الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

و (الثانية) انه لو سبق الامام اثنين فصاعدا بمعنى انهم لم يدركوا الإمام إلا بعد فوات ركعة أو ركعتين من صلاته فبعد تسليم الامام وقيامهم لما بقي عليهم هل يأتم بعضهم ببعض أم لا؟ وهذه الصورة الثانية هي مراد العلامة من هذا الكلام والصورة الأولى هي المفروضة في كلامه «قدس‌سره» وكلام السيد هنا لا يخلو من إجمال فيحتمل انه حمل كلام العلامة هنا على ما فرضه أولا من صورة اقتداء الحاضرين بالمسافر كما يشير اليه قوله بالتوقف في جواز الاقتداء على هذا الوجه يعنى الوجه المتقدم في كلامه أو ما هو أعم من الصورتين المفروضتين وان كلام العلامة شامل لاقتداء الحاضرين بالمسافر.

وكيف كان فالظاهر ان المسألتين متغايرتان والنص قد دل بالنسبة إلى ائتمام الحاضرين بالمسافر انه بعد تمام صلاة الإمام يقدم بعض المأمومين ، فجواز الائتمام هنا من ما لا اشكال فيه سواء قدمه الامام لما عرفت من الخبر الرابع عشر أو المأمومين لعين ما تقدم في صورة موت الامام كالخبر الأول ، وفي صورة ما لو أحدث وانصرف ولم يقدم أحدا كما في الخبر الثاني عشر ، فإن الإمامة لما كانت جائزة ومشروعة لا يفرق بين الآتي بها والمتصدي لها من الامام أو المأمومين أو تقدم بعضهم واقتداء الباقي من غير تعيين أحد ، أما بالنسبة إلى المسبوقين بعد إتمام الإمام صلاته فلم يرد هنا نص على الاستخلاف من الامام أو المأمومين.

وقوله : «وكيف كان فالظاهر مساواته لحال الاستخلاف» ان أراد به بالنسبة إلى ائتمام الحاضرين بالمسافر فقد عرفت انه لا إشكال فيه ، وان أراد بالنسبة إلى الصورة الأخرى وهي الظاهرة من كلام العلامة فلا أعرف لهذه الظاهرة وجها يعتمد عليه ، فان العبادات عندنا مبنية على التوقيف كما وكيفا وفرادى وجماعة ، والنصوص الواردة بالاستخلاف المستلزم لنقل النية من المأمومية إلى الإمامة ومن الائتمام بإمام الى الائتمام بآخر مخصوصة بالصور الخمس التي قدمناها وليس هذا منها ، وإلحاق ما سوى ذلك به قياس لا يوفق أصول المذهب وان

٢٢١

كان بعض الأصحاب قد عدوا ذلك الى صور خالية من النصوص ، والظاهر انه لما ذكرناه استشكل العلامة في صورة المسبوقية وهو في محله.

وبالجملة فإن العدول في الصلاة من نية إلى أخرى ـ مع ما يترتب على ذلك من تغاير الأحكام كما هو المعلوم من أحكام الإمامة والمأمومية ـ أمر على خلاف الأصل المستفاد من قواعد الشرع. فالواجب الاقتصار فيه على موارد الرخص ، وقد عرفت اختصاص ذلك بالصور الخمس المتقدمة وإلا فههنا صور عديدة قد قدمنا الكلام فيها مستوفى في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة :

منها ـ ان يعدل من الائتمام بإمام في أثناء الصلاة الى الائتمام بآخر لو حضرت جماعة أخرى في ذلك المكان ، وقد نقل القول بالجواز هنا عن العلامة في التذكرة وتبعه المحدث الكاشاني في المفاتيح.

ومنها ـ ما لو صلى مأموما ثم عدل في أثناء الصلاة إلى نية الإمامة ببعض المأمومين أو غيرهم بعد نقل نيته الى الانفراد أو عدمه.

ومنها ـ أن ينقل الامام نيته في الأثناء الى الائتمام ببعض المأمومين وذلك المأموم ينقل نيته إلى الإمامة.

الى غير ذلك من الصور التي يمكن فرضها ، وقد تقدم الكلام فيها ونحوها في الموضع المشار اليه ، والأظهر الأشهر العدم لما عرفت من الخروج عن مواضع النصوص. والله العالم.

المسألة السادسة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهة الإمامة في جملة من المواضع : منها ـ المسبوق وقد تقدم الكلام فيه في سابق هذه المسألة.

ومنها ـ المجذوم والأبرص والمحدود والأعرابي ، وقد تقدم الكلام في هؤلاء الأربعة في بحث صلاة الجمعة.

ومنها ـ الأغلف وقد أطلق جملة من الأصحاب كراهة إمامة الأغلف ، ومنع منه جماعة منهم كالشيخ والمرتضى.

٢٢٢

وقال في المدارك ـ بعد أن ذكر المصنف الأغلف في من يكره إمامته ـ ما صورته : الحكم بكراهة إمامة الأغلف مشكل على إطلاقه لان من أخل بالختان مع التمكن منه يكون فاسقا فلا تصح إمامته ، وأطلق الأكثر المنع من إمامته وهو مشكل ايضا.

وقال المحقق في المعتبر : والوجه ان المنع مشروط بالفسوق وهو التفريط في الاختتان مع التمكن لا مع العجز ، وبالجملة ليس الغلفة مانعة باعتبارها ما لم ينضم إليها الفسوق بالإهمال ونطالب المانعين بالعلة ، فإن احتجوا ـ بما رواه أبو الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على (عليهم‌السلام) (١) قال : «الأغلف لا يؤم القوم وان كان أقرأهم لأنه ضيع من السنة أعظمها ولا تقبل له شهادة ولا يصلى عليه إلا أن يكون منع ذلك خوفا على نفسه». فالجواب من وجهين : (أحدهما) ـ الطعن في سند الرواية فإنهم بأجمعهم زيدية مجهولو الحال و (الثاني) ـ أن نسلم الخبر ونقول بموجبه ، فإنه تضمن ما يدل على إهمال الاختتان مع وجوبه فلا يكون المنع متعلقا على الغلفة ، فإن ادعى مدع الإجماع فذاك يلزم من علمه ونحن لا نعلم ما ادعاه. انتهى. وهو جيد.

ثم ان الظاهر انه مع قدرته على الاختتان والإخلال به لا يقتضي ذلك بطلان صلاته بل غايته الإثم لعدم توجه النهي إلى شي‌ء من العبادة وانما هو أمر خارج إلا عند من يقول باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، وهو قول مرغوب عنه لعدم الدليل عليه بل الدليل على خلافه واضح السبيل. إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في الروض صرح بأنه لا تصح صلاته بدون الاختتان وان كان منفردا ، ولا اعرف له وجها ولا سيما ان مذهب في تلك المسألة الأصولية هو عدم استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص.

ومن ما يدل على النهى عن امامة الأغلف زيادة على الخبر المذكور ما نقله

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من صلاة الجماعة.

٢٢٣

في البحار (١) عن كتاب جعفر بن محمد بن شريح عن عبد الله بن طلحة النهدي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يؤم الناس المحدود وولد الزنا والأغلف والأعرابي والمجنون والأبرص والعبد».

وما رواه الصدوق في الخصال بسنده فيه عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) قال : «ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس : ولد الزنا والمرتد والأعرابي بعد الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأغلف». ورواه جعفر بن محمد بن قولويه في كتابه بإسناده إلى الأصبغ مثله (٣).

وروى في المقنع مرسلا (٤) قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الأغلف لا يؤم القوم. الحديث. كما تقدم في حديث الزيدية.

ومنها ـ امامة من يكرهه المأمومون وقد ورد بذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٥) قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : العبد الآبق حتى يرجع الى مولاه والناشر عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وامام قوم صلى بهم وهم له كارهون. الحديث».

وروى في الكتاب المذكور بسنده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٦) في حديث المناهي قال : «ونهى أن يؤم الرجل قوما إلا بإذنهم. وقال من أم قوما بإذنهم وهم به راضون فاقتصد بهم في حضوره وأحسن صلاته بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده وقعوده فله مثل أجر القوم ولا ينقص من أجرهم شي‌ء».

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ٦٢٧.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٤ من صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من صلاة الجماعة.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٧ من صلاة الجماعة.

٢٢٤

وروى في كتاب الخصال بسنده عن عبد الملك بن عمير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : أربعة لا تقبل لهم صلاة : الإمام الجائر ، والرجل يؤم القوم وهم له كارهون ، والعبد الآبق من مولاه من غير ضرورة ، والمرأة تخرج من بيتها بغير إذن زوجها».

وروى الشيخ بسنده عن زكريا صاحب السابري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر : مؤذن أذن احتسابا ، وامام أم قوما وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه».

وروى في الأمالي بسنده فيه عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «ثلاثة لا تقبل لهم صلاة : عبد آبق من مواليه حتى يرجع إليهم فيضع يده في أيديهم ، ورجل أم قوما وهم كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط». ورواه الكليني في كتاب النكاح (٤).

وروى جملة من الأصحاب عن على عليه‌السلام (٥) انه قال لرجل أم قوما وهم له كارهون : «انك لخروط». قال في الروض : انه بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والگواو والطاء المهملة وهو الذي يتهور في الأمور ويركب رأس كل ما يريد بالجهل وقلة المعرفة بالأمور.

قال العلامة في التذكرة : الأقرب انه ان كان ذا دين يكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته والإثم على من كرهه وإلا كرهت. وظاهر هذا الكلام حمل الأخبار المذكورة على من لم يكن من أهل الإمامة ويحمل الناس على الائتمام به ، وحينئذ فهذه الكراهة ترجع الى التحريم إلا مع التقية.

وقال في المنتهى : لا تكره امامة من يكرهه المأمون أو أكثرهم إذا كان

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٧ من صلاة الجماعة.

(٤) ج ٢ ص ٦٠ وفي الوسائل الباب ٨٠ من مقدمات النكاح.

(٥) الفائق للزمخشري ونهاية ابن الأثير ولسان العرب وتاج العروس مادة «خرط».

٢٢٥

بشرائط الإمامة خلافا فالبعض الجمهور (١) لنا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : «يؤمكم أقرأكم» وذلك عام ، ولا اعتبار بكراهة المأمومين له إذ الإثم انما يتعلق بمن يكرهه لا به. انتهى. وهو جيد يرجع الى ما تقدم.

أقول : ويمكن ـ ولعله الأقرب ـ ان المراد بالأخبار المذكورة ان المأمومين ليس لهم مزيد اعتقاد فيه ويرجحون غيره عليه ويريدون الائتمام بغيره وهو يحملهم مع ذلك على الائتمام به ويمنعهم من غيره ، وحينئذ فالكراهة في محلها وان صحت الصلاة خلفه. والله العالم.

ومنها ـ المتيمم بالمتوضئين ، والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب بل قال العلامة في المنتهى : انا لا نعرف فيه خلافا إلا ما حكى عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك (٣).

واستدل الشيخ على الحكم المذكور في كتابي الأخبار بما رواه عن عباد بن صهيب (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول «لا يصلى المتيمم بقوم متوضئين».

وعن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) قال : «لا يؤم صاحب التيمم المتوضئين ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء».

وانما حملتا على الكراهة لما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن دراج (٦) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن امام قوم أجنب وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ومعهم ماء يتوضأون به أيتوضأ بعضهم ويؤمهم؟ قال لا ولكن يتيمم الإمام

__________________

(١) في المهذب ج ١ ص ٩٨ : يكره ان يصلى الرجل بقوم وأكثرهم له كارهون ، وان كان الذي يكره أقل فلا كراهة. وبه قال ابن قدامة في المغني ج ١ ص ٣٦٣ وقال أحمد إذا كرهه واحد أو اثنان فلا بأس.

(٢) ص ٢٠٨.

(٣) في البحر الرائق ج ١ ص ٣٦٣ ذهب محمد الى فساد اقتداء المتوضئ بالمتيمم وذهبا (أبو حنيفة وأبو يوسف) إلى الصحة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجماعة.

(٦) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجماعة. واللفظ للفقيه ج ١ ص ٢٥٠.

٢٢٦

ويؤمهم فان الله (عزوجل) جعل الأرض طهورا كما جعل الماء طهورا».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير في الموثق (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب ثم تيمم فأمنا ونحن طهور؟ فقال لا بأس به».

وعن عبد الله بن المغيرة في الحسن عن عبد الله بن بكير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قلت له رجل أم قوما وهو جنب وقد تيمم وهم على طهور : فقال لا بأس».

وعن أبي أسامة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الرجل يجنب وليس معه ماء وهو امام القوم؟ قال يتيمم ويؤمهم».

والأقرب عندي في الجمع بين هذه الأخبار حمل الأخبار الأولة على التقية لاتفاق المخالفين إلا الشاذ النادر على الحكم المذكور (٤) كما عرفت من كلام العلامة وان وافقهم أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ذلك وجعلوه وجه جمع بين هذه الأخبار إلا أن الأخبار المجوزة لا إشارة فيها الى ذلك فضلا عن التصريح به ، ويعضده ان رواة الخبرين الأولين من العامة. والى ما ذكرناه من العمل بهذه الأخبار الأخيرة يميل كلام صاحب المدارك بناء على قاعدته ، حيث نقل صحيحة جميل في المسألة ورد الخبرين الأولين بضعف الاسناد ورجح العمل بالصحيحة المذكورة لضعف المعارض لها ولم ينقل شيئا من الروايات التي أردفناها به. وبالجملة فالأظهر عندي ما ذكرته. والله العالم.

ومنها ـ العبد وقد وقع الخلاف في إمامته ، فقال في المبسوط والنهاية : لا يجوز أن يؤم الأحرار ويجوز أن يؤم مواليه إذا كان أقرأهم. وقال ابن بابويه في المقنع : ولا يؤم العبد إلا أهله لرواية السكوني (٥). وأطلق ابن حمزة ان العبد لا يؤم الحر ،

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجماعة.

(٤) في المهذب ج ١ ص ٩٧ يجوز للمتوضئ أن يصلى خلف المتيمم لانه اتى عن طهارة يبدل. وفي المغني ج ٢ ص ٢٢٥ يصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم لا اعلم فيه خلافا لان عمرو ابن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ النبي (ص) فلم ينكره.

(٥) ص ٢٢٨.

٢٢٧

وجوز إمامته مطلقا ابن الجنيد وابن إدريس ، وأطلق الشيخ في الخلاف جواز إمامته قال : وفي بعض رواياتنا لا يؤم إلا مولاه. وقال أبو الصلاح يكره.

ويدل على جواز إمامته جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «قلت له الصلاة خلف العبد فقال لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه. الحديث».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) «انه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال لا بأس به». ورواه أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام وذكر مثله (٣).

وعن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألته عن المملوك يؤم الناس فقال لا إلا أن يكون هو أفقههم وأعلمهم».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (٥) قال : «لا بأس أن يؤم المملوك إذا كان قارئا».

وهذه الأخبار كما ترى كلها ظاهرة في الجواز إذا كان من أهل الإمامة.

إلا انه روى الشيخ عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (٦) قال «لا يؤم العبد إلا أهله».

وجمع الشيخ بينه وبين الأخبار المتقدمة بحمل هذا الخبر على الاستحباب وتبعه في ذلك جملة من الأصحاب كما هي قاعدتهم في سائر الأبواب.

وأنت خبير بان ظاهر تلك الأخبار على تعددها مؤذن بجواز الإمامة متى كان قارئا أو فقيها من غير إشعار بكراهة بالكلية ، وحملها على خلاف ظاهرها بمجرد هذا الخبر مع ضعفه وعدم نهوضه بالمعارضة مشكل ، ولعل طرحه وإرجاعه إلى قائله هو الأولى ان لم يكن خرج مخرج التقية. ومن ذلك يظهر لك

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من صلاة الجماعة.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من صلاة الجماعة.

(٦) الوسائل الباب ١٦ من صلاة الجماعة.

٢٢٨

عدم المستند لما ذكروه من الأقوال المتقدمة فإن هذه أخبار المسألة التي وصلت إلينا. والله العالم.

ومنها ـ المقيد بالمطلقين وصاحب الفالج بالأصحاء ، والظاهر ان امامة المقيد بالمطلقين ترجع إلى امامة القاعد بالقائمين ، وقد عرفت آنفا ان الحكم في ذلك هو التحريم ، وحينئذ فلا وجه لعده هنا في المكروهات كما ذكره بعضهم إلا ان يكون المقيد يستطيع الصلاة قائما وهو خلاف الظاهر وكذا صاحب الفالج ، وبالجملة فإنه متى استلزم نقصان صلاة الإمام بترك شي‌ء من واجباتها فظاهرهم المنع من الاقتداء كما صرحوا به في غير موضع وإلا فالكراهة.

ومن الاخبار الواردة هنا ما رواه في الكافي عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يؤم المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحاء ولا صاحب التيمم المتوضئين. الحديث». ورواه الصدوق مرسلا (٢).

وعن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) قال «لا يؤم صاحب الفالج الأصحاء».

وعن صاعد بن مسلم عن الشعبي (٤) قال قال على عليه‌السلام في حديث : «لا يؤم المقيد المطلقين».

قال شيخنا المجلسي في البحار : وظاهر كلام بعض الأصحاب عدم جواز امامة المقيد المطلقين وصاحب الفالج الأصحاء ، والمشهور الكراهة إلا مع عدم تمكنهما من الإتيان بأفعال الصلاة. انتهى.

ومنها ـ امامة المسافر بالحاضر وبالعكس ، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة من المطلب المتقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة الجماعة إلى قوله «الأصحاء».

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة الجماعة. والرواية للشيخ في التهذيب ج ١ ص ٣٠٢.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة الجماعة. وفي النسخ «محمد بن مسلم» وقد صححناه.

٢٢٩

المطلب الثالث في الأحكام

وفيه مسائل الأولى ـ الأشهر الأظهر أنه لو تبين بعد الصلاة ان الامام كافر أو فاسق أو على غير طهارة لم تبطل صلاة من ائتم به ، ونقل عن المرتضى وابن الجنيد أنهما أوجبا الإعادة على المأموم ، كذا نقله عنهما في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة. وظاهره يؤذن بأن المرتضى خالف في كل من المسائل الثلاث اعنى فسق الامام وكفره وحدثه ، والظاهر انه ليس كذلك فان ظاهر العلامة في المنتهى والمختلف ان خلاف السيد انما هو في مسألتي الكفر والفسق دون الحدث ، أما في المنتهى فإنه قال : لو صلى خلف من ظاهره العدالة فبان فاسقا لم يعد وبه قال الشيخ وقال السيد المرتضى يعيد. ثم قال : الثاني ـ لو صلى خلف جنب أو محدث عالما أعاد بغير خلاف ولو كان جاهلا لم يعد ، قال السيد المرتضى يلزم الإمام الإعادة دون المأموم. قال : وقد روى ان المأمومين ان علموا في الوقت لزمهم الإعادة. وأما مسألة الحدث فلم يتعرض لذكرها في الكتاب ، وهو مؤذن بأنها ليست محل خلاف. وحكى الصدوق في الفقيه عن جماعة من مشايخه انه سمعهم يقولون ليس عليهم إعادة شي‌ء من ما جهر فيه وعليهم اعادة ما صلى بهم من ما لم يجهر فيه ، قال : والحديث المفصل يحكم على المجمل.

ويدل على القول المشهور جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن ابن ابى عمير في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال لا يعيدون».

وقال الصدوق في الفقيه : وفي كتاب زياد بن مروان القندي وفي نوادر محمد

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني.

٢٣٠

ابن ابى عمير ان الصادق عليه‌السلام (١) قال : «في رجل صلى بقوم من حين خرجوا من خراسان حتى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني؟ قال ليس عليهم اعادة».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته فقال يعيد ولا يعيد من خلفه وان أعلمهم انه على غير طهر».

وعن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : سألته عن قوم صلى بهم امامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال لا اعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه هو الإعادة ، وليس عليه ان يعلمهم هذا عنه موضوع».

وعن عبد الله بن بكير في الموثق به (٤) قال : سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن نعلم؟ قال لا بأس».

وعن عبد الله بن ابى يعفور بسند لا يبعد أن يكون موثقا (٥) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أم قوما وهو على غير وضوء؟ فقال ليس عليهم اعادة وعليه هو أن يعيد».

وعن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) انه قال : «في رجل يصلى بالقوم ثم يعلم انه صلى بهم الى غير القبلة؟ قال ليس عليهم اعادة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «من صلى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة وليس عليهم أن يعيدوا ، وليس عليه أن يعلمهم ولو كان ذلك عليه لهلك. قال قلت كيف كان يصنع بمن قد خرج الى خراسان وكيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال هذا عنه موضوع».

وبإسناده عن جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٨)

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من صلاة الجماعة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٣٦ من صلاة الجماعة.

(٦) الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجماعة.

٢٣١

قال : «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه ليس على وضوء؟ قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا؟ فقال يعيد هو ولا يعيدون».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (٢) قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون انه يضمن؟ فقال لا يضمن أي شي‌ء يضمن؟ إلا أن يصلى بهم جنبا أو على غير طهر».

وأما ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن العرزمي عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) ـ قال «صلى على عليه‌السلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر ثم دخل فخرج مناديه ان أمير المؤمنين عليه‌السلام صلى على غير طهر فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب» ـ.

فأجاب عنه الشيخ في التهذيبين بان هذا خبر شاذ مخالف للاخبار كلها وما هذا حكمه لا يجوز العمل به ، على ان فيه ما يبطله وهو ان أمير المؤمنين عليه‌السلام أدى فريضة على غير طهر ساهيا غير ذاكر ، وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته عليه‌السلام انتهى. وهو جيد.

أقول : ومن الأخبار الدالة على ما دل عليه هذا الخبر من وجوب الإعادة على المأمومين ما نقله في كتاب البحار (٤) عن نوادر الراوندي بسنده فيه عن موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عن على عليهم‌السلام قال : «من صلى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد الناس».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٦ من صلاة الجماعة.

(٤) ج ١٨ الصلاة ص ٦٢٥. وفيه «أعاد هو والناس صلاتهم».

٢٣٢

وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن على (صلوات الله عليه) (١) قال : «صلى عمر بالناس صلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل عليهم فقال يا أيها الناس ان عمر صلى بكم الغداة وهو جنب. فقال له الناس فما ذا ترى؟ فقال على الإعادة ولا اعادة عليكم. فقال له على عليه‌السلام بل عليك الإعادة وعليهم ان القوم بإمامهم يركعون ويسجدون فإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين».

قال شيخنا في البحار بعد نقل خبر الراوندي : وهذا الخبر يمكن حمله على علمهم بكونه جنبا أو على الاستحباب أو على التقية لأنه مذهب الشعبي وابن سيرين وأصحاب الرأي من العامة (٢) وان كان أكثرهم معنا.

أقول : وأظهر هذه الاحتمالات هو الثالث لان مذهب أبي حنيفة وأصحابه المعبر عنهم بأصحاب الرأي كان له قوة في وقته فحمل ما وافقه على التقية غير بعيد ، والتقية هنا من الكاظم عليه‌السلام في نقل ذلك ، وعلى ذلك يحمل ايضا حديث كتاب الدعائم. وبالجملة فإنه لما ثبت اتفاق الطائفة على الحكم المذكور وتكاثر الأخبار الصريحة الصحيحة به كما عرفت من ما تلوناه فلا مندوحة من تأويل هذين الخبرين الضعيفين أو طرحهما بالكلية.

ونقل ان السيد المرتضى احتج ـ على ما نقل عنه ـ بأنها صلاة تبين فسادها لاختلال بعض شرائطها فيجب إعادتها ، وبأنها صلاة منهي عنها فتكون فاسدة.

وفيه (أولا) ـ ان هذا الاحتجاج في مقابلة النصوص المتكاثرة كما عرفت غير مسموع. و (ثانيا) ـ ان تبين الفساد مسلم بالنسبة الى الإمام أما بالنسبة إلى المأمومين فهو محل المنع ، لأنه مأمورون بالاقتداء بمن ظاهره الاتصاف بشرط الإمامة أعم من أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للواقع أولا ، ومقتضى الأمر الاجزاء والإعادة تحتاج الى دليل. وكذا قوله «انها صلاة منهي عنها» مسلم بالنسبة الى الامام وأما المأموم

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجماعة.

(٢) المغني ج ٢ ص ٩٩.

٢٣٣

فلا بل هي مأمور بها لما عرفت.

وأما ما نقله الصدوق عن بعض مشايخه فلم يصل إلينا ما يدل على ما ذكروه من التفصيل ، والظاهر انه لم يصل إليه أيضا وإلا لأفتى بما قالوه ولم يكتف بمجرد نقل ذلك عنهم.

هذا. ولو ظهر ذلك في الأثناء فإنهم يعدلون الى الانفراد بناء على القول المشهور من عدم وجوب الإعادة ، واما على القول بوجوب الإعادة فقيل بأنه يستأنف هنا. قيل ويحتمل الاستئناف على القولين ان قلنا بتحريم المفارقة في أثناء الصلاة ، قال في الذكرى : ولو صلى بهم بعض الصلاة ثم علموا حينئذ أتم القوم في رواية جميل وفي رواية حماد عن الحلبي (١) «يستقبلون صلاتهم».

أقول : الظاهر هو القول بالعدول الى الانفراد لما عرفت من الأخبار المتكاثرة المتعاضدة الدلالة على صحة الصلاة كملا بعد العلم فكذا بعضها بطريق أولى ، ولصحيحة زرارة المتقدمة وهي الثانية من روايتيه المتقدمتين.

واما ما نقله هنا في الذكرى من رواية حماد عن الحلبي الدالة على الاستقبال فلم أقف عليها في ما حضرني من كتب الأخبار ولا سيما ما جمع الكتب الأربعة وغيرها من الوسائل والبحار. والله العالم.

المسألة الثانية ـ قد تقدم في باب صلاة الجمعة الكلام في ما به تدرك الركعة وتحتسب من إدراك الإمام راكعا أو انه لا بد من إدراك تكبير الركوع ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك ونقل الأخبار المتعلقة بالمسألة.

بقي الكلام هنا بناء على القول المشهور ثمة من إدراك الركعة بالدخول معه حال ركوعه ، فلو دخل المأموم وخاف بالالتحاق بالصف رفع الإمام رأسه من الركوع فإنه يكبر مكانه ويمشي في ركوعه حتى يلتحق بالصف ، ولو سجد الإمام

__________________

(١) سيأتي منه (قدس‌سره) بعد أسطر التصريح بعدم الوقوف عليها.

٢٣٤

قبل التحاقه جاز له السجود في موضعه ثم الالتحاق بالصف إذا قام ، قال في المنتهى : ذهب إليه علماؤنا.

أقول : ويدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (١) انه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف ان تفوته الركعة؟ فقال يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشى وهو راكع حتى يبلغهم».

قال الصدوق في الفقيه (٢) : وروى انه يمشى في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى. وعلى الثاني ما رواه عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف وان جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٤) قال : «رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يوما وقد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده وسجد السجدتين ثم قام فمضى حتى لحق الصفوف».

أقول : وفي ذكر هذا الخبر في عداد أخبار هذه المسألة كما ذكره الأصحاب نظر لان الظاهر ان ائتمامه عليه‌السلام انما كان بمخالف ، وقد عرفت أن الصلاة معهم انما هو على جهة الانفراد ، فهو عليه‌السلام كان منفردا والكلام في المأموم الحقيقي ، بقي جواز مشيه عليه‌السلام حال الصلاة حتى لحق بالصف وهو محمول على التقية (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٦ من صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل الباب ٤٦ من صلاة الجماعة. والراوي معاوية بن وهب.

(٥) في بداية المجتهد ج ١ ص ١٣٧ المسألة الخامسة من الفصل الثالث : ذهب مالك وكثير من العلماء الى ان الداخل وراء الإمام إذا خاف فوات الركعة له ان يركع دون الصف ثم يدب راكعا ، وكره ذلك الشافعي ، وفرق أبو حنيفة بين الواحد فيكره وبين الجماعة فيجوز لهم. وفي المغني ج ٢ ص ٢٣٤ : ممن رخص في ركوع الرجل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف زيد بن ثابت وفعله ابن مسعود وزيد بن وهب وأبو بكر بن عبد الرحمن

٢٣٥

أقول : ومن اخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «قلت له الرجل يتأخر وهو في الصلاة؟ قال لا. قلت فيتقدم؟ قال نعم ماشيا إلى القبلة».

ورواه الكليني مثله (٢). وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ادخل المسجد وقد ركع الامام فاركع بركوعه وانا وحدي واسجد فإذا رفعت رأسي أي شي‌ء أصنع؟ فقال قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم وان كانوا جلوسا فاجلس معهم». ورواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمار مثله (٤).

وقيد شيخنا الشهيد الثاني المشي حال الصلاة بغير حالة الذكر الواجب ، والظاهر ان منشأه المحافظة على وجوب الطمأنينة في موضعها ، إلا ان ظاهر النصوص الإطلاق ولعله يخص هذا الإطلاق بما دلت عليه أدلة وجوب الطمأنينة. والأقرب تخصيص أدلة وجوب الطمأنينة بهذه الأخبار فإنها أظهر في الدلالة سيما مع عدم ما يدل على ما يدعونه من وجوب الطمأنينة من النصوص.

وقال العلامة في المنتهى : ولو فعل ذلك من غير ضرورة وخوف فوت فالظاهر الجواز خلافا لبعض العامة (٥) لأن للمأموم أن يصلى في الصف منفردا وان يتقدم بين يديه وحينئذ يثبت المطلوب. انتهى.

قال في الذخيرة بعد نقله : ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح (٦) قال : قلت له : الرجل يتأخر وهو في الصلاة. الخبر كما ذكرناه. أقول : ان هنا مسألتين : إحداهما التقدم من صف الى آخر والتأخر أما لسد

__________________

وعروة وسعيد بن جبير وابن جريح وجوزه الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي إذا كان قريبا من الصف.

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٤٦ من صلاة الجماعة.

(٥) لم أقف على نفس الفرع ويمكن ان يستفاد من ما في المجموع للنووي ج ٤ ص ٢٩٨ حيث انه بعد حكاية الخلاف في صلاة المنفرد خلف الصف نقل ان المشهور عن احمد وإسحاق صحة إحرامه وان دخل في الصف قبل الركوع صحت قدوته.

٢٣٦

خلل الصفوف أو لضيق مكان المصلى أو لإتمام الصف ، ومن الظاهر انه ليس هنا ما يمنع من ذلك إلا من حيث الإخلال بالطمأنينة لو انتقل في وقت تجب فيه الطمأنينة ، فالأولى والأظهر هو جواز الانتقال كما دلت عليه الأخبار لكن في وقت لا يلزم الإخلال بالطمأنينة التي هي أحد واجبات الصلاة وفيه جمع بين الأدلة

الثانية ـ ما لو دخل المصلى المسجد وبينه وبين الصفوف مسافة تزيد على ما لا يتخطى الذي هو كما عرفت من ما يبطل القدوة ، فإن الأخبار هنا دلت على انه متى خاف فوت الركعة برفع الإمام رأسه قبل وصولة إلى الصفوف والالتحاق بها فإنه يكبر مكانه ويركع ، وتصير هذه المسافة والبعد المبطلان للقدوة في غير هذه الصورة مغتفرين في هذه الصورة بالنص لضرورة إدراك الركعة ، وقد رخص له في الخبر أن يمشى في حال ركوعه ويلتحق بالصف ، وفيه دليل على اغتفار وجوب الطمأنينة وانها لا تبطل الصلاة بتركها في هذه الصورة ، وهكذا لو سجد الامام قبل التحاقه فإنه يسجد معه ولو جلس للتشهد جلس ايضا معه وان كانت تلك المسافة المبطلة في غير هذه الصورة موجودة لأنها صارت مغتفرة بهذه النصوص.

وبذلك يظهر لك ما في كلام المنتهى وان وافقه عليه في الذخيرة من عدم الاستقامة من انه لو فعل ذلك من غير ضرورة وخوف فوت الركعة جاز قياسا على التقدم والتأخير في الصفوف وهي كما عرفت مسألة أخرى ، وكيف يجوز ما ذكروه حال الاختيار والمفروض حصول البعد بين المأموم والصفوف بالقدر الممنوع منه في غير هذه الصورة ، اللهم إلا ان يبنى كلامه على عدم حصول البعد الموجب للإخلال بالقدوة الذي ناطوه بالعرف.

وبالجملة فإن كلامه هنا على ما حققناه آنفا في مسألة البعد وتحديده غير وجيه ولا تام. وقياسه مسألة تكبير الداخل للجماعة قبل الالتحاق بالصفوف على مسألة الانتقال من صف الى آخر قياس مع الفارق كما عرفت. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم انه لا يجوز

٢٣٧

للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر إلا أن ينوي الانفراد.

واستدل على الأول وهو عدم جواز المفارقة لغير عذر بالتأسي وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : «انما جعل الإمام إماما ليؤتم به».

وفيه ما عرفت مرارا من أن التأسي لا يكون دليلا في وجوب أو تحريم إلا مع معلومية وجهه وإلا فهو أعم من ذلك والأمر هنا كذلك. وأما الحديث المذكور فقد تقدم الكلام في انه غير ثابت من طرقنا بل الظاهر انه من روايات القوم كما صرح به بعض أصحابنا ، مع ما في دلالته من المناقشة.

والاولى الاستدلال على ذلك بما ذكره بعض محققي متأخري المتأخرين من أن الصلاة عبادة مترتبة على التوقيف عن صاحب الشرع وليس هنا ما يدل على شرعيتها على هذا الوجه.

واما المفارقة مع العذر فلا ريب في جوازها كما في المسبوق الذي يجلس للتشهد حال قيام الامام ويتشهد ثم يلتحق به ، وكذا من تخلف عنه بركن أو أكثر لعذر من سهو أو ضيق مكان كما تقدم ، فإنه يأتي بما سبقه به ويلتحق به ولا يضر تأخره عنه لمكان العذر.

وأما جواز الانفراد بنيته قبل فراغ الامام فهو المشهور في كلامهم بل نقل العلامة في النهاية الإجماع عليه. وقال الشيخ في المبسوط : من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته وان فارقه لعذر وتمم صحت صلاته. وهو ظاهر في عدم جواز نية الانفراد.

واحتج الأولون بوجوه : منها ـ ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة ثم خرجت من صلاته وأتمت منفردة (٢) ومنها ـ ان الجماعة ليست واجبة ابتداء فكذا استدامة. ومنها ـ ان الغرض من الائتمام تحصيل الفضيلة فيكون

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٣ ص ١٣٤ وليس فيه كلمة «اماما».

(٢) سنن ابى داود ج ٢ ص ١٢ صلاة الخوف.

٢٣٨

تركه لها مفوتا لها دون الصحة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يكون خلف امام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء أن يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال : يسلم وينصرف ويدع الامام».

ومنها ـ الأخبار الدالة على جواز التسليم قبل الامام ، مضافا الى اتفاق الأصحاب على ذلك حتى من القائلين بوجوب التسليم :

كما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى المعزا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يصلى خلف امام فيسلم قبل الامام؟ فقال ليس بذلك بأس».

وعن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد؟ فقال يسلم من خلفه ويمضى في حاجته ان أحب».

وأنت خبير بما في هذه الوجوه من إمكان تطرق المناقشات إليها : أما الأول فهو ظاهر في أن المفارقة انما كانت لعذر وقد عرفت انه ليس بمحل خلاف ولا اشكال. وأما الثاني فإنه لا يلزم من عدم وجوب الجماعة ابتداء عدم وجوبها استدامة. وإلحاق أحدهما بالآخر قياس لا يوافق أصول المذهب. واما الثالث فإن نية الائتمام كما تفيد الفضيلة كذا تفيد الصحة على هذا الوجه ، ومن الجائز أن يكون ترك الائتمام ابتداء مفوتا للفضيلة وفي الأثناء مفوتا للصحة ، وبالجملة فإنه مع الاستمرار على نية الائتمام مقطوع بالصحة بلا إشكال ومع نية الانفراد وحصول المفارقة لا قطع على الصحة ، فإفادتها الصحة من ما لا شك ولا إشكال فيه. واما الرابع فهو يرجع الى الأول لأن الرواية المذكورة ظاهرة في العذر ، وقد عرفت انه من ما لا خلاف فيه ولا اشكال. واما الخامس فنقول بموجبه ونمنع التعدي عن موضع النص وهو أخص من المدعى فلا يفيد دلالة على المطلوب.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦٤ من صلاة الجماعة.

٢٣٩

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من الإشكال والاحتياط فيها واجب على كل حال ، وهو في ما ذهب اليه الشيخ كما هو الأقرب في هذا المجال.

هذا كله في الجماعة المستحبة أما الواجبة فلا يجوز الانفراد فيها قطعا من غير خلاف.

ثم انه على تقدير القول المشهور من جواز نية الانفراد فقد فرعوا على ذلك فروعا عديدة :

منها ـ عدوله بعد نية الانفراد الى الائتمام بإمام آخر في أثناء الصلاة ، وقد تقدم الكلام في ذلك مستوفى في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة ومرة الإشارة إليه قريبا ايضا.

وينبغي أن يعلم انه متى جوزنا للمأموم الانفراد فإنه يجب عليه إتمام صلاته منفردا ، فان حصلت المفارقة قبل القراءة قرأ لنفسه وان كان بعد تمامها ركع لنفسه ومضى في صلاته ، وانما الكلام في ما لو كان في أثنائها فالظاهر على تقدير القول المذكور انه يقرأ من موضع القطع والمفارقة ، وأوجب الشهيد الثاني الابتداء من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها ، واستوجه الشهيد في الذكرى الاستئناف مطلقا لأنه في محل القراءة وقد نوى الانفراد. والحكم محل إشكال إلا انك قد عرفت ان أصل القول المتفرع عليه هذا الحكم خال من الاستدلال. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ إذا فاته مع الإمام شي‌ء صلى ما يدركه وجعله أول صلاته وأتم ما بقي عليه ، وعليه الأصحاب كافة كما نقله الفاضلان في المعتبر والمنتهى.

ويدل على الحكم المذكور جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) انه قال «إذا فاتك شي‌ء مع الامام فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال :

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجماعة.

٢٤٠