الحدائق الناضرة - ج ١١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٠

على صلوات الله عليه) (١) «انه قال في رجلين اختلفا فقال أحدهما كنت امامك وقال الآخر انا كنت إمامك ان صلاتهما تامة. قال قلت : فان قال كل واحد منهما كنت أئتم بك؟ فقال صلاتهما فاسدة وليستأنفا». ورواه الصدوق في الفقيه عن على عليه‌السلام مرسلا (٢).

ونقل عن المحقق الشيخ على (قدس‌سره) انه استشكل في البطلان في الصورة الثانية ، قال لان اخبار كل منهما بالائتمام بالآخر يتضمن الإقرار على الغير فلا يقبل كما لو أخبر الإمام بعد الصلاة بفسادها بغير ذلك. وأجيب عنه بأنه غير مسموع في مقابلة النص الدال على البطلان.

قال في المدارك : وهو جيد لو كانت الرواية صالحة لا ثبات هذا الحكم لكنها ضعيفة جدا. أقول : لا ريب انها وان كانت ضعيفة بهذا الاصطلاح المحدث إلا ان ضعفها مجبور بعمل الأصحاب بها ، إذ لا مخالف في الحكم المذكور ، وهو (قدس‌سره) قد جرى على هذه القاعدة في غير موضع من كتابه وان خالف نفسه في مواضع أخر كما هنا. وبالجملة فإن الخبر معمول عليه بالاصطلاحين فالخروج عن ما دل عليه بهذه التخريجات اجتهاد محض في مقابلة النص.

واما ما ذكره في المدارك ـ حيث قال : ويمكن أن يقال ان من شرائط الائتمام أن يظن المأموم قيام الإمام بوظائف الصلاة التي من جملتها القراءة وسبقه بتكبيرة الإحرام ، فإن دخل كل منهما في الصلاة على هذا الوجه كان دخولهما مشروعا واتجه عدم قبول اخبار كل منهما بما ينافي ذلك كما في صورة الإخبار بالحدث ، وان انتفى ذلك تعين الحكم بالبطلان وان لم يحصل الإخبار ، وعلى هذا الوجه يمكن تنزيل

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من صلاة الجماعة. والسند فيه وفي التهذيب ج ١ ص ٢٦١ والوافي باب (نوادر الجماعة) هكذا «عن ابى عبد الله عن أبيه قال قال أمير المؤمنين.» والشيخ يرويه عن الكليني. نعم السند في المدارك والذخيرة كما في المتن.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من صلاة الجماعة.

١٢١

الرواية وكلام الأصحاب. انتهى ـ

ففيه ان ما ذكره الشيخ على (قدس‌سره) لا يخرج عن ما ذكره من الدخول على الوجه الشرعي ، إلا ان ما ذكره من اتجاه عدم قبول اخبار كل منهما بما ينافي ذلك ممنوع بالخبر المذكور. وقياسه على صورة الاخبار بالحدث قياس مع الفارق ، إذ من الجائز خروج هذا الجزئي بهذا الخبر من تلك القاعدة ، وكم وقع أمثال ذلك في القواعد الشرعية والضوابط المرعية من انه ترد اخبار بقاعدة كلية ويرد في بعض الأخبار في بعض جزئياتها ما يوجب التخصيص والاستثناء مع اتفاقهم على ذلك من غير تناكر ، فما لمانع أن يكون ما نحن فيه من قبيل ذلك؟ وقد اتفقت الروايات وكلمة الأصحاب على ان كل شي‌ء على أصل الطهارة حتى تعلم النجاسة وعلى عدم نقض اليقين بالشك ، مع انهم قد خرجوا عن هاتين القاعدتين في مواضع : منها البلل المشتبه بعد البول قبل الاستبراء فقد حكموا بنجاسته ونقضه الطهارة وهو خروج عن القاعدتين المذكورتين ، ونحوه البلل المشتبه بعد الجنابة وقبل البول من الحكم بنجاسته ونقضه للطهارة ، وأمثال ذلك مما يقف عليه المتتبع. وبالجملة فالعمل على القول المشهور وعدم الالتفات الى هذه التخريجات والاستبعادات في مقابلة النصوص.

قال في المدارك : ولا يخفى ان وقوع الاختلاف على هذا الوجه نادر جدا فإنه لا يكاد يتحقق إلا في حال التقية والائتمام بثالث ظاهرا.

المقام الثالث ـ في ما لو شكا في ما أضمراه من الإمامة أو الائتمام ، وقد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا تصح صلاتهما في هذه الحال ، قالوا : لأن الشك ان كان في أثناء الصلاة لم يمكنهما المضي على الائتمام وهو ظاهر ، ولا على الانفراد أو الإمامة لجواز أن يكون كل واحد منهما قد نوى الائتمام بصاحبه فتبطل النية من رأسها ويمتنع العدول لبطلان النية ، وان كان بعد الفراغ لم يحصل منهما اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة.

وفصل العلامة في التذكرة فقطع بالبطلان ان عرض الشك في أثناء الصلاة

١٢٢

لأنه لا يمكنهما المضي في الصلاة على الانفراد ولا على الاجتماع ، وتردد في ما إذا شكا بعد الفراغ من انه شك بعد الانتقال ، ومن عدم اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة.

وفصل الشهيد في الذكرى تفصيلا آخر فقال : يمكن أن يقال ان كان الشك في الأثناء وهو في محل القراءة لم يمض ما فيه إخلال بالصحة نوى الانفراد وصحت الصلاة ، لأنه ان كان نوى الإمامة فهي نية الانفراد وان كان نوى الائتمام فالعدول عنه جائز ، وان كان بعد مضى محل القراءة فإن علم انه قرأ بنية الوجوب أو علم القراءة ولم يعلم بنية الندب انفرد ايضا لحصول الواجب عليه ، وان علم ترك القراءة أو القراءة بنية الندب أمكن البطلان للإخلال بالواجب.

واعترضه في المدارك بأنه يشكل بما ذكرناه من جواز أن يكون كل منهما قد نوى الائتمام بصاحبه فتبطل الصلاة ويمتنع العدول. انتهى.

أقول : والحق في المقام ان المسألة المذكورة لما كانت عارية عن النصوص عنهم (عليهم‌السلام) فالواجب الوقوف فيها على ساحل الاحتياط كما أشرنا إليه في جملة من المواضع وعدم الالتفات الى هذه التخريجات والاحتمالات سيما مع ما هي عليه من التدافع. والله العالم.

المسألة الثامنة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في القراءة خلف الامام على أقوال منتشرة وآراء متعددة حتى قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروض انه لم يقف في الفقه على خلاف في مسألة يبلغ ما وقع في هذه المسألة ، وها نحن ننقل أولا ما وصل إلينا من أقوالهم (رضوان الله عليهم) ثم نردفها بما وصل إلينا من الأخبار في المقام مذيلين لها بما يرتفع به ان شاء الله تعالى عنها غشاوة الإبهام من التحقيق الذي لا يخفى على ذوي الأفهام ، فنقول مستمدين منه عزوجل التوفيق لأصالة الصواب والعصمة من زلل أقدام الأقلام في هذا الباب وفي كل باب :

قال الصدوق (قدس‌سره) في المقنع : واعلم ان على القوم في الركعتين الأولتين أن يستمعوا الى قراءة الامام ، وإذا كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة

١٢٣

سبحوا ، وعليهم في الركعتين الأخراوين أن يسبحوا.

وقال المرتضى (رضى الله عنه) لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الأولتين في جميع الصلوات من ذوات الجهر والإخفات إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ كل واحد لنفسه ، وهذا أشهر الروايات ، وروى أنه لا يقرأ في ما جهر فيه الامام وتلزمه القراءة في ما يخافت فيه الامام ، وروى انه بالخيار في ما يخافت فيه. وأما الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبح فيهما ، وروى انه ليس عليه ذلك.

وقال الشيخ في النهاية : إذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن خلفه جهرية أو إخفاتية بل تسبح مع نفسك وتحمد الله ، وان كانت جهرية فأنصت للقراءة ، فإن خفي عليك قراءة الامام وقرأت لنفسك ، وان سمعت مثل الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك ان لا تقرأ وأنت مخير في القراءة ، ويستحب أن تقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الإمام بالقراءة فيها وان لم تقرأها فليس عليك شي‌ء.

وقال ابن البراج : ومتى أم من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهر وقرأ فلا يقرأ المأموم بل يسمع قراءته ، وان كان لا يسمع قراءته كان مخيرا بين القراءة وتركها ، وان كانت صلاة إخفات استحب للمأموم أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها ويجوز أن يسبح الله ويحمده.

وقال أبو الصلاح : ولا يقرأ خلفه في الأولتين من كل صلاة ولا في الغداة إلا أن يكون بحيث لا يسمع قراءته ولا صوته في ما يجهر فيه فيقرأ ، وهو في الأخيرتين من الرباعيات وثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح ، والقراءة أفضل.

وقال ابن حمزة : فالواجب أربعة أشياء. وعد منها الإنصات لقراءته ، ثم قال : وإذا اقتدى بالإمام لم يقرأ في الأولتين ، فإن جهر الامام وسمع أنصت وان خفي عليه قرأ وان سمع مثل الهمهمة فهو مخير ، وان خافت الامام سبح في نفسه ، وفي الأخيرتين ان قرأ كان أفضل وان لم يقرأ جاز وان سبح كان أفضل من السكوت

١٢٤

وقال سلار في قسم المندوب : ولا يقرأ المأموم خلف الامام ، وروى ان ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الامام واجب فان ثبت وإلا ثبت الأول.

وقال ابن زهرة : ويلزم المؤتم أن يقتدى بالإمام عزما وفعلا فلا يقرأ في الأولتين من كل صلاة ولا في الغداة إلا ان تكون صلاة جهر وهو لا يسمع قراءة الامام ، واما الآخرتان وثالثة المغرب فحكمه فيها حكم المنفرد.

قال في الذكرى : وهذه العبارة وعبارة أبي الصلاح تعطى وجوب القراءة أو التسبيح على المؤتم في الأخيرتين وكأنهما أخذاه من كلام المرتضى.

وقال ابن إدريس : اختلفت الرواية في القراءة خلف الامام الموثوق به ، فروى انه لا قراءة على المأموم في الأولتين في جميع الركعات والصلوات سواء كانت جهرية أو إخفاتية في أظهر الروايات ، والذي تقتضيه أصول المذهب ان الامام ضامن للقراءة بلا خلاف ، وروى انه لا قراءة على المأموم في الأولتين في جميع الصلوات الجهرية والإخفاتية إلا ان تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه ، وروى انه ينصت في ما جهر فيه الإمام بالقراءة ولا يقرأ هو شيئا ويلزمه القراءة في ما خافت فيه ، وروى انه بالخيار في ما خافت فيه الإمام فأما الركعتان الأخيرتان فقد روى انه لا قراءة فيهما ولا تسبيح ، وروى انه يقرأ فيهما أو يسبح ، والأول أظهر.

وقال المحقق : وتكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر وفي الجهر لو سمع ولو همهمة ولو لم يسمع قرأ ، وقال : تسقط القراءة عن المأموم وعليه اتفاق العلماء. ونقل عن الشيخين انهما قالا : لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الامام ولو همهمة. كذا في المعتبر وقال في الشرائع نحوه.

وقال ابن عمه نجيب الدين يحيى بن سعيد : ولا يقرأ المأموم في صلاة جهر بل يصغى لها فان لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز أن يقرأ ، وان كان في صلاة إخفات سبح مع نفسه وحمد الله. وندب الى قراءة الحمد في ما لا يجهر فيه.

١٢٥

وقال العلامة في المختلف بعد ذكر جملة من روايات المسألة : والأقرب في الجمع بين الأخبار استحباب القراءة في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة الامام ، والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين من الإخفاتية.

وقال في التذكرة : لا يجب على المأموم القراءة سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية وسواء سمع قراءة الإمام أم لا ، ولا يستحب في الجهرية مع السماع عند علمائنا أجمع. ثم نقل عن الشيخين انه لا يجوز القراءة في الجهرية مع السماع ولو همهمة. ثم قال ويحتمل الكراهة ، قال ولو لم يسمع القراءة في الجهرية ولو همهمة فالأفضل القراءة ، ونقل عن الشيخ استحباب قراءة الحمد خاصة في صلاة السر أقول : والذي ظهر لي من الأخبار هو تحريم القراءة خلف الإمام في الأولتين جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية ، إلا إذا كانت صلاة جهرية ولم يسمع المأموم قراءة الامام ولو همهمة فإنه يستحب له القراءة في هذه الحال. وأما في الأخيرتين فقد تقدم تحقيق الكلام فيهما في الفصل الثامن من الباب الثاني في الصلوات اليومية وما يلحق بها ، وأوضحنا ان الحكم فيهما أفضلية التسبيح وانه لا فرق بين المأموم ولا غيره من المنفرد.

والذي وصل الى من اخبار المسألة المذكورة هنا عدة روايات (الأولى) ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي ـ ورواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي أيضا ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) انه قال : «إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا ان تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ».

وهذه الرواية كما ترى واضحة الدلالة في ما اخترناه صريحة المقالة في ما ادعيناه فإن النهي الذي هو حقيقة في التحريم قد وقع عن القراءة خلف من يأتم به مطلقا

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني.

١٢٦

في جهرية أو إخفاتية ولم يستثن منه إلا الجهرية التي لم يسمع فيها فإنه امره بالقراءة والأمر هنا محمول على الاستحباب كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

الثانية ـ ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف الامام اقرأ خلفه؟ فقال أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل اليه فلا تقرأ خلفه ، وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فأنصت وان لم تسمع فاقرأ».

والتقريب في هذا الخبر كما في سابقه فإنه دال على تحريم القراءة خلفه في الإخفاتية والجهرية إلا في صورة عدم سماع قراءته في الجهرية فإنه يقرأ استحبابا كما يأتي ان شاء الله تعالى بيانه.

الثالثة ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم عن زرارة ومحمد ابن مسلم (٢) قالا : «قال أبو جعفر عليه‌السلام كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعثت على غير الفطرة». وهو صريح الدلالة على تحريم القراءة مطلقا إلا انه مخصوص بما عرفت من الأخبار الدالة على الاستحباب مع عدم السماع في الجهرية.

الرابعة ـ ما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) انه قال : «وان كنت خلف امام فلا تقرأن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ـ يعني في الفريضة خلف الامام ـ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (٤) والأخيرتان تبع للأولتين».

ومورد هذا الخبر الصلاة الجهرية لتعليل التحريم في الأولتين بوجوب

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة.

(٤) سورة الأعراف الآية ٢٠٣.

١٢٧

الإنصات لقراءة الامام ، وهو ظاهر في مرجوحية القراءة في الأخيرتين مطلقا خلافا لجمهور الأصحاب كما تقدم تحقيقه.

الخامسة ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام (١) قال : «إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك».

أقول : دل هذا الخبر على وجوب الإنصات في الصلاة الجهرية ، والأمر بالتسبيح سرا وإخفاتا محمول على الاستحباب ، وبذلك صرح أيضا جملة من الأصحاب.

السادسة ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن قتيبة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك وان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ».

والتقريب فيه انه دل على المنع من القراءة مع سماع الهمهمة في الجهرية ، وفيه رد على الشيخ في المبسوط حيث قال : لو سمع مثل الهمهمة جاز له أن يقرأ. وقال في المنتهى : ولعله استند الى ما رواه في الحسن عن الحلبي. ثم نقل الرواية الأولى ثم قال : وسماع الهمهمة ليس سماعا للقراءة فربما كان الوجه في ما ذكره هذا الحديث. انتهى. ولم يتعرض للجواب عن ذلك ، وقد عرفت ان الخبر المذكور صريح في الرد لما ذكره ، وقضية الجمع بينه وبين حسنة الحلبي المذكورة هو حمل قوله في الحسنة المذكورة «ولم يسمع» على ما هو أعم من سماع القراءة نفسها أو سماع الصوت وان لم يسمع الحروف مفصلة. ويؤيد ذلك موثقة سماعة الآتية في المقام ان شاء الله تعالى. ونظير صحيحة قتيبة المذكورة في ما ذكرناه في الرد على الشيخ ما ذكره الصدوق في الفقيه (٣) حيث قال : وفي رواية عبيد بن زرارة «ان سمع الهمهمة فلا يقرأ».

السابعة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين (٤) قال : «سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يصلى خلف امام يقتدى به في صلاة يجهر فيها

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة.

١٢٨

بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ قال لا بأس ان صمت وان قرأ».

أقول : ومن هذا الخبر يعلم ما قدمنا ذكره من حمل الأمر بالقراءة في صورة عدم السماع في الجهرية ولو همهمة على الاستحباب لتخييره هنا بين الصمت والقراءة

الثامنة ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف من ارتضى به اقرأ خلفه؟ قال من رضيت به فلا تقرأ خلفه».

والتقريب فيه ظاهر للنهى الدال على التحريم الشامل للجهرية والإخفاتية. نعم يجب ان يستثني منه صورة عدم السماع في الجهرية بالنصوص المتقدمة.

التاسعة ـ ما رواه عن سليمان بن خالد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم انه يقرأ؟ فقال لا ينبغي له أن يقرأ يكله الى الامام».

أقول : قوله «وهو لا يعلم انه يقرأ» ليس المراد به الشك في قراءة الامام وعدمها لأن فيه طعنا على الإمام بالإخلال بالواجب فلا يجوز الاقتداء به حينئذ ، وانما المراد بهذا الكلام الكناية عن عدم سماع قراءته ، فكأنه قال وهو لا يسمع انه يقرأ. وكأنه ظن انه انما يترك القراءة في ما إذا جهر الامام لوجوب الإنصات وأما مع الإخفات وعدم السماع فإنه يجوز القراءة. وقوله عليه‌السلام «لا ينبغي» المراد به التحريم كما استفاض مثله في الأخبار بقرينة باقي أخبار المسألة الصريحة في النهي عن القراءة الذي مفاده التحريم. والمراد من إيكال ذلك الى الامام هو الإشارة الى ما ورد في بعض الأخبار من أن الامام ضامن للقراءة (٣).

العاشرة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٣٠ من صلاة الجماعة.

١٢٩

وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين. وقال يجزئك التسبيح في الأخيرتين. فقلت أى شي‌ء تقول أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب».

أقول : دل الخبر المذكور على النهى عن القراءة خلف الإمام في الأولتين من الإخفاتية وهو بعض المدعى. وأما معنى باقي الخبر فقد تقدم القول فيه في الفصل الثامن في ما يعمل في الأخيرتين من الباب الثاني.

الحادية عشرة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امام لا بأس به في جميع أموره عارف غير انه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما اقرأ خلفه؟ قال لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا».

والتقريب فيه النهى عن القراءة خلف الإمام المرضي مطلقا في جهرية أو إخفاتية. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في ما دل عليه من جواز امامة من يسمع أبويه الكلام الغليظ في بحث العدالة من الفصل الأول في صلاة الجمعة من هذا الباب.

الثانية عشرة ـ ما رواه أيضا في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول؟ فقال إذا سمع صوته فهو يجزئه وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه».

دل الخبر المذكور على انه يكتفى في تحريم القراءة بمجرد سماع صوت الامام وهو المشار اليه بالهمهمة في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم واما قراءته مع عدم السماع فقد تقدم الكلام فيه.

الثالثة عشرة ـ ما رواه الصدوق والشيخ عن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «انى اكره للمؤمن أن يصلى خلف الإمام في صلاة

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجماعة.

١٣٠

لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار. قال قلت جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال يسبح». واستحباب التسبيح في هذا المقام قد صرح به الأصحاب أيضا استنادا الى الخبر المذكور.

ويدل عليه ايضا وان لم يذكره أحد منهم ما رواه على بن جعفر (رضى الله عنه) في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به في الظهر والعصر يقرأ خلفه؟ قال لا ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أهل بيته».

الرابعة عشرة ـ ما رواه الشيخ عن إبراهيم المرافقي وابى أحمد عمرو بن الربيع البصري عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٢) «انه سئل عن القراءة خلف الامام فقال إذا كنت خلف امام تتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته وان أحببت أن تقرأ فاقرأ في ما يخافت فيه فإذا جهر فأنصت قال الله تعالى (وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)» (٣).

أقول : الظاهر ان هذا الخبر هو مستند الشيخ في ما تقدم نقله عنه من كتاب النهاية من قوله : ويستحب ان يقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الإمام بالقراءة فيها. إلا انه معارض بما هو أصح منه سندا وأكثر عددا ومنها الأخبار العامة كالخبر الثالث والثامن والحادي عشر وخصوص الخبر الثاني وقد تضمن النهي الذي هو حقيقة في التحريم ، والخبر التاسع وقد عرفت ان «لا ينبغي» محمولة على التحريم بقرينة الأخبار الباقية ، والخبر العاشر وقد تضمن النهي أيضا ، والخبر الثالث عشر وقد تضمن ان المستحب في هذه الصورة انما هو التسبيح دون القراءة وعاضدها في ذلك على وجه أبلغ خبر على بن جعفر حيث نهى عن القراءة وأمر بالتسبيح والتحميد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالجملة فإن الخبر المذكور لما عرفت غير

__________________

(١) البحار ج ٤ الصلاة ١٥١ وفي الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة. وفي التهذيب ج ١ ص ٢٥٥ النصري بالنون.

(٣) سورة الأعراف الآية ٢٠٣.

١٣١

معمول عليه عند النظر في الأخبار بعين التحقيق فهو مردود إلى قائله عليه‌السلام إذ لا يحضرني الآن وجه يمكن حمله عليه.

الخامسة عشرة ـ ما رواه الشيخ ايضا عن سالم ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا كنت امام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك أن يقولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرأوا فاتحة الكتاب وعلى الامام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين».

أقول : يمكن حمل الخبر المذكور على ما هو أعم من الجهرية والإخفاتية ، فان استحباب التسبيح للمأموم في حال قراءة الامام وان كان أكثر الأخبار على كونه في الصلاة الإخفاتية وكذا كلام الأصحاب إلا انه قد تقدم في الخبر الرابع ما يؤذن بذلك في الجهرية أيضا وبه صرح جملة من الأصحاب ، ويمكن تخصيصه بالإخفاتية لا ظهرية الحكم المذكور فيها.

وكيف كان فالمراد بقوله «فإذا كان في الركعتين الأخيرتين. إلخ» انه إذا كان الائتمام وقع في الركعتين الأخيرتين بمعنى ان المأموم لم يدخل مع الإمام إلا في الركعتين الأخيرتين فعلى من خلفه من المأمومين ان يقرأوا ، لما سيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة من ان حكم المسبوق بالركعتين الأولتين هو وجوب القراءة عليه في أولتيه اللتين هما أخيرتا الامام وعلى الامام التسبيح فيهما من حيث انهما اخيرتاه وحكم الأخيرتين التسبيح كما يسبح الناس في الركعتين الأخيرتين ، لأن التسبيح وظيفتهما مطلقا إماما أو مأموما أو منفردا على جهة الأفضلية كما هو أحد الأقوال في المسألة أو التعيين كما صار اليه بعض أفاضل المتأخرين ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في الفصل الثامن في ما يعمل في الأخيرتين من الباب الثاني في الصلوات اليومية (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجماعة.

(٢) ج ٨ ص ٣٨٨.

١٣٢

السادسة عشرة ـ ما رواه الشيخ عن الحسين بن بشير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سأله رجل عن القراءة خلف الامام فقال لا ان الامام ضامن للقراءة وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه وإنما يضمن القراءة».

أقول : قد دل الخبر المذكور على النهى عن القراءة خلف الامام مطلقا في جهرية أو إخفاتية معللا ذلك بان الامام ضامن للقراءة ، وفيه رد ايضا لما دل عليه خبر المرافقي والبصري من استحباب القراءة خلف الإمام في الإخفاتية حسبما دلت عليه الأخبار المتقدمة عموما وخصوصا.

السابعة عشرة ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحيم القصير (٢) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إذا كان الرجل تعرفه يؤم الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ واعتد بقراءته».

والتقريب فيه ما تقدم ، ويجب تقييد إطلاقه بما إذا لم يسمع المأموم في الصلاة الجهرية القراءة ولو همهمة فإنه لو قرأ لا بأس للأخبار المتقدمة.

الثامنة عشرة ـ ما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (٣) حيث قال : نقلا عن العالم عليه‌السلام وقال : «إذا صليت خلف امام تقتدى به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع إلا أن تكون صلاة يجهر فيها فلم تسمع فاقرأ». أقول : وهذا الخبر طبق ما ادعيناه ووفق ما اخترناه. هذا ما حضرني من اخبار المسألة.

إذا عرفت ذلك فاعلم انى لا أعرف لما ذهب اليه المحقق وغيره من القول بكراهة القراءة مطلقا وجها يعتمد عليه ولا دليلا يرجع اليه ، وغاية ما استدل به في المعتبر على ذلك هو تعليل الجهر بالإنصات في الرواية الثانية حيث انه بعد أن

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من صلاة الجماعة. واللفظ الوارد فيه «لا تعرفه» كما في التهذيب ج ١ ص ٣٣١ والوافي باب صفة إمام الجماعة وفيه «بصلاته» بدل «بقراءته».

(٣) ص ١١.

١٣٣

نقل عن الشيخ تحريم القراءة في الجهرية إذا سمع قراءة الامام ولو همهمة قال : ولعله استند إلى رواية يونس بن يعقوب ثم أورد بعده الخبر الأول ثم قال : والأولى أن يكون النهى على الكراهة لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) : إنما أمر بالجهر لينصت من خلفه. الى آخر ما في الرواية الثانية ، فانظر الى هذا الدليل العليل إذ لا ريب في أن ظاهر النهي في الخبرين اللذين نقلهما أولا هو التحريم لأنه المعنى الحقيقي للنهى كما هو الأشهر الأظهر ، والخروج عنه الى الحمل على الكراهة مجاز يحتاج إلى قرينة ظاهرة ، ودعوى إيذان التعليل بالإنصات بالاستحباب ممنوعة ، فإن علل الشرع ليست من قبيل العلل الحقيقية وانما هي معرفات والتعليل هنا إنما وقع بيانا للحكمة وإلا فالعلة الحقيقية إنما هي أمر الشارع فيتحقق الوجوب ونهيه فيتحقق التحريم. هذا مع قطع النظر عن ملاحظة ما ذكرنا من الأخبار الظاهرة العلية المنار الساطعة الأنوار في الدلالة على ما هو المختار.

وقال في الروض ـ بعد أن نقل عن المصنف كراهة القراءة خلف الإمام المرضي إلا إذا لم يسمع ولو همهمة ـ ما صورته : أما كراهة القراءة خلفه فلقوله تعالى «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا» (٢) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «انما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا». وقول الصادق عليه‌السلام (٤) : «من ارتضيت قراءته فلا تقرأ خلفه». وحمل الأمر على الندب والنهى على الكراهة

__________________

(١) ص ١٢٧.

(٢) سورة الأعراف الآية ٢٠٣.

(٣) في سنن ابى داود ج ١ ص ١٦٤ باب (الامام يصلى من قعود) عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله (ص) انما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر ، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد». ثم روى هذا الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة أيضا بزيادة قوله في آخره «وإذا قرأ فأنصتوا» ثم قال وهذه الزيادة ليست بمحفوظة والوهم انما هو من ابى خالد.

(٤) لم نقف على اللفظ المذكور وانما الموجود في الرواية الثامنة «من رضيت به فلا تقرأ خلفه».

١٣٤

جمعا بينهما وبين ما دل على عدم التحريم كصحيحة على بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام (١) «في الرجل يصلى خلف من يقتدى به ويجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ فقال لا بأس ان صمت وان قرأ». انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الاختلال الذي لا يخفى على سائر الناظرين في هذا المقال فضلا عن ذوي الكمال ، وذلك فإن الآية المذكورة والخبر العامي الذي بعدها صريحان في وجوب الإنصات في الجهرية ، والخبر الذي نقله عن الصادق عليه‌السلام صريح في النهي الذي مفاده التحريم عن القراءة خلف من ارتضى قراءته جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية. وخبر على بن يقطين إنما دل على التخيير بين السكوت والقراءة في صورة ما لو كانت الصلاة جهرية ولم يسمع المأموم القراءة وهو أخص من المدعى ، وأنت خبير بان محل الخلاف والإشكال إنما هو في ما عدا هذه الصورة ، وحينئذ فأين الدليل على الكراهة في صورة سماع القراءة ولو همهمة في الجهرية وكذا في الصلاة الإخفاتية كما يدعونه؟

ثم انظر الى اقتصاره (رضى الله عنه) على ما نقله من هذه الرواية العامية وهذا الخبر المجمل الذي بعدها وروايات المسألة كما نقلناها مستفيضة عديدة ولم يرجعوا إليها ولم يتأملوا فيها ، ومن هنا يعلم ان منشأ هذا الاختلاف وكثرة هذا الخلاف انما هو من حيث عدم تتبع الأخبار والتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار وإلا فمن أعطى التأمل فيها حقه فإنه لا يخفى عليه صحة ما ذكرناه ووضوح ما أوضحناه

وأعجب من ذلك انهم أدخلوا حكم الأخيرتين للمأموم في هذا الاختلاف ونظموه في سلك هذا الخلاف ، وقد أوضحنا ما فيه في الفصل الثامن (٢) من فصول الباب الثاني في الصلوات اليومية وما يلحق بها فليرجع اليه من أحب تحقيق الحال وإزاحة الاشكال. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجماعة.

(٢) ج ٨ ص ٣٨٨.

١٣٥

فروع

الأول ـ لو كان الامام ممن لا يقتدى به وجبت القراءة على المأموم لأنه منفرد وحكم المنفرد ذلك ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة في التتمة المذكورة في أول هذا المقصد.

الثاني ـ قد ذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم انه يستحب للمأموم التسبيح حال قراءة الإمام في الإخفاتية وهو جيد ، ويدل عليه الخبر الثالث عشر وصحيح على بن جعفر المذكور في ذيله.

ولا يبعد القول باستحباب التسبيح ايضا ولو كانت الصلاة جهرية وأنصت لقراءة الإمام إذا أمكن الجميع بينهما كما يشير اليه الخبر الخامس.

وربما قيل بأنه ينافي ظاهر الآية من وجوب الإنصات فينبغي حمل الخبر المذكور على التسبيح والذكر القلبي كما يشير اليه قوله «في نفسك».

وفيه ان الظاهر انه لا منافاة بين الإنصات الذي هو عبارة عن الاستماع وبين الذكر والتسبيح إذا كان خفيا لا يظهر ولا يسمع ، إلا ان يقال ان الإنصات عبارة عن السكوت فما لم يحصل السكوت لا يتحقق الإنصات ، وفيه ما فيه ، مع انه يمكن إطلاق السكوت العرفي على هذه الصورة التي يكون التسبيح ونحوه فيها خفيا لا يسمع

ويؤيده انه لم يعهد التكليف بالأذكار من التسبيح ونحوه في القلب خاصة وانما هذا اللفظ خرج مخرج المبالغة في الإخفات ، كما عبر في بعض الأخبار عن القراءة الإخفاتية بتحريك اللسان في لهواته (١) وعبر عنه تارة بالصمت (٢) وفي مرسلة ابن أبي حمزة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس».

الثالث ـ متى قلنا بتحريم القراءة على المأموم فهل يستحب له الاستعاذة ودعاء الاستفتاح أم لا؟ الظاهر بالنسبة إلى الاستعاذة العدم لأنها من مستحبات القراءة

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٥٢ من القراءة.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من الجماعة.

١٣٦

فلا وجه لها هنا. واما دعاء الاستفتاح وهو دعاء التوجه فالظاهر استحبابه إلا أن يكون وقت قراءة الامام ويشغله ذلك عن السماع.

قال في الذكرى : وهل يستحب له دعاء الاستفتاح اعنى دعاء التوجه؟ الوجه ذلك للعموم ، نعم لو كان يشغله الاستفتاح عن السماع أمكن استحباب تركه ، وقطع العلامة بأنه لا يستفتح إذا اشتغل به.

الرابع ـ لو قرأ المأموم في الموضع الذي سوغنا له القراءة فيه وفرغ قبل الامام استحب له أن يبقى آية ليقرأها عند فراغ الامام ويركع بعدها.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن زرارة في الموثق (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ؟ قال فأمسك آية ومجد الله وأثن عليه فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع».

قال في الذكرى : وفيه دليل على استحباب التسبيح والتحميد في الأثناء ودليل على جواز القراءة خلف الإمام.

أقول : قد عرفت من الأخبار المتقدمة وهي مجموع أخبار المسألة انه لا يجوز القراءة للمأموم إلا في صورة واحدة وهي في ما إذا كانت الصلاة جهرية ولم يسمع المأموم ولا همهمة فإنه يستحب له القراءة ، وهذا الحديث وان كان مطلقا إلا انه يجب حمله على ما علم من خارج من جواز القراءة للمأموم وهو إما في الصورة المذكورة أو في صورة الصلاة خلف المخالف ، فيكون المراد بالإمام هنا وان أطلق هو الإمام الذي يجب القراءة خلفه ، ولهذا ان المحدث الكاشاني نظم هذا الخبر في اخبار الصلاة خلف من لا يقتدى به ، كما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق (٢) عن من سأل أبا عبد الله عليه‌السلام قال «أصلي خلف من لا اقتدى به

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من صلاة الجماعة. واللفظ المذكور للشيخ في التهذيب ج ١ ص ٢٥٧ ، وفي الكافي ج ١ ص ١٠٤ هكذا : «قلت لأبي عبد الله (ع) أكون مع الإمام فأفرغ.» وفيه بدل «فأمسك» «أبق».

(٢) الوسائل الباب ٣٥ من صلاة الجماعة عن الكافي فقط والنقل عنهما في الوافي ولم نقف عليه في التهذيب.

١٣٧

فإذا فرغت من قراءتي ولم يفرغ هو؟ قال فسبح حتى يفرغ». وما رواه الشيخ في الموثق عن عمر بن أبي شعبة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قلت له أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته؟ قال فأتم السورة ومجد الله وأثن عليه حتى يفرغ». وهذا الحديث مطلق مثل موثقة زرارة المذكورة ، وبالجملة فالظاهر ان هذه الأخبار الثلاثة إنما خرجت بالنسبة إلى الصلاة خلف المخالفين لأنه هو الغالب المتكرر يومئذ وان دخل في إطلاق الخبرين المذكورين الصلاة خلف من يقتدى به في الصورة المذكورة. والله العالم.

المسألة التاسعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم في وجوب متابعة المأموم للإمام في الأفعال حتى قال في المعتبر : وعليه اتفاق العلماء ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) «إنما جعل الإمام ليؤتم به». وقال في المنتهى : متابعة الإمام واجبة وهو قول أهل العلم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «انما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا». وظاهر كلامهما (طاب ثراهما) انه لا دليل لهم على هذا الحكم بعد دعوى الإجماع إلا هذا الخبر ، والظاهر انه عامي فإنا لم نقف عليه بعد التتبع في أخبارنا ، والى ذلك أيضا أشار في الذخيرة.

وفسرت المتابعة في كلامهم بأنها عبارة عن عدم تقدم المأموم على الامام وعلى هذا فتصدق مع المساواة ، ولم نجد لهم على هذا التفسير دليلا مع ان المتبادر من اللغة والعرف ان المتابعة انما هي التأخر. والتمسك بأصالة عدم الوجوب وصدق الجماعة عند المقارنة ضعيف لا يصلح لتأسيس حكم شرعي. إلا ان ظاهر كلام الصدوق المنقول هنا يقتضي الصحة في صورة المساواة ، حيث قال : ان من المأمومين من لا صلاة له وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك ، ومنهم من له اربع وعشرون ركعة وهو الذي

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من صلاة الجماعة.

(٢ و ٣) صحيح مسلم باب ائتمام المأموم بالإمام.

١٣٨

يتبع الإمام في كل شي‌ء ويركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده. وحيث كان من أرباب النصوص فالظاهر انه لا يقوله إلا مع وصول نص اليه بذلك.

هذا بالنسبة إلى الأفعال واما الأقوال فاما في تكبيرة الإحرام فتجب المتابعة فيها إجماعا فلو تقدم المأموم بها لم تنعقد صلاته ، ولا ريب في الصحة مع تأخره بها عن الامام ، وانما الإشكال والخلاف في المقارنة فقيل بالمنع وبه صرح في المدارك والذخيرة ، وعلله في الذخيرة بالشك في تحقق الجماعة والائتمام حينئذ فلا يحصل اليقين بالبراءة من التكليف الثابت ، قال واستدل عليه ايضا بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «إذا كبر فكبروا» فان الفاء ظاهرة في التعقيب.

وأنت خبير بما في الدليل الثاني من الوهن ، وأما الأول فمرجعه الى ان العبادات صحة وبطلانا مبنية على التوقيف ولم يثبت من صاحب الشريعة انعقاد الصلاة جماعة في صورة المقارنة. وهو جيد.

إلا انه روى الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يصلى إله أن يكبر قبل الامام؟ قال لا يكبر إلا مع الإمام فإن كبر قبله أعاد التكبير». فان ظاهرها جواز المقارنة ، وقواه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار للخبر المذكور.

ويخطر بالبال العليل ان الظاهر ان معنى الخبر ليس على ما فهمه شيخنا المشار اليه ، والذي يظهر من قوله «لا يكبر إلا مع الامام» ان المراد به انما هو أنه لا يدخل في الصلاة إلا حين يدخل الإمام في الصلاة أولا ، فالمعية ليس المراد بها المعية مع تكبير الامام كما ربما يتوهم بل المعية مع الامام وحصول الإمامة لأنه لو سبق الامام بالتكبير لم تكن هناك امامة ، وقوله عليه‌السلام «فان كبر قبله أعاد» لا يدل على انه لو كبر مقارنا له صح ، فان تخصيص هذين الفردين بالذكر انما هو من حيث كونهما الشائع

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٦٢٧ ولم نجده في قرب الاسناد ولا في الوسائل ولا في المستدرك.

١٣٩

المتكرر ، فإن المقارنة أمر نادر والمتكرر إما التقدم أو التأخر فلا جل ذلك بين الكلام فيهما في الخبر.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من اشتباه واشكال والاحتياط عندنا في أمثال ذلك واجب على كل حال.

وأما في غير تكبيرة الإحرام من الأقوال فقولان : الوجوب واختاره الشهيد في جملة من كتبه ، والعدم واختاره العلامة وجملة ممن تأخر عنه والظاهر انه المشهور ، واختاره صاحب المدارك واحتج على ذلك بأصالة البراءة من هذا التكليف ، ولانه لو وجبت المتابعة فيها لوجب على الامام ان يجهر بها ليتمكن المأموم من متابعته ، قال والثاني منفي بالإجماع فالمقدم مثله. وتكليف المأموم بتأخير الذكر الى أن يعلم وقوعه من الامام بعيد جدا بل ربما كان مفوتا للقدوة. انتهى. وهو جيد.

وكيف كان فينبغي أن يعلم ان وجوب اشتراط المتابعة في الأفعال لا بمعنى أنه تبطل القدوة مع التقدم مطلقا بل الظاهر اختصاص البطلان بما إذا مضى في صلاته كذلك ، فلو تقدم ركوعا أو سجودا أو رفعا منهما فالمشهور استمراره أى بقاؤه على حاله حتى يلحقه الامام ، وعن الشيخ في المبسوط القول بالبطلان حيث قال : من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته.

وتفصيل الكلام في المقام على ما يستفاد من اخبارهم عليهم‌السلام هو أن يقال : لا ريب ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم هو أنه لو تقدم المأموم في الركوع أو السجود أو الرفع منهما ، فان كان عامدا استمر بمعنى انه لا يرجع وان كان ساهيا يرجع.

ومستندهم في ذلك الجميع بين رواية غياث الآتية الدالة على عدم الرجوع بحملها على العامد وبين الروايات الكثيرة الدالة على الرجوع بحملها على الساهي تبعا للشيخ (قدس‌سره) في ما ذكره من ذلك. ورد بعدم اشعار شي‌ء من روايات

١٤٠