الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

والمراد بهم كما صرح به في المنتهى عتقاؤهم ، لعموم الأدلة خرج منها ما خرج بدليل وبقي الباقي.

وخصوص رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته هل تحل لبني هاشم الصدقة؟ قال لا. قلت تحل لمواليهم؟ قال تحل لمواليهم ولا تحل لهم إلا صدقات بعضهم على بعض».

وصحيحة سعيد بن عبد الله الأعرج (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أتحل الصدقة لموالي بني هاشم؟ فقال نعم».

ومرسلة حماد بن عيسى الطويلة الآتية إن شاء الله تعالى في كتاب الخمس عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه‌السلام (٣) وفيها : «وقد تحل صدقات الناس لمواليهم وهم والناس سواء».

ورواية ثعلبة بن ميمون (٤) قال «كان أبو عبد الله عليه‌السلام يسأل شهابا من زكاته لمواليه وإنما حرمت الزكاة عليهم دون مواليهم».

وأما ما رواه زرارة في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) في حديث ـ قال : «مواليهم منهم ولا تحل الصدقة من الغريب لمواليهم ولا بأس بصدقات مواليهم عليهم». ـ فقد أجاب عنه الشيخ في التهذيب بحمل الموالي هنا على المماليك.

واستبعده المحدث الكاشاني في الوافي لعدم جريان ذلك في قوله في بقية الخبر : «ولا بأس بصدقات مواليهم عليهم» قال لأن المملوك لا يجد شيئا يتصدق به فالأولى أن يحمل على الكراهة كما في الإستبصار. انتهى. وهو جيد. والمراد بقوله «صدقات مواليهم عليهم» أي بعضهم على بعض.

البحث الثالث ـ في كيفية الإخراج ومن المتولي له وما يلحق ذلك من الأحكام ، وفي هذا البحث مسائل :

الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولا سيما المتأخرين

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٤ من المستحقين للزكاة.

٢٢١

جواز تولي المالك أو وكيله لتفريق الزكاة ، ونقل عن الشيخ المفيد وأبي الصلاح وابن البراج القول بوجوب حملها إلى الإمام عليه‌السلام مع حضوره وإلى الفقيه الجامع الشرائط مع غيبته.

والظاهر هو القول المشهور للأخبار المستفيضة في جملة من المواضع التي مرت وتأتي ، ومنها الأخبار الدالة على الأمر بإيصال الزكاة إلى المستحقين (١) والأخبار الدالة على نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحق (٢) والأخبار الدالة على التوكيل في تفريق الزكاة وأنه يجوز للوكيل أن يأخذ لنفسه حصة من ذلك إذا كان فقيرا ويكون كأحدهم (٣) والأخبار الدالة على اشتراء العبيد منها كما تقدم (٤) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتكررة في الكتاب في غير باب.

احتج القائلون بالوجوب على ما نقل عنهم بقوله عزوجل «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (٥) قالوا : إن وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع.

وأجيب بأنه لا نزاع في وجوب الدفع مع طلبه عليه‌السلام إنما الكلام في وجوب الحمل ابتداء وحينئذ فتحمل الآية على الاستحباب جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة.

أقول : والذي يقرب بالبال أن يقال لا ريب في أن ظاهر الآية وجوب الأخذ عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله الموجب لطلبه ذلك ونقل ذلك إليه وهو المعلوم من سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن ما يدل على ذلك صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٦) الدالة على أنه لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (٧) أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة. إلى أن قال : ثم تركهم حولا ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق. ومثل ذلك الأخبار المتقدمة الدالة على أنه كان يأمر بخرص النخيل وأن الناس كانوا ينقلون

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ و ٥٢ من المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من المستحقين للزكاة.

(٣) الوسائل الباب ٤٠ من المستحقين للزكاة.

(٤) ص ١٨١ إلى ١٨٣.

(٥ و ٧) سورة التوبة الآية ١٠٥.

(٦) ص ٣.

٢٢٢

إليه زكاتهم (١) وكذا من سيرة أمير المؤمنين عليه‌السلام كما تدل عليه صحيحة بريد بن معاوية (٢) المتضمنة لإرساله عليه‌السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها وأمره بقبض الصدقات ونقلها ، ونحوها رواية ابن مهاجر (٣) وغيرها. ومن أجل ذلك صرح الشيخ ومن تبعه كما هو المشهور بأنه يجب على الإمام أن ينصب عاملا للصدقات.

وجميع ذلك من ما يدل على وجوب طلب الإمام لذلك ووجوب النقل إليه ، ولا يخفى ما فيه من المنافاة للأخبار المشار إليها أولا لدلالتها صريحا على جواز تولي المالك لذلك بنفسه أو وكيله.

ولعل وجه التوفيق بينها هو تخصيص ما دل من الأخبار على وجوب طلب الإمام لذلك ووجوب الدفع إليه بزمان بسط يده عليه‌السلام وقيامه بالأمر كزمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله وزمان خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام وما دل على جواز تولي المالك لذلك بزمانهم (عليهم‌السلام) لقصر يدهم عن القيام بأمر الولاية (٤) وما يترتب عليها فرخصوا للشيعة في صرفها ولم يوجبوا عليهم حملها ونقلها لهم لمقام التقية ودفع الشناعة والشهرة ، وحينئذ فلا منافاة في هذه الأخبار لظاهر الآية ولا يحتاج إلى حمل الآية على الاستحباب كما صرح به الأصحاب لدفع التنافي بينها وبين الأخبار في هذا الباب.

ومن ما يعضد ما قلناه ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب العلل عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن الحسن بن علي الكوفي عن عبد الله بن المغيرة عن سفيان ابن عبد المؤمن الأنصاري عن عمر بن شمر عن جابر (٥) قال : «أقبل رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام وأنا حاضر فقال رحمك الله اقبض مني هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي. فقال أبو جعفر عليه‌السلام بل خذها أنت وضعها في جيرانك

__________________

(١) ص ١٣٢ إلى ١٣٦.

(٢) ص ٥١.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من زكاة الأنعام.

(٤) في الخطية «بأمر الإمامة».

(٥) الوسائل الباب ٣٦ من المستحقين للزكاة.

٢٢٣

والأيتام والمساكين وفي إخوانك من المسلمين ، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا عليه‌السلام فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن البر منهم والفاجر. الحديث».

الثانية ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل الظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم ـ بأنه يستحب حمل الزكاة إلى الإمام ومع عدم وجوده فإلى الفقيه الجامع الشرائط وأنه يتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي والغلات وعللوا استحباب نقلها إلى الإمام عليه‌السلام بأنه أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها ولما في ذلك من إزالة التهمة عن المالك بمنع الحق وتفضيل بعض المستحقين بمجرد الميل الطبيعي.

وأنت خبير بأن الاستحباب حكم شرعي وفي ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات العقلية والمناسبات الذوقية إشكال سيما مع ما عرفت من رواية جابر المتقدمة وعدم قبول الإمام عليه‌السلام لذلك وأمره السائل بتفريقها بنفسه.

وأما تأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة فقد قال في المدارك أنا لم نقف على حديث يدل عليه بمنطوقه ، ولعل الوجه فيه ما يتضمنه من الإعلان بشرائع الإسلام والاقتداء بالسلف الكرام. انتهى. وفيه ما في سابقه.

ثم أنه لو كان الأمر كما يدعونه من استحباب حمل ذلك إلى الإمام فكيف غفل أصحاب الأئمّة (عليهم‌السلام) عن ذلك مع تهالكهم على التقرب إليهم (صلوات الله عليهم) حتى أن الصادق عليه‌السلام كان يسأل شهاب بن عبد ربه من زكاته لمواليه كما تقدم الخبر بذلك (١) وما دل من الأخبار على أن أصحابهم كانوا يفرقون زكاتهم بأنفسهم أو وكلائهم كثير متفرق في ضمن أخبار هذا الكتاب (٢).

الثالثة ـ الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم وجوب البسط على الأصناف وأنه يجوز تخصيص جماعة من كل صنف أو صنف واحد بل شخص واحد من بعض الأصناف ، قالوا نعم يستحب بسطها على الأصناف

__________________

(١) ص ٢٢١.

(٢) ص ٢٠٨ و ٢١٠ و ٢١١ و ٢١٢.

٢٢٤

أقول : أما ما ذكروه من الحكم الأول فلا ريب فيه والأخبار به مستفيضة ومنها ـ حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ولا يقسمها بينهم بالسوية إنما يقسمها على قدر من يحضرها منهم وما يرى ليس في ذلك شي‌ء موقت».

وصحيحة أحمد بن حمزة (٢) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال نعم».

وحسنة زرارة بل صحيحته بإبراهيم بن هاشم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل حلت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين أيؤدي زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير؟ فقال عليه‌السلام إن كان أبوه أورثه مالا. إلى أن قال وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه».

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام المتقدمة في صنف الرقاب (٤) المتضمنة لجواز شراء نسمة يعتقها إذا كان عبدا مسلما في ضرورة بمال زكاته.

وصحيحة علي بن يقطين المتقدمة أيضا (٥) المتضمنة لجواز أن يحج مواليه وأقاربه بمال الزكاة. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ، وبالجملة فالحكم اتفاقي نصا وفتوى

وما ربما يتوهم من مخالفة ظاهر الآية (٦) لذلك كما تمسك به بعض العامة (٧) فقد أجاب عنه في المعتبر بأن اللام في الآية الشريفة للاختصاص لا للملك كما تقول : «الباب للدار» فلا تقتضي وجوب البسط ولا التسوية في العطاء. وأجاب عنه في المنتهى بأن المراد بالآية الشريفة بيان المصرف أي الأصناف

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من المستحقين للزكاة.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من المستحقين للزكاة.

(٤) ص ١٨١.

(٥) ص ١٩٩.

(٦) وهي قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ...» سورة التوبة الآية ٦١.

(٧) المحلى ج ٦ ص ١٤٤ ، والمغني ج ٢ ص ٦٦٩ ، والمهذب ج ١ ص ١٧١.

٢٢٥

التي تصرف الزكاة إليهم لا إلى غيرهم كقوله «إنما الخلافة لقريش».

وأما ما ذكروه من استحباب البسط فلم أقف فيه على نص ، وغاية ما عللوه به كما ذكره في المدارك بما فيه من شمول النفع وعموم الفائدة ، ولأنه أقرب إلى امتثال ظاهر الآية. ولا يخفى ما فيه من الوهن والضعف.

واستدل عليه في التذكرة والمنتهى بما فيه من التخلص من الخلاف وحصول الإجزاء يقينا. والظاهر أنه أشار بذلك إلى خلاف العامة (١) لأنه صرح قبل ذلك بإجماع علمائنا على عدم وجوب البسط ، وهو أضعف من سابقه.

الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) باستحباب ترجيح بعض المستحقين على بعض لأسباب تقتضي ذلك ككونه أفضل أو كونه ممن يستحي من السؤال أو كونه رحما ونحو ذلك.

وعلى ذلك دلت الأخبار أيضا كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الزكاة أيفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟ قال نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل».

وما رواه الكليني عن عتيبة بن عبد الله بن عجلان السكوني (٣) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام إني ربما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ فقال أعطهم على الهجرة في الدين والعقل والفقه».

وما رواه إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام (٤) قال : «قلت له لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال مستحقون لها؟ قلت نعم. قال هم أفضل من غيرهم. الحديث».

__________________

(١) في المهذب ج ١ ص ١٧١ الوجوب ، وفي البداية ج ١ ص ٢٦٦ نسبه إلى الشافعي أيضا وإلى مالك وأبي حنيفة العدم ، وفي المحلى ج ٦ ص ١٤٤ نقل الخلاف ، وفي البدائع ج ٢ ص ٤٧ اختار العدم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٥ من المستحقين للزكاة.

(٤) الوسائل الباب ١٥ من المستحقين للزكاة.

٢٢٦

ولا ينافي هذا الخبر ما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم بن هاشم الذي هو صحيح عندي عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إن الصدقة والزكاة لا يحابى بها قريب ولا يمنعها بعيد». لحمل الأول على استحباب تفضيل الرحم بالزيادة على غيره وحمل هذا الخبر على المنع من دفع الجميع إلى القريب وحرمان البعيد بالكلية بل يقسم ذلك على القريب والبعيد وإن فضل القريب لقربه بالزيادة وقد تقدم في بعض الأخبار (٢) «لا تعطين قرابتك الزكاة كلها ولكن أعطهم بعضا واقسم بعضا في سائر المسلمين».

وبالجملة فإن أصل الحكم من ما لا إشكال فيه ولا خلاف بين الأصحاب إلا أنه قد روى الشيخ في التهذيب بسنده عن حفص بن غياث (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول وسئل عن قسمة بيت المال فقال أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوي بينهم في العطاء وفضائلهم بينهم وبين الله أجعلهم كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله وصلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص ، قال وهذا هو فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بدو أمره ، وقد قال غيرنا أقدمهم في العطاء بما قد فضلهم الله تعالى بسوابقهم في الإسلام إذا كانوا بالإسلام قد أصابوا ذلك فأنزلهم على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب من بعض وأوفر نصيبا لقربه من الميّت وإنما ورثوا برحمهم ، وكذلك كان عمر يفعله».

ولا يخفى ما في هذا الخبر من الإشكال فإنه ظاهر في أن ما كان مالا لله سبحانه كمال الخراج والزكاة فإنه يقسم على السوية والتفضيل إنما يكون في الصدقات المستحبة التي هي من مال الإنسان.

ولم أر بمضمونه قائلا إلا ما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد نقل خبر عبد الله بن عجلان المذكور : بيان ـ إنما رخص له التفضيل على الفقه والدين لأنه إنما يصلهم بماله وليس له ذلك في قسمة حق الله فيهم كما يأتي. ثم أورد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من المستحقين للزكاة.

(٢) هذا اللفظ في حديث أبي خديجة المتقدم بعضه ص ٢١٤ ولم يتقدم هو.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب جهاد العدو.

٢٢٧

رواية حفص المذكورة ثم قال بعدها : قد مضى في كتاب الحجة أن القائم عليه‌السلام إذا ظهر قسم المال بين الرعية بالسوية ، وفي باب سيرتهم بين الناس أن ذلك حقهم على الإمامة. انتهى.

والمسألة لا تخلو من الإشكال لما عرفت من اتفاق الأصحاب سلفا وخلفا على جواز التفضيل حتى أن الكليني (قدس‌سره) في الكافي (١) عقد له بابا على حدة فقال : «باب تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعض» وأورد فيه أولا حديث عبد الله بن عجلان المذكور ثم رواية عبد الرحمن بن الحجاج.

والشيخ المفيد على ما نقل عنه في المختلف ذهب إلى وجوب التفضيل حيث قال : يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه والبصيرة والطهارة والديانة. انتهى.

والظاهر حمل الخبر المذكور على التخصيص بمال الخراج وهو الذي علم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته.

وقد ورد أيضا استحباب صرف صدقة المواشي إلى المتجملين وصرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين كما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان (٢) قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن صدقة الخف والظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين وأما صدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز من ما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين. قال ابن سنان قلت وكيف صار هذا هكذا؟ فقال لأن هؤلاء متجملون يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس ، وكل صدقة».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال «تعطى صدقة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء لأنها أرفع من صدقة الأموال وإن كان جميعها صدقة وزكاة ولكن أهل التجمل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال».

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ١٥٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٦ من المستحقين للزكاة.

٢٢٨

الخامسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز تأخير الزكاة بعد حول الحول وإمكان الدفع ، فالمشهور أنه لا يجوز التأخير إلا لعذر كعدم وجود المستحق ونحوه.

قال الشيخ المفيد في المقنعة : الأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه وتأخيرها عنه كالصلاة ، وقد جاء عن الصادقين عليهم‌السلام (١) رخص في تقديمها شهرين قبل محلها وتأخيرها شهرين عنه ، وجاء ثلاثة أشهر أيضا وأربعة عند الحاجة إلى ذلك وما يعرض من الأسباب ، والذي أعمل عليه هو الأصل المستفيض عن آل محمد (عليهم‌السلام) من لزوم الوقت (٢).

وقال الشيخ في النهاية : وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخره ، قال : وإذا عزل ما يجب عليه فلا بأس أن يفرقه ما بين شهر وشهرين ولا يجعل ذلك أكثر منه.

وظاهر الشهيدين جواز التأخير بل جزم الشهيد الثاني بجواز تأخيرها شهرا وشهرين خصوصا للبسط ولذي المزية ، واختاره في المدارك.

أقول : لا يخفى أن أكثر الأخبار صريحة الدلالة في جواز التأخير ، ومنها صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) «أنه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر؟ قال لا بأس».

وموثقة يونس بن يعقوب (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام زكاتي تحل علي

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٩ من المستحقين للزكاة.

(٤) الوسائل الباب ٥٣ من المستحقين للزكاة.

(٥) الوسائل الباب ٥٢ من المستحقين للزكاة.

٢٢٩

في شهر أيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشي‌ء ثم أعطها كيف شئت. قال قلت فإن أنا كتبتها وأثبتها أيستقيم لي؟ قال نعم لا يضرك».

وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قلت له الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم؟ قال لا بأس. قال قلت فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال لا بأس». هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على جواز التأخير.

إلا أنه قد ورد في بعض الأخبار أيضا ما يدل على التعجيل وعدم جواز التأخير مثل صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (٢) قال «سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ قال متى حلت أخرجها».

ورواية أبي بصير المروية في آخر كتاب السرائر نقلا من نوادر محمد بن علي بن محبوب (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلها بشهر أو شهرين فلا بأس ، وليس لك أن تؤخرها بعد حلها».

وظاهر عبارة الشيخ المفيد (قدس‌سره) المتقدمة استفاضة الأخبار عنده بالإخراج في وقتها حتى أنه جعل التأخير من قبيل الرخصة ومع هذا عدل عنه وقوفا على ما ذكره من الأخبار المشار إليها ، ولعلها وصلت إليه ولم تصل إلينا.

ولعل الأظهر في الجمع بين هذه الأخبار هو أن يقال إن الواجب هو إخراجها متى وجبت إلا أن يعزلها أو يثبتها فيجوز له التأخير شهرين وثلاثة وإخراجها شيئا فشيئا ، وإلى هذا يشير كلام الشيخ في النهاية ، والظاهر أنه جعله وجه جمع بين أخبار المسألة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من المستحقين للزكاة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٢ من المستحقين للزكاة.

٢٣٠

وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) : وقد روي في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر وستة أشهر ، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك ، ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها لأنها مقرونة بالصلاة ولا يجوز تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلا أن تكون قضاء وكذلك الزكاة ، فإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعله دينا عليه فإذا حلت عليك فاحسبها له زكاة ليحسب لك من زكاة مالك ويكتب لك أجر القرض. ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغموض بل التدافع.

مع أن هذه العبارة مأخوذة من كتاب الفقه الرضوي على النحو الذي قدمنا ذكره في غير مقام.

حيث قال عليه‌السلام (٢) وإني أروي عن أبي في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر وستة أشهر ، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك ، ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها لأنها مقرونة بالصلاة ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلا أن تكون قضاء وكذلك الزكاة ، وإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه فإذا حلت عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة فإنه يحسب لك من زكاة مالك ويكتب لك أجر القرض والزكاة. انتهى.

والذي يظهر لي في معنى هذا الكلام ورفع ما يوهم التناقض هو أنه بعد أن نقل عن أبيه عليه‌السلام جواز التقديم والتأخير أراد تأويله ـ بناء على ما أفتى به من وجوب دفعها متى وجبت وأنه لا يجوز التقديم فيها ولا التأخير كالصلاة المقيدة بوقت مخصوص ـ بحمل التقديم على أن يكون على جهة القرض وحمل التأخير على العذر المانع من الدفع وقت الوجوب كالصلاة التي تكون قضاء بالعذر الموجب لتأخيرها عن وقتها.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٠ وفي الوسائل الباب ٤٩ من المستحقين للزكاة.

(٢) ص ٢٢.

٢٣١

ومن هذا يظهر مستند ما ذهب إليه الشيخ المفيد وغيره من المتقدمين من وجوب الإخراج وقت الوجوب وعدم جواز التأخير ويكون من قبيل ما تقدم في غير موضع من اختصاص المستند بهذا الكتاب.

وكيف كان فالاحتياط بإخراجها متى وجبت إلا لعذر من ما لا ينبغي تركه. والله العالم.

السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها إلا أن يكون المدفوع دينا على جهة القرض ثم يحتسب به بعد الوجوب مع بقاء الشرائط ، ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل وسلار جواز التعجيل والظاهر هو القول المشهور ويدل عليه أولا ما تقدم من الأخبار الدالة على أن حول الحول شرط في الوجوب (١) فلم يجز تقديم الواجب عليه كما لا يقدم على النصاب.

وأورد عليه بأنه يجوز أن يكون الوجوب في الوقت عند استجماع الشرائط مقيدا بعدم الإتيان بها سابقا عليه ويكون التقديم جائزا لا بد لنفيه من دليل. كذا أورده الفاضل الخراساني في الذخيرة.

وفيه أن من جملة أخبار الحول قولهما (عليهما‌السلام) في صحيحة الفضلاء (٢) «وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه فإذا حال عليه الحول وجب عليه». ولا ريب في دلالة صدر الكلام على نفي الزكاة قبل حول الحول ، وكلامه هذا وإن أمكن إجراؤه في قوله : «فإذا حال عليه الحول وجب عليه» بمعنى تقييد الوجوب بما إذا لم يخرجها سابقا بعنوان الزكاة إلا أنه لا يستقيم في صدر الكلام لدلالته على نفي الزكاة قبل أن يحول عليه الحول ومتى انتفى ثبوت الزكاة قبل الحول انتفى الإخراج بعنوان الزكاة البتة ، وفي صحيحة علي بن يقطين (٣) «كل ما لم يحل عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من زكاة الأنعام و ١٥ من زكاة الذهب والفضة.

(٢) الوسائل الباب ٨ من زكاة الأنعام.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من زكاة الذهب والفضة.

٢٣٢

عندك الحول فليس عليك فيه زكاة». والتقريب ما تقدم ، ونحو ذلك في الأخبار غير عزيز.

وثانيا ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن عمر ابن يزيد (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال لا ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه ، إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك الزكاة ، ولا يصومن أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء ، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت».

وصحيحة زرارة (٢) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال لا ، أيصلي الأولى قبل الزوال؟».

ويدل على القول الآخر صحيحتا حماد بن عثمان ومعاوية بن عمار المتقدمتان (٣) وما رواه الكليني في الصحيح إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا فتحل عليه الزكاة؟ قال يزكي العين ويدع الدين. قلت فإنه اقتضاه بعد ستة أشهر؟ قال يزكيه حين اقتضاه. قلت فإن هو حال عليه الحول وحل الشهر الذي كان يزكي فيه وقد أتى لنصف ماله سنة ولنصفه الآخر ستة أشهر؟ قال يزكي الذي مرت عليه سنة ويدع الآخر حتى تمر عليه سنة. قلت فإن اشتهى أن يزكي ذلك؟ قال ما أحسن ذلك».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أول السنة؟

فقال إن كان محتاجا فلا بأس».

وما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن الرجل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥١ من المستحقين للزكاة.

(٣) ص ٢٢٩ و ٢٣٠.

(٤) الوسائل الباب ٦ ممن تجب عليه الزكاة و ٤٩ من المستحقين للزكاة.

(٥) الوسائل الباب ٤٩ من المستحقين للزكاة.

(٦) الوسائل الباب ٤٩ من المستحقين للزكاة ، وفي الإستبصار ج ٢ ص ٣٢ والتهذيب ج ١ ص ٣٦١ «ثمانية أشهر» نعم في الطبعة الحديثة من التهذيب ج ٤ ص ٤٤ : في بعض المخطوطات «خمسة أشهر».

٢٣٣

يعجل زكاته قبل المحل؟ قال إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس».

ويدل على ذلك أيضا رواية أبي بصير المتقدمة في سابق هذه المسألة (١) بنقل ابن إدريس من كتاب نوادر محمد بن علي بن محبوب.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد أجاب عن صحيحتي حماد ابن عثمان ومعاوية بن عمار وما في معناهما بالحمل على أن التقديم على سبيل القرض لا أنه زكاة معجلة.

واستدل على هذا التأويل بما رواه في الصحيح عن الأحول عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة؟ قال يعيد المعطي الزكاة».

واعترضه المحقق في المعتبر بأن ما ذكره الشيخ ليس حجة على ما ادعاه إذ يمكن القول بجواز التعجيل مع ما ذكره ، مع أن الرواية تضمنت أن المعجل زكاة فتنزيله على القرض تحكم. انتهى. وهو جيد.

ومن ما يضعف هذا الحمل إن الروايات قد دلت على أنها زكاة معجلة كما دلت على جواز تأخيرها شهرين وثلاثة ، فالتقديم إنما هو بعنوان الزكاة لا القرض كما أن التأخير كذلك وإلا لم يصدق أنه عجل زكاته بل يقال أقرض. وأيضا لو كان المراد إنما هو بمعنى القرض لكان الاقتصار على الشهرين أو الثلاثة أو نحو ذلك من ما ورد في تلك الأخبار لا معنى له ، مع أن جمعا من محققي الأصوليين يذهبون إلى حجية مفهوم العدد ، بل قال شيخنا الشهيد الثاني في تمهيده أنه مذهب أكثر الأصوليين ، ولا ريب أن ذلك لا يجري في ما كان على سبيل القرض وإنما يجري في ما لو كان زكاة معجلة فيكون جواز تقديمها مقيدا بتلك المدة المذكورة في الأخبار. وبالجملة فالروايات المذكورة ظاهرة

__________________

(١) ص ٢٣٠.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من المستحقين للزكاة.

٢٣٤

في جواز تعجيل الزكاة كما هو المدعى منها وتأويلها بما ذكر تعسف ظاهر.

وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند في المدارك حيث قال : وما ذكره الشيخ في الجمع جيد إلا أن جواز التعجيل على سبيل القرض لا يتقيد بالشهرين والثلاثة فلا يظهر للتخصيص على هذا التقدير وجه ، لكن ليس في الروايتين ما يدل على التخصيص بالحكم صريحا ، والتخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم خصوصا الرواية الأولى ، فإن التخصيص فيها وقع في كلام السائل وليس في الجواب عن المقيد المسئول عنه دلالة على نفي الحكم عن ما عداه. انتهى.

فإن فيه أولا ـ أن كلامه هذا إنما يتجه على القول بعدم حجية مفهوم العدد وأما على القول بذلك كما قدمناه فيجب تقييد الجواز بذلك البتة.

وثانيا ـ أنه قد جزم بذلك بالنسبة إلى التأخير كما تقدم في كلامه تبعا لجده (قدس‌سره) كما قدمنا نقله عنه ، والكلام في المقامين واحد فإن كانت الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على التخصيص بالحكم كما ذكره هنا ففي الموضعين وإلا فلا معنى لكلامه هنا مع اعتباره التخصيص بالحكم في صورة التأخير ، وبالجملة فإن تخصيص الحكم إنما يتجه على تقدير القول بحجية مفهوم العدد فكيف يكون مفهوم العدد حجة في المسألة الأولى ولا يكون في هذه المسألة والتحديد بالشهرين فيهما معا.

ثم إنه في المدارك أيضا استشهد لهذا الجمع بما ورد من الأخبار الدالة على استحباب القرض قبل إبان الزكاة والاحتساب به بعد الوجوب (١) ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة.

وفيه ما عرفت من أن ظواهر تلك الأخبار كونها زكاة معجلة مقيدة بأوقات مخصوصة لا كونها قرضا ، وحمل أحدهما على الآخر تعسف محض كما عرفت.

ولهذا إن شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) حمل هذه الروايات على الرخصة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من المستحقين للزكاة.

٢٣٥

فقال : وقد جاءت رخص عن الصادقين (عليهم‌السلام) في تقديمها شهرين قبل حلها وجاء ثلاثة أشهر وأربعة أشهر عند الحاجة إلى ذلك. وإليه يميل كلام المحقق في المعتبر أيضا حيث قال على أثر الكلام المتقدم نقله عنه : وكأن الأقرب ما ذكره المفيد من تنزيل الرواية على ظاهرها في الجواز فيكون فيه روايتان. انتهى. ولا ريب أن هذا أقرب في الجمع بين الأخبار من ما ذكره الشيخ (قدس‌سره).

ولعل الأقرب منها هو حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية ، فإن القول بالجواز مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد (١) كما نقله في المعتبر لما روي (٢) «أن العباس سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في تعجيل صدقته فرخص له». ورووا عن علي عليه‌السلام (٣) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعمر قد أخذنا زكاة العباس عام أول للعام». وظاهر النقل عنهم يعطي القول بجواز التقديم مطلقا غير مخصص بعدد ، ولعل ذكر الشهر والشهرين ونحوهما في أخبارنا إنما خرج مخرج التمثيل فلا يدل على التخصيص كما يشير إليه اختلاف الأخبار في ذلك.

ورجح بعض مشايخنا المعاصرين حمل أخبار الجواز على العذر والضرورة المانع من التمكن من إعطائها بعد حلول وقت الوجوب كما يقدم غسل الجمعة لخوف إعواز الماء ، قال : وهذا جمع حسن تتلاءم به الأخبار ، وحينئذ فالاقتصار على الشهرين كالاقتصار على يوم الخميس وما بعده بالنسبة إلى غسل الجمعة. انتهى.

ولا يخفى بعده بل عدم استقامته ، وكأنه بنى في ذلك على رواية حماد بن عثمان المتضمنة للشهرين (٤) وإلا فالأخبار التي قدمناها منها ما يدل على التقديم في أول السنة كمرسلة حسين بن عثمان ومنها بعد ستة أشهر كرواية أبي بصير أو خمسة أشهر كروايته الثانية (٥) ومعلومية العذر عن إخراج الزكاة في هذه المدد كمعلومية العذر

__________________

(١) نيل الأوطار ج ٤ ص ٢١٤.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٤ ص ١١١.

(٤) ص ٢٢٩.

(٥) ص ٢٣٣.

٢٣٦

في يوم الخميس بعوز الماء قياس مع الفارق وتنظير غير مطابق كما لا يخفى على الخبير الحاذق.

وأما الروايات الدالة على احتساب القرض من الزكاة بعد حلول وقتها كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فهي كثيرة :

منها ـ ما تقدم في هذا المقام نقلا من كتاب الفقه الرضوي (١) ومنها ـ رواية عقبة بن خالد المتقدمة في صنف الغارمين (٢).

ومنها ـ رواية يونس بن عمار (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر ، إن أيسر قضاك وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة».

ورواية موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه‌السلام (٤) قال : «كان علي عليه‌السلام يقول قرض المال حمى الزكاة». ونحوه في كتاب الفقه الرضوي (٥).

فرعان

الأول ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو دفع له مالا على سبيل القرض فحضر وقت الوجوب جاز احتسابه من الزكاة بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق وبقاء الوجوب في المال ، وللمالك أيضا المطالبة بعوضه ودفعه إلى غيره ودفع غيره إليه ودفع غيره إلى غيره وإن بقي على صفة الاستحقاق لأن حكمه حكم الديون. ولو كان المدفوع زكاة معجلة وقلنا بجواز ذلك فالظاهر أيضا اعتبار بقاء الشرط المذكور لأن الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقا فكذا في جانب القابض خلافا لبعض العامة في الثاني (٦).

وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة هنا التوقف في اعتبار المراعاة في جانب القابض أيضا ، حيث قال : ولو قلنا إن المدفوع زكاة معجلة ففي اعتبار بقاء

__________________

(١) ص ٢٣١.

(٢) ص ١٩٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٩ من المستحقين للزكاة.

(٥) ص ٢٣.

(٦) المغني ج ٢ ص ٦٣٦ والإنصاف ج ٣ ص ٢١٢.

٢٣٧

الشرط في القابض نظر لإطلاق أدلة جواز التقديم. انتهى.

وفيه نظر لما تقدم في صحيحة الأحول (١) من الدلالة على أنه لو عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة فإنه يعيد المعطي الزكاة ، وكأنه (قدس‌سره) غفل عن مراجعة الخبر المذكور.

ثم إنه على تقدير كون المدفوع زكاة فإنه لا يجوز استعادته مع بقاء الشرائط في المال والقابض بخلاف القرض كما عرفت.

الثاني ـ لو دفع إليه مالا فاستغنى بعين ذلك المال ثم حال الحول عليه كذلك ، فإن قلنا بجواز الدفع زكاة معجلة وقصد به ذلك فإنه ليس له استعادته لما عرفت.

ولو دفعه على سبيل القرض والحال كذلك فهل له احتسابه عليه ولا يكلف أخذه وإعادته عليه أم لا؟ المشهور الأول نص عليه الشيخ وأكثر الأصحاب ، وبه قطع المحقق والعلامة في جملة من كتبه من غير نقل خلاف.

واستدل عليه في المنتهى بأن العين إنما دفعت إليه ليستغني بها وترتفع حاجته وقد حصل الغرض فلا يمنع الإجزاء ، وبأنا لو استرجعنا منه لصار فقيرا فجاز دفعها إليه بعد ذلك وذلك لا معنى له.

ونقل عن ابن إدريس أنه لا يجوز الدفع إليه مع الغنى وإن كان بعين المدفوع ، لأن الزكاة لا يستحقها غني والمدفوع إليه غني بالدفع إليه مع الغنى وإن كان قرضا لأن المستقرض يملك ما استقرضه.

وأجاب عنه في المختلف بأن الغنى هنا ليس مانعا إذ لا حكمة ظاهرة في أخذه ودفعه.

واعترضه في المدارك بأن عدم ظهور الحكمة لا يقتضي عدمها في نفس الأمر ثم قال : نعم لو قيل إن من هذا شأنه لا يخرج عن حد الفقر عرفا لم يكن بعيدا من الصواب. انتهى.

__________________

(١) ص ٢٣٤.

٢٣٨

أقول : وكلام ابن إدريس هو الأوفق بمقتضى الأصول ، والمسألة غير منصوصة والاحتياط فيها مطلوب. وأما ما ذكره في المدارك ـ من أن من هذا شأنه لا يخرج عن حد الفقر عرفا ـ فقد تقدم الكلام عليه في مثل هذه المسألة في صنف الغارمين.

هذا في ما لو استغنى بعين ذلك المال أما لو استغنى بغيره ولو بنمائه وربحه أو زيادة قيمته على قيمته حين القبض استعيد منه القرض لتحقق الغنى المانع من استحقاقه. وكذا لو كان المدفوع زكاة معجلة ، لأنها كما عرفت مراعاة ببقاء الشروط إلى وقت الوجوب ، ولما عرفت من صحيحة الأحول المتقدمة (١).

السابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز نقل الزكاة من البلد مع وجود المستحق فيها ، فالمشهور التحريم وأسنده في التذكرة إلى علمائنا أجمع ، ونقل في المنتهى عن الشيخ المفيد والشيخ في بعض كتبه القول بالجواز واختاره في المنتهى ، واختار في المختلف القول بالجواز على كراهة ونقله عن ابن حمزة ، ونقل عن الشيخ الجواز بشرط الضمان.

والمفهوم من الأخبار الواردة في هذا المضمار هو أنه مع عدم وجود المستحق في البلد فلا إشكال في الجواز بل الوجوب ولا ضمان لو تلفت في الطريق ، ومع وجوده فإنه يجوز النقل أيضا ولكن يكون ضامنا وإن كان الأفضل صرفها في البلد

ومن ما يدل على الأول صحيحة ضريس (٢) قال : «سأل المدائني أبا جعفر عليه‌السلام فقال إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال في أهل ولايتك. فقال إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم. الحديث».

ورواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له

__________________

(١) ص ٢٣٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من المستحقين للزكاة.

٢٣٩

الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال يضعها في إخوانه وأهل ولايته. قلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال يبعث بها إليهم. الحديث».

ومن ما يدل على الثاني حسنة هشام بن الحكم بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يعطى الزكاة يقسمها أله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيره؟ قال لا بأس».

ورواية درست بن أبي منصور عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) «أنه قال في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده؟ فقال لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع. الشك من أبي أحمد».

ورواية أحمد بن حمزة بل صحيحته عند بعض (٣) قال : «سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ فقال نعم».

ومن ما يدل على عدم الضمان في الأول والضمان في الثاني صحيحة محمد بن مسلم (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده. وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه ، وإن لم يجد فليس عليه ضمان».

وحسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت؟ فقال ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها؟ قال لا ولكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها».

ومن ما يدل على ذلك بإطلاقه حسنة بكير بن أعين (٦) قال : «سألت

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٧ من المستحقين للزكاة.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٩ من المستحقين للزكاة.

٢٤٠