الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

واخباره له عن نفسه بالأول أنسب.

وأما الثاني فإنه عليه‌السلام قال له : «اجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة.» وظاهره الإتيان بمجرد الأذكار والمتابعة وهو المراد بالنافلة.

وأما الثالث فإنه أصرح الجميع حيث قال له السائل : «أصلي خلفه واجعلها تطوعا» فأجابه بأنه «لو قبل التطوع لقبلت الفريضة ولكن اجعلها سبحة» يعنى تسبيحا وتنزيها واذكارا من غير نية صلاة وهو المراد بالنافلة في سابقة.

وبالجملة فإن هذه الأخبار ظاهرة في أن الصلاة معهم انما هي عبارة عن المتابعة في القيام والقعود والأذكار من غير ان ينويها صلاة ، بل ظاهر قوله في الثاني «ولا تكبر معهم» أى لا تفتتح الصلاة بالتكبير فإن الذي يأتي به انما هو مجرد اذكار وليس بصلاة ، وكذا نهيه في الخبر الثالث عن الصلاة معهم وانما يصلى قبلهم أو بعدهم مع استفاضة الأخبار بالصلاة معهم.

ولا يحضرني الآن وجه جواب عنها إلا ان يكون هذا قسما ثالثا في الصلاة معهم مضافا الى القسمين المتقدمين في الموضع الأول. وتأويل هذه الأخبار بما ترجع به الى الأخبار الكثيرة المذكورة يحتاج الى مزيد تعسف وتكلف وربما لا يجري في بعضها بالكلية. والله العالم.

الثالث ـ قد اختلفت الأخبار المتقدمة في القراءة خلف المخالف فجملة منها دلت على الأمر بذلك وان سمع قراءته وعليه عمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو الأوفق بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، لأنه منفرد يجب عليه الإتيان بما يجب على المنفرد من قراءة وغيرها ، وجملة منها دلت على المنع من القراءة خلفه إذا سمعه والاجتزاء بقراءته ، والظاهر حملها على شدة التقية بحيث لا يتمكن من القراءة ولو خفيا مثل حديث النفس ، وعلى ذلك حمل الشيخ الأخبار المذكورة. ويحتمل حمل هذه الأخبار على خصوص السائلين لما يعلمونه صلوات الله عليهم) من لحوق الضرر لهم بترك ذلك كما في أمر إسحاق بن عمار بما أمره به عليه‌السلام

٨١

في الحديث التاسع لعلمه بما يبتلى به من تلك القضية ، ونحوه خبر على بن يقطين وخبر داود بن زربي في الأمر بالوضوء ثلاثا (١) لعلمه (عليه‌السلام) بما يجرى عليهما مما هو مذكور في خبريهما. وبالجملة فإن العمل على الأخبار الأولى كما عليه كافة الأصحاب ، ويؤيده قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) بعد النهى عن القراءة خلف من يقتدى به «وإذا كان لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت أم لم تسمع».

الرابع ـ قد عرفت ان الواجب على هذا المصلى معهم تقية القراءة لانتفاء القدوة وكونه منفردا وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب لما ذكرناه ، وقد عرفت الوجه في ما دل على خلاف ذلك من عدم القراءة خلفه في الجهرية.

ولا خلاف أيضا في سقوط الجهر في الجهرية وان قلنا بوجوبه للتقية ، وعليه يدل ايضا الخبر السادس عشر والسابع عشر.

وتجزئه الحمد وحدها مع تعذر السورة بلا خلاف ولا إشكال ، وعليه يدل الخبر الثاني والعشرون والرابع والعشرون.

وانما الخلاف لو ركع الامام قبل إتمامه الفاتحة ، فقيل انه يقرا في ركوعه وقيل انه تسقط القراءة للضرورة وبه قطع الشيخ في التهذيب ، قال ان الإنسان إذا لم يلحق القراءة معهم جاز له ترك القراءة والاعتداد بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع. ثم استدل بالخبر التاسع.

وقال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشيخ : وهذه الرواية وان كانت واضحة المتن لكنها قاصرة من حيث السند ، والمسألة محل إشكال ولا ريب ان الإعادة مع عدم التمكن من قراءة الفاتحة طريق الاحتياط. انتهى.

أقول : ويدل على ما قاله الشيخ ايضا الخبر الثالث والعشرون والخامس والعشرون ، وهو صحيح إذ ليس فيه من ربما يتوقف فيه إلا أبو بصير وهو هنا ليث المرادي بقرينة رواية عبد الله بن مسكان عنه ، فما ذكره من الاستشكال

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من الوضوء.

(٢) ص ١١.

٨٢

في المدارك ليس في محله. وأما القول بأنه يقرأ حال ركوعه فلم أقف على مستنده بل صريح هذه الأخبار انما هو المضي والمتابعة للإمام واغتفار ترك القراءة في هذا المقام.

الخامس ـ ما اشتمل عليه الحديث الثالث والثلاثون من التشهد حال القيام إذا ألجأته التقية الى ذلك قد ورد مثله في خبر لأبي بصير إلا انه لا يحضرني الآن مكانه وبه صرح الصدوق ، قال في المنتهى : قال ابن بابويه وان لم يتمكن من التشهد جالسا قام مع الامام وتشهد قائما.

أقول : وبذلك صرح الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) في ما لو دخل في صلاة المخالف بعد ان صلى بعض صلاته. وسيأتي الكلام في المسألة ان شاء الله تعالى في المطلب الثالث في الأحكام.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان البحث في هذا المقصد يقع في مطالب ثلاثة الأول في الجماعة وفيه مسائل :

المسألة الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان الجماعة لا تجب أصالة إلا في الجمعة والعيدين مع اجتماع الشرائط المتقدمة فيهما ، وتجب بالعارض كالنذر وشبهيه ، وفي جاهل القراءة مع ضيق الوقت عن التعلم وإمكان الائتمام ، وما عدا ذلك فهي مستحبة ، وقد عرفت تأكد استحبابها في اليومية.

والمشهور بين الأصحاب بل ادعى في المنتهى عليه الإجماع هو استحبابها في جميع الفرائض ، قال في المنتهى : وهو مذهب علمائنا أجمع. وتنظر فيه بعض فضلاء متأخري المتأخرين ، قال : وفي استفادة هذا التعميم من الأخبار نظر. وهو في محله والأحوط الوقوف في ذلك على موارد النصوص.

قالوا : ولا تجوز الجماعة في شي‌ء من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال الشرائط. أقول : أما استحبابها في الاستسقاء فقد تقدم الكلام فيه في صلاة

__________________

(١) ص ١٤.

٨٣

الاستسقاء ، واما العيدان فقد تقدم ايضا تحقيق القول في ذلك في صلاة العيد وان الأمر ليس كما ادعوه (رضوان الله عليهم).

وأما عدم الجواز في غير هذين الموضعين من النوافل فقال في المنتهى انه مذهب علمائنا أجمع ، واستدل بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين (عليهما‌السلام) (١) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ان الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة». وعن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه‌السلام وسماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في نافلة شهر رمضان ايها الناس ان هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة فليصل كل رجل منكم وحده وليقل ما علمه الله من كتابه واعلموا ان لا جماعة في نافلة».

واعترضه في المدارك بان في هذا الاستدلال نظرا لقصور الرواية الأولى عن افادة العموم وضعف سند الثانية باشتماله على محمد بن سليمان الديلمي وغيره ، قال وربما ظهر من كلام المصنف في ما سيأتي ان في المسألة قولا بجواز الاقتداء في النافلة مطلقا. ثم نقل عن الذكرى ما يقرب من ذلك ثم قال وهذا الكلام يؤذن بأن المنع ليس إجماعيا وقد ورد بالجواز روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) انه قال له : «صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة فإني افعله». وفي الصحيح عن هشام بن سالم (٤) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء فقال تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا». ونحوه روى ايضا في الصحيح عن الحلبي وسليمان بن خالد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) ومن هنا يظهر ان ما ذهب اليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيد وان لم يرد فيها نص على الخصوص. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجماعة.

٨٤

أقول : لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه المطلع على ما ورد عنهم عليه‌السلام في هذه المسألة من الأخبار والمتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار :

اما أولا ـ فلعدم انحصار ما دل على تحريم الجماعة في النافلة في هذه الروايات التي استدل بها العلامة (قدس‌سره) ليتم له بالطعن فيها القول بالجواز.

ومما يدل على ذلك زيادة على الأخبار المذكورة ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن سليم بن قيس (١) قال : «خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فحمد الله واثنى عليه ثم صلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان اتباع الهوى وطول الأمل. وساق الخطبة الى ان قال عليه‌السلام وأمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادي بعض أهل عسكري ممن يقاتل معى يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر. الى آخرها».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب ابى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام (٢) قالا «لما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا اماما يؤمنا في رمضان فقال لهم لا ونهاهم ان يجتمعوا فيه فلما أمسوا جعلوا يقولون ابكوا رمضان وا رمضاناه ، فاتى الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين ضج الناس وكرهوا قولك فقال عند ذلك دعوهم وما يريدون ليصل بهم من شاءوا ثم قال (وَمَنْ). (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً» (٣). ورواه العياشي في تفسيره عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام (٤).

وما رواه الحسن بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا عليه‌السلام (٥) قال : «ولا يجوز التراويح في جماعة».

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

(٣) سورة النساء الآية ١١٥ «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ ...».

٨٥

وأنت خبير بأنه بعد ورود هذه الأخبار كملا ما ذكرناه وما ذكره العلامة (قدس‌سره) لا مجال للمناقشة في الحكم المذكور سيما مع ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في رواياته من الخلل والقصور.

واما ثانيا ـ فلان صحيحة الفضلاء الثلاثة وان كان موردها انما هو النهى عن الاجتماع في صلاة الليل في شهر رمضان كما قدمنا بيانه في بحث نافلة شهر رمضان إلا ان النهى انما وقع من حيث تحريم الاجتماع في النافلة لا من حيث خصوصية شهر رمضان أو خصوصية الليل كما أفصحت به الروايات الأخر من قوله عليه‌السلام في صحيحة سليم بن قيس «وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة». وقولهما عليهما‌السلام في حديثي سماعة وإسحاق «ان هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة». وقوله عليه‌السلام (١) «واعلموا ان لا جماعة في نافلة». ومن ذلك يعلم ان إجمال هذا الخبر يحمل على غيره من الأخبار المتقدمة المفصلة حمل المطلق على المقيد والمجمل على المبين

وأما ثالثا ـ فان ما ذكره من الروايات الدالة على الجواز ـ من صحيحتي عبد الرحمن وهشام ـ ففيه أولا ـ انه قد اعترض صحيحة الفضلاء بأنها قاصرة عن افادة العموم إشارة الى ان موردها انما هو النهى عن الجماعة في النافلة في الليل في شهر رمضان فلا تدل على عموم تحريم النافلة مطلقا كما هو محل البحث ، وهذا بعينه وأرد عليه في الصحيحتين المذكورتين ، فإن الأولى موردها ايضا شهر رمضان والثانية موردها النساء خاصة فلا دلالة فيها على عموم الجواز ، فكيف يدعى بعد ذكرهما العموم ويقول : ومن هنا يظهر ان ما ذهب اليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيد وان لم يرد فيها نص والحال ان دليله كما عرفت أخص من المدعى ما هذا إلا عجب عجيب من هذا المحقق الأريب.

وثانيا ـ ان ظاهر صحيحة عبد الرحمن هو أن هذه النافلة المذكورة في الخبر انما

__________________

(١) ص ٨٤ و ٨٥.

٨٦

هي نافلة شهر رمضان وإلا لما كان لذكر شهر رمضان معنى في المقام ، وقد عرفت استفاضة الأخبار بتحريم الجماعة فيها ، وحينئذ فالواجب حمل هذا الخبر على التقية (١) وبذلك يسقط الاستناد إليه بالكلية.

وأما صحيحة هشام فسيأتيك الجواب عنها واضحا مشروحا ان شاء الله تعالى في المطلب الثاني في شرط ذكورية الامام.

وأما رابعا ـ فان ما ذكره ـ من انه يفهم من كلام المصنف والشهيد في الذكرى احتمال وجود المخالف في المسألة ليتم له القول بجواز الجماعة في النافلة ومخالفة الأصحاب في ما ظاهرهم الاتفاق عليه تحاشيا عن مخالفة الإجماع ـ فلا يخفى ما فيه وكم قد خالف الأصحاب في ما ظاهرهم الاتفاق عليه وان تحاشا عن ذلك في مواضع أخر كما في هذا الموضع ، مع انه قد ذكر في صدر كتابه في مقام طعنه على إجماعاتهم انه قد صنف رسالة في الطعن على هذا الإجماع وانه مما لا يعول عليه في مقام التحقيق ولا يرجع اليه.

هذا. ومما استثنى من تحريم الجماعة في النافلة صلاة الغدير عند ابى الصلاح كما أشار إليه في المدارك واليه ذهب الشهيد في اللمعة والمحقق الشيخ على على ما نقل عنه ورجحه شيخنا أبو الحسن في رسالته في الصلاة ، ونقل عن ابى الصلاح انه نسبه الى الرواية وهو ظاهر كلامه في الكافي. إلا ان الخروج عن ظواهر الأخبار الدالة على التحريم بمثل ذلك لا يخلو عن مجازفة فالتحريم أقوى.

ومما استثنى ايضا إعادة المنفرد صلاته جماعة إماما كان أو مأموما كما سيأتي بيان ذلك في محله.

المسألة الثانية ـ من شرائط الجماعة وترتب ثوابها وأحكامها العدد وأقله اثنان في غير الجمعة والعيدين يقوم المأموم عن يمين الامام وان كان امرأة فخلفه ، فههنا أحكام ثلاثة :

__________________

(١) المهذب ج ١ ص ٨٢ والمغني ج ٢ ص ١٦٨.

٨٧

أما الحكم الأول أعني كون أقل الجماعة اثنين فيدل عليه صحيحة زرارة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجلان يكونان جماعة؟ قال نعم ويقوم الرجل عن يمين الامام».

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٢) قال : «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه».

قال في المدارك : ويدل عليه رواية الحسن الصيقل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة ، وإذا لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة». ومعنى كون المؤمن وحده جماعة انه إذا طلب الجماعة فلم يجدها تكون صلاته على الانفراد مساوية لصلاة الجماعة في الثواب تفضلا من الله تعالى ومعاملة له بمقتضى نيته. انتهى.

أقول : رواية الصيقل المذكورة قد رواها الشيخ في التهذيب (٤) بما نقله الى قوله «رجل وامرأة» ورواها الصدوق في الفقيه (٥) هكذا : وسأل الحسن الصيقل أبا عبد الله عليه‌السلام عن أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة ، وإذا لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة لأنه متى اذن واقام صلى خلفه صفان من الملائكة ومتى أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف واحد. انتهى.

وأنت خبير بان الظاهر ان ما زاد على رواية التهذيب فهو من كلام الصدوق الذي يداخل به الأخبار فيقع بسببه الالتباس باحتمال كونه منها ، وفي التعليل الذي ذكره إيناس بما قلنا ، وظاهر صاحب المدارك ان قوله : «وإذا لم يحضر المسجد أحد. إلخ» من الرواية ، والظاهر انه ليس كذلك بل انما هو من كلام الصدوق لما

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٤ من صلاة الجماعة. واللفظ هكذا «سألته كم أقل.».

(٤) ج ١ ص ٢٥٣.

(٥) ج ١ ص ٢٤٦.

٨٨

ذكرناه من نقل الشيخ الرواية عارية عن ذلك وإيناس التعليل بما هنالك.

وروى الشيخ في التهذيب عن أبي البختري عن جعفر عليه‌السلام (١) «أن عليا عليه‌السلام قال : الصبي عن يمين الرجل إذا ضبط الصف جماعة ، والمريض القاعد عن يمين الصبي جماعة».

وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الاثنان جماعة. قال وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمن وحده حجة والمؤمن وحده جماعة».

وروى في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن يوسف عن أبيه (٣) وهو مجهول قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ان الجهني اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله انى أكون في البادية ومعي أهلي وولدي وغلمتي فأؤذن وأقيم وأصلي بهم أفجماعة نحن؟ فقال نعم. الى أن قال فإن ولدي يتفرقون في الماشية فأبقى أنا وأهلي فأؤذن وأقيم وأصلي بها أفجماعة نحن؟ فقال نعم. فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان المرأة تذهب في مصلحتها فأبقى أنا وحدي فأؤذن وأقيم أفجماعة أنا؟ فقال نعم المؤمن وحده جماعة». والظاهر في تعليل كونه وحده جماعة هو ما ذكره في الفقيه مما قدمنا نقله عنه. وأما ما علله به في المدارك فالظاهر بعده وان أمكن احتماله.

وأما الحكم الثاني أعني قيام المأموم إذا كان واحدا عن يمين الامام فهو مما لا خلاف في رجحانه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم وان كان المأموم أكثر من واحد وقفوا خلف الامام.

واستندوا في هذا التفصيل الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٤) قال : «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه».

وبالجملة فإنه لا خلاف في أفضلية قيام الرجل وحده عن يمين الإمام إنما

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل الباب ٢٣ من صلاة الجماعة.

٨٩

الخلاف في وجوبه واستحبابه والمشهور ان ذلك على جهة الفضل والاستحباب ، قال في المنتهى : وهذا الموقف سنة فلو خالف بان وقف الواحد على يسار الإمام أو خلفه لم تبطل صلاته عند علمائنا أجمع. ونقل في المختلف عن ابن الجنيد القول بالبطلان مع المخالفة ، قال في المدارك وهو ضعيف.

أقول : لا أعرف لما ذكره الأصحاب من الاستحباب هنا مستندا سوى الإجماع الذي ادعاه في المنتهى ، ولا اعرف لحكم السيد بضعف قول ابن الجنيد وجها مع عدم الدليل على خلافه وقيام الأدلة وتكاثرها على ما نقلوه عنه ، وهم انما استندوا في هذا التفصيل إلى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بأنه ان كان واحدا قام عن يمين الامام وان كانوا أكثر قاموا خلفه ، وهي ان لم تدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد كما هو الظاهر منها فلا تدل على خلافه ، وبالجملة فإنها أعم من ذلك فلا دلالة فيها على كون ذلك على جهة الاستحباب بوجه ، وجميع ما حضرني من روايات هذه المسألة على كثرتها وتعددها لا إشارة في شي‌ء منها فضلا عن الدلالة إلى الاستحباب بل المتبادر من سياقها واتفاقها على الحكم المذكور انما هو الوجوب ، لان العبادات كمية وكيفية صحة وبطلانا مبنية على التوقيف فما ثبت عن صاحب الشرع وجب الحكم بصحته وما لم يثبت عنه فلا مساغ للحكم بصحته بمجرد التخرص والظن ، والذي ثبت عنه كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى انما هو ما ذكرناه.

وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من اخبار المسألة ، فمنها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وصحيحة زرارة المتقدمة في صدر المسألة ورواية أبي البختري المتقدمة أيضا.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد (١) قال : «ذكر الحسين ـ يعنى ابن سعيد ـ انه أمر من يسأله عن رجل صلى الى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ثم علم وهو في صلاته كيف يصنع؟ قال

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من صلاة الجماعة.

٩٠

يحوله عن يمينه».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ميمون عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يؤم النساء ليس معهن رجل في الفريضة؟ قال نعم وان كان معه صبي فليقم الى جانبه».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) «انه سئل عن الرجل يؤم الرجلين؟ قال يتقدمهما ولا يقوم بينهما. وعن الرجلين يصليان جماعة؟ قال نعم يجعله عن يمينه».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن يسار المدائني (٣) «أنه سمع من يسأل الرضا عليه‌السلام عن رجل صلى الى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم كيف يصنع ثم علم وهو في الصلاة؟ قال يحوله عن يمينه».

وما رواه في كتاب العلل بسنده فيه عن احمد بن رباط عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «قلت له لأي علة إذا صلى اثنان صار التابع عن يمين المتبوع؟ قال لأنه امامه وطاعة للمتبوع وان الله جعل أصحاب اليمين المطيعين ، فلهذه العلة يقوم عن يمين الامام دون يساره».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام (٥) «انه كان يقول المرأة خلف الرجل صف ولا يكون الرجل خلف الرجل صفا انما يكون الرجل الى جنب الرجل عن يمينه».

وما رواه فيه ايضا عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليهم‌السلام (٦) قال : «رجلان صف فإذا كانوا ثلاثة تقدم الامام».

وروى الصدوق في كتاب المجالس في الصحيح الى محمد بن عمر

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٣ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٢٤ من صلاة الجماعة.

٩١

الجرجاني (١) قال : «قال الصادق عليه‌السلام أول جماعة كانت ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلى وأمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه‌السلام معه إذ مر أبو طالب وجعفر معه فقال يا بنى صل جناح ابن عمك فلما أحس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا. الحديث».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) «يؤم الرجلين أحدهما صاحبه يكون عن يمينه فإذا كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه».

أقول : هذا ما حضرني من اخبار المسألة المذكورة وهي كما ترى متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على ان الحكم في الاثنين هو قيام المأموم عن يمين الامام والحكم في الأكثر التأخر ، وقد عرفت ان العبادات مبنية على التوقيف عن صاحب الشريعة ، وهذا هو الذي وورد به الشرع عنهم عليهم‌السلام في كيفية الائتمام في هذه الصورة سيما مع اشتمالها على الأوامر التي هي حقيقة في الوجوب ، والخروج عن ذلك خروج عن المشروع عين ما سيأتي ان شاء الله تعالى في استدلالهم في مسألة عدم جواز تقدم المأموم على الامام ، حيث قالوا ثمة : لأن المنقول من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام إما تقدم الإمام أو تساوى الموقفين فيكون الإتيان بخلافه خروجا عن المشروع. انتهى. وهذا بعينه آت في ما نحن فيه فان المنقول عنهم عليهم‌السلام كما عرفت من هذه الأخبار هو وقوف الواحد عن يمين الامام وتأخر الأكثر ، والخروج عنه من غير دليل ولا نص خروج عن المشروع. نعم لو كان هنا دليل معارض لهذه الأخبار لتم لهم حملها على الاستحباب جمعا بين الدليلين كما هي قاعدتهم المطردة إلا ان الأمر ليس كذلك.

وغاية ما استدل به العلامة في المختلف للقول المشهور ما رواه أبو الصباح في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصف وحده فقال

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة الجماعة.

(٢) ص ١١.

(٣) الوسائل الباب ٥٧ من صلاة الجماعة.

٩٢

لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد». ثم نقل الاحتجاج لابن الجنيد برواية زرارة المتقدمة وهي صحيحته المتقدمة في صدر المسألة ، قال والأمر للوجوب. ثم قال والجواب المنع من كونه للوجوب. انتهى.

وأنت خبير بما في كلامه من الوهن والضعف الظاهر الذي لا يخفى على الخبير الماهر ، اما الخبر الذي استدل به فان الظاهر منه انما هو قيام المأموم وحده في صف مع امتلاء الصفوف وعدم وجود مكان له فيها فإنه يقوم وحده كما ورد في صحيحة سعيد الأعرج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الامام فيجد الصف متضايقا بأهله فيقوم وحده حتى يفرغ الامام من الصلاة أيجوز ذلك له؟ قال نعم لا بأس». وفي موثقة أخرى لسعيد الأعرج (٢) أيضا قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام». وما ذكرناه في معنى الخبر المذكور ان لم يكن متعينا لما ذكرنا من الأخبار فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكره في الاحتمال وهو كاف في إبطال الاستدلال. واما جوابه عن صحيح زرارة بعد اعترافه بان الأمر فيه للوجوب بمنع ذلك فهو تحكم محض كما لا يخفى.

وبالجملة فالقول المذكور في غاية القوة لما عرفت ، ولا أعرف لهم وجها في رد هذه الأخبار إلا قصور النظر عن تتبعها والاطلاع عليها والجمود على ظواهر المشهورات المزخرفة بالإجماعات.

قال في الذكرى : وتنعقد الجماعة بالصبي المميز لان ابن عباس ائتم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان إذ ذاك غير بالغ (٣).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥٧ من صلاة الجماعة.

(٣) في سنن ابى داود ج ١ ص ١٦٦ عن ابن عباس قال : بت في بيت خالتي ميمونة فقام رسول الله «ص» من الليل فأطلق القربة فتوضأ ثم اوكأ القربة ثم قام إلى الصلاة فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني من وراثه فأقامني عن يمينه فصليت معه ...

٩٣

أقول : الأظهر الاستدلال على ذلك بخبر أبي البختري وإبراهيم بن ميمون المتقدمين ، وأما الخبر الذي أشار إليه فالظاهر انه من طريق القوم.

وتنعقد بالمرأة خلف الرجل كما دل عليه خبر كتاب قرب الاسناد المتقدم وغيره

ثم انه لا يخفى ان ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على انهما إذا كان اثنين يقوم المأموم عن يمين الامام هو مساواة المأموم للإمام في الموقف ، ونقل في المختلف عن ابن إدريس انه لا بد من تقدم الامام عليه بقليل. ثم أجاب عنه بأنه ممنوع لأن الأصل براءة الذمة منه. ثم أورد صحيحة محمد بن مسلم وحسنة زرارة المتقدمتين الدالتين على أنه يقوم عن يمين الامام. ثم استدل بأنه لو كان كذلك بطلت صلاة الاثنين إذا قال كل واحد منهما كنت اماما ، قال لأنهما إن أخلا بالتقدم المذكور مع وجوبه بطلت صلاتهما ، ويستحيل ان يأتيا به معا ، وان تقدم أحدهما فهو الامام ، لكن التالي باطل إجماعا فكذا المقدم. انتهى.

وظاهر الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى موافقة ابن إدريس هنا حيث قال في بيان سنة الموقف : أحدها ـ أن يقتدى الرجل بالرجل فيستحب قيامه عن يمينه ويتقدم الامام بيسير. انتهى. ولا ريب في ضعفه لما عرفت.

وأما الحكم الثالث وهو تأخر المرأة خلفه فهو مبنى على ما هو المختار من عدم جواز محاذاة المرأة للرجل في الموقف كما تقدم تحقيقه في مبحث المكان من مقدمات الكتاب ، واما من قال بجواز المحاذاة فالحكم هنا عنده على الاستحباب.

والذي يدل على تأخرها روايات : منها ـ ما رواه الشيخ عن ابى العباس (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤم المرأة في بيته؟ قال نعم تقوم وراءه».

وعن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يؤم المرأة؟ قال نعم تكون خلفه. وعن المرأة تؤم النساء؟ قال نعم تقوم وسطا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ١٩ و ٢٠ من صلاة الجماعة.

٩٤

بينهن ولا تتقدمهن».

ويستحب لها مع التأخر أن تقوم عن يمين الإمام إذا كانت واحدة لما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه».

وما رواه الشيخ عن الفضيل بن يسار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصلي المكتوبة بأم على؟ قال نعم تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك».

ولو كان المأموم رجلا وامرأة قام الرجل عن يمين الامام والمرأة خلفه لما رواه عن القاسم بن الوليد (٣) قال : «سألته عن الرجل يصلى مع الرجل الواحد معهما النساء؟ قال يقوم الرجل الى جنب الرجل ويتخلفن النساء خلفهما». والله العالم.

المسألة الثالثة ـ من الشرائط أيضا عند الأصحاب (رضوان الله عليهم المشاهدة بمعنى أن لا يكون ثمة بين الامام والمأموم أو بين المأمومين بعض مع بعض حائل يمنع المشاهدة ، قال في المدارك : هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب.

والأصل فيه ما رواه الشيخ في الحسن والصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ، وأى صف كان أهله يصلون بصلاة امام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة ، وان كان بينهم سترة أو جدار

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٩ من صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل الباب ٦٢ و ٥٩ من صلاة الجماعة. ومصدر الحديث الفقيه والكافي والشيخ يرويه عن الكليني. وقوله «ع» «ينبغي ان تكون الصفوف.» الى قوله «ع» «إذا سجد» رواه في الفقيه قبل قوله «ع» «ان صلى قوم.» وفي كلمة «إذا سجد» دون الكافي كما ان قوله «ع» «إنما امرأة.» حديث الفقيه دون الكافي راجع الفروع ج ١ ص ١٠٧ والفقيه ج ١ ص ٢٥٣.

٩٥

فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب. قال : وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة. قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان إذا سجد. قال وقال : أيما امرأة صلت خلف امام وبينها وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة. قال قلت : فان جاء انسان يريد أن يصلى كيف يصنع وهي إلى جانب الرجل؟ قال : يدخل بينها وبين الرجل وتنحدر هي شيئا».

وتحقيق الكلام في هذا المقام ان يقال قد عرفت انه لا يجوز الحيلولة بين الامام والمأمومين ولا بين المأمومين بعضهم مع بعض بما يمنع المشاهدة من الحائل فلو لم يمنع المشاهدة كالحائل القصير المانع حالة الجلوس خاصة والشباك والمانع من الاستطراق دون المشاهدة فلا بأس بالصلاة والحال هذه ، وبذلك صرح معظم الأصحاب ومنهم الشيخ في المبسوط على ما نقله في الذخيرة ، وخالف في الخلاف فقال من صلى وراء الشبابيك لا تصح صلاته مقتديا بصلاة الإمام الذي يصلى داخلها. واستدل بصحيحة زرارة ، قال في المدارك : وكأن موضع الدلالة فيها النهى عن الصلاة خلف المقاصير فان الغالب فيها أن تكون مشبكة. وأجاب عنه في المختلف بجواز أن تكون المقاصير المشار إليها فيها غير مخرمة. الى أن قال : ولا ريب ان الاحتياط يقتضي المصير الى ما ذكره الشيخ. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) ـ من أن موضع الدلالة في ما استدل به الشيخ من الرواية النهي عن الصلاة خلف المقاصير فان الغالب فيها أن تكون مشبكة ـ لا يخلو من بعد ، فإنه لا يخفى أن ظاهر قوله عليه‌السلام : «وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس» انما وقع تفريعا على قوله : «وان كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة» فإنه لما حكم عليه‌السلام ببطلان الصلاة والحال هذه وكانت تلك

٩٦

المقاصير حائلة وساترة مع كون الناس يصلون خلفها استدرك عليه‌السلام وبين أن هذه المقاصير التي يصلى خلفها الناس الآن لم تكن في الصدر الأول من زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ما قاربه وانما هي شي‌ء محدث ، ولا يجوز الصلاة خلفها لحصول الستر والحيلولة بها. هذا هو ظاهر سياق الخبر المذكور وهو الذي فهمه الأصحاب منه كما نقله عن المحقق ومثله العلامة وغيرهما. فقوله (قدس‌سره) ان الغالب في تلك المقاصير ان تكون مشبكة مع كونه مجرد دعوى مخالف لظاهر النص ، ومن اين علم ان تلك المقاصير التي كانت في زمانهم عليهم‌السلام كانت مشبكة لو ثبت كونها في زمانه كذلك.

وبالجملة فإن استدلال الشيخ بالخبر المذكور على ما ادعاه ليس له وجه ان ثبت ما نقلوه عنه من انه استدل بخبر زرارة ، ومن المحتمل قريبا عندي ان هذا الاستدلال انما هو من كلام الأصحاب وان أسندوه اليه ظنا منهم استناده في ذلك الى الخبر المذكور كما وقع في المختلف في استدلاله للأقوال التي ينقلها فيه وان أسند ذلك الى صاحب القول ، كما لا يخفى على من تأمل ذلك بعين التحقيق.

هذا. ولا يخفى ان صاحب الذخيرة نقل ان الشيخ في المبسوط وافق المشهور في جواز الصلاة خلف الشبابيك وانما خالفهم في الخلاف ، والمفهوم من كلام الذكرى ان خلافه انما هو في المبسوط حيث قال : ولو كانت المقصورة مخرمة صحت كالشبابيك ، ويظهر من المبسوط وكلام ابى الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك لرواية زرارة مع اعتراف الشيخ بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرمة ولا فرق بينهما. انتهى.

أقول : لا يخفى على من لاحظ عبارة المبسوط في هذا المقام انها غير خالية من التدافع والتناقض في هذه الأحكام ومنه وقع الاشتباه في ما نقل عنه من هذا الكلام ، حيث قال : الحائط وما يجرى مجراه مما يمنع من مشاهدة الصفوف يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام ، وكذلك الشبابيك والمقاصير تمنع من الاقتداء

٩٧

بإمام الصلاة إلا إذا كانت مخرمة لا تمنع من مشاهدة الصفوف. انتهى.

ووجه الإشكال فيها انه لا ريب ان الشبابيك لا تمنع المشاهدة مع انه عدها في ما يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام وجوز في المقاصير المخرمة ، ولا ريب أن المقصورة المخرمة والشباك بمعنى واحد ولهذا أورد عليه في الذكرى ما ذكره ، وصاحب الذخيرة نظر الى آخر العبارة وغفل عن ذكره الشبابيك وانها تمنع.

ثم انه لا يخفى عليك ان ظاهر الشهيد في الذكرى كما قدمناه في عبارته ان الشيخ في المبسوط استند في عدم الجواز مع حيلولة الشباك إلى رواية زرارة مع ان عبارة المبسوط كما حكيناها خالية من ذلك ، وهو دليل على ما قدمناه من أن نسبة الاستدلال بالرواية إلى الشيخ انما هو من الأصحاب تكلفا لتحصيل الدليل له ، وبذلك يسقط ما ذكره في المدارك من تحمل توجيه الاستدلال له بالخبر المذكور ، ونحوه في الذخيرة حيث حذا حذوه في المقام كما هو الغالب عليه في أكثر الأحكام.

تنبيهات

الأول ـ لو وقف بحذاء باب المسجد وهو مفتوح بحيث يشاهد الواقف حذاء الباب الإمام أو المأمومين الذين في المسجد صحت صلاة المحاذي للباب لمشاهدته لمن في المسجد وصلاة من على يمينه ويساره من الصف لمشاهدتهم ذلك الواقف حذاء الباب ، وقد صرح بذلك الشيخ (قدس‌سره) وجملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى حيث قال : لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد صحت صلاته ، ولو صلى قوم عن يمينه وشماله صحت صلاتهم لأنهم يرون من يرى الامام. ولو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو يساره لا يشاهدون من في المسجد لم تصح صلاتهم. انتهى. وبنحو ذلك صرح في المدارك ايضا.

وتوقف في الذخيرة في الحكم الأول فقال ـ بعد نقل ما ذكره في المنتهى عن جماعة من الأصحاب ـ ما لفظة : والحكم الثاني صحيح وأما الحكم الأولى فقد ذكره

٩٨

غير واحد من الأصحاب كالشيخ ومن تبعه ، وهو متجه ان ثبت الإجماع على ان مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقا وإلا كان في الحكم المذكور اشكال نظرا الى قوله عليه‌السلام (١) «إلا من كان بحيال الباب» فان ظاهره قصر الصحة على صلاة من كان بحيال الباب. وجعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب ويساره. وفيه عدول عن الظاهر يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول : الظاهر أن منشأ الشبهة الحاصلة له هو تخصيص المشاهدة التي هي شرط في صحة القدوة بمشاهدة الإنسان من يكون قدامه دون من على يمينه ويساره والذي على الباب من المأمومين يشاهد الإمام أو المأمومين الذين في المسجد فتصح صلاته وأما من على يمينه ويساره فإنهم لا يشاهدون قادمهم إلا جدار المسجد فتبطل صلاتهم لفوات شرط المشاهدة ، ومشاهدة من على جنبه غير كافية عنده. واللازم من هذا أنه لو استطال الصف الأول على وجه لا يرى من في طرفيه الإمام فإنه يلزم بطلان صلاتهم ، حيث انهم لا يشاهدون الامام ومشاهدة من على الجنب يمينا ويسارا غير كافية ، ولا أظن هذا القائل يلتزمه. ونحو ذلك لو استطال الصف الثاني أو الثالث زيادة على الصفوف المتقدمة وكان الذي يلي قبلة هذه الزيادة جدارا لا أحدا من المأمومين فإنه يلزم بطلان صلاة هذه الزيادة لعدم وجود المأمومين قدامهم وعدم الاكتفاء بمشاهدة من على الجنب. والظاهر من قوله عليه‌السلام «إلا من كان بحيال الباب» يعنى من الصفوف لا من المأمومين لأن عبارة الخبر هنا كلها منصبة على الصفوف ، حيث قال «وأى صف كان أهله يصلون بصلاة امام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة وان كان بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب» وهذا الكلام كما ترى مشتمل على شرطين : (أحدهما) ـ أن لا يكون بين الصفوف من البعد ما لا يتخطى. و (الثاني) أن لا يكون بينهم ستر ولا جدار كالصف الذي يقوم عن يمين الباب

__________________

(١) ص ٩٥ و ٩٦.

٩٩

ويساره ، فإنه لا ريب في بطلان صلاتهم لعدم المشاهدة ، ثم استثنى الصف الذي يقوم بحيال الباب لحصول الشرط المذكور فيه بمشاهدة من على الباب لمن في المسجد ومشاهدة من على يمين ذلك الرجل ويساره له وهكذا.

وبالجملة فاللازم مما ذكره في هذه الصورة هو بطلان الصلاة في الصورتين المذكورتين اللتين فرضناهما ولا أظنه يلتزمه. ونحوهما ايضا وقوف بعض المأمومين خلف الأساطين بحيث ان الأسطوانة في قبلته فهو لا يرى من قدامه من المأمومين وانما يرى من على يمينه ويساره ، واللازم بمقتضى ما ذهب اليه بطلان صلاته مع ان صحيح الحلبي (١) دل على انه لا بأس بالصفوف بين الأساطين.

وبالجملة فما ذكره (قدس‌سره) انما هو من قبيل الأوهام البعيدة والتشكيكات الغير السديدة. والله العالم.

الثاني ـ الأشهر الأظهر عدم اشتراط هذا الشرط في حق المرأة فيجوز لها الاقتداء مع الحائل ، ويدل على ذلك ـ مضافا الى الأصل والعمومات وعدم ظهور تناول الصحيحة المتقدمة التي هي الأصل في هذا الحكم لهذه الصورة ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلى بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال نعم ان كان الإمام أسفل منهن. قلت فان بينهن وبينه حائطا أو طريقا؟ قال لا بأس».

وقال ابن إدريس في سرائره : وقد وردت رخصة للنساء أن يصلين وبينهن وبين الإمام حائط والأول أظهر وأصح. ومراده بالأول مساواة النساء للرجال في هذا الشرط ، وهو جيد على أصله الغير الأصيل.

الثالث ـ لو لم يشاهد بعض المأمومين الامام وشاهد من يشاهده ولو بوسائط عديدة كفى في صحة القدوة وإلا بطلت صلاة الصفوف الأخيرة مع كثرة الصفوف حيث انهم لا يشاهدون الامام وهو معلوم البطلان ، قال في المنتهى : ولا نعرف

__________________

(١) ص ١٠١.

(٢) الوسائل الباب ٦٠ من صلاة الجماعة.

١٠٠