الأخير وإن اختاره جملة من هؤلاء الفضلاء إلا أنه أضعف أقوال المسألة. وبالجملة فالمسألة عندي محل إشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

بقي الكلام هنا في موضعين أحدهما ـ أنه لا ريب أن وجوب الزكاة على المضيف إنما هو مع الغنى الذي هو أحد شروط الوجوب المتقدمة فمع عدم ذلك لا تجب عليه ، وحينئذ فلو كان الضيف موسرا هل تجب عليه أم لا؟ قيل بالوجوب وبه صرح شيخنا العلامة في المختلف والشهيد في البيان وغيرهما والظاهر أنه هو المشهور لأن العيلولة لا تسقط فطرة الغني إلا إذا تحملها المعيل. واحتمل بعضهم السقوط هنا مطلقا أما عن المضيف فلإعساره وأما عن الضيف فلمكان العيلولة. وضعفه يظهر من ما قدمناه من التحقيق في سابق هذه المسألة.

وثانيهما ـ لو كان المضيف معسرا وتبرع بالإخراج عن ضيفه الموسر فهل يسقط الوجوب عن الضيف أم لا؟ جزم الشهيد في البيان بعدم الإجزاء ، واحتمل في المختلف الإجزاء لأن الشارع قد ندب إليها. ورده في البيان بعدم ثبوت الندب

__________________

(١) ص ٢٦٦.

٢٧٦

في هذه الصورة والمنصوص استحباب إخراج الفقير لها عن نفسه وعياله وليس هذا منه. وفصل شيخنا الشهيد الثاني بالفرق بين إذن الضيف وعدمه فقال إن عدم الإجزاء على الثاني حسن والإجزاء على الأول أحسن ، وقال لو تبرع المضيف بإخراجها عن الموسر توقف الإجزاء على إذنه ، وكذا القول في الزوجة وغيرها. انتهى.

أقول : لا يخفى أن براءة الذمة من ما علم اشتغالها به بفعل الغير خارج عن مقتضى القواعد الشرعية والضوابط المرعية بإذن كان أو بغير إذن فيقتصر فيه على موارد الرخصة ، وقد قام الدليل على ذلك في الدين وقضاء بعض العبادات عن الميّت وتبرع المقرض بدفع الزكاة عن المقترض فيجب القول بذلك وقوفا على موضع النص ، ولا نص في هذا المقام على ما ذكروه.

السابعة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أن من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يحصل به الغنى فإنه تجب عليه زكاة الفطرة ، وكذا من ولد له مولود أو ملك مملوكا ، أما لو كان بعد ذلك فإنه لا تجب وإن استحب له الإخراج إلى الزوال.

ويدل على عدم الوجوب ما رواه في الفقيه عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) «في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال ليس عليهم فطرة ، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر».

وما رواه الشيخ في التهذيب والكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال : لا قد خرج الشهر. وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا».

واستدلوا على الاستحباب بما رواه الشيخ مرسلا (٣) قال : وقد روي أنه إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة وكذلك من أسلم قبل الزوال. وحمله الشيخ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من زكاة الفطرة.

٢٧٧

ومن تبعه على الاستحباب. وفيه ما عرفت في غير موضع من هذا الكتاب.

واستدل عليه أيضا بما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن ما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة». بناء على أن الظاهر من الصلاة صلاة العيد ، والمراد بإدراكها إدراك وقتها بمعنى دخوله في عيلولته قبل وقت الصلاة.

وحكى العلامة في المختلف عن ابن بابويه في المقنع أنه قال : وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال وبعده.

وظاهر هذه العبارة الوجوب ، وهي عين عبارة كتاب الفقه الرضوي ، وبها عبر أبوه في رسالته أيضا كما نقله في المختلف ، والأصحاب بهذه العبارة نسبوا إليهما القول بامتداد وقت الوجوب إلى الزوال كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، إلا أنه في كتاب من لا يحضره الفقيه صرح هنا بالاستحباب فقال : وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحبابا وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذلك الرجل إذا أسلم قبل الزوال أو بعده فعلى هذا ، وهذا على الاستحباب والأخذ بالأفضل فأما الواجب فليست الفطرة إلا على من أدرك الشهر ، روى ذلك علي بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار. وساق الرواية المتقدم نقلها عنه ، وحينئذ فيحتمل حمل عبارة المقنع على ذلك وإن كان الأقرب إبقاء تلك العبارة على ظاهرها فيكون قولا آخر له في المسألة.

الفصل الثاني ـ في بيان ما يجب إخراجه من الأجناس وبيان مقداره ، والكلام في هذا الفصل يقع في مقامين :

الأول ـ في الجنس الواجب إخراجه وقد اختلفت فيه كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) فنقل عن علي بن بابويه في رسالته وولده في مقنعه وهدايته وابن

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من زكاة الفطرة.

٢٧٨

أبي عقيل في متمسكه أن صدقة الفطرة صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من زبيب. وظاهر هذا الكلام وجوب الاقتصار على هذه الأربعة وقال الشيخ في الخلاف : يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة : التمر والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن ، للإجماع على إجزاء هذه وما عداها ليس على جوازه دليل. وفي المبسوط الفطرة صاع من التمر أو الزبيب أو الحنطة والشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن. وهذا يشعر بوجوب الاقتصار على هذه السبعة. وقال الشيخ المفيد في المقنعة : باب ماهية زكاة الفطرة وهي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم في النوع من التمر والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن فيخرج أهل كل مصر فطرتهم من قوتهم. وبمثل هذه العبارة عبر السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) إلا أنه لم يذكر الأرز. وقال ابن الجنيد يخرجها من وجبت عليه من أغلب الأشياء على قوته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو سلتا أو ذرة. وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس. وقال المحقق في المعتبر : والضابط إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن وهو مذهب علمائنا. ونحو ذلك كلام العلامة في المنتهى والشهيد وهو المشهور بين المتأخرين ، وهو يرجع إلى كلام الشيخ في الخلاف والمبسوط من التخصيص بالأجناس السبعة من حيث إنها هي القوت الغالب كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى وقال السيد السند في المدارك : والمعتمد وجوب إخراج الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط خاصة. وهذا القول يرجع إلى القول الأول في الأجناس الأربعة ويزيد عليه بالأقط خاصة.

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار بحسب الظاهر وها أنا أتلوها عليك :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال (١) قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٧١ وفي الوسائل الباب ٥ من زكاة الفطرة ، والشيخ يرويه عن الكليني.

٢٧٩

عليه‌السلام عن الفطرة؟ فقال على الصغير والكبير والحر والعبد ، عن كل إنسان صاع من بر أو صاع من تمر أو صاع من زبيب».

وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الفطرة كم يدفع عن كل رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال صاع بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك : الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير ، عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين».

وفي الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) قال : «زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط عن كل إنسان حر أو عبد صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعا».

أقول : وعلى هذه الروايات اعتمد صاحب المدارك لصحة أسانيدها حيث إنه يدور مدار الأسانيد صحة وضعفا ولكن فيه ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن يونس عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «قلت له جعلت فداك هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال فقال الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت».

وما رواه في التهذيب عن زرارة وابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) قال

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٦ من زكاة الفطرة.

(٢) الوسائل الباب ٣ و ٦ من زكاة الفطرة.

(٣) الوسائل الباب ٥ و ٢ من زكاة الفطرة.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٨ من زكاة الفطرة.

٢٨٠