الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

«إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف امام يحتسب بالصلاة خلفه جعل أول ما أدرك أول صلاته : ان أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة من ما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأن الصلاة انما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة ، وان أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام وهي له الأولى كيف يصنع إذا جلس الامام؟ قال يتجافى ولا يتمكن من القعود فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق الامام. قال : وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها».

الى غير ذلك من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى في المقام.

قال في المدارك بعد إيراد صحيحتي زرارة وعبد الرحمن المذكورتين ما لفظه : ومقتضى الروايتين ان المأموم يقرأ خلف الإمام إذا أدركه في الركعتين الأخيرتين وكلام أكثر الأصحاب خال من التعرض لذلك ، وقال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : الأقرب عندي أن القراءة مستحبة ، ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب لئلا تخلو الصلاة عن قراءة إذ هو مخير في التسبيح في الأخيرتين. وليس بشي‌ء ، فإن احتج بحديث زرارة وعبد الرحمن حملنا الأمر فيهما على الندب لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم. هذا كلامه (قدس‌سره) ولا يخلو من نظر لأن

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني.

٢٤١

ما تضمن سقوط القراءة بإطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصلين لوجوب حمل الإطلاق عليهما وان كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب ، لأن النهي في الرواية الأولى عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعا ، وكذا الأمر بالتجافي وعدم التمكن من العقود في الرواية الثانية محمول على الاستحباب ، ومع اشتمال الرواية على استعمال الأمر في الندب والنهى في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع فيها من الأوامر على الوجوب أو النواهي على التحريم. مع ان مقتضى الرواية الأولى كون الأمر بالقراءة في النفس وهو لا يدل صريحا على وجوب التلفظ بها. وكيف كان فالروايتان قاصرتان عن إثبات الوجوب. انتهى.

وتبعه في هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا ومنهم الفاضل الخراساني متمسكا زيادة على ذلك بما صرح به في غير موضع من ما قدمنا نقله عنه من أن الأوامر والنواهي في أخبارنا لا تدل على الوجوب والتحريم. وفيه ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

والتحقيق عندي في المقام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأعلام (أعلى الله تعالى مقامهم في دار المقام) هو أن يقال لا يخفى أن عبائر جملة من المتقدمين وجل المتأخرين في هذه المسألة مجملة وان كان الظاهر منها بعد التأمل هو الوجوب ، حيث ان بعضهم صرح بأنه يقرأ وبعضهم عبر بلفظ الرواية وهو انه يجعل ما أدرك مع الإمام أول صلاته ، ثم ربما أردف ذلك بعضهم بذكر الصحيحتين المذكورتين.

ولم أقف على من صرح بوجوب القراءة من المتقدمين إلا على كلام المرتضى (قدس‌سره) حيث نقل عنه في المختلف انه قال : لو فاتته ركعتان من الظهر أو العصر أو العشاء وجب أن يقرأ في الأخيرتين بالفاتحة في نفسه فإذا سلم الامام قام فصلى الركعتين الأخيرتين مسبحا فيهما. انتهى.

وهو إيضاح صريح كلام الشيخ ابى الصلاح في كتابه الكافي حيث قال : وإذا سبق بركعة فاولته ثانية الإمام فإذا نهض الإمام إلى الثالثة وهي له ثانية فليقرأ لنفسه

٢٤٢

الحمد وسورة ، وإذا سبق بركعتين صارت أخيرتا الإمام له أولتين فليقرأ لنفسه فيهما كقراءة المنفرد ويجلس بجلوسه ، وان سبقه بثلاث ركعات فرابعة الامام له اولة فليقرأ لنفسه فيها. انتهى.

والظاهر ان أول من صرح بالاستحباب في هذه المسألة هو العلامة في المنتهى والمختلف وتبعه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد والسيد في المدارك لما ذكره من الوجوه المذكورة في كلامه.

وعندي في ما ذكروه نظر وليكن محط الكلام وبيان ما فيه من النظر الظاهر لمن تدبر أخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام) على كلام السيد المشار اليه حيث انه من ما استوفى البحث في المقام بما فيه من نقض وإبرام :

فنقول : ان ما ذكره منظور فيه من وجوه : الأول ـ ان ما ذكره ـ من انه باشتمال الرواية على بعض الأوامر والنواهي المستحبة والمكروهة يلزم منه انسحاب الحكم إلى جملة ما فيها من الأوامر والنواهي ـ فإنه ممنوع لما صرحوا به في الأصول من أن الأصل في الأمر الوجوب وفي النهي التحريم ، وبه تمسك السيد المذكور في جملة من المواضع في كتابه ، وقد عرفت من ما قدمناه في مقدمات الكتاب دلالة الآيات والروايات على ذلك ايضا ، وحينئذ فالواجب الوقوف على ذلك حتى يقوم دليل على الخروج عنه والحمل على المعنى المجازي ، وخروج بعض الأوامر والنواهي في تلك الرواية مخرج الاستحباب لدليل من خارج يدل على ذلك لا يقتضي انسحابه في ما لا دليل عليه. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن نظر بعين الإنصاف وجنح اليه

الثاني ـ انه لو سلم ذلك بالنسبة إلى صحيحة زرارة لو لم يكن لها معاضد يمنع ذلك لكنه غير مسلم بالنسبة إلى صحيحة عبد الرحمن ، لأن الأمر بالقراءة فيها وقع معللا منهيا عن خلافه وهو من ما يؤكد الوجوب كما لا يخفى. وأيضا فالأمر بالقراءة فيها واقع في سؤال منفصل على حدة غير السؤال المشتمل على الأمر بالتجافي» ومن الجائز بل الواقع اشتمال الرواية على اسئلة متعددة عن أحكام متباينة بل هو شائع

٢٤٣

ذائع في الأخبار فالانسحاب فيها من ما لا وجه له بالكلية ، ويلزم على ما ذكره انجرار هذا الحكم وانسحابه الى قوله : «فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد» فينبغي بمقتضى ما ذكره أن يحمل اللبث هنا الذي هو عبارة عن الجلوس للتشهد في هذا المقام على الاستحباب مع ان هذه الرواية هي مستند الأصحاب في وجوب لتشهد على المسبوق. على انه ما ذكره من كون الأمر بالتجافي وعدم التمكن محمولا على الاستحباب محل كلام ، فان بعض الأصحاب ذهب الى وجوبه استنادا الى هذه الرواية والى ما رواه في كتاب معاني الأخبار عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : «إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجاف». ونقل القول بالوجوب شيخنا الشهيد في الذكرى عن ابن بابويه.

الثالث ـ ان ما طعن به على صحيحة زرارة ـ من كون الأمر بالقراءة فيها في النفس وهو لا يدل على الوجوب ـ كلام ظاهري فإن هذه العبارة من ما شاع في الأخبار التعبير بها في مقام الكناية عن الإخفات والمبالغة فيه ، حيث انه يكره للمأموم هنا أن يسمع الإمام شيئا من ما يقوم كما دلت عليه الأخبار.

ومثل ذلك ما ورد في الاقتداء بالمخالف مع وجوب القراءة خلفه اتفاقا من قوله عليه‌السلام (٢) : «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس».

وأبلغ منه ما روى من التعبير عن الإخفات بالصمت الذي هو حقيقة عدم الكلام بالكلية كما في صحيحة على بن يقطين (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ فيهما بالحمد. الخبر». فان المراد بهما الركعتان من الصلاة الإخفاتية.

وفي صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن الرجل

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من السجود.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل الباب ٥٢ من القراءة في الصلاة.

٢٤٤

يصلح له ان يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال : لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما». وحمله الشيخ على الصلاة خلف من لا يقتدى به.

وفي كتاب قرب الاسناد عن أخيه عليه‌السلام (١) «انه سأله عن الرجل يقرأ في صلاته هل يجزئه أن لا يحرك لسانه وأن يتوهم توهما؟ قال لا بأس». هذا مع الاتفاق على وجوب القراءة.

وبالجملة فإن باب المجاز واسع والتعبير بهذه العبارة عن المعنى الذي ذكرناه شائع ، وعليه يحمل ما تقدم في عبارة السيد (قدس‌سره) وبذلك يظهر لك ان ما نسبه من القصور الى الروايتين لا أثر له عند التأمل ولا عين.

الرابع ـ ان الأخبار المتعلقة بهذه المسألة كلها متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على وجوب القراءة في المقام ما بين صريح وظاهر لجملة ذوي الأفهام ، ومنها الصحيحتان المتقدمتان فإنهما بما أوضحناه وكشفنا عنه نقاب الإبهام صريحتان واضحتان ، ومنها ما تقدم في كلامه من صحيحة الحلبي.

وما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (٢) قال : «يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته. قال جعفر عليه‌السلام وليس نقول كما يقول الحمقى».

وعن احمد بن النضر عن رجل عن ابى جعفر ـ ورواه في الفقيه مرسلا عنه ـ عليه‌السلام (٣) قال : «قال لي أي شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الامام ركعتان؟ قلت يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد وسورة. فقال هذا يقلب صلاته فيجعل أولها آخرها. قلت : فكيف يصنع؟ قال يقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة».

والتقريب في هذه الروايات ومثله ما وقع في صحيحة عبد الرحمن من قوله

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من القراءة في الصلاة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجماعة.

٢٤٥

عليه‌السلام «اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها». هو انه قد ذهب بعض العامة ـ ونسبه في المعتبر الى ابى حنيفة واتباعه ـ الى أن ما يدركه المأموم يجعله آخر صلاته إذا كان مسبوقا محتجا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» فان لفظ القضاء يدل على ان ما ينفرد به المصلى بعد تسليم الامام هو ما فاته مع الامام وهو أول صلاته ، فعندهم انه يلزم في ما أدركه ما يلزم في الأخيرتين من القراءة أو التسبيح أو السكوت وما انفرد به يثبت فيه ما يثبت في الأولتين من الحمد والسورة ، وهذه الروايات قد وردت في مقام الرد على هذا المذهب والنهى عنه وتضمنت ان ذلك قلب للصلاة كما صرحت به رواية أحمد بن النضر وصحيحة الحلبي (٢) حيث قال : عليه‌السلام «فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها». وحينئذ فعدم القلب انما هو بإرجاع كل إلى مقره من جعل الحمد والسورة في أول ما يدركه المأموم والتخيير المتقدم انما هو في ما ينفرد به. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته وهي ثنتان لك ، فان لم تدرك معه إلا ركعة واحدة قرأت فيها وفي التي تليها. الحديث».

__________________

(١) في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج ١ ص ٢١٨ قال محمد : يؤمر من أدرك القوم ركوعا أن يأتي وعليه السكينة والوقار ولا يعجل في الصلاة حتى يصل الى الصف فما أدرك مع الامام صلى بالسكينة والوقار وما فاته قضى ، وأصله قول النبي (ص) «إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون عليكم بالسكينة والوقار ، وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا». وفي المهذب ج ١ ص ٩٤ فإن أدرك معه الأخيرة كان ذلك أول صلاته لما روى عن على (ع) انه قال «ما أدركت فهو أول صلاتك» ...

(٢) ص ٢٤٠.

(٣) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجماعة.

٢٤٦

وعن عمار بن موسى في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يدرك الامام وهو يصلى اربع ركعات وقد صلى الامام ركعتين؟ قال يفتتح الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في الركعتين».

وقال عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٢) «فإن سبقت بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين من صلاتك بالحمد وسورة فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد».

وقال أيضا في موضع آخر (٣) «وإذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها القراءة فأنصت للإمام في الثانية التي أدركت ثم اقرأ أنت في الثالثة للإمام وهي لك ثنتان».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) انه قال : «إذا سبق أحدكم الإمام بشي‌ء من الصلاة فليجعل ما يدرك مع الإمام أول صلاته وليقرأ في ما بينه وبين نفسه ان أمهله الإمام فان لم يمكنه قرأ في ما يقضى ، وإذا دخل مع الإمام في صلاة العشاء الآخرة وقد سبقه بركعة وأدرك القراءة في الثانية فقام الإمام في الثالثة قرأ المسبوق في نفسه كما كان يقرأ في الثانية واعتد بها لنفسه انها الثانية». وروى فيه عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) نحوه (٥).

وروى فيه عن ابى جعفر محمد بن على (عليهما‌السلام) (٦) انه قال : «إذا أدركت الامام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ واجعلها أول صلاتك».

فهذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ، وكلها كما قدمنا ذكره قد اشتملت على الأمر بالقراءة ، وبه يظهر لك ما في كلام الجماعة المتقدمين من البناء في المسألة على مجرد الظن والتخمين. والحق فيها بحمد الله سبحانه واضح

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من صلاة الجمعة.

(٢) ص ١٤.

(٣) ص ١٠ وفيه «أجزأك الحمد وحده».

(٤ و ٥ و ٦) مستدرك الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجماعة.

٢٤٧

ومنارة لمن أعطى التأمل حقه لائح. والله العالم.

فروع

الأول ـ قد عرفت من ما قدمنا من الأخبار وجوب القراءة على المسبوق في أولتيه ، فلو اتفق ان الوقت ضاق عن القراءة كملا على وجه يدرك الإمام في الركوع فهل يقرأ وان فاته ادراك الركوع فيقرأ ويلحقه في السجود أو يترك القراءة ويتابعه في الركوع؟ إشكال ينشأ من وجوب القراءة كما عرفت ومن وجوب المتابعة وانفساخ القدوة بالإخلال بها في ركن كما تقدم بيانه في فروع المسألة التاسعة من المطلب الأول ، وطريق الاحتياط في المقام مطلوب فينبغي للمكلف قبل دخوله وتكبيره أن يتأمل وينظر فإن أمكنه الدخول والقراءة ولو بالحمد وحدها قبل رفع الإمام رأسه من الركوع كبر ودخل معه وان عرف ضيق الوقت عن ذلك صبر حتى يركع الامام فيدخل معه إذ لا قراءة في هذه الحال ، ومع فرض دخوله واتفاق الأمر كما ذكرنا من الإشكال فالأولى له قطع القراءة ومتابعة الإمام في الركوع قبل الرفع ثم الإعادة من رأس وان كان المفهوم من ظواهر جملة من الأخبار تقديم المتابعة وقطع القراءة كما تقدم إيضاحه في الموضع المشار اليه إلا ان الاحتياط بالإعادة من رأس أولى.

الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح ثابت للمسبوق في الركعتين الأخيرتين وان إختار الامام التسبيح في الركعتين الأخيرتين ولم يقرأ ، ويظهر من المنتهى كون ذلك اتفاقيا حيث قال : الذي عليه علماؤنا انه يقرأ في الركعتين اللتين فاتتاه بأم الكتاب خاصة أو يسبح لأنهما آخر صلاته.

ونقل عن بعض الأصحاب القول بوجوب القراءة هنا في ركعة لئلا تخلو الصلاة عن قراءة ، والأظهر الاستدلال على ذلك برواية أحمد بن النضر المتقدمة (١)

__________________

(١) ص ٢٤٥.

٢٤٨

حيث انه بعد أن منع من قراءة الحمد والسورة في الأخيرتين لاستلزامه قلب الصلاة أمر بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة.

ومن ذلك ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الامام وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم». فان المراد من هذا الخبر كما ذكره في الاستبصار انه يأتي بالقراءة في الأخيرتين التي هي أحد فردي التخيير حيث انه فاتته القراءة في الأولتين ، والتعبير بالقضاء وقع مجازا أو بمعنى الفعل كقوله عزوجل «فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ» (٢).

وبذلك يظهر ان ما استدل به للقول المشهور ـ من عموم أدلة التسبيح الشاملة لموضع البحث ـ مدخول بأنه يمكن تخصيص العموم المذكور بهذه الرواية كما انه خصص أيضا بأخبار ناسي القراءة في الأولتين وان عليه القراءة في الأخيرتين كما هو أحد القولين حسبما تقدم تحقيق البحث في ذلك في الفصل الثامن من الباب الأول (٣) في الصلوات اليومية ، فإنا قد رجحنا ثمة وجوب القراءة بالأخبار الدالة على ذلك وان كان خلاف المشهور فليرجع اليه من أحب تحقيق الحال.

الثالث ـ لو دخل المأموم مع الإمام في الركعة الثانية وقنت الإمام فإنه يستحب للمأموم القنوت معه وان لم يكن موضع قنوت بالنسبة اليه.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام فقنت الإمام أيقنت معه؟ فقال نعم».

وكذا ينبغي المتابعة له في التشهد وان لم يكن موضع تشهد للمأموم ، ويدل عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجماعة.

(٢) سورة الجمعة الآية ١٠.

(٣) الصحيح «الثاني».

(٤) الوسائل الباب ١٧ من القنوت.

٢٤٩

ما رواه الشيخ في الموثق عن الحسين بن المختار وداود بن الحصين (١) قال «سئل عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الامام وأدرك الثنتين فهي الأولى له والثانية للقوم يتشهد فيها؟ قال نعم. قلت والثانية أيضا؟ قال نعم. قلت كلهن؟ قال نعم فإنما هو بركة».

وعن إسحاق بن يزيد (٢) قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك يسبقني الإمام بركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان أفأتشهد كلما قعدت؟ قال نعم فإنما التشهد بركة».

وبذلك يظهر ان ما نقله في الذكرى عن ابى الصلاح ـ من انه يجلس مستوقرا ولا يتشهد ، قال : وتبعه ابن زهرة وابن حمزة ـ غفلة عن ملاحظة هذه الأخبار وعدم الوقوف عليها.

قيل : ومنه يعلم انه قد يوجد خمس تشهدات في الرباعية وأربعة في الثلاثية وثلاثة في الثنائية. والظاهر انه سهو من القلم أو من القائل بل أربعة في الرباعية وثلاثة في الثلاثية واثنان في الثنائية.

الرابع ـ قيل : الأولى القيام إلى إدراك الفائت بعد تسليم الامام ويجوز قبله بعد التشهد على القول باستحباب التسليم ، واما على القول بوجوبه فلا يبعد ايضا ذلك بل يجوز المفارقة بعد رفع الرأس من السجدة أيضا قبل التشهد بناء على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال ، وعلى تقدير الجواز هل تجب نية الانفراد؟ فيه وجهان ولعل الأقرب العدم. انتهى.

أقول : لا يحضرني الآن خبر في هذه المسألة إلا ما سيأتي قريبا في موثقة عمار (٣) من قوله عليه‌السلام «فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته». وهي كما ترى ظاهرة في كون القيام بعد التسليم ، وباب الاحتمال في المسألة واسع. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ لا يخفى ان للمأموم بالنظر الى دخوله مع الإمام في الصلاة

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦٦ من صلاة الجماعة.

(٣) ص ٢٥٤.

٢٥٠

أحوالا أحدها ـ ان يدركه قبل الركوع ، ولا خلاف في إدراكه الركعة والاعتداد بها ، وعليه تدل الأخبار الكثيرة كما تقدم في صلاة الجمعة.

الثانية ـ أن يدركه حال الركوع والأشهر الأظهر إدراك الركعة والاعتداد بها ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في فصل صلاة الجمعة وفي المسألة الثانية من هذا المطلب ، فيكبر تكبيرة للافتتاح واخرى للركوع وان خالف فوت الركوع أجزأته تكبيرة الافتتاح ، قال في المنتهى : ولو خاف الفوات أجزأته تكبيرة الافتتاح عن تكبيرة الركوع إجماعا.

أقول : وقد تقدم ما يدل على ذلك من الأخبار في الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من فصول الباب الثاني في الصلوات اليومية وقد تقدم ما يتعلق من البحث بذلك

الثالثة ـ أن يدركه بعد رفع رأسه من الركوع ، ولا خلاف في فوات الركعة بذلك وعدم احتسابها ، وكذلك الظاهر انه لا خلاف أيضا في استحباب التكبير والدخول معه ومتابعة الإمام في السجدتين ، وانما الخلاف في وجوب استئناف النية وتكبيرة الإحرام بعد القيام من السجود أو الاعتداد بما فعله أولا ، فالشيخ على الثاني مستندا الى ان زيادة الركن مغتفرة في متابعة الامام ، والأكثر على الأول لأن زيادة السجدتين تبطل الصلاة ، ويظهر من العلامة في المختلف التوقف في هذا الحكم من أصله للنهى عن الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها.

الرابعة ـ ان يدركه وقد سجد سجدة واحدة ، قالوا وحكمه كالسابق.

الخامسة ـ أن يدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، وقد قطع المحقق وغيره بأنه يكبر ويجلس معه ويتخير بين الإتيان بالتشهد وعدمه استنادا إلى رواية عمار الآتية ، وقال في الذكرى : الحالة الخامسة ـ أن يدركه بعد السجود فيكبر ويجلس معه جلسة الاستراحة أو جلسة التشهد الأول أو التشهد الأخير ، وتجزئ هذه التكبيرة قطعا فان كان قد بقي شي‌ء من صلاة الإمام بنى عليه وإلا نهض بعد تسليم الامام وأتم صلاته. ثم نقل روايتي عمار المتقابلتين في الجلوس بعد التكبيرة وقد جمع بينهما بجواز الأمرين.

٢٥١

أقول : وتحقيق الكلام في المقام بما لا يحوم حوله ان شاء الله تعالى نقض ولا إبرام ان المستفاد من اخبار المسألة هو ثبوت التعبد بالدخول مع الإمام في هذه الصور الثلاث الأخيرة وانما البحث والإشكال ومحل الخلاف في وجوب تجديد النية وتكبيرة الإحرام وعدمه.

وها انا أذكر الأخبار التي وقفت عليها في هذه المسألة مذيلا لكل منها بما رزقني الله سبحانه فهمه منها مستمدا منه تعالى الهداية والتوفيق الى الصواب والعصمة من زلل الإقدام في هذه الأبواب :

فأقول : من الأخبار المذكورة رواية المعلى بن خنيس عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها».

وظاهرها كما عرفت هو جواز الدخول واستحبابه وحصول فضيلة الجماعة بذلك لكنها مجملة بالنسبة الى الاستئناف وعدمه بل ربما ظهر منها ان المراد انما هو مجرد المتابعة في السجود لا انه ينوي ويكبر بحيث يدخل في الصلاة ، ولعل في قوله «ولا تعتد بها» ما يشير الى ذلك بمعنى انك لا تعد ذلك دخولا في الصلاة وان احتمل ايضا أن يكون المعنى انك لا تعتد بها بحيث تجعلها ركعة تامة بمجرد ادراك السجود ، وحينئذ فيحمل قوله «فأدركته» يعنى كبرت معه ودخلت في الصلاة. وكيف كان فإنها بهذا الإجمال وتعدد الاحتمال تسقط عن درجة الاستدلال ومنها ـ

موثقة عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أدرك الامام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى يقوم».

وظاهر هذه الرواية انه يكبر تكبيرة الإحرام المعبر عنه بالافتتاح ويدخل في الصلاة مع الامام حال جلوسه في التشهد ولكن لا يجلس معه بعد التكبير والدخول بل يبقى قائما الى أن يقوم الامام. وهذه الرواية خارجة عن محل البحث لان المفروض ان المأموم لم يأت بشي‌ء زائد من ركن أو واجب ومنشأ الإشكال

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٩ من صلاة الجماعة.

٢٥٢

انما هو من ذلك ، وحينئذ فالرواية خارجة من البين لعدم الدلالة على شي‌ء من القولين

ومنها ـ رواية معاوية بن شريح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ، ومن أدرك الامام وهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها ، ومن أدرك الامام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا اقامة ، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة».

أقول : يمكن أن يستدل للشيخ بهذا الخبر بان يقال لا يخفى أن الظاهر من قوله «ومن أدركه» أي نوى وكبر معه ودخل في الصلاة ، وقد دلت على ان من دخل معه وهو ساجد سجد معه ولم يعتد بها واستمر معه في الصلاة ومن دخل معه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة فإنه يمضى في صلاته بعد تسليم الامام ، ولو كان ما يدعونه من وجوب إعادة النية والتكبير حقا لوجب ذكره في الكلام إذ المقام مقام البيان وليس فليس. وبعين ذلك يمكن أن يقال في رواية المعلى المتقدمة فإنها دلت على الدخول معه بعد النية والتكبير المعبر عنهما بقوله «فأدركته» لأن هذا هو ظاهر معنى هذا اللفظ كما عرفت ، ولم يتعرض في الخبر لإعادة النية وتكبير الإحرام ومقام البيان يقتضيه لو كان واجبا. وبالجملة فإنه حيث كان ظاهر اللفظ المذكور اعنى قوله «ومن أدركه» هو ما ذكرنا من الكناية عن الدخول معه بعد النية وتكبير الإحرام فإنه لا مناص من صحة ما رتبناه عليه من توجيه الاستدلال به للشيخ (قدس‌سره) ونحوه رواية المعلى بالتقريب المذكور ، ولا معنى لحمل هذا اللفظ على معنى الوصول الى الامام في تلك الحال وان لم يكبر ويدخل معه لانه معنى متهافت لا يقبله الذوق السليم ولا الفهم القويم. إلا ان الشيخ قد روى هذه الرواية (٢) إلى قوله «أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع». خاصة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٤ من تكبيرة الإحرام.

٢٥٣

وما نقلناه بهذه الكيفية انما هو من رواية صاحب الفقيه (١) واحتمل في الوافي (٢) ان تكون هذه الزيادة من كلام صاحب الفقيه ، وحينئذ فيسقط الاستدلال بما دلت عليه هذه الزيادة ، وصاحب الوسائل قد نقل الجميع (٣) بناء على انه من الرواية ولعله الأظهر.

ومنها ـ رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) وفيها قال : «إذا وجدت الامام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه وان كان قاعدا قعدت وان كان قائما قمت».

أقول : ظاهر هذه الرواية الدخول معه في الصلاة وانه متى كان الدخول وهو ساجد لم يتابعه في السجود مع دلالة رواية المعلى المتقدمة على السجود معه متى دخل معه بعد رفع رأسه من الركوع. ويشكل الجمع بينهما في ذلك إذ لا فرق بينهما إلا ان هذا الخبر دل على دخوله حال السجود وخبر المعلى دل على دخوله قبل السجود ، وهذا الا يصلح للفرق وجواز السجود في ما إذا دخل قبل وعدم الجواز في ما إذا دخل حال السجود. اللهم إلا ان يقال ان رواية المعلى قد دلت على انه لا يعتد بذلك السجود وحينئذ يكون وجوده كعدمه ، وظاهرها انه لا ضرورة في الإتيان به كما هو مذهب الشيخ ، وحينئذ يكون وجه الجمع بينهما التخيير بين الإتيان بالسجود وعدمه.

ومنها ـ موثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) «في الرجل يدرك الامام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه؟ قال لا يتقدم الامام ولا يتأخر الرجل ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته».

أقول : ظاهر الخبر انه بدخوله في هذه الحال يدرك فضيلة الجماعة وان لم

__________________

(١) ج ١ ص ٢٦٥.

(٢) باب الرجل يدرك الإمام في أثناء الصلاة أو بعد انقضاء الاولى.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٩ من صلاة الجماعة.

٢٥٤

يدرك من الصلاة شيئا ولم يكن حكمه حكم المأموم حقيقة ، ولهذا منع من تقدم الامام وتأخر الرجل الذي الى جنبه لان هذا الداخل ليس مأموما حقيقيا يوجب تعدد المصلى خلف الامام الموجب لتقدم الامام وتأخر المأمومين خلفه كما تقدم.

وكيف كان فظاهر الخبر الدلالة على مذهب الشيخ ، لان قوله : «فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته» ظاهر في الدلالة على الاعتداد بالتكبير الأول وان كان قد زاد واجبا وهو التشهد ، ومن ثم ان جمعا ممن خالف الشيخ في الصورة الثالثة والرابعة وافقه هنا كالمحقق والعلامة وغيرهما للموثقة المذكورة كما قدمنا ذكره وصاحب المدارك انما طعن في الرواية المذكورة من حيث السند دون الدلالة ، إلا انه لا يخفى ان موثقة عمار المتقدمة دالة على النهى عن القعود مع الإمام في مثل هذه الصورة ، إلا ان يقال بالفرق بين التشهد الأول والثاني فيقال بالمتابعة في الثاني كما دلت عليه هذه الموثقة دون الأول كما دلت عليه الموثقة المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه (١) عن عبد الله بن المغيرة قال «كان منصور بن حازم يقول إذا أتيت الامام وهو جالس قد صلى ركعتين فكبر ثم اجلس فإذا قمت فكبر». وهو ظاهر الدلالة على القول المشهور.

والرواية وان كانت غير مسندة الى إمام إلا ان الظاهر من حال القائل المذكور لكونه من أجل ثقات الأصحاب انه لا يقوله إلا عن ثبت وسماع من الامام ويؤيده إيراد الصدوق لها في كتابه.

وحينئذ فتبقى المسألة في قالب الإشكال ، ولعل نهيه عليه‌السلام في موثقة عمار الأولى عن الجلوس والتشهد مع الإمام في هذه الصورة انما هو لأجل البقاء على التكبير الأول وعدم الاحتياج إلى إعادة التكبير ثانيا كما في هذه الرواية ، على أن في الإبطال بالتشهد مع الإمام إشكالا لدلالة الأخبار المتقدمة قريبا على استحباب

__________________

(١) ج ١ ص ٢٦.

٢٥٥

متابعة المأموم للإمام في التشهد وان لم يكن موضع تشهد للمأموم فليكن هنا من قبيل ذلك.

وبالجملة فإن هذه الأخبار قد تصادمت وتقابلت في هذه الزيادات التي بعد تكبير الإحرام نفيا وإثباتا كالسجود الذي تقابلت فيه رواية المعلى إثباتا ورواية البصري نفيا ، والتشهد الذي قد تقابلت فيه موثقة عمار الأولى نفيا وموثقته الثانية وكذا رواية عبد الله بن المغيرة إثباتا ، وظاهر الروايات المثبتة في كل من الموضعين موافق لكلام الشيخ وظاهر الروايات النافية في كليهما موافقة للمشهور وحمل أحد الطرفين على الآخر وان أمكن كما أشرنا إليه آنفا إلا انه لا يخرج المسألة عن قالب الإشكال ومجال الاحتمال ، والاحتياط عندي أن لا يدخل المأموم في حال من هذه الأحوال.

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (١) قال : «قلت له متى يكون يدرك الصلاة مع الامام؟ قال إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته».

قال في المدارك : ويستفاد من هذه الرواية عدم جواز الدخول مع الامام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، لأن الظاهر ان السؤال انما وقع عن غاية ما تدرك به الجماعة وقد ناطه عليه‌السلام بإدراك السجدة الأخيرة ، وليس في الرواية دلالة على حكم المتابعة إذا لحقه في السجود ، والظاهر ان الاقتصار على الجلوس أولى. انتهى

أقول : لا يخفى ان هذه الدلالة إنما هي بالمفهوم الضعيف المعارض بمناطيق جملة من الأخبار ، إذ غاية ما تدل عليه الرواية انه إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة فقد أدرك الصلاة معه ومفهومه عدم إدراك الصلاة بعد ذلك ، وقد عرفت دلالة موثقة عمار الثانية على إدراك فضيلة الجماعة بالدخول معه في التشهد الأخير ، وأصرح منها رواية معاوية بن شريح المتقدمة وقوله فيها «ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة» ونحو ذلك إطلاق

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من صلاة الجماعة.

٢٥٦

رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري (١) وحينئذ فوجه الجمع بين هذه الأخبار حمل الصحيحة المذكورة على أعلى المرتبتين ، وذلك فإنه بعد فوات الدخول في الركعة الأخيرة لعدم ادراك ركوعها فهنا مراتب في إدراك فضيلة الجماعة : أولها إدراكه قبل السجود ثانيها إدراكه في السجدة الثانية ثالثها إدراكه في التشهد ، والصحيحة المذكورة لا دلالة فيها على انحصار إدراك الفضيلة في هذه الحال دون ما بعدها إلا بالمفهوم وهو من ما يجب إطراحه في مقابلة المنطوق. ولكن العذر له ظاهر حيث انه يدور مدار الأسانيد صحة وضعفا ، وهذه الرواية صحيحة السند عنده وتلك الأخبار ضعيفة باصطلاحه ، فالغني مناطيق تلك الأخبار في مقابلة هذا المفهوم الضعيف وهو تعسف محض. واما قوله ـ وليس في الرواية دلالة على حكم المتابعة إذا لحقه في السجود. الى آخره ـ ففيه ان قضية الدخول مع الإمام في الصلاة كيف كان وحيث كان هو المتابعة في جميع ما يأتي به في ذلك المكان إلا ان يستثني من ذلك شي‌ء بخصوصه ، ولا يحتاج بعد ذلك الى التصريح بالمتابعة في كل فعل حتى انه يحتاج هنا الى ذلك ويكون عدم ذكر المتابعة في السجود دليلا على عدمها. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن تأمل في أخبار الجماعة الواردة في المسبوق وغيره أدرك ما يوجب انعقاد الجماعة أم لا كما لا يخفى. والله العالم.

المسألة السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو دخل الامام والمأموم في النافلة قطعها وان كان في الفريضة أتمها نافلة ودخل مع الامام ، ولو كان إمام الأصل قطع الفريضة ، ولو كان الامام مخالفا لم يقطع فرضه ولم ينقله الى النقل بل يدخل معه.

وتوضيح هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ لو كان في نافلة فدخل الامام قالوا فإنه يقطعها إن خشي بإتمامها الفوات وإلا أتمها. قالوا وإنما يقطعها تحصيلا للعبادة التي هي أهم في نظر الشارع فإن الجماعة في نظر الشارع أهم من النافلة ، وأما لو لم

__________________

(١) ص ٢٥٤.

٢٥٧

يخش الفوات فإنه يتمها جمعا بين الوظيفتين وتحصيلا للفضيلتين. والظاهر ان المراد بالفوات يعنى فوات الركعة ، واحتمال فوات الصلاة كما بعيد.

ولم أقف في هذا المقام على نص إلا على ما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (١) حيث قال : «وان كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة فاقطعها وصل الفريضة مع الامام».

والأصحاب (رضوان الله عليهم) لم ينقلوا مستندا لما ذكروه في هذا الموضع سوى ما عرفت من التعليل الاعتباري الذي نقلناه عنهم.

ويمكن أيضا أن يستدل على ذلك بما تقدم في المسألة الثانية عشرة من المطلب الأول (٢) من صحيحة عمر بن يزيد الدالة على السؤال عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. الحديث. والأصحاب قد استدلوا به على كراهة النافلة بعد قوله «قد قامت الصلاة» ويمكن الاستدلال به هنا بتقريب ان الخبر قد دل على انه إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا ينبغي التطوع ، وهو أعم من أن يبتدئ بالتطوع بعد أخذ المقيم في الإقامة أو يحصل الأخذ في الإقامة بعد دخوله في النافلة ، فالمراد من النهى عن التطوع في هذا الوقت ابتداء واستدامة.

الثاني ـ ما لو كان في فريضة فإنه ينقل نيته الى النفل ويتمها ركعتين على المشهور وكلام العلامة في التذكرة يؤذن بدعوى الإجماع عليه.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلى إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة؟ قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام ولتكن الركعتان تطوعا».

وعن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألته عن رجل كان يصلى فخرج الامام

__________________

(١) ص ١٤.

(٢) ص ١٨٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٦ من صلاة الجماعة.

٢٥٨

وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ فقال ان كان اماما عدلا فليصل اخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو ، وان لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلى ركعة أخرى معه يجلس قدر ما يقول : «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع ، فإن التقية واسعة ليس شي‌ء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها ان شاء الله تعالى».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) «وان كنت في فريضتك وأقيمت الصلاة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في ركعتين ثم صل مع الإمام إلا أن يكون الامام ممن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك ولا تجعلها نافلة ولكن اخط الى الصف وصل معه ، وإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهد من قيام وسلم من قيام».

ونقل عن ابن إدريس المنع من النقل لأنه في قوة الإبطال. ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.

ونقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط انه جوز قطع الفريضة من غير احتياج الى النقل إذا خاف الفوت مع النقل. وقواه الشهيد في الذكرى استدراكا لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان ، ولان العدول الى النفل قطع للفريضة أو مستلزم لجوازه. واستحسنه جملة ممن تأخر عنه : منهم ـ السيد في المدارك. وهو كذلك.

وهل المراد بدخول الإمام في الصلاة الذي ينقل لأجله المأموم صلاته الى النفل هو الاشتغال بشي‌ء من واجباتها على ما قاله جماعة أو عند إقامة الصلاة كما ذكره آخرون؟ ظاهر الأخبار الثاني.

ثم ان ظاهر الأخبار المذكورة انه ينوي العدول عن الفريضة التي كان فيها

__________________

(١) ص ١٤.

٢٥٩

الى النفل ويضيف إليها ركعة أخرى لو كان قد صلى ركعة منها ولو كان قد صلى ركعتين منها عدل بما صلاة إلى النفل وتشهد وسلم ، وانما الإشكال في ما لو صلى أزيد من ركعتين حيث انه لا يفهم من النصوص المذكورة الحكم في ذلك إذ الظاهر منها إنما هو ما عدا الصورة المفروضة ، وحينئذ فهل يستمر لتحريم قطع الفريضة وخروج هذه الصورة عن مورد النصوص ، أو أنه يعدل الى النفل للاشتراك في العلة وهي تحصيل فضيلة الجماعة ، أو يهدم الركعة ويسلم أو يقطعها استدراكا لفضيلة الجماعة وعدم دليل على تحريم قطع الفريضة بحيث يشمل محل البحث؟ أوجه استقرب العلامة في التذكرة والنهاية منها الأول والظاهر انه الأحوط.

الثالث ـ لو كان الداخل إمام الأصل قالوا انه يقطع الفريضة ويدخل معه ، قاله الشيخ وتبعه جمع من الأصحاب ، وعللوه بان له المزية الموجبة لشدة الاهتمام بمتابعته واللحوق به. وتردد فيه الفاضلان من حيث كمال المزية كما ذكروا ، ومن عموم النهى عن قطع الصلاة. وفي المختلف جزم بعدم قطع الصلاة لقوله تعالى : «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (١) وخبري سليمان بن خالد وسماعة المتقدمين (٢) والتحقيق ان الأخبار المتقدمة التي هي العمدة في هذه المسألة عامة لإمام الأصل وغيره والفرق بمجرد هذا الاعتبار الذي ذكروه لا وجه له.

الرابع ـ ما لو كان الداخل اماما مخالفا وهو في الفريضة فقد صرحوا بأنه لا ينقل الفريضة إلى النفل ولا يقطعها بل يدخل معه ، والظاهر انه لا خلاف في ذلك انما الخلاف في ما لو ألجأه الإمام إلى القيام في موضع التشهد فهل يتشهد جالسا ثم يقوم أو يقوم معه ويتشهد قائما؟ ظاهر الشيخ وجماعة الأول وظاهر الشيخ على بن بابويه الثاني.

قال الشيخ (قدس‌سره) : لو كان الامام ممن لا يقتدى به وقد سبقه المأموم لم يجز له قطع الفريضة بل يدخل معه في صلاته ويتم هو في نفسه فإذا فرغ سلم

__________________

(١) سورة محمد الآية ٣٦.

(٢) ص ٢٥٨.

٢٦٠