الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

مباشرة الإمامة؟ لم أقف فيه على نص ، وظاهر الأدلة يدل على ان الأفضل لهم المباشرة ، فحينئذ لو أذنوا فالأفضل للمأذون له رد الاذن ليستقر الحق على أصله. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من ان ظاهر الأدلة يدل على ان الأفضل لهم المباشرة دون الاذن لا يخلو من شوب النظر ، فان الخطاب هنا انما توجه الى من عداهم بأن الأولى أن لا يتقدموهم في هذه المواضع الثلاثة ويراعوا حقهم فيها ويحترموهم ويوقروهم ، وهذا لا ينافي أفضلية إذنهم لمن كان أعلم وافقه وأفضل واتقى وأورع عملا بالآيات والأحاديث الآتية الدالة على أولوية صاحب هذه الصفات وحينئذ فالأفضل للناس هو إرجاع أمر الإمامة لهم ، وبهذا يحصل امتثال ما دل عليه الخبر المشار إليه فإن تعظيمهم واحترامهم يحصل بمجرد هذا. والأفضل لهم ان يأذنوا لمن كان بالصفات المذكورة عملا بالآيات والأخبار المشار إليها فلا منافاة.

ورابعها ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا حضر رجل من بنى هاشم كان أولى بالتقديم إذا كان ممن يحسن القرآن.

وقال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : والظاهر انه أراد به على غير الأمير وصاحب المنزل والمسجد مع انه جعل الأشرف بعد الأفقه الذي هو بعد الاقرأ والظاهر انه الأشرف نسبا ، وتبعه ابن البراج في تقديم الهاشمي وقال بعده : ولا يتقدمن أحد على أميره ولا على من هو في منزله أو مسجده ، وجعل أبو الصلاح بعد الأفقه القرشي ، وابن زهرة جعل الهاشمي بعد الأفقه ، وفي النهاية لم يذكر الشرف وكذا المرتضى وابن الجنيد وعلى بن بابويه وابنه وسلار وابن إدريس والشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد وابن عمه في المعتبر ، وذكر ذلك في الشرائع وأطلق وكذا الفاضل في المختلف وقال انه المشهور يعنى تقديم الهاشمي ، ونحن لم نره مذكورا في الأخبار إلا ما روى مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «قدموا قريشا

__________________

(١) الجامع الصغير ج ٢ ص ٨٥ ويرجع الى التعليقة ٢ ص ٣٩٥ ج ١٠.

٢٠١

ولا تقدموها». وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى ، نعم هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدل عليه. نعم فيه إكرام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ تقديمه لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبجيله من ما لا خفاء في أولويته. انتهى كلامه في الذكرى.

وما ذكره من عدم الوقوف على نص في الهاشمي في هذا المقام جيد واما في صلاة الجنازة فقد قدمنا (١) وجود النص بذلك في كتاب الفقه الرضوي وأوضحنا ان كلام على بن بابويه الذي تبعه الأصحاب في المقام مأخوذ من عبارة الكتاب المذكور. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ قد ذكر جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك انه إذا تشاح الأئمة في الإمامة فاما أن يكره المأمومون إمامة بعضهم واما أن يختاروا امامة واحد بأسرهم واما أن يختلفوا في الاختيار :

فان كرهه جميعهم لم يؤمهم لقوله عليه‌السلام (٢) «ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة أحدهم من تقدم قوما وهم له كارهون». وان اختار الجميع واحدا فهو أولى لما فيه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال بالمطلوب.

وان اختلفوا فقد أطلق الأكثر المصير الى الترجيح بالمرجحات الآتية ، وقال في التذكرة : انه يقدم اختيار الأكثر فإن تساووا طلب الترجيح. قال في الذكرى : وفي ذلك تصريح بان ليس للمأمومين أن يقتسموا الأئمة ويصلى كل قوم خلف من يختارونه لما فيه من الاختلاف المثير للإحن. هكذا ذكروا (رضوان الله عليهم.)

واستندوا في الترجيح في مقام الاختلاف الى ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن ابى عبيدة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون

__________________

(١) ج ١٠ ص ٣٩٦ عن الفقه الرضوي ص ١٩.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من صلاة الجماعة. وفيه «أم قوما».

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة الجماعة.

٢٠٢

فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان؟ فقال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يتقدم القوم أقرأهم للقرآن فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا فان كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين. ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان في سلطانه».

أقول : وعندي في ما ذكروه (رضوان الله عليهم من التفصيل في هذا المقام نظر لا يخفى على من تأمل من ذوي الأفهام ، فإن ما ذكروه من هذا التفصيل ـ باتفاق المأمومين واختلافهم وانه مع تشاح الأئمة في الإمامة يؤخذ باتفاق المأمومين ونحو ذلك من ما هو مذكور ـ لا أعرف له وجها ولا عليه دليلا إلا مجرد اعتبارات تخريجية لا تصلح مستندا للأحكام الشرعية ، والنص المذكور الذي هو المستند في هذا المقام قد دل على ان الأحق بهذا المقام والأولى بأن يكون الامام هو من كان أقرأ. إلى آخر ما تضمنه الخبر من المراتب ، ولا تعلق لذلك باتفاق المأمومين ولا باختلافهم ولا رضاهم ولا كراهتهم ولا تشاح الأئمة ولا عدمه ، فلو فرض وجود أئمة متعددين وحصول المشاحة بينهم فلا وجه للترجيح بينهم بالاتفاق على من لم يكن على الصفة المذكورة في الخبر لان فيه ردا للنص المذكور. وأولى بالعدم الترجيح باختيار الأكثر. ولا معنى لتشاح الأئمة مع كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قرر لهم ودلهم على ان صاحب هذا المقام هو من كان متصفا بتلك الصفة ، بل الأولى لهم ان كانوا على الطريقة القويمة ومن العاملين بالسنة المستقيمة هو تقديم من كان كذلك عملا بما رسمه لهم ، وإلا فقد خالفوا الوظائف الشرعية ورجع تشاحهم الى التكالب على الرئاسة الدنيوية إلا ان يدعى كل واحد منهم انه المتصف بذلك دون غيره وهو خارج عن ما نحن فيه. واما مسألة كراهة المأمومين الإمام فلا تعلق لها بهذا المقام. وبالجملة فكلامهم هنا لا أعرف له مزيد فائدة.

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) ـ في ما دل عليه الخبر المذكور من هذه المراتب المذكورة.

٢٠٣

والذي وقفت عليه زيادة على الخبر المذكور ما صرح به الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه حيث قال (١) : وان اولى الناس بالتقديم في الجماعة أقرأهم للقرآن وان كانوا في القرآن سواء فافقههم وان كانوا في الفقه سواء فاقربهم هجرة وان كانوا في الهجرة سواء فأسنهم فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. وصاحب المسجد أولى بمسجده. انتهى.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٢) قال : «يؤم القوم أقدمهم هجرة فان استووا فاقرأهم فان استووا فأفقههم فإن استووا فأكبرهم سنا».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم هو تقديم الاقرأ على الأفقه كما دلت عليه هذه الأخبار ، وذهب جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المختلف الى العكس ، وعليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني والمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي وغيرهم ، وهو الحق الحقيق بالإتباع وان كان قليل الاتباع للأدلة العقلية والنقلية كتابا وسنة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

قال في المختلف : لنا ـ ان الأفقه أشرف واعلم بأركان الصلاة وإمكان تدارك السهو ومراتبه وكيفية الصلاة فيكون أولى بالتقديم ، قال الله تعالى «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» (٣).

وما رواه العرزمي عن أبيه رفع الحديث إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) قال : «من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال الى يوم القيامة».

__________________

(١) ص ١٤.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٢٥ من صلاة الجماعة. وفي آخره هكذا «وصاحب المسجد أحق بمسجده» كما تقدم ص ١٩٨.

(٣) سورة الزمر الآية ١٢.

(٤) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة الجماعة.

٢٠٤

ولانه يستحب تقديم أهل الفضل واولى النهي في الصفوف بقرب الامام لينبهوه على الغلط والسهو ولمزية شرفهم على غيرهم. ثم نقل رواية جابر بذلك عن الباقر عليه‌السلام (١) ثم نقل رواية ابى عبيدة (٢) وتأولها بتأويل لا يخلو من البعد.

أقول : ومن ما يدل على ما اخترناه ما لا خلاف فيه بين الإمامية من قبح تقديم المفضول على الفاضل.

ونقل في الذكرى عن ابن ابى عقيل انه قال : ولا يؤم المفضول الفاضل ولا الأعرابي المهاجر ولا الجاهل العالم. ثم قال في الذكرى : وقول ابن ابى عقيل بمنع امامة المفضول بالفاضل ومنع امامة الجاهل بالعالم ان أراد به الكراهة فحسن وان أراد به التحريم أمكن استناده الى أن ذلك يقبح عقلا ، وهو الذي اعتمد عليه محقق الأصوليين في الإمامة الكبرى ، ولقول الله تعالى «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (٣) وللخبرين المتقدمين في كلام ابن بابويه. انتهى. وظاهره احتمال التحريم في المسألة احتمالا قويا لمطابقة الدليل العقلي للدليل النقلي كتابا وسنة.

وتقريب الاستدلال بالآية المذكورة انها خرجت مخرج الإنكار على من يحكم بخلاف ذلك الذي هو مقتضى بديهة العقول السليمة كما يشير اليه قوله تعالى : «فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (٤).

واما الأخبار الواردة بذلك فمنها ما رواه في الفقيه مرسلا (٥) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم». قال : «وقال على عليه‌السلام (٦) ان

__________________

(١) ص ١٥٩ و ١٦٠.

(٢) ص ٢٠٢.

(٣ و ٤) سورة يونس الآية ٣٦.

(٥) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة الجماعة.

(٦) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة الجماعة. وليس فيه ولا في الفقيه ج ١ ص ٢٤٧ ولا في الوافي باب (صفة إمام الجماعة ومن لا ينبغي إمامته) نسبة الحديث الى على (ع) بل ظاهر الجميع النسبة إلى النبي «ص».

٢٠٥

سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم».

ورواه في كتاب العلل مسندا عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان سركم. الحديث مثله.

وروى في الفقيه ومثله الشيخ في كتاب الاخبار مرسلا في الأول ومسندا في الثاني (٢) قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه. الحديث. كما تقدم في كلام صاحب المختلف.

وروى في كتاب قرب الاسناد في الموثق عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) قال : «ان أئمتكم وفدكم الى الله فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم».

وفي حسنة زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «قلت أصلي خلف الأعمى؟ قال نعم إذا كان له من يسدده وكان أفضلهم». وفيها أيضا (٥) «الصلاة خلف العبد؟ قال لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه».

وفي موثقة سماعة (٦) قال : «سألته عن المملوك يؤم الناس؟ فقال لا إلا ان يكون هو أفقههم وأعلمهم».

وروى الشهيد في الذكرى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) قال : «من صلى خلف عالم

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجماعة.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ١٦ من صلاة الجماعة.

(٧) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة الجماعة عن الذكرى. وفي البحر الرائق ج ١ ص ٣٤٩ لو صلى خلف فاسق أو مبتدع ينال فضل الجماعة لكن لا ينال كما ينال خلف تقى ورع لقوله (ص) «من صلى خلف عالم تقى فكأنما صلى خلف نبي». قال ابن أمير الحاج لم يجده المخرجون. وفي موضوعات ملا على القارئ ص ٨٢ حديث «من صلى خلف تقى فكأنما صلى خلف نبي» لا أصل له. وفي المقاصد الحسنة للسخاوى ص ٣٠٤ حرف القاف عند قوله : «قدموا خياركم» قال : ما وقع في الهداية للحنيفة بلفظ «من صلى خلف عالم تقى فكأنما صلى خلف نبي» لم أقف عليه بهذا اللفظ.

٢٠٦

فكأنما صلى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى الصدوق في كتاب إكمال الدين بسنده فيه عن ابى الحسن الليثي عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) قال : «ان أئمتكم قادتكم الى الله فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم».

وتؤيده الأخبار العامة مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : «ان العلماء ورثة الأنبياء». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل». وما دل من الاخبار على فضل العلماء على من سواهم (٤) وقوله عزوجل «إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» (٥) واحتجاج الله عزوجل على الملائكة في تفضيله آدم وجعله خليفة بكونه أعلم منهم (٦) وأمثال ذلك كما لا يخفى على الناقد البصير ولا ينبئك مثل خيبر.

وظاهر إيراد الصدوق هذه الأخبار التي قدمنا نقلها عنه في باب الجماعة هو القول بمضمونها بمقتضى قاعدته في صدر كتابه حيث انه لم ينقل رواية ابى عبيدة المذكورة ، إلا انه نقل عن أبيه في رسالته اليه قبل إيراد هذه الأخبار انه قال : اعلم يا بنى ان أولى الناس بالتقدم في جماعة أقرؤهم للقرآن فان كانوا في القراءة سواء فأفقههم فإن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأسنهم فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. وصاحب المسجد أولى بمسجده. انتهى. وهذه عين عبارة كتاب الفقه التي قدمناها.

والذي يقرب عندي ان هذه الأخبار الدالة على تقديم الاقرأ إنما خرجت

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٢٣ من صلاة الجماعة.

(٢ و ٤) أصول الكافي كتاب فضل العلم ، وفي الوسائل الباب ٨ من صفات القاضي.

(٣) البحار ج ١ ص ٧٦ وكفاية الطالب للكنجى ص ٢٣٩. وفي المقاصد الحسنة للسخاوى ص ٢٨٦ أنكره شيخنا ـ يعنى ابن حجر العسقلاني ـ وقبله الدميري والزركشي وقال بعضهم لا يعرف في كتاب معتبر.

(٥) سورة البقرة الآية ٢٤٨.

(٦) سورة البقرة الآية ٢٨ إلى ٣٢.

٢٠٧

مخرج التقية فإنه قول جمهور العامة (١) وبه تكاثرت أخبارهم.

ومنها ـ ما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) «يؤمكم اقرأكم لكتاب الله». وفي خبر آخر (٣) «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا».

وما رووه عن عمرو بن أبي سلمة (٤) قال كنت غلاما حافظا قد حفظت

__________________

(١) في نيل الأوطار ج ٣ ص ١٣٣ باب (من أحق بالإمامة) قال : حديث «يؤم القوم أقرأهم» فيه حجة لمن قال يقدم في الإمامة الاقرأ على الأفقه ، واليه ذهب الأحنف بن قيس وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة واحمد وبعض أصحابهما ، وقال الشافعي ومالك وأصحابهما والهادوية الأفقه مقدم على الأقرأ ، وقال الشافعي المخاطب الذين كانوا في عصره (ص) كان أقرأهم أفقههم فإنهم كانوا يسلمون كبارا ويتفقهون قبل أن يقرأوا فلا يوجد قارئ إلا وهو متفقة. وقال النووي وابن سيد الناس : قوله في الحديث «فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» دليل على تقديم الاقرأ مطلقا. وفي عمدة القارئ ج ٢ ص ٧٣٢ قال طائفة الأفقه مقدم على الاقرأ وبه قال أبو حنيفة ومالك والجمهور ، وقال أبو يوسف واحمد وإسحاق الأقرأ مقدم وهو قول ابن سيرين وبعض الشافعية ، وقال أصحابنا ـ الحنفية ـ أولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة أي الفقه إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز به الصلاة وهو قول الجمهور واليه ذهب عطاء والأوزاعي والشافعي ومالك ، وقال أبو يوسف اقرأ الناس أولى بالإمامة يعنى أعلمهم بالقراءة وكيفية أداء حروفها وما يتعلق بها ، وهو أحد الوجوه عند الشافعية.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ١٢٥.

(٣) كنز العمال ج ٤ ص ١٢٦.

(٤) في أسد الغابة ج ٤ ص ١١٠ في ترجمة عمرو الجرمي قال أممت قومي وانا غلام ابن ست أو سبع سنين. وفي حديث عنه : كنت في الوفد الذين وفدوا على رسول الله (ص) فقال (ص) : «يؤمكم اقرأكم» وكنت أقرأهم. وفي حديث آخر عنه : وفدوا على رسول الله (ص) وأرادوا أن ينصرفوا قالوا يا رسول الله (ص) من يؤمنا؟ قال «أكثركم جمعا للقرآن» أو «أخذا القرآن» فلم يكن أحد من القوم وجمع ما جمعت فقدموني وانا غلام وعلى شملة فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت امامهم وكنت أصلي على جنائزهم ..

٢٠٨

قرآنا كثيرا فانطلق ابى وافدا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفر من قومه فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «يؤمكم اقرأكم لكتاب الله» فقدموني فكنت أصلي بهم وانا ابن سبع سنين أو ثمان».

وربما أجيب عن خبر ابى عبيدة بأن المراد بالأقرإ فيه الأفقه ، لأن المتعارف كان في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله انهم إذا تعلموا القرآن تعلموا أحكامه ، قال ابن مسعود (١) «كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها» وإطلاق القارئ على العالم بأحكام الشريعة غير عزيز في الصدر الأول.

واعترض عليه بان جعل الأعلم مرتبة بعد الاقرأ صريح في انفكاك القراءة عن العلم بالسنة ، وتعلم أحكام القرآن غير كاف في الفقه إذ معظمه يثبت بالسنة ، وبان فيه عدولا عن ظاهر اللفظ. وهو جيد.

وظني ان الوجه في الجواب عن الخبر المذكور وأمثاله انما هو ما ذكرته من الحمل على التقية فإنها هي السبب التام في اختلاف الأحكام الشرعية وان كانت هذه القاعدة غير معمول عليها بين أصحابنا (رضوان الله عليهم كما قدمنا ذكره في غير مقام

الثاني ـ قد خسر جماعة من الأصحاب الاقرأ بمعنى الأجود قراءة وإتقانا للحروف وأشد إخراجا لها من مخارجها. وزاد بعضهم على الأمور المذكورة الأعرف بالأصول والقواعد المقررة بين القراء. وقيل ان المراد أكثر قرآنا. ونسبه في البيان إلى الرواية.

أقول : ولعله أشار بذلك الى ما روى (٢) من «ان الأعمى يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة». وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٣) «أنه

__________________

(١) في سنن البيهقي ج ٣ ص ١١٩ عن عبد الله : كنا إذا تعلمنا من النبي «ص» عشر آيات من القرآن لم نتعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه. قيل لشريك من العمل؟ قال نعم ...

(٢) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجماعة. وفيه ايضا «وأفقههم».

(٣) الوسائل الباب ١٦ من صلاة الجماعة.

٢٠٩

سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال لا بأس».

ثم انه على تقدير هذا المعنى فهل المراد يعني أكثرهم قراءة للقرآن ـ وتؤيده الرواية الأولى من هاتين الروايتين ـ أو أكثرهم حفظا للقرآن وتؤيده رواية عمرو بن أبي سلمة العامية؟ وقيل الأجود بحسب طلاقة اللسان وحسن الصوت وجودة المنطق.

الثالث ـ جعل الشيخ الأفقه بعد الاقرأ وقبل غيره وهو اختيار ابن بابويه في رسالته كما تقدم ، وذهب بعضهم الى تقديم الاقرأ ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ثم الأفقه كما هو مورد رواية ابى عبيدة ، وبعضهم الى تقديم الأقدم هجرة بعد الاقرأ ثم الأفقه ، وقدم الشيخ في المبسوط بعد الأفقه الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ، وقدم السيد المرتضى الأسن بعد الأفقه ولم يذكر الهجرة.

ولا اعرف لهم في هذا الاختلاف وجها يرجع اليه ولا مستندا يعتمد عليه إلا أن يكون مجرد اعتبارات يعتبرها كل منهم في ما ذهب اليه كما هو شأنهم في كثير من الأحكام ، وإلا فليس في المسألة من الأخبار المتداولة في كلامهم والمتناقلة على رؤوس أقلامهم إلا خبر ابى عبيدة ، نعم خبر كتاب الفقه الذي جرى عليه على بن الحسين بن بابويه قد اشتمل على تقديم الاقرأ أولا ثم الأفقه ثم الأقرب هجرة ثم الأسن ثم الأصبح وجها.

وكيف كان فقد عرفت كلامهم في معنى الاقرأ ، وأما الهجرة فالمراد بها السبق من دار الحرب الى دار الإسلام ، وقال العلامة في التذكرة المراد سبق الإسلام أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب الى دار الإسلام أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته. ونقل في الذكرى عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد ان المراد التقدم في العلم قبل الآخر. وقال في الذكرى : وربما جعلت الهجرة في زماننا سكنى الأمصار لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب لأن أهل الأمصار أقرب الى تحصيل شرائط الإمامة والكمال فيها. انتهى.

أقول : لا يخفى ان المراد من خبر ابى عبيدة انما هو المعنى الأول وهو

٢١٠

الأسبق هجرة من دار الحرب الى دار الإسلام فإن هذا هو معنى الهجرة في وقته صلى‌الله‌عليه‌وآله والخبر مروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

بقي الكلام في الترجيح بهذه المرتبة في ما عدا زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله والأظهر انه لا يمكن الترجيح بها بل يجب اطراحها من البين لعدم دليل على شي‌ء من هذه المعاني التي ذكروها ، وبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التخريجات والتقريبات لا يخلو من مجازفة.

نعم روى الصدوق (قدس‌سره) في كتاب معاني الأخبار (١) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : «من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر ومن سبى وعتق فهو مولى». وفيه اشعار بالمعنى الأول الذي ذكره في التذكرة فيمكن حينئذ الترجيح بهذه المرتبة باعتبار هذا المعنى.

واما الأسن فالمتبادر منه الأكبر بحسب السن ، وفي الذكرى وغيره ان المراد علو السن في الإسلام ، وكذا نقل عن الشيخ في المبسوط ، وهو اعتبار حسن إلا انه خلاف المتبادر من ظاهر اللفظ.

وأما الأصبح وجها فذكره الصدوقان والشيخان وجماعة ، وقال المرتضى وابن إدريس : وقد روى (٢) إذا تساووا فأصبحهم وجها. وقال المحقق في المعتبر : لا أرى لهذا أثرا في الأولوية ولا وجها في شرف الرجال. وعلله في المختلف بان في حسن الوجه دلالة على عناية الله به.

__________________

(١) هذا مؤلف من حديثين ذكرهما في معاني الأخبار باب نوادر المعاني ص ٤٠٥ من الطبع الحديث عن ابى جعفر «ع» «من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه طوعا أفضل ممن دخل فيه كرها ، والمولى هو الذي يؤخذ أسيرا من أرضه ويسلم». وقال أبو جعفر «ع» في حديث آخر «من دخل في الإسلام طوعا فهو مهاجر» ...

(٢) في سنن البيهقي ج ٣ ص ١٢١ باب (من قال يؤمهم أحسنهم وجها) عن النبي «ص» قال : «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أقرأهم لكتاب الله فان كانوا في القراءة سواء فأكبرهم سنا فان كانوا في السن سواء فأحسنهم وجها» ...

٢١١

أقول : قد عرفت ان كتاب الفقه الرضوي صرح بذلك ، والصدوقان إنما أخذا هذا الحكم من الكتاب لأن عبارة على بن الحسين المتقدمة في الرسالة عين عبارة الكتاب من أولها إلى آخرها ومنها هذا الموضع ، وهذا من جملة المواضع التي قدمنا الإشارة إليها بأنه كثيرا ما يذكر القدماء حكما من الأحكام الشرعية ولا يصل دليله إلى المتأخرين فيعترضونهم بعدم الدليل وهو في هذا الكتاب ، وما نحن فيه من هذا الباب.

والظاهر انه الى هذا الخبر أشار الصدوق في كتاب العلل حيث قال ـ بعد نقل خبر ابى عبيدة فيه (١) المتضمن لأنه إذا كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة ـ وفي حديث آخر : وان كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. انتهى.

والظاهر ايضا انه الى هذه الرواية المرسلة هنا في العلل أشار المرتضى وابن إدريس في ما قدمنا نقله عنهما وقولهما : وقد روى إذا تساووا فأصبحهم وجها.

ومن ما يعضد ما ذكره العلامة في المختلف من أن في حسن الوجه دلالة على عناية الله تعالى بذلك الشخص ما في حديث إبراهيم أبي إسحاق الليثي الوارد في طينة المؤمن وطينة الناصب المروي في العلل (٢) وغيره حيث قال عليه‌السلام بعد ذكر الطينتين وهما الطيبة والخبيثة المذكورتان في صدر الخبر : ثم عمد إلى بقية ذلك الطين فمزجه بطينتكم ولو ترك طينتهم على حالها لم تمزج بطينتكم ما عملوا ابدا عملا صالحا ولا أدوا أمانة الى أحد ولا شهدوا الشهادتين ولا صاموا ولا صلوا ولا زكوا ولا حجوا ولا شبهوكم في الصور ايضا ، يا إبراهيم ليس شي‌ء أعظم على المؤمن من أن يرى صورة حسنة في عدو من أعداء الله عزوجل والمؤمن لا يعلم ان تلك الصورة من طين المؤمن ومزاجه. انتهى.

__________________

(١) ص ٢٠٢.

(٢) هو آخر حديث في العلل وبه الختام.

٢١٢

ويشير الى ذليك ما ورد (١) من «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طلب من الله سبحانه ان ينزل عليه جبرئيل متى أرسل إليه في صورة دحية الكلبي وكان من أجمل الناس صورة». وبذلك يظهر لك ما في كلام المحقق من الغفلة.

ثم انه لا يخفى أن التقديم في هذه المراتب تقديم فضل واستحباب لا حتم وإيجاب كما صرح به غير واحد : منهم ـ العلامة في التذكرة ، قال : وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط وإيجاب فلو قدم المفضول جاز ولا نعلم فيه خلافا. انتهى

المسألة الخامسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم في الاستنابة في الأثناء لو عرض للإمام عارض يمنع من إتمام الصلاة فإنه يستنيب من يتم بهم الصلاة وإلا استناب المأمومون ، وكذا يستنيب لو كان مقصرا والمأموم متما.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام عدة أخبار : الأول ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عطر الله مراقدهم في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات؟ قال يقدمون رجلا آخر ويعتدون.

__________________

(١) لم بذكر ذلك في طبقات ابن سعد ج ٤ ص ٢٤٩ وسير اعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٩٦ والإصابة ج ١ ص ٤٧٣ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٣٠ والاستيعاب في ترجمته وتهذيب تاريخ الشام ج ٥ ص ٢١٨ وتهذيب التهذيب ج ٣ ص ٢٠٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٧٨ وكنز العمال ج ٦ ص ١٧٣ نعم في جميعها كان دحية جميلا ربما نزل جبرئيل بصورته. وفي تهذيب تاريخ الشام ج ٥ ص ٢٢٠ عن عائشة قالت : رأيت رسول الله (ص) واضعا يده على عرف فرس دحية فسألته عن ذلك قال «ص» ذاك جبرئيل وهو يقرئك السلام فقالت وعليه‌السلام ورحمة الله وبركاته. هذا أصل الحديث ثم أخذ الشعبي والزهري وانس وأمثالهم يتحدثون عن نزول جبرئيل بصورة دحية تركيزا لهذا الحديث. وبالنظر الى ما في تاريخ ابن عساكر من الرواية عن ابن عباس ان دحية أسلم في زمن ابى بكر تفسد جميع تلك الأحاديث.

(٢) الوسائل الباب ٤٣ من صلاة الجماعة.

٢١٣

بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه».

الثاني ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم اليه فيقدمه؟ فقال يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال وكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه».

الثالث ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ما كان من امام تقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا وأحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه به من الصلاة ، فإن كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها».

الرابع ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن سلمة أبي حفص عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «ان عليا عليه‌السلام كان يقول لا يقطع الصلاة الرعاف ولا القي‌ء ولا الدم فمن وجد أذى فليأخذ بيد رجل من القوم من الصف فليقدمه يعني إذا كان اماما».

الخامس ـ ما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (٤) قال : «سألته عن رجل أم قوما فاصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان : قال يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم ويقوم هو فيتم بقية صلاته».

السادس ـ ما رواه في التهذيب عن معاوية بن شريح (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا أحدث الامام وهو في الصلاة لم ينبغ أن يقدم إلا من شهد الإقامة».

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٧٢ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٢ من قواطع الصلاة. وفي التهذيب ج ١ ص ٢٢٨ «عن ابى حفص».

(٥) الوسائل الباب ٤١ من صلاة الجماعة.

٢١٤

السابع ـ ما رواه عن سليمان بن خالد في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه».

الثامن ـ ما رواه في الفقيه عن معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه‌السلام (٢) انه قال : «لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة. فإن قدم مسبوقا بركعة فان عبد الله بن سنان روى عنه عليه‌السلام انه قال إذا أتم صلاته بهم فليومئ إليهم يمينا وشمالا فلينصرفوا ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته».

التاسع ـ ما رواه في الفقيه ايضا عن جميل بن دراج في الصحيح عنه عليه‌السلام (٣) «في رجل أم قوما على غير وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم يدر المقدم ما صلى الامام قبله؟ قال يذكره من خلفه».

العاشر ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (٤) قال : «سألت أحدهما عليهما‌السلام عن إمام أم قوما فذكر انه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ بيد رجل وادخله وقدمه ولم يعلم الذي قدم ما صلى القوم؟ قال يصلى بهم فإن أخطأ سبح القوم به وبنى على صلاة الذي كان قبله».

الحادي عشر ـ ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة في الصحيح (٥) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة فأحدث امامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه فصلى بهم أتجزئهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال لا ينبغي للرجل ان يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة بل ينبغي له أن ينويها صلاة فإن كان قد صلى فان له صلاة أخرى وإلا فلا يدخل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من صلاة الجماعة.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٢٦٢ وفي الوسائل الباب ٤١ من صلاة الجماعة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجماعة.

(٥) الوسائل الباب ٣٩ من صلاة الجماعة.

٢١٥

معهم ، قد تجزئ عن القوم صلاتهم وان لم ينوها».

الثاني عشر ـ ما رواه في التهذيب في الصحيح (١) قال : «سأل على بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال لا صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم».

الثالث عشر ـ ما رواه في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه ليس على وضوء؟ قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان».

الرابع عشر ـ ما رواه في الفقيه والتهذيب في الموثق عن ابى العباس البقباق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري فإذا ابتلى بشي‌ء من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم. الحديث».

الخامس عشر ـ ما رواه في كتاب الاحتجاج من سؤالات الحميري للناحية المقدسة (٤) قال : «كتب الحميري إلى القائم عليه‌السلام انه روى عن العالم عليه‌السلام انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال عليه‌السلام يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه؟ التوقيع ليس على من نحاه إلا غسل اليد وإذا لم يحدث ما يقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم. الحديث».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع : (أحدها) ـ المفهوم من هذه الأخبار ان مواضع الاستنابة من الامام أو المأمومين في صور : (الأولى) ـ موت الامام كما في الخبر الأول والخبر الخامس عشر

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٢ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل الباب ٣ من غسل المس.

٢١٦

(الثانية) ـ في صورة دخوله في الصلاة على غير طهارة نسيانا كما تضمنه الخبر الثالث والتاسع والعاشر والثالث عشر (الثالثة) ـ في صورة ما لو أحدث الإمام في الصلاة ، وعليه يدل الخبر الثاني والثالث والرابع بحمل الأذى فيه وهو الوجع في البطن على ما لا يتحمل الصبر عليه أو الكناية عن خروج الحدث ، والسادس والسابع والثامن والحادي عشر والثاني عشر. (الرابعة) ـ ما لو اصابه الرعاف ولم يمكن غسله إلا بالمنافي ، وعليه يدل الخبر الخامس. (الخامسة) ـ في ما لو كان الامام مسافرا كما يدل عليه الخبر الرابع عشر ، فهذه المواضع الخمسة مورد النصوص في الاستنابة.

والأصحاب قد ذكروا الإغماء مضافا الى الموت ونقلوا الإجماع عليه ، قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم الصلاة ـ قد أجمع الأصحاب على ان الامام إذا مات أو أغمي عليه يستحب للمأمومين استنابة من يتم بهم الصلاة كما نقله جماعة : منهم ـ العلامة في التذكرة ، وتدل عليه روايات. ثم أورد الخبر الأول خاصة ومورده كما عرفت انما هو الموت.

والظاهر انهم بنوا على ان الإغماء في تلك الحال في حكم الموت ، بل ظاهر كلام جملة منهم عروض المانع للإمام بقول مطلق. وهو جيد من حيث الاعتبار إلا انه بالنسبة الى عدم النص عليه لا يخلو من شوب الإشكال.

وثانيها ـ قال في المدارك بعد الاستدلال بالخبر الثاني عشر : ومقتضى الرواية وجوب الاستنابة إلا ان العلامة (قدس‌سره) في التذكرة نقل إجماع علمائنا على انتفاء الوجوب ، وعلى هذا فيمكن حمل الرواية على ان المنفي فيها الكمال والفضيلة لا الصحة. والمسألة محل تردد. انتهى.

أقول : الظاهر أنه غفل عن صحيحة زرارة وهي الخبر الثالث عشر فإنه ظاهر في جواز الانفراد مضافا الى دعوى الإجماع في المقام ، وحينئذ فيجب حمل صحيحة على بن جعفر على تأكد الاستحباب كما يقوله الأصحاب. وظاهر جملة من الأصحاب

٢١٧

أيضا عدم الوقوف على الصحيحة المذكورة كالعلامة في المنتهى والفاضل الخراساني في الذخيرة ، فإنهم إنما استندوا ـ في تأويل صحيحة على بن جعفر بحملها على الفضيلة والاستحباب ـ الى ما صرحوا به من جواز انفراد المأموم عن الامام مع وجوده فمع عدمه أولى. وسيأتي ما في هذا الدليل عند ذكر المسألة المذكورة. والأظهر انما هو الاستدلال بصحيحة زرارة المذكورة فإنها ظاهرة في جواز الإتمام منفردين.

وثالثها ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم بأنه يكره أن يستناب المسبوق سواء كانت الاستنابة من الامام أو المأمومين ، ووجه الكراهة الجمع بين ما دل على الجواز كالخبر الثاني وعجز الخبر الثامن ، وما دل على المنع كالخبر السادس والسابع وصدر الخبر الثامن.

وقد صرح الأصحاب هنا بجواز استنابة من لم يكن من المأمومين ، قال العلامة في المنتهى : لو استناب من جاء بعد حدث الامام فالوجه الجواز بناء على الأصل ولأنه جاز استنابة التابع فغيره أولى. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل وكأنه غفلوا عن الأخبار الواردة من هذا القبيل وهي الرواية التاسعة والعاشرة ، فإن ظاهر الخبرين المذكورين ما ذكرناه فان قوله «أخذ بيد رجل وأدخله وقدمه» يدل على أنه ليس من المأمومين وانما أدخله الامام بعد اعتلاله ولهذا انه لم يعلم ما صلى القوم ، وظاهره أنه يصلى من حيث قطع الامام كما يدل عليه قوله في الخبر العاشر «وبنى على صلاة الذي كان قبله» وانه انما يصلى بهم ذلك القدر الناقص خاصة. وهو حكم غريب لم يوجد له في الأحكام نظير ، فان هذه الصلاة بالنسبة الى هذا الداخل انما هي عبارة عن مجرد الأذكار وان اشتملت على ركوع وسجود وإلا فإنها ليست بصلاة حقيقية ، إذ المفهوم من الخبرين المذكورين أنه يدخل معهم من حيث اعتل الامام ويخرج معهم من غير أن يزيد شيئا على صلاتهم وانما يؤمهم في ما بقي عليهم كائنا ما كان ولو ركعة واحدة ، ومن هذا حصل الاستغراب. واحتمال حمل الخبرين المذكورين على استنابة

٢١٨

بعض المأمومين من المسبوقين ـ كما يفهم من نظمهم هذين الخبرين أو أحدهما مع أحاديث المسبوق كما جرى عليه في المدارك ومثله صاحب الوسائل ـ بعيد بل غير مستقيم ، لأن المسبوق الداخل في الصلاة قبل اعتلال الامام عالم بما صلوا وان دخوله في أي ركعة لانه صلى بصلاتهم ومع عدم علمه فالواجب عليه الإتيان بالترتيب الواجب عليه شرعا ، فلا معنى لقوله «فإن أخطأ سبح القوم به» ولا لقوله «بنى على صلاة الذي كان قبله» ولا معنى ايضا لقوله «وأخذ بيد رجل وأدخله» فإن هذا كله إنما يبتنى على رجل خارج من الصلاة لم يدخله الإمام إلا بعد اعتلاله وهو صريح عبارة العلامة المتقدمة ، فهو إنما يبتدئ الصلاة من حيث قطع الأول فلو فرضنا ان الأول انصرف عن ركعتين أتم هذا الداخل بالمأمومين الركعتين الأخيرتين خاصة وهكذا. قال في المنتهى ايضا : لو استخلف من لا يدرى كم صلى فالوجه انه يبنى على اليقين فان وافق الحق وإلا سبح القوم به فيرجع إليهم. ثم نقل أقوالا عديدة من العامة ، ثم احتج برواية زرارة المتقدمة. وبالجملة فالحكم المذكور في غاية الغرابة ولم أقف على من أفصح عن الكلام فيه ولا تنبيه لما ذكرناه. والله العالم

ورابعها ـ الظاهر أنه لا فرق بين اعتلال الامام وخروجه أن يقدم هو أو المأمومون من يتم بهم أو يتقدم شخص من المأمومين ممن له أهلية الإمامة من غير استخلاف أو يأتم كل طائفة بإمام أو يأتم بعض وينفرد بعض.

قال في المنتهى : لو قدم بعض الطوائف اماما وصلى الآخرون منفردين جاز لأن لهم الانفراد مع وجود الامام فمع العدم أولى.

أقول : فيه انه مبنى على مسألة انفراد المأموم من غير عذر كما تقدمت الإشارة إليه في كلامه وسيأتي ما فيه ان شاء الله تعالى.

والأظهر الاستدلال على ذلك بما ذكرناه من صحيحة زرارة وهي الخبر الثالث عشر الظاهر في جواز صلاتهم فرادى بعد اعتلال الامام مع الأخبار الدالة على جواز الاستنابة بل استحبابها ، فإذا كان الأمران جائزين للجميع جاز ذلك

٢١٩

بالنسبة إلى البعض في جميع ما ذكرنا من الصور.

وخامسها ـ قد دل الخبر الثاني الوارد في استنابة المسبوق وكذا عجز الخبر الثامن على انه بعد تمام صلاة المأمومين يومئ إليهم بيده عن اليمين والشمال عوض التسليم بهم ثم يتم ما فاته ، ودل الخبر الخامس على انه يقدم رجلا منهم يسلم بهم ثم يقوم هو ويتم ما بقي عليه. والجمع بين الأخبار يقتضي التخيير بين الأمرين.

وقال العلامة في المنتهى : ولو انتظروا حتى يفرغ ويسلم بهم لم استبعد جوازه وقد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف. انتهى.

أقول : ثبوت ذلك في صلاة الخوف لا يستلزم جوازه هنا سيما بعد ورود النص بالحكم في هذه الصلاة بالخصوص كما عرفت. والله العالم.

وسادسها ـ ان الخبر الرابع عشر قد دل على انه بعد تمام صلاة الإمام يقدم من يتم بالمأمومين صلاتهم ، والظاهر أنه لا فرق بين أن يقدم الإمام أو يقدموا لأنفسهم من يختارونه من المأمومين.

وهل يجرى هذا الحكم في المسبوقين بان يأتم بعضهم ببعض بعد انقضاء صلاة الامام وقيامهم لما بقي عليهم من الصلاة؟ اشكال ، قال في المدارك : ومتى اقتدى الحاضر بالمسافر في الصلاة المقصورة وجب على المأموم إتمام صلاته بعد تسليم الامام منفردا أو مقتديا بمن صاحبه في الاقتداء كما في صورة الاستخلاف مع عروض المبطل ، وربما ظهر من كلام العلامة في التحرير التوقف في جواز الاقتداء على هذا الوجه ، حيث قال : ولو سبق الامام اثنين ففي ائتمام أحدهما بصاحبه بعد تسليم الإمام إشكال. وكيف كان فالظاهر مساواته لحالة الاستخلاف. انتهى.

أقول : ينبغي أن يعلم ان هنا صورتين : (إحداهما) أن يقتدى جماعة من الحاضرين بمسافر ، ولا ريب أنه متى أتم المسافر صلاته فإنه يجب على المأمومين الإتيان بما بقي من صلاتهم ، وهل يجوز أن يأتم بعضهم ببعض في تلك البقية أم لا؟

٢٢٠