الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

بالكوفة أيام قدم على ابى العباس فلما انتهينا إلى الكناسة نظر عن يساره ثم قال يا مفضل ههنا صلب عمى زيد (رحمه‌الله) ثم مضى حتى أتى طاق الرواسين وهو آخر السراجين فنزل فقال لي انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم عليه‌السلام وانا أكره أن أدخله راكبا. فقلت له فمن غيره عن خطته؟ فقال أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح عليه‌السلام ثم غيره أصحاب كسرى والنعمان بن المنذر ثم غيره زياد بن ابى سفيان. فقلت له جعلت فداك وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح؟ فقال نعم يا مفضل. الحديث».

وما رواه في الكافي بسنده فيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) وانه كان يقوم على باب المسجد ثم يرمى بسهم فيقع في موضع التمارين فيقول ذلك من المسجد وكان يقول قد نقص من أساس المسجد مثل ما نقص في تربيعه».

وما رواه شيخنا المجلسي (رحمه‌الله) في كتاب البحار (٢) نقلا من كتاب المزار الكبير بسنده فيه الى على عليه‌السلام في حديث يتضمن فضل مسجد الكوفة قال في آخره «ولقد نقص منه اثنا عشر الف ذراع».

وما رواه في الكتاب المذكور ايضا (٣) عن حذيفة في حديث قال فيه «ولقد نقص من ذرعه من الأساس الأول اثنا عشر الف ذراع ، وان البركة منه على اثنى عشر ميلا من أى الجواب جئته».

وما رواه في الكافي عن وهيب بن حفص عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «ان القائم إذا قام رد البيت الحرام إلى أساسه ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أساسه ومسجد الكوفة إلى أساسه. وقال أبو بصير الى موضع التمارين من المسجد».

وحينئذ فعلى تقدير القول بالاقتصار على المسجد هل يكون الحكم في ما خرج عن المسجد الآن من ما علم دخوله في هذه الحدود المذكورة في هذه الروايات

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد ، وهو حديث ابى بصير رقم «٢».

(٢ و ٣) ج ٢٢ ص ٨٨.

(٤) الفروع ج ١ ص ٣١٣ باب النوادر.

٤٦١

حكم هذا المسجد؟ اشكال من دلالة هذه الأخبار على كونه من المسجد ، ومن احتمال بناء حمل اللفظ الوارد عنهم (عليهم‌السلام) على المعهود المعروف يومئذ بين كافة الناس ، ولو أريد ما زاد على ذلك لكان ينبغي بيان الحال حذرا من الإجمال الحاصل من تأخير البيان.

ويؤيد ذلك جعل البيوت في زمانه عليه‌السلام بجنب المسجد الموجود الآن كما هو الموجود الآن من آثار بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن الظاهر ايضا بيوت الناس في ذلك الوقت والأسواق ونحوها فإنها كلها واقعة في تلك الحدود المستلزم البتة لوقوع النكاح فيها والبول والتغوط وازالة النجاسات ونحو ذلك من ما يجب اجتنابه في المساجد.

ولم أقف لأحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم على كلام للتفصي عن هذا الإشكال ، وقد نقل لي بعض من أثق به من الاخوان حين تشرفت في الأعوام السابقة بذلك المكان ان بعض العلماء المعاصرين المجاورين في النجف الأشرف كان يمنع من ضرب الخلاء في تلك الصحراء من ما يدخل في تلك الحدود ، وحكى لي بعض الاخوان أيضا عن بعض علماء ذلك الزمان تخصيص النقصان من المسجد بالجهة التي فيها باب الفيل دون سائر الجهات ، قال وهو الذي يلي موضع التمارين.

وكيف كان فالأحوط الاقتصار على هذا المسجد الموجود الآن. وقد تقدم الكلام في هذا المقام أيضا في التذنيب الملحق بالختام الذي في المساجد من آخر المقدمة السادسة في المكان (١) والله سبحانه العالم.

وثالثها ـ في الحائر المقدس على مشرفه أفضل التحية والسلام وقد اختلف ايضا فيه كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم وقد تقدم النقل عن المحقق في كتابه المشار اليه آنفا انه جعل البلد محلا للتمام ، والمشهور بين أصحابنا الاختصاص بالحائر وأما الروايات الواردة هنا. فمنها ما هو بلفظ الحائر وهي الرواية الرابعة.

__________________

(١) ج ٧ ص ٣٢٣ و ٣٢٤.

٤٦٢

ومنها ما هو بلفظ الحرم وهي الرواية الأولى والتاسعة عشرة والعشرون. ومنها ما هو بلفظ «عند القبر» وهي الرواية الحادية والعشرون والثانية والعشرون والثالثة والعشرون.

ونقل عن المحقق في الكتاب المشار اليه آنفا انه استند في ما ذهب اليه هنا من الإتمام في مجموع البلد الى الأخبار الواردة بلفظ حرم الحسين عليه‌السلام قال : وقدر بخمسة فراسخ وأربعة فراسخ والكل حرم وان تفاوتت في الفضيلة. انتهى.

ونفى عنه البعد شيخنا المجلسي (رحمه‌الله) في البحار (١) ثم نقل شطرا من الأخبار الواردة في تقدير الحرم وفي بعضها فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر وفي بعض آخر خمسة فراسخ من أربعة جوانبه ، ونقل في جلد المزار من البحار (٢) رواية تتضمن انه فرسخ من كل جانب ، ولكن الكل مشترك في ضعف السند. ثم انه (قدس‌سره) قال : والأحوط إيقاع الصلاة في الحائر وإذا أوقعها في غيره فيختار القصر.

أقول : والأقرب عندي هو القول المشهور وحمل الحرم في تلك الروايات على الحائر باعتبار انه أخص أفراد الحرم وأشرفها ، وتؤيده الروايات الدالة على انه عند القبر ، فإن إطلاق العندية على البلد لا يخلو من البعد وأما على الحائر فهو قريب وان كان المتبادر من ذلك هو ما كان تحت القبة الشريفة خاصة إلا أن إدخال الحائر تحت هذا اللفظ في مقام الجمع بين الأخبار غير بعيد ولا مستنكر مثل إدخال البلد ويؤيده

ما ورد في بعض الأخبار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) انه قال «قبر الحسين عليه‌السلام عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة منه معراج الملائكة إلى السماء. الحديث».

وأظهر في ذلك تأييدا ان وجوب القصر ثابت على المسافر بيقين ولا يرتفع إلا بدليل ثابت مثله ، وذلك في المشهد الشريف وهو الحائر المقدس ثابت بما ذكرنا

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ٧٠٣.

(٢) البحار ج ٢٢ ص ١٣٩ و ١٤١ باب الحائر وفضله.

(٣) البحار ج ٢٢ ص ١٣٩ و ١٤١ باب الحائر وفضله.

٤٦٣

من الأدلة لاجتماع صدق الألفاظ الثلاثة عليه ، وأما في غيره من أماكن البلد فلا لان المناط حينئذ إنما هو محض احتمال كون المراد بالحرم هنا مطلق حرمه عليه‌السلام واحتمال حمل الحائر على ما وراء سور المشهد واحتمال التجوز في «عنده» بما يشمل البلد ، وكل هذه الاحتمالات ولا سيما الأخير في غاية البعد والخروج عن الظاهر المتبادر ، فالخروج عن يقين وجوب القصر بهذه الاحتمالات لا يخلو من مجازفة ظاهرة

وأما تحديد الحائر الشريف فقال ابن إدريس انه ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه ، لان ذلك هو الحائر حقيقة لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطئن الذي يحار فيه الماء ، وقد ذكر شيخنا الشهيد ان في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل (لعنه الله) بإطلاقه على قبر الحسين عليه‌السلام ليعفيه فكان لا يبلغه. انتهى.

وقال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار بعد نقل كلام ابن إدريس المذكور : وأقول ذهب بعضهم الى ان الحائر مجموع الصحن المقدس وبعضهم إلى أنه القبة السامية وبعضهم إلى أنه الروضة المقدسة وما أحاط بها من العمارات المقدسة من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها ، والأظهر عندي انه مجموع الصحن القديم لا ما تجدد منه في الدولة الصفوية (شيد الله اركانهم والذي ظهر لي من القرائن وسمعته من مشايخ تلك البلاد الشريفة انه لم يتغير الصحن من جهة القبلة ولا من جهة اليمين ولا من جهة الشمال بل إنما زيد من خلاف جهة القبلة ، وكل ما انخفض من الصحن وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم وما ارتفع منه فهو خارج عنه ، ولعلهم انما تركوه كذلك ليتمايز القديم من الجديد. والتعليل المنقول عن ابن إدريس (قدس‌سره) ينطبق على هذا وفي شموله لحجرات الصحن من الجهات الثلاثة إشكال. انتهى كلام شيخنا المذكور.

أقول : وقد أخبرني من أثق به من علماء تلك البلد وسكنة ذلك المكان منذ مدة من الزمان لما تشرفت بتقبيل تلك الأعتاب وفاوضته في كلام شيخنا المذكور

٤٦٤

ونقله التغيير في الصحن في دبر القبلة فقال ان سبب ذلك ان هذا المسجد الجامع الموجود الآن في ظهر القبة السامية لم يكن قبل وانما أحدث في ما يقرب من مائتي سنة ولما أحدثوه أخروا جدار الصحن من تلك الجهة لتتسع مثل باقي جهاته.

ثم ان ما اختاره شيخنا المتقدم ذكره ـ من تحديد الحائر الشريف وانه عبارة عن الصحن لا خصوص القبة السامية أو هي وما اتصل بها من العمارات ـ يدل عليه بعض اخبار الزيارات كما في رواية صفوان الطويلة (١) ونحوها من الأخبار الدالة على سعة ما بين دخول الحائر ووصول القبر بحيث يزيد على الروضة والعمارات المتصلة بها.

التنبيه الثاني ـ قد تقدم النقل عن المرتضى وابن الجنيد (رضى الله عنهما) انهما ذهبا الى وجوب التمام في هذه المواضع الأربعة وألحقا بها المشاهد المشرفة. هكذا نقله الأصحاب عنهما.

والذي وقفت عليه من كلاميهما ما نقله عنهما في المختلف ، فنقل عن السيد في الجمل انه قال : لا يقصر في مكة ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومشاهد الأئمة القائمين مقامه عليهم‌السلام. ونقل عن ابن الجنيد انه قال : والمسجد الحرام لا يقصر فيه أحد لأن الله جعله سواء (الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (٢).

وهاتان العبارتان قاصرتان عن افادة ما نقل عنهما سيما عبارة ابن الجنيد المختصة بالمسجد الحرام ، اللهمّ إلا أن يكون قد وقفوا لهما على كلام غير هذا ، مع ان المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف نقلا عن السيد القول بالقول المشهور ، ويمكن حمل النهي في كلاميهما هنا على النهى عن تحتمه ردا على مثل الصدوق القائل بتحتم القصر ، فإنهم كثيرا ما يجرون في التعبير على وفق ألفاظ النصوص وان كانوا يفهمون ان المراد بها خلاف ظاهرها كما هو في كلام الشيخ والصدوق شائع وكيف كان فهو على ظاهره مطروح غير معمول عليه. واما تعدية الحكم إلى سائر

__________________

(١) البحار ج ٢٢ ص ١٥٨.

(٢) في قوله تعالى في سورة الحج الآية ٢٥.

٤٦٥

المشاهد المشرفة فقال في الذكرى : انا لم نقف لهما على مأخذ في ذلك والقياس عندنا باطل

الثالث ـ ظاهر أصحابنا (رضوان الله عليهم من غير خلاف يعرف ان التخيير في هذه المواضع مخصوص بالصلاة دون الصوم لخلو الأخبار الواردة في المسألة من التعرض له ، بل اشعار بعض الروايات المتقدمة وهي الرواية السادسة بالعدم ، حيث سئل فيها عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين فأجاب عليه‌السلام عن الصلاة خاصة واضرب عن الصيام والظاهر انه لعدم جريان الحكم فيه. وما ربما يوجد في بعض النسخ بلفظ ضمير التثنية فالظاهر انه غلط من النساخ بل الأظهر ما في أكثر النسخ المعتمدة بضمير الافراد الراجع إلى الصلاة خاصة كما يؤيده قوله عليه‌السلام : «ولو صلاة واحدة».

ومن أظهر ما يدل على ذلك صحيحة أحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر فقال أفريضة؟ فقلت لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة. قال فقال تقول اليوم وغدا؟ فقلت نعم. فقال لا تصم». والتقريب فيها ان المنع عن التطوع مستلزم للمنع عن الواجب بطريق أولى.

وما ربما يتوهم من جواز ذلك ـ استنادا إلى صحيحة معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قلت دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان ولست أريد أن أقيم عشرا؟ قال قصر وأفطر. قلت فانى مكثت كذلك أقول غدا أو بعد غد فأفطر الشهر كله واقصر؟ قال نعم هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت». وبهذا المضمون روايات أخر تقتضي جواز الصيام مع الإتمام ـ فقد أجاب عنه شيخنا المجلسي في البحار بأنه يمكن أن يكون المراد به القصر على الحتم كما هو الغالب. انتهى. وهو جيد لما عرفت في غير مقام من ما تقدم ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من صلاة المسافر.

٤٦٦

الأحكام المودعة في الأخبار انما تبنى على الافراد المتكررة المتكثرة فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق وتتبادر الى الفهم.

ويحتمل ايضا تخصيص الخبر المذكور بغير ما نحن فيه كما وقع تخصيصه في مواضع أخر أيضا : منها ـ ما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الصيام في من سافر بعد الظهر بدون تبيت النية على الخلاف الآتي ان شاء الله تعالى ، وحينئذ فلا بد من حمله على ان ذلك من حيث اقتضاء السفر فلا ينافيه ما لو حصل أحيانا التخلف لعارض ومن جهة أخرى كما نحن فيه ، إذ خروج القصر عن كونه عزيمة في هذه المواطن إنما هو من جهة خصوصية فيها اقتضت ذلك بالأدلة القاطعة. هذا مع ان ما نحن فيه دائر بين كونه الصيام أفضل من الإفطار وبين كونه حراما بخلاف الإفطار فإنه دائر بين كونه واجبا حتميا أو تخييريا ، ومقتضى القواعد العقلية والنقلية في ما إذا دار الفعل بين الاستحباب والتحريم هو ترك ذلك الفعل ، وأما الإفطار هنا فهو موجب للخروج عن العهدة على كل من التقديرين. والله العالم.

الرابع ـ قد صرح جملة من الأصحاب ـ منهم الشهيد في الذكرى والمحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد والفاضل الخراساني في الذخيرة وشيخنا المجلسي في البحار والمحدث الكاشاني في المفاتيح ـ بجواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الأماكن سواء اختار القصر أو الإتمام للتحريض والترغيب في كثرة الصلاة فيها كما تقدم في الرواية الخامسة والرواية الثانية عشرة.

ومن ما يدل على ذلك مع اختيار القصر جملة من الأخبار رواها ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات : منها ـ ما رواه بسنده عن على بن أبي حمزة (١) قال : «سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن زيارة قبر الحسين عليه‌السلام فقال ما أحب لك تركه. فقلت وما ترى في الصلاة عنده وأنا مقصر؟ قال صل في المسجد الحرام ما شئت تطوعا وفي مسجد الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما شئت تطوعا وعند قبر الحسين عليه‌السلام فإني أحب ذلك. قال

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة المسافر.

٤٦٧

وسألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين عليه‌السلام ومشاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والحرمين تطوعا ونحن نقصر؟ فقال نعم ما قدرت عليه».

وما رواه في الكتاب المذكور بسنده عن ابن ابى عمير عن ابى الحسن عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن التطوع عند قبر الحسين عليه‌السلام وبمكة والمدينة وأنا مقصر؟ قال تطوع عنده وأنت مقصر ما شئت وفي المسجد الحرام وفي مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي مشاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه خير».

وما رواه عن إسحاق بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام أتنفل في الحرمين وعند قبر الحسين عليه‌السلام وانا أقصر؟ قال نعم ما قدرت عليه».

وجه الدلالة انه إذا جاز التنفل مع القصر فمع الإتمام أولى. أقول : لقائل أن يقول انه لا ريب في صراحة الأخبار الدالة على سقوط النافلة الراتبة النهارية في السفر وهو حكم اتفاقي نصا وفتوى ، وهذه الأخبار غاية ما تدل عليه الحث على التطوع وكثرة الصلاة ، وهو وان كان أعم من الراتبة وغيرها لكن عارضها في الراتبة ما عرفت فيجب قصرها على غير الراتبة.

وبالجملة فإن الأحوط ترك الراتبة النهارية مع اختيار القصر لعدم صراحة هذه الأخبار مع غض الطرف عن النظر في أسانيدها في جوازها على التعيين وعدم تبادرها من حاق ألفاظها على اليقين. ودخولها في مطلق التطوع معارض بما دل على سقوطها على الخصوص والتعيين مع قصر فرائضها ووجوب تقديم الخاص في العمل.

نعم مع اختيار الإتمام الظاهر انه لا إشكال في جواز الإتيان بها ، ويشير الى ذلك رواية أبي يحيى الحناط (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال يا بنى لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة المسافر.

(٣) الوسائل الباب ٢١ من أعداد الفرائض ونوافلها.

٤٦٨

وربما أيد الحمل هنا على غير الراتبة عد مشاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من تلك المواضع في استحباب كثرة التطوع في حال السفر مع الصلاة قصرا مع انها ليست داخلة في شي‌ء من المواضع الأربعة.

وبالجملة فدليل سقوطها مع التقصير صحيح صريح متفق عليه فلا يخرج عن مقتضاه إلا بدليل مثله ، سيما انا لم نعثر على مصرح بهذا الحكم من المتقدمين.

إلا انه يمكن أن يقال ايضا ان سقوط الراتبة المذكورة انما ثبت مع تعين التقصير وتحتمه وحينئذ فمع عدمه تبقى أدلتها الدالة على استحبابها مطلقا وتوظيفها سالمة من المعارض ، وحينئذ فيمكن القول بجوازها اعتمادا على تلك الأدلة دون هذه ، والاحتياط لا يخفى. والله العالم.

الخامس ـ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر وغيره بأنه لا يعتبر في الصلاة الواقعة في هذه الأماكن التعرض لنية القصر والإتمام ، واستحسنه جماعة ممن تأخر عنه : منهم ـ السيد السند في المدارك وشيخنا المجلسي في البحار وغيرهما في غيرهما ، والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد في الدروس والبيان وجوب التعرض لذلك في النية ، لكن صرح في البيان بأنه لا يخرج بذلك عن التخيير والمشهور خلافه.

والظاهر ان مرادهم بالتعرض لنية القصر والإتمام أخذ ذلك في قيود النية المشهور تصويرها في كتبهم بقول المصلى مثلا «أصلي فرض كذا. الى آخره» التي هي عبارة عن الكلام النفسي والتصوير الفكري ، وإلا فلا ريب انه لا بد من اعتبار ذلك بل لا يمكن بدونه لضرورة عدم انفكاك أفعال العقلاء عند توجه النفس إلى شي‌ء منها عن القيود المميزة ، ولهذا قيل لو كلفنا الله العمل بغير نية لكان تكليفا بما لا يطاق ، وهذه هي النية الحقيقية كما تقدم تحقيقه في غير مقام من مباحث النية.

والظاهر ان مرادهم ايضا بعدم تعيين أحدهما بالنسبة إليه انه لو نوى الإتمام

٤٦٩

مثلا جاز له الرجوع الى القصر ما لم يتجاوز محل العدول ولا يتعين عليه المضي على الإتمام ، وكذا لو نوى القصر جاز له العدول الى التمام ما لم يسلم على الركعتين مستصحبا للنية الأولى ، وإلا فلو كان المراد الإتيان بأيهما كيف اتفق كما يفهم من ظاهر العبارة لأشكل ذلك في ما لو دخل بنية الإتمام ثم سلم على الركعتين ساهيا أو دخل بنية القصر ثم صلى الركعتين الأخيرتين ساهيا ، فان الحكم بالصحة بناء على انه مخير في الإتيان بهما وقد أتى بأحدهما مشكل ، لأن الظاهر ان المكلف وان كان مخيرا بين الفردين إلا انه باختياره أحدهما وقصده الامتثال به من غير عدول عنه في محل العدول يتعين في حقه وتترتب عليه أحكامه من الابطال بزيادة ما تكون زيادته مبطلة ونقصان ما نقصانه مبطل ، وإلا لزم الحكم بالصحة بناء على استحباب التسليم في ما لو صلى بنية التمام ثلاث ركعات ثم سلم على الثالثة ساهيا ، فإنه قد أوجد الصلاة المقصورة في ضمن هذه الثلاث ركعات وان كانت غير مقصودة فتكون مجزئة ، بل ولو سلم عامدا أو أحدث والحال هذه بعد إتمام الركعتين الأخيرتين أو فعل ما يبطلهما بعد ذلك فإنه تكون صلاته صحيحة باعتبار اشتمالها على الصلاة المقصورة في الجملة ، والحكم بالصحة في أمثال ذلك خارج عن مقتضى القواعد والأصول المقررة.

وبذلك يظهر لك ما في كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد حيث قال : الظاهر انه لو نوى القصر ثم تممها نسيانا أو عمدا مع النقل تصح الصلاة وبالعكس. انتهى.

والظاهر ان مراده بالعكس ما لو نوى التمام ثم سلم على الركعتين الأولتين ساهيا أو أحدث بعد التشهد أو فعل غيره من المبطلات فإنه تكون صلاته صحيحة. ومرجع كلامه الى اجزاء الإتيان بأحد الفردين واقعا وان لم يكن مقصودا ولا مرادا له حال دخوله في الصلاة الى الفراغ منها ، وبطلانه أظهر من ان يذكر فان العبادات تابعة للقصود والنيات ولكل من إفرادها أحكام خاصة مبنية على ذلك كما لا يخفى

٤٧٠

على من تأمل القواعد المستفادة من الأخبار وكلام الأصحاب في هذا الباب. والله العالم

السادس ـ قد أورد بعض الأصحاب إشكالا في هذا المقام وما شاكله من كل موضع حكم فيه بالتخيير بين واجبين مع أرجحية أحدهما ، كالحكم بالتخيير بين التسبيح والفاتحة في الأخيرتين مع الحكم بأفضلية التسبيح ، والتخيير بين الظهر والجمعة مع أفضلية الجمعة ، والحكم بالتخيير في الاستنجاء بين الماء والأحجار مع عدم التعدي وأفضلية الماء ونحو ذلك ، وقد تقدم الكلام في بيان الاشكال المذكور والجواب عنه والبحث في ذلك في الفصل الثامن في حكم الأخيرتين من الباب الثاني (١) وفي بحث النية في الوضوء من كتاب الطهارة وغيرهما فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.

السابع ـ قد صرح جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ المحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني وشيخنا المجلسي بأن الظاهر بقاء التخيير في فوائت هذه الأمكنة فيتخير في قضائها بين الإتمام والقصر وان وقع القضاء في خارجها لعموم «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» (٢). ثم احتملوا تعين القصر احتمالا وجعله بعضهم أحوط اما لو أراد ان يقضى فيها ما فات في خارجها فظاهرهم عدم التخيير للخبر المذكور.

الثامن ـ قال في المنتهى : من عليه صلاة فائتة هل يستحب له الإتمام في هذه المواطن؟ الأقرب نعم عملا بالعموم ، وكان والدى (قدس‌سره) يمنع من ذلك لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «لا صلاة لمن عليه صلاة». ولان من عليه فريضة لا يجوز له فعل النافلة. انتهى.

وقد نقل هذا القول عن والد العلامة جماعة وردوه بالضعف ، وهو كذلك بناء على ما هو المشهور بين المتأخرين من جواز المواسعة في القضاء ، وأما على

__________________

(١) ج ٨ ص ٤٢٨.

(٢) تقدم في التعليقة ٢ ص ٢٢ والتعليقة ١ ص ٢٦ ما يتعلق بالمقام.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٤٦ من مواقيت الصلاة.

٤٧١

كلام جمهور المتقدمين من القول بالمضايقة كما تقدم تحقيقه في محله فإنه لا يشرع له الإتيان بالحاضرة مطلقا إلا في آخر وقتها في أي مكان كان.

وكيف كان فهذا القول لا يظهر له وجه على كل من القولين ، فان ظاهره جواز الصلاة قصرا وانما منع من الركعتين الأخيرتين حيث انهما نافلة ومستحبة وهي غير مشروعة لمن عليه فريضة واجبة. وفيه ان عموم الأخبار الدالة على التخيير دال على الصحة في ما نحن فيه ، مع انا نمنع ما ذكره من الاستحباب بل هاتان الركعتان باختيار الإتمام يكون من قبيل الواجب. وبالجملة فالظاهر ان كلامه لا وجه له يعتمد عليه.

التاسع ـ لو ضاق الوقت إلا عن أربع ركعات فقيل بوجوب القصر لتقع الصلاتان في الوقت ، واستظهره السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وقيل يجوز الإتيان بالعصر تماما في الوقت لاختصاصها بمقدار الأربع ركعات من آخر الوقت وقضاء الظهر. والظاهر ضعفه فان اختصاص هذا المقدار بها إنما يتم لو كانت يتعين الإتيان بها أربعا وليس كذلك. وقيل يجوز الإتمام في العصر لعموم «من أدرك» (١) يعنى انه يصلى الظهر قصرا أولا ثم يصلى العصر تماما وان وقع بعضها خارج الوقت لعموم الخبر المذكور. وضعفه في المدارك بأنه وان تحقق بذلك إدراك الصلاة إلا انه لا يجوز تعمده اختيارا لاقتضائه تأخير الصلاة عن وقتها المعين لها شرعا. انتهى. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو دخل عليه الوقت في الحضر ثم سافر قبل الصلاة حتى تجاوز محل الترخص ، فقيل بوجوب الإتمام عليه مطلقا اعتبارا بحال الوجوب ، ونقل ذلك عن جمع من الأصحاب : منهم ـ ابن ابى عقيل والصدوق في المقنع واختاره العلامة في جملة من كتبه وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، ونقل في الروض ان القول بالإتمام في هذه المسألة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من مواقيت الصلاة.

٤٧٢

والمسألة الآتية هو المشهور بين المتأخرين ، ثم نقل بقية الأقوال التي في المسألتين معا وقال بعد ذلك : والمسألة من أشكل الأبواب. وظاهره التوقف في الحكم هنا. وقيل بوجوب التقصير اعتبارا بحال الأداء ونقل عن الشيخ المفيد وابن إدريس والسيد المرتضى في المصباح والشيخ على بن الحسين بن بابويه وجمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق وهو اختيار جمع من أفاضل متأخري المتأخرين ، وقيل بالتفصيل بين سعة الوقت وعدمها فان وسع التمام وجب وإلا صلى قصرا ، ونسب هذا القول الى الشيخ في النهاية وموضع من المبسوط وهو اختيار الصدوق في الفقيه ، وقيل بالتخيير ونقل عن الشيخ في الخلاف. هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.

والأصل في اختلاف هذه الأقوال اختلاف أخبار المسألة واختلاف الأفهام في المقام ، وها أنا أسوق لك ما وصل الى من روايات المسألة مذيلا لكل منها بما يتعلق به من البحث والكلام لينجلى بذلك عنها غشاوة الإبهام فأقول :

الأول ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق قال يصلى ركعتين ، وان خرج الى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا».

أقول : وهذا الخبر أقوى ما استدل به العلامة في المختلف على القول الأول إلا انه قابل للتأويل كما ذكره جملة من المتأخرين من إمكان حمل قوله : «الرجل يدخل من سفره» على معنى انه يريد الدخول وحينئذ فصلاة الركعتين انما هي في السفر ، وقوله : «وان خرج الى سفره» اى أراد الخروج الى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا يعني في الحضر. وهو قريب لان مثل هذا التجوز شائع في الآيات والأخبار ومنه قوله عزوجل «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» (٢) وقوله : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ..(٣) ونحو ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة المسافر.

(٢) سورة المائدة الآية ٨.

(٣) سورة النحل الآية ٩٩.

٤٧٣

الثاني ـ رواية بشير النبال (١) قال : «خرجت مع ابى عبد الله عليه‌السلام حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا نبال قلت لبيك قال انه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر ان يصلى أربعا غيري وغيرك ، وذلك انه قد دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج».

أقول : وهذه الرواية ظاهرة الدلالة على القول الأول ، وردها المتأخرون بضعف السند وعدم قوة معارضتها لما يأتي من الأخبار الدالة على التقصير في الصورة المذكورة. وما ذكره في الوسائل من حملها على انهما صليا في المدينة بعيد جدا كما لا يخفى.

الثالث ـ صحيحة إسماعيل بن جابر (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام يدخل على وقت الصلاة وانا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي؟ قال صل وأتم الصلاة قلت فدخل على وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج؟ فقال فصل وقصر ، فان لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

أقول : وهذه الرواية صحيحة ظاهرة الدلالة على القول الثاني وهو وجوب التقصير والاعتبار بحال الأداء في الموضعين مؤكدا ذلك بالقسم على ان خلاف ذلك بأي نوع كان خلاف ما أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن ثم قال في المعتبر : وهذه الرواية أشهر وأظهر في العمل.

الرابع ـ صحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام. الى أن قال قلت الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس؟ فقال إذا خرجت فصل ركعتين». والتقريب فيها كما في سابقتها.

وأيد هذا القول زيادة على دلالة هاتين الصحيحتين انه في هذا الوقت مسافر فيتناوله ما دل بعمومه أو إطلاقه على وجوب التقصير على المسافر ، ويزيده تأييدا أيضا الأخبار الدالة على وجوب التقصير على المسافر إذا بلغ محل الترخص ، فان

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢١ من صلاة المسافر.

٤٧٤

إطلاقها شامل لما نحن فيه.

إلا ان هنا شيئا قل من تنبيه له وهو ان من قال بوجوب الإتمام في هذه المسألة يشترط مضى وقت الصلاة كاملة الشرائط في الحضر ليحصل استقرارها في الذمة فيجب الإتيان بها عليه تماما. وظاهرهم ان محل الخلاف في المسألة مقصور موقوف على هذه الصورة فلو سافر قبل مضى الوقت المشار اليه لم يكن من محل الخلاف في شي‌ء بل الواجب هو التقصير ، ولهذا ان بعض الأصحاب احتمل في صحيحتي محمد بن إسماعيل ومحمد بن مسلم المذكورتين حمل الأمر بالتقصير على الخروج من البلد بعد دخول الوقت وقبل مضى الوقت المشار اليه وجعل هذا وجه جمع بين اخبار القولين المذكورين ، وبه يشكل استدلال القائلين بالقول الثاني بهاتين الروايتين.

الخامس ـ رواية الوشاء (١) قال : «سمعت الرضا عليه‌السلام يقول إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم فإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر».

أقول : هذا الخبر يحتمل حمله على أن يكون الإتمام فيه بعد الخروج فيكون من أدلة القول الأول ، ويحتمل أن يكون الإتمام في المصر فلا دلالة فيه. وأما تقصير العصر فهو في السفر البتة لكن إن كان مع صلاة الظهر في المصر فيمكن ان يستدل به ايضا للقول الثاني وهو الاعتبار بحال الأداء وان كان مع صلاة الظهر في السفر فيشكل ذلك كما لا يخفى ، ولعل الأمر بتقصير العصر هنا من ما يعين الحمل على الاحتمال الثاني. وكيف كان فالظاهر انه لا يمكن الاستناد الى هذا الخبر في شي‌ء من أقوال المسألة لما عرفت من تشابهه وإجماله.

السادس ـ موثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سئل عن الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفر؟ قال يبدأ بالزوال فيصليها ثم يصلى الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من منزله قبل أن تحضر الأولى. وسئل

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة المسافر.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من أعداد الفرائض ونوافلها.

٤٧٥

فان خرج بعد ما حضرت الأولى؟ قال يصلى الأولى أربع ركعات ثم يصلى بعد النوافل ثماني ركعات لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى ، فإذا حضرت العصر صلى العصر بتقصير وهي ركعتان لانه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر».

أقول : ظاهر هذا الخبر انه مع الخروج بعد مضى وقت النافلة خاصة وهو الذراع يبدأ بالنافلة لدخول وقتها في الحضر ويصلى الظهر بتقصير لعدم دخول وقتها ثمة وانما دخل بعد السفر ، وظاهره ان الوقت الموجب للإتيان بها في السفر تماما انما هو وقت الفضيلة فإذا مضى عليه وقت الفضيلة في الحضر حتى سافر صلى تماما دون وقت النافلة ، والمفهوم من كلام الأصحاب في هذا المقام كما تقدمت الإشارة اليه ان الوقت المذكور انما هو من الزوال ، بمعنى انه لو زالت الشمس ومضى وقت الصلاة بشروطها بحيث استقرت في الذمة ثم سافر فهل يصلى في السفر تماما أو قصرا؟ القولان المتقدمان ، وأما استحباب النافلة في السفر بعد مضى وقتها في الحضر فقد ذكره الأصحاب أيضا لكن الظاهر ان المراد مضى وقت النافلة والفريضة معا.

ثم ان ظاهر قوله : «وسئل فإن خرج بعد ما حضرت الاولى. الى آخره» انه متى خرج بعد مضى وقت النافلة والفريضة معا انه يبدأ بالفريضة أولا فيصليها تماما حيث ان وقتها دخل عليه في الحضر ، والأمر بإتمام الفريضة هنا دال على القول الأول وهو اعتبار حال الوجوب فتكون الرواية المذكورة من أدلته. إلا أن الأمر بتأخير النافلة هنا عن الفريضة لا أعرف له وجها وجيها ولعله من التهافت الذي يقع في روايات عمار.

واحتمل في الذخيرة الجمع بين روايات القصر والإتمام بهذه الموثقة حيث قال : ويمكن الجمع بوجه آخر وهو أن يقال إذا خرج بعد دخول وقت الفضيلة يتم وان كان بعد دخول وقت الإجزاء يقصر وعلى هذا تحمل صحيحة إسماعيل ، فالمراد بالوقت في أحد الخبرين وقت الفضيلة وفي الآخر وقت الإجزاء ، ويشهد لهذا التأويل موثقة

٤٧٦

عمار المذكورة ، لكني لا أعرف أحدا من الأصحاب ذكر هذا التفضيل والمسألة عندي محل اشكال. انتهى.

أقول : بل ظاهر كلامهم كما قدمنا الإشارة اليه انما هو خلافه ، حيث انهم جعلوا محل الخلاف في القولين المذكورين انما هو مضى ما يسع الفريضة بشروطها من الزوال في الحضر فإذا مضى هذا الوقت وسافر ولم يصل فهل يصلى في السفر تماما أو قصرا؟ لان المدار على استقرار الفريضة في الذمة في الحضر وعدمه ، ولا ريب انه بمضي قدر الأربع الركعات بشروطها من الزوال يستقر الفرض في الذمة اتفاقا سواء كان ممن يصلى النافلة أم لا.

وبالجملة فإن الاعتماد على هذه الرواية ـ مع ما عرفت من التهافت فيها كما أوضحناه لا يخلو من الإشكال.

السابع ـ ما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب جميل عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام) (١) انه قال : «في رجل مسافر نسي الظهر والعصر في السفر حتى دخل أهله؟ قال يصلى أربع ركعات. وقال لمن نسي الظهر والعصر وهو مقيم حتى يخرج؟ قال يصلى اربع ركعات في سفره. وقال إذا دخل على الرجل وقت الصلاة وهو مقيم ثم سافر صلى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه وهو مقيم أربع ركعات في سفره».

أقول : وهذا الخبر صحيح السند وظاهره الإتمام في الدخول والخروج إلا انه لا يخلو من نوع إجمال ، وتفصيل ما اشتمل عليه أن يقال انه قد اشتمل على صور ثلاث : (إحداها) ـ قوله «في رجل مسافر. إلخ» وهو محتمل لأنه قد نسي الظهر والعصر حتى خرج وقتهما وانه يصلى في أهله أربع ركعات قضاء وعلى هذا يكون خارجا عن ما نحن فيه ، ويحتمل ولعله الأقرب أنه نسيهما في السفر مع بقاء الوقت الى دخول أهله وانه يصلى أربعا ، وفيه دلالة على ما يأتي في المسألة

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة المسافر.

٤٧٧

الآتية من القول باعتبار الأداء كما دل عليه صدر صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة. (الثانية) ـ قوله «وقال لمن نسي الظهر والعصر. وفيه الاحتمالان المتقدمان ، على تقدير الثاني منهما وهو أن تكون صلاته الأربع في السفر أداء يكون الخبر دالا على القول الأول في هذه المسألة وهو الاعتبار بحال الوجوب (الثالثة) ـ قوله «وقال إذا دخل على الرجل. إلخ» والأقرب أنه تعميم بعد تخصيص أو ان الأول على القضاء كما عرفت وهذا على الأداء ، وعلى أيهما كان ففي هذه الصورة دلالة على القول المذكور وهو الاعتبار بحال الوجوب فيكون الخبر المذكور من أدلته.

الثامن ـ ما نقله شيخنا المجلسي في كتاب البحار (١) من كتاب محمد بن المثنى الحضرمي انه روى فيه عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إذا خرج الرجل مسافرا وقد دخل وقت الصلاة كم يصلى؟ قال أربعا. قال قلت فان دخل وقت الصلاة وهو في السفر؟ قال يصلى ركعتين قبل أن يدخل أهله وان دخل المصر فليصل أربعا».

أقول : وصدر هذا الخبر ايضا يدل على القول الأول بظاهره وان احتمل تأويله بما تقدم في الخبر الأول من حمل الخروج على ارادة الخروج فتكون صلاة الأربع في البلد.

التاسع ـ ما ذكره عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٢) حيث قال : وان خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم تصل حتى خرجت فعليك التقصير ، وان دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر ولم تصل حتى تدخل أهلك فعليك التمام.

وظاهر هذه الرواية يساوق صحيحة إسماعيل بن جابر في الدلالة على الاعتبار بحال الأداء في الموضعين المذكورين ، إلا انها ايضا قابلة للاحتمال الذي قدمناه في الصحيحة المشار إليها بأن دخل وقت الصلاة قبل مضى وقت يسع الإتيان بها بشرائطها

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ٦٩٥.

(٢) ص ١٦.

٤٧٨

هذا ما حضرني من الروايات المتعلقة بكل من القولين وأما باقي أخبار المسألة فتأتي في مطاوي البحث في هذه المسألة وفي المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان هذه الأخبار التي تلوناها انما تصادمت في القول الأول والثاني ، وقد عرفت ما في ترجيح أحد القولين على الآخر من الاشكال لتطرق البحث الى كل من روايات الطرفين والاحتمال ، وبه يشكل الترجيح في هذا المجال فالاحتياط فيها لازم عندي على كل حال.

وأما القول الثالث فالظاهر ان مستنده الجمع بين الأخبار كما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار ، حيث جمع بينها بحمل ما دل على التمام على سعة الوقت والقصر على ضيقه.

واستدل على هذا الجمع بما رواه عن إسحاق بن عمار في الموثق (١) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال ان كان لا يخاف فوت الوقت فليتم وان كان يخاف خروج الوقت فليقصر».

وفيه أولا ـ ان الجمع بين الأخبار لا ينحصر في ما ذكره لجوازه بوجوه أخر كما تقدم نقل بعضها.

وثانيا ـ ما ذكره السيد السند في المدارك حيث قال ـ بعد نقل ما قدمناه عن الشيخ من الجمع المذكور واستدلاله عليه بالخبر المشار اليه ـ ما لفظه : وهذه الرواية مع ضعف سندها انما تدل على التفصيل في صورة القدوم من السفر في أثناء الوقت لا في صورة الخروج الى السفر.

وثالثا ـ ما سيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة الآتية في معنى الموثقة المذكورة وانها ليست على ما فهمه منها وان لم يهتد اليه (قدس‌سره) في هذا المقام.

وأما القول الرابع فالظاهر ايضا ان مستنده هو الجمع بين الاخبار ، ويرد عليه ما تقدم من عدم انحصار الجمع في الوجه المذكور.

وما استند اليه في هذا الجمع من صحيحة منصور بن حازم (٢) قال : «سمعت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢١ من صلاة المسافر.

٤٧٩

أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وان شاء أتم والإتمام أحب الى».

وفيه أولا ـ ان مورد الرواية انما هو الدخول من السفر فليست من محل البحث في شي‌ء.

وثانيا ـ احتمال أن يكون المراد منها انه ان شاء صلى في السفر قصرا وان شاء صبر حتى يدخل أهله ويصلى تماما وهو الأفضل ، وحينئذ ففيها دلالة على ترجيح التأخير إلى دخول المنزل والصلاة تماما.

وثالثا ـ ما ذكره بعض مشايخنا من احتمال الحمل على التقية. لأنه مذهب بعض العامة (١).

ورابعا ـ عدم قبول بعض الاخبار لهذا الحمل مثل صحيحة إسماعيل بن جابر المشتملة على الحلف بأنه ان لم يفعل ما تضمنته فقد خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله عليه‌السلام في رواية النبال «لم يجب» المشعر بوجوب ذلك عليهما ، والمتبادر من الوجوب هو الحتمي كما لا يخفى.

وبذلك يظهر لك بقاء المسألة في قالب الاشكال الموجب للاحتياط على كل حال. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى دخل بلده أو بيته ، فالمشهور بين المتأخرين انه

__________________

(١) لم تجد الفرع في ما وقفنا عليه من كتبهم والذي حرر في كتبهم السفر بعد دخول الوقت فقال في المغني ج ٢ ص ٢٨٣ : إذا سافر بعد دخول وقت الصلاة فيه روايتان : له قصرها وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لانه سافر قبل خروج وقتها فأشبه ما لو سافر قبل وجوبها ، والرواية الثانية ليس له قصرها لأنها وجبت عليه في الحضر فلزمه إتمامها. ويمكن استفادة التخيير في صورة الرجوع الى أهله قبل خروج الوقت من الرواية الأولى عنه بل من الثانية أيضا بناء على ما هو المشهور عنه من التخيير المسافر بين القصر والإتمام مطلقا كما في المغني ج ٢ ص ٢٦٧.

٤٨٠