الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب (١) «أن رجلا كان بهمذان ذكر أن أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت وأوصى أن يعطى شي‌ء في سبيل الله فسئل عنه أبو عبد الله عليه‌السلام كيف يفعل به وأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر؟ فقال لو أن رجلا أوصى إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما؟ إن الله عزوجل يقول «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (٢) فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه ـ يعني بعض الثغور ـ فابعثوا به إليه».

ثم إنه هل يشترط في الدفع من هذا السهم الحاجة أم لا؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بل صريحه الأول ، حيث قال : ويجب تقييده بأن لا يكون فيه معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل في شي‌ء من الأصناف الباقية فيشترط في الحاج والزائر الفقر أو كونه ابن سبيل أو ضيفا ، والفرق بينهما حينئذ وبين الفقير أن الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيرا ويعطى لكونه في سبيل الله. انتهى.

وقال العلامة في التذكرة بعد أن ذكر أنه يدخل في سهم سبيل الله مئونة الزوار والحجيج : وهل يشترط حاجتهم؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهام ومن اندراج إعانة الغنى تحت سبيل الخير. انتهى.

وقال السيد السند في المدارك بعد نقل كلام جده (قدس‌سرهما) : وهو مشكل لأن فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل ، والمعتمد جواز صرف هذا السهم في كل قربة لا يتمكن فاعلها من الإتيان بها بدونه ، وإنما صرنا إلى هذا القيد لأن الزكاة إنما شرعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها ومع ذلك فاعتباره محل تردد. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب الوصايا.

(٢) سورة البقرة الآية ١٧٨.

٢٠١

أقول : لا يخفى أن هاهنا ثلاث صور : إحداها ـ أن يكون فقيرا لا مال له بالكلية أو له مال لا يتمكن منه كابن السبيل والضيف ، وهذا من ما لا إشكال في جواز الدفع إليه من هذا السهم.

الثانية ـ أن يكون غنيا متمكنا من كل ما يريد من أبواب القربات والطاعات وهذا محل الإشكال في جواز الدفع إليه من هذا السهم ، وهو الذي منع من الدفع إليه شيخنا الشهيد في المسالك ، وهو أحد وجهي الإشكال في كلام العلامة.

الثالث ـ من كان مالكا مئونة سنة بالفعل أو القوة لكنه لا يتمكن بذلك من الحج ونحوه ، وظاهر عبارة شيخنا الشهيد الثاني المنع أيضا من الدفع إليه لصدق الغني ، وكذا ظاهر كلام العلامة باعتبار الإشكال فيه ، وظاهر كلام السيد السند جواز الدفع إليه لأن ظاهر عبارته أنه يدفع هذا السهم إلى كل من لا يتمكن من تلك القربة إلا بالإعانة من ذلك السهم أعمّ من أن يكون فقيرا لا مال له أو له مال لكن لا يقوم بالتمكن منه.

وكيف كان فينبغي أن يعلم أن الحاجة إلى الحج لا تنافي الغنى الذي هو عبارة عن ملك مئونة السنة أو الحرفة أو الصنعة الموجبة للغنى ولكن لا يتمكن من الحج منها ، وفيه جمع بين إطلاق الأدلة وبين ما ذكروه من أن الزكاة إنما شرعت لدفع الحاجة وسد الخلة. والله العالم

الثامن من الأصناف المذكورة ـ ابن السبيل ، وفي عبائر جمع من الأصحاب تفسيره بالمنقطع به والضيف ، وفي بعض بالأول ونسبة الثاني إلى الرواية.

قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة : وابن السبيل وهم المنقطع بهم في الأسفار وقد جاءت رواية (١) أنهم الأضياف يراد به من أضيف لحاجته إلى ذلك وإن كان له في موضع آخر غنى ويسار ، وذلك راجع إلى ما قدمناه. انتهى وظاهر كلامه بل صريحه التخصيص بالمعنى الأول حيث تأول الرواية بالإرجاع إليه

__________________

(١) المقنعة ص ٢٩ وفي الوسائل الباب ١ من المستحقين للزكاة.

٢٠٢

ويدل على ذلك حديث علي بن إبراهيم (١) المتقدم نقله في الأصناف المتقدمة حيث قال : «وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع بهم ويذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات».

وظاهر الخبر اعتبار كون السفر طاعة والمشهور بين الأصحاب اشتراط الإباحة فلا يعطى من كان سفره معصية ، ولم أر من قال بمضمون الرواية إلا ابن الجنيد على ما نقل عنه حيث قيد الدفع بالمسافرين في طاعة الله والمريدين لذلك. وليس في الباب خبر غير الرواية المذكورة ، والمسألة لا تخلو من شوب الإشكال.

وما أجاب به في المختلف عن الرواية المذكورة ـ من أن الطاعة تصدق على المباح بمعنى أن فاعله معتقدا لكونه مباحا مطيع في اعتقاده وإيقاعه الفعل على وجهه ـ لا يخفى ما فيه فإن الطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الأمر ومخالفته وذلك لا يتعلق بالمباح ، وأما اعتقاد الإباحة فأمر خارج عن الفعل. والله العالم.

البحث الثاني ـ في أوصاف المستحقين وهي على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) أمور الأول ـ الإيمان الذي هو عبارة عن الإسلام مع اعتقاد إمامة الأئمّة الاثني عشر (عليهم‌السلام) واعتبار هذا الوصف مجمع عليه نصا وفتوى.

واستدل عليه في المنتهى بأن الإمامة من أركان الدين وأصوله وقد علم ثبوتها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرورة فالجاحد لها لا يكون مصدقا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع ما جاء به فيكون كافرا فلا يستحق الزكاة ، وبأن الزكاة معونة وإرفاق فلا يعطى غير المؤمن ، ولأنه محاد لله ولرسوله والمعونة والإرفاق مودة فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن لقوله تعالى «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ» (٢) انتهى. وهو جيد متين بل جوهر ثمين.

وما ذكره في المدارك ـ حيث قال بعد نقله : وفي الدليلين بحث ـ ضعيف

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من المستحقين للزكاة رقم ٧.

(٢) سورة المجادلة الآية ٢٣.

٢٠٣

لا يعول عليه وباطل لا يرجع إليه ، وذلك فإنه وإن اشتهر بين المتأخرين الحكم بإسلام المخالفين ولا سيما السيد المذكور وجده (قدس‌سرهما) حتى انجر بهما الأمر إلى الحكم بعدالة النصاب الذين هم أشد نجاسة من الكلاب كما أوضحناه في شرحنا على كتاب المدارك إلا أن مقتضى أخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) ـ وهو المشهور بين متقدمي أصحابنا ـ هو الحكم بكفرهم ونصبهم ونجاستهم كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في كتابنا الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وفي مواضع من كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد. ولا ريب أن حديث الغدير من ما تواتر بين الفريقين وأجمع على نقله رواة الطرفين بل تواتره من طرق المخالفين أشهر كما ذكرناه في ذينك الكتابين (١) وارتكاب بعض متعصبي المخالفين فيه التأويلات الباردة والتمحلات الشاردة تعصبا وعنادا على الله ورسوله لا يخرجه عن الدلالة ولا سيما مع اعتراف جمع منهم بالدلالة على ذلك. وبالجملة فذيل البحث في المسألة واسع ومن أراد الوقوف على صحة ما ذكرناه فليرجع إلى الكتابين المذكورين.

وأما كون الزكاة معونة وإرفاقا فهو ظاهر من الأخبار الواردة في العلة في وضع الزكاة (٢) وأما كون المخالفين داخلين في آية المجادلة لله ورسوله فهو معلوم من كفرهم ونصبهم للشيعة الذي هو أظهر من الشمس في دائرة النهار ، بل للأئمة (عليهم‌السلام) كما صرحت به جملة من الأخبار التي استوفيناها في كتابنا الشهاب الثاقب.

ثم إن من الأخبار الدالة على أصل المسألة صحيحة بريد بن معاوية العجلي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر. إلى أن قال : وقال كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية».

__________________

(١) راجع الغدير ج ١ ص ١٤ إلى ١٥١ و ٢٩٤ إلى ٣١٣ الطبعة الثانية.

(٢) تقدمت ص ١٠ و ١١.

(٣) الوسائل الباب ٢٣ من وجوب الحج و ٣ من المستحقين للزكاة.

٢٠٤

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور وابن بابويه في الصحيح عن زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (١) «أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية».

وفي رواية أبي بصير (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يكون له الزكاة وله قرابة محتاجون غير عارفين أيعطيهم من الزكاة؟ قال لا ولا كرامة لا يجعل الزكاة وقاية لماله يعطيهم من غير الزكاة إن أراد».

وروى في التهذيب عن إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه‌السلام (٣) قال : «سمعت أبي يقول كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال إني رجل من أهل الري ولي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال إلينا. فقال أليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا. فقال إني لا أعرف لها أحدا؟ فقال فانتظر بها سنة. قال فإن لم أصب لها أحدا؟ قال انتظر بها سنتين. حتى بلغ أربع سنين. ثم قال له إن لم تصب لها أحدا فصرها صرارا واطرحها في البحر فإن الله عزوجل حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا». إلى غير ذلك من الأخبار التي يطول بنقلها الكلام.

بقي الكلام هنا في مواضع أحدها ـ ظاهر كلام جملة من الأصحاب أنه مع تعذر المؤمن فإنه لا يعطى غيره ناصبا كان أو مستضعفا ، ونقل بعض أفاضل متأخري المتأخرين قولا بجواز إعطاء المستضعف والحال هذه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من المستحقين للزكاة. والصدوق يرويه في العلل ص ١٣١.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من المستحقين للزكاة.

(٣) الوسائل الباب ٥ من المستحقين للزكاة.

٢٠٥

ويدل على المشهور الأخبار المتقدمة وغيرها من ما دل على التخصيص بأهل الولاية.

ويدل على القول المشار إليه رواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه‌السلام (١) قال : «قلت له الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال يضعها في إخوانه وأهل ولايته. فقلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال يبعث بها إليهم. قلت فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال يدفعها إلى من لا ينصب. قلت فغيرهم؟ فقال ما لغيرهم إلا الحجر».

ورد هذه الرواية في المعتبر بضعف السند ، وردها في المنتهى بأنها شاذة ، وكيف كان فالخروج عن مقتضى تلك الروايات الكثيرة الصريحة ولا سيما رواية إبراهيم الأوسي بهذه الرواية مشكل.

نعم يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول ممن لا يعرفون الله سبحانه إلا بهذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو؟ لربما قال محمد أو علي ، ولا يعرف الأئمّة (عليهم‌السلام) كملا ولا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا فضلا عن التصديق بها ، والظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم وإن حكم بإسلامهم وإجراء أحكام الإسلام عليهم في الدنيا ، وأما في الآخرة فهم من المرجئين لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم. وفي إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال لاشتراط ذلك بالإيمان وهو غير ثابت ، وليس كذلك النكاح والميراث ونحوهما فإن الشرط فيها الإسلام وهو حاصل. وبالجملة فالأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم. والله العالم.

وثانيها ـ أنه قد صرح جمع من الأصحاب باستثناء المؤلفة من هذا الحكم ، وهو مبني على أمرين : أحدهما ـ تفسير المؤلفة بمن يتألف للجهاد من الكفار أو المسلمين كما تقدم نقله عنهم ، وثانيهما ـ على أن الجهاد في زمان الغيبة جائز ، وفي كل من الحكمين إشكال ولهذا إن الشيخ في النهاية صرح بسقوطه وكذا صرح

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من المستحقين للزكاة.

٢٠٦

بسقوط سهم السعاة وسهم الجهاد ، قال وإذا لم يكن الإمام ظاهرا ولا من نصبه حاصلا فرقت الزكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم وهم الفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين وابن السبيل وسقط سهم المؤلفة قلوبهم وسهم السعاة وسهم الجهاد ، لأن هؤلاء لا يوجدون إلا مع ظهور الإمام ، لأن المؤلفة إنما يتألفهم الإمام ليجاهدوا معه والسعاة أيضا إنما يكونون من قبله عليه‌السلام في جمع الزكوات والجهاد أيضا إنما يكون به أو بمن نصبه فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه فرق في من عداهم. انتهى.

هذا. وقد عرفت سابقا أن المستفاد من الأخبار التي قدمناها أن المراد من التأليف ليس إلا لأجل البقاء على الإسلام بعد الدخول فيه وبينا أن ذلك ساقط في زمن الغيبة.

واستثنى في المدارك أيضا وقبله جده في المسالك بعض أفراد سبيل الله ووجهه غير ظاهر.

وثالثها ـ أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة دون أطفال غيرهم.

ويدل عليه أخبار عديدة : منها ـ رواية أبي بصير (١) قال : «قلت أبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يموت ويترك العيال أيعطون من الزكاة؟ فقال نعم حتى ينشئوا ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم. فقلت إنهم لا يعرفون؟ فقال يحفظ فيهم ميتهم ويحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتموا بدين أبيهم ، فإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم».

ورواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة والفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا فإذا بلغوا وعرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا وإن نصبوا لم يعطوا».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦ من المستحقين للزكاة.

٢٠٧

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام رجل مسلم مملوك ومولاه رجل مسلم وله مال يزكيه وللمملوك ولد صغير حر أيجزئ مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ فقال لا بأس به».

وروى عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا وطعاما وأرى أن ذلك خير لهم؟ قال فقال لا بأس».

وظواهر هذه الأخبار تدل على أن الدفع إليهم أعمّ من أن يدفع إلى وليهم أو إليهم إذا كانوا ممن يمكنهم التصرف في الأخذ والعطاء والبيع والشراء.

ونقل عن العلامة في التذكرة أنه صرح بأنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الصغير وإن كان مميزا ، واستدل عليه بأنه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا. وفيه ما عرفت.

قال : ولا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره فإن الدفع إلى الولي فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله.

قال في المدارك بعد نقل هذا عنه : ومقتضى كلامه (رحمه‌الله) جواز الدفع إلى غير ولي الطفل إذا لم يكن له ولي ، ولا بأس به إذا كان مأمونا بل لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث يصرف في وجه يسوغ للولي صرفها فيه. انتهى. وهو جيد وفيه تأييد لما أشرنا إليه آنفا.

ثم إن ظواهر الأخبار المتقدمة جواز إعطاء الأطفال وإن ثبت اشتراط العدالة في المستحق فإن حكم الأطفال مستثنى بهذه الأخبار ، وأخبار اشتراط العدالة على تقدير ثبوتها لا دلالة فيها على دخول الأطفال في ذلك ، فما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ من أن إعطاء الأطفال إنما يتم إذا لم تعتبر العدالة في المستحق أما لو

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل الباب ٦ من المستحقين للزكاة.

٢٠٨

اعتبرناها أمكن عدم جواز إعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتصافهم بها ، والجواز لأن المانع الفسق وهو منفي عنهم. انتهى ـ لا وجه له.

الثاني من أوصاف المستحقين ـ العدالة عند جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ والمرتضى وابن البراج وابن حمزة وغيرهم ، ونقل عن ابن الجنيد اعتبار مجانبة الكبائر خاصة.

ونقل عن ابن بابويه أنه اقتصر على اعتبار الإيمان وكذا سلار ولم يشترطا شيئا يزيد على ذلك وهو الذي عليه المتأخرون.

وهو الظاهر من إطلاق الأدلة آية ورواية ، وخصوص ما رواه في العلل عن محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى جميعا عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن بشر بن بشار (١) : قال «قلت للرجل ـ يعني أبا الحسن عليه‌السلام ـ ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ، ثم قال أو عشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله والفاجر ينفقها في معصية الله».

نعم روى الشيخ عن داود الصرمي (٢) قال : «سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال لا».

والجمع بينها وبين ما ذكرنا بالاقتصار على استثناء شارب الخمر وقوفا على ظاهر الخبر وإن رده جملة من المتأخرين بضعف السند بناء على الاصطلاح المشهور وأما ما نقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) ـ من الاحتجاج على ذلك بإجماع الطائفة والاحتياط ويقين براءة الذمة ، قال : ويمكن أن يستدل على ذلك بكل ظاهر من قرآن أو سنة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معونة الفساق والعصاة وتقويتهم وذلك كثير ـ

فلا يخفى ما فيه : أما الإجماع فمع الإغماض عن الطعن في الاستدلال به ممنوع

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المستحقين للزكاة.

٢٠٩

هنا بوجود الخلاف في المسألة. وأما الاحتياط فإنما يكون في مقام اختلفت فيه الأدلة ولا اختلاف في المقام بل الأدلة على القول المختار واضحة ولا معارض لها سوى رواية داود الصرمي وقد قلنا بمضمونها فأي معنى لهذا الاحتياط؟ ولو تم هذا الاحتياط هنا لجرى في جميع ما اتفقت عليه الأدلة من الأحكام وهو من ما لا يقول به أحد من الأعلام بل ولا أحد من الأنام. وأما يقين البراءة فإنه حاصل بما ذكرناه من الأدلة عموما وخصوصا كما عرفت. وأما النهي عن معونة الفساق فإنما هي من حيث الفسق كما يشعر به تعليق الوصف والأمر هنا ليس كذلك ، مع ما عرفت من صراحة رواية العلل في جواز الدفع وإن كان يعلم أنه يصرفه في معصية الله.

وأما القول باشتراط مجانبة الكبائر فلم أقف له على دليل إلا رواية داود الصرمي وهي أخص من المدعى فلا تصلح للدلالة.

الثالث من الأوصاف المتقدمة ـ أن لا يكون من واجبي النفقة على المالك كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك ، وهذا الحكم من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأم والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أنهم عياله لازمون له».

وما رواه الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام (٢) قال : «قلت له لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال مستحقون لها؟ قلت نعم قال هم أفضل من غيرهم أعطهم. قال قلت فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليهم؟ فقال أبوك وأمك. قلت أبي وأمي؟ قال الوالدان والولد».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من المستحقين للزكاة ، والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) الوسائل الباب ١٥ و ١٣ من المستحقين للزكاة.

٢١٠

ورواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال في الزكاة : «يعطى منها الأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة ولا يعطى الجد ولا الجدة».

وما رواه الصدوق في كتابي الخصال والعلل في الصحيح عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت عن عدة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) أنه قال : «خمسة لا يعطون من الزكاة : الولد والوالدان والمرأة والمملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم».

فأما ما رواه الكليني في الكافي عن إسماعيل بن عمران القمي (٣) ـ قال : «كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام إن لي ولدا رجالا ونساء أفيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب أن ذلك جائز لك». ـ فحمله الشيخ في التهذيبين على اختصاصه بالسائل ومن حاله كحاله في أن ماله لا يفي بنفقة عياله. وهو جيد.

وأما ما رواه أيضا مرسلا عن محمد بن جزك (٤) ـ قال : «سألت الصادق عليه‌السلام ادفع عشر مالي إلى ولد ابني؟ فقال نعم لا بأس».

فيحتمل وجوها : منها ـ أن لا يكون العشر من الزكاة الواجبة بل من زكاة التجارة ونحوها ، ومنها ـ أن يحمل على حال الضرورة ، ومنها ـ أن يحمل على أن المراد إنما هو المشاورة في هبة عشر ماله أو الصدقة به على ابن ابنه وليس سؤالا عن الزكاة. واحتمل في الوافي أيضا أنه مبني على إن ولد الولد ممن لا تجب نفقته قال فإن في ذلك اشتباها.

ورواه في كتاب الوسائل بلفظ «ولد ابنتي» وحمله على قيام الأب أو الجد لأبيه بنفقته فيكون ما يدفعه إليه جده لأمه على جهة التوسعة لا القيام بالنفقة الواجبة.

وتنقيح البحث في المسألة تتوقف على بيان مسائل الأولى ـ المستفاد من بعض الأخبار أنه يجوز لمن وجبت نفقته على غيره الأخذ من الزكاة من غير المنفق للتوسعة إذا كان من يقوم به لا يوسع عليه أما لعدم سعته أو معها :

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٣ من المستحقين للزكاة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٤ من المستحقين للزكاة.

٢١١

وهو صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته أيأخذ من الزكاة فيتوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ قال لا بأس».

وظاهر جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى والشهيد في الدروس والبيان الجواز مطلقا معللين ذلك بصدق الفقر عرفا وعدم خروج من لم يملك قوت السنة بوجوب النفقة عن وصف الفقر عرفا ، فيندرج تحت الآية والعمومات الدالة على جواز أخذ الفقير الزكاة.

ولا يخفى ما في هذا التعليل في مقابلة الأخبار المتقدمة المتفقة على أنهم لا يعطون من الزكاة. أقول : ولعله لما ذكرناه قطع العلامة في التذكرة بعدم الجواز على ما نقل عنه.

وما ادعوه من الاندراج ممنوع فإن لقائل أن يقول إنهم بكونهم واجبي النفقة وإن المنفق يجري عليهم ذلك فإنهم داخلون تحت الغنى الموجب لتحريم أخذ الزكاة. نعم دلت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على جواز الأخذ للتوسعة إذا كانوا لا يوسعون عليه فيجب الوقوف عليها وتخصيص تلك الأخبار بها.

واستدلوا أيضا بالصحيحة المذكورة وقد عرفت أن موردها خاص بالتوسعة فلا تنهض دليلا على عموم الجواز.

ثم إنهم بناء على ما نقلناه عنهم من القول بالجواز مطلقا استثنى بعضهم الزوجة من هذا الحكم ، قال لأن نفقتها كالعوض. وزاد بعضهم المملوك ، وقد تقدم في صدر الكتاب من الأخبار ما يدل عليه.

الثانية ـ أنه يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجبي النفقة عليه للتوسعة عليهم متى كان عاجزا عن ذلك إلا أن ظاهرها أن تلك الزكاة إنما هي زكاة التجارة ، فاستدلال بعض أفاضل متأخري المتأخرين بها على جواز ذلك من الزكاة الواجبة لا يخلو من نظر.

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب المستحقين للزكاة.

٢١٢

قال في الدروس : وروى أبو بصير جواز التوسعة بالزكاة على عياله (١) وروى سماعة ذلك بعد أن يدفع منها شيئا إلى المستحق (٢) كل ذلك مع الحاجة.

وظاهره أن ذلك من الزكاة الواجبة مع أن ظاهر الروايتين المشار إليهما كما قدمناهما إنما ذلك من زكاة التجارة ، على أن جملة منها ربما يدل بظاهره على نقصان المئونة وأن هذه الزيادة التي يأخذها من هذه الزكاة إنما هي لتتمة المئونة لا للتوسعة الزائدة على المئونة الواجبة كما لا يخفى على من لاحظها ، كرواية أبي بصير المذكورة في كلامه بالتقريب الذي ذكرناه في ذيلها ثمة.

قال في المدارك : يجوز للمالك أن يصرف إلى قريبه الواجب النفقة غير النفقة من الحقوق اللازمة له إذا كان مستحقا كنفقة الزوجة والمملوك ، لعدم وجوب ذلك عليه ، ولقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن (٣) «وذلك أنهم عياله لازمون له». فإن مقتضى التعليل أن المانع لزوم الإنفاق وهو منتف في ما ذكرناه. انتهى.

ويرد عليه عموم المنع في الأخبار المتقدمة لاتفاقها على أنهم لا يعطون من الزكاة أعمّ من أن يكون للنفقة أو غيرها ، نعم خرج منه ما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وبقي ما عداه. وما استند إليه من التعليل المذكور فيمكن أن يكون المقصود منه كما ذكره بعض الأصحاب إنما هو أنهم لكونهم لازمين له بناء على وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء فلا يجوز الدفع إليهم ، وعلى هذا فلا يقتضي التخصيص بما ذكره من النفقة الواجبة وعدم دخول ما يكون للتوسعة. نعم لو استند في ذلك إلى مفهوم صحيحته التي ذكرناها من حيث دلالتها على ذلك وإن كان ظاهرها الأخذ من الغير لم يبعد الجواز.

وبالجملة فإن ظاهر كلام الأصحاب أن هنا مسألتين : الأولى منهما وهي التي

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من المستحقين للزكاة رقم ٤.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من المستحقين للزكاة.

(٣) ص ٢١٠.

٢١٣

قدمناها أنه يجوز لواجبي النفقة تناول الزكاة من غير المالك واستدلوا على ذلك بما قدمنا نقله عنه من التعليل والرواية وقد عرفت ما فيهما. والثانية جواز صرف المالك زكاته عليهم في غير النفقة الواجبة عليه وقد عرفت ما فيه. والمفهوم من الروايات المتقدمة هو المنع مطلقا واستثناء الأخذ للتوسعة. هذا كله مع إجراء المنفق عليهم النفقة الواجبة وإلا فإنه يجوز لهم الأخذ قولا واحدا.

الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بعدم جواز الدفع إلى الزوجة وإن كانت ناشزة لو كانت فقيرة لتمكنها من الطاعة في كل وقت فتكون غنية في الحقيقة ، قال في المعتبر : لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء والمساكين مطيعة كانت أو عاصية إجماعا لتمكنها من النفقة.

الرابعة ـ يجوز الدفع إلى الزوجة المستمتع بها لعدم وجوب الإنفاق عليها ، وربما قيل بالمنع لإطلاق النص وهو ضعيف ، فإن النص باعتبار ما اشتمل عليه من التعليل بوجوب الإنفاق في معنى القيد كما لا يخفى.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب أنه يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج مع استحقاقه وإن أنفق عليها منها لعموم الأدلة وانتفاء المعارض ، ونقل عن ابن بابويه المنع من إعطائه مطلقا ، وعن ابن الجنيد الجواز لكن لا ينفق عليها منها ولا على ولدها. ولم نقف لهما على دليل.

السادسة ـ الظاهر أنه لا خلاف في جواز إعطاء من يعول من القرابة وغيرهم إذا لم يكن من الأفراد المتقدمة عملا بعموم الأدلة وخصوص موثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة.

وأما ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ـ قال «لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول». ـ فمحمول على واجبي النفقة جمعا بين الأخبار.

السابعة ـ لو كان من تجب نفقته من بعض الأصناف الأخر كأن يكون عاملا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من المستحقين للزكاة.

٢١٤

أو غازيا أو غارما أو من الرقاب فلا إشكال في جواز الدفع إليه من سهام هذه الأصناف ، لعموم الآية (١) السالم من المعارض ، ولأن ظاهر الأخبار المانعة من الدفع إلى هؤلاء إنما هو من حيث كون المدفوع من سهم الفقراء ، ولأن ما يأخذه العامل والغازي كالأجرة ولهذا جاز لهما الأخذ مع العسر واليسر ، والمكاتب إنما يأخذ لفك رقبته والغارم لوفاء دينه وهما لا يجبان على القريب إجماعا ، وللأخبار المتقدمة في قضاء الدين عن الأب من سهم الغارمين ومن اشترى أباه من سهم الرقاب.

الرابع من الأوصاف المشار إليها آنفا ـ أن لا يكون هاشميا ويكون المعطي من غير قبيله ، وهو محل إجماع من علماء الخاصة والعامة (٢).

والأخبار بذلك مستفيضة : منها ـ صحيحة محمد بن مسلم وزرارة وأبي بصير أو حسنتهم على المشهور بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) قالا : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الصدقة أوساخ أيدي الناس وإن الله قد حرم على منها ومن غيرها ما قد حرمه وإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب. ثم قال أما والله لو قد قمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أني لا أؤثر عليكم فارضوا لأنفسكم بما رضي الله ورسوله لكم قالوا قد رضينا».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم». وصحيحة العيص بن القاسم وقد تقدمت في الصنف الثالث من أصناف المستحقين (٥).

__________________

(١) وهي قوله تعالى : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ...» سورة التوبة الآية ٦١.

(٢) المغني ج ٢ ص ٦٥٥ والمحلى ج ٦ ص ١٤٦ والمهذب ج ١ ص ١٧٤ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٤٠ وبدائع الصنائع ج ٢ ص ٤٩.

(٣) الفروع ج ١ ص ١٧٩ وفي الوسائل الباب ٢٩ من المستحقين للزكاة.

(٤) الوسائل الباب ١٩ من المستحقين للزكاة.

(٥) ص ١٧٤.

٢١٥

ورواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس ولا لأحد من ولد علي عليه‌السلام ولا لنظرائهم من ولد عبد المطلب».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة. وأما ما رواه الصدوق عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) ـ قال : «أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم فإنها تحل لهم وإنما تحرم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الإمام الذي من بعده وعلى الأئمّة عليهم‌السلام». ـ فمحمول على الضرورة وأن النبي والأئمّة (صلوات الله عليهم) لا يضطرون إلى ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذه المسألة يقع في مواضع الأول ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن تحريم الصدقة الواجبة مختص بأولاد هاشم ، ونقل عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) في الرسالة الغرية تحريم الزكاة على بني المطلب وهو عم عبد المطلب بن هاشم وهو منقول عن ابن الجنيد أيضا.

ويدل على المشهور عموم الآية (٣) خرج منه من انتسب إلى هاشم بالأخبار المتقدمة ونحوها فيبقى ما عداه.

احتج الشيخ المفيد على ما نقل عنه بما رواه زرارة في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) أنه قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم».

وأجاب عنه في المعتبر بأنه خبر واحد نادر فلا يخص به عموم القرآن. قال في المدارك : وهو جيد مع أنه مروي في التهذيب بطريق فيه علي بن الحسن بن فضال ولا تعويل على ما ينفرد به. انتهى.

أقول : والأظهر في الجواب عن هذه الرواية هو ما ذكره بعض مشايخنا

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ٣٧٨ وفي الوافي باب إن الزكاة لا تحل لبني هاشم.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من المستحقين للزكاة.

(٣) وهي قوله تعالى : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ...» سورة التوبة الآية ٦١.

(٤) الوسائل الباب ٣٣ من المستحقين للزكاة.

٢١٦

المحققين من متأخري المتأخرين حيث قال : ويمكن أن يكون المراد بالمطلبي في الخبر من ينتسب إلى عبد المطلب ، فإن النسبة إلى مثله قد تكون بالنسبة إلى الجزء الثاني حذرا من الالتباس كما قالوا «منافي» في عبد مناف ، وقد صرح بذلك سيبويه كما نقله عنه نجم الأئمّة (قدس‌سره) واختاره ، ونقل عن المبرد أنه قال إن كان المضاف يعرف بالمضاف إليه والمضاف إليه معروف بنفسه فالقياس حذف الأول والنسبة إلى الثاني وإن كان المضاف إليه غير معروف فالقياس النسبة إلى الأول ، وعلى هذا يقوى ما ذكرناه من الاحتمال إذ من المعلوم أن ما نحن فيه من ذلك القبيل كما اعترف به نجم الأئمّة (قدس‌سره) وعلى هذا فلا يكون في الخبر دلالة على مذهب المفيد (قدس‌سره) (فإن قلت) فعلى هذا يلزم عطف الشي‌ء على مرادفه أو ما شاكله (قلت) لا بأس بذلك فإن العطف التفسيري شائع لا ترى فيه عوجا ولا أمتا ، ومعلوم أن هاشما لم يعقب إلا من عبد المطلب كما هو مصرح به في كتب الأصحاب وغيرهم ، ففائدة العطف التنبيه على هذا المعنى والتقرير له. انتهى وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

الثاني ـ ظاهر كلام جملة من الأصحاب الاتفاق على جواز أخذ الهاشمي للصدقة المندوبة ، ونقل عن العلامة في المنتهى أنه نسبه إلى علمائنا وأكثر العامة (١).

ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) أنه قال : «لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن نخرج إلى مكة لأن كل ماء بين مكة والمدينة فهو صدقة».

وفي الصحيح عن جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له أتحل الصدقة لبني هاشم؟ قال إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا فأما غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة

__________________

(١) في نيل الأوطار ج ٤ ص ٢٤٢ نقل الخلاف في ذلك ، وفي المغني ج ٢ ص ٦٥٨ فيه روايتان عن أحمد ، وفي المحلى ج ٦ ص ١٤٧ عدم جواز المندوبة أيضا.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣١ من المستحقين للزكاة.

٢١٧

هذه المياه عامتها صدقة».

وعن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال هي الزكاة. قلت فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال نعم».

وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال هي الزكاة المفروضة».

والعجب من العلامة (قدس‌سره) في التذكرة مع نقله القول بالجواز عن علمائنا وأكثر العامة ذهب في الكتاب المشار إليه إلى التحريم وقال : وما روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام ـ أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب من الصدقة؟ فقال إنما حرم علينا الصدقة المفروضة ـ من ما تفردت بروايته العامة (٣) انتهى.

والعجب أنه نسب ذلك إلى العامة وغفل عن هذه الروايات ، وأعجب منه موافقة شيخنا البهائي له في كتاب أربعين الحديث وجموده على كلامه من غير مراجعة لهذه الأخبار.

وبالجملة فإن ظاهر الأخبار المذكورة كما ترى هو الدلالة على ما قدمنا نقله عن الأصحاب ، إلا أنه قد روى الصدوق (قدس‌سره) في كتاب الخصال عن محمد بن عبد الرحمن العزرمي عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «لا تحل الصدقة لبني هاشم إلا في وجهين : إذا كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا وصدقة بعضهم على بعض».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن الصدقة تحل

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٢ من المستحقين للزكاة.

(٣) المغني ج ٢ ص ٦٥٩ عن الصادق عن أبيه (ع).

٢١٨

لبني هاشم؟ فقال لا ولكن صدقات بعضهم على بعض تحل لهم. فقلت جعلت فداك إذا خرجت إلى مكة كيف تصنع بهذه المياه المتصلة بين مكة والمدينة وعامتها صدقة؟ قال سم فيها شيئا. قلت عين ابن بزيع وغيره. قال وهذه لهم».

وظاهرهما من ما ينافي الأخبار الأولة إلا أن تلك الأخبار مع كثرتها معتضدة بفتوى الأصحاب بل اتفاقهم في الظاهر كما عرفت وإن من خالف إنما خالف سهوا عن ملاحظة تلك الأخبار ، وللأصحاب أن يحملوا التحريم في ظاهر هذين الخبرين على الكراهة المؤكدة.

الثالث ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) على ما نقله غير واحد في جواز إعطائهم من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم.

ويدل على ذلك قوله في موثقة زرارة (١) المتقدمة في الموضع الأول بعد ذكر ما قدمنا نقله : «ثم قال عليه‌السلام إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميّتة والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا ويكون ممن تحل له الميّتة».

إنما الخلاف في القدر الذي يجوز لهم أخذه في تلك الحال ، فقيل إنه لا يقدر بقدر ونسبه في المختلف إلى الأكثر ، واحتج عليه بأنه أبيح له الزكاة فلا يتقدر بقدر للأخبار الدالة على أن الزكاة لا تتقدر بقدر وأنه يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه (٢) وضعفه يظهر من ما يأتي. وقيل إنه لا يتجاوز قدر الضرورة واستقربه العلامة في المنتهى والشهيد في الدروس على ما نقل عنهما واختاره غير واحد من المتأخرين ، إلا أنهم فسروا قدر الضرورة بقوت يوم وليلة ، والمفهوم من الخبر وجعله من قبيل أكل الميّتة أن القدر المذكور أقل من ذلك. وبالجملة فالأدلة المتقدمة قد صرحت بالتحريم خرج منه ما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى من القدر الضروري ، وبذلك يظهر بطلان القول الأول.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من المستحقين للزكاة.

٢١٩

أقول : ويمكن أن يقال إن قوله عليه‌السلام «إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميّتة» إنما أريد به بيان تحليل الزكاة في هذه الحال بعد أن كانت محرمة ، بمعنى أن الزكاة وإن كانت محرمة عليهم لكنهم متى لم يجدوا شيئا حلت لهم كما أن من لم يجد شيئا تحل له الميّتة المحرمة عليه قبل ذلك ، وأما أن أخذهم من الزكاة يتقدر بقدر الأكل من الميّتة فلا دلالة في الكلام عليه ، وبالجملة فالغرض من التمثيل إنما هو بيان الانتقال من التحريم إلى التحليل لمكان الاضطرار ، وحينئذ متى حل لهم تناول الزكاة جاز الأخذ منها وإن زاد على قدر الضرورة ، بل يمكن إدخالهم تحت العمومات الدالة على الإعطاء إلى أن يستغني (١) وبذلك يظهر قوة القول الأول ، والظاهر أن من قال بذلك إنما بنى على ما ذكرناه وهو احتمال قريب إلا أن تقييد الحل في آخر الخبر بأن يكون ممن تحل له الميّتة من ما يشعر ببعده. والاحتياط لا يخفى.

الرابع ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز أخذ الهاشمي الزكاة من هاشمي مثله في حال الاختيار.

ويدل عليه روايات عديدة : منها ـ رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدمة (٢) وموثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم؟ فقال نعم صدقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تحل لجميع الناس من بني هاشم وغيرهم ، وصدقات بعضهم على بعض تحل لهم ولا تحل لهم صدقات إنسان غريب».

ورواية جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) وفيها «ولا تحل لهم إلا صدقات بعضهم على بعض». إلى غير ذلك من الأخبار التي لا ضرورة إلى التطويل بنقلها مع الاتفاق على الحكم المذكور.

الخامس ـ الظاهر أنه لا خلاف في جواز إعطاء الصدقة لموالي بني هاشم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من المستحقين للزكاة.

(٢) ص ٢١٨.

(٣) الوسائل الباب ٣٢ من المستحقين للزكاة.

(٤) الوسائل الباب ٣٤ من المستحقين للزكاة رقم ٤.

٢٢٠