الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

مرازم (١) قال : «سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه‌السلام ان على نوافل كثيرة فقال اقضها. فقلت لا أحصيها؟ قال توخ». والتوخي التحري وهو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن ، قاله الجوهري. وروى عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام (٢) «في رجل فاته من النوافل ما لا يدرى ما هو من كثيرته كيف يصنع؟ قال يصلى حتى لا يدرى كم صلى من كثرته فيكون قد قضى بقدر ما عليه». قال في الذكرى : وبهذين الحديثين احتج الشيخ على أن من عليه فرائض لا يعلم كميتها يقضى حتى يغلب على ظنه الوفاء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وفيه نظر لان كون النوافل أدنى مرتبة يوجب سهولة الخطب فيها والاكتفاء بالأمر الأسهل فلا يلزم منه تعدية الحكم الى ما هو أقوى وهو الفرائض كما لا يخفى ، بل الأمر في ذلك بالعكس فان الاكتفاء بالظن في الفرائض الواجبة الموجبة لشغل الذمة يقتضي الاكتفاء به في النوافل التي ليست بهذه المثابة بالأولى. انتهى.

قال في المدارك : ويمكن الجواب عنه بان الشيخ (قدس‌سره) انما استدل بالرواية على وجوب القضاء الى أن يغلب على الظن الوفاء لا على الاكتفاء بالظن فإنه يكفي في عدم اعتبار ما زاد عليه عدم تحقق الفوات. نعم يرد على هذا الاستدلال ان قضاء النوافل على هذا الوجه انما هو على وجه الاستحباب فلا يلزم منه وجوب قضاء الفريضة كذلك. انتهى.

والتحقيق أن يقال انه لما كانت المسألة غير منصوصة فالواجب فيها العمل بالاحتياط كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم ، ووجهه انه لا ريب ان الذمة مشغولة بالفريضة بيقين ولا تبرأ إلا بيقين الأداء من جميع ذلك ، وحيث كانت الفريضة في هذه الصورة المفروضة غير معلومة المقدار لكثرتها فيقين البراءة لا يحصل إلا بالقضاء بما يقابل الكثرة الفائتة ، فإن كان الفائت قد بلغ في الكثرة إلى حد لا يدرى ما قدره فينبغي أن يكون القضاء كذلك ، وورد ذلك في النافلة مع

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٩ من أعداد الفرائض ونوافلها.

٢١

انها مستحبة ، وانما الغرض الحث على الإتيان بالمستحبات على وجه يحصل به يقين القيام بالوظائف الشرعية والسنة المحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف بالفرائض الواجبة الموجبة لشغل الذمة ، فإن تحصيل يقين البراءة فيها أهم وطلب الوجه الموجب للخروج عن المؤاخذة فيها أعظم وأتم. وبالجملة فكلام الشيخ (رضوان الله عليه) لا يخلو من قوة وأبواب المناقشات واسعة المجال لا يسلم من تطرقها مقال.

ونقل عن العلامة (قدس‌سره) في التذكرة الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة ، قال في المدارك : وهو متجه لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات ، ولان الظاهر من حال المسلم انه لا يترك الصلاة ، ويؤيده حسنة زرارة والفضيل عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة انك لم تصلها صليتها ، وان شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك حتى تستيقن ، وان استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت». انتهى. وهو جيد من حيث الاعتبار إلا ان التحقيق ما قدمنا ذكره

المسألة الخامسة ـ لا خلاف بين علماء الفريقين في ترتب الحواضر بعضها على بعض ، وأما الفوائت فالمشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) وجوب الترتيب بينهما إذا علمه بل نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى الإجماع عليه ، وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض الأصحاب ممن صنف في المضايقة والمواسعة القول بالاستحباب

استدلال الأولون بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته». والتقريب فيه انه يجب الترتيب في الأداء فكذا في القضاء.

وما رواه الشيخ عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام في الصحيح (٣) قال : «إذا

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من مواقيت الصلاة.

(٢) لم نقف على حديث بهذا اللفظ في ما وقفنا عليه من أحاديث الخاصة والعامة ويمكن أن يكون نقلا بالمضمون لما دل على وجوب المماثلة بين القضاء والأداء.

(٣) الوسائل الباب ٦٣ من المواقيت و ١ من قضاء الصلوات والشيخ يرويه عن الكليني.

٢٢

نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة لكل صلاة».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك؟ قال يتطهر ويؤذن وقيم في أولاهن ثم يصلى ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضى صلاته».

وأجاب في الذخيرة عن الخبر الأول بعدم صحة الرواية وانها غير ثابتة قال والظاهر انها من طريق العامة ، سلمنا لكن اقتضاء التشبيه المماثلة من جميع الجهات بحيث يشمل هذه الأوصاف الاعتبارية غير واضح. ثم أورد على صحيح زرارة بان الأمر في أخبارنا غير واضح الدلالة على الوجوب ، الى أن قال : وللتوقف في هذه المسألة طريق وطريق الاحتياط رعاية الترتيب.

أقول : أما ما ذكره في رد الخبر الأول فجيد. وأما ما ذكره في رد الخبر الثاني فقد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم. وبالجملة فإن الحكم مما لا اشكال فيه.

واما القول الذي حكاه في الذكرى عن بعض الأصحاب فلم نقف له على دليل. إلا انه قال في الذكرى ان قائله حمل الأخبار وكلام الأصحاب على الاستحباب ، ثم قال وهو حمل بعيد مردود بما اشتهر بين الجماعة. ثم قال (فان قيل) هي عبادات مستقلة والترتيب فيها من توابع الوقت وضروراته فلا يعتبر في القضاء كالصيام (قلنا) قياس في معارضة النص ، ومعارض بأنها صلوات وجبت مرتبة فلتقض مرتبة كالأداء. والأول من تعليله جيد. والثاني مبنى على الحديث النبوي المتقدم وقد عرفت ما فيه.

وبالجملة فإن الحكم مما لا إشكال فيه مع العلم بالترتيب وانما الإشكال والخلاف مع جهله والأظهر سقوطه وبه قطع العلامة في التحرير وولده في الشرح ، واليه ذهب جمع من المتأخرين : منهم ـ الشهيدان وهو ظاهر العلامة في القواعد.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قضاء الصلوات.

٢٣

والوجه فيه ان الروايات المتضمنة لوجوب الترتيب لا تتناول الجاهل نصا ولا ظاهرا فيكون منفيا بالأصل. واستدل عليه في الذكرى بامتناع التكليف بالمحال واستلزام التكرار المحصل له الحرج المنفي (١).

وقيل بوجوب الترتيب لإمكان الامتثال بالتكرار المحصل له ، وبه صرح العلامة في الإرشاد ، وعلى هذا فيجب على من فاته الظهر والعصر من يومين وجهل السابق أن يصلى ظهرا بين عصرين أو عصرا بين ظهرين ليحصل الترتيب بينهما على تقدير سبق كل منهما. ولو جامعهما مغرب من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب وبعدها. ولو كان معها عشاء صلى السبع قبلها وبعدها. ولو انضم إليها صبح صلى الخمس عشرة قبلها وبعدها.

والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات وهي اثنان في الأول وستة في الثاني وأربعة وعشرون في الثالث ومائة وعشرون في الرابع حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا من الاحتمالات في عدد الفرائض المطلوبة ، ففي الصورة الأولى من الاحتمالات وهي اثنان ثلاث فرائض ، وفي الصورة الثانية من الاحتمالات وهي ستة سبع فرائض ، وفي الصورة الثالثة منها وهي أربعة وعشرون احتمالا خمس عشرة فريضة ، وفي الرابعة وهي مائة وعشرون احتمالا احدى وثلاثون فريضة ، وعلى هذا القياس.

ويمكن حصول الترتيب بوجه أخصر وأسهل وهو ان يصلى الفوائت المذكورة بأي ترتيب أراد ويكررها كذلك ناقصة عن عدد ما فاته من الصلاة بواحدة ثم يختم بما بدأ به ، فيصلي في الفرض الأول الظهر والعصر ثم الظهر أو بالعكس ، وفي الثاني الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم يكرر مرة أخرى ثم يصلى الظهر ، وفي هذين لا فرق بين الضابطين من حيث العدد ، وفي الثالث يصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم يكررها مرتين ثم يصلى الظهر فيحصل الترتيب بثلاث عشرة فريضة ،

__________________

(١) ج ١ ص ١٥١.

٢٤

ومقتضى الضابطة السابقة حصول الترتيب بخمس عشرة فريضة. وعلى هذا القياس في غيرها من الصور.

هذا كله في ترتيب فوائت اليومية بعضها على بعض ، وأما الترتيب بين فوائت غير اليومية ـ مثل صلاة الآيات المتعددة الأسباب بحيث يقدم ما تقدم سببه وهكذا وكذا الترتيب بينها وبين اليومية بأن يكون عليه فوائت من اليومية وفوائت من غيرها ـ ففي وجوب الترتيب في هاتين الصورتين وعدمه اشكال ، حيث لا نص في هذا المقام ، والاحتياط يقتضي الترتيب.

قال في الذكرى : قال بعض المتأخرين بسقوط الترتيب بين اليومية والفوائت الأخر وكذا بين تلك الفوائت اقتصارا بالوجوب على محل الوفاق ، وبعض مشايخ الوزير السعيد مؤيد الدين ابن العلقمي (طاب ثراهما) أوجب الترتيب في الموضعين نظرا الى عموم «فليقضها كما فاتته» (١). وجعله الفاضل في التذكرة احتمالا ، ولا بأس به. انتهى.

أقول : قد عرفت ما في هذا الحديث الذي استند اليه هذا القائل ، مع انه على تقدير صحة الخبر المذكور لا يخلو الاستدلال من المناقشة أيضا.

المسألة السادسة ـ الاعتبار في القصر والتمام وكذا في الجهر والإخفات بحال الفوات. أما الأول فقال في المدارك : انه مذهب العلماء كافة إلا من شذ. والظاهر انه أشار به الى ما نقله في الذكرى عن المزني من علماء العامة من القصر اعتبارا بحالة الفعل كالمريض إذا قضى فإنه يعتبر حاله والمتيمم كذلك (٢) قال : ورد بسبق

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٢٢.

(٢) في مختصر المزني على هامش «الام» ج ١ ص ١٢٥ «قال الشافعي ان نسي صلاة سفر فذكرها في حضر فعليه ان يصليها صلاة حضر لأن علة القصر هي النية والسفر فإذا ذهبت العلة ذهب القصر ، وإذا نسي صلاة حضر فذكرها في سفر فعليه ان يصليها أربعا لأن أصل الفرض أربع فلا يجزئه أقل منها وانما رخص له في القصر ما دام وقت الصلاة

٢٥

الإجماع. والمريض والمتيمم عاجزان عن القيام واستعمال الماء ، ولا تكليف مع العجز ولهذا لو شرع في الصلاة قائما ثم مرض قعد. الى آخر كلامه زيد في إكرامه.

واستدل الأصحاب على الحكم المذكور بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «فليقضها كما فاتته». وقد تقدم ان الخبر المذكور لم يثبت من طرقنا.

والمروي من طرقنا مما يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة (٢) قال : «قلت له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ فقال يقضى ما فاته كما فاته : ان كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها وان كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته».

وعن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما ، ومن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما».

ولو حصل الفوات في أماكن التخيير فهل يستحب التخيير في القضاء مطلقا أو بشرط ان يوقعه في تلك الأماكن أو يتعين القصر؟ احتمالات أحوطها الأخير. وأما الثاني وهو ان يقضى الجهرية والإخفاتية كما كانت تؤدى ليلا كان

__________________

قائما وهو مسافر فإذا زال وقتها ذهبت الرخصة» وفي المغني ج ٢ ص ٢٨٢ «نص احمد على انه إذا نسي صلاة حضر فذكرها في السفر أو صلاة سفر فذكرها في الحضر صلى في الحالتين صلاة حضر ، أما المسألة الأولى فبالإجماع يصلى أربعا. واما الثانية وهو ما إذا نسي في السفر وذكر في الحضر فبالاحتياط يصلى أربعا. والى ذلك ذهب الأوزاعي وداود والشافعي في أحد قوليه ، وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي يصليها صلاة سفر لأنه انما يقضى ما فاته ولم يفته إلا ركعتان».

(١) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٢٢.

(٢) الوسائل الباب ٦ من قضاء الصلوات. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٣) الوسائل الباب ٦ من قضاء الصلوات.

٢٦

أو نهارا فقد نقل الشيخ فيه الإجماع ، ويدل عليه عموم قوله في الخبر الأول «يقضى ما فاته كما فاته» وان كان مورد الخبر العدد الذي هو أحد أفراد هذه القضية الكلية.

بقي الكلام هنا في موضعين : أحدهما ـ بالنسبة إلى الكيفية التي هي عبارة عن هيئة الصلاة التي تؤدي عليها ، والظاهر ان الاعتبار فيها بحال الفعل لا حال الفوات كصلاة الصحيح وصلاة المريض ، فيقضى الصحيح فائتة المرض بالكيفية التي يصليها صحيحا ويقضى المريض فائتة الصحة على الكيفية التي هو عليها جالسا أو قائما أو نحو ذلك ويجب عليه بل ولا يجوز له التأخير الى ان يصح ويأتي بصلاة الصحيح.

وثانيهما ـ لو قضى الرجل عن المرأة أو بالعكس مع وجوب الجهر على الرجل والإخفات على المرأة في القراءة أو جميع أفعال الصلاة بناء على تحريم إسماعها الأجنبي صوتها ، وهكذا بالنسبة إلى سنن صلاة المرأة وما يخصها في القيام والعقود ونحوهما ، فهل الاعتبار بالقاضي أو المقضي عنه؟ الظاهر الأول فيقضى الرجل صلاة المرأة كما يقضى عن نفسه ، عملا بعموم الخطاب المتعلق به من وجوب الجهر عليه في موضعه والتكاليف الموظفة في قيامه وقعوده وأفعال صلاته أعم من أن يكون ذلك عن نفسه أو غيره ، فإن الأخبار الدالة على أحكام صلاة الرجل لا تخصيص فيها بما أوقعه عن نفسه بل هي أعم من ذلك كما لا يخفى وكذا المرأة تقضى صلاة الرجل مثل صلاتها عن نفسها بالتقريب المذكور. والله العالم.

المسألة السابعة ـ يستحب قضاء النوافل الموقتة إجماعا نصا وفتوى والأخبار بذلك متظافرة :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام عن عبد الله بن سنان (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدرى ما هو من كثرته كيف يصنع؟ قال فليصل حتى لا يدرى كم صلى من كثرته فيكون قد قضى بقدر علمه. قلت فإنه لا يقدر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من أعداد الفرائض ونوافلها.

٢٧

على القضاء من كثرة شغله؟ فقال ان كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وان كان شغله لدنيا تشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله تعالى مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحديث.». ويأتي تمامه ان شاء الله تعالى.

وما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن مرازم (١) قال : «سأل إسماعيل ابن جابر أبا عبد الله عليه‌السلام فقال أصلحك الله ان على نوافل كثيرة فكيف اصنع؟ فقال اقضها. فقال له انها أكثر من ذلك؟ قال اقضها قلت لا أحصيها؟ قال توخ. قال مرازم وكنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها فقلت أصلحك الله وجعلت فداك انى مرضت أربعة أشهر لم أصل فيها نافلة؟ قال ليس عليك قضاء ان المريض ليس كالصحيح كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه».

وقوله عليه‌السلام في هذا الخبر «ليس عليك قضاء» محمول على نفى تأكد الاستحباب لحسنة محمد بن مسلم (٢) قال : «قلت له رجل مرض فترك النافلة؟ فقال يا محمد ليست بفريضة إن قضاها فهو خير يفعله وان لم يفعل فلا شي‌ء عليه».

ثم انه مع عدم القدرة على القضاء يتصدق لما رواه عبد الله بن سنان في تتمة الخبر المتقدم «قلت فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ ان يتصدق؟ فسكت مليا ثم قال فليتصدق بصدقة. قلت فما يتصدق؟ قال بقدر طوله وادنى ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة. قلت وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ فقال لكل ركعتين من صلاة الليل مد ولكل ركعتين من صلاة النهار مد. فقلت لا يقدر؟ فقال مد اذن لكل اربع ركعات. فقلت لا يقدر؟ فقال مد لكل صلاة الليل ومد لصلاة النهار ، والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل» والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد ذكروا هنا انه ان عجز يتصدق عن كل ركعتين بمد فإن عجز فعن كل يوم بمد استحبابا. ولا يخفى

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٩ و ٢٠ من أعداد الفرائض ونوافلها.

٢٨

ما فيه من عدم الانطباق على ما تضمنه الخبر. والله العالم.

المسألة الثامنة ـ قال في الذكرى : قد اشتهر بين متأخري الأصحاب قولا وفعلا الاحتياط بقضاء صلاة يتخيل اشتمالها على خلل بل جميع العبادات الموهوم فيها ذلك ، وربما تداركوا ما لا يدخل الوهم في صحته وبطلانه في الحياة وبالوصية بعد الوفاة ، ولم نظفر بنص في ذلك بالخصوص ، وللبحث فيه مجال إذ يمكن ان يقال بشرعيته لوجوه : منها ـ قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (١) و «اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ» (٢) «وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ» (٣) «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» (٤) «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» (٥) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) «دع ما يريبك الى ما لا يريبك». و «انما الأعمال بالنيات» (٧). و «من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه» (٨). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٩) للمتيمم لما أعاد صلاته لوجود الماء في الوقت «لك الأجر مرتين». وللذي لم يعد «أصبت السنة»

__________________

(١) سورة التغابن الآية ١٦.

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٣) سورة الحج الآية ٧٧.

(٤) سورة العنكبوت الآية ٦٩.

(٥) سورة المؤمنون الآية ٦٢.

(٦) الوسائل الباب ١٢ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به عن الشهيد في الذكرى وغيره ، وفي الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ١٤.

(٧) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.

(٨) الوسائل الباب ١٢ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به عن الذكرى ، وفي البخاري كتاب الايمان باب (فضل من استبرأ لدينه).

(٩) في سنن ابى داود ج ١ ص ٩٣ باب (المتيمم يجد الماء بعد ما يصلى في الوقت) عن ابى سعيد الخدري قال : خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله (ص) فذكرا ذلك له فقال الذي لم يعد : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك. وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين ...

٢٩

وقول الصادق عليه‌السلام في الخبر السالف (١) «انظروا الى عبدي يقضى ما لم افترض عليه». وقول العبد الصالح عليه‌السلام في مكاتبة عبد الله بن وضاح (٢) «أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك». وربما يخيل المنع لوجوه : منها قوله تعالى «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ» (٣) «يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ» (٤) «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (٥) وفتح باب الاحتياط يؤدي اليه ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) «بعثت بالحنيفية السمحة». وروى حمزة بن حمران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٧) «ما أعاد الصلاة فقيه ، يحتال فيها ويدبرها حتى لا يعيدها». والأقرب الأول لعموم قوله تعالى «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى» (٨) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٩) «الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر». ولان الاحتياط المشروع في الصلاة من هذا القبيل ، فان غايته التجويز ، ولهذا قال أبو عبد الله عليه‌السلام (١٠) «وان كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة». ولأن إجماع شيعة عصرنا وما راهقه عليه ، فإنهم لا يزالون يوصون بقضاء العبادات مع فعلهم إياها ويعيدون كثيرا منها أداء وقضاء والنهى عن إعادة الصلاة انما هو في الشك الذي يمكن فيه البناء. انتهى.

أقول : لا يخفى ان أكثر ما أطال به (قدس‌سره) من الأدلة سيما في المقام الأول والثاني تطويل بغير طائل ، والحق في المقام انه مع تطرق احتمال النقص ـ كما في أكثر الناس حيث يأتون بالعبادات مع الجهل بالمسائل الشرعية وعدم صحة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من مواقيت الصلاة رقم ٥ و ١٥.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من مواقيت الصلاة رقم ١٤.

(٣) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٤) سورة النساء الآية ٣٢.

(٥) سورة الحج الآية ٧٧.

(٦) الجامع الصغير ج ١ ص ١٢٥ وكنز العمال ج ٦ ص ١١١ كما هنا ، وفي الذكرى «السمحة السهلة» وفي تاريخ بغداد ج ٧ ص ٢٠٩ «السمحة أو السهلة».

(٧) الوسائل الباب ٢٩ من الخلل في الصلاة.

(٨) سورة العلق الآية ٩ و ١٠.

(٩) الوسائل الباب ٤٢ من أحكام المساجد والمستدرك الباب ١٠ من أعداد الفرائض.

(١٠) الوسائل الباب ١١ من الخلل في الصلاة.

٣٠

القراءة وعدم التورع من النجاسات والشبهات وعدم المحافظة على أفعالها ونحو ذلك ـ فإنه لا ريب ان القضاء حسن بل أحسن عملا باخبار الاحتياط في الدين ، واما مع يقين الصحة ويقين البراءة فإشكال يأتي التنبيه عليه ان شاء الله تعالى في المطلب الآتي

المسألة التاسعة ـ من فاته الفرض المختلف باعتبار أول الوقت وآخره كمن دخل عليه الوقت وهو حاضر ثم سافر قبل الصلاة وبالعكس هل يقضى لو فاتته والحال هذه باعتبار وقت الوجوب وهو الأول أو وقت الفوات وهو الثاني؟ قولان والأشهر الأظهر الثاني وهو الاعتبار بحال الفوات فيبني على وجوب الأداء في المسألة ، فإن كان الواجب فيه التمام مطلقا كما هو أحد الأقوال وجب القضاء تماما وان كان القصر مطلقا وجب القضاء كذلك وان كان التفصيل فكذلك ، وبالجملة فالمراعى ما وجب عليه أداؤها من قصر أو تمام ، فمعنى حال الفوات يعنى الحالة التي فاتت عليها الفريضة ووجب أداؤها عليها. وقيل ان الاعتبار بحال الوجوب ونقل عن السيد المرتضى وابن الجنيد.

ويدل على المشهور قوله عليه‌السلام في حسنة زرارة (١) «يقضي ما فاته كما فاته». ولا يتحقق الفوات إلا عند خروج الوقت.

واستدل على القول الآخر برواية زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) «انه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد ان يصليها إذا قدم إلى أهله فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها؟ قال يصليها ركعتين صلاة المسافر لان الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي أن يصليها عند ذلك».

وردها المتأخرون بضعف الاسناد ، وأجاب عنها في المعتبر باحتمال أن يكون دخل مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة أربعا فيقضي على وقت إمكان الأداء.

أقول : ويمكن أن يقال لعل هذا الخبر انما خرج بناء على ان فرض هذا الداخل الصلاة أداء بالقصر كما هو أحد الأقوال في المسألة ، وحينئذ فالقضاء تابع لذلك فيكون

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦ من قضاء الصلوات.

٣١

الخبر موافقا لما هو المشهور من الاعتبار بحال الفوات ، وليس في التعليل المذكور في الرواية منافاة لما ذكرنا ، إذ غاية ما يدل عليه ان استقرار الركعتين في ذمته باعتبار دخول الوقت في السفر وهو مما لا إشكال فيه. وكيف كان فالاحتياط مما لا ينبغي تركه. والله العالم.

المطلب الثاني ـ في القضاء عن الأموات ، وحيث ان هنا جملة من الاخبار المتعلقة بقضاء الصلاة عن الأموات ذكرها السيد الزاهد العابد رضى الدين أبو القاسم على بن طاوس الحسيني (عطر الله مرقده) في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى وقصد بها بيان قضاء الصلاة عن الأموات ، وقد نقلها جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا الشهيد في الذكرى وشيخنا المجلسي في البحار وغيرهما فأحببنا أولا إيرادها ثم إردافها ان شاء الله تعالى بالأبحاث الشافية المتعلقة بالمقام والتحقيقات الوافية الداخلة في سلك هذا النظام :

فنقول : الأول ـ ما رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) «ان الصادق عليه‌السلام سأله عمر بن يزيد أيصلى عن الميت؟ قال نعم حتى انه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك الضيق ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك».

الثاني ـ ما رواه على بن جعفر في مسائله عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «حدثني أخي موسى بن جعفر عليه‌السلام قال سألت أبي جعفر بن محمد عليه‌السلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلى أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال نعم فيصلي ما أحب ويجعل تلك للميت فهو للميت إذا جعل ذلك له». قيل ولفظ «ما أحب» للعموم وجعلها نفسها للميت دون ثوابها ينفي أن يكون هدية صلاة مندوبة.

الثالث ـ من مسائله أيضا عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣) «وسأله عن الرجل هل يصلح أن يصلى ويصوم عن بعض أهله بعد موته؟ قال نعم يصلى ما أحب ويجعل ذلك

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من الاحتضار.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

٣٢

للميت فهو للميت إذا جعله له».

الرابع ـ ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده الى محمد بن عمر بن يزيد (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام يصلى عن الميت؟ قال نعم حتى انه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك».

الخامس ـ ما رواه الشيخ بإسناده إلى عمار الساباطي من كتاب أصله المروي عن الصادق عليه‌السلام (٢) «وعن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز له ان يقضيه رجل غير عارف؟ قال لا يقضيه إلا رجل مسلم عارف».

السادس ـ ما رواه الشيخ بإسناده الى محمد بن ابى عمير عن رجاله عن الصادق عليه‌السلام (٣) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضيه أولى الناس به».

السابع ـ ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني بإسناده الى محمد بن ابى عمير عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضى عنه أولى الناس به».

الثامن ـ هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر الى كتابه الذي هو من الأصول (٥).

التاسع ـ ما روى في أصل هشام بن سالم من رجال الصادق والكاظم (عليهما‌السلام) ويروى عنه ابن ابى عمير ، قال هشام في كتابه : وعنه عليه‌السلام (٦) قال : «قلت يصل الى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا؟ قال نعم «قلت ويعلم من صنع ذلك به؟ قال نعم» ثم قال يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه». وظاهره انه من الصلاة الواجبة التي تركها لأنها سبب للسخط.

العاشر ـ ما رواه على بن أبي حمزة في أصله وهو من رجال الصادق والكاظم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٦) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

(٤) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان. والوارد «اولى الناس بميراثه».

(٥) الذكرى ص ٧٤ عن كتاب غياث سلطان الورى.

٣٣

عليهما‌السلام) (١) قال : «وسألته عن الرجل يحج ويعتمر ويصلى ويصوم ويتصدق عن والديه وذوي قرابته؟ قال لا بأس به يؤجر في ما يصنع وله أجر آخر بصلته قرابته. قلت وان كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟ قال يخفف عنه بعض ما هو فيه». أقول : وهذا ايضا مما ذكره ابن بابويه في كتابه (٢).

الحادي عشر ـ ما رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي في كتاب المنسك بإسناده الى على بن أبي حمزة (٣) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام أحج وأصلي وأتصدق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال نعم تصدق عنه وصل عنه ولك أجر آخر بصلتك إياه». قال ابن طاوس (قدس‌سره) يحمل في الحي على ما يصح فيه النيابة من الصلوات ويبقى الميت على عمومه.

الثاني عشر ـ ما رواه الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن الصادق عليه‌السلام (٤) انه قال : «يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال ويكتب أجره للذي يفعله وللميت». وهذا الحسن بن محبوب يروى عن ستين رجلا من رجال ابى عبد الله عليه‌السلام وروى عن الرضا عليه‌السلام وقد دعا له الرضا واثنى عليه فقال في ما كتبه عليه‌السلام (٥) «ان الله قد أيدك بحكمة وأنطقها على لسانك قد أحسنت وأصبت أصاب الله بك الرشاد ويسرك للخير ووفقك لطاعته».

الثالث عشر ـ ما رواه ابن ابى عمير بطريق آخر عن الامام عليه‌السلام (٦) «يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال ويكتب أجره للذي يفعله وللميت».

الرابع عشر ـ ما رواه إسحاق بن عمار (٧) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

(٢) ج ١ ص ١١٧ قال : «ويجوز أن يجعل الحي حجته أو عمرته أو بعض صلاته أو بعض طوافه لبعض أهله.».

(٥) الذكرى ص ٧٤.

(٧) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات. وما في الكتاب يوافق ما في الذكرى والوسائل القديمة ، وفي الوسائل الحديثة «محمد بن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله.».

٣٤

يقول : يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال ويكتب أجره للذي يفعله وللميت».

الخامس عشر ـ روى ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام (١) «يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والعتق».

السادس عشر ـ ما رواه عمر بن محمد بن يزيد (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى ان الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ويقال ان هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين». قال السيد (رحمه‌الله) «أخوه في الدين» إيضاح لكل ما يدخل تحت عمومه من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.

السابع عشر ـ ما رواه على بن يقطين ـ وكان عظيم القدر عند ابى الحسن موسى عليه‌السلام له كتاب المسائل ـ عنه عليه‌السلام (٣) قال : «وعن الرجل يتصدق عن الميت ويصوم ويعتق ويصلى؟ قال كل ذلك حسن يدخل منفعته على الميت».

الثامن عشر ـ ما رواه على بن إسماعيل الميثمي في أصل كتابه قال حدثني كردين (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الصدقة والحج والصوم يلحق الميت؟ قال نعم. قال فقال هذا القاضي خلفي وهو لا يرى ذلك. قال قلت وما أنا وذا فوالله لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه. قال فضحك. قال : وسألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة على الميت أتلحق به. قال نعم. قال : وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت انى لم أتصدق بصدقة منذ ماتت أمي إلا عنها؟ قال نعم. قلت افترى غير ذلك؟ قال نعم نصف عنك ونصف عنها. قلت أيلحق بها؟ قال نعم». قال السيد : قوله «الصلاة

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ١١٧ وفي الوسائل الباب ٢٨ من الاحتضار.

(٢) الذكرى ص ٧٤ عن كتاب غياث سلطان الورى.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

(٤) الذكرى ص ٧٤ وفي الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

٣٥

على الميت» أي التي كانت على الميت أيام حياته. ولو كانت ندبا كان الذي يلحقه ثوابها دون الصلاة نفسها.

التاسع عشر ـ ما رواه حماد بن عثمان في كتابه (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى ان الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ويقال هذا بعمل ابنك فلان أو بعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين».

العشرون ـ ما رواه عبد الله بن جندب (٢) قال : «كتبت الى ابى الحسن عليه‌السلام اسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا ثلثا له وثلثين لأبويه أو يفردهما من أعماله بشي‌ء مما يتطوع به وان كان أحدهما حيا والآخر ميتا؟ فكتب الى : أما الميت فحسن جائز وأما الحي فلا إلا البر والصلة». قال السيد : لا يراد بهذه الصلاة المندوبة لأن الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات والحج وغيرهما.

الحادي والعشرون ـ ما رواه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (٣) انه كتب الى الكاظم مثله وأجابه بمثله.

الثاني والعشرون ـ ما رواه ابان بن عثمان عن على بن مسمع (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان أمي هلكت ولم أتصدق بصدقة. كما تقدم الى قوله أفيلحق ذلك بها؟ قال عليه‌السلام نعم. قلت والحج؟ قال نعم. قلت والصلاة؟ قال نعم. قال ثم سألت أبا الحسن عليه‌السلام بعد ذلك ايضا عن الصوم فقال نعم».

الثالث والعشرون ـ ما رواه الكليني بإسناده الى محمد بن مروان (٥) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما يمنع الرجل منكم أن يبر والدية حيين وميتين يصلى عنهما ويتصدق عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله ببره وصلته خيرا كثيرا».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

٣٦

الرابع والعشرون ـ عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضى عنه أولى الناس به».

ثم ذكر (قدس‌سره) عشرة أحاديث تدل بطريق العموم قال :

الأول ـ ما رواه عبد الله بن ابى يعفور عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».

الثاني ـ ما رواه صفوان بن يحيى (٣) ـ وكان من خواص الرضا والجواد (عليهما‌السلام) وروى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليه‌السلام قال «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».

الثالث ـ ما رواه محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».

الرابع ـ ما رواه العلاء بن رزين في كتابه (٥) ـ وهو أحد رجال الصادق (عليه‌السلام) ـ قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».

الخامس ـ ما رواه البزنطي ـ وكان من رجال الرضا (عليه‌السلام) (٦) ـ قال «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعله الحسن».

السادس ـ ما ذكره صاحب الفاخر مما أجمع عليه وصح من قول الأئمة (عليهم‌السلام) (٧) قال : «ويقضى عن الميت أعماله الحسنة كلها».

السابع ـ ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام (٨) قال : «من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف الله له اجره ونفع الله به الميت».

الثامن ـ ما رواه عمر بن يزيد (٩) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله اجره وينعم بذلك الميت».

التاسع ـ ما رواه العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

٣٧

السلام) (١) قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».

العاشر ـ ما رواه حماد بن عثمان في كتابه (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله اجره وينعم بذلك الميت».

قال الشهيد : وروى يونس عن العلاء عن عبد الله بن ابى يعفور عن الصادق عليه‌السلام (٣) قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق والفعل الحسن».

ومما يصلح هنا ما أورده في التهذيب بإسناده عن عمر بن يزيد (٤) قال : «كان أبو عبد الله عليه‌السلام يصلى عن ولده في كل ليلة ركعتين وعن والديه في كل يوم ركعتين. قلت جعلت فداك كيف صار للولد الليل؟ قال لان الفراش للولد. قال : وكان يقرأ فيهما القدر والكوثر». قال : «فان هذا الحديث يدل على وقوع الصلاة عن الميت من غير الولد كالأب ، وهو حجة على من ينفى الوقوع أصلا أو ينفيه إلا من الولد.

قال في الذخيرة : قلت يفهم من هذا الكلام وقوع الخلاف في وقوع الصلاة عن الميت ثم في عدم اختصاصه بقضاء الولد عن الوالد ، وسيجي‌ء ما يدل على اتفاق الإمامية على وقوع الصلاة عن الميت وعدم اختصاصه بالولد نقلا عن كلام الشهيد. ولعل الخلاف الذي يفهم ههنا مخصوص بالعامة أو مستند الى بعض الأصحاب المعاصرين للشهيد أو السيد أو غيرهم ممن لا يرون مخالفته قادحة في الإجماع.

ثم ذكر السيد (قدس‌سره) ان الصلاة دين وكل دين يقضى عن الميت ، أما ان الصلاة تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث :

الأول ـ ما رواه حماد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) في اخباره عن لقمان عليه‌السلام

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

(٤) الوسائل الباب ٢٨ من الاحتضار. وفي التهذيب ج ١ ص ١٣٢ والوسائل. «وكان يقرأ فيهما انا أنزلناه في ليلة القدر وانا أعطيناك الكوثر».

٣٨

«وإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي‌ء صلها واسترح منها فإنها دين».

الثاني ـ ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر (١) «إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي‌ء صلها واسترح منها فإنها دين».

الثالث ـ ما رواه ابن بابويه في كتاب معاني الأخبار بإسناده الى محمد بن الحنفية في حديث الأذان لما اسرى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «٢» الى قوله : «ثم قال حي على الصلاة قال الله جل جلاله فرضتها على عبادي وجعلتها لي دينا». إذا روى بفتح الدال

الرابع ـ ما رواه حريز بن عبد الله عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف ان يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك؟ قال يؤخر القضاء ويصلى صلاة ليلته تلك».

وأما قضاء الدين عن الميت فلقضية الخثعمية (٤) لما سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من آداب السفر. والحديث عن حماد عن الصادق «ع» نقلا عن لقمان وعليه يتحد الحديثان.

(٢) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ٦١ من المواقيت عن كتاب غياث سلطان الورى.

(٤) المذكور في سنن ابى داود ج ١ ص ٢٨٦ وغيره من كتب أحاديث العامة اللفظ الآتي أو ما قاربه : عن ابن عباس عن النبي (ص) «جاءته امرأة من خثعم فقالت ان فريضة الله على عباده في الحج أدركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال نعم». ورواه في تيسير الوصول ج ١ ص ٣٣١ عن الستة ، ورواه في الوسائل عن الشيخ المفيد في المقنعة في الباب ٢٤ من وجوب الحج وشرائطه. وفي سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٢٨ بعد أن نقل الحديث كما تقدم بعدة طرق ومنها طريق سفيان قال قال سفيان وكان عمرو بن دينار حدثناه أولا عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس فقال فيه «أو ينفعه ذلك؟ يا رسول الله «ص»؟ قال نعم كما لو كان على أحدكم دين فقضاه». ثم قال فلما جاءنا الزهري حدثناه فتفقدته فلم يقل هذا الكلام الذي رواه عنه عمرو. انتهى. وقد نقل ذلك الشيخ في الخلاف ص ١٥٦. نعم في سنن النسائي ج ٢ ص ٥ عن ابن عباس قال : «قال رجل يا رسول الله «ص» ان ابى مات ولم يحج أفأحج عنه؟ قال أرأيت لو كان على أبيك

٣٩

فقالت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان أبى أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج ان حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قالت نعم. قال فدين الله أحق بالقضاء.

قال السيد : ويدل على أن القضاء عن الميت أمر مشروع تعاقد صفوان ابن يحيى وعبد الله بن جندب وعلى بن النعمان في بيت الله الحرام ان من مات منهم يصلى من بقي صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ما دام حيا ، فمات صاحباه وبقي صفوان فكان يفي لهما بذلك فيصلي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة (١) وهؤلاء من أعيان مشايخ الأصحاب والرواة عن الأئمة (عليهم‌السلام).

قال السيد : انك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعية وجدت الأخبار فيها مختلفة حتى صنفت لأجلها كتب ولم تستوعب الخلاف ، والصلاة عن الأموات قد ورد فيها مجموع أخبار ولم نجد خبرا واحدا يخالفها ، ومن المعلوم ان هذا المهم في الدين لا يخلو عن شرع بقضاء أو ترك فإذا وجد المقتضى ولم يوجد المانع علم موافقة ذلك للحكمة الإلهية. انتهى كلامه زيد في الخلد إكرامه ومقامه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان تحقيق الكلام في هذا المقام وتفصيل ما اشتمل عليه جملة هذه الاخبار الواردة عنهم (عليهم‌السلام) والإحاطة بما فيها من نقض وإبرام يقتضي بسطها في مسائل :

الأولى ـ المستفاد من هذه الأخبار وكذا من كلام علمائنا الأبرار من غير خلاف يعرف جواز الصلاة عن الميت بان يصلى نيابة عنه كما انه يجوز أن يحج نيابة عنه أو انه يصلى لنفسه ثم يجعل ثوابها وأجرها له.

__________________

دين أكنت قاضيه؟ قال نعم. قال فدين الله أحق». فالحديث المنقول في الكتاب عن السيد باللفظ المتقدم لم نقف عليه في كتب الحديث ويجوز أن يكون قد تداخلت ألفاظ الحديث الثاني بالأول فظهر الحديث بهذه الصورة.

(١) رجال النجاشي ص ١٤٠ وفهرست الشيخ ص ٨٣.

٤٠