الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

الرابع عشر ـ ما رواه في الفقيه عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «إذا كنت مستعجلا فصل صلاة جعفر مجردة ثم اقض التسبيح».

الخامس عشر ـ ما رواه في الكافي عن الحسن بن محبوب رفعه (٢) قال : «تقول في آخر سجدة من صلاة جعفر : يا من لبس العز والوقار يا من تعطف بالمجد وتكرم به يا من لا ينبغي التسبيح إلا له يا من احصى كل شي‌ء علمه يا ذا النعمة والطول يا ذا المن والفضل يا ذا القدرة والكرم أسألك بمعاقد العز من عرشك وبمنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم الأعلى وكلماتك التامات ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا».

السادس عشر ـ ما رواه الثقة الجليل احمد بن ابى طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج (٣) مما ورد عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) الى محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري في جواب مسائله حيث «سأله عن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكر في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره أم يتجاوز في صلاته؟ التوقيع : إذا سها في حالة عن ذلك ثم ذكر في حالة اخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة بإسناده فيه (٤).

السابع عشر ـ ما رواه في الكتاب المذكور أيضا عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) (٥) «انه كتب إليه يسأله عن صلاة جعفر بن ابى طالب في أي وقت أفضل ان تصلى فيه؟ وهل فيها قنوت؟ وان كان كان ففي أي ركعة منها؟ فأجاب أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ثم في أي

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من صلاة جعفر.

(٢) الوسائل الباب ٣ من صلاة جعفر.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٩ من صلاة جعفر.

(٥) الوسائل الباب ٤ من صلاة جعفر.

٥٠١

الأيام شئت ، وأى وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز. والقنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع. وسألته عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز ان تصلى أم لا؟ فأجاب يجوز ذلك».

الثامن عشر ـ ما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) قال : عليك بصلاة جعفر بن ابى طالب فان فيها فضلا كثيرا ، وقد روى أبو بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) انه من صلى صلاة جعفر كل يوم لا تكتب عليه السيئات وتكتب له بكل تسبيحة فيها حسنة وترفع له درجة في الجنة فان لم يطق كل يوم ففي كل جمعة فان لم يطق ففي كل شهر فان لم يطق في كل سنة فإنك إن صليتها محي عنك ذنوبك ولو كانت مثل رمل عالج أو مثل زبد البحر ، وصل أى وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن في وقت فريضة ، وان شئت حسبتها من نوافلك ، وان كنت مستعجلا صليت مجردة ثم قضيت التسبيح. فإذا أردت أن تصلى فافتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم اقرأ في أولها بفاتحة الكتاب والعاديات وفي الثانية إذا زلزلت وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي الرابعة قل هو الله أحد وان شئت كلها بقل هو الله أحد ، وان نسيت التسبيح في ركوعك أو سجودك أو في قيامك فاقض حيث ذكرت على اى حال تكون. تقول بعد القراءة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر «خمس عشرة مرة» وتقول في ركوعك عشر مرات وإذا استويت قائما عشر مرات وفي سجودك وبين السجدتين عشرا عشرا فإذا رفعت رأسك تقول عشرا قبل أن تنهض فذلك خمس وسبعون مرة ، ثم تقوم في الثانية وتصنع مثل ذلك ثم تشهد وتسلم وقد مضى لك ركعتان ، ثم تقوم وتصلى ركعتين أخريين على ما وصفت لك ، فيكون التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير في أربع ركعات ألف مرة ومائتي مرة. وتصلى بها متى شئت ومتى ما خف عليك فان في ذلك فضلا كثيرا. فإذا فرغت تدعو بهذا الدعاء. ثم ساق الدعاء.

__________________

(١) ص ١٥.

٥٠٢

التاسع عشر ـ ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن رجاء بن ابى الضحاك (١) انه حكى في حديث له صلاة الرضا (عليه‌السلام) ونقل فيه انه كان يصلى في آخر الليل اربع ركعات بصلاة جعفر (عليه‌السلام) يسلم في كل ركعتين ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل. الخبر.

هذا ما حضرني من الروايات المتعلقة بهذه الصلاة. والكلام فيها يقع في مواضع

الأول ـ ان أكثر الأخبار المذكورة في المقام دلت على ان التسبيح حال القيام بعد القراءة وان صورته «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذهب اليه الشيخان وابن الجنيد وابن إدريس وابن ابى عقيل والمتأخرون ، وقد دل الخبر الثاني على كونه قبل القراءة وانه الله أكبر إلى آخر ما هو مذكور في الخبر.

وظاهر الصدوق في الفقيه العمل بالخبر المذكور في الموضعين حيث قال في الكتاب المذكور (٢) بعد نقله الخبر المشار اليه : وقد روى ان التسبيح في صلاة جعفر بعد القراءة وان ترتيب التسبيح «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» فبأي الحديثين أخذ المصلي فهو مصيب وجائز له. انتهى.

وظاهره الجمع بين الأخبار بالتخيير في الموضعين ، وهو جيد إلا ان الأحوط والأولى العمل بالقول المشهور لتكاثر الأخبار بتأخير التسبيح عن القراءة وانه بالصورة المشهورة دون هذه الصورة التي نقلها في خبر الثمالي.

الثاني ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قراءتها فالمشهور انه يقرأ في الأولى بعد الحمد الزلزلة وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة النصر وفي الرابعة التوحيد ، وهو اختيار السيد المرتضى وابن الجنيد والصدوق وابى الصلاح وابن البراج وسلار ، وقال ابن بابويه : يقرأ في الاولى والعاديات وفي الثانية الزلزلة وفي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أعداد الفرائض رقم ٢٤.

(٢) ج ١ ص ٣٤٨ وفي الوسائل الباب ١ من صلاة جعفر.

٥٠٣

الباقيتين كما تقدم ، قال وان شئت صلها كلها بالتوحيد. وقال الصدوق في المقنع بالتوحيد في الجميع ، وعن ابن ابى عقيل في الأولى الزلزلة وفي الثانية النصر وفي الثالثة والعاديات وفي الرابعة قل هو الله أحد.

أقول : والذي يدل على المشهور من الأخبار المتقدمة الخبر الرابع وما سيأتي ان شاء الله تعالى في خبر المفضل بن عمر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) في نوافل شهر رمضان وفيه «تقرأ في صلاة جعفر في الركعة الأولى الحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد. الحديث».

والذي يدل على ما ذهب اليه الشيخ على بن الحسين بن بابويه الخبر الثامن عشر كما هي قاعدته المطردة ومنه أخذ عبارته في هذا الموضع وغيره.

واما القولان الباقيان فلم نقف لهما على مستند والذي وردت به الأخبار هو ما عرفت من القول المشهور وقول على بن بابويه.

وفي الخبر الثالث : يقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ونحوه في الخبر السادس ، والظاهر انه على جهة التخيير بين هاتين السورتين أو قراءة إحداهما في موضع والأخرى في آخر.

وفي الخبر الثامن انه يقرأ فيها إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وانا أنزلناه وقل هو الله أحد ، والظاهر ان المراد الترتيب في هذه السور وان كان العطف بالواو لا يدل عليه إلا انه كثير الوقوع في الاخبار. والعمل بكل ما روى حسن ان شاء الله تعالى.

الثالث ـ قال في الذكرى : وهي بتسليمتين على الأظهر ويظهر من الصدوق في المقنع انه يرى أنها بتسليمة واحدة وهو نادر. انتهى. وتبعه في هذه المقالة جملة ممن تأخر عنه.

أقول : صورة عبارة المقنع على ما نقله في البحار هكذا : تبدأ فتكبر ثم

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

٥٠٤

تقرأ فإذا فرغت من القراءة فقل «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» خمس عشرة مرة فإذا ركعت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من الركوع قلتها عشرا فإذا سجدت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود قلتها عشرا فإذا سجدت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود الثاني قلتها عشرا وأنت جالس قبل ان تقوم ، فذلك خمس وسبعون تسبيحة وتحميدة وتكبيرة وتهليلة في كل ركعة : ثلاثمائة في أربع ركعات فذلك الف ومائتان ، وتقرأ فيها قل هو الله أحد وروى : اقرأ في الركعة الأولى من صلاة جعفر الحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد. انتهى

وأنت خبير بان لا دلالة في هذه العبارة على ما ادعاه من ان الأربع بتسليمة واحدة ، إذ الظاهر ان الغرض من سياق هذا الكلام انما هو بيان مواضع التسبيح وقدره كما يشير اليه قوله «فذلك خمس سبعون. الى آخره» ومن ثم انه لم يتعرض لذكر الركعة الثانية ولا للتشهد ولا للقنوت ، اما لما ذكرناه من أن الغرض من سياق الكلام انما هو ما ذكرناه أو من حيث ظهور ذلك فاكتفى بظهوره عن ذكره. ويؤيد ما قلناه ان سياق عبارته المذكورة وقعت على نحو عبارة الخبر الأول والثالث فان السياق في الجميع واحد ، فان كانت عبارة المقنع بهذه الكيفية دالة على ما قاله فكذلك عبارة كل من الخبرين المذكورين تدل على ذلك. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس‌سره) وان تبعه فيه من تبعه لا يخلو من قصور تأمل في العبارة المذكورة.

وبما ذكرنا من عدم ظهور ما ادعاه في الذكرى من هذه العبارة صرح شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار ايضا حيث قال بعد نقل عبارة المقنع التي قدمناها نقلا عنه وذكر كلام الذكرى ـ ما صورته : وأقول لا دلالة في عبارة المقنع إلا من حيث انه لم يذكر التسليم ولعله احاله على الظهور كالتشهد والقنوت وغيرهما والعمل على المشهور. انتهى.

إلا ان العلامة في المختلف قال : قال أبو جعفر بن بابويه (قدس‌سره) في

٥٠٥

كتاب المقنع : وروى انها بتسليمتين. وهو يشعر انه يقول بأنها بتسليمة واحدة والمشهور الأول. انتهى.

وعلى هذا فالظاهر ان كلام شيخنا في الذكرى انما ابتنى على هذا الكلام الذي نقله في المختلف إلا ان شيخنا المجلسي كما عرفت انما عزاه إلى العبارة التي نقلها عنه في البحار. وبالجملة فإن كتاب المقنع لا يحضرني الآن ليمكن معرفة صحة أحد النقلين وفساد الآخر في البين.

الرابع ـ المشهور انه يستحب العشر بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى قبل القيام إلى الثانية وكذا من الركعة الثالثة قبل القيام إلى الرابعة ، ذهب اليه الشيخان والمرتضى وابن بابويه وأبو الصلاح وابن البراج وسلار وغيرهم.

وقال ابن ابى عقيل : ثم يرفع رأسه من السجود وينهض قائما ويقول ذلك عشرا ثم يقرأ.

ولم نقف له على دليل لان ما قدمناه من الأخبار ما بين صريح الدلالة وظاهرها على القول المشهور ، ففي الرواية الأولى «فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت عشر مرات وأنت قاعد قبل أن تقوم» وفي الرواية الثانية «ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض فتقولهن خمس عشرة مرة» وهاتان الروايتان صريحتان كما ترى في المدعى ، وفي الرواية الثالثة «وإذا رفعت رأسك فعشرا فذلك خمس وسبعون» وهي ظاهرة لانه رتب ذلك على رفع الرأس ولم يذكر النهوض ، وفي الرواية الثامنة عشرة «فإذا رفعت رأسك تقول عشرا قبل أن تنهض» وهي صريحة في المدعى كما ترى. ولعله وصل إليه في ذلك ما لم يصل إلينا حيث انه من قدماء الأصحاب.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز احتسابها من النوافل الراتبة الليلية والنهارية ، صرح به الشيخ على بن بابويه وابن ابى عقيل وغيرهما. وقال ابن الجنيد : ولا أحب احتسابها من شي‌ء من التطوع الموظف

٥٠٦

عليه ولو فعل وجعلها قضاء للنوافل أجزأه.

وأنت خبير بأن جملة من الأخبار المتقدمة ظاهرة في الدلالة على القول المشهور كالخبر الخامس والسابع والعاشر والثامن عشر والتاسع عشر ، وقد تضمن الخبر العاشر جواز جعلها قضاء للنوافل وهو الذي رخصه ابن الجنيد ، وحينئذ فلا وجه لمنع ابن الجنيد من استحبابها من النوافل أداء. وحمله على الغفلة عن هذه الاخبار وعدم اطلاعه عليها بعيد ، وعلى الاطلاع عليها والقول بخلافها أبعد.

وقال في الذكرى : ويظهر من بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز جعلها من الفرائض أيضا إذ ليس فيه تغيير فاحش.

أقول : ربما أشعر نقله (قدس‌سره) للقول المذكور وعدم تعرضه لرده اختياره القول بجوازه ، واليه يميل كلام بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ، وهو محل اشكال وأى تغيير أفحش مما عليه هذه الصلاة بالنسبة إلى غيرها من الصلوات الخالية من هذه الأذكار.

وبالجملة فإن العبادات توقيفية فإذا كان المرسوم عن صاحب الشرع هو إيقاع الفريضة على النحو الذي وردت عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فتغييرها إلى كيفية أخرى ـ ولو بزيادة أذكار وأدعية وتسبيحات خارجة من الموظف فيها سيما مع كثرته وتفاحشه كما في هذه الصلاة ـ يتوقف على الدليل.

ويعضد ما قلناه عدم حصول يقين البراءة إلا بما ذكرناه. ويعضده ايضا المقابلة بالنوافل الحاضرة ، فإن قوله في الخبر المذكور «وان شئت جعلتها من نوافلك» أى الحاضرة المؤداة فيكون قوله «وان شئت جعلتها من قضاء صلاة» يعنى قضاء النوافل وحاصله التخيير بين جعلها من النوافل المؤداة والمقضية. والله العالم.

السادس ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان فيها قنوتين في الثانية من الركعتين الأوليتين والثانية من الركعتين الأخيرتين وانه بعد القراءة وقبل الركوع فيهما ، ويدل على ذلك صريحا الخبر التاسع عشر مضافا الى

٥٠٧

الأخبار العامة في قنوت سائر الصلوات (١).

والمستفاد من الخبر السابع عشر ان قنوت الركعتين الأولتين قبل الركوع وقنوت الركعتين والأخيرتين بعد الركوع ، ولم أقف على من تنبه له من الأصحاب ، ولعله من حيث عدم رواية الخبر في كتب الحديث الأربعة التي مدار استدلالهم عليها ورجوعهم إليها. وبالجملة فإن الأظهر هو ما دلت عليه الأخبار العامة وخصوص الخبر التاسع عشر ، وهذا الخبر مرجوع الى قائله (عليه‌السلام).

السابع ـ قد اشتملت جملة من الأخبار المتقدمة على أحكام عديدة لذوي الأعذار في هذه الصلاة :

أحدها ـ ما اشتمل عليه الخبر الثالث عشر والرابع عشر من جواز الصلاة مجردة عن التسبيح إذا أعجلت به حاجة ثم يقضى التسبيح وهو ذاهب.

وثانيها ـ ما اشتمل عليه الخبر الثاني عشر من انه لو صلى منها ركعتين ثم أعجلته الحاجة أو أحدث حدثا فإنه يبنى على ما صلى أولا بعد زوال العارض ويتم بالركعتين الباقيتين ، والأحوط ان لا يفرق فيها إلا لعذر وقوفا على ظاهر الخبر وان كان الظاهر الجواز مطلقا.

وثالثها ـ ما دل عليه الخبر السادس عشر من انه إذا سها عن التسبيحات في بعض أحوال هذه الصلاة قضاها في الحال التي يذكرها فيها ، فان كان يفوته سهوا في حال القيام ثم يذكره في حال الركوع أو السجود فإنه يقضى ما فاته كلا أو بعضا في تلك الحال.

الثامن ـ قد تكرر في الأخبار المتقدمة ان وقتها أى وقت شاء من ليل أو نهار وانها جائزة سفرا وحضرا ، إلا ان الخبر السابع عشر قد صرح بأن أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ، ويحتمل أن يكون بعده في الفضل جعلها من نوافل الليل كما يشعر به الخبر التاسع عشر من مداومة الرضا (عليه‌السلام) على جعلها منها كما ينبئ عنه لفظ «كان».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من القنوت.

٥٠٨

فائدة

قال في الذكرى : زعم بعض متعصبي العامة ان الخطاب بهذه الصلاة وتعليمها كان العباس عم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورواه الترمذي (١) ورواية أهل البيت (عليهم‌السلام) أوفق إذ أهل البيت أعلم بما في البيت ، على انه يمكن أن يكون قد خاطبهما بذلك في وقتين ولا استبعاد فيه. انتهى.

أقول ـ بل الظاهر ان هذا الخبر انما هو من مخترعات الأموية بغضا لعلى (عليه‌السلام) ومن يمت به ولا سيما أخيه المذكور ، ونسبوه للعباس ليكون أدخل في العقول وتلقيه بالقبول. وقد ذكرنا في كتاب سلاسل الحديد بحثا رشيقا في اختراعهم الأحاديث الكاذبة في زمان معاوية تقربا اليه. والله العالم.

المطلب الثالث في نافلة شهر رمضان

والكلام فيها يقع في مقامين الأول ـ استحباب هذه النافلة مذهب أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل نقل عن سلار دعوى الإجماع عليه.

ونقل في المعتبر قال وقال بعض أصحاب الحديث منا لم يشرع في شهر رمضان زيادة نافلة عن غيره ، وذكر بعض الأصحاب ان على بن بابويه وابن ابى عقيل لم يتعرضا لها بنفي ولا إثبات وان الصدوق قال لا نافلة فيه زيادة على غيره.

ورد هذا النقل عن الصدوق جمع من محققي متأخري المتأخرين بأن كلامه في الفقيه لا يدل على نفى المشروعية بل الظاهر انه انما ينفي تأكد الاستحباب لصراحته بأنه لا يرى بأسا بالعمل بما ورد فيها من الأخبار ، ولهذا قال في المدارك : والظاهر انه لا خلاف في جواز الفعل وانما الكلام في التوظيف.

أقول : صورة ما ذكره الصدوق في الكتاب المذكور انه قال ـ في باب

__________________

(١) سنن الترمذي مع شرحه لابن العربي ج ٢ ص ٢٦٧. وقد ضعف السيوطي في اللئالئ المصنوعة ج ٢ ص ٢١ أحاديث هذه الحبوة في العباس.

٥٠٩

الصلاة في شهر رمضان من كتاب الصوم بعد ذكره الأخبار الآتية الدالة على عدم الزيادة في شهر رمضان ـ ما لفظه : وممن روى الزيادة في التطوع في شهر رمضان زرعة عن سماعة وهما واقفيان ، قال سألته. وساق الحديث الدال على ذلك (١) ثم قال قال مصنف هذا الكتاب (رحمه‌الله) إنما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ليعلم الناظر في كتابي هذا كيف يروى ومن رواه وليعلم من اعتقادي فيه انى لا أرى بأسا باستعماله. انتهى. والظاهر ان مرجعه الى ما ذكروه من عدم تأكد الاستحباب.

واما قوله في المدارك ـ انه لا خلاف في جواز الفعل وانما الكلام في التوظيف ـ فلا يخلو من الإشكال الظاهر ، وذلك لأن الجواز هنا لا معنى له فإنها عبادة فإن ثبت شرعيتها وتوظيفها ترتب عليه الاستحباب وإلا كانت محرمة وغير مشروعة ، ألا ترى ان صلاة الضحى لما لم تثبت شرعيتها صرحت الأخبار ببدعيتها وتحريمها (٢) وليست من الأمور المباحة التي تتصف بالجواز.

ثم ان مما يدل على عدم توظيف هذه النافلة ما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان بسندين صحيحين ورواه الشيخ عنه ايضا بسند صحيح (٣) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في شهر رمضان فقال ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتان قبل صلاة الفجر ، كذلك كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى ولو كان فضلا لكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اعمل به وأحق».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي والشيخ عنه أيضا في الصحيح (٤) بتفاوت ما في المتن قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في شهر رمضان فقال ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الصبح قبل الفجر ، كذلك كان رسول الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من أعداد الفرائض ونوافلها.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٩ من نافلة شهر رمضان.

٥١٠

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى وانا كذلك أصلي ولو كان خيرا لم يتركه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (١) بإسناد لا يبعد الحاقه بالموثقات قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى العشاء الآخرة آوى الى فراشه لا يصلى شيئا إلا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره».

ونقل المحقق في المعتبر (٢) الاحتجاج للنافين بما رواه الأصحاب عن محمد ابن مسلم قال : «سمعت إبراهيم بن هشام (٣) يقول هذا شهر رمضان فرض الله صيامه وسنن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قيامه. فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه‌السلام) فقال كذب ابن هشام كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتان قبل الفجر في شهر رمضان وغيره».

واما الأخبار الدالة على استحباب هذه الصلاة فهي كثيرة جدا تفصيلا وإجمالا.

ومن الثاني ما رواه الشيخ في الموثق ـ وعده في المنتهى في الصحيح ـ عن ابى بصير (٤) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) أيزيد الرجل الصلاة في رمضان؟ قال نعم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد زاد في الرمضان في الصلاة».

ونحوها صحيحة البقباق وعبيد بن زرارة عنه (عليه‌السلام) (٥) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يزيد في صلاته في شهر رمضان : إذا صلى العتمة صلى بعدها فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ثم يخرج أيضا فيجيئون ويقومون خلفه فيدخل ويدعهم (مرارا)

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من نافلة شهر رمضان.

(٢) ص ٢٢٥.

(٣) لم يذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وابن حجر في تهذيب التهذيب والبخاري في التاريخ الكبير وابن ابى حاتم الرازي في الجرح والتعديل. نعم في لسان الميزان ج ١ ص ١٢٢ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٤ إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني مات سنة ٢٣٨. فلا ينطبق على المذكور في هذه الرواية.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٢ من نافلة شهر رمضان.

٥١١

قال وقال لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان». وبهذا النحو رواية جابر ورواية محمد بن يحيى ورواية ابى خديجة (١).

ومن الأول رواية المفضل بن عمر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «يصلى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة. قال قلت ومن يقدر على ذلك؟ قال ليس حيث تذهب أليس يصلى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة : في تسع عشرة منه في كل ليلة عشرين ركعة وفي ليلة تسع عشرة منه مائة ركعة وفي ليلة احدى وعشرين مائة ركعة وفي ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة ويصلى في ثمان ليال منه في العشر الأواخر ثلاثين ركعة؟ فهذه تسعمائة وعشرون ركعة. قال : قلت جعلني الله فداك فرجت عنى لقد كان ضاق بي الأمر فلما ان أتيت لي بالتفسير فرجت عنى فكيف تمام الألف ركعة؟ قال تصلى في كل جمعة في شهر رمضان اربع ركعات لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) وتصلى ركعتين لابنة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتصلى بعد الركعتين اربع ركعات لجعفر الطيار (عليه‌السلام) وتصلى في ليلة الجمعة في العشر الأواخر لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) عشرين ركعة وتصلى في عشية الجمعة ليلة السبت عشرين ركعة لابنة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ثم قال اسمع وعه وعلم ثقات إخوانك هذه الأربع والركعتين فإنهما أفضل الصلوات بعد الفرائض. إلى آخرها». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام.

والشيخ بعد ذكر الأخبار المتقدمة عدا خبر المعتبر قال : فالوجه في هذه الأخبار وما جرى مجراها انه لم يكن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى صلاة النافلة جماعة في شهر رمضان ولو كان فيه خير لما تركه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولم يرد انه لا يجوز ان يصلى على الانفراد.

واحتج على هذا التأويل بما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل في الصحيح (٣) قالوا : «سألناهما عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة؟

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من نافلة شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

٥١٢

فقالا ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف الى منزله ثم يخرج من آخر الليل الى المسجد فيقوم فيصلي ، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلى فاصطف الناس خلفه فهرب منهم الى بيته وتركهم ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد الله واثنى عليه ثم قال : ايها الناس ان الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فان ذلك معصية ، ألا وان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار. ثم نزل وهو يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة». ألا ترى انه لما أنكر الصلاة في شهر رمضان أنكر الجماعة فيها ولم ينكر نفس الصلاة ولو كان نفس الصلاة منكرا مبتدعا لأنكره كما أنكر الجماعة فيها.

ورد هذا التأويل جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بالبعد وهو كذلك. وفيه ايضا ان الرواية التي أوردها موردها انما هو الجماعة في صلاة الليل لا في الصلاة التي هي محل البحث حتى يتم قوله «أنكر الجماعة فيها ولم ينكر الصلاة» فإن الصلاة التي اجتمعوا خلفه فيها انما هي صلاة الليل كما هو ظاهر سياق الخبر ، وحينئذ فلا حجة في ما أورده كما لا يخفى.

والعلامة في المختلف قد أجاب عن صحيحة عبد الله بن سنان بجواز أن يكون السؤال وقع عن النوافل الراتبة هل تزيد في شهر رمضان أو لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) بعدم الزيادة ، فإنه نقل عن ابن الجنيد انه قال : وقد روى عن أهل البيت (عليهم‌السلام) زيادة في صلاة الليل على ما كان يصليها الإنسان في غيره اربع ركعات تتمة اثنتي عشرة ركعة. وهذا التأويل أيضا لا يخلو من بعد وان كان أقل من الأول.

وقال المحدث الكاشاني (طاب ثراه) في الوافي بعد نقل اخبار الطرفين : أقول من حاول أن لا يبعد في التأويل كثيرا ولا يرد أحد الحديثين فالصواب ان يحمل حديث الإثبات على التقية (١) أو حديث النفي على نفى كونها سنة موقوفة

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٥١٤.

٥١٣

موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية بل ان كانت فهي من التطوعات التي من أحبها وقوى عليها فعلها كما يشعر به حديث سماعة وغيره.

وهو وان كان بعيدا أيضا إلا انه أقل بعدا مما تقدم ، وجه البعد أما بالنسبة الى اخبار القول المشهور فان تكاثرها واستفاضتها ـ بل ربما يدعى تواترها معنى إجمالا وتفصيلا كما لا يخفى على من راجعها ـ يبعد خروجها كملا مخرج التقية سيما مع اقترانها بفتوى الطائفة قديما وحديثا إلا الشاذ. وأما بالنسبة إلى حمل اخبار القول بنفيها على نفى التأكيد ففيه ان الأخبار قد تصادمت في فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لها وعدمه ، فهذه الأخبار ظاهرها ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يفعل ذلك مدة حياته وتلك الأخبار قد تكاثرت وتعاضدت بأنه كان يصليها ، ولا معنى هنا للجمع بالتأكيد وعدمه بل ليس إلا الترجيح لاخبار أحد الطرفين ورمى الآخر من البين.

وبالجملة فإن المسألة من مشكلات المسائل واليه يميل كلام صاحب المدارك وان كان قد يقوى بعد ذلك القول المشهور بما ذكره من الوجوه.

وبعض المحققين من متأخري المتأخرين القائلين بالقول المشهور حمل الأخبار الدالة على نفى هذه النافلة على التقية ، قال لأنها موافقة لبعض ما روته العامة كما في صحيح البخاري (١) «انه قيل لعائشة كيف كانت صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في شهر رمضان؟ فقالت ما كان يزيد في شهر رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلى اربع ركعات ثم يصلى أربعا ثم يصلى ثلاثا». قال ولهذا جعل ابن طاوس من جملة محامل هذه الأخبار التقية متأيدا بما تقدم في رواية ابن مطهر من تكذيب الراوي والدعاء عليه ، وربما يؤيده أيضا ما مر سابقا من حديث جابر ، واما تلك الأخبار فهي مع كثرتها ليست بهذه المثابة لأن العامة انما يقولون بالتراويح وهي عند أكثرهم كما ذكرنا سابقا ستمائة ركعة في كل ليلة عشرون ركعة بعد العشاء وعند مالك في كل ليلة ست وثلاثون ركعة بعد العشاء ايضا (٢) وكلاهما مخالفان لما

__________________

(١) ج ١ ص ١٧٥ باب القيام بالليل في رمضان وغيره.

(٢) المغني ج ٢ ص ١٦٧ وعمدة القارئ ج ٣ ص ٥٩٨.

٥١٤

ذكر في تلك الأخبار ، مع ان في مفصلات تلك الأخبار ذكرت أشياء مباينة لمذاهب العامة كما هو واضح على من تأمل فيها فلا يناسب حملها على التقية ، ومن احتمل ذلك فيها لم يلاحظها حتى ملاحظتها. انتهى.

وأشار برواية ابن مطهر الى ما رواه الشيخ عن احمد بن محمد بن مطهر (١) قال «كتبت الى ابى محمد (عليه‌السلام) ان رجلا روى عن ابائك (عليهم‌السلام) ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على ما كان يصليه في سائر الأيام؟ فوقع كذب فض الله فاه صلى في كل ليلة من شهر رمضان عشرين ركعة إلى عشرين من الشهر. الحديث». وسيأتي تمامه ان شاء الله تعالى ، وقد روى الكليني هذا الخبر ايضا (٢) بهذا اللفظ في تكذيب الراوي ومتنه أبسط.

إلا ان ما دل عليه هذا الخبر معارض بمثله مما تقدم نقله (٣) عن المحقق في المعتبر من تكذيب ابى جعفر (عليه‌السلام) لمن نقل عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه سن هذه الصلاة ثم ذكر (عليه‌السلام) انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان يصلى صلاة الليل خاصة. وبذلك يظهر لك قوة الإشكال الذي أشرنا إليه آنفا.

وأما حديث جابر الذي أشار إليه فهو ما رواه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال له : «ان أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في صلاتهم في شهر رمضان وقد زاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صلاته في شهر رمضان». أقول : لا يبعد ان حصول المخالفة من أصحابه (عليه‌السلام) يومئذ انما كان لعدم ثبوت المشروعية عندهم ، ويحمل كلامه (عليه‌السلام) في قوله «وقد زاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على الخروج مخرج التقية في النقل وإلا فلا معنى لكونهم أصحابه (عليه‌السلام) مع عدم علمهم بقوله (عليه‌السلام). ومن المحتمل قريبا في خبر احمد بن محمد بن مطهر الحمل على ما ذكرنا من أن تكذيب الراوي والدعاء عليه انما وقع تقية لإظهار

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٣) ص ٥١١.

(٤) الوسائل الباب ٢ من نافلة شهر رمضان.

٥١٥

ذلك الرجل ما هو مأمور بإظهار خلافه.

وبالجملة فذيل الكلام واسع في المقام وباب الاحتمال غير منغلق كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، والأمر هنا باعتبار تعارض الأخبار متردد بين الاستحباب والتحريم وطريق الاحتياط في مثله الترك لذلك ، إلا انه يشكل بشهرة عمل الأصحاب باخبار الاستحباب. والله العالم.

المقام الثاني ـ في كيفية هذه الصلاة وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لها صورتين (الأولى) ـ ان يصلى في عشرين ليلة من الشهر كل ليلة عشرين ركعة ثمان منها بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء الآخرة ، هذا هو المشهور بين الأصحاب وخير الشيخ في النهاية بين ذلك وبين جعل اثنتي عشرة ركعة بين العشاءين وثمان بعد العشاء ، واختاره المحقق في المعتبر.

ويدل على القول المشهور رواية أبي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) وفيها «فصل يا أبا محمد زيادة في رمضان فقال كم جعلت فداك؟ فقال في عشرين ليلة تمضى في كل ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات قبل العتمة واثنتي عشرة ركعة بعدها سوى ما كنت تصلى قبل ذلك. الحديث».

وفي رواية محمد بن احمد بن مطهر المروية في الكافي عن ابى محمد (عليه‌السلام) (٢) «صل في شهر رمضان في عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ثماني بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة».

وفي رواية مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الى ان قال منذ أول ليلة إلى تمام عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات منها بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة. الحديث».

وفي رواية أبي بصير الأخرى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «صل في العشرين من شهر رمضان ثمانيا بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة». ونحو ذلك في رواية

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

٥١٦

محمد بن سليمان عن عدة من الأصحاب (١) ورواية الحسن بن على عن أبيه (٢).

والذي يدل على عكس ذلك موثقة سماعة (٣) قال : «سألته عن رمضان. الى ان قال : كان يصلى قبل ذلك من هذه العشرين اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة وثماني ركعات بعد العتمة. الحديث».

وأصحاب القول الثاني قالوا بالتخيير جمعا بين الاخبار الأولة وبين هذه الموثقة والأظهر العمل بالأخبار الكثيرة لترجحها بالكثرة وقول جمهور الأصحاب بها واحتمال حمل الموثقة المذكورة على وجه آخر غير التخيير. هذا بالنسبة الى ما يفعل في العشرين ليلة.

واما ما يصلى في العشر الباقية فهي ثلاثون ركعة في كل ليلة وقد اختلف هنا في تقسيم هذه الثلاثين ، فالمشهور انه يصلى منها ثمان بعد المغرب والباقي بعد العشاء الآخرة ، صرح به العلامة في المنتهى ، ونقل عن ابى الصلاح وابن البراج انه يصلى اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب والباقي بعد العشاء الآخرة ، وخير المحقق بين الصورتين والذي يدل على الأول وهو المشهور

قول الصادق (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير وهي الأولى من روايتيه المتقدمتين (٤) «فإذا دخل العشر الأواخر فصل ثلاثين ركعة في كل ليلة ثماني ركعات قبل العتمة واثنتين وعشرين ركعة بعدها. الخبر».

وقول ابى جعفر (عليه‌السلام) في خبر الحسن بن على عن أبيه (٥) «وفي العشر الأواخر ثماني ركعات بين المغرب والعتمة واثنتين وعشرين ركعة بعد العتمة».

وقول ابى الحسن (عليه‌السلام) في رواية محمد بن سليمان عن عدة من أصحابنا (٦) «فلما كان في ليلة اثنتين وعشرين زاد في صلاته فصلى ثماني ركعات بعد المغرب واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة».

وأما ما يدل على القول الثاني فمنه قول ابى محمد (عليه‌السلام) في رواية محمد بن أحمد

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٤) ص ٥١٦.

٥١٧

ابن مطهر في الكافي (١) «وصل فيها ثلاثين ركعة اثنتي عشرة بعد المغرب وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة».

وقول ابى عبد الله (عليه‌السلام) في رواية مسعدة (٢) «ويصلى في العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة اثنتي عشرة منها بعد المغرب وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة». ومن هنا جمع المحقق بين هذه الأخبار بالتخيير.

والحاصل مما ذكرناه سبعمائة ركعة. ثم انه يصلى ثلاثمائة ركعة تمام الالف منها مائة ركعة في الليلة التاسعة عشرة ومائة في ليلة احدى وعشرين ومائة في ليلة ثلاث وعشرين. هذه احدى الصورتين المشار إليهما آنفا ، ونسب القول بهذه الصورة في الذكرى الى طائفة من أصحابنا وفي المنتهى الى أكثر الأصحاب.

والصورة الثانية نسبها في الذكرى الى أكثر الأصحاب ، وعلى هذه الصورة رتب الشيخ الدعوات المختصة بالركعات في المصباح وهي انه يقتصر في ليالي الافراد على المائة في كل ليلة منها ، وعلى هذا فتبقى عليه ثمانون ركعة وظائف هذه الثلاث على تقدير الصورة الأولى ، قالوا ويفرقها على الشهر بهذه الكيفية : يصلى في كل جمعة عشر ركعات أربعا منها بصلاة على (عليه‌السلام) وركعتين بصلاة فاطمة (عليها‌السلام) وأربعا بصلاة جعفر (رضوان الله عليه) وفي ليلة آخر جمعة من الشهر يصلى عشرين ركعة بصلاة علي (عليه‌السلام) وفي عشيتها ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة (عليها‌السلام) والمستند في هذه الصورة رواية المفضل بن عمر المتقدمة (٣).

إذا عرفت ذلك فاعلم انا لم نقف في الروايات الواردة في هذا الباب على ما يقتضي هذه الكيفية على التفصيل الذي ذكره الأصحاب لمزيد اختلافها وعدم ائتلافها إلا انه يمكن حصول ذلك من مجموعها باعتبار ضم بعضها الى بعض.

قال الشهيد في الذكرى : والمشهور أنها ألف ركعة زيادة على الراتبة رواه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٣) ص ٥١٢.

٥١٨

جميل بن صالح عن الصادق (عليه‌السلام) (١) وعلى بن أبي حمزة أيضا (٢) وإسحاق بن عمار عن ابى الحسن (عليه‌السلام) وسماعة بن مهران عن الصادق (عليه‌السلام) (٣).

وربما أشعر هذا الكلام بأن هؤلاء قد رووا الألف على الوجه الذي ذكره الأصحاب مع ان الأمر ليس كذلك ، فإن رواية جميل بن صالح انما تضمنت استحباب الإكثار من الصلاة في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة وان عليا (عليه‌السلام) كان يصلى ألف ركعة في اليوم والليلة ، ورواية على بن أبي حمزة (٤) عارية عن زيادة المئات في ليالي الافراد ، ورواية إسحاق بن عمار انما تضمنت ذكر المئات خاصة في ليالي الافراد (٥) وروايتا ابن مطهر المنقولتان في الكافي والتهذيب (٦) تضمنتا إسقاط المائة من ليلة تسع عشرة ، وفي موثقة لسماعة (٧) صلاة مائة ركعة لكل من ليلتي تسع عشرة وثلاث وعشرين ولم يتعرض لزيادة على ذلك ، ورواية مسعدة مثل روايتي ابن مطهر في ذكر جملة النوافل الموظفة كما ذكره الأصحاب إلا أنه أسقط مائة ركعة من ليلة تسع عشرة ، ومثل ذلك أيضا موثقة أخرى لسماعة (٨) وفي رواية لأبي بصير ايضا ذكر العشرين ركعة إلى تمام عشرين يوما من الشهر ومائة ركعة في الليلة التي يرجى فيها ما يرجى ولم يذكر فيها سوى ذلك ، وفي رواية محمد بن سليمان عن العدة إسقاط وظيفة ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين من العدد المتقدم ذكره والاقتصار في كل منها على مائة ركعة ، وبموجبه قد نقص من الالف ثمانون ركعة ولم يتعرض لها كما تعرض لها في خبر المفضل المتقدم. واما رواية المفضل المذكورة (٩)

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من نافلة شهر رمضان.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦ و ٨) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٥) ان كان المراد من رواية إسحاق رواية محمد بن سليمان عن العدة ومنهم إسحاق ابن عمار وسماعة فسيأتي التعرض منه «قدس‌سره» لها بعد أسطر وان كان غيرها فلم نقف عليها في كتب الحديث.

(٧) الوسائل الباب ١ من نافلة شهر رمضان وليس فيها تسع عشرة وانما جاء فيها ليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين.

(٩) ص ٥١٢.

٥١٩

فإنها ظاهرة في الصورة الثانية كما قدمنا ذكره إلا انها مجملة في تقسيم العشرين والثلاثين وقد عرفت الخلاف في الموضعين نصا وفتوى.

هذا مجمل الكلام في روايات المسألة وما اشتملت عليه ، وبه يظهر ما ذكرناه من عدم وجود المستند لما ذكره الأصحاب من الكيفية في الصورة الأولى ، واما الثانية فليس في مستندها إلا الإجمال الذي ذكرناه وإلا فالعدد تام كما لا يخفى.

قال السيد الزاهد العابد المجاهد رضى الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب الإقبال نقلا عن الرسالة الغرية للشيخ المفيد (طيب الله مضجعه) قال يصلى في العشرين ليلة كل ليلة عشرين ركعة ثماني بين العشاءين واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة ويصلى في العشر الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة ويضيف الى هذا الترتيب في ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين كل ليلة مائة ركعة وذلك تمام الألف ركعة ، قال : وهي رواية محمد بن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان في ما أسنده عن على بن مهزيار عن مولانا الجواد (عليه‌السلام) (١). وظاهر هذا الكلام كما ترى ورود الخبر بهذه الكيفية.

ونحو ذلك ما ذكره شيخنا المفيد (روح الله تعالى روحه) في كتاب مسار الشيعة (٢) قال : أول ليلة من شهر رمضان فيها الابتداء بصلاة نوافل شهر رمضان وهي ألف ركعة من أول الشهر. الى آخره بترتيب معروف في الأصول عن الصادقين (عليهم‌السلام). الى آخره.

فوائد

الأولى ـ المشهور ان الوتيرة تصلى بعد وظيفة العشاء من تلك النوافل لتكون خاتمة النوافل ، ونقل عن سلار أنها مقدمة على الوظيفة المذكورة ، وقد تقدم في آخر المسألة الثانية من المقصد الثاني في مواقيت الرواتب من المقدمة الثالثة في المواقيت من كتاب الصلاة (٣) نبذة من الكلام في هذا المقام.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من نافلة شهر رمضان.

(٣) ج ٦ ص ٢٢٣.

٥٢٠