الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

هذا بالنسبة إلى الصلوات المستحبة وأكثر الأخبار المتقدمة إنما خرجت هذا المخرج ، وأما الواجبة فإنه يجوز ايضا أن يصليها نيابة عنه وان لم يكن ولده ولا وليه ، إلا أن الفاضل الخراساني في الذخيرة قال ان الفتوى بذلك لم يكن مشهورا في كتب القدماء وانما اشتهر بين أصحابنا المتأخرين ، والمشهور في كتب السابقين قضاء الولي عن الميت حسب. انتهى. وهو جيد.

بقي الإشكال هنا في انه هل ينحسب جواز القضاء في الواجبة الى ما لو لم تكن ذمة الميت مشغولة بالعبادة كالصلاة اليومية بأن يصليها عنه وان علم فراغ ذمته منها أم لا؟ ظاهر الجماعة ذلك ، وعليه جرى من عاصرناه من مشايخنا في بلادنا البحرين حتى ان الرجل منهم يوصى بعقار يصرف حاصله في العبادة والصلاة اليومية عنه الى يوم القيامة ، وشاهدنا جملة من العلماء يعملون بتلك العبادات من غير توقف ولا تناكر ، والظاهر ان عمدة ما استدلوا به على ذلك حكاية صفوان بن يحيى المتقدمة.

ولم اطلع على من توقف في هذا الحكم وناقش فيه إلا الفاضل المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة فإنه قال ـ بعد ذكره هذا الفرع المذكور وتقديم جملة الأخبار التي قدمناها ـ ما صورته : وفيه اشكال نظرا الى ان شرعية العبادات تحتاج الى توقيف الشرع وليس ههنا أمر دال على ذلك بحيث ينسد به باب التوقف والإشكال ، فإن الأخبار المذكورة غير واضحة الدلالة على العموم ، ولو سلم لا يبعد أن يكون المراد بالصلاة فيها الصلاة المشروعة بالنسبة إلى المكلف بناء على أن لفظة الصلاة موضوعة للصحيحة الشرعية لا طبيعة الأركان مطلقا ، وإذا كان الأمر كذلك كان محصل النص أن كل صلاة يصح شرعا أن يفعله المكلف فله أن يجعله للميت فلا يستفاد منه الجواز. وأما قضية صفوان فقد ذكرها النجاشي بلفظ «روى» والشيخ أطلق ذكرها ولم يذكر لها سندا وطريقا ، والمسامحة في نقل أمثال هذه الحكايات التي لم يكن الغرض الأصلي من إيرادها تأسيس حكم شرعي شائع غالب ،

٤١

فبهذا الاعتبار يحصل نوع شك في صحة الاستناد الى الأمر المذكور فيحصل الشك في المسألة حتى يفتح الله ويسهل طريق معرفتها. انتهى. وهو جيد ، والى ذلك ايضا يميل كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار.

والظاهر عندي هو العدم وان كان ظاهر كلاميهما (طاب ثراهما) انما هو التوقف والاستشكال لعدم وقوفهم على دليل صريح في ثبوت هذا الحكم وعدمه في هذا المجال ، مع انه قد روى الشيخ في الموثق عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني اشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال فكيف تقضى شيئا لم يجعله الله عليها».

(فان قيل) ان مورد الرواية مخصوص بالصوم فلا يتعدى الى غيره إلا بدليل (قلنا) موضع الاستدلال في الخبر انما هو قوله عليه‌السلام في الجواب بعد نهيه عن القضاء في الصورة المذكورة المؤذن بالتحريم وتعليله التحريم بان الله لم يجعله عليها المؤذن بأن القضاء كائنا ما كان انما يكون لما ثبت في الذمة واشتغلت به وكان مخاطبا به من قبله سبحانه ، ثم تأكيد ذلك بعد مراجعة السائل بالاستفهام الإنكاري بقوله (عليه‌السلام) «فكيف تقضى شيئا لم يجعله الله عليها».

وبالجملة فإن هذا الخبر كما ترى ظاهر الدلالة واضح المقالة في ان القضاء عن الغير لا يشرع إلا مع استقرار الأداء في ذمته ، مضافا الى ما عرفت في كلام الفاضل المتقدم من أن العبادات مبنية على التوقيف ثبوتا وعدما والثابت هنا بموجب هذا الخبر انما هو العدم. ولم أقف على من تنبه للاستدلال بالخبر المذكور في هذا المقام مع انه كما ترى واضح الدلالة في ما ادعيناه ، ولا معارض له في البين إلا حكاية صفوان المذكورة ، ومن الظاهر قصورها عن المعارضة من جهات عديدة. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٤٢

المسألة الثانية ـ قد تقدم ان الأشهر الأظهر وجوب الترتيب على القاضي عن نفسه مع العلم بالترتيب ، أما لو كان القضاء عن الغير فهل يجب ذلك بمعنى انه لا يصح أن يقضى عن الميت اثنان أو ثلاثة مثلا دفعة واحدة بل لا بد أن يكون أحدهم بعد الآخر أو أن يكون القاضي عنه متحدا؟ ظاهر الأصحاب الأول كما في قضاء الإنسان عن نفسه.

وقد وقفت في هذا المقام على كلام جيد للسيد الفاضل المحقق السيد نعمة الله الجزائري (نور الله تعالى تربته) يتضمن القول بعدم الوجوب في شرحه على التهذيب ، حيث قال بعد ذكر المسألة : الذي أفتى به أكثر مشايخنا المعاصرين هو وجوب الترتيب ، ولهذا أمروا بتوزيع الأوقات وتقسيمها بين المستأجرين حتى لا يصلى اثنان عن الميت في وقت واحد ، والذي لا يزال يختلج بخاطري من البحث عن حقيقة الأخبار هو القول الثاني ، وذلك ان اخبار هذا الباب من قوله عليه‌السلام (١) : «من فاتته فريضة». ومن هذا الخبر الذي نحن بصدد الكلام فيه هو قضاء المكلف ما في ذمته ، وذلك انه يجب عليه تفريغ الذمة من ما تعلق بها أو لا فأولا شيئا بعد شي‌ء لعدم إمكان المبادرة إلى تفريغها من تلك الواجبات كلها دفعة واحدة وإذا لم يمكن هذا وجب ذلك ، بخلاف الميت فإنه إذا مات لم تبق له ذمة كذمة الحي ولهذا بطلت الأحكام المنوطة بها كأجل الدين وأكثر الإجارات وأحكام الفلس ونحوها ، وحينئذ فقد بقي مشغولا بما فاته من الواجبات ، والمبادرة إلى رفعها ورفع عذابها عنه مهما أمكن هو الأولى ، لأنه كما ورد في الأخبار يضيق عليه من جهتها فإذا قضيت عنه أسرعت اليه ملائكة الرحمة ووسعوا عليه من جهة قضاء العبادة عنه ، فإذا أمكن رفعها عنه دفعة واحدة أو ما هو قريب منها كان هو الأحسن. الى ان قال : على ان الأخبار التي استدلوا بها على القضاء عن الميت عامة شاملة لموضع النزاع. وبالجملة فالقول بعدم الترتيب هنا لعله الأولى ، وقد استدل لهذا القول من بعض

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٢٢.

٤٣

المعاصرين إلا انه لم يذكر هذا الكلام بل جعل عدم الدليل دليلا على العدم. انتهى كلام السيد المزبور وهو جيد وجيه.

ويكفينا في القول بذلك ما نقله عن بعض معاصريه من عدم وجود الدليل في الصورة المذكورة على وجوب الترتيب ، إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا مؤاخذة إلا بعد اقامة البرهان ، فان ما ورد من الأخبار الدالة على وجوب الترتيب (١) مورده قضاء الإنسان عن نفسه كما عرفت ، وما ذكره (قدس‌سره) علاوة ظاهر الوجاهة ، وعلى هذا جرى من عاصرناه من مشايخنا في بلاد البحرين. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في جواز الاستئجار للصلاة والصوم عن الميت ، إلا ان بعض متأخري المتأخرين ممن سيأتي نقل كلامه ناقش في ذلك ، والظاهر ضعفه كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

قال السيد الزاهد العابد المجاهد رضى الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى : وقد حكى ابن حمزة في كتابه في قضاء الصلاة عن الشيخ ابى جعفر محمد بن الحسين الشوهاني انه كان يجوز الاستئجار عن الميت ، واستدل ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع على انها تجري مجرى الصوم والحج. وقد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام حيث قال : والعليل إذا وجبت عليه الصلاة وأخرها عن وقتها الى ان فاتت قضاها عنه وليه كما يقضى حجة الإسلام والصيام. قال وكذلك روى أبو يحيى عن إبراهيم بن هشام عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) فقد سويا بين الصلاة وبين الحج ، ولا ريب في جواز

__________________

(١) ص ٢٢ و ٢٣.

(٢) لم نقف على رواية بهذا السند في مورد الكلام ، وفي الذكرى في نسخة «أبو يحيى بن إبراهيم ابن سالم» ويجوز ان يكون تصحيف في العبارة. نعم ورد في رواية صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (ع) المذكورة في الوسائل في الباب ٢٨ من الاحتضار ما يتعلق بالمورد.

٤٤

الاستئجار على الحج.

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل هذا الكلام : الاستئجار على فعل الصلاة الواجبة بعد الوفاة مبنى على مقدمتين (إحداهما) جواز الصلاة عن الميت وهذه اجماعية والأخبار الصحيحة ناطقة بها كما تلوناه. و (الثانية) ان كلما جازت الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه ، وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر ، ولا يخالف فيها أحد من الإمامية بل ولا من غيرهم ، لان المخالف من العامة إنما منع لزعمه انه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه (١) أما من يقول بإمكان وقوعها له وهم جميع الإمامية فلا يمكنه القول بمنع الاستئجار إلا ان يخرق الإجماع في إحدى المقدمتين ، على ان هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإمامية الخلف والسلف من عهد المصنف وما قبله الى زماننا هذا ، وقد تقرر أن إجماعهم حجة قطعية (فإن قلت) فهلا اشتهر الاستئجار على ذلك والعمل به عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة (عليهم‌السلام) كما اشتهر الاستئجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة (قلت) ليس كل واقع يجب اشتهاره ولا كل مشهور يجب الجزم بصحته فرب مشهور لا أصل له ورب متأصل لم يشتهر ، إما لعدم الحاجة إليه في بعض الأحيان أو لندور وقوعه ، والأمر في الصلاة كذلك فان

__________________

(١) في بدائع الصنائع ج ٢ ص ٢١٢ ان العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم لا تقبل النيابة عن الحي والميت لقوله (ص) «لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد». والعبادة المالية المحضة كالزكاة والصدقات تجوز فيها النيابة لأن الغاية إخراج المال ، والبدنية المالية كالحج تجوز النيابة فيه عن الحي العاجز أو الميت وقد وجب عليه لقوله (ص) «حق الله أحق أن يقضى» وفي ص ٢٢١ قال : «من وجب عليه الحج ومات ولم يوص به أثم ويسقط عنه في أحكام الدنيا لان العبادات تسقط بالموت مالية أو بدنية» والشافعي في الأم ج ٢ ص ٩٨ نفى الخلاف في جواز النيابة عن الميت في الحج ، ولم يخالف فيه ابن قدامة في المغني ج ٣ ص ٢٣٤ ، وللتفصيل يرجع الى المحاضرات تقرير بحث آية الله الخوئي ص ٣٨٩.

٤٥

سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة والنافلة على حد لا يقع من أحد منهم إخلال بها إلا لعذر يعتد به كمرض موت أو غيره ، وإذا اتفق فوات فريضة بادروا الى فعلها لأن أكثر قدمائهم على المضايقة المحصنة فلم يفتقروا الى هذه المسألة واكتفوا بذكر قضاء الولي لما فات الميت من ذلك على طريق الندور ، ويعرف هذه الدعاوي من طالع كتب الحديث والفقه وسيرة السلف معرفة لا يرتاب فيها ، فخلف من بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير واستولى عليهم فتور الهمم حتى آل الحال إلى انه لا يوجد من يقوم بكمال السنن إلا أو حديهم ولا يبادر بقضاء الفائت إلا أقلهم ، فاحتاجوا الى استدراك ذلك بعد الموت لظنهم عجز الولي عن القيام به ، فوجب رد ذلك الى الأصول المقررة والقواعد الممهدة وفي ما ذكرناه كفاية. انتهى. وهو جيد متين.

واعترضه المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة ـ بعد أن ذكر سابقا ما قدمنا نقله عنه آنفا من أن الفتوى بذلك لم تكن مشهورة في كتب القدماء ـ فقال بعد نقل هذا الكلام : قلت ملخص ما ذكره الشهيد ان الحكم بجواز الاستئجار للميت مبنى على الإجماع على ان كل أمر مباح يمكن أن يقع للمستأجر يجوز الاستئجار فيه ، وقد نبهت مرارا بأن إثبات الإجماع في زمن الغيبة في غاية الإشكال خصوصا في مثل هذه المسألة التي لم تشتهر في سالف الأعصار وقد خلت منها مصنفات القدماء والعظماء. ثم ان قوله (قدس‌سره) «على ان هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع. الى آخره» يدل على انه زعم انعقاد الإجماع عليه في زمان السيد وما قاربه ، ولا يخفى ان دعوى انعقاد الإجماع بالمعنى المعروف بين الشيعة في مثل تلك الأزمان بين التعسف واضح الجزاف. ثم ما ذكره في تعليل عدم اشتهار هذا الحكم بين السلف لا يخلو عن تكلف ، فان ما ذكره من ملازمة الشيعة على مداومة الصلوات وحفظ حدودها والاستباق والمسارعة إلى قضاء فوائتها على تقدير تمامه انما يجرى في العلماء وأهل التقوى منهم لاعوامهم وأدانيهم وعموم السفلة والجهلة منهم ، ويكفى ذلك داعيا للافتقار الى هذه المسألة والفتوى بها واشتهار العمل بها لو كان لها أصل. وبالجملة للنظر

٤٦

في هذه المسألة وجه فتدبر. انتهى.

أقول : لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه فإنه عنده ظاهر البطلان غنى عند التأمل عن البيان :

(أما أولا) فلان قوله «قلت ملخص ما ذكره الشهيد. الى قوله الفقهاء والعظماء» مردود (أولا) بأن هذا الإجماع الذي ادعاه الشهيد وادعى به صحة الاستئجار في كل الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر عنه ، ان كان المناقشة فيه انما هو بالنسبة إلى الصلاة والصوم فهذا مما لا معنى له عند المحصل لانه متى سلم تلك القاعدة الكلية فعليه في استثناء ما ذكره الدليل ، وان كان بالنسبة إلى أصل الكلية فالواجب عليه طلب الدليل في كل فرد فرد من افراد الإجارات وان لا تجوز الإجارة في عمل من الأعمال ولا فعل من الأفعال إلا بنص خاص بذلك الجزئي يدل على جواز الإجارة فيه بخصوصه وإلا فلا ولا أراه يلتزمه ، بل لو انفتح هذا الباب لأدى إلى اطراده في جميع أبواب المعاملات من البيوع والمصالحات والسلم والمساقاة ونحو ذلك ، فيشترط في كل فرد فرد مما يجرى فيه أحد هذه العقود ورود نص فيه وإلا فلا يجوز أن يدخله البيع ونحوه من تلك المعاملات ، إذ العلة واحدة في الجميع والمناقشة تجري في الكل ، مع انه لا يرتاب هو ولا غيره في أن المدار في جميع المعاملات انما هو على ما يدخل به ذلك الفرد الذي يراد اجراء تلك المعاملة عليه في جملة أفرادها الشائعة وينتظم به في جملة جزئياتها الذائعة إلا أن يقوم على المنع دليل من خارج ، وهذه قاعدة كلية في جميع المعاملات ، فان سلمها وقال بها لزمه اجراء ذلك في محل البحث فإنه أحد أفرادها إلا ان يأتي بدليل على إخراجه ، وان منعها ـ ولا أراه يتجشمه ـ فهو محجوج بما ذكرناه وانى له بالمخرج.

و (ثانيا) ـ ان الشهيد (قدس‌سره) لم يستند هنا الى مجرد الإجماع وانما استند أولا إلى عموم ما دل على الإجارة في الأعمال المباحة ثم أردفه باتفاق الإمامية لأنه قال : وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة أي عموم

٤٧

أدلة الاستئجار بمعنى أن دليلها عموم الأدلة الدالة على الاستئجار على الأعمال المباحة ، ثم قال ولا يخالف فيها أحد من الإمامية. الى آخره ، فاستند أولا إلى عموم الأدلة ، وثانيا إلى الإجماع ، وهذا هو الواقع والجاري في جميع المعاملات ، فان هذه القواعد كما انها متفق عليها بين الأصحاب منصوصة في جميع أبواب المعاملات من اجارة وغيرها ، فالمدعى لإخراج فرد من افراد بعض تلك القواعد عليه اقامة الدليل.

ومن الأخبار الدالة على هذه القاعدة بالنسبة إلى الإجارة ما رواه الحسن بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الصادق عليه‌السلام (١) في وجوه المعايش قال : واما تفسير الإجارات فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الإجارات أن يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئا يملكه في ما ينتفع به من وجوه المنافع ، أو العمل بنفسه وولده ومملوكه أو أجيره من غير أن يكون وكيلا للوالي. الى أن قال : وكل من آجر نفسه أو آجر ما يملكه أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقه على ما فسرناه مما تجوز الإجارة فيه فحلال محلل فعله وكسبه. انتهى.

قال بعض المحدثين من أفاضل متأخري المتأخرين بعد نقل هذا الخبر : أقول فيه دلالة على جواز إجارة الإنسان من يلي أمره من قرابته وان يؤجر نفسه للعبادات. الى أن قال : وبالجملة المستفاد منها جواز أن يستأجر لكل عمل وان يؤجر نفسه من كل أحد لكل عمل إلا ما أخرجه الدليل. انتهى.

وأما قوله ـ ثم ان قوله على ان هذا النوع. الى آخره ـ فهو في محله إلا انه لا يضر بما قلناه فان المطلوب يتم بما قدمناه وأحكمناه.

و (اما ثانيا) فلان قوله ـ ثم ما ذكره في تعليل عدم اشتهار هذا الحكم. الى آخره ـ سقيم عليل لا يبرد الغليل وكلام شيخنا (قدس‌سره) هنا حق لا ريب

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الإجارة.

٤٨

فيه وصدق لا شبهة تعتريه ، فان ما ذكره (قدس‌سره) من الاستئجار على الصلاة والوصية بها انما يترتب على ترك العلماء وأهل التقوى العارفين بوجوب قضائها الخائفين من تبعاتها وجزأيها لو كانوا يتركونها فإنهم يوصون بها ، ولكن لما كانوا يحافظون عليها في حال الحياة تمام المحافظة أداء وقضاء واجبا وسنة لم يقع ذلك ولم يشتهر ، فاما اعتراضه بالجهلة والسفلة الذين لا يبالون بالصلاة صحيحة كانت أو باطلة في حياتهم أو بعد موتهم فغير وارد ، لأنهم لما ذكرنا يتركونها ويتهاونون بها ويموتون على ذلك من غير فحص ولا وصية بقضائها لجهلهم وقلة مبالاتهم بالدين فكيف يكون ذلك حينئذ داعيا الى الافتقار الى هذه المسألة والفتوى بها واشتهار العمل بها ، على ان مساق كلام شيخنا المشار اليه انما هو بالنسبة إلى شهرة الاستئجار على الصلاة وانه لم لا اشتهر كاشتهار الاستئجار على الحج لا بالنسبة إلى الفتوى بهذه المسألة ، ويزيدك تأكيدا لما ذكرنا ثمة كلام شيخنا المذكور وقوله «فخلف من بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير. الى آخره» مما يدل على ان اشتهار الوصية بالصلاة والاستئجار عليها في الوقت الأخير انما كان لتهاون العلماء والعارفين بما يعرفون وجوبه عليهم وفتورهم عن القيام بالواجبات فضلا عن السنن الموظفة في ذلك المقام ، فالكلام أولا وآخرا انما ترتب على العلماء والعارفين لا ما توهمه من ضم السفلة والجاهلين.

وبالجملة فكلامه (قدس‌سره) ليس بموجه يعتمد عليه وكلام شيخنا المذكور أولى وأحرى بالرجوع اليه.

ثم ان ممن ناقش في هذه المسألة وان كان من جهة أخرى المحدث الكاشاني (طاب ثراه) في كتاب المفاتيح ، حيث قال ـ في آخر الخاتمة التي في الجنائز من الكتاب المذكور بعد أن ذكر انه يصل الى الميت ثواب الصلاة والصوم والصدقة والحج ـ ما صورته : وأما العبادات الواجبة عليه التي فاتته فما شاب منها المال كالحج يجوز

٤٩

الاستئجار له كما يجوز التبرع به عنه بالنص (١) والإجماع ، واما البدني المحض كالصلاة والصيام ففي النصوص (٢) «يقضيها عنه أولى الناس به». وظاهرها التعيين عليه ، والأظهر جواز التبرع بهما عنه من غيره ايضا ، وهل يجوز الاستئجار لهما؟ المشهور نعم ، وفيه تردد لفقد النص فيه وعدم حجية القياس حتى يقاس على الحج أو على التبرع ، وعدم ثبوت الإجماع بسيطا ولا مركبا إذ لم يثبت ان كان من قال بجواز العبادة للغير قال بجواز الاستئجار لها ، وكيف كان فلا يجب القيام بالعبادات البدنية المحضة له بتبرع ولا استئجار إلا مع الوصية. إلى آخر كلامه.

وقال في كتاب المعايش والمكاسب بعد كلام في المقام : والذي يظهر لي ان ما يعتبر فيه نية التقرب لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا لمنافاته الإخلاص فإن النية كما مضى ما يبعث على الفعل دون ما يخطر بالبال ، نعم يجوز فيه الأخذ ان اعطى على وجه الاسترضاء أو الهدية أو الارتزاق من بيت المال ونحو ذلك من غير تشارط ، وأما ما لا يعتبر فيه ذلك بل يكون الغرض منه صدور الفعل على أى وجه اتفق فيجوز أخذ الأجرة عليه مع عدم الشرط في ما له صورة العبادة. وأما جواز الاستئجار للحج مع كونه من القسم الأول فلأنه انما يجب بعد الاستئجار وفيه تغليب لجهة المالية ، فإنه انما يأخذ المال ليصرفه في الطريق حتى يتمكن من الحج ولا فرق في صرف المال في الطريق بان يصدر من صاحب المال أو نائبه ، ثم ان النائب إذا وصل الى مكة وتمكن من الحج امكنه التقرب به كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع أو نقول ان ذلك ايضا على سبيل الاسترضاء للتبرع. أما الصلاة والصوم فلم يثبت جواز الاستئجار لهما. انتهى.

وفيه نظر من وجوه : الأول ـ ان ما ذكره في الكلام الأول من التردد في جواز الاستئجار لفقد النص مردود (أولا) ـ بما عرفت آنفا من أن فقد النص في خصوص

__________________

(١) الوسائل أبواب النيابة في الحج وبعض أبواب وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات والباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٥٠

الاستئجار للصلاة والصيام لا يصلح للمانعية ، ومن ذا الذي اشترط وجود النص في خصوص كل عمل وفعل يراد الاستئجار عليه حتى يشترط هنا ، والنصوص العامة كافية كما في غير الإجارة من المعاملات.

وثانيا ـ انه قد روى الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه (١) عن عبد الله بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام «في رجل يجعل عليه صياما في نذر فلا يقوى؟ قال يعطى من يصوم عنه كل يوم مدين». وهي صريحة في المطلوب والمراد عارية عن وصمة الإيراد.

وثالثا ـ النقض بالحج ايضا كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

الثاني ـ ما ذكره في كلامه الثاني ـ بقوله : والذي يظهر لي ان ما يعتبر فيه نية التقرب لا يجوز أخذ الأجرة عليه. الى آخره ـ فان فيه (أولا) ـ ما ذكرناه في الوجه الأول من ورود النص في الصوم وكذا في الحج ، وما اعتذر به في الحج فسيأتي بيان بطلانه.

وثانيا ـ انه متى كان العلة في عدم جواز الاستئجار ذلك فإنه لا يجوز وان أوصى الميت بذلك ، لان الاستئجار متى كان باطلا لبطلان العبادة والأجير لا يستحق لذلك اجرة فالوصية غير مشروعة فتكون باطلة ، مع انه قد استثنى الوصية كما عرفت ، هذا خلف.

وثالثا ـ ان لقائل أن يقول ان الفعل المستأجر عليه هو الصلاة المتقرب بها الى الله سبحانه فإنها هي المستقرة في ذمة المستأجر عنه ، فالأجرة في مقابلة المجموع لا الصلاة خاصة ليحصل منافاة الأجرة للقربة ، والفرق لطيف يحتاج الى مزيد تأمل ، وتوضيحه ان النية مشتملة على قيود منها كون الفعل خالصا لله سبحانه ومنها كونه أداء أو قضاء عن نفسه أو غيره تبرعا أو بأجرة ، وكل من هذه القيود الأخيرة غير مناف لقيد الإخلاص ، والأجرة في ما نحن فيه انما وقعت أولا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من النذر والعهد عن الفقيه والكافي.

٥١

وبالذات بإزاء القصد الثاني أعني النيابة عن زيد مثلا ، بمعنى انه استؤجر على النيابة عن زيد في الإتيان بهذه الفريضة للتقرب بها وقيد القربة على حاله وفي محله لا تعلق للأجرة به إلا من حيث كونه قيدا للفعل المستأجر عليه ، نعم لو اشترط في النيابة عن الغير التقرب زيادة على التقرب المشروط في صحة العبادة اتجه منافاة الأجرة لذلك إلا انه ليس بشرط إجماعا ، وبالجملة فإن أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه ولكن الحامل عليها والباعث عليها مع التقرب هو هذا المبلغ الذي قرر له ولذلك نظائر في الشرع توجب رفع الاستبعاد مثل الصلاة لأجل الاستسقاء وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة طلب الولد وطلب الرزق ونحو. ذلك مما كان الباعث عليه أحد هذه الأغراض فإن أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه ومتقرب بها اليه جل شأنه ولكن الحامل عليها هو أحد هذه الأمور المذكورة ونحوها بمعنى انه يأتي بالصلاة الخالصة لوجه الله سبحانه لأجل هذا الغرض الحامل له عليها.

(فان قيل) ان هذا مما قام الدليل على صحته وورود الخبر به (قلنا) ان الخصم انما تمسك بأن الصلاة بالأجرة مناف للقربة والإخلاص بها لله سبحانه حيث ان الحامل عليها انما هو الأجرة دون قصد وجهه سبحانه ، وبمقتضى تعليله المذكور لا يصح شي‌ء من هذه الصلوات بالكلية فإن الباعث عليها أمور أخر كما عرفت ، مع ان الشرع قد ورد بصحتها وليس الوجه في ذلك إلا ما قلناه من أن هذه الأسباب انما هي أسباب حاملة على الإتيان بالصلاة الخالصة له سبحانه ، ومثله يجري في مسألة الإجارة فلا فرق حينئذ.

وبالجملة فإن ورود النص بالصحة في هذه المواضع دليل واضح في بطلان ما توهمه ي أمر الاستئجار على الصلاة ، وحينئذ فكما يصح أن يكون الحامل على العبادة أحد هذه الأمور يجوز ان يكون الحامل أخذ الأجرة والانتفاع بها.

الثالث ـ ما ذكره ـ بقوله : وأما جواز الاستئجار على الحج مع كونه من القسم الأول. الى آخره ـ فان فيه (أولا) ـ انه من الجائز الواقع ان يكون الاستئجار

٥٢

من الميقات أو من مكة وهو مما لا يجرى فيه هذا التخرص الذي ذكره والتمحل الذي اعتبره ، فلا يكون ما ذكره كليا مع ان ظاهر النصوص كلية الحكم وهو كاف للخصم في التعلق به فإنه لا ينكر صحته.

وثانيا ـ انه يمكن أيضا إجراء ما فرضه في الحج في الصلاة بأن يقبض الأجير الأجرة ويتصرف فيها بعد الاستئجار ولا يأتي بالصلاة إلا بعد نفاد الأجرة إذ الإجارة لا تقتضي الفورية كما هو الأظهر الأشهر ، وحينئذ فيمكنه التقرب بها كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع.

وثالثا ـ ان قوله ـ أو نقول ان ذلك على سبيل الاسترضاء للتبرع ـ مناف لفرض المسألة أولا ، فإن المفروض الاستئجار للحج كما صرح به في كلامه فكيف يجعله تبرعا وان المدفوع من الأجرة على سبيل الاسترضاء. والفرق بين الأمرين أوضح واضح.

وبالجملة فإنه لو جاز بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التخريجات البعيدة والتمحلات الغير السديدة لا تسع المجال وانفتح باب القيل والقال ، ولم يبلغ المجتهدون الذين قد أكثر من التشنيع عليهم في رسائله ومصنفاته الى مثل هذه التخريجات الواهية الباردة والتخرصات البعيدة الشاردة. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ لا يخفى على من تتبع كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب ما وقع لهم من الاختلاف في القاضي والمقضي والمقضي عنه.

أما الأول فقد صرح الأكثر بأنه الولد الأكبر ، قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنهم : وكأنهم جعلوه بإزاء حبوته لأنهم قرنوا بينها وبينه والأخبار خالية عن التخصيص كما أطلقه ابن الجنيد وابن زهرة ، ولم نجد في اخبار الحبوة ذكر الصلاة نعم ذكرها المصنفون ولا بأس به اقتصارا على المتيقن وان كان القول بعموم كل ولى ذكر أولى حسبما تضمنته الروايات. انتهى.

أقول : قال ابن الجنيد : والعليل إذا أوجبت عليه صلاة فأخرها عن وقتها

٥٣

الى ان مات قضاها عنه وليه كما يقضى عنه حجة الإسلام والصيام ببدنه ، فان جعل بدل كل ركعتين مدا أجزأه فان لم يقدر فلكل أربع فان لم يقدر فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل ، والصلاة أفضل. وعن المرتضى نحو ذلك. وظاهرهما مع التخيير بين القضاء والتصدق التخصيص بما فات عن العليل في مرض موته.

وقال ابن زهرة : ومن مات وعليه صلاة وجب على وليه قضاؤها ، وان تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه. إلى آخر ما ذكره ابن الجنيد. واحتج بالإجماع وطريق الاحتياط ، وظاهره التخيير بين القضاء والصدقة مع عموم الفائت دون التخصيص بفائت مرض الموت.

والجميع متفقون على الولي بقول مطلق. وقال ابن إدريس بوجوب القضاء على وليه الأكبر من الذكران ما وجب على العليل فأخره عن أوقاته حتى مات ولا يقضى عنه إلا الصلاة الفائتة في حال مرض بموته فحسب ، وتبعه في ذلك سبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة. وهو صريح في التخصيص بالفائت في مرض الموت وان القاضي هو الولي وهو الأكبر من الذكران.

واما الثاني فظاهر الشيخين وابن ابى عقيل وابن البراج وابن حمزة والعلامة في أكثر كتبه انه جميع ما فات الميت وهو ظاهر كلام ابن زهرة المتقدم ، وظاهر ما قدمنا نقله عن ابن الجنيد والمرتضى وابن إدريس ويحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة هو التخصيص بما فات في مرض الموت ، وقال المحقق في كتابيه بقول الشيخين ، وقال في المسائل البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري (قدس‌سره) : الذي ظهر لي ان الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالمرض والسفر والحيض لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه. قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : وقد كان شيخنا عميد الدين (قدس‌سره) ينصر هذا القول ولا بأس به ، فان الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو انما يكون على هذا الوجه أما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر ، نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمة

٥٤

والظاهر انه ملحق بالتعمد للتفريط. انتهى.

وأما الثالث فظاهرهم انه الرجل ، قال في الذكرى : لذكرهم إياه في معرض الحبوة. وظاهر عبارة المحقق الشمول للمرأة.

والتحقيق عندي في هذا المقام أما بالنسبة إلى الأول فهو ولى الميت وهو أولى الناس بميراثه كما صرح به ابن الجنيد ومن معه ممن قدمنا ذكره ، وبذلك صرح الصدوقان ايضا.

وعليه تدل صحيحة حفص بن البختري وهي السابعة من الروايات المتقدمة ومثلها الرواية السادسة والرواية الرابعة والعشرون (١).

ونحوها أيضا مرسلة حماد بن عثمان عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضى عنه؟ قال أولى الناس به قلت فان كان أولى الناس به امرأة؟ قال لا إلا الرجال». وبذلك يظهر لك ما في كلام جمهور الأصحاب من التخصيص بالولد فإنه خال عن المستند.

ويختص القضاء بالرجال دون النساء كما تضمنه خبر حفص (٣) ومرسلة حماد (٤) وبأكبر الرجال لو تعددوا لصحيحة الصفار عن ابى محمد الحسن عليه‌السلام (٥) «انه كتب اليه رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما ان يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه‌السلام يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إنشاء الله». قال في الفقيه : وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته الى الصفار بخطه عليه‌السلام.

واما بالنسبة الى الثاني فهو كل ما فات الميت لعذر كان أم لا لعذر في مرض الموت أو غيره لا طلاق الأخبار المذكورة من الخبر السادس والسابع ، ولا ينافي ذلك الخبر الرابع والعشرون إذ لا دلالة فيه على نفى ما عدا ما ذكر فيه بل غايته أن

__________________

(١) ص ٣٣ و ٣٧.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٥٥

يكون بالنسبة الى ذلك مطلقا وإطلاقه محمول على ما دل عليه الخبران المذكوران من جميع ما فات الميت.

وقال في الذكرى : ورواية عبد الله بن سنان وردت بطريقين وليس فيها نفى لما عداها ، إلا أن يقال قضية الأصل تقتضي عدم القضاء إلا ما وقع الاتفاق عليه ، أو أن المتعمد مؤاخذ بذنبه فلا يناسب مؤاخذة الولي به لقوله تعالى «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» (١) انتهى.

وفيه ان قضية الأصل يجب الخروج عنها بالدليل وهو خبر حفص ومرسلة ابن ابى عمير فإنهما ظاهران في العموم. وأما التعليل بالمؤاخذة بالذنب فعليل سيما في مقابلة النص ، والآية المذكورة لو عمل على ظاهرها لوجب المنع ايضا من تحمل الولي ما فات الميت لعذر وهو لا يقول به.

وأما بالنسبة الى الثالث فإشكال ينشأ من ورود بعض الأخبار بلفظ الرجل وبعض بلفظ الميت ، والظاهر حمل ذكر الرجل على مجرد التمثيل لاشتراكهما في الأحكام غالبا فيرجح القول بالعموم ، ويؤيده ان التخصيص بالرجل في الروايات انما وقع في الأسئلة فلا يقتضي تقييد المطلق الواقع في الروايات الأخر ، ويؤكده ايضا انه الأحوط.

ثم انه على تقدير تفسير الولي بالولد الأكبر كما هو الأشهر ينحصر المقضي عنه في الأب سيما على القول بكون المقضي عنه الرجل وكأنهم جعلوه في مقابلة الحبوة كما تقدم في كلام شيخنا الشهيد ، أو مع الأم بناء على العموم في المقضي عنه ولا يتعدى الى غيرهما. ولكن تفسير الولي بذلك كما عرفت عار عن الدليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل. وسيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الصيام مزيد بحث في هذا المقام محيط بأطراف الكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام.

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ١٦٤.

٥٦

فوائد

الأولى ـ قد تقدم في كلام ابن الجنيد والمرتضى وابن زهرة التخيير بين الصلاة والصدقة ولم نظفر له بمستند ، والذي ورد من الصدقة انما هو بالنسبة إلى النوافل كما تقدم ، قال في المختلف بعد نقل التخيير عن ابن الجنيد والمرتضى : وباقي المشهورين من الأصحاب لم يذكروا الصدقة في الفرائض ، ثم قال : لنا انه واجب عليه فلا تجزئ عنه الصدقة كالميت. ثم ذكر بأنهم احتجوا بأنه واجب عليه على سبيل البدل فأجزأت الصدقة عنه كالصوم. ثم أجاب بأنه لولا النص لما صرنا إليه في الصوم. انتهى. وقال في الذكرى : واما الصدقة عن الصلاة فلم نرها في غير النافلة.

الثانية ـ هل يشترط كمال الولي حال الوفاة؟ قرب الشهيد في الذكرى ذلك ، قال لرفع القلم عن الصبي والمجنون (١) ثم قال : ويمكن إلحاق الأمر به عند البلوغ بناء على انه يحبى وانها تلازم القضاء. أما السفيه وفاسد الرأي فعند الشيخ لا يحبى فيمكن انتفاء القضاء عنه ، ووجوبه أقرب أخذا بالعموم. والشيخ نجم الدين لم يثبت عنده منع السفيه والفاسد الرأي من الحبوة ، فهو أولى بالحكم بوجوب القضاء عليهما. انتهى.

أقول : مبنى هذا الكلام والبحث في هذا المقام على كون الولي الذي يجب قضاؤه عن الميت هو الولد كما هو المشهور ، وقد عرفت ما فيه من القصور وان الولي في هذا الباب الذي يتعلق به الخطاب انما هو الأولى بالميراث ، ومنه يعلم سقوط هذا الكلام والدوران مدار الحبوة وعدمها الذي فرعوا عليه الكلام في السفيه وفاسد الرأي. بقي الكلام على ما اخترناه من معنى الولي لو اتفق عدم بلوغه وقت الوفاة ، وفيه اشكال لعدم النص الواضح في البين وقيام الاحتمال من الجانبين.

الثالثة ـ لو قلنا بعدم قضاء الولي ما تركه الميت عمدا أو كان الميت لا ولى له فإن أوصى الميت بفعلها من ماله وجب إنفاذه ، وان أخل بذلك فظاهر المتأخرين من

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ١ ص ٢.

٥٧

الأصحاب عدم وجوب الإخراج من ماله ، وعلله في الذكرى قال لعدم تعلق الفرض بغير البدن خالفناه مع وصية الميت لانعقاد الإجماع عليه بقي ما عداه على أصله. انتهى

ونقل عن بعض الأصحاب القول بوجوب إخراجها كالحج وصب الأخبار التي لا ولى فيها عليه ، واحتج ايضا بخبر زرارة الطويل الوارد في الزكاة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان أباك قال لي من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال صدق ابى عليه أن يؤدى ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه فيه. ثم قال أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ قلت لا إلا أن يكون أفاق من يومه». قال : وظاهره انه يؤديها بعد موته وهو انما يكون بوليه أو ماله فحيث لا ولى يحمل على المال وهو شامل لحالة الإيصاء وعدمه. انتهى.

وظاهر الشهيد في الذكرى الميل الى ذلك أو التوقف في ما هنالك ، حيث انه نقل فيه القول والاستدلال المذكورين ولم يقدح فيه بشي‌ء ، ويعضده انه قال بعد ذكر المسألة المذكورة : لو أوصى بفعلها من ماله فان قلنا بوجوبه لولا الإيصاء كان من الأصل كسائر الواجبات وان قلنا بعدمه فهو تبرع يخرج من الثلث إلا ان يجيزه الوارث. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ظاهر كلمة الأصحاب عدا من نقل عنه الخلاف هنا هو الاتفاق على ان الصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات البدنية لا يجب إخراجها مع عدم الوصية ومع الوصية فمخرجها الثلث كسائر الوصايا ، بخلاف الواجبات المالية كالزكاة ونحوها ، والحج وان كان مشوبا إلا انه غلب فيه الجهة المالية ، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك ان شاء الله تعالى في كتاب الحج.

وكيف كان فان ما استند اليه ذلك البعض المنقول عنه القول بوجوب إخراج الصلاة والصوم عن الميت وان لم يوص به لا يخلو من المناقشة وان جمد عليه من

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ١٤٨ وفي الوسائل الباب ١٢ من زكاة الذهب والفضة.

٥٨

نقل كلامه في المقام كشيخنا الشهيد في الذكرى والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وذلك اما بالنسبة الى الأخبار الغير المشتملة على ذكر الولي فقد عرفت في ما تقدم ان المتبادر من سياق تلك الأخبار انما هو الصلوات المستحبة لا الواجبة ، ومع تسليم شمول الواجبة فإنا نقول ان غاية تلك الأخبار أن تكون مطلقة بالنسبة إلى القاضي. والقاعدة تقتضي حمل إطلاقها على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من اناطة القضاء بالولي. وكذا الكلام في رواية زرارة المذكورة.

ومن الأخبار الدالة على اناطة القضاء بالولي زيادة على ما تقدم موثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال ليس على وليه ان يقضى عنه. الى ان قال : فان مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه ان يقضى عنه لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (٢) «وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضى عنه. الى ان قال : وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضى عنه ، فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء». وبهذه العبارة ما ذكرناه منها وما لم نذكره عبر في الفقيه.

وبالجملة فإنك إذا ضمت هذه الأخبار بعضها الى بعض وحملت مطلقها على مقيدها ظهر لك انه لا مستند لهذا القول المذكور من الأخبار وان قياس الصلاة والصوم على الحج في التعلق بالمال بعد تعذر البدن قياس مع الفارق ، وذلك فان الحج بدني مشوب بالمال فمن ثم دلت الأخبار بعد تعذر الإتيان به بالبدن على التعلق بالمال ، فوجب إخراجه بعد الموت من ماله بل في حال الحياة مع المرض المانع من المباشرة كما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ، وأما الصوم والصلاة فإنهما

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ص ٢٥.

٥٩

بدنيان محضان لا تعلق لهما بالمال في حال الحياة فمع تعذر الإتيان بهما والموت بعد استقرارهما في الذمة يتعلق الخطاب بالولي ، ومع عدم الولي فلا دليل يدل على تعلقهما بالمال كما ادعاه القائل المذكور بل يسقط حكمهما كما هو ظاهر الأدلة المتقدمة الدالة على انه مع فقد الولي من الرجال فلا يتعلق القضاء بالولي من النساء ، ولو كان القضاء يرجع الى المال في الصورة المذكورة لا شير إليه في بعض تلك الأخبار بان يقال بل يجب القضاء عنه من ماله. وبالجملة فعندي ان ما تكلفه هذا الفاضل المذكور من القول واستدل عليه بما ذكر فهو غير خال من القصور. والله العالم.

الرابعة ـ لو أوصى الميت بقضائها عنه بأجرة من ماله وأسندها الى أحد أوليائه أو الى أجنبي فهل تسقط عن الولي؟ وجهان واستقرب في الذكرى السقوط لوجوب العمل بما رسمه الموصى. وهو غير بعيد ، ويؤيده ان المتبادر من الأخبار الدالة على اناطة ذلك بالولي انما هو مع عدم وصية الميت بذلك على وجه من الوجوه ، وحينئذ فلا منافاة في هذه الصورة لما دلت عليه الأخبار ، ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به السيد ابن طاوس (قدس‌سره) في رسالته التي قدمناه نقل هذه الأخبار المتقدمة منها ، حيث قال ما صورته : لو أوصى الميت بالصلاة عنه وجب العمل بوصيته لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (١) ولانه لو أوصى ليهودي أو نصراني لوجب إنفاذ وصيته فكيف الصلاة المشروعة. ثم أورد بعض الأخبار الدالة على ذلك.

الخامسة ـ قال في الذكرى : لا يشترط خلو ذمة الولي من صلاة واجبة لتغاير السبب فيلزمان معا ، والأقرب الترتيب بينهما عملا بظاهر الأخبار وفحاويها ، نعم لو فاتته صلاة بعد التحمل أمكن القول بوجوب تقديمها لان زمان قضائها مستثنى كزمان أدائها ، ويمكن تقديم المتحمل لسبق سببه. انتهى.

أقول : أما الحكم الأول فجيد ، وأما الثاني وهو وجوب الترتيب بين ما في ذمته وبين ما تحمله عن الميت فلا أعرف له دليلا معتمدا بل ظواهر الأخبار وإطلاقها

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٧٧.

٦٠