الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

الخامس ـ ما رواه في الكافي (١) عن ابى العباس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «اتى قوم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا له ان بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا فادع الله يرسل السماء علينا فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالمنبر فاخرج واجتمع الناس فصعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ودعا وأمر الناس ان يؤمنوا. الحديث».

السادس ـ ما رواه في التهذيب عن حماد السراج (٢) قال : «أرسلني محمد بن خالد الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) أقول له ان الناس قد أكثروا على في الاستسقاء فما رأيك في الخروج غدا؟ فقلت ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال لي قل له ليس الاستسقاء هكذا فقل له يخرج فيخطب الناس ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا ويخرج بهم اليوم الثالث وهم صيام. قال فأتيت محمدا فأخبرته بمقالة ابى عبد الله (عليه‌السلام) فجاء فخطب الناس وأمرهم بالصيام كما قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فلما كان في اليوم الثالث أرسل إليه ما رأيك في الخروج؟». وفي غير هذه الرواية (٣) انه (عليه‌السلام) أمره ان يخرج يوم الاثنين فيستسقي.

السابع ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير (٤) قال «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في الاستسقاء قال يصلى ركعتين ويقلب رداءه الذي على يمينه فيجعله على يساره والذي على يساره على يمينه ويدعو الله فيستسقي».

الثامن ـ ما رواه عن أبي البختري عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) انه قال : «مضت السنة انه لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس الى السماء ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة». ورواه في الفقيه مقطوعا مرسلا (٦).

التاسع ـ ما رواه عن طلحة بن زيد عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٧)

__________________

(١) الروضة ص ٢٠٧ وفي الوسائل الباب ١ و ٩ من صلاة الاستسقاء.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من صلاة الاستسقاء.

(٤) الوسائل الباب ٣ من صلاة الاستسقاء.

(٥) الوسائل الباب ٤ من صلاة الاستسقاء. وفي التهذيب ج ١ ص ٢٩٧ والوسائل «عن أبيه عن على» وفي الوافي كما هنا.

(٦) ج ١ ص ٣٣٤.

(٧) الوسائل الباب ٥ من صلاة الاستسقاء.

٤٨١

«ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى للاستسقاء ركعتين وبدأ بالصلاة قبل الخطبة وكبر سبعا وخمسا وجهر بالقراءة».

العاشر ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى للاستسقاء ركعتين ويستسقى وهو قاعد. وقال بدأ بالصلاة قبل الخطبة وجهر بالقراءة».

الحادي عشر ـ ما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة ويكبر في الأولى سبعا وفي الأخرى خمسا».

الثاني عشر ـ ما رواه في عيون الأخبار عن الحسن بن على العسكري عن الرضا (عليهم‌السلام) (٣) في حديث «ان المطر احتبس فقال له المأمون لو دعوت الله عزوجل فقال الرضا (عليه‌السلام) نعم. قال : فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة ، فقال يوم الاثنين فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال يا بنى انتظر يوم الاثنين وابرز إلى الصحراء واستسق فان الله عزوجل سيسقيهم بك. قال فلما كان يوم الاثنين خرج الى الصحراء ومعه الخلائق».

الثالث عشر ـ ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (٤) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكبر في العيدين والاستسقاء في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ويصلى قبل الخطبة ويجهر بالقراءة».

الرابع عشر ـ ما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٥) حيث قال : اعلم يرحمك الله ان صلاة الاستسقاء ركعتان بلا أذان ولا اقامة : يخرج الامام يبرز

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ١ من صلاة الاستسقاء.

(٢) الوسائل الباب ٥ من صلاة الاستسقاء.

(٣) الوسائل الباب ٢ من صلاة الاستسقاء.

(٥) ص ١٥.

٤٨٢

الى تحت السماء ويخرج المنبر والمؤذنين امامه فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم ويصعد المنبر ، فيقلب رداءه الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه مرة واحدة ، ثم يحول وجهه إلى القبلة فيكبر مائة تكبيرة يرفع بها صوته ، ثم يلتفت عن يمينه ويساره الى الناس فيهلل مائة تهليلة رافعا صوته ، ثم يرفع يديه الى السماء فيدعو الله ويقول : اللهم صل على محمد وآل محمد ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مجلجلا طبقا مطبقا جللا مونقا راجيا غرقا مغدقا طيبا مباركا هاطلا مهطلا متهاطلا رغدا هنيئا مريئا دائما رويا سريعا عاما مسبلا نافعا غير ضار تحيي به العباد والبلاد وتنبت به الزرع والنبات وتجعل فيه بلاغا للحاضر منا والباد ، اللهم انزل علينا من بركات سمائك ماء طهورا وأنبت لنا من بركات أرضك نباتا مسيغا وتسقيه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا ، اللهم ارحمنا بالمشايخ ركعا وصبيان رضيع وبهائم رتع وشبان خضع. قال وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يدعو عند الاستسقاء بهذا الدعاء يقول : يا مغيثنا ومعيننا على ديننا ودنيانا بالذي تنشر علينا من الرزق نزل بنا عظيم لا يقدر على تفريجه غير منزله عجل على العباد فرجه ، فقد أشرفت الأبدان على الهلاك فإذا هلكت الأبدان هلك الدين ، يا ديان العباد ومقدر أمورهم بمقادير أرزاقهم لا تحل بيننا وبين رزقك وهبنا ما أصبحنا فيه من كرامتك معترفين ، قد أصيب من لا ذنب له من خلقك بذنوبنا ارحمنا بمن جعلته أهلا لاستجابة دعائه حين يسألك يا رحيم ، لا تحبس عنا ما في السماء وانشر علينا نعمك وعد علينا برحمتك وابسط علينا كنفك وعد علينا بقبولك واسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ولا تهلكنا بالسنين ولا تؤاخذنا بما فعل المبطلون ، وعافنا يا رب من النقمة في الدين وشماتة القوم الكافرين يا ذا النفع والنصر انك ان أجبتنا فبجودك وكرمك ولإتمام ما بنا من نعمائك وان ترددنا فبلا ذنب منك لنا ولكن بجنايتنا على أنفسنا ، فاعف عنا قبل ان تصرفنا واقلبنا بإنجاح الحاجة يا الله. انتهى.

هذا مجموع ما حضرني من الأخبار في هذا المقام والكلام فيها يقع في مواضع :

٤٨٣

الأول : ان ما دل عليه الخبر الثاني من أن كيفية هذه الصلاة مثل كيفية صلاة العيدين في القراءة والتكبيرات والقنوتات مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) وحكى الإجماع عليه في المنتهى إلا انهم قالوا يجعل مواضع القنوت الذي في العيدين الدعاء هنا بالرحمة واستعطاف الله عزوجل بإرسال الغيث.

بقي الكلام في انه هل يدخل الوقت في إطلاق المماثلة أو يخص بمجرد الكيفية دون الأمور الخارجة؟ قولان.

وبالأول صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قال بعد قول المصنف «كالعيد» ما لفظه : في كونها ركعتين بين طلوع الشمس والزوال يقرأ فيهما ما مر ويكبر فيهما التكبيرات الزائدة ويقنت بعد كل تكبيرة منها. انتهى. والظاهر انه اقتفى أثر الشهيد في البيان حيث قال : ووقتها وقت العيد.

ونقل في الذكرى عن ظاهر كلام الأصحاب ان وقتها وقت صلاة العيدين ، ونقل عن ابن ابى عقيل التصريح بان الخروج في صدر النهار وعن ابى الصلاح عند انبساط الشمس وابن الجنيد بعد صلاة الفجر ، قال : والشيخان لم يعينا وقتا إلا أنهما حكما بمساواتها للعيد.

وبالثاني صرح الفاضلان بل قال في النهاية وفي أي وقت خرج جاز وصلاها إذ لا وقت لها إجماعا. ونحوه قال في التذكرة ثم قال : والأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال لأن ما بعد العصر أشرف ، قال في الذكرى : ونقله ابن عبد البر عن جماعة العلماء من العامة. وقال في البيان بعد قوله المتقدم نقله عنه : وربما قيل بعد الزوال وهو مشهور بين العامة (١).

__________________

(١) في المغني ج ٢ ص ٤٣٢ «ليس لصلاة الاستسقاء وقت معين إلا انها لا تفعل في وقت النهى بغير خلاف والاولى فعلها في وقت العيد. ثم قال وقال ابن عبد البر الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء إلا أبا بكر بن حزم وهذا على سبيل الاختيار ، وفي بداية المجتهد ج ١ ص ١٩٨ «قال جماعة العلماء ان الخروج لها عند الخروج لصلاة العيدين إلا أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم قال الخروج لها عند الزوال».

٤٨٤

أقول : لا ريب في أن الأخبار المتقدمة مطلقة لا اشارة فيها فضلا عن التصريح الى وقت معين ، واستفادة التوقيت من المماثلة للعيدين لا يخلو من بعد لوقوع المخالفة بينهما في مواضع عديدة ، وما ذكره كل من هؤلاء من تعيين وقت مخصوص بان يكون بعد الفجر كما نقل عن ابن الجنيد أو صدر النهار كما نقل عن ابن ابى عقيل أو انبساط الشمس عند ابى الصلاح فلم نقف له على مستند ، وبذلك يظهر أرجحية القول الثاني. وأما إيقاعها بعد الزوال فقد عرفت انه مذهب العامة كما ذكره ابن عبد البر من علمائهم. والله العالم.

الثاني ـ قد دلت الرواية الاولى والثانية عشرة على استحباب الخروج يوم الاثنين ، وبه صرح الصدوق والشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس وغيرهم والظاهر ان المشهور في كلام المتأخرين التخيير بين يوم الاثنين ويوم الجمعة ، بل نقل عن الشيخ المفيد وابى الصلاح انهما لم يذكرا سوى الجمعة ، وعن ابن الجنيد وابن ابى عقيل وسلار انهم لم يعينوا يوما ، ونقله في الذكرى عن الشيخ المفيد ايضا ولعله في غير المقنعة.

وعلل جملة من الأصحاب اضافة الجمعة إلى الاثنين والتخيير بينهما بشرف الجمعة وكونه محلا لإجابة الدعاء ، وقد ورد (١) «ان العبد يسئل الله الحاجة فيؤخر إجابتها إلى يوم الجمعة». وهو حسن.

ولعل من عين الجمعة خاصة وكذا من لم يعين يوما مع ورود النص بيوم الاثنين نظر الى ما ورد من الأخبار في ذم يوم الاثنين وانه يوم نحس لا تطلب فيه الحوائج وان بنى أمية تتبرك به وتتشأم به آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لقتل الحسين (عليه‌السلام) فيه حتى ورد ان من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا به حشر مع بنى أمية (٢) وان

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب و ٤ و ٦ و ٧ من آداب السفر.

٤٨٥

هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين المذكورين.

والحق انه لو لا النص ولا سيما الخبر الثاني عشر المشتمل على أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للرضا (عليه‌السلام) بالخروج فيه لكان ينبغي المنع من الخروج فيه لما عرفت ، إلا انه بعد الخبرين المذكورين المعتضدين بفتوى الأصحاب بذلك لا بد من التسليم لإمكان وجود خصوصية فيه لا نعلمها. والله العالم.

الثالث ـ قد تضمنت الرواية السادسة انه يستحب للإمام ان يخطب الناس ويأمرهم في جملة خطبته بالصيام ثلاثة أيام ويكون الثالث هو يوم الخروج ، وإطلاق غيرها من الأخبار يكون محمولا عليها ، ويمكن حمل هذه الرواية على الفضل والاستحباب وان جاز الاستسقاء بدون صيام إلا ان الظاهر من كلام الأصحاب هو الأول.

الرابع ـ من مستحبات هذه الصلاة ان يصحر بها كما في العيدين وادعى على ذلك الإجماع جمع منا ، ويدل عليه مضافا الى الإجماع المذكور والتأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الرواية الثامنة والثانية عشرة صريحا وأكثر الروايات ظاهرا ، فان المراد من الخروج فيها سيما مع نقل المنبر وخروج المؤذنين بين يدي الإمام انما هو الى الصحراء ، وعلى ذلك يحمل قوله في الخبر الثاني «إلى مكان نظيف» وفي الرابع عشر «يبرز الى تحت السماء».

نعم دلت الرواية الثامنة على استثناء مكة وانه يصلى في مسجدها ، ومنه يعلم ان أهل مكة يستسقون في مسجدها ، قال في المنتهى وهو قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم. والحق ابن الجنيد به مسجد المدينة ولم نقف على مستنده ، بل ظاهر الخبر الخامس يرده. وجمع من الأصحاب كالمفيد وابن ابى عقيل لم يستثنوا المسجد الحرام على ما حكاه الشهيد في الذكرى.

الخامس ـ يستحب ان يكونوا حال الخروج حفاة بالسكينة والوقار كما ذكره الأصحاب ، إلا ان الحفاء غير مذكور في الأخبار وانما عللوه بأنه أقرب الى الخشوع

٤٨٦

والتذلل المطلوب في هذا المقام. واما الخروج بالسكينة والوقار فقد دل عليه الخبر الثاني ويشير اليه قوله في الخبر الأول «ثم يخرج يمشى كما يمشى يوم العيدين» مع ما تقدم من استحباب ذلك في الخروج الى العيد.

السادس ـ ومن المستحبات التي ذكرها الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا مع خلو النصوص منها انهم يخرجون معهم الشيوخ والأطفال والعجائز والبهائم.

قالوا : لأنه أقرب الى الرحمة وأسرع إلى الإجابة ، استنادا الى ما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) انه قال : «لولا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا».

وزاد بعضهم انه يفرق بين الأطفال وأمهاتهم ليكثروا من الضجيج والبكاء ويكون سببا لإدراك الرحمة.

أقول : وربما يؤيد ما ذكروه من إخراج هؤلاء بما تقدم في الخبر الرابع عشر من قوله : «اللهم ارحمنا بالمشايخ ركعا. إلخ».

وما ورد في الخطب من قوله (عليه‌السلام) (٢) «اللهم ارحم أنين الآنة وحنين الحانة أرحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها».

ويعضده ايضا خبر استسقاء سليمان بن داود (عليه‌السلام) المتقدم (٣) وقول النملة ما قالت ، إلا ان الحكم لا يخلو من شوب الإشكال.

قال في المنتهى : ويمنع أهل الذمة والكفار من الخروج معهم لقوله تعالى «وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلّا فِي ضَلالٍ» (٤) ثم ذكر ما روى عن الصادق (عليه‌السلام) (٥)

__________________

(١) في الجامع الصغير ج ٢ ص ١٣٢ والسنن الكبرى ج ٣ ص ٢٤٥ عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا».

(٢) التهذيب ج ٣ ص ١٥١ والفقيه ج ١ ص ٣٣٥ الطبع الحديث.

(٣) ص ٤٧٨.

(٤) سورة الرعد الآية ١٥.

(٥) ص ٤٨٨.

٤٨٧

في حكاية دعاء فرعون حين غار ماء النيل. ورجح عدم المنع.

أقول : ومما يؤيد عدم المنع خروج المنافقين مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنهم أكثر الناس أو كثير منهم يومئذ وكذا خروج المخالفين مع الرضا (عليه‌السلام) كما تضمنه الخبر الثاني عشر فإنهم الأكثر يومئذ بغير شك.

ويعضده ايضا ما ورد في بعض الأخبار (١) من ان الله عزوجل ربما حبس الإجابة عن المؤمن لحب سماع دعائه وتضرعه والحاحه ويعجل الإجابة للكافر لبغض سماع صوته ، على انهم يطلبون ما ضمنه الله لهم من رزقهم وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.

واما خبر فرعون المشار اليه فهو ما رواه الصدوق عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) انه جاء أصحاب فرعون اليه فقالوا غار ماء النيل وفيه هلاكنا فقال انصرفوا اليوم فلما كان من الليل توسط النيل ورفع يديه الى السماء وقال : اللهم انك تعلم انى لا علم انه لا يقدر على أن يجي‌ء بالماء إلا أنت فجئنا به. فأصبح الماء يتدفق.

السابع ـ ومن المستحبات هنا ايضا ان يقلب الامام رداءه إذا صعد المنبر بعد الصلاة فيجعل الذي على يمينه على يساره وبالعكس ، وقد تقدم في الخبر الأول والثاني والثالث والسابع والرابع عشر.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة : ولو جعل مع ذلك أعلاه أسفله وظاهره باطنه كان حسنا ويترك محمولا حتى ينزع. انتهى. وفيه ما لا يخفى على المتأمل.

والظاهر من الاخبار ان التحويل انما هو من الامام مرة واحدة بعد الصلاة وصعود المنبر ، إلا ان في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا نوع تشويش واضطراب فان بعضهم ذكر ان هذا التحويل بعد الفراغ من الخطبة.

ولعل هذا القائل نظر الى ظاهر الخبر الثالث وقوله «تحويل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رداءه إذا استسقى» يعني إذا فرغ من الخطبة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من الدعاء.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٣٣٤.

٤٨٨

وفيه ـ مع كونه من كلام السائل ـ ان المراد به انما هو إذا أراد الاستسقاء كما يظهر من الأخبار الباقية.

وقال الشيخ المفيد وسلار وابن البراج : يحول الامام رداءه ثلاث مرات : بعد الفراغ من الصلاة وبعد الصعود على المنبر وبعد الفراغ من الخطبة.

وفيه ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من أن هذا وان توهم في بادئ الرأي قبل إعطاء التأمل حقه في الأخبار إلا انه يرجع عند التأمل إلى أمر واحد كما ستقف عليه.

وفي المبسوط أثبته للمأموم وفي الخلاف خصه بالإمام ، وقال في الروض : ولا فرق في ذلك بين الامام وغيره ومن ثم أطلقه المصنف ، وللشيخ قول باختصاصه بالإمام وتبعه المحقق في الشرائع ، والعلتان توجبان الاشتراك. انتهى.

أقول : وتحقيق المقام اما بالنسبة إلى وقت التحويل فان المستفاد من الاخبار انه بعد الفراغ من الصلاة وصعود الامام المنبر قبل الخطبة.

ومن الأخبار الواضحة في ذلك الخبر الأول وقوله (عليه‌السلام) فيه : «فإذا انتهى الى المصلى صلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا اقامة ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه. إلخ» وقوله (عليه‌السلام) في الخبر الرابع عشر «يصلى بالناس ركعتين ثم يسلم ويصعد المنبر فيقلب رداءه».

واما قوله (عليه‌السلام) في الخبر الثاني «إذا سلم الامام قلب ثوبه. إلخ» فالمراد منه بعد صعود المنبر وان كان صعود المنبر غير مذكور في الخبر إلا ان إطلاقه محمول على الخبرين المفصلين المذكورين حمل المطلق على المقيد. ولا يخفى ان الخبر المذكور في حد ذاته لا يخلو من إجمال بالنسبة الى ما فصلته باقي الأخبار.

واما قوله (عليه‌السلام) في الحديث السابع «يصلى ركعتين ويقلب رداءه» فالحكم فيه كما ذكرنا في سابقه من تقييد إطلاقه بالخبرين المتقدمين بمعنى انه بعد أن يصلى ركعتين ويصعد المنبر يقلب رداءه.

٤٨٩

وبالجملة فإن ذكر القلب بعد الصلاة لا ينافي صعود المنبر بعد الصلاة والقلب بعد الصعود إذ البعدية المذكورة صادقة بذلك ، وليس هنا مدة بين الفراغ وصعود المنبر حتى يلزم أن يقال ان المتبادر من البعدية القريبة ، فإنها في ما ذكرناه قريبة غير بعيدة كما لا يخفى.

واما بالنسبة إلى اختصاص الامام بذلك أو شمول الحكم للمأموم فلا يخفى انه بناء على ما ذكرنا من حمل مطلق الأخبار على مقيدها يكون ذلك مختصا بالإمام وإثباته للمأموم يحتاج الى دليل وليس فليس. ومع العمل بإطلاق هذين الخبرين وعدم تقييدهما بالخبرين الأخيرين يلزم استحباب القلب مرتين : إحداهما بعد الصلاة إماما كان أو مأموما ، وثانيتهما بعد صعود المنبر بالنسبة الى الإمام. إلا ان مقتضى القاعدة المعمول عليها انما هو الأول. والله العالم.

الثامن ـ ما دل عليه الخبر الأول ـ من تكبير الإمام إلى القبلة مائة مرة ثم يسبح عن يمينه مائة تسبيحة وعن يساره يهلل مائة تهليلة ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ـ وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه قال الشيخ واتباعه.

وقال الشيخ المفيد يكبر إلى القبلة مائة ويسبح الى اليمين مائة ويحمد الى اليسار مائة ويستغفر عند استقبال الناس مائة ، ونقل ذلك في المختلف عن ابى الصلاح وسلار وابن البراج.

والشيخان قد اتفقا في التكبير والتسبيح واختلفا بعد ذلك ، فالشيخ الطوسي جعل التهليل الى اليسار مائة ثم التحميد عند استقبال الناس مائة كما هو المشهور ، والشيخ المفيد جعل عند الالتفات الى اليسار التحميد وعند استقبال الناس الاستغفار ولم يذكر التهليل بالكلية.

والصدوق وافق الشيخين في التكبير والتسبيح إلى القبلة واليمين وخالف الشيخ الطوسي في التهليل والتحميد فعكس فيهما ، حيث ان الشيخ جعل التهليل الى اليسار

٤٩٠

والتحميد عند استقبال الناس وهو جعل التحميد الى اليسار والتهليل عند استقبال الناس.

وأنت خبير بانا لم نقف في هذا المقام إلا على الرواية الأولى وهي صريحة في القول المشهور ، وعبارة كتاب الفقه الرضوي ، ونسخة الكتاب لا تخلو من الغلط وما نقلناه هنا صورة ما في النسخة التي تحضرني والظاهر انها غير خالية من الغلط ، والظاهر ان ما ذهب اليه الصدوق إنما أخذه من الكتاب على النهج الذي عرفته غالبا. وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور.

ثم ان الأصحاب قد ذكروا متابعة المأمومين للإمام في هذه الأذكار ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة وغيره ممن تأخر عنه ، واما انهم يلتفتون معه الى هذه الجهات كما يلتفت فلم أقف عليه في كلامهم ، وظاهرهم انما هو المتابعة في هذه الأذكار وكذا في رفع الصوت بها ، وعن ابن الجنيد انهم يتابعونه في التكبير بدون رفع الصوت ، والنص الذي هو مستند هذا الحكم وهو الخبر الأول وكذا الخبر الرابع عشر خال من ذلك بل ظاهره الاختصاص بالإمام.

التاسع ـ ما اشتملت عليه الرواية الأولى ـ من انه بعد الأذكار المذكورة يرفع يديه فيدعو ثم يدعون ـ الظاهر انه هو المراد بالاستسقاء في الأخبار وكذا التعبير بالخطبة ، فإن المراد انما هو هذا الدعاء والابتهال والتضرع اليه سبحانه ، ولهذا وقع في عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) : ثم يخطب ويبالغ في السؤال. إلا ان خطبة على (عليه‌السلام) المشهورة في الاستسقاء (١) تدل على استحباب الخطبة بالمعنى المشهور والظاهر ان كلا من الأمرين جائز ، ومنه يفهم تقديم الذكر على الخطبة وهو مذهب ابن ابى عقيل والشيخ وابن حمزة وهو المشهور بين المتأخرين.

ونسب في الذكرى القول بان الذكر بعد الخطبة إلى المشهور ، قال في الكتاب المذكور : والمشهور ان هذا الذكر يكون بعد الخطبتين وقال ابن ابى عقيل والشيخ وابن حمزة قبلهما ، وفي تعليم الصادق (عليه‌السلام) (٢) محمد بن خالد انه يصعد المنبر فيقلب

__________________

(١) التهذيب ج ٣ ص ١٥١ والفقيه ج ١ ص ٣٢٥ الطبع الحديث.

(٢) ص ٤٧٩.

٤٩١

رداءه ثم يأتي بالأذكار قال «ثم يرفع يديه ويدعو» ولم يذكر الخطبة بعد ذلك وظاهره ان هذه الأذكار تفعل على المنبر فكأنها من جملة الخطبة ولو فعل ذلك جاز. انتهى. وفي البيان ان كلا الأمرين جائزان.

ثم ان ظاهر الخبر الخامس الاكتفاء بتأمين الناس دون المتابعة في الدعاء كما دل عليه الخبر الأول ، ولعل الوجه التخيير جمعا بين الخبرين المذكورين.

وقد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأفضل في الخطبة والدعاء هو المأثور عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) وهو كذلك ، وقد مر ما اشتمل عليه كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه إلا ان نسخة الكتاب المنقول منه لا تخلو من الغلط.

وقال شيخنا المفيد في المقنعة بعد ذلك الأذكار التي إلى الجهات الأربع : ثم حول وجهه إلى القبلة فدعا ودعا الناس معه فقال : اللهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشئ السحاب ومنزل القطر من السماء ومحيي الأرض بعد موتها يا فالق الحب والنوى ويا مخرج الزرع والنبات ومحيي الأموات وجامع الشتات ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا تنبت به الزرع وتدر به الضرع وتحيي به الأرض بعد موتها وتسقى به مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا.

العاشر ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو استحباب الخطبة بعد الصلاة بل قال في التذكرة انه قول علمائنا اجمع ، وعليه تدل الرواية التاسعة والعاشرة والرابعة عشرة ، وأما ما دلت عليه الرواية الحادية عشرة من كون الخطبة قبل فقد ردها الشيخ في التهذيب بأنها غير معمول عليها ، لأن الأخبار تضمنت ان هذه الصلاة كالعيدين وقد بينا ان صلاة العيدين الخطبة بعدها فيجب ان تكون هذه الصلاة جارية مجراها. انتهى. وهو جيد.

قال في المختلف : المشهور ان الامام يصلى ركعتي الاستسقاء ثم يصعد المنبر ويخطب ، وقال ابن إدريس في بعض الروايات ان هذه الخطبة تكون قبل الصلاة

٤٩٢

وقال ابن الجنيد ويصعد الامام المنبر قبل الصلاة وبعدها ، ثم قال : لنا ـ حديث مرة مولى خالد. ثم ساق الحديث (١) ثم ذكر رواية إسحاق بن عمار التي تضمنت تقديم الخطبة على الصلاة وردها بما ذكره الشيخ. ثم قال : وأحسن حديث بلغنا في هذا الباب ما رواه هشام بن الحكم (٢) وساق الخبر ، ثم قال وهذا الحديث وان دل بقوله «مثل صلاة العيدين» على ما قلناه لكن دلالته على ما اختاره ابن الجنيد أقوى. انتهى ملخصا.

أقول : لا ريب انه وان كان هذا الخبر صحيح السند لكن دلالته على ما ذكره لا تخلو من إجمال واشكال لعدم التعرض لذكر الخطبة فيه صريحا ، ويمكن فهمها من قوله (عليه‌السلام) «فيحمد الله ويمجده. الى آخره» بناء على ان الخطبة عبارة عن ذلك وان قدم في اللفظ إلا ان عطف الصلاة عليه بالواو التي هي لمطلق الجمع ، وطريق الجمع بينه وبين باقي الأخبار هو حمل هذه الأذكار على الخطبة وجعلها مؤخرة عن الصلاة من قبيل حمل المجمل على المبين والمطلق على المقيد ، فلا منافاة في الخبر المذكور ولا دلالة فيه على كون الخطبة قبل الصلاة ولا صعود المنبر قبل الصلاة كما لا يخفى.

هذا. وقد قدمنا ان المراد بالخطبة هنا ما هو أعم من المعنى المشهور فيها أو مجرد الدعاء والتضرع والابتهال.

وقال في الذكرى : يستحب ان يخطب بالمأثور عن أهل البيت (عليهم‌السلام) وقد ذكر في التهذيب (٣) خطبة بليغة لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) «الحمد لله سابغ النعم. الى آخرها» ولو خطب بغير ذلك مما يتضمن حمدا وثناء ووعظا جاز. والظاهر ان الخطبة الواحدة غير كافية بل يخطب اثنتين تسوية بينها وبين صلاة العيد. ويستحب المبالغة في التضرع والإلحاح في الخطبتين وخصوصا الثانية. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما علل به تثنية الخطبتين من التسوية بين هذه الصلاة

__________________

(١) تقدم ص ٤٧٩.

(٢) ص ٤٨٠.

(٣) ج ٣ ص ١٥١ وفي الفقيه ج ١ ص ٣٣٥ الطبع الحديث.

٤٩٣

وصلاة العيد لا يخلو من النظر ، فإن المشابهة لا تقتضي المساواة من جميع الوجوه سيما مع دلالة جملة من النصوص كما عرفت على الاكتفاء بمجرد الدعاء عن الخطبة المؤذن بأن المراد بالخطبة ذلك.

الحادي عشر ـ من وظائف هذه الصلاة إخراج المنبر الى الصحراء كما دل عليه الخبر الأول والخامس والرابع عشر ، وقد صرح المرتضى وجماعة بأنه يخرج ويحمل بين يدي الإمام إلى الصحراء ، ونسب ابن إدريس الى بعض أصحابنا انه قال : المنبر لا يخرج بل يستحب أن يكون مثل منبر العيد معمولا من الطين. ثم قال انه الأظهر في الرواية (١) والقول بثبوت هذه الصلاة كصلاة العيد. وهو اجتهاد في مقابلة النصوص اللهم إلا أن يكون لم يطلع على الأخبار المذكورة.

ومنها ـ خروج المؤذنين بين يديه ايضا وفي أيديهم عنزهم كما دل عليه الخبر الأول.

الثاني عشر ـ ما دل عليه الخبر الأول والرابع عشر من عدم الأذان والإقامة مما دل عليه إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما ذكره الفاضلان في المعتبر والمنتهى بل قال في المنتهى : وعليه إجماع كل من يحفظ عنه العلم.

وصرحوا بأنه يقول المؤذن : الصلاة (ثلاثا) وكأنه مأخوذ من التشبيه بصلاة العيد التي يقال فيها ذلك ، فإن أخبار المسألة التي قدمناها خالية من ذلك ولا اعرف غيرها ، اللهم إلا أن يكون وصل إليهم ما لم يصل إلينا.

الثالث عشر ـ من وظائف هذه الصلاة استحباب الجهر بالقراءة كما دل عليه الخبر الرابع والتاسع والعاشر والثالث عشر ، وبه صرح الأصحاب أيضا ، وأضافوا الى ذلك الجهر بالقنوت كما في صلاة العيدين ، ولا بأس به تحقيقا للمشابهة.

الرابع عشر ـ قال في الذكرى : يجوز الاستسقاء بغير صلاة اما في خطبة

__________________

(١) يمكن أن يكون نظره الى حديث هشام ص ٤٨٠ المتضمن للمماثلة بين الصلاتين.

٤٩٤

الجمعة والعيدين أو في أعقاب المكتوبات أو يخرج الإمام إلى الصحراء فيدعو والناس يتابعونه.

أقول : ويدل على ما ذكروه من الفرد الأخير ظاهر الخبر الخامس فإنه لم يشتمل على أزيد من صعود رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المنبر بعد اجتماع الناس والاستسقاء بالدعاء وأمر الناس أن يؤمنوا.

الخامس عشر ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذه الصلاة تصلى جماعة وفرادى وان كان الجماعة أفضل.

وأنت خبير بان ظواهر جملة الأخبار التي قدمناها وهي أخبار المسألة التي وقفنا عليها متفقة على الجماعة ، ولم أقف على خبر ظاهر في جواز صلاتها فرادى كما ذكروه ، اللهم إلا ان يكون قاسوها على العيدين لقضية التشبيه. وفيه ما فيه.

السادس عشر ـ قد تضمن الخبر الرابع انه يستسقى وهو قاعد ، والحديث العاشر ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يستسقى وهو قاعد ، مع ان أحدا من الأصحاب لم يعدوا ذلك من مستحبات هذه الصلاة بل ظاهر كلامهم انما هو الوقوف حال الاستسقاء والدعاء والخطبتين ، ولم اطلع في كلامهم على من تعرض لما دل عليه هذان الخبران من القعود حال الاستسقاء والكلام فيه نفيا أو إثباتا. وحمل ذلك على العذر في بعض الأوقات ينافيه لفظ «كان» في الحديث العاشر الدال على استمرار ذلك في جميع الأوقات أو أكثرها.

السابع عشر ـ ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يستحب ان يكرر الخروج لو تأخرت الإجابة وربما ادعى عليه الإجماع ، ولم أقف عليه في النصوص إلا انه ربما أمكن الاستناد فيه الى العمومات الدالة على الحث على الدعاء وتكراره وان الله سبحانه ربما أخر الإجابة لحب سماعه صوت عبده المؤمن فلا ينبغي اليأس والقنوط بعدم الإجابة أول مرة (١) على ان حديث سليمان (عليه‌السلام) (٢) قد دل على تكرار

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من الدعاء.

(٢) ٤٧٨ ولم يذكر فيه تكرار الخروج.

٤٩٥

الخروج ثلاث مرات وان قول النملة ما قالت كما قدمناه انما هو في المرة الثالثة.

فائدة

قد ورد الدعاء لدفع المطر مع كثرته وخوف ضرره كما ورد لقلته وحصول الضرر بذلك :

روى في الكافي (١) بسنده عن رزيق ابى العباس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «اتى قوم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا فادع الله تعالى يرسل السماء علينا فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالمنبر فاخرج واجتمع الناس فصعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ودعا وأمر الناس ان يؤمنوا ، فلم يلبث ان هبط جبرئيل (عليه‌السلام) قال يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخبر الناس ان ربك قد وعدهم ان يمطروا يوم كذا وكذا وساعة كذا وكذا ، فلم يزل الناس ينتظرون ذلك اليوم وتلك الساعة حتى إذا كانت تلك الساعة أهاج الله تعالى ريحا فأثارت سحابا وجللت السماء وأرخت عزاليها فجاء أولئك النفر بأعيانهم إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ادع الله لنا أن يكف السماء عنا فانا كدنا أن نغرق فاجتمع الناس ودعا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمر الناس أن يؤمنوا على دعائه ، فقال له رجل من الناس يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أسمعنا فإن كل ما تقول ليس نسمع فقال قولوا : اللهم حوالينا ولا علينا اللهم صبها في بطون الأودية وفي منابت الشجر وحيث يرعى أهل الوبر اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا».

المطلب الثاني في صلاة التسبيح

وها نحن نذكر الأخبار المتعلقة بهذا المقام ونذيلها ان شاء الله تعالى بما يفهم منها من الأحكام :

الأول ـ ما رواه في الكافي عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال

__________________

(١) الروضة ص ٢١٧ وفي الوسائل الباب ١ من صلاة الاستسقاء.

(٢) الوسائل الباب ١ من صلاة جعفر.

٤٩٦

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجعفر يا جعفر إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك؟ فقال له جعفر (عليه‌السلام) بلى يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فظن الناس انه يعطيه ذهبا أو فضة فتشوف الناس لذلك فقال له انى أعطيك شيئا ان أنت صنعته في كل يوم كان خيرا لك من الدنيا وما فيها وان صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما ، تصلي أربع ركعات : تبتدئ فتقرأ وتقول إذا فرغت : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. تقول ذلك خمس عشرة مرة بعد القراءة فإذا ركعت قلته عشر مرات فإذا رفعت رأسك من الركوع قلته عشر مرات فإذا سجدت قلته عشر مرات فإذا رفعت رأسك من السجود فقل بين السجدتين عشر مرات فإذا سجدت الثانية فقل عشر مرات فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت عشر مرات وأنت قاعد قبل ان تقوم ، فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة : ثلاثمائة تسبيحة في أربع ركعات : الف ومائتا تسبيحة وتهليلة وتكبيرة وتحميدة. إن شئت صليتها بالنهار وان شئت صليتها بالليل».

الثاني ـ ما رواه في الفقيه عن أبي حمزة الثمالي ـ في القوى وقيل في الصحيح كما عده العلامة ـ عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجعفر بن ابى طالب (عليه‌السلام) يا جعفر إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أعلمك صلاة إذا أنت صليتها لو كنت فررت من الزحف وكان عليك مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا غفرت لك؟ قال بلى يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال تصلى أربع ركعات إذا شئت ان شئت كل ليلة وان شئت كل يوم وان شئت فمن جمعة الى جمعة وان شئت فمن شهر الى شهر وان شئت فمن سنة الى سنة ، تفتتح الصلاة ثم تكبر خمس عشرة مرة : تقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، ثم تقرأ الفاتحة وسورة وتركع وتقولهن في ركوعك عشر مرات ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولهن عشر مرات وتخر ساجدا وتقولهن عشر مرات في سجودك ثم ترفع رأسك من

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة جعفر.

٤٩٧

السجود فتقولهن عشر مرات ثم تخر ساجدا فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض فتقولهن خمس عشرة مرة ثم تقرأ الفاتحة وسورة ثم تركع فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولهن عشر مرات ثم تخر ساجدا فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تسجد فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تتشهد وتسلم ، ثم تقوم وتصلى ركعتين أخراوين تصنع فيهما مثل ذلك ثم تسلم. ثم قال أبو جعفر (عليه‌السلام) فذلك خمس وسبعون مرة في كل ركعة ثلاثمائة تسبيحة تكون ثلاثمائة مرة في الأربع الركعات : الف ومائتا تسبيحة يضاعفها الله تعالى ويكتب لك بها اثنتي عشرة ألف حسنة ، الحسنة منها تكون مثل أحد وأعظم».

الثالث ـ ما رواه الشيخ عن صفوان عن بسطام في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال له رجل جعلت فداك أيلتزم الرجل أخاه؟ فقال نعم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم افتتح خيبر أتاه الخبر ان جعفرا قد قدم فقال والله ما أدري بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ، قال فلم يلبث ان جاء جعفر (عليه‌السلام) قال فوثب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فالتزمه وقبل ما بين عينيه ، قال فقال له الرجل : الأربع ركعات التي بلغني ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر جعفرا ان يصليها؟ فقال لما قدم عليه قال له يا جعفر إلا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك؟ قال فتشوف الناس ورأوا أنه يعطيه ذهبا أو فضة ، قال بلى يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال صل اربع ركعات متى ما صليتهن غفر الله لك ما بينهن ، ان استطعت كل يوم وإلا فكل يومين أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة فإنه يغفر لك ما بينهما. قال كيف أصليها؟ قال تفتتح الصلاة ثم تقرأ ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت قائم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فإذا ركعت قلت ذلك عشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت فعشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت الثانية فعشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة جعفر.

٤٩٨

فذلك خمس وسبعون تكون ثلاثمائة في أربع ركعات فهن الف ومائتان. وتقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».

الرابع ـ ما في الكافي والتهذيب : وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) «يقرأ في الأولى إذا زلزلت وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي الرابعة بقل هو الله أحد. قلت فما ثوابها؟ قال لو كان عليه مثل رمل عالج ذنوبا غفر له. ثم نظر الى فقال : انما ذلك لك ولأصحابك».

الخامس ـ ما رواه في الكافي عن ذريح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تصليها بالليل وتصليها بالنهار وتصليها في السفر بالليل والنهار ، فإن شئت فاجعلها من نوافلك».

السادس ـ ما في الفقيه (٣) قال : وفي رواية ابن المغيرة ان الصادق (عليه‌السلام) قال : «اقرأ في صلاة جعفر بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».

السابع ـ ما رواه عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال قال : «صل صلاة جعفر أى وقت شئت من ليل أو نهار ، وان شئت حسبتها من نوافل الليل وان شئت حسبتها من نوافل النهار تحسب لك من نوافلك وتحسب لك من صلاة جعفر».

الثامن ـ ما رواه في التهذيب مسندا عن إبراهيم بن ابى البلاد (٥) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ـ وفي الفقيه مرسلا (٦) عن إبراهيم عن ابى الحسن (عليه‌السلام) يعنى موسى بن جعفر ـ أي شي‌ء لمن صلى صلاة جعفر؟ قال لو كان عليه مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا لغفرها الله له. ثم قال قلت هذه لنا؟ قال فلمن هي إلا لكم خاصة. قال قلت فأي شي‌ء اقرأ فيها قال وقلت اعترض القرآن؟ قال لا اقرأ فيها إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وانا أنزلناه في ليلة القدر وقل هو الله أحد».

__________________

(١ و ٣ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢ من صلاة جعفر.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من صلاة جعفر.

٤٩٩

التاسع ـ ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له من صلى صلاة جعفر هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجعفر؟ قال اى والله». ورواه في الفقيه مرسلا (٢).

العاشر ـ ما رواه في التهذيب في الصحيح عن ذريح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان شئت صل صلاة التسبيح بالليل وان شئت بالنهار وان شئت في السفر وان شئت جعلتها من نوافلك وان شئت جعلتها من قضاء صلاة».

الحادي عشر ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن على بن سليمان (٤) قال : «كتبت الى الرجل (عليه‌السلام) اسأله ما تقول في صلاة التسبيح في المحمل؟ فكتب إذا كنت مسافرا فصل».

الثاني عشر ـ ما رواه في التهذيب عن سعد عن عبد الله بن جعفر عن على بن الريان ، وفي الفقيه عن على بن الريان (٥) انه قال : «كتبت الى الماضي الأخير (عليه‌السلام) اسأله عن رجل صلى صلاة جعفر ركعتين ثم تعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة أو يقطع ذلك بحادث يحدث أيجوز له أن يتمها إذا فرغ من حاجته وان قام عن مجلسه أم لا يحتسب بذلك إلا ان يستأنف الصلاة ويصلى الأربع ركعات كلها في مقام واحد؟ فكتب : بلى ان قطعه عن ذلك أمر لا بد منه فليقطع ثم ليرجع فليبن على ما بقي منها ان شاء الله تعالى».

الثالث عشر ـ ما رواه في الكافي عن ابان (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من كان مستعجلا يصلى صلاة جعفر مجردة ثم يقضى التسبيح وهو ذاهب في حوائجه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من صلاة جعفر.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ من صلاة جعفر.

(٥) الوسائل الباب ٦ من صلاة جعفر.

(٦) الوسائل الباب ٨ من صلاة جعفر.

٥٠٠