الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

ويدل على ما ذكره سلار هنا قوله (عليه‌السلام) في رواية محمد بن سليمان عن عدة من أصحابنا (١) «فلما صلى العشاء الآخرة وصلى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد العشاء الآخرة وهو جالس في كل ليلة قام فصلى اثنتي عشرة ركعة. الى ان قال في الخبر المذكور : فلما اقام بلال لصلاة العشاء الآخرة خرج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فصلى بالناس فلما انفتل صلى الركعتين وهو جالس كما كان يصلى في كل ليلة ثم قام فصلى مائة ركعة».

أقول : وهذا الخبر قد جاء على خلاف ما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) من جعل الوتيرة خاتمة صلاته في تلك الليلة كما انه اشتمل على خلاف ما دلت عليه الأخبار الكثيرة ـ كما قدمنا ذكره في المقدمة الثانية من مقدمات كتاب الصلاة ـ من انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما كان يصلى الوتيرة معللا في بعضها بأنه يعلم انه يعود ولا يموت في تلك الليلة مع دلالة ظاهر هذا الخبر على المداومة عليها. وبالجملة فهو لا يخلو من الإشكال في الموضعين المذكورين. والله سبحانه وقائله أعلم.

وقال في الذكرى : وأما الوتيرة فالمشهور انها تفعل بعد وظيفة العشاء لتكون خاتمة النوافل ، وقال سلار بل الوتيرة مقدمة على الوظيفة وهي في رواية محمد بن سليمان عن الرضا (عليه‌السلام) والظاهر ايضا جواز الأمرين. انتهى.

الثانية ـ لا ريب ان الجماعة في هذه النافلة محرمة عند أصحابنا (رضوان الله عليهم) وقد تكاثرت به اخبارهم (عليهم‌السلام).

ومنها ـ ما رواه في التهذيب والفقيه عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) قالوا «سألناهما عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وقد تقدم في المقام الأول (٣) إلا ان مورد الخبر كما ذكرناه ثمة انما هو الجماعة في صلاة الليل.

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

(٣) ص ٥١٢.

٥٢١

وما رواه في الكافي (١) عن سليم بن قيس في خطبة لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : فيها «قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها. لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي. الى ان قال : والله لقد أمرت الناس إلا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معى : يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا. الحديث».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال لما قدم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الكوفة أمر الحسن بن على (عليه‌السلام) ان ينادى في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة. فنادى في الناس الحسن بن على (عليه‌السلام) بما امره به أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فلما سمع الناس مقالة الحسن بن على (عليه‌السلام) صاحوا واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال له ما هذا الصوت؟ فقال يا أمير المؤمنين الناس يصيحون واعمراه واعمراه فقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قل لهم صلوا».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب ابى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) قالا «لما كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بالكوفة أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا اماما يؤمنا في شهر رمضان فقال لا ، ونهاهم ان يجتمعوا فيه ، فلما أمسوا جعلوا يقولون ابكوا شهر رمضان وأشهر رمضاناه ، فاتى الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ضج الناس وكرهوا قولك قال فقال عند ذلك دعوهم وما يريدون ليصل بهم من شاؤوا. ثم قال (وَمَنْ). (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً)» (٤). ورواه العياشي

__________________

(١) الروضة ص ٥٨ وفي الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

(٤) سورة النساء الآية ١١٥ وفيها شي‌ء من النقل بالمضمون.

٥٢٢

في تفسيره عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) مثله (١).

وما رواه الحسن بن على بن شعبة في تحف العقول عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «ولا يجوز التراويح في الجماعة».

أقول : وسيأتي تمام الكلام في ذلك في بحث صلاة الجماعة ان شاء الله تعالى.

الثالثة ـ قال في الذكرى : لو فات شي‌ء من هذه النوافل ليلا فالظاهر انه يستحب قضاؤها نهارا لعموم قوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً» (٣) وما ورد في تفسيره مما أسلفناه من قبل ، وبذلك افتى ابن الجنيد قال : وكذا لو فاتته الصلاة في ليلة الشك ثم ثبتت الرؤية. انتهى.

وقال في المدارك : قال الشهيد في الذكرى ولو فات شي‌ء من هذه النوافل ليلا فالظاهر انه يستحب قضاؤها نهارا. وهو غير واضح. انتهى.

أقول : لا يخفى ان الشهيد كما نقلناه من عبارته قد استدل على ذلك بعموم الآية وما ورد في تفسيرها من الأخبار كما قدمه ، ولا ريب ان ظاهر الآية دال على ما ذكره والأخبار الواردة في تفسيرها تساعده.

ومنها ـ قول الصادق (عليه‌السلام) في ما رواه في الفقيه (٤) «كل ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار قال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً). يعنى ان يقضى الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل». وفي معنى هذه الرواية غيرها.

وبذلك يظهر لك ما في قوله «وهو غير واضح» وكان الواجب عليه ذكر الجواب عن دليله المذكور ليندفع عنه ما في كلامه من القصور. والجواب بحمل ذلك على غير هذه النافلة من الصلاة اليومية والنافلة الراتبة يحتاج الى مخصص ، فان عموم

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

(٣) سورة الفرقان الآية ٦٣.

(٤) الوسائل الباب ٥٧ من المواقيت.

٥٢٣

الآية والخبر المذكور الشامل لموضع البحث.

الرابعة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في استحباب هذه الصلاة بين الصائم وغيره عملا بمقتضى العموم ، وزاد في الروض التعليل بأنها عبادة زيدت لشرف الزمان فلا تسقط بسقوط الصوم عن المسافر ونحوه. ثم نقل ان في كلام بعض الأصحاب ما يدل على اختصاصه بالصائم ، قال في الذخيرة : وهو ظاهر ابى الصلاح.

الخامسة ـ ما ذكر في خبر المفضل (١) ـ في تفريق الثمانين الباقية من الصلاة في كل جمعة عشر ركعات ـ الظاهر انه مبنى على الغالب من اشتمال الشهر على اربع جمعات ، فلو اتفق فيه خمس جمع ففي كيفية بسط الثمانين احتمالات أقربها ـ كما استظهره في الذخيرة ـ سقوط العشر في الجمعة الأخيرة لا عطاء كل جمعة حقها.

المطلب الرابع في جملة من الصلوات

الأولى ـ صلاة الاستخارة وينبغي ان يعلم أولا ان الاستخارة هي طلب الخيرة من الله تعالى قاله في القاموس والنهاية وغيرهما. وقال ابن إدريس : الاستخارة في كلام العرب الدعاء ، وقال ايضا معنى «استخرت الله» استدعيت إرشادي ، قال وكان يونس بن حبيب اللغوي يقول ان معنى «استخرت الله» استفعلت الله الخير أي سألت الله ان يوفقني خير الأشياء التي أقصدها.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المفهوم من الأخبار انها قد جاءت فيها على معان عديدة : منها ـ ما ورد بمعنى طلب الخيرة من الله تعالى كما قدمنا نقله عن القاموس والنهاية بمعنى أنه يسأل الله في دعائه أن يجعل له الخير ويوفقه في الأمر الذي يريده وعلى هذا المعنى يحمل

ما رواه في الكافي عن عمرو بن حريث في الصحيح على الأظهر (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صل ركعتين واستخر الله فوالله ما استخار الله مسلم إلا خار له البتة».

__________________

(١) ص ٥١٢.

(٢) الوسائل الباب ١ من صلاة الاستخارة.

٥٢٤

وفي رواية أخرى عنه (عليه‌السلام) (١) «من استخار الله راضيا بما صنع الله خار الله له حتما». وفي معناهما أخبار أخر أيضا.

ومنها ـ ما ورد بمعنى طلب تيسر ما فيه الخيرة كما في حسنة مرازم المروية في الفقيه (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا أراد أحدكم شيئا فليصل ركعتين ثم ليحمد الله وليثن عليه ويصلى على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى أهل بيته ويقول : اللهم ان كان هذا الأمر خيرا لي في ديني ودنياي فيسره لي وقدره وان كان غير ذلك فاصرفه عني. فسألته أي شي‌ء اقرأ فيهما؟ فقال اقرأ فيهما ما شئت وان شئت قرأت فيهما قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون. الخبر». وبمضمونه بتفاوت يسير رواية جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) وهذا المعنى قريب من المعنى الأول بل الظاهر ان مآلهما غالبا الى واحد بحيث تحمل الاخبار الأول على هذا.

ومنها ـ ما ورد بمعنى طلب العزم على ما فيه الخير كما في موثقة ابن أسباط (٤) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك ما ترى آخذ برا أو بحرا فان طريقنا مخوف شديد الخطر؟ فقال اخرج برا ولا عليك ان تأتي مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتصلى ركعتين في غير وقت فريضة ثم تستخير الله مائة مرة ومرة ثم تنظر فان عزم الله لك على البحر. الخبر».

وموثقة الحسن بن على بن فضال (٥) قال : «سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن (عليه‌السلام) لابن أسباط فقال ما ترى له ـ وابن أسباط حاضر ونحن جميعا ـ يركب البحر أو البر الى مصر؟ وأخبره بخير طريق البر فقال البر ، وايت المسجد في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين واستخر الله مائة مرة ثم انظر أي شي‌ء يقع في قلبك فاعمل به».

وهذه الثلاثة المعاني تكون بالصلاة والدعاء وربما تكون بالدعاء خاصة كما

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٧ من صلاة الاستخارة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من صلاة الاستخارة.

٥٢٥

روى في الفقيه عن معاوية بن ميسرة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ما استخار الله عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخيرة يقول : يا أبصر الناظرين ويا اسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين صلى على محمد وأهل بيته وخر لي في كذا وكذا».

وفي صحيحة حماد عن ناجية عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) انه كان إذا أراد شراء العبد أو الدابة أو الحاجة الخفيفة أو الشي‌ء اليسير استخار الله عزوجل فيه سبع مرات فإذا كان امرا جسيما استخار الله فيه مائة مرة.

إلا انه يحتمل ايضا تقييد هذه الأخبار بما تقدم بان يكون هذا الدعاء مضافا الى الصلاة.

ومنها ـ ما ورد بمعنى طلب تعرف ما فيه الخيرة ، وهذا هو المعروف الآن بين الناس ، ولكن لا بد هنا من انضمام شي‌ء آخر إلى الصلاة والدعاء معا أو الدعاء وحده من الرقاع أو البنادق أو فتح المصحف أو أخذ السبحة أو القرعة أو الأخذ من لسان المشاور.

فمن الأخبار الواردة بذلك ما رواه الكليني والشيخ عن هارون بن خارجة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) ورواه الشيخ المفيد وابن طاوس ورواية ابن طاوس بعدة طرق انه قال (عليه‌السلام) «إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل. وفي ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل. ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة : أستخير الله برحمته خيرة في عافية. ثم استو جالسا وقل : اللهم خر لي واختر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية. ثم اضرب بيدك الى الرقاع فشوشها واخرج

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ من صلاة الاستخارة.

(٣) الوسائل الباب ٢ من صلاة الاستخارة.

٥٢٦

واحدة واحدة فإن خرج ثلاث متواليات «افعل» فافعل الأمر الذي تريده ، وان خرج ثلاث متواليات «لا تفعل» فلا تفعله ، وان خرجت واحدة «افعل» والأخر «لا تفعل» فاخرج من الرقاع الى خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج إليها».

ومنها ـ ما رواه الكليني والشيخ عن على بن محمد رفعه عنهم (عليهم‌السلام) (١) «انه قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي فيه ولا يجد أحدا يشاوره كيف يصنع؟ قال شاور ربك قال فقال له كيف؟ قال انو الحاجة في نفسك ثم اكتب رقعتين في واحدة «لا» وفي واحدة «نعم» واجعلهما في بندقتين من طين ثم صل ركعتين واجعلهما تحت ذيلك وقل : يا الله انى أشاورك في امرى هذا وأنت خير مستشار ومشير فأشر على بما فيه صلاح وحسن عاقبة. ثم ادخل يدك فان كان فيها «نعم» فافعل وان كان فيها «لا» فلا تفعل ، هكذا شاور ربك».

وقد ذكر السيد الزاهد العابد المجاهد رضى الدين على بن طاوس (عطر الله مرقده) في رسالة الاستخارات أنواعا عديدة في الاستخارة بالرقاع والبنادق والقرعة وأنكرها ابن إدريس تمام الإنكار وقال انها من أضعف أخبار الآحاد وشواذ الاخبار لان رواتها فطحية ملعونون مثل زرعة وسماعة وغيرهما فلا يلتفت الى ما اختصا بروايته ، قال : والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه ولا يذكرون البنادق والرقاع والقرعة إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه ، وذكر ان الشيخين وابن البراج لم يذكروها في كتبهم الفقهية. ووافقه المحقق هنا فقال : واما الرقاع وما يتضمن «افعل ولا تفعل» ففي حيز الشذوذ فلا عبرة بها.

قال في الذكرى : وإنكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له مع اشتهارها بين الأصحاب وعدم راد لها سواه ومن حذا حذوه كالشيخ نجم الدين ، قال وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في كتبهم والمصنفون في مصنفاتهم وقد

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من صلاة الاستخارة. والشيخ يرويه عن الكليني.

٥٢٧

صنف السيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة والمآثر الباهرة رضي الدين أبو الحسن على بن طاوس الحسيني (قدس‌سره) كتابا ضخما في الاستخارات واعتمد فيه على روايات الرقاع وذكر من آثارها عجائب وغرائب أراه الله تعالى إياه ، وقال إذا توالى الأمر في الرقاع فهو خير محض وان توالى النهى فذلك الأمر شر محض وان تفرقت كان الخير والشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها. انتهى

ومن الاستخارات الاستخارة بالعدد ، قال في الذكرى : ولم تكن هذه مشهورة في العصور الماضية قبل زمان السيد الكبير العابد رضى الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدس الغروي (رضى الله عنه) وقد رويناها عنه وجميع مروياته عن عدة من مشايخنا عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين بن المطهر عن والده (رضى الله عنهما) عن السيد رضى الدين عن صاحب الأمر (عليه الصلاة والسلام) (١) يقرأ الفاتحة عشرا وأقله ثلاث مرات ودونه مرة ثم يقرأ القدر عشرا ثم يقول هذا الدعاء ثلاثا : اللهم إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور وأستشيرك لحسن ظني بك في المأمول والمحذور ، اللهم ان كان الأمر الفلاني مما قد نيطت بالبركة اعجازه وبواديه وحفت بالكرامة أيامه ولياليه فخر لي اللهم فيه خيرة ترد شموسة ذلولا وتقعض أيامه سرورا ، اللهم إما أمر فأئتمر واما نهى فانتهى ، اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية. ثم يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته ان كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل وان كان فردا لا تفعل أو بالعكس. ثم قال في الذكرى وقال ابن طاوس (قدس‌سره) في كتاب الاستخارات وجدت بخط أخي الصالح الرضي الآوي محمد بن محمد الحسيني ضاعف الله سيادته وشرف خاتمته ما هذا لفظه : عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) من أراد أن يستخير الله تعالى فليقرأ الحمد عشر مرات وانا أنزلناه عشر مرات ثم يقول. وذكر الدعاء إلا انه قال عقيب «والمحذور» : اللهم ان كان امرى هذا قد نيطت. وعقيب «سرورا» : يا الله اما

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من صلاة الاستخارة.

٥٢٨

أمر فآتمر واما نهى فانتهى ، اللهم خير لي برحمتك خيرة في عافية «ثلاث مرات» ثم يأخذ كفا من الحصى أو سبحة. انتهى.

بيان : قوله في الدعاء المذكور «نيطت» من ناط الشي‌ء بالشي‌ء علقه به وربطه ، واعجاز الشي‌ء أواخره جمع عجز ، وبواديه أوله جمع بادية ، وبادئ الرأي أوله ، وحفه يحفه إذا إحاطة قال الله عزوجل «حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ» (١) أى مستديرين ، والكرامة مصدر كرم ، و «خر لي» بمعنى اجعل لي فيه الخير ، و «خيرة» بكسر الخاء المعجمة وسكون الياء اسم مصدر من قولك «خار الله لك كذا» وأما «خيرة» بكسر الخاء وفتح الياء كعنبة فهو اسم من قولك «اختاره الله» كما ورد في زيارته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «السلام عليك يا خيرة الله» و «ترد» أى تغير وتحول ومن ثم تعدى الى مفعولين ، و «شموس» على وزن فعول كصبور للمبالغة والماضي شمس بفتح الميم يشمس على مثال كتب يكتب ، وشمس الفرس يشمس شماسا بكسر الشين وشموسا بضمها بمعنى حزن ومنع ظهره أن يركب ، والذلول خلافه من الذل بالذال المعجمة مكسورة ومضمومة ضد الصعوبة ، تقول ذل يذل إلا فهو ذلول ، والمعنى فخر لي خيرة تسهل صعبة وتيسر عسيره ، و «تقعض» بالقاف والعين المهملة والضاد المعجمة على وزن يكتب مضارع «قعض» مثال كتب بمعنى عطف ، قال في الصحاح قعضت العود عطفته كما تعطف عروش الكرم والهودج.

أقول : وفي هذا الباب استخاره غريبة لم أقف عليها إلا في كلام والدي (قدس‌سره) قال (طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه) في كتاب السعادات : خيرة مروية عن الامام الناطق جعفر بن محمد الصادق (عليه‌السلام) «يقرأ الحمد مرة والإخلاص ثلاثا ويصلى على محمد وآله خمس عشرة مرة ثم يقول : اللهم إني أسألك بحق الحسين وجده وأبيه وامه وأخيه والأئمة التسعة من ذريته ان تصلى على محمد وآل محمد وان تجعل لي الخيرة في هذه السبحة وأن تريني ما هو أصلح لي في الدين والدنيا ، اللهم

__________________

(١) سورة الزمر الآية ٧٥.

٥٢٩

ان كان الأصلح في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فعل ما أنا عازم عليه فأمرني وإلا فانهني انك على كل شي‌ء قدير. ثم يقبض قبضة من السبحة ويعدها «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله» الى آخر القبضة ، فإن كان الأخير «سبحان الله» فهو مخير بين الفعل والترك وان كان «الحمد لله» فهو أمر وان كان «لا إله إلا الله» فهو نهى».

ثم قال (قدس‌سره) أقول : لا يخفى على المتأمل بعين البصيرة ان هذه الاستخارة الشريفة أيضا تضمنت تقسيم الأمر المستخار فيه الى أمر ونهى ومخير والأكثر في الاستخارات انما تضمنت الأمر والنهى ، بل هذه الرواية أيضا تضمنت ما يقتضي الانحصار فيهما لقوله (عليه‌السلام) «وإلا فانهني» ولم يذكر التخيير في الدعاء وذكره في آخر الرواية ، والذي ينبغي ان يقال في وجه الجمع ان الأمر والنهى هنا ليس على نحوهما في العبادات من البلوغ الى حد الوجوب والتحريم بل انه لمجرد الإرشاد والاستصلاح ، إذ الغرض من الاستخارة طلب ما هو الأصلح والأنجح لما في الدخول في الأمور والتهجم عليها من غير استخاره من احتمال تطرق المهالك وعدم الأمن من المعاطب في جميع المسالك ، وأقله احتمال حرمان المطلوب وعدم الظفر بالأمر المحبوب كما جاء في الخبر (١) «من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخرنى». ولانه بعد الاستخارة يكون آمنا من تطرق أسباب الحرمان وسالما من آفات العطب والخذلان ، فكان العمل بالاستخارة أمرا راجحا وطريقا واضحا عند كل من له عقل سليم وذهن قويم ، وحيث كان راجحا بترتب المنافع واندفاع المكاره ومرجوحا بالعكس من ذلك أو متساوي الطرفين بان يكون الأمر ان الفعل والترك سواء في ترتب الأمرين كالأمر الذي يتخير فيه الإنسان لا يخلو من الثلاثة الأقسام كما دلت عليه الرواية الشريفة وأما الروايات المنحصرة في الأمر والنهى فالظاهر ان الأمر فيها ما يشمل الراجح والمساوي بأن يراد به القدر الأعم أعني الأمن من الضرر سواء كان فيه مصلحة أو عدم مشقة أو انتفاء المفسدة فقط.

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من صلاة الاستخارة.

٥٣٠

وبالجملة ان الأمر الخارج في هذه الاستخارة نص في رجحان الفعل المأمور به واشتماله على المصلحة والمنفعة ، والتخيير فيها بمعنى مساواة الفعل والترك بلا رجحان لأحدهما على الآخر ، والنهى نص في مرجوحية ذلك الأمر وعدم حصول مصلحة فيه ووجود مفسدة واما الأمر في ذات الوجهين فقد عرفت انه القدر الأعم أعني الأمن من الضرر سواء حصلت فيه مصلحة أم لا ، ومن ثم يجوز نظرا الى ذلك أخذ خيرة اخرى على مقابل ذلك الأمر المأمور به ، فان خرجت أمرا كذلك دل على تساوى الأمرين والتخيير بينهما ، وان خرجت نهيا دل على رجحان ذلك الأمر المأمور به أولا. وأما بالنظر الى هذه الرواية المشتملة على الشقوق الثلاثة فلا ينبغي معاودة الخيرة في مقابل ما خرج مطلقا لاشتمالها على التفصيل القاطع للاحتمال. والله العالم. انتهى كلامه طيب الله مرقده وأعلى في جوار الأئمة مقعده.

فائدتان

الأولى ـ المستفاد من الأخبار استحباب الاستخارة لكل شي‌ء وتأكدها حتى في المستحبات ، وان الأفضل وقوعها في الأوقات الشريفة والأماكن المنيفة والرضا بما خرجت به وان كرهته النفس.

ومما يؤكد هذا ما رواه ابن طاوس بأسانيد عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال «كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة من القرآن. ثم قال ما أبالي إذا استخرت الله على أى جنبي وقعت» وفي رواية أخرى «على اى طريق وقعت».

وروى البرقي في المحاسن عن محمد بن مضارب (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من دخل في أمر بغير استخاره ثم ابتلى لم يؤجر». ورواه ابن طاوس بأسانيد عديدة (٣) وفيه دلالة على ذم تارك الاستخارة في الأمور التي يأتي بها.

وروى في المحاسن ايضا عنه (عليه‌السلام) (٤) انه قال «قال الله عزوجل من شقاء

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٧ من صلاة الاستخارة.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ من صلاة الاستخارة.

٥٣١

عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني».

وروى في المحاسن أيضا بإسناده عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) من أكرم الخلق على الله؟ قال أكثرهم ذكرا لله وأعملهم بطاعته. قلت من أبغض الخلق الى الله؟ قال من يتهم الله. قلت واحد يتهم الله؟ قال نعم من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فسخط بذلك الذي يتهم الله».

وروى الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن على (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال الله عزوجل ان عبدي يستخيرني فأخير له فيغضب».

الثانية ـ المفهوم من ظواهر الأخبار الواردة في الاستخارة ان صاحب الحاجة هو المباشر للاستخارة ولم أقف على نص صريح أو ظاهر في الاستنابة فيها إلا ان من عاصرناهم من العلماء كلهم على العمل بالنيابة.

ولم أقف أيضا في كلام أحد من أصحابنا على من تعرض للكلام في ذلك إلا على كلام المحقق الشريف ملا ابى الحسن العاملي المجاور بالنجف الأشرف حيا وميتا في شرحه على المفاتيح وشيخنا ابى الحسن الشيخ سليمان البحراني في كتاب الفوائد النجفية.

أما الأول منهما فإنه قال في بحث صلاة الاستخارة : ثم لا يخفى ان المستفاد من جميع ما مر ان الاستخارة ينبغي أن تكون ممن يريد الأمر بأن يتصداها هو بنفسه ، ولعل ما اشتهر من استنابة الغير على جهة الاستشفاع ، وذلك وان لم نجد له نصا إلا أن التجربات تدل على صحته.

وأما الثاني منهما فإنه قال : فائدة في جواز النيابة عن الغير في الاستخارة ، لم أقف على نص في جواز النيابة ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه ، ثم ذكر وجوها عشرة أكثرها عليلة قد اعترف بالطعن فيها وأقربها إلى الاعتبار وجوه أربعة (أحدها) ـ ما ذكره من قوله : من القواعد ان كل ما يصح مباشرته يصح

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من صلاة الاستخارة.

٥٣٢

التوكيل فيه إلا في مواضع مخصوصة ذكرها العلماء واختلفوا في أشياء منها وليس هذا الموضع من تلك المواضع. و (ثانيها) ـ ما ذكره من أن العلماء في زماننا مطبقون على استعمال ذلك ولم نجد أحدا من مشايخنا الذين عاصرناهم يتوقف فيه ونقلوا عن مشايخهم نحو ذلك. ولعله كاف في مثل ذلك. و (ثالثها) ـ ان الاستخارة مشاورة لله تعالى كما ورد به النص عن مولانا الصادق (عليه‌السلام) (١) ولا ريب أن المشاورة تصح النيابة فيها ، فان من استشار أحدا فقد يستشير بنفسه وقد يكلف من يستشير له كما في استشارة على بن مهزيار للجواد (عليه‌السلام) (٢) و (رابعها) ان مشاورة المؤمن نوع من أنواع الاستخارة وقد ورد في رواية على بن مهزيار ما هو صريح في النيابة فيها ولا فرق بين هذا النوع وغيره. الى ان قال (قدس‌سره) فهذه عشرة وجوه ومجموعها يصلح مدركا لمثل هذا الأمر ومسلكا لهذا الشأن وان تطرق على بعضها المناقشة. والله العالم. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ومما خطر على البال في هذه الحال انه لا ريب ان الاستخارة بأي المعاني المتقدمة ترجع الى الطلب منه سبحانه ، ولا ريب انه من المتفق عليه بين ذوي العقول وساعدت عليه النقول عن آل الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو أن من طلب حاجة من سلطان عظيم الشأن فإن الأنجح في قضائها والأرجح في حصولها وإمضائها هو ان يوسط بعض مقربي حضرة ذلك السلطان في التماسها منه بحيث يكون نائبا عن صاحب الحاجة في سؤالها من ذلك السلطان ، والنيابة في الاستخارة منه سبحانه من هذا القبيل ، وهذا بحمد الله أوضح برهان على ذلك ودليل. والله العالم.

الثانية ـ صلاة يوم الغدير والعيد الكبير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ و ٥ من صلاة الاستخارة وتقدم ص ٥٢٧ حديث على بن محمد.

(٢) الوسائل الباب ٥ من صلاة الاستخارة.

٥٣٣

رواها الشيخ في التهذيب (١) بسند فيه محمد بن موسى الهمداني ـ وهو مجروح عند علماء الرجال ـ عن على بن الحسين العبدي قال : «سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه‌السلام) يقول صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزوجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات ، وهو عيد الله الأكبر ، وما بعث الله عزوجل نبيا قط إلا وتعيد في هذا اليوم وعرف حرمته ، واسمه في السماء يوم العهد المعهود وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود ، ومن صلى فيه ركعتين ـ يغتسل عند زوال الشمس من قبل ان تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عزوجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد وعشر مرات قل هو الله أحد وعشر مرات آية الكرسي وعشر مرات إنا أنزلناه ـ عدلت عند الله عزوجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عزوجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة وان فاتتك الركعتان والدعاء قضيتهما بعد ذلك ، ومن فطر فيه مؤمنا كان كمن أطعم فئاما وفئاما. فلم يزل يعد الى أن عقد بيده عشرا ، ثم قال وتدري كم الفئام؟ قلت لا. قال مائة ألف كل فئام كان له ثواب من أطعم بعددها من النبيين والصديقين والشهداء في حرم الله عزوجل وسقاهم في يوم ذي مسغبة ، والدراهم فيه بألف ألف درهم. قال لعلك ترى ان الله عزوجل خلق يوما أعظم حرمة منه لا والله لا والله لا والله. ثم قال وليكن من قولكم إذا التقيتم أن تقولوا : الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم وجعلنا من الموفين بعهده إلينا وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة امره والقوام بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين. ثم قال وليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين ان تقول ربنا اننا سمعنا مناديا. الدعاء الى آخره». وهو مذكور في المصباح (٢).

__________________

(١) ج ٣ ص ١٤٣ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ٣ من بقية الصلوات المندوبة.

(٢) ص ٥٢١.

٥٣٤

ويعضد هذا الخبر ما رواه الشيخ في المصباح (١) والشيخ المفيد وغيره عن داود بن كثير عن ابى هارون العبدي قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليه‌السلام) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائما فقال لي هذا يوم عظيم. الى أن قال فقيل له ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال انه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شكرا لله وان صومه يعدل صوم ستين شهرا من الأشهر الحرم ، ومن صلى فيه ركعتين أى وقت شاء وأفضله قرب الزوال وهي الساعة التي أقيم فيها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بغدير خم علما للناس. فمن صلى في ذلك الوقت ركعتين ثم سجد يشكر الله مائة مرة ودعا بعقب الصلاة اجابه».

وكذا يؤيده ما رواه ايضا (٢) عن زياد بن محمد عنه (عليه‌السلام) وذكر الحديث في فضل هذا اليوم الى أن قال (عليه‌السلام) «ينبغي لكم ان تتقربوا فيه الى الله عزوجل بالبر والصدقة والصلاة وصلة الرحم. الخبر».

وكذا ما رواه فرات بن إبراهيم في تفسيره (٣) بإسناده عن فرات بن أحنف عنه (عليه‌السلام) انه قال في فضل هذا اليوم «انه يوم عبادة وصلاة وشكر لله. الخبر».

وما رواه ابن طاوس في كتاب الإقبال (٤) عن المفضل عنه (عليه‌السلام) انه قال في فضل هذا اليوم «انه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الأخوان».

والظاهر ان ما ذكرناه من هذه الاخبار مع ما اشتهر من التسامح في أدلة السنن صار سببا في اشتهار هذه الصلاة بين قدماء الأصحاب ومتأخريهم ، ولم يعبأوا بما ذكره الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد على ما نقله عنه في باب صوم التطوع حيث انه بعد ان روى ثواب صوم الغدير قال : واما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد (قدس‌سره) كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة

__________________

(١) ص ٥١٣ وفي الوسائل الباب ٣ من بقية الصلوات المندوبة.

(٢) ص ٥١٢ وفيه بدل الصدقة الصوم.

(٣) ص ١٢.

(٤) ص ٤٦٦.

٥٣٥

وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح. واعترضه المحقق في المعتبر بأنه قد وردت في هذه الصلاة روايات منها رواية داود بن كثير. وفيه انك قد عرفت ان الرواية المذكورة لم تشتمل على هذه الصلاة كما ادعاه وانما دلت على صلاة ركعتين مطلقا ، لكن ربما يشير الى ذلك أفضلية قرب الزوال كما تضمنته رواية العبدي مما يعلم هي من المؤيدات كما ذكرناه.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه نقل في المختلف عن ابى الصلاح انه قال في صفة صلاة الغدير : ومن وكيد السنة الاقتداء برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة الحرام بالخروج الى ظاهر المصر وعقد الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة لمن تتكامل له صفات إمامة الجماعة بركعتين ، ويقرأ في كل ركعة منهما الحمد وسورة الإخلاص عشرا وسورة القدر عشرا وآية الكرسي عشرا ويقتدى به المؤتمون وإذا سلم دعا بدعاء هذا اليوم ومن صلى خلفه. وليصعد المنبر قبل الصلاة فيخطب خطبة مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآله الطاهرين والتنبيه على عظم حرمة يومه وما أوجب الله فيه من امامة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) والحث على امتثال أمر الله سبحانه ورسوله ، ولا يبرح أحد من المأمومين والامام يخطب فإذا انقضت الخطبة تصافحوا وتهانئوا وتفرقوا. انتهى.

أقول : وهذا الكلام قد دل على جملة من الأحكام منها ما ذكر في كلام علمائنا الأعلام ومنها ما لم يذكر في هذا المقام ولا علم من نصوصهم (عليهم‌السلام) فمنها ـ القراءة والظاهر انه لا خلاف في تقديم التوحيد بعد الحمد وانما الخلاف في آية الكرسي و «انا أنزلناه» وتقديم إحداهما على الأخرى ، والنص وان كان العطف فيه بالواو التي هي لمطلق الجمع إلا ان الترتيب الذكرى وقع بتقديم آية الكرسي على «انا أنزلناه» وبه صرح ابن إدريس ، ثم نقل ان بالعكس أيضا رواية قال على ما نقله عنه في المختلف : يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة و «قل هو الله أحد» عشر مرات وآية الكرسي عشر مرات و «انا أنزلناه» عشر مرات ، وروى

٥٣٦

ان آية الكرسي تكون أخيرا وقبلها «إنا أنزلناه» قال في المختلف : وهذا يدل على ان الواو قصد بها هنا الترتيب. والشيخ رتب كترتيبه بالواو وكذا سلار. وأما أبو الصلاح وابن البراج وكذا الشيخ المفيد فإنهم قالوا يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة وسورة الإخلاص عشر مرات و «انا أنزلناه» عشر مرات وآية الكرسي عشر مرات. قال في المختلف : فان قصدوا بالواو هنا الترتيب صارت المسألة خلافية وإلا فلا. وكيف كان فالأحوط الإتيان بالترتيب الذي اشتملت عليه الرواية لاحتمال كون الترتيب الذكرى فيه منظورا لحكمة لا نعلمها وان عبر فيه بالواو فان مثله في كلامهم (عليهم‌السلام) غير عزيز.

ومنها ـ ذكر الجماعة في هذه الصلاة والخطبة والخروج الى الصحراء ، ولهذا قال العلامة في المختلف بعد نقل عبارته المذكورة : ولم يصل إلينا حديث يعتمد عليه يتضمن الجماعة فيها ولا الخطبة بل الذي ورد صفة الصلاة والدعاء بعدها.

أقول : من المحتمل قريبا انه أخذ الخطبة من فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم غدير خم فإنه خطب في ذلك اليوم وأمرهم بالتصافح وان يهنّئ بعضهم بعضا (١) وأخذ الصحراء من كونه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان ذلك اليوم في الصحراء.

واما ذكره الصلاة جماعة فلا نعرف له مستندا أصلا بل سيأتي في باب صلاة الجماعة ان شاء الله تعالى ما يظهر منه كونها بدعة محرمة.

واما ما تشبث به بعض المتأخرين ـ من الاستدلال على الجماعة في هذه الصلاة بأمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ينادى في الناس «الصلاة جامعة» ـ

ففيه أولا ـ أن الأخبار الواردة في يوم الغدير خالية من ذكر هذه الصلاة في ذلك الموضع.

__________________

(١) لم يذكر في الأحاديث تهنئة بعض المسلمين لبعضهم وانما الموجود فيها تهنئتهم لعلي (عليه‌السلام) لما أفرد له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خيمة ودخلوا عليه يهنئونه بالولاية ومن جملتهم عمر راجع الغدير ج ١ ص ٢٤٥.

٥٣٧

وثانيا ـ ان النداء بهذه العبارة كان متعارفا في طلب اجتماع الناس وإعلامهم بذلك ليحضروا وان لم تكن ثمة صلاة كما لا يخفى على من جاس خلال الديار وتصفح الأخبار. ومن المحتمل ان مذهب ابى الصلاح القول بجواز الجماعة في غير الفريضة مطلقا فذكرها في هذه الصلاة بناء على ذلك. والله العالم.

الثالثة ـ صلاة أول ذي الحجة كذا ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم)

ولا يخفى انه محتمل لأمرين (أحدهما) أن يكون المراد به ما ذكره الشيخ في المصباح (١) حيث قال : ويستحب فيه ـ يعني في أول ذي الحجة ـ صلاة فاطمة (عليها‌السلام). ثم روى انها اربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كل ركعة بالحمد مرة وخمسين مرة «قل هو الله أحد». إلا ان الشيخ نقل قبل كلامه هذا ان ذلك اليوم يوم تزويج فاطمة (عليها‌السلام) فمن المحتمل قريبا أن نقل الشيخ هذه الصلاة لأجل التناسب لا لرواية تدل عليه ، وهذا فهمه الكفعمي حيث قال (٢) : وفي أول يوم من ذي الحجة تزوج على بفاطمة (عليهما‌السلام) فصل فيه صلاة فاطمة (عليها‌السلام). وعلى هذا فلا وجه لذكر هذه الصلاة سيما ان كثيرا منهم عد صلاة فاطمة (عليها‌السلام) مع هذه الصلاة.

وثانيهما ـ أن يكون المراد به ما نقله شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار من ورود بعض الأخبار بصلاة ركعتين في هذا اليوم قبل الزوال بنصف ساعة بكيفية صلاة الغدير. ولعل هذا الاحتمال أوفق بالعد في هذا المقام وان كان لم يذكر هذه الصلاة أكثر علمائنا الأعلام (رضوان الله عليهم).

الرابعة ـ صلاة يوم المبعث وصلاة ليلته ، أما صلاة اليوم فقد رواها ثقة الإسلام في الكافي عن على بن محمد رفعه (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يوم سبعة

__________________

(١) ص ٤٦٥ وفي الوسائل الباب ١٠ من بقية الصلوات المندوبة.

(٢) ص ٦٥٩.

(٣) الوسائل الباب ٩ من بقية الصلوات المندوبة.

٥٣٨

وعشرين من رجب نبئ فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من صلى فيه أى وقت شاء اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بأم القرآن وسورة ما تيسر فإذا فرغ وسلم جلس مكانه ثم قرأ أم القرآن اربع مرات والمعوذات الثلاث كل واحدة أربع مرات فإذا فرغ وهو في مكانه قال : «لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» اربع مرات ثم يقول : الله الله ربى لا أشرك به شيئا (أربع مرات) ثم يدعو فلا يدعو بشي‌ء إلا استجيب له. الخبر».

وقد روى هذه الرواية الشيخ (١) نقلا من الكافي والشيخ المفيد في المقنعة وكتاب مسار الشيعة لكن بدون قوله «والمعوذات الثلاث كل واحدة أربع مرات». وكأنه سقط من القلم ، لان الشيخ روى هذه الصلاة بعينها في المصباح (٢) مع ما يقرأ بعدها عن الريان بن الصلت عن ابى جعفر الثاني (عليه‌السلام) بما هذه صورته قال : «صام أبو جعفر (عليه‌السلام) لما كان ببغداد يوم النصف من رجب ويوم سبع وعشرين منه وصام معه جميع حشمه وأمرنا أن نصلي هذه الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا و «قل هو الله أحد» أربعا والمعوذتين أربعا وقلت : لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (أربعا) الله الله ربى لا أشرك به شيئا (أربعا) لا أشرك بربي أحدا (أربعا). ومن هذه الرواية يعلم ان المراد بالمعوذات الثلاث في الرواية المتقدمة هي التوحيد مع المعوذتين.

واما صلاة ليلة المبعث فهي أيضا اثنتا عشرة ركعة ، والظاهر ان المستند فيها ما ذكره الشيخ في المصباح (٣) في ليلة النصف من رجب حيث روى عن داود بن سرحان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال «تصلى ليلة النصف من رجب اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة فإذا فرغت من الصلاة قرأت بعد ذلك الحمد والمعوذتين وسورة

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من بقية الصلوات المندوبة.

(٣) الوسائل الباب ٥ من بقية الصلوات المندوبة.

٥٣٩

الإخلاص وآية الكرسي أربع مرات وتقول بعد ذلك : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (أربع مرات) ثم تقول : الله الله ربى لا أشرك به شيئا ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلى العظيم وتقول في ليلة سبع وعشرين مثله».

قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : والظاهر ان قوله «وتقول. الى آخره» من تتمة الحديث وان المراد مجموع الصلاة والأقوال ، وعلى هذا فهي كصلاة يومه والتفاوت اليسير في الذكر وكذا زيادة آية الكرسي غير مناف في أمثال هذه الأشياء. انتهى. وفيه ان ظاهر هذه العبارة بناء على تسليم كونها من الحديث انما هو قول هذه الأذكار لا نفس الصلاة.

والأظهر ان المراد بصلاة الليلة المذكورة انما هو ما رواه الشيخ في المصباح ايضا (١) مرسلا عن ابى جعفر الثاني (عليه‌السلام) انه قال «ان في رجب لليلة هي خير مما طلعت عليه الشمس وهي ليلة سبع وعشرين من رجب نبئ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صبيحتها وان للعامل فيها من شيعتنا أجر عمل ستين سنة. قيل له وما العمل فيها أصلحك الله؟ قال إذا صليت العشاء الآخرة وأخذت مضجعك ثم استيقظت أي ساعة شئت من الليل الى قبل الزوال صليت اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة من خفاف المفصل الى الجحد فإذا سلمت في كل شفع جلست بعد التسليم وقرأت الحمد سبعا والمعوذتين سبعا «وقل هو الله أحد» و «قل يا ايها الكافرون» سبعا سبعا «وانا أنزلناه وآية الكرسي سبعا سبعا ، وقل بعقب ذلك الدعاء.». وذكر الدعاء.

وروى الشيخ في المصباح ايضا (٢) عن صالح بن عقبة عن ابى الحسن موسى ابن جعفر (عليه‌السلام) انه قال : «صل ليلة سبع وعشرين من رجب أى وقت شئت من الليل اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد (أربع مرات) فإذا فرغت قلت وأنت في مكانك اربع مرات : لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله

__________________

(١ و ٢) ص ٥٦٦ وفي الوسائل الباب ٩ من بقية الصلوات المندوبة.

٥٤٠