الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

المسألة بهذا التفصيل وإمكان حمل ما دل على الرجوع على الاستحباب.

وظاهر كلام الأصحاب في وجه هذا الحمل هو أنه مع الرجوع حال رفع رأسه عامدا يلزم زيادة الركن عمدا واما مع السهو فاللازم زيادته سهوا وهو مغتفر.

وفيه انهم قد صرحوا بأن زيادة الركن مبطلة عمدا وسهوا فلا وجه لهذا التفصيل حينئذ والواجب أولا نقل ما وقفنا عليه من أخبار المسألة ثم الكلام فيها بما وفق الله سبحانه لفهمه منها مستمدين منه تعالى الهداية إلى الصواب في هذا الباب وفي جميع الأبواب فنقول :

من الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة ـ وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ـ عن غياث بن إبراهيم الثقة البتري (١) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام أيعود فيركع إذا أبطأ الامام ويرفع رأسه معه؟ قال لا».

وما رواه الشيخ في الموثق عن الحسن بن على بن فضال (٢) قال : «كتبت الى ابى الحسن الرضا عليه‌السلام في الرجل كان خلف إمام يأتم به فركع قبل أن يركع الامام وهو يظن ان الامام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الامام أيفسد ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب يتم صلاته ولا يفسد ما صنع صلاته».

وعن محمد بن على بن فضال عن ابى الحسن عليه‌السلام (٣) قال : قال : ««قلت له اسجد مع الامام وارفع رأسي قبله أعيد؟ قال أعد واسجد».

وعن على بن يقطين (٤) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الامام؟ قال يعيد ركوعه معه». ورواه في الفقيه عن محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام مثله (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٨ من صلاة الجماعة.

(٥) الوسائل الباب ٤٨ من صلاة الجماعة ورواه الشيخ أيضا في التهذيب ج ١ ص ٢٥٩ عن محمد بن سهل عن أبيه عن الرضا (ع) ونقله عنه في الوسائل في نفس الباب.

١٤١

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ربعي والفضيل ـ ورواه في الفقيه عن الفضيل بن يسار ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قالا : «سألناه عن رجل صلى مع إمام يأتم به فرفع رأسه من السجود قبل ان يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال فليسجد».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يصلى مع امام يقتدى به فركع الامام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود أيركع ثم يلحق بالإمام والقوم في سجودهم أو كيف يصنع؟ قال يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم ولا شي‌ء عليه».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان أخبار المسألة المذكورة لا تساعد على ما ذكروه من الكلام المنقول عنهم آنفا على إطلاقه ، وينبغي تفصيل ما يستفاد منها في صور :

الأولى ـ صورة تقدم المأموم في الرفع من الركوع وكذا من السجود ، والحكم فيه أنه يرجع وجوبا أو استحبابا عامدا كان أو ناسيا ، والوجه في ذلك دلالة صحيحة على بن يقطين وصحيحة ربعي والفضيل ورواية سهل وموثقة محمد بن على بن فضال على الرجوع ، وموردها الرفع من الركوع في بعض ومن السجود في بعض ، وظاهرها العموم لحالتي العمد والنسيان ، وموثقة غياث الدالة على عدم الرجوع وموردها مورد تلك الأخبار وهي مطلقة ايضا شاملة للعمد والنسيان ، والشيخ ومن تبعه كما هو المشهور بين الأصحاب وان جمعوا بينها وبين تلك الأخبار بحملها على العامد وحمل تلك الأخبار على الناسي إلا انه كما عرفت تحكم محض ، والأظهر أما طرحها لضعفها عن معارضة تلك الأخبار أو حملها على الجواز وحمل تلك الأخبار على الاستحباب ، ومن ثم حصل الترديد في العبارة المتقدمة بقولنا وجوبا أو استحبابا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٨ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من صلاة الجماعة.

١٤٢

الثانية ـ صورة تقدم المأموم في الهوى للركوع والسجود ، والأظهر التفصيل بين العمد وعدمه ، فان تقدمه عمدا فالأحوط الإعادة للصلاة بعد إتمامها كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم فانا لم نقف في النصوص على ما يدل على ما ذكره الأصحاب من ما قدمنا نقله عنهم من جعل الحكم هنا كالرفع ، ومورد الروايات التي ذكرناها في الصورة الأولى انما هو الرفع وهو غير الهوي البتة. وجملة من الأصحاب قد فصلوا في هذه الصورة بأنه ان كان تعمد المأموم الركوع حال قراءة الإمام فالظاهر بطلان الصلاة لوجوب الوقوف عليه والطمأنينة في تلك الحال ، وان كان بعد القراءة فنقلوا عن الشيخ في المبسوط بطلان الصلاة حيث ذهب الى ان من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته كما قدمنا نقله عنه. ومال جملة منهم الى العدم وان لزم الإثم خاصة. ورجح بعض أفاضل متأخري المتأخرين البطلان من حيث ان الفعل وقع منهيا عنه فيكون فاسدا غير مبرئ للذمة ، والرجوع اليه ثانيا يستلزم زيادة الركن والواجب عمدا وهو مبطل للصلاة. والتعليل المذكور وان كان لا يخلو من المناقشة إلا أن الأحوط ما ذكره لما قدمناه.

الثالثة ـ صورة تقدم المأموم سهوا أو ظنا منه بهوى الامام فيرجع في صورة الهوي للركوع لموثقة الحسن بن على بن فضال المذكورة ، وموردها الركوع والأصحاب عمموا الحكم في السجود ايضا ، وكأنهم بنوا على عدم ظهور الخصوصية بالركوع فعدوا الحكم الى السجود من باب تنقيح المناط القطعي كما هو المعمول عليه في جملة من الأحكام ، وهو غير بعيد إلا ان الأحوط قصر الحكم على مورد الرواية والاحتياط في الهوى للسجود بالإعادة بعد الإتمام كما ذكروه. ومورد الرواية أيضا وان كان الظن إلا أن النسيان ايضا يرجع اليه لاشتراك الجميع في عدم التعمد وحصول العذر ، ولهذا لم يفرق الأصحاب بينهما هنا وفي أكثر الأحكام.

قال في المدارك : وأما الرجوع مع النسيان فيدل عليه ما رواه الشيخ عن سعد عن ابى جعفر عن الحسن بن على بن فضال. ثم ساق الرواية حسبما قدمناه ،

١٤٣

ثم قال : وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس في رجالها من قد يتوقف في شأنه إلا الحسن بن على بن فضال ، وقد قال الشيخ انه كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهدا ورعا ثقة في رواياته وكان خصيصا بالرضا عليه‌السلام واثنى عليه النجاشي وقال انه كان فطحيا ثم رجع الى الحق (رضى الله عنه) انتهى.

أقول : لا يخفى ما في تستره بما ذكره عن الخروج من قاعدة اصطلاحه من الوهن الناشئ عن ضيق الخناق في العمل بهذا الاصطلاح كما قدمنا الإشارة إليه في غير موضع ، وقد تقدم له في غير موضع ايضا رد اخبار إبراهيم بن هاشم التي هي في أعلى مراتب الحسن عند أصحاب هذا الاصطلاح بل عدها في الصحيح جملة منهم. وقد وقع له في كتاب الحج اضطراب في حديث على بن الحسن بن فضال فما بين ان يرده ويطعن عليه إذا لم يوافق اختياره وما بين أن يقبله إذا وافق مراده ، ويتستر بمثل هذا الكلام الذي ذكره علماء الرجال في حقه ومدحه والثناء عليه ، وكذا وقع له في مسمع بن عبد الملك ما بين أن يعد حديثه في الصحيح تارة وفي الحسن اخرى ويرده ثالثا ويرميه بالضعف ، ومجمل الكلام انه ان كان التوثيق موجبا للعمل بالخبر فإنه يجب العمل بالأخبار الموثقة حيثما كانت وفي أي حكم وردت ولا معنى لردها من هذه الجهة ، وإلا فلا معنى لهذا الكلام المنحل الزمام وأمثاله من ما جرى له في غير مقام. وهذا المدح لا يختص بهذا الرجل بل قد ذكر علماء الرجال في أمثاله من الواقفية والفطحية أمثال هذا الكلام كما لا يخفى على من لاحظ كتب الرجال مع انه يرد أحاديثهم غالبا. ونقل رجوعه إلى الحق سيما عند الموت كما هو المروي لا يفيد فائدة. والله العالم.

فروع

الأول ـ لو كان الامام ممن لا يقتدى به فرفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبله عامدا أو ناسيا استمر على حاله حتى يلحقه الامام ولا يعود اليه كما

١٤٤

ذكرنا في الصورة الأولى ، لأنه منفرد فيقع رفعه في موضعه ويلزم من رجوعه زيادة ركن في صلاته.

الثاني ـ لو ترك المأموم الرجوع بناء على القول بوجوبه عليه إما في صورة النسيان كما هو المشهور أو مطلقا كما هو أحد الاحتمالين في القول الآخر فهل تبطل صلاته أم لا؟ وجهان : أحدهما ـ نعم لان المتعبد به والمأمور به الرجوع ولم يأت به متعمدا فيبقى تحت عهدة الخطاب. وثانيهما ـ لا لأن الرجوع لقضاء حق المتابعة لا لكونه جزء من الصلاة ، ولأنه بترك رجوعه يصير في حكم المتعمد الذي عليه الإثم لا غير. والمسألة خالية من النص والاحتياط لا يخفى.

الثالث ـ قال في المنتهى : لو تقدم على الامام بركنين كما لو ركع قبل امامه ثم نهض قبله لم تبطل صلاته ولا ائتمامه بل الحكم ما قدمناه ، وقال الشافعي لو تقدم بركنين بطلت صلاته (١) انتهى.

أقول : قد عرفت ان تقدم المأموم في الركوع والسجود عمدا غير منصوص وقد عرفت وجه الإشكال في المسألة ، ولكنه (قدس‌سره) بناء على ما هو المشهور عندهم من اجراء التقدم في الركوع مجرى الرفع منه وكذا في السجود جعل الحكم في ما لو تقدم بركنين مثل الحكم في ما لو تقدم بركن. وفيه انه مع تسليم وجود الدليل في تلك المسألة والدلالة على جواز التقدم بركن فإلحاق الركنين به قياس مع الفارق.

الرابع ـ هل تبطل المتابعة وتنفسخ القدوة بالتأخر عن الامام بقدر ركن أم لا؟ ظاهر الشهيد في الذكرى في باب الجماعة العدم ، قال (قدس‌سره) : لو سبق الامام بعد انعقاد صلاته أتى بما وجب عليه والتحق بالإمام سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر ، وقد مر مثله في الجمعة ، ولا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا ، وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخر بركن ، والمروي

__________________

(١) المهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ٩٥ والوجيز للغزالى ج ١ ص ٣٥.

١٤٥

بقاء القدوة ، رواه عبد الرحمن عن ابى الحسن عليه‌السلام في من لم يركع ساهيا. ثم ذكر مضمون الخبر الذي قدمناه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان الدليل أخص من المدعى فلا ينهض حجة على العموم ، وكذا ما أشار إليه انه مر مثله في الجمعة ، فإنه إشارة إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليه‌السلام (١) «في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ولا ان يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم يقوم في الصف؟ قال لا بأس». وموردها كما ترى حال الضرورة والعذر كالرواية المذكورة ، وقد تقدم منه (قدس‌سره) في باب صلاة الآيات ما يناقض هذا الكلام كما قدمنا ذكره ثمة وحققنا المقام بما يرفع عنه غشاوة الإبهام.

والظاهر عندي من تتبع النصوص في جملة من الموارد هو القول بوجوب المتابعة وعدم التخلف من الامام بركن :

ففي صحيحة معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يدرك آخر صلاته الامام وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم».

وفي صحيحة زرارة في المسبوق ايضا (٣) وستأتي بكمالها ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة ، قال فيها : «قرأ في كل ركعة من ما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجمعة. واللفظ في الفقيه ج ١ ص ١٧٠ ونحوه في التهذيب ج ١ ص ٣٠١ هكذا : «ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال يركع ويسجد ثم يقوم في الصف ولا بأس بذلك».

(٢) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجماعة. واللفظ هكذا «قال : «سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل.».

(٣) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجماعة.

١٤٦

وسورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب. الحديث».

والتقريب فيهما ان الظاهر من قوله في الأولة «فلا يمهله حتى يقرأ» ومن قوله في الثانية «فان لم يدرك السورة» انما هو باعتبار خوف فوت الركوع مع الامام بمعنى انه لو اشتغل بالقراءة تامة فاته الركوع مع الامام ، ولو جاز التخلف عنه ولو بركن كما يدعونه لم يكن لهذا الكلام معنى ، لانه يتم القراءة كملا وان لم يلحقه في الركوع لحقه في السجود أو بعد السجود كما يدعونه من عدم فوات القدوة بالإخلال بالمتابعة في ركنين.

ونحو هاتين الروايتين ايضا قوله عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (١) : «فإن سبقك الإمام بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين من صلاتك الحمد وسورة فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد».

وفي كتاب دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) قال : «إذا سبق أحدكم الإمام بشي‌ء من الصلاة فليجعل ما يدرك مع الإمام أول صلاته وليقرأ في ما بينه وبين نفسه ان أمهله الامام.».

وروى فيه ايضا عن ابى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام (٣) قال : «إذا أدركت الامام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك فاتحة الكتاب وسورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ». والتقريب فيها ما عرفت. والله العالم.

المسألة العاشرة ـ من الشرائط في الجماعة توافق نظم الصلاتين في الأفعال لا في عدد الركعات ومرجعه الى اتحاد النوع ، أى أن تكون صلاة الامام والمأموم من نوع واحد ، فلو اختلفا نوعا كاليومية وصلاة الآيات أو العيدين أو بالعكس لم يجز الاقتداء. وأما اختلاف الصنف كالمفترض بالمتنفل وبالعكس والمقصر بالمتم

__________________

(١) ص ١٤.

(٢ و ٣) مستدرك الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجماعة.

١٤٧

وبالعكس فلا مانع منه. ولا يشترط الاتحاد في عدد الركعات على الأشهر الأظهر وخلاف الصدوق (قدس‌سره) كما سيأتي نقله ان شاء الله تعالى في المقام شاذ.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (الأول) ـ احتج شيخنا الشهيد في الذكرى على عدم جواز الاقتداء في اليومية بصلاة الكسوف وبالعكس ونحوه في العيدين بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به. الخبر». قال وهو غير حاصل مع الاختلاف.

أقول : قد عرفت آنفا ان هذا الخبر ليس من طريقنا وإنما هو من طريق العامة وان استسلقوه (رضوان الله عليهم في أمثال هذه المقامات سيما مع عدم الدليل من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام.

والأظهر في الاستدلال على منع ذلك بان العبادة مبنية على التوقيف من صاحب الشريعة كيفية وكمية وصحة وبطلانا وفرادى وجماعة ونحو ذلك ، ولم يثبت عنهم عليهم‌السلام فتوى ولا فعلا صحة الاقتداء في موضع البحث فيجب الحكم بالمنع حتى يقوم الدليل عليه.

الثاني ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم جواز اقتداء المفترض بمثله في فروض الصلاة اليومية وان اختلف العدد والكمية ، بل قال في المنتهى انه قول علمائنا أجمع.

ونقل عن الصدوق انه قال : لا بأس أن يصلى الرجل الظهر خلف من يصلى العصر ولا يصلى العصر خلف من يصلى الظهر إلا ان يتوهمها العصر فيصلي معه العصر ثم يعلم انها كانت الظهر فتجزئ عنه.

قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : ولا أعلم مأخذه إلا أن يكون نظر الى ان العصر لا تصح إلا بعد الظهر فإذا صلاها خلف من يصلى الظهر فكأنه قد صلى العصر مع الظهر مع انها بعدها. وهو خيال ضعيف لان عصر المصلي مترتبة على ظهر نفسه لا على

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٣ ص ١٣٤.

١٤٨

ظهر امامه. انتهى. وهو جيد.

إلا انه من المحتمل قريبا عدم ثبوت النقل المذكور عنه فانى لم أقف عليه في كتاب الفقيه ، وقد عرفت من ما ذكرنا في باب السهو والشك عدم صحة جملة من الأقوال المنقولة عنه في ذلك الباب وأوضحنا ذلك بإيضاح لا يزاحمه الشك والارتياب

ويؤيده أيضا ما ذكره في الذخيرة قال : وحكى عنه الشارح الفاضل اشتراط اتحاد الكمية مع انه صرح في الفقيه بجواز اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس. انتهى

وما ذكره أيضا في الذخيرة ـ من انه صرح في الفقيه بجواز اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس ـ لم أقف عليه في الكتاب المذكور بهذا النقل ، وانما روى فيه حديث داود بن الحصين (١) المشتمل على جواز ذلك على كراهية ، فلعله أراد ما ذكرناه حيث ان ما يرويه من الأخبار ينسب مذهبا اليه.

قال في المدارك : وربما استدل له بصحيحة على بن جعفر (٢) «انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن امام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلى معه وهي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها». وهو غير جيد ، لان مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق. الى آخر ما ذكره.

أقول : قد قدمنا في المقدمة السادسة في المكان من مقدمات هذا الكتاب (٣) ان الحكم بإعادة المرأة صلاتها انما هو لمحاذاة المرأة للإمام وتقدمها على الرجال مع تحريم ذلك كما أوضحناه ثمة ، لا لما ذكره في المدارك من حمل الإعادة على الاستحباب حيث انه يختار القول بكراهة المحاذاة دون التحريم ، وقد سبق البحث معه في ذلك في الموضع المشار اليه. وأما قوله ان مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق فالوجه فيه ان الصدوق قد صرح بالصحة متى ظن المأموم ان تلك الصلاة صلاة العصر والحال ان الخبر صرح بأن المرأة ظنت كذلك ، فمقتضى كلام الصدوق هو الصحة في هذه الصورة لا البطلان

__________________

(١) ص ١٥١.

(٢) الوسائل الباب ٥٣ من صلاة الجماعة.

(٣) ج ٧ ص ١٧٧.

١٤٩

كما صرحت به الرواية. وبالجملة فإن بطلان صلاة المرأة إنما استند الى ما ذكرناه.

وكيف كان فالعمل على القول المشهور لعموم أدلة الجماعة ، ويدل على جواز صلاة الظهر خلف من يصلى العصر ما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل امام قوم يصلى العصر وهي لهم الظهر؟ قال أجزأت عنه وأجزأت عنهم».

وروى الشيخ في الصحيح عن سليم الفراء (٢) قال : «سألته عن الرجل يكون مؤذن قوم وامامهم يكون في طريق مكة أو غير ذلك فيصلي بهم العصر في وقتها فيدخل الرجل الذي لا يعرف فيرى انها الأولى أفتجزؤه انها العصر قال لا».

أقول : الظاهر ان المعنى في هذه الرواية ان الرجل نوى الظهر والحال ان الامام يصلى العصر في وقتها يعنى وقت الفضيلة لها فهل صلاته تكون صحيحة أو انه باعتبار كون الوقت وقتا للعصر تجزئه عن العصر وان لم ينوها؟ فأجاب عليه‌السلام بأنها لا تجزئ عن العصر لعدم نيتها. ومجرد كون الوقت للعصر لا يمنع من وقوع الظهر فيه

وعن ابى بصير في الموثق (٣) قال : «سألته عن رجل صلى مع قوم وهو يرى انها الاولى وكانت العصر؟ قال فليجعلها الأولى وليصل العصر». ورواه الكليني عن احمد بن محمد مثله (٤) ثم قال : وفي حديث آخر «فان علم انهم في صلاة العصر ولم يكن صلى الاولى فلا يدخل معهم».

أقول : حمل في الوسائل هذه الرواية المرسلة على التقية واحتمل حملها على الدخول بنية العصر. والأول أظهر.

ويدل على اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس وان كان على كراهية ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) «في المسافر يصلى خلف المقيم؟ قال يصلى ركعتين ويمضى حيث شاء». ورواه الشيخ في التهذيب في

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٣ من صلاة الجماعة.

(٥) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجماعة.

١٥٠

الصحيح عن حماد (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسافر. الحديث».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن على (٢) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين؟ قال فليصل صلاته ثم يسلم وليجعل الأخيرتين سبحة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن ابى العباس الفضل بن عبد الملك ـ ورواه في الفقيه عن الفضل بن عبد الملك ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلى بشي‌ء من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم ، وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وان صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر». ورواه في الفقيه عن داود بن الحصين عنه عليه‌السلام (٤) مثله الى قوله «ويسلم».

وروى في الفقيه عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٥) قال : «إذا صلى المسافر خلف قوم حضور. الحديث بتمامه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن النعمان الأحول عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فان كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين وان كانت العصر فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة».

قال في التهذيب : وفقه هذا الحديث انه انما قال : «ان كانت الظهر فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين» لأنه متى فعل ذلك جاز له أن يجعل الركعتين الأخيرتين

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجماعة. ولم ينقل فيه رواية الفضل عن الفقيه كما لم تجدها في الفقيه في مظانها نعم في الوافي باب (ائتمام كل من المسافر والمقيم بالآخر) نقلها عن التهذيب والفقيه.

١٥١

صلاة العصر وإذا كان صلاة العصر انما يجعل الركعتين الأخيرتين صلاته لأنه تكره الصلاة بعد صلاة العصر إلا على جهة القضاء.

وروى الشيخ عن ابى بصير في الصحيح (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام) لا يصلى المسافر مع المقيم فان صلى فلينصرف في الركعتين».

وقال في الفقيه (٢) وقد روى «انه ان خاف على نفسه من أجل من يصلى معه صلى الركعتين الأخيرتين وجعلهما تطوعا». أقول : والوجه فيه ان المخالفين يتمون في السفر.

وعندي في المقام اشكال لم أر من نبه عليه ولا من تنبه اليه ، وهو ان ظاهر جملة من هذه الأخبار ـ وبه صرح هنا جملة من علمائنا الأبرار ـ جواز الائتمام في النافلة هنا لقوله عليه‌السلام) في رواية محمد بن على «وليجعل الأخيرتين سبحة» وفي رواية محمد بن النعمان «فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة» وقد عرفت دلالة كلام الشيخ على ما تضمنه الخبر المذكور مع ان الأظهر الأشهر كما تقدم تحقيقه انه لا يجوز الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يعدوا هذا الموضع من جملة ما خصوه بالاستثناء.

الثالث ـ قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض في ما لو صلى المسافر الصلاة الرباعية مع الحاضر انه يسلم إذا فرغ من أفعاله الموافقة لصلاة الإمام قبل الامام ، ولو تشهد معه ثم انتظره الى أن يكمل صلاته ويسلم معه كان أفضل. ولو انعكس الفرض تخير الحاضر عند انتهاء الفعل المشترك بين المفارقة في الحال والصبر حتى يسلم الامام فيقوم إلى الإتمام وهو أفضل. والأفضل للإمام أن ينتظر بالسلام فراغ المأموم ليسلم به فان علم المأموم بذلك قام بعد تشهد الامام. انتهى. ونحوه صرح الشهيد في الذكرى ايضا. وما ذكره (طاب ثراه) من الأفضلية في هذه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٥٣ من صلاة الجماعة.

١٥٢

المواضع لم أقف فيه على دليل.

الرابع ـ المشهور عدم وجوب بقاء الامام المسافر في مجلسه الى أن يتم المأموم المقيم خلافا للمرتضى وظاهر ابن الجنيد.

قال المرتضى (رضى الله عنه) في الجمل على ما نقله في المختلف : لو دخل المقيم في صلاة مسافر وجب عليه أن لا ينتقل من الصلاة بعد سلامه إلا بعد ان يتم المقيم صلاته. واقتصر في المختلف على نقل خلاف المرتضى. واما ما نسبناه الى ظاهر ابن الجنيد فقد نقله شيخنا الشهيد الثاني في الروض.

ثم انه في المختلف اختار الاستحباب ونقله عن الشيخ وابن إدريس ، واحتج بأنه قد صلى فرضه فلا يجب عليه انتظار المأموم كالمأموم المسبوق.

أقول : يمكن أن يكون دليلهما ما رواه في الكافي عن ابى بصير في الموثق أو الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «أيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم ، ذلك على كل امام واجب إذا علم ان فيهم مسبوقا ، فان علم ان ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء».

إلا ان مورد الرواية كما ترى انما هو المسبوق وقد ورد ما يدل على جواز القيام بالنسبة اليه وعدم الانتظار كما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلى بقوم فيدخل قوم في صلاته بعد ما قد صلى ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته وسلم أيجوز له وهو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال نعم».

وقال في الروض على اثر الكلام المتقدم نقله عنه هنا ونقل خلاف المرتضى وابن الجنيد : وما ذكرناه من التفصيل آت في الصلاتين المختلفتين عددا وصلاة المسبوق وان لم يختلفا سفرا وحضرا ، فإذا اقتدى مصلى الصبح بالظهر فحكمه حكم

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من التعقيب.

١٥٣

اقتداء المسافر بالحاضر ، ومثله اقتداء مصلى المغرب بالعشاء فإنه يجلس بعد الثالثة للتشهد والتسليم والأفضل له انتظاره به كما مر. وربما قيل بالمنع هنا لإحداثه تشهدا مانعا من الاقتداء بخلاف مصلى الصبح مع الظهر والمسافر مع الحاضر فإنه يتشهد مع الامام. ويضعف بان ذلك ليس مانعا من الاقتداء ومن ثم يتأخر المأموم المسبوق للتشهد مع بقاء القدوة. انتهى.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر وكذا بالعكس ، ذكره المفيد والمرتضى والشيخ في الخلاف وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في المعتبر والعلامة ، ونقل في المختلف عن الشيخ على بن بابويه انه قال : لا يجوز امامة المتم للمقصر وبالعكس. وقال ابنه في المقنع : لا يجوز أن يصلى المسافر خلف المقيم. وجملة من الأصحاب كالشيخ في المبسوط والنهاية والجمل لم يعدوا في قسم المكروه ائتمام المسافر بالحاضر ، وكذا المحقق في الشرائع حيث اقتصر في عده المكروهات على ائتمام الحاضر بالمسافر ، وهو ظاهر سلار ايضا كما نقله في المختلف ، وظاهره في المختلف الميل الى عدم الكراهية في الصورة المذكورة.

وأنت خبير بأنه قد تقدم في موثقة الفضل بن عبد الملك المنع من امامة الحضري بالمسافر وبالعكس ، وأكثر الروايات المتقدمة كصحيحة حماد بن عثمان وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة محمد بن النعمان الأحول دلت على جواز ائتمام المسافر بالحاضر من غير كراهة وكذا رواية محمد بن على ، إلا ان غاية ما تدل عليه هو الجواز وان لم يتعرض فيها لذكر الكراهة ، وهو لا ينافي ما دل على الكراهة كالموثقة المذكورة ومثلها صحيحة أبي بصير ، فإنها دلت على انه لا يصلى المسافر مع المقيم.

وصاحب المختلف حيث اختار الجواز بلا كراهة رد موثقة الفضل بن عبد الملك بان في طريقها داود بن الحصين وهو واقفي.

وصاحب المدارك حيث اختار الكراهة اعتذر عن الموثقة المذكورة حيث

١٥٤

ان مذهبه كما عرفت نظم الموثق في قسم الضعيف فقال : وهذه الرواية معتبرة الإسناد إذ ليس في طريقها مطعون فيه سوى داود بن الحصين ، وقد وثقه النجاشي وقال انه كان يصحب أبا العباس الفضل بن عبد الملك وان له كتابا يرويه عدة من أصحابنا. لكن قال الشيخ وابن عقدة انه كان واقفيا. ولا يبعد ان يكون الأصل في هذا الطعن من الشيخ كلام ابن عقدة وهو غير ملتفت اليه لنص الشيخ والنجاشي على أنه كان زيديا جاروديا وانه مات على ذلك. انتهى.

أقول : انظر ما يتستر به (قدس‌سره) في الخروج عن اصطلاحه من هذا الكلام الضعيف والعذر السخيف (أما أولا) فإن ما ذكره من كون الشيخ إنما أخذ الطعن من ابن عقدة وتبعه فيه من غير أن يثبت عنده مع كونه مجرد تخرص غير مسموع ، إذ هو موجب للطعن في الشيخ (قدس‌سره) والقدح فيه من جهة أنه يقدح في الرواة وينسبهم الى خلاف المذهب الحق من غير أن يكون ذلك معلوما عنده ولا ثابتا لديه بل بمجرد التقليد لغيره وان كان ممن لا يعتمد عليه ، وهو مما لا ينبغي ظنه بالشيخ ولا نسبته اليه.

و (أما ثانيا) فلانا ان لم نقل بترجيح الجرح على التعديل لما ذكروه من اطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل حيث ان بناء العدالة على الظاهر فلا أقل من الجمع بينهما بان يعد الحديث في الموثق الذي هو من قسم الضعيف عنده ، ولهذا ان العلامة في الخلاصة بعد نقل القولين المذكورين قال : والأقوى عندي التوقف في روايته. والمشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح هو عد حديثه في الموثق.

وبالجملة فقد عرفت في غير موضع انه (قدس‌سره) لا رابطة له يرجع إليها ولا ضابطة يعتمد عليها بل كلامه يختلف باختلاف اختياراته وإراداته وان ناقض بعضه بعضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما نقلوه هنا عن الشيخ على بن بابويه من العبارة المتقدمة مجملة غير منسوبة إلى رسالته ولا غيرها ، وصورة عبارته في الرسالة لم ينقلها

١٥٥

أحد في المقام ، وأنت قد عرفت من ما قدمناه في غير مقام ان أكثر عباراته في الرسالة إنما هو من كتاب الفقه الرضوي ، ومضمون هذه العبارة وان كان موجودا في الكتاب المذكور إلا ان بعدها ما يدل على انه ليس المراد بها ما يظهر منها من التحريم بل المراد بعدم الجواز تأكد الكراهة كما دلت عليه موثقة الفضل بن عبد الملك.

حيث قال عليه‌السلام (١) : واعلم ان المقصر لا يجوز له أن يصلى خلف المتم ولا يصلى المتم خلف المقصر ، وان ابتليت مع قوم لا تجد بدا من أن تصلى معهم فصل معهم ركعتين وسلم وامض لحاجتك لو تشاء. الى أن قال : وان كنت متما صليت خلف المقصر فصل معه ركعتين فإذا سلم فقم وأتمم صلاتك. انتهى.

وهو كما ترى طبق ما ذكر في موثقة الفضل المذكورة ، فإن صدر الكلام دال على التحريم إلا ان آخره من ما يكشف عن كون ذلك على جهة الكراهة المؤكدة.

ويمكن أن يكون ما نقلوه عن الشيخ على بن بابويه بناء على ما ذكرنا من أخذه غالبا من كتاب الفقه أخذوه من صدر العبارة من غير التفات الى آخرها فصار قولا مخالفا لما عليه الأصحاب في المسألة.

السادس ـ قد عرفت جواز اقتداء المفترض بمثله وان اختلف الفرضان عددا وكمية ، وأما اقتداء المتنفل بالمفترض فكاقتداء الصبي بالبالغ ومعيد صلاته جماعة بعد أن صلاها فرادى بمن لم يصل ، واقتداء المفترض بالمتنفل كمبتدئ الصلاة مع امام صلى منفردا وأراد الإعادة جماعة وفي الاقتداء بالصبي المميز على مذهب الشيخ وفي صلاة بطن النخل من صلوات الخوف كما سيأتي ذكره في محله ان شاء الله تعالى واقتداء المتنفل بالمتنفل كما في المعادة منهما معا عند بعض ، وفيه كلام يأتي ذكره ان شاء الله تعالى عند ذكر المسألة ، وكما في جماعة الصبيان والعيد المندوبة عند الأصحاب ، وفيه كلام قد تقدم ذكره في باب صلاة العيد ، والاستسقاء والغدير على قول تقدم ذكره.

__________________

(١) ص ١٦.

١٥٦

قال في الذكرى : الظاهر ان هذه الفروض إنما تتأتى في صورة الإعادة فلو صلى مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة أو صلى متنفل بالراتبة خلف المفترض أو متنفل براتبة أو غيرها من النوافل فظاهر المتأخرين المنع. انتهى

أقول : وبهذه العبارة تعلق في المدارك في ما قدمنا نقله عنه في المسألة الأولى في عدم ثبوت الإجماع على تحريم الجماعة في النافلة.

وأنت خبير بما قدمناه في المسألة المذكورة من الأدلة الدالة على القول المشهور ومنه يظهر لك ضعف هذا الكلام وانه لا اعتماد عليه ولا ركون إليه في هذا المقام لما صرحت به اخبارهم عليهم‌السلام من التحريم الظاهر لذوي الأفهام ولكنهم (رضوان الله عليهم لقصور تتبعهم للاخبار يقعون في مثل هذه الأوهام.

فروع

الأول ـ قال العلامة في المنتهى : لو كان الامام حاضرا والمأموم مسافرا استحب للإمام ان يومئ برأسه إلى التسليم ليسلم المأموم ثم يقوم الامام فيتم صلاته ويجوز للمأموم أن يصلى معه فريضة أخرى لحديث الفضل.

الثاني ـ قال فيه ايضا : لو كان الامام مسافرا سلم ولا يتبعه المأموم فيه فإذا سلم قام المأموم فأتم صلاته. ويستحب للإمام أن يقدم من يتم الصلاة بهم وان لم يفعل قدم المأمومون. وهل يجوز أن يصلى الإمام فريضة أخرى وينوي المأموم الائتمام به في التتمة التي بقيت عليه؟ الذي يلوح من كلام الشيخ في الخلاف الجواز.

الثالث ـ هل يكره ائتمام المسافر بالمقيم وعكسه عند تساوى الفرضين أو تختص الكراهة بصورة الاختلاف؟ الذي صرح به المحقق في المعتبر الثاني نظرا الى انتفاء المفارقة المقتضية للكراهة. وهو غير بعيد. والله العالم.

المسألة الحادية عشرة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم بأن للجماعة آدابا ومستحبات بعضها يتعلق بالصلاة وبعضها يتعلق بالإمام وبعضها يتعلق بالمأموم ، ونحن نذكر في هذه المسألة ما يجرى منها على البال ويمر بالخيال من ما نص عليه كلامهم

١٥٧

وجرت به أقلامهم في هذا المجال فنقول :

منها ـ انه يستحب للمأموم الواحد إذا كان رجلا أو صبيا الوقوف عن يمين الامام

والأكثر خلفه ، وكذا المرأة وان كانت واحدة تقوم خلفه ، وقد تقدم الكلام في ذلك وحققنا ثمة ما هو الحق الثابت عندنا من الأخبار في المسألة الثانية.

ومنها ـ انه يستحب ان يقف العراة المؤتمون بالعاري في صف واحد وان يبرز الامام بركبتيه ، وكذا النساء المؤتمون بالمرأة إلا انها لا تبرز عنهم بل يكون الجميع في صف واحد.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلى بهم جلوسا وهو جالس».

والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم تعين الجلوس عليهم جميعا مطلقا ، وقيل بوجوب القيام مع أمن المطلع واختاره شيخنا الشهيد الثاني ،

والأكثر على انه يجب على الجميع الإيماء ، وادعى عليه ابن إدريس الإجماع ، وهو الأظهر لإطلاق الأمر بذلك في جملة من الأخبار الصحيحة الصريحة.

وقال الشيخ في النهاية : يومئ الامام ويركع من خلفه ويسجد ، ويشهد له ما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام قوم قطع عليهم الطريق فأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال يتقدمهم امامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومى إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم».

وتحقيق هذه المسألة وما ورد فيها من الأخبار والخلاف والأبحاث المتعلقة بها قد مر مستوفى في المقدمة الخامسة في الساتر من مقدمات هذا الكتاب فمن

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٥١ من لباس المصلى. والرواية عن ابى عبد الله «ع».

١٥٨

أراد الوقوف على ذلك فليرجع الى الموضع المذكور ولا يحتاج إلى إعادته.

واما ما يدل على الثاني فجملة من الأخبار : منها ـ موثقة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن المرأة تؤم النساء قال نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن».

وصحيحة هشام بن سالم (٢) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن».

وصحيحة سليمان بن خالد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء؟ قال إذا كن جميعا أمتهن في النافلة فأما المكتوبة فلا ولا نتقدمهن».

وصحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «قلت له المرأة تؤم النساء؟ قال لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر ويكبرن».

ورواية الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «تؤم المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها وشمالها تؤمهن في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة».

واما الكلام والخلاف في جواز إمامتها مطلقا أولا مطلقا أو التفصيل فسيأتي تحقيق البحث فيه ان شاء الله تعالى قريبا في اشتراط ذكورية الامام.

ومنها ـ انه يستحب اختصاص أهل الفضل بالصف الأول ، قيل : والمراد بهم من له مزية وكمال في علم أو عمل أو عقل. وقد نقل الاتفاق على أصل الحكم المذكور.

ويدل عليه من الأخبار وكذا على أفضلية الصف الأول وان أفضله ما قرب من الامام ما رواه المشايخ الثلاثة عطر الله مراقدهم عن جابر عن ابى جعفر

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجماعة. وفي آخره «ولكن تقوم وسطا منهن».

١٥٩

عليه‌السلام (١) قال : «ليكن الذين يلون الإمام أولى الأحلام منكم والنهى فان نسي الإمام أو تعايا قوموه ، وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما دنا من الامام. الحديث ،.

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (٢) «وليكن من يلي الإمام منكم اولى الأحلام والنهى فان نسي الإمام أو تعايا يقومه ، وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما قرب من الامام».

أقول : والأحلام جمع حلم بالكسر وهو العقل ومنه قوله عزوجل «أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ» (٣) والنهى بالضم جميع نهية بالضم ايضا كمدية ومدى : العقل ايضا وتعايا أى لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطق أحكامه.

وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ان الصلاة في الصف الأول كالجهاد في سبيل الله عزوجل».

وميمنة الصف أفضل لما رواه في الكافي عن على بن محمد عن سهيل بن زياد بإسناده (٥) قال قال : «فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد».

قال في الذكرى : وليكن يمين الصف لا فاضل الصف الأول لما روى (٦) ان الرحمة تنتقل من الامام إليهم ثم الى يسار الصف ثم إلى الباقي ، والأفضل للأفضل.

فرعان

الأول ـ لو اقتدى بالإمام أصناف كالأحرار والعبيد والرجال والنساء والخناثى والصبيان قال الشيخ يقف الأحرار من كل صنف أمام العبيد من ذلك الصنف

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ و ٨ من صلاة الجماعة.

(٢) ص ١٤ وفيه بدل «والنهى» «والتقى».

(٣) سورة الطور الآية ٣٢.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٨ من صلاة الجماعة.

(٦) الذكرى الصورة الخامسة من صور الفرع الرابع من فروع الشرط الرابع من شروط الاقتداء.

١٦٠