الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

يجد موضعا في الصفوف فاما إذا لم يجد فلا شي‌ء عليه ان يصلى خلف الصفوف وحده ، لأنا روينا عن ابى عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام (١) «انه سئل عن رجل دخل مع قوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصف غيره والصف الذي بين يديه متضايق؟ قال إذا كان كذلك وصلى وحده فهو معهم. وقال : قم في الصف ما استطعت فإذا ضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس». وعن على عليه‌السلام (٢) انه قال : «إذا جاء الرجل ولم يستطع أن يدخل الصف فليقم حذاء الإمام فإن ذلك يجزئه ولا يعاند الصف». انتهى.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار : أقول لم أر «العيكل» بهذا المعنى في كتب اللغة ، قال في القاموس : اعتكل اعتزل وكمنبر مخيط الراعي. وفي بعض النسخ بالثاء المثلثة وهو ايضا كذلك ليس له معنى مناسب ، ولا يبعد ان يكون الفسكل بالفاء والسين المهملة وهو بالضم والكسر الفرس الذي يجي‌ء في الحلبة آخر الخيل ، ورجل فسكل كزبرج رذل ، وكزنبور وبرذون متأخر تابع ، ذكره الفيروزآبادي. وقال في النهاية : فيه «ان أسماء بنت عميس قالت لعلى عليه‌السلام ان ثلاثة أنت آخرهم لأخيار. فقال على عليه‌السلام لأولادها فسكلتني أمكم» أى أخرتنى وجعلتني كالفسكل وهو الفرس الذي يجي‌ء في آخر خيل السباق ، وكانت قد تزوجت قبله بجعفر ثم بأبي بكر. انتهى كلام شيخنا المشار اليه.

وقال في كتاب مجمع البحرين بعد أن نقل الحديث بهذا اللفظ قال : وفي نسخة «الفسكل» ثم فسره بما ذكره في النهاية ، وفيه تأييد لما ذكره شيخنا المشار اليه من التحريف في هذه اللفظة.

ومن الأخبار الدالة على الحكم المذكور ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «اتموا الصفوف إذا وجدتم خللا

__________________

بين يديه من الصفوف فاما إذا لم يجد فلا شي‌ء عليه ان صلى وحده خلف الصفوف.».

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ٤٥ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٧٠ من صلاة الجماعة.

١٨١

ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف وتمشي منحرفا حتى تتم الصف».

كذا استدل به بعضهم وفي الدلالة غموض ، فان مورد الخبر انما هو سد الخلل والفرج التي تكون في الصف خصوصا في ما إذا كان مكانه ضيقا.

وأما ما يدل على الحكم الثاني فمنه ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سعيد الأعرج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن سعيد الأعرج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الامام فيجد الصف متضايقا بأهله فيقوم وحده حتى يفرغ الامام من الصلاة أيجوز ذلك له؟ فقال نعم لا بأس به».

وعن ابى الصباح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصف وحده؟ فقال لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد».

وما رواه في الفقيه (٤) قال : «سأل موسى بن بكر أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يقوم. الحديث» إلا انه قال : «انما يبدو الصف واحدا بعد واحد».

واما ما تقدم نقله عن ابن الجنيد من منع ذلك فقيل انه احتج برواية السكوني المذكورة ، وبما روى من طريق العامة (٥) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبصر رجلا خلف الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة». وأجيب عن دليليه بعد التنزل عن ضعف السند بأنهما محمولان على الكراهة جمعا بين الأدلة.

بقي هنا شي‌ء لم أر من نبه عليه ولا تنبيه له وهو انه لا يخفى ان الظاهر من قوله عليه‌السلام في جملة من هذه الأخبار «يقوم بحذاء الامام» حال امتلاء الصفوف

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٧ من صلاة الجماعة.

(٥) في تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٥٥ الفصل الخامس في أحكام المأموم عن وابصة ابن معبد «رأى رسول الله «ص» رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره بإعادة الصلاة».

١٨٢

هو انه يقوم وحده في الصف الأخير الذي ليس فيه إلا هو ويكون موقفه محاذيا لموقف الامام. وهذا المعنى قد سمعته من بعض مشايخنا في صغر سني وأظنه الوالد الماجد العلامة (أجزل الله تعالى إكرامه).

وهذا هو المفهوم من رواية سعيد الأعرج المذكورة ، لأن السائل سأله «أيقوم وحده» يعنى خارجا عن الصفوف فيقف في صف وحده فقال : «نعم لا بأس يقوم بحذاء الإمام» فإن قوله عليه‌السلام «نعم» صريح في موافقة السائل في وقوفه وحده ظهر الصفوف لكن أمره ان يكون محاذيا للإمام من خلفه.

ونحو هذه الرواية قول الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (١) «فان دخلت المسجد ووجدت الصف الأول تاما فلا بأس أن تقف في الصف الثاني وحدك أو حيث شئت ، وأفضل ذلك قرب الإمام». فإن المراد انه يكون محاذيا للإمام في موقفه من خلفه ومسامتا له فإنه أقرب المواقف اليه. وعلى هذا ينبغي أن يحمل إطلاق رواية السكوني.

إلا ان الصدوق عطر الله مرقده) في الفقيه (٢) قال : وسألت محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من دخل ووقف عن يمين الامام لتضايق الصفوف فقال لا أدرى. وذكر انه لا يعرف في ذلك أثرا في الحديث. انتهى.

وربما أشعر ظاهر هذا الكلام بحمل قولهم عليهم‌السلام في تلك الأخبار «قام بحذاء الإمام» أو «يقوم بحذاء الامام» على القيام بجنبه كما في اتحاد المأموم دون ما قلناه.

ولعل الأقرب حمل كلامه على امتلاء الصفوف على وجه لا يوجد في ذلك المكان موقف للمصلي ، ويؤيده قول محمد بن الحسن «انه لا يعرف في ذلك أثرا في الحديث» ولو حمل على ما ذكرناه من وجود مكان في الصف الأخير فإن الأخبار

__________________

(١) ص ١٤.

(٢) لم نقف على هذه العبارة في الفقيه في مظانها.

١٨٣

دلت على انه يقوم في ذلك الصف كما يدل عليه قوله في رواية أبي الصباح المتقدمة «إنما يبدو واحد بعد واحد» وفي رواية الفقيه «انما يبدو الصف واحدا بعد واحد»

إلا انا لم نقف على ما يدل على القيام بجنب الامام حال تضايق الصفوف كما ذكره ، وليس في الأخبار الواردة في المقام سوى هذا اللفظ اعنى قوله : «يقوم بحذاء الامام» والظاهر انه فهم منه هذا المعنى الذي ذكره ، وهو وان أوهمه ظاهر اللفظ في بادئ النظر إلا ان الظاهر منه انما هو ما ذكرناه ، وهو الذي فهمه الأصحاب أيضا حيث انهم صرحوا بأنه يكره للمأموم القيام وحده في صف إلا ان لا يجد موضعا في الصفوف فيجوز قيامه وحده من غير كراهة.

لكن ظاهر كلامه في المنتهى الموافقة لما ذكره الصدوق ، حيث قال : لو دخل المسجد ولم يجد مدخلا في الصف وقف وحده عن يمين الإمام مؤتما لرواية سعيد الأعرج (١) وبه قال الشافعي في أحد القولين (٢). الى آخره. وهو كما ترى ظاهر في انه فهم من المحاذاة في الرواية المذكورة ونحوها انما هو القيام بجنب الامام.

وظني بعده لما عرفت من ما شرحناه ، ويؤيد ذلك الأخبار الدالة على انه متى كان المأموم أكثر من واحد فان حكمهم التأخر والقيام بحذاء الامام مخصوص بالمأموم المنفرد. إلا انه لا يخلو من شوب المناقشة بتخصيص هذه الصورة لعموم الحكم المذكور.

وبالجملة فالحكم لا يخلو من شوب الإشكال لما عرفت من الإبهام في ذلك اللفظ والإجمال وان كان الأقرب ما ذكرناه كما شرحناه. والله العالم.

ومنها ـ التنفل بعد قوله «قد قامت الصلاة» على المشهور ونقل عن الشيخ

__________________

(١) ص ١٨٢.

(٢) في نيل الأوطار ج ٣ ص ١٩٨ باب ما جاء في صلاة الرجل فذا «وقد اختلف في من لم يجد فرجة ولا سعة في الصف ما الذي يفعل؟ فحكى عن نصه في البويطى انه يقف منفردا ولا يجذب الى نفسه أحدا. الى ان قال : وقال أكثر أصحاب الشافعي وبه قالت الهادوية انه يجذب الى نفسه واحدا» ونحو ذلك في المجموع للنووي ج ٤ ص ٢٩٧.

١٨٤

في النهاية وابن حمزة أنهما منعا ذلك ، قال في الذكرى : وقد يحمل على ما لو كانت الجماعة واجبة وكان ذلك يؤدى الى فواتها.

والأظهر الأول لما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد (١) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. فقال له ان الناس يختلفون في الإقامة؟ قال المقيم الذي تصلى معه».

وأنت خبير بان ظاهر الخبر ان الوقت المذكور لكراهة النافلة هو شروع المقيم في الإقامة التي هي عبارة عن الفصول السبعة عشرة ، وعبارات الأصحاب تضمنت التحديد بقول «قد قامت الصلاة» ولا يخفى ما بينهما من المغايرة.

ثم ان ظاهر الخبر وكلام الأصحاب ان الكراهة إنما هي في ابتداء النافلة متى دخل الوقت المذكور أما لو دخل وهو مشتغل بها فالظاهر انه يتمها بغير كراهة في ذلك.

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلى بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قال ابى خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لصلاة الصبح وبلال يقيم وإذا عبد الله بن القشب يصلى ركعتي الفجر فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يا ابن القشب أتصلى الصبح أربعا؟ قال ذلك له مرتين أو ثلاثا».

وروى فيه عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل ترك ركعتي الفجر حتى دخل المسجد والامام قد قام في صلاته كيف يصنع؟ قال يدخل في صلاة القوم ويدع الركعتين فإذا ارتفع النهار قضاهما».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من الأذان والإقامة و ٣٥ من مواقيت الصلاة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٤ من الأذان والإقامة.

١٨٥

قال شيخنا المجلسي عطر الله مرقده) في كتاب البحار : الخبر ان يدلان على المنع من التنفل بعد الشروع في الإقامة وبعد إتمامها.

أقول : من المحتمل قريبا عندي ان المنع من ذلك انما هو من حيث أن وقت صلاة ركعتي الفجر ـ كما قدمنا تحقيقه في موضعه من الأوقات ـ إنما هو قبل الفجر الثاني وانه لا يجوز تأخيرهما الى بعد الفجر لغير تقية وان كان خلاف المشهور بين أصحابنا كما أثبتنا ذلك بالأخبار المتقدمة ثمة ، ولعله الى ذلك يشير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخبر الأول «أتصلى الصبح أربعا؟» بمعنى ان الوقت في النافلة قد خرج واختص بالفريضة وهي ركعتان فصلاتها فيه موجب لكون الفريضة في هذا الوقت أربعا.

ومنها ـ أن يخص نفسه بالدعاء لما رواه الشيخ في التهذيب مسندا والصدوق في الفقيه مرسلا (١) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من صلى بقوم فاختص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم».

والظاهر تخصيص الحكم المذكور بالدعاء الذي يخترعه الامام من نفسه أما لو أراد الدعاء ببعض الأدعية المروية عنهم عليهم‌السلام فالظاهر الإتيان به على الكيفية الواردة تحصيلا لفضيلة الإتيان به على الوجه المنقول. والله العالم.

المطلب الثاني في الامام

وفيه مسائل :

الأولى ـ يشترط فيه البلوغ والعقل والايمان وطهارة المولد والذكورة ان أم مثله والسلامة من الجذام والبرص والحد الشرعي والعدالة ، وهذه الشروط قد تقدم البحث عنها وما يتعلق بها من الخلاف وذكر الأدلة وتحقيق الحال بما يزيل عنها نقاب الإشكال في الفصل الأول في صلاة الجمعة من الباب الثالث فلا حاجة الى الإعادة هنا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٧١ من صلاة الجماعة. ولفظ «دونهم» في الفقيه.

١٨٦

وانما يبقى الكلام هنا في إمامة المرأة ، وقد عرفت اشتراط الذكورة في الإمام إذا أم ذكرانا أو ذكرانا واناثا ، وهو مما لا خلاف فيه وانما الخلاف في إمامة المرأة بمثلها في الفريضة ، اما النافلة التي تجوز الجماعة فيها فالظاهر منهم الاتفاق على جواز إمامتها وانما محل الخلاف الفرائض ، فالمشهور هو الجواز بل قال في التذكرة انه قول علمائنا أجمع ، وذهب السيد المرتضى الى المنع وهو المنقول عن الجعفي وابن الجنيد ، ونفى عنه البأس في المختلف واليه مال في المدارك.

ومنشأ الخلاف المذكور اختلاف الأخبار في المقام ، فالواجب أولا نقل الأخبار المشار إليها ثم الكلام في المسألة بما وفق الله سبحانه لفهمه منها :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال قدر ما تسمع».

وعن سماعة بن مهران في الموثق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال لا بأس به». وعن عبد الله بن بكير في الموثق ـ وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ـ عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «انه سئل عن المرأة تؤم النساء؟ قال نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن».

وعن على بن يقطين بإسناد فيه محمد بن عيسى اليقطيني ـ وفيه كلام ـ عن ابى الحسن الماضي عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال بقدر ما تسمع».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة؟ قال قدر ما تسمع. قال : وسألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجماعة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٣١ من القراءة في الصلاة.

١٨٧

في الفريضة؟ قال لا إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها».

وهذه الأخبار كلها دالة على الجواز وظاهرها ان ذلك في الفريضة.

ومنها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم (١) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن».

وما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن سليمان بن خالد في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال إذا كن جميعا أمتهن في النافلة فأما المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطا منهن».

وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له المرأة تؤم النساء؟ قال لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر ويكبرن».

وما رواه الشيخ عن الحلبي في القوى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال «تؤم المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمهن في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المحقق في المعتبر قد أجاب عن روايتي سليمان بن خالد والحلبي بأنهما نادرتان لا عمل عليهما. واعتراضه في المدارك بأنه غير جيد لوجود القائل بمضمونهما وموافقتهما لصحيحة هشام المتقدمة مع أن الصدوق أوردها في كتابه ، ومقتضى كلامه في أول كتابه الإفتاء بمضمونها. والشهيد في الذكرى جمع بين الروايات بحمل اخبار المنع على نفى الاستحباب المؤكد لا مطلق الاستحباب. ولا يخفى ما فيه من البعد. وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة : والأقرب في الجمع بين الأخبار أن يقال إمامتهن في الفرائض جائزة ولكن الأفضل تركها. وصاحب المدارك حيث كان يدور مدار الأسانيد ويتهافت عليها

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجماعة.

١٨٨

جمد على الروايات الأخيرة وطعن في روايتي سماعة وابن بكير بضعف السند واختار ما ذهب اليه المرتضى وابن الجنيد من جواز إمامتهن في النوافل دون الفرائض ثم قال : ويشهد لهذا القول ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام. ثم أورد الرواية المتقدمة الدالة على ان المرأة لا تؤم إلا على الميت

أقول : والذي يخطر بالبال العليل ان ما اشتملت عليه الروايات الأخيرة من التفصيل بين النافلة والمكتوبة فيجوز في الأولى دون الثانية فالمراد بالنافلة والمكتوبة انما هو الجماعة المستحبة والجماعة الواجبة فيكون كل من النافلة والمكتوبة صفة للجماعة لا للصلاة كما فهموه ، وحينئذ فالمراد بالجماعة النافلة اى المستحبة كالصلاة اليومية لاستحباب الجماعة فيها ، والمراد بالجماعة الواجبة كالجمعة والعيدين فإنه لا يجوز إمامة المرأة فيها اتفاقا نصا وفتوى ، وعلى هذا تجتمع الأخبار وتكون الأخبار الأخيرة راجعة إلى الأخبار الأولة الدالة على القول المشهور. والاستدلال بهذه الأخبار على ما ادعوه مبنى على جعل كل من النافلة والمكتوبة صفة للصلاة وهو غير متعين بل كما يجوز الحمل على ذلك يجوز الحمل على جعلها صفة للجماعة أى الجماعة المستحبة والجماعة الواجبة. ولا ينافي ذلك إطلاق المكتوبة فان المكتوبة بمعنى المفروضة الواجبة كما في قوله عزوجل «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ» (١) أى فرض ، وقوله : «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ» (٢) أى فرض ، وقوله «إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» (٣) فان الكتاب هنا مصدر بمعنى المفعول أى مكتوبا يعنى مفروضا. وبالجملة فإن المكتوبة بمعنى المفروضة وهي كما يمكن جعلها صفة للصلاة يمكن أن تكون صفة للجماعة.

والذي يرجح ما قلناه من الحمل المذكور وجوه : (أحدها) ـ ان فيه جمعا بين أخبار المسألة لاتفاقها واجتماعها على ما قلناه من جواز إمامة المرأة في الصلاة اليومية

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٧٩.

(٢) سورة البقرة الآية ١٧٦.

(٣) سورة النساء الآية ١٠٤.

١٨٩

والجمع بين الأخبار على وجه لا يطرح منها شي‌ء أولى من اطراح بعضها كما هو اللازم من ما ذهب اليه المانع من جواز إمامتها في اليومية. ولا ينافي ما قلناه من الأخبار المتقدمة إلا صحيحة زرارة وسيأتي ان شاء الله تعالى وجه الجواب عنها.

و (ثانيها) ـ انه قد روى الصدوق في الفقيه (١) قال : قال الحسن بن زياد الصيقل «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام كيف تصلى النساء على الجنائز إذا لم يكن معهن رجل؟ قال يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة. قيل ففي صلاة مكتوبة أيؤم بعضهن بعضا؟ قال نعم». وهو كما ترى صريح في إمامتهن في الصلاة اليومية ، والرواية كما ترى من مرويات الفقيه التي اعترف كما تقدم في كلامه انها تكون من ما يفتي به ويعمل عليه (٢) ويعضد هذه الرواية صحيحة على بن جعفر المتقدمة ورواية على بن يقطين. وهو قد اعترف بذلك في صحيحة على بن جعفر حيث انه ـ بعد أن طعن في روايتي سماعة وعبد الله بن بكير ـ قال : نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر. ثم ساق الخبر كما قدمناه. ولا يخفى انه مع العمل بهذه الأخبار الأخيرة بناء على حمل المكتوبة فيها على الصلاة المكتوبة كما يدعونه فان اللازم طرح تلك الأخبار الدالة على الجواز رأسا مع ما عرفت من كثرتها وصحة بعضها واعتضادها بالشهرة بين الأصحاب بل دعوى الإجماع ، والجمع بين الخبرين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما رأسا.

وثالثها ـ ان المستفاد من الأخبار ـ كما قدمنا تحقيقه في المسألة الأولى من المطلب الأول ـ هو تحريم الجماعة في النافلة مطلقا إلا ما استثنى كما عليه اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم وان كان ظاهر كلام السيد المذكور ثمة اختيار الجواز إلا انا قد أوضحنا بطلانه وهدمنا بنيانه ، وحينئذ فمتى حملت هذه الأخبار على ما يدعونه من جواز إمامة المرأة في النافلة دون الفريضة لزم مخالفتها لتلك الأخبار الكثيرة

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من صلاة الجنازة.

(٢) تقدم منه «قدس‌سره» ج ٩ ص ١١٥ خروجه عن هذه القاعدة في مواضع عديدة.

١٩٠

المعتضدة باتفاق الأصحاب الدالة على تحريم الجماعة في النافلة ومخالفتها لهذه الأخبار الدالة هنا على جواز إمامة المرأة في اليومية ، مع ما عرفت من شهرة القول بها بين الأصحاب بل ادعى عليه الإجماع ، ومتى حملنا هذه الاخبار على المعنى الذي ذكرناه فلا تعارض ولا إشكال في البين وبه يزول التنافر والاختلاف من الجانبين وتكون هذه الأخبار الثلاثة التي أوردها موافقة للمشهور في المسألتين ، وعلى تقدير ما ذكره تكون معارضة كما عرفت باخبار الطرفين مع كون عمل الأصحاب كما عرفت انما هو على تلك الأخبار في الموضعين. ومن أجل ذلك نسب في المعتبر روايتي سليمان بن خالد والحلبي إلى الشذوذ والندرة كما عرفت ، وبمثله صرح العلامة في المنتهى ايضا. وهو جيد إلا ان ما حملناها عليه أجود لأن فيه أعمالا للدليلين بحسب الإمكان من غير طرح شي‌ء في البين.

ورابعها ـ انه متى حملت النافلة هنا على صلاة النافلة كما يدعونه فلا يخلو إما أن يراد بها النافلة التي استثنيت من تحريم الجماعة في النافلة وهو صلاة الاستسقاء والعيدين كما زعموه وانه يجوز إمامة المرأة في هاتين الصلاتين كما يفهم من كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض من الاتفاق عليه ، أو يراد بها مطلق النافلة راتبة أو غير راتبة كما يفهم من صاحب المدارك الميل اليه. والأول أبعد بعيد من اخبار الصلاتين المذكورتين ، مضافا الى ما عرفت من عدم ثبوت ذلك في صلاة العيدين. والثاني من ما يلزم منه تفضيل النساء على الرجال حيث انه يسوغ لهن من الإمامة في الجماعة ما لا يجوز مثله للرجال مع ان المعهود من الشرع خلافه لنقصانهن في جميع الموارد.

وكيف كان كما قيل في أرخاه العنان فإنه وان لم يكن ما ذكرناه في هذه الأخبار من المعنى المذكور متعينا أو مترجحا لما أوضحناه فلا أقل من أن يكون مساويا لما ذكروه وهو كاف في دفع الاستدلال.

واما صحيحة زرارة التي نقلها عن الفقيه فالأظهر حملها على التقية وكذا كل ما دل على المنع من امامة المرأة ، لأن جل العامة على المنع من إمامتها لكن كراهة

١٩١

عند بعض وتحريما عند آخرين في الفريضة دون النافلة كما هو قول المرتضى ، والقول بالجواز في الفريضة كما هو المشهور عندنا قول الشافعي خاصة واحمد في إحدى الروايتين كما نقله في المنتهى ، واما القول بالكراهة فنقله عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي وإسحاق وابى ثور واحمد في الرواية الأخرى وابى حنيفة ومالك ، قال وحكى عن نافع وعمر بن عبد العزيز ، واما القول بالتفصيل كما ذهب اليه المرتضى (قدس‌سره) فنقله عن الشعبي والنخعي وقتادة (١) ومن ذلك يظهر لك ان جل العامة على القول بالمنع من إمامتها وان كان كراهة عند بعض وتحريما عند آخرين ، وهو وجه وجيه في الجمع بين أخبار المسألة.

وأنت إذا تأملت بعين الحق والإنصاف وجدت انه لا سبب للاضطراب في هذه الأخبار ونحوها والاختلاف إلا التقية التي عمت بها البلية وصارت أعظم سبب في الاختلاف في الأحكام الشرعية ، وشهرة الحكم في الصدر الأول بالجواز من أظهر المرجحات لكون ذلك مذهبهم (صلوات الله عليهم) كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع. والله العالم.

__________________

(١) لا يخفى ان عبارة المنتهى ج ١ ص ٣٦٨ لا ظهور لها في نقل الكراهة عن عائشة ومن بعدها وانما ظاهرها نقل الكراهة عن أحمد في روايته الأخرى وابى حنيفة ومالك ونافع وعمر بن عبد العزيز ، وهذه عبارته : يجوز ان تؤم المرأة النساء في الفرض والنفل الذي فيه تسن الجماعة ، ذهب إليه أكثر علمائنا وهو مستحب عندنا وبه قال الشافعي واحمد في إحدى الروايتين وروى عن عائشة. الى ان قال : وقال أحمد في الرواية الأخرى أنه مكررة وان فعلن اجزأهن وهو قول أبي حنيفة. إلى آخر ما نقل في الكتاب. وعلى طبق ما استظهرناه من العبارة جاء النقل في المجموع للنووي الشافعي ج ٤ ص ١٩٩ والمحلى ج ٣ ص ١٢٨ فإن الكراهة لم تنفل فيهما عن عائشة ومن بعدها الى ابى ثور. ولمعرفة مذهب الشافعي واحمد زيادة على ذلك يرجع الى الأم ج ١ ص ١٤٥ والإنصاف ج ٢ ص ٢١٢ ، ونقل في الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٣٠٥ عن المالكية انه لا يصح ان تكون المرأة اماما لرجال أو نساء لا في فرض ولا في نفل. وكذا نقل في المجموع والمحلى عن مالك المنع مطلقا.

١٩٢

المسألة الثانية ـ من الشرائط في الإمامة الذكورة والقيام والقراءة والإتقان ان أم مثله ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع :

الأول ـ انه لا يؤم القاعد القائم وانما يؤم مثله ، وهو قول علمائنا أجمع على ما حكاه العلامة في التذكرة.

وعليه يدل ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (١) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى بأصحابه جالسا فلما فرغ قال : لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا. قال وقال : الصادق عليه‌السلام كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقع عن فرس فشج شقه الأيمن فصلى بهم جالسا في غرفة أم إبراهيم».

ومن غفلات صاحب الوسائل انه تفرد بالقول بالكراهة : فقال في كتاب الوسائل : باب كراهة إمامة الجالس القيام وجواز العكس (٢) ثم أورد الرواية الأولى ، مع إجماع الأصحاب كما عرفت على التحريم وصراحة الخبر المذكور في ذلك من غير معارض يوجب تأويله.

واستدل جملة من الأصحاب على الحكم المذكور بما رواه الشيخ عن السكوني عن ابى عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام (٣) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يؤم المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحاء».

قالوا : وكذا الكلام في جميع المراتب لا يؤم الناقص الكامل فلا يجوز اقتداء الجالس بالمضطجع.

والاستدلال بهذه الرواية بناء على ما ذيلوها به مبنى على كون العلة في منعه صلى‌الله‌عليه‌وآله من امامة الجالس القائم انما هو من حيث نقصان صلاة الجالس عن صلاة القائم ولا يخفى ان هذه العلة إنما هي مستنبطة إذ لا إشعار في النص بها وإلا لاقتضى ذلك عدم جواز امامة المتيمم بالمتوضئ والمسافر بالحاضر.

والظاهر انه الى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٥ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة الجماعة. ويرويه الشيخ عن الكليني.

١٩٣

ما نقلناه عنهم بقوله : هكذا اشتهر بين الأصحاب.

وبالجملة فإن الدليل على الحكم المذكور انما هو الرواية الاولى ، واما إمامة الناقص الكامل بقول مطلق جوازا وتحريما فلم أقف فيه على نص. وأما بالنسبة إلى جزئيات هذه الكلية فهو يدور مدار النصوص وجودا وعدما جوازا وتحريما.

قالوا : وأطلق الشيخ في الخلاف جواز إمامة العاري بالمكتسي. وقال العلامة في التذكرة : ان اقتدى بالعاري مكتس عاجز عن الركوع والسجود جاز لمساواته له في الأفعال. قال في المدارك : وهو يتم إذا قلنا ان المانع من الاقتداء بالعاري عجزه عن الأركان واما إذا علل بنقصه من حيث الستر فلا. انتهى. وفيه إشارة الى ما قدمناه ذكره عنهم.

والحق في المسألة المذكورة أن المأموم في هذه الصورة ان كان فرضه شرعا الصلاة جالسا كامامه فلا بأس بائتمامه ، لان فرض الامام وفرضه الجلوس فيدخلان تحت الأخبار الدالة على جواز امامة الجالس بالجالس من ذوي الاعذار. ولا يضر هنا نقص صلاة الإمام من حيث كونه عاريا والمأموم مكتس إذ لا دليل على هذه العلة كما عرفت ، وان كان فرضه الإتيان بالأركان من قيام وقعود وركوع وسجود فالظاهر المنع لخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثاني ـ المشهور انه لا يجوز امامة اللاحن في قراءته ولا المبدل حرفا بغيره بالمتقن سواء كان اللحن مغيرا للمعنى كضم تاء «أنعمت» أم لا كفتح دال «الحمد» تمكن من الإصلاح أو لم يتمكن ، وأطلق الشيخ كراهة إمامة من يلحق في قراءته ، قال في المبسوط يكره امامة من يلحن في قراءته سواء كان في الحمد أو غيرها أحال المعنى أو لم يحل إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، فان كان يحسن وتعمد اللحن فإنه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إذا علموا بذلك. وظاهر ابن إدريس اختصاص المنع بما يحيل المعنى حيث قال : لا يجوز امامة اللحنة الذي يغير بلحنه معاني القرآن.

وقال العلامة في المختلف : الوجه عندي انه لا يصح أن يكون إماما ، اما إذا

١٩٤

تعمد فلأن صلاته باطلة لأنه لم يقرأ القرآن كما انزل ، وأما إذا لم يتمكن فلأنه بالنسبة إلى الأعراب كالأخرس فكما لا تصح إمامة الأخرس لا تصح امامة من لا يتمكن من الإعراب. ثم قال : احتج بان صلاته صحيحة فجاز أن يكون اماما. والجواب المنع من الملازمة كالأخرس. انتهى. وعلى هذا جرى كلام الأكثر كما عرفت.

وكذا الكلام بالنسبة إلى المبدل حرفا بغيره كالألثغ بالثاء المثلثة وهو الذي يبدل حرفا بغيره ، وربما خص بمن يبدل الراء لاما ، والأرت وهو الذي يجعل اللام تاء ، وفي حكمه الأليغ بالياء المثناة التحتانية وهو الذي لا يبين الكلام ولا يأتي بالحروف على الصحة ، وكذا التمتام والفأفاء وهو من لا يحسن تأدية التاء والفاء إلا بترديدهما مرتين فصاعدا ، وقيل من لا يحسن تأدية التاء والفاء أو يبدلهما بغيرهما.

وهؤلاء كلهم ما عدا التمتام والفأفاء لا تصح إمامتهم عند الأصحاب إلا بأمثالهم أما الفردان المذكوران فقد صرح غير واحد منهم بجواز إمامتهما مطلقا ، قالوا لان هذه الزيادة الحاصلة من الترديد زيادة غير مخرجة عن صحة القراءة وكرهه بعض الأصحاب ، قال المحقق في المعتبر : اما التمتام والفأفاء فالائتمام بهما جائز لأنه يكرر الحرف ولا يسقطه. ومقتضى كلامه ان التمتام هو الذي لا يتيسر له النطق بالتاء إلا بعد ترديدها مرتين فصاعدا. وبهذا التفسير والحكم صرح العلامة في التذكرة والمنتهى لكنه حكم في التذكرة بكر لعة إمامته لمكان هذه الزيادة. وقال في المنتهى : ولو كان له لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدله بغيره أمكن أن يقال بجواز إمامته بالقارئ. ونحوه قال في التذكرة ولكنه جزم بالجواز. وقال في الذكرى : اما من به لثغة تمنع من تخليص الحرف ولا تبلغ به تبديله بغيره فجائز إمامته للقارئ وان كان القارئ أفضل لأن ذلك يعد قرآنا. قال في المدارك : ويشكل بان من لم يخلص الحرف لم يكن آتيا بالقراءة على الوجه المعتبر فلا تكون

١٩٥

قراءته كافية عن قراءة المأموم كالمبدل.

قيل : وهل يجب على اللاحن والمبدل للحرف بغيره مع العجز عن الإصلاح الائتمام بالمتقن ان تمكن منه؟ وجهان من توقف الواجب على ذلك فيكون واجبا ، ومن أصالة البراءة ، وإطلاق قوله عليه‌السلام (١) في صحيحة زرارة والفضيل «وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها».

والمسألة بجميع شقوقها لا تخلو من توقف وتأمل لعدم النصوص الواضحة في المقام.

الثالث ـ انه لا خلاف في انه لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ، نقل ذلك غير واحد من الأصحاب ، واستدلوا عليه بما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) قال : «لا تؤم المرأة رجلا». وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) قال : «أخروهن من حيث أخرهن الله». قالوا ويؤيده ان المرأة مأمورة بالستر والحياء والإمامة للرجال تقتضي خلافه.

وأنت خبير بما في هذا الاستدلال ، اما الخبران فالظاهر انهما ليسا من طريقنا إذ لم أقف عليهما في أخبارنا. وأما التعليل الأخير فعليل.

والأظهر في الاستدلال على ذلك انما هو ما قدمناه في المقدمة السادسة في المكان من الأخبار الدالة على عدم جواز محاذاة المرأة للرجل ولا تقدمها عليه ، مضافا الى أن العبادات مبنية على التوقيف ولم يرد عن صاحب الشريعة فعل ذلك

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة الجماعة.

(٢) سنن البيهقي ج ٣ ص ٩٠.

(٣) المغني ج ٢ ص ٢٤٣ ، وفي البحر الرائق ج ١ ص ٣٥٤ نسب الحديث الى ابن مسعود والحنفية يذكرونه مرفوعا وابن همام منع رفعه بل هو موقوف على ابن مسعود. وفي المقاصد الحسنة للسخاوي ص ٢٨ رقم ٤١ «من الغلط نسبته للصحيحين ولدلائل النبوة للبيهقي ولمسند رزين ولكن في مصنف عبد الرزاق ومن طريقه الطبراني من قول ابن مسعود.» وفي موضوعات ملا على القارئ ص ١٩ : في الهداية حديث مشهور وقال ابن همام لا يثبت رفعه فضلا عن شهرته ، والصحيح انه موقوف على ابن مسعود.

١٩٦

ولا الأمر به. ولكن لما كان المشهور بين متأخري أصحابنا هو كراهة المحاذاة والتقدم دون التحريم التجأوا الى الاستدلال هنا بهذه الأدلة المذكورة.

ثم انه كما لا يجوز أن تؤم الرجل لا يجوز أن تؤم الخنثى ايضا لاحتمال الذكورية ولا خنثى بمثله لاحتمال الأنوثية في الامام والذكورية في المأموم فلا تحصل المماثلة.

ونقل في الذكرى عن ابن حمزة انه جوز ذلك لتكافؤ الاحتمالين فيهما والأصل الصحة. قال : وجوابه ان من صور الإمكان تخالفهما في الذكورة والأنوثة كما قلناه والأصل وجوب القراءة على المصلى إلا بعد العلم بالسقط.

هذا. وروى في كتاب دعائم الإسلام (١) عن على عليه‌السلام قال : «لا تؤم المرأة الرجال ولا تؤم الخنثى الرجال ولا الأخرس المتكلمين ولا المسافر المقيمين». وروى في موضع آخر عنه عليه‌السلام ايضا (٢) قال : «لا تؤم المرأة الرجال وتصلى بالنساء ولا تتقدمهن ، تقوم وسطا منهن ويصلين بصلاتها». والله العالم.

المسألة الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم بان صاحب الامارة والمسجد والمنزل أحق وأولى بالإمامة في هذه الموارد الثلاثة ، والمراد بصاحب الامارة من كانت امارته شرعية بمعنى انه منصوب من قبل المعصوم عليه‌السلام فإنهم عليهم‌السلام في وقت تمكنهم وسلطتهم كانوا يعينون أمراء للبلدان للأمر والنهى والحكم بين الرعية والجمعة والجماعة ونحو ذلك. والمراد بصاحب المسجد يعني الإمام الراتب فيه ، وصاحب المنزل ساكنه وان لم يكن ملكا له. قالوا : وكذا الهاشمي أولى من غيره ممن لم يكن كذلك. وصرح بعضهم بأن إمام الأصل مع حضوره أولى من الجميع.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (أحدها) ـ ما ذكروه ـ من أولوية هؤلاء الثلاثة الأول على غيرهم عدا الإمام الأعظم وان كان ذلك الغير أفضل منهم ـ

__________________

(١) ج ١ ص ١٨٣ طبع مصر.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجماعة.

١٩٧

من ما لا خلاف فيه عندهم ، وقد صرح بذلك العلامة في جملة من كتبه ، وقال في المنتهى انه لا يعرف فيه خلافا.

واستدلوا عليه بالنسبة الى صاحب الامارة والمنزل بما سيأتي ان شاء الله تعالى في رواية ابى عبيدة (١) من قوله عليه‌السلام : «ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان في سلطانه».

وأما بالنسبة الى امام المسجد الراتب فعللوه بان المسجد يجرى مجرى منزله ، ولان تقدم غير الراتب عليه يورث وحشة وتنافرا فيكون مرجوحا.

أقول : والأظهر الاستدلال عليه بما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي ، والظاهر انه هو المستند لما صرح به المتقدمون من هذا الحكم كما عرفت في غير موضع إلا انه لما لم يصل ذلك الى المتأخرين عللوه بما عرفت.

حيث قال عليه‌السلام في موضع من الكتاب (٢) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال صاحب الفراش أحق بفراشه وصاحب المسجد أحق بمسجده» وقال في باب صلاة الجماعة «اعلم ان أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرؤهم. الى أن قال : وصاحب المسجد أولى بمسجده».

وقال في كتاب دعائم الإسلام (٣) «وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : يؤمكم أكثركم نورا ـ والنور القرآن ـ وكل أهل مسجد أحق بالصلاة في مسجدهم إلا أن يكون أمير حضر فإنه أحق بالإمامة من أهل المسجد». وعن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٤) انه قال : «يؤم القوم أقدمهم هجرة. الى أن قال : وصاحب المسجد أحق بمسجده».

ولو اجتمع صاحب الامارة مع صاحب الراتبة أو صاحب المنزل فقد قطع

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة الجماعة.

(٢) ص ١١ و ١٤.

(٣ و ٤) مستدرك الوسائل الباب ٢٥ من صلاة الجماعة.

١٩٨

الشهيد الثاني بكونه أولى منهما ، ولا يخلو من توقف.

بقي الإشكال في انه قد تقدم في روايتي معاوية بن شريح والحناط المتقدمتين في آخر المسألة الحادية عشرة من مسائل المطلب الأول (١) «انه إذا قال المؤذن «قد قامت الصلاة» يقوم القوم على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الامام حتى يجي‌ء» ومن الظاهر أن ذلك هو في المسجد وحينئذ فلو كان امام المسجد أحق لم يسارعوا الى تقديم غيره. اللهم إلا ان يقال ان أحقيته انما هي مع الحضور لا مع الغيبة. وفيه ما لا يخفى فان حقه لا يفوت بمثل هذه المسارعة.

ويؤيد ما قلناه ما صرح به شيخنا الشهيد في الذكرى حيث قال : ولو تأخر الإمام الراتب استحب مراسلته ليحضر أو يستنيب ، ولو بعد منزله وخافوا فوت وقت الفضيلة قدموا من يختارونه. الى أن قال : ولو حضر بعد صلاتهم استحب إعادتها معه لما فيه من اتفاق القلوب مع تحصيل الاجتماع مرتين. انتهى. وبنحو ذلك صرح غيره ايضا.

وما ذكره أخيرا من استحباب الإعادة معه بعد حضوره مبنى على ما قدمناه نقله عنه من استحباب ترامى الجماعة. وفيه ما مر.

على ان الخبرين المذكورين غير خاليين ايضا من الإشكال وان لم يتنبه له أحد من علمائنا الأبدال ، وذلك فان الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ان الأذان والإقامة في الجماعة انما هما من وظائف صلاة الامام ومتعلقاتها ولا تعلق لصلاة المأمومين بشي‌ء منهما ، غاية الأمر انه قد يقوم بهما الامام كلا أو بعضا وقد يقوم بهما بعض المأمومين كلا أو بعضها ، وحينئذ فما لم يكن الامام حاضرا فلمن يؤذن هذا المؤذن ويقيم المقيم.

وأشكل من ذلك أن في رواية معاوية بن شريح بعد ذكر ما تقدم «قلت فان كان الامام هو المؤذن؟ قال وان كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم» وكيف

__________________

(١) ص ١٧٩.

١٩٩

يستقيم هذا وهو الذي قد أذن وأقام وعند قوله : «قد قامت الصلاة» قام الناس على أرجلهم فأين ذهب بعد ذلك حتى ينتظرونه أو لا ينتظرونه.

وبالجملة فجميع ما ذكرنا من وجوه هذه الإشكالات ظاهر لا ريب فيه ، والاعتماد على هذين الخبرين بعد ما عرفت من ثبوت حقيقة الإمام الراتب بالأخبار المتقدمة مضافا الى اتفاق الأصحاب مشكل غاية الإشكال. والله العالم.

وثانيها ـ ان ما ذكره بعضهم من أنه مع حضور إمام الأصل فإنه أولى بالإمامة من ما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، لانه صاحب الرئاسة العامة وهو ولي الأمور الأولى بالناس من أنفسهم. ولو منعه مانع فاستتاب فلا ريب أن نائبه هو الأولى لترجحه بتعيين الامام له فإنه لا يستنيب إلا الراجح أو المساوي ، ومع رجحانه فالأمر ظاهر ومع التساوي فالمرجح له التعيين ، فعلى الأول فيه مرجحان وعلى الثاني مرجح واحد.

وثالثها ـ لو أذن أحد الثلاثة المتقدم ذكرهم لغيره كان هو الأولى ، قال في المنتهى : لو اذن المستحق من هؤلاء في التقدم لغيره جاز وكان أولى من غيره إذا اجتمع الشرائط ، ولا نعرف فيه خلافا لأنه حق له فله نقله الى من شاء.

قال في الذخيرة : وقد جزم الشهيدان بانتفاء كراهة تقدم الغير معللا بأن أولويتهم ليست مستندة الى فضيلة ذاتية بل إلى سياسة أدبية. واستشكل ذلك بأنه اجتهاد في مقابلة النص.

أقول : من المحتمل قريبا ان الأولوية التي دل عليها النص المشار اليه انما هي عبارة عن أحقيته بالصلاة والتقدم من غيره بالنسبة إلى نفسه فلو أراد غيره التقدم عليه كان على خلاف ما ورد به النص لا ان ذلك بالنسبة إلى نائبه ، والظاهر ان بناء كلام الشهيدين على هذا وبه يعلم سقوط ما اعترض به عليهما من انه اجتهاد في مقابل النص ، إذ لا دلالة في النص على أزيد من ما ذكرناه.

قال في الذكرى : وهل الأفضل لهم الإذن للأكمل منهم أو الأفضل لهم

٢٠٠