الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

ابن أعين فقلت مات. فقال مات؟ أفتدري موضع قبره؟ قلت نعم. قال فانطلق بنا الى قبره حتى نصلي عليه قلت نعم. فقال لا ولكن نصلي عليه ههنا ، فرفع يديه واجتهد في الدعاء وترحم عليه».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) «فان لم تلحق الصلاة على الجنازة حتى يدفن الميت فلا بأس بأن تصلى بعد ما دفن».

هذه جملة ما حضرني من اخبار المسألة وهي ظاهرة الإشكال لما بينها من التدافع في هذا المجال ، وما ذهب إليه الأصحاب في وجوه الجمع بينها لا يخلو من الإشكال والاختلال.

اما ما ذكره الشيخان ومن تبعهما فلعدم وجود المستند لما ذكروه من التقدير باليوم والليلة ، وكذا قول سلار إلى ثلاثة أيام وقول ابن الجنيد ، فان الجميع خال من الدليل ، وقد اعترف بذلك الفاضلان في المعتبر والمنتهى.

واما ما ذكره العلامة في المختلف ـ من حمل أخبار المسألة على من دفن بغير صلاة فأوجب الصلاة عليه وحمل اخبار المنع على من صلى عليه ـ ففيه ان ظاهر موثقة عمار الواردة في الصلاة على المقلوب رأسه الى موضع رجليه (٢) يدل على المنع وان لزم دفنه بغير صلاة ، لان من صلى عليه صلاة باطلة كمن لم يصل عليه بالكلية مع المعارضة باحتمال حمل الصلاة في اخبار الجواز على مجرد الدعاء كما تدل عليه مضمرة زرارة ورواية جعفر المذكورتان (٣).

واما ما ذكره بعضهم ـ من حمل اخبار المنع على الكراهة وحينئذ تجوز الصلاة عليه على كراهة إذا كان الميت قد صلى عليه وإلا فتجب الصلاة عليه عملا بالأخبار العامة الدالة على وجوب الصلاة على الميت مطلقا من غير استثناء (٤) وان المعارض المذكور يضعف عن المعارضة.

__________________

(١) ص ١٩.

(٢ و ٣) ص ٤٦٠.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ من صلاة الجنازة.

٤٦١

ففيه ما قد عرفت مرارا من أن الأحكام المودعة في الأخبار انما تحمل على الافراد المتكررة الشائعة وهي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة الشاذة التي ربما لا توجد إلا بطريق الاحتمال.

وأما ما ذكره في المعتبر ـ ومال إليه في المدارك من عدم الوجوب بعد الدفن وان جاز ذلك ـ فليس فيه تعرض لاخبار المنع ولا بيان الوجه فيها مع كونها ظاهرة بل بعضها صريحا في المنع ، وحينئذ فقوله بالجواز مع معارضتها باخبار المنع من غير أن يجيب عنها لا وجه له. نعم ربما كان التفاتهم الى ان اخبار المنع ضعيفة السند لا تعارض الصحيحة التي ذكروها ، ولعله لهذا الوجه جمد في المدارك على ما ذهب اليه صاحب المعتبر ، على ان ما علل به في المعتبر عدم الوجوب في هذا المقام عليل لا يعتمد عليه ، وان كان الأولى التمسك بأصالة العدم حتى يقوم دليل الوجوب ، لان أخبار الصلاة المطلقة لا عموم فيها على وجه يشمل محل البحث لما عرفت.

وبالجملة فإن حمل روايات الجواز على مجرد الدعاء غير بعيد لما عرفت من الخبرين المتقدمين. إلا ان المسألة بعد لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط يقتضي ترك الصلاة على من صلى عليه والاقتصار على مجرد الدعاء على من لم يصل عليه بل على من صلى عليه ايضا. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو فات المأموم بعض التكبيرات أتم بعد فراغ الامام ولاء ، وانه لو سبق الامام ببعض التكبيرات استحب له الإعادة مع الامام ، فالكلام هنا يقع في موضعين :

الأول ـ من فاته بعض التكبيرات مع الامام ، والحكم فيه كما ذكروه (رضوان الله عليهم).

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن

٤٦٢

الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عيص بن القاسم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة قال يتم ما بقي».

وعن خالد بن ماد القلانسي عن رجل عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين؟ فقال يتم التكبير وهو يمشى معها فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر ، فان كان أدركهم وقد دفن كبر على القبر».

أقول : ربما أشعر هذا الخبر بجواز الصلاة على الميت بعد الدفن وان كان قد صلى عليه ، إذ الظاهر من قوله «كبر على القبر» يعنى التكبير المعهود في الصلاة وهو كناية عن الصلاة الكاملة كما وقع التعبير به في جملة من الأخبار. ولا مجال لحمل الصلاة هنا على مجرد الدعاء كما ذكرناه في المسألة المتقدمة ، فإن هذا الاحتمال انما يجرى لو كان التعبير بلفظ الصلاة التي معناها لغة انما هو الدعاء لا في لفظ التكبير وفي الخبر على ما ذكرناه رد على ما ذهب إليه في المختلف من تخصيص الصلاة بعد الدفن بمن لم يصل عليه واما من صلى عليه فإنه لا يصلى عليه ، حيث ان الظاهر ان هؤلاء الذين دفنوه انما يدفنونه بعد الصلاة عليه البتة. واما احتمال كون التكبير على القبر في الصورة المذكورة ولاء كما في صورة فوات بعض التكبيرات مع الامام فالظاهر بعده.

وعن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا».

وعن زيد الشحام (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة على الجنائز

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجنازة. والحديث «٤» عين «١».

٤٦٣

إذا فات الرجل منها التكبيرة أو الثنتان أو الثلاث قال يكبر ما فاته».

وحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها يقتضي الإتيان بالتكبير الفائت ولاء من غير الأذكار الموظفة.

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) «فإذا فاتك مع الامام بعض التكبير ورفعت الجنازة فكبر عليها تمام الخمس وأنت مستقبل القبلة».

وروى الثقة الجليل على بن جعفر (رضى الله عنه) في كتاب المسائل عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يدرك تكبيرة أو اثنتين على ميت كيف يصنع؟ قال يتم ما بقي من تكبيره ويبادره دفعة ويخفف».

وأما ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) ـ «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول لا يقضى ما سبق من تكبير الجنائز». وفي بعض النسخ «ما بقي» ـ فقد حمله الشيخ في التهذيبين على القضاء مع الدعاء ، قال لأنه انما يقضى متتابعا من دون فصل بالدعاء كما كان يبتدأ به. وقال في الوافي : وفيه بعد والاولى ان يحمل على عدم الوجوب. انتهى. أقول : ويؤيده الاتفاق على الوجوب الكفائي ولا ريب انه قد سقط الوجوب حينئذ عن هذا المصلي بصلاة القوم على الجنازة.

وقال في الذكرى بعد ذكر الخبر : وحمله الشيخ على القضاء الخاص وهو القضاء مشفوعا بالدعاء لا القضاء المتتابع. قلت يريد به نفى وجوب الدعاء لحصوله من السابقين ولانه موضع ضرورة لا نفى جوازه لدلالة ما يأتي عليه ، بل يمكن وجوبه مع الاختيار لعموم أدلة الوجوب وعموم قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤) «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا».

__________________

(١) ص ١٩.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجنازة.

(٤) في المغني ج ٢ ص ٤٩٥ قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا». وفي لفظ «فاقضوا».

٤٦٤

فحينئذ تحمل رواية إسحاق على غير المتمكن من الدعاء بتعجيل رفعها ، وعليه يحمل قول الصادق (عليه‌السلام) في رواية الحلبي «فليقض ما بقي متتابعا» الى أن قال : بعد ذكر رواية القلانسي : وهذا يشعر بالاشتغال بالدعاء إذ لو والى لم يبلغ الحال الى الدفن. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه (قدس‌سره) تخصيص التكبير ولاء بصورة عدم التمكن من الأذكار بينها ، ونقل ذلك عن العلامة في بعض كتبه بل نسبه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار إلى الأكثر حيث قال : وقال الأكثر ان أمكن الدعاء يأتي بأقل المجزئ وإلا يكبر ولاء من غير دعاء. انتهى. وربما يشير الى ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة على بن جعفر المتقدم نقلها عن كتابه «ويبادره دفعة ويخفف».

ويشكل بان ظاهر الأخبار المذكورة بالنظر الى حمل مطلقها على مقيدها هو التكبير ولاء أمكن الإتيان بالأذكار قبل وقوع ما ينافي ذلك من البعد والانحراف عن الميت والقبلة أم لم يمكن ، والتخصيص بما ذكروه يحتاج الى دليل واضح. وما استند اليه من العموم على وجه يشمل محل البحث ممنوع. والحديث الذي نقله غير معلوم كونه من طرقنا بل الظاهر انه من الأخبار العامية التي يستسلقونها في أمثال هذه المقامات ، ويعضد ذلك ما أشرنا إليه آنفا من ان قضية الوجوب الكفائي سقوط الوجوب في الصورة المذكورة ، وبه يظهر انه لا شمول لأدلة الوجوب لموضع البحث كما ذكرنا.

وأما دعواه اشعار رواية القلانسي بالاشتغال بالدعاء ففيه ان الظاهر من الرواية بعد التأمل فيها ان التكبير على القبر بعد الدفن انما هو في صورة ما لو لم يدرك التكبير مع الإمام بالكلية كما أوضحناه آنفا ، لا أنه أدرك بعضها وقضى البعض الباقي بعد الدفن حتى يدعى انه لو والى لم يبلغ الحال الى الدفن.

وكيف كان فالاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم) والله العالم.

٤٦٥

الثاني ـ قال في الذكرى : لو سبق المأموم بتكبيرة فصاعدا متعمدا اثم وأجزأ ، ولو كان ناسيا أو ظانا فلا اثم وأعادها معه ليدرك فضيلة الجماعة ، وفي إعادة العامد تردد من حيث المساواة لليومية في عدم اعادة العامد ولأنها أركان زيادتها كنقصانها ومن انها ذكر الله تعالى فلا تبطل الصلاة بتكرره.

وقال في كتاب الروض : ويستحب للمأموم إعادة ما سبق به من التكبير على الامام ظانا أو ناسيا ليدرك فضيلة الجماعة كما يرجع إليه في اليومية لو ركع أو رفع قبله ولا تنقطع بذلك القدوة ، ولو كان متعمدا ففي الإعادة إشكال من ان التكبير ركن فزيادته كنقصانه ومن كونه ذكر الله تعالى. ولا ريب ان عدم العود هنا أولى. وهو راجع الى ما في الذكرى إلا انه هنا رجح في العامد عدم العود وفي الذكرى ظاهره التوقف حيث اقتصر على ذكر الوجهين الموجبين للإشكال.

وقال في المسالك ـ بعد قول المصنف : إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الامام ـ ما لفظه : ان سبقه سهوا أو ظنا انه كبر أما لو تعمد استمر متأنيا حتى يلحقه الامام ويأثم في الأخير. أقول. وهذا احتمال ثالث زائد على ما في الذكرى والروض.

وقال في المدارك ـ بعد ذكر حكم الساهي والظان وانهما يعيدان مع الامام وحكم العامد وانه يستمر متأنيا حتى يلحقه الامام كما في المسالك ـ ما لفظه : وفي الحكمين معا اشكال خصوصا الثاني ، لأن التكبير الواقع في هذا الموضع على هذا الوجه منهي عنه والنهى في العبادة يقتضي الفساد ، بل لو قيل بوجوب الإعادة مع العمد كان جيدا ان لم تبطل الصلاة بذلك. انتهى.

أقول : لا يخفى ان المسألة خالية من النص ، وجميع ما ذكر فيها من التعليلات معلول لا يمكن الاعتماد عليه ، واستشكال صاحب المدارك في محله ، ومن ثم ان الفاضل الخراساني في الذخيرة اقتصر على نقل الأقوال. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو حضرت

٤٦٦

جنازة في أثناء الصلاة على اخرى تخير بين قطع الصلاة الأولى واستئناف صلاة واحدة عليهما وبين ان يتم الصلاة على الأولى ويستأنف على الثانية ، ذكره الصدوقان والشيخ واتباعه وهو المشهور. وقال ابن الجنيد على ما نقل عنه يجوز للإمام جمعهما الى أن يتم على الثانية خمسا وان شاء ان يومئ الى أهل الأولى ليأخذوها ويتم على الثانية خمسا.

استدل المتأخرون على القول الأول بما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) «في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها اخرى؟ قال ان شاءوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وان شاءوا رفعوا الأولى وأتموا ما بقي على الأخيرة كل ذلك لا بأس به».

قال في الذكرى : والرواية قاصرة الدلالة على إفادة المدعى إذ ظاهرها ان ما بقي من تكبير الأولى محسوب للجنازتين فإذا فرغ من تكبير الأولى تخيروا بين تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على الأخيرة وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة ، وليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الأولى بوجه. هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) في بيان معنى ظاهر الرواية جيد وقد اقتفاه في ذلك جملة من متأخري المتأخرين.

والتحقيق عندي في هذا المقام وان غفلت عنه علماؤنا الاعلام ان المتقدمين سيما الصدوقين انما اعتمدوا في هذا الحكم واستندوا إلى عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث انه (عليه‌السلام) قد صرح بذلك وقد عرفت في غير موضع مما قدمناه وستعرف ان شاء الله تعالى أمثاله في ما يأتي أن كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون واعترضهم المتأخرون بعدم وجود المستند لها فان مستنداتها قد ظهرت من هذا الكتاب ومن جملة ذلك

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من صلاة الجنازة.

٤٦٧

هذه المسألة ، إلا ان المتأخرين لما نقلوا الحكم المذكور عن كلام المتقدمين ولم يصل إليهم مما يظن دلالته عليه إلا هذه الصحيحة جعلوها دليلا للمتقدمين في ما نقلوه عنهم واعترضوها بما عرفت.

والحق ان دليلهم ليس إلا عبارة الكتاب المذكور حيث قال (عليه‌السلام) (١) «وان كنت تصلى على الجنازة وقد جاءت اخرى فصل عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات وان شئت استأنف على الثانية».

والصدوق في الفقيه قد أخذ معنى العبارة المذكورة فقال : ومن كبر على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين فوضعت جنازة أخرى معها فان شاء كبر الآن عليهما خمس تكبيرات وان شاء فرغ من الاولى واستأنف الصلاة على الثانية. انتهى.

نعم صحيحة على بن جعفر المذكورة ظاهرة في مذهب ابن الجنيد ومنطبقة عليه فهي دليله ودليل المشهور انما هي العبارة المذكورة.

وظاهر كلام الشيخ في كتابي الأخبار القول بالتشريك ايضا كما هو مذهب ابن الجنيد حيث انه ـ بعد ان نقل رواية جابر المتقدمة (٢) عن ابى جعفر (عليه‌السلام) الدالة على التكبير على الميت احدى عشر وتسعا وسبعا وخمسا وستا وأربعا ـ قال ما تضمنه هذا الخبر من زيادة التكبير على الخمس مرات متروك بالإجماع ويجوز ان يكون (عليه‌السلام) أخبر عن فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك لأنه كان يكبر على جنازة واحدة أو اثنتين فكان يجاء بأخرى فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات فإذا أضيف الى ما كان كبر زاد على الخمس تكبيرات وذلك جائز على ما سنبينه في ما بعد ان شاء الله تعالى. انتهى ومما حررناه في المقام يظهر لك ان في المسألة قولين : (أحدهما) ـ القول بالتشريك كما ذهب اليه ابن الجنيد وهو ظاهر الشيخ كما عرفت ، وعليه تدل صحيحة على بن جعفر المذكورة (الثاني) ـ القول بالتخيير بين القطع والاستئناف عليهما والإتمام على الأولى ثم الصلاة على الثانية كما هو القول المشهور ، ومستنده ما عرفت

__________________

(١) ص ١٩.

(٢) ص ٤٢١.

٤٦٨

من كلامه في كتاب الفقه. والقول بالتخيير بين الأمرين المذكورين في هذين الخبرين جمع بين الدليلين.

ثم انه على تقدير القول بالتشريك فان قلنا بالاكتفاء بمجرد الأذكار والأدعية كيف اتفق من غير توظيف شرعي فلا اشكال ، وان قلنا بالقول المشهور من التوظيف لكل تكبيرة بوظيفة مخصوصة فإنه يجب الإتيان بعد كل تكبيرة من التكبيرات المشتركة بوظيفة الصلاتين من الأدعية والأذكار ، فلو اتى بالجنازة الثانية بعد تكبيرتين ووقع التشريك في الثالثة دعا بعدها لوظيفة الأولى بدعاء المؤمنين ولوظيفة الثانية بالشهادتين وهكذا.

هذا. وما ذكره الشهيد في الذكرى في آخر عبارته المتقدمة من قوله «هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة» فقد اعترض عليه في الذخيرة فقال : واما ما ذكره ـ من تحريم قطع العبادة الواجبة ووافقه غير واحد من المتأخرين فحكموا بتحريم القطع هنا إلا لضرورة ـ فغير مسلم إذ عمدة ما يعول عليه في هذا الباب هو الإجماع وهو غير تام في موضع النزاع. واما الاستناد الى قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا» (١) فغير تام كما بيناه في المباحث السالفة. انتهى.

أقول : ويعضد ما ذكره (قدس‌سره) عبارة كتاب الفقه التي هي مستند القول المشهور من جواز القطع كما عرفت ، وبالجملة فإن دعواهم تحريم قطع الواجب مطلقا ممنوع لعدم الدليل عليه ، نعم قال الدليل عندي على ذلك في الصلاة اليومية فإنه يحرم قطعها كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة (٢) وما عدا ذلك فلا اعرف له دليلا بل الدليل على خلافه ـ كما عرفت في هذا المقام ـ واضح السبيل. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ قد صرح غير واحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا قراءة عندنا في هذه الصلاة ولا تسليم.

والكلام هنا يقع في مقامين (الأول) بالنسبة إلى القراءة والذي يدل على

__________________

(١) سورة محمد الآية ٣٥.

(٢) ج ٩ ص ١٠١.

٤٦٩

عدمها من الأخبار ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك. الحديث». وقد تقدم.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة (٢) «أنهما سمعها أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت. الحديث» وقد مر ايضا ويؤيده ما في كثير من الأخبار (٣) «انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل».

وقد ورد بإزاء هذه الأخبار ما ظاهره المعارضة كما رواه الشيخ عن عبد الله ابن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان عليا (عليه‌السلام) كان إذا صلى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وعن على بن سويد عن الرضا (عليه‌السلام) (٥) في ما نعلم قال : «في الصلاة على الجنائز تقرأ في الأولى بأم الكتاب وفي الثانية تصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وقد تقدم ايضا (٦).

وهذان الخبران محمولان عند الأصحاب على التقية (٧) قال الشيخ بعد ذكر خبر على بن سويد : أول ما فيه ان الراوي شاك في كونه الرضا (عليه‌السلام) وكما يكون شاكا يجوز أن يكون قد وهم في القراءة ، ولانه رواه بطريق آخر عن الكاظم (عليه‌السلام) واضطراب النقل دليل الضعف ، وان صح حمل على التقية. ثم انه حمل ايضا خبر القداح على التقية (٨).

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٧ من صلاة الجنازة.

(٣) هذا المضمون لم نقف عليه في غير موثقة يونس بن يعقوب الواردة في الوسائل في الباب ٧ و ٩ و ١٧ من صلاة الجنازة ، نعم ورد في بعض الاخبار التعبير عن صلاة الميت بأنها شفاعة وليست بصلاة فيها ركوع وسجود كما في الباب ٥ و ٨ أو انها دعاء ومسألة كما في الباب ٢١ أو انها استغفار كما في الباب ٢٠ من صلاة الجنازة.

(٦) لم يتقدم.

(٧ و ٨) في المغني ج ٢ ص ٤٨٥ «قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الاولى وبه قال الشافعي وإسحاق وروي عن ابن عباس ، وقال الثوري والأوزاعي

٤٧٠

قال في الذكرى : فروع ـ قال الشيخ في الخلاف تكره القراءة. وكأنه نظر الى انه تكليف لم يثبت شرعيته. ويمكن ان يقال بعدم الكراهة لأن القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهى عنه والأخبار خالية من النهى وغايتها النفي وكذا كلام الأصحاب ، لكن الشيخ نقل الإجماع بعد ذلك وقد يفهم منه الإجماع على الكراهية ونحن لم نر أحدا ذكر الكراهة فضلا عن الإجماع عليها. انتهى.

ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه وذلك فان البحث ليس في جواز قراءة القرآن من حيث هو قرآن حتى انه يحتج بان القرآن في نفسه حسن ، بل محل البحث في انه هل القراءة هنا جزء من الصلاة من واجباتها أو مستحباتها كما هو عند العامة أم لا؟ والاتفاق من الأصحاب على عدم ذلك كما يفهم من شيخنا الشهيد الثاني في كتاب الروض حيث قال : ولا قراءة فيها واجبة ولا مندوبة إجماعا. واما قوله ـ والأخبار خالية من النهى وغايتها النفي ـ فإنه مردود بأن إثبات القراءة في هذه الصلاة هو المحتاج الى الدليل لا نفيها حتى يدعى ان الأخبار لا تدل على النهى.

وبالجملة فإن العبادات الشرعية توقيفية من الشارع فبأي كيفية عملت من الشارع يجب الوقوف عليها ، وحيث ان إجماع الأصحاب كما عرفت على عدم توظيفها لا وجوبا ولا استحبابا وقد تأيد بالأخبار المتقدمة الدالة على نفيها ، فالمعلوم هو عدم دخولها في الكيفية المذكورة. بقي ما دل على ثبوتها من الخبرين المتقدمين فحيث كانا مخالفين لما عليه الأصحاب والأخبار وكانا موافقين لكثير من العامة تعين حملهما على التقية بغير اشكال.

والعجب من صاحب الذخيرة حيث نقل كلامه وجمد عليه ولم يتعرض لما فيه مما ذكرنا من التنبيه ، والسبب في ذلك هو ما قدمنا ذكره في غير موضع من

__________________

وأبو حنيفة لا يقرأ فيها شي‌ء من القرآن لان ابن مسعود قال ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يوقت فيها قولا ولا قراءة» وفي بداية المجتهد ج ١ ص ٢١٥ «قال مالك وأبو حنيفة ليس فيها قراءة انما هو الدعاء».

٤٧١

إلغائهم الاعتماد على هذه القواعد المنصوصة عن أئمتهم (عليهم‌السلام) واتخذوا لهم قواعد أخر عكفوا عليها في جميع أبواب الفقه. والله العالم.

الثاني ـ بالنسبة إلى التسليم والذي يدل على عدمه في هذه الصلاة من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الصلاة على الميت قال اما المؤمن فخمس تكبيرات واما المنافق فأربع ، ولا سلام فيها».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي وزرارة عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) قالا : «ليس في الصلاة على الميت تسليم».

وعن الحلبي (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ليس في الصلاة على الميت تسليم».

وما رواه الحسن بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا (عليه‌السلام) (٤) في كتابه إلى المأمون قال : «والصلاة على الجنازة خمس تكبيرات ، وليس في صلاة الجنازة تسليم لان التسليم في صلاة الركوع والسجود وليس لصلاة الجنازة ركوع ولا سجود».

وفي كتاب الفقه الرضوي نحو ذلك في الموضع الأول والثاني وقد تقدم جميع ذلك في الموضع المشار إليه (٥) الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليه المتتبع وبإزاء هذه الروايات مما يدل على التسليم موثقة عمار المتقدمة في المطلب الثالث في الكيفية ومثلها رواية يونس المتقدمة ثمة أيضا (٦) وغيرهما ، والجميع محمول عند أصحابنا على التقية (٧).

قال في الذكرى : أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها ، وظاهرهم عدم مشروعيته فضلا عن استحبابه ، قال في الخلاف وليس فيها تسليم ، واحتج عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٩ من صلاة الجنازة.

(٥) ص ٤١٠ و ٤١١.

(٦) ص ٤٠٩.

(٧) ارجع الى التعليقة ١ ص ٤٧٣.

٤٧٢

بإجماع الفرقة ، ونقل عن العامة التسليم على اختلافهم في كونه فرضا أو سنة (١) وقال ابن الجنيد : ولا يستحب التسليم فيها فان سلم الإمام فواحدة عن يمينه. وهذا يدل على شرعيته للإمام وعدم استحبابه لغيره أو على جوازه للإمام من غير استحباب بخلاف غيره. واحتج المرتضى بعد الإجماع بأن مبناها على التخفيف ولهذا حذف فيها الركوع والسجود فغير منكر ان يحذف التسليم. وقال ابن ابى عقيل لا تسليم لان التسليم في الصلاة التي فيها الركوع والسجود ولذلك لا تسليم في صلاة الخوف التي ليس فيها ركوع ولا سجود. لنا على عدمه في الجملة إطباق الأصحاب على تركه علما وعملا ، وخبر الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ليس في الصلاة على الميت تسليم». وعن الحلبي بطريق آخر وعن زرارة عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (٣) «ليس في الصلاة على الميت تسليم». وعن إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه‌السلام) (٤) «لا سلام فيها». وفي خبر أم سلمة (٥) «ثم كبر وانصرف». ولم يذكر التسليم ، وكذا في أكثر الأخبار ، وقد أورد في التهذيب التسليم في أربعة أخبار : مضمر سماعة (٦) «فإذا فرغت سلمت عن يمينك». وهو يعطى التسليم مطلقا ، وخبر الحسن بن أحمد المنقري عن يونس عن الصادق (عليه‌السلام) (٧) «والخامسة يسلم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه». وخبر عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٨) «سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت

__________________

(١) في المغني ج ٢ ص ٤٩١ «اختار القاضي ان المستحب تسليمتان وتسليمة واحدة تجزئ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياسا على سائر الصلوات» وفي ص ٤٩٢ قال : «الواجب في صلاة الجنازة النية والتكبيرات والقيام وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وادنى دعاء للميت وتسليمة واحدة» وفي بداية المجتهد لابن رشد ج ١ ص ٢١٦ «الجمهور على ان التسليم واحد وسبب الخلاف في الواحدة والاثنتين هو اختلافهم في التسليم في الصلاة المكتوبة فمن قال بالواحدة هناك قال به هنا ومن قال بالاثنتين قال به هنا».

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٩ من صلاة الجنازة.

(٥) ص ٤٠٢.

(٦) ص ٤٠٧.

(٧) ص ٤٠٩.

(٨) ص ٤٢٥.

٤٧٣

مقلوب». وهذان يدلان على تسليم الامام ، والثاني منهما حكاية فعل الإمام إلا انه لم يذكر إنكار المعصوم (عليه‌السلام) إياه ، وخبر عمار عنه (عليه‌السلام) (١) قال «سألته عن الصلاة على الميت فقال يكبر. الى قوله عفوك عفوك وتسلم». وهذا كالأول في إطلاق التسليم. وهي بأسرها ضعيفة الاسناد معارضة للمشهور محمولة على التقية (٢) واما شرعية التسليم استحبابا أو جوازا فالكلام فيه كالقراءة إذ الإجماع المعلوم انما هو على عدم وجوبه ومع التقية لا ريب فيه. انتهى كلامه زيد مقامه.

وانما نقلناه بطوله لجودة محصوله وإحاطته بأطراف الكلام من نقل الأقوال والأخبار ، ومجمل القول فيه ـ كما قدمنا ذكره في القراءة ـ ان العبادات مبنية على التوقيف من الشارع ، والأخبار هنا وان كانت قد تعارضت فيه إلا ان مقتضى القاعدة المأثورة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) في اختلاف الأخبار وعرضها على مذهب العامة والأخذ بما خالفه هو نفى التسليم في هذه الصلاة وجوبا واستحبابا ، واما الجواز فإنه لا معنى له هنا لان التسليم عبادة فإن شرعت فهي لا تخرج عن الوجوب أو الاستحباب وإلا فالإتيان بها بقصد كونها جزء من الصلاة مع عدم ثبوت الوجوب والاستحباب تشريع محض كما نبه عليه في صدر كلامه.

وقال في الروض : ولا تسليم ايضا واجبا ولا مندوبا بإجماع الأصحاب ، قال في الذكرى : وظاهرهم عدم مشروعيته وما ورد بإثباته من الأخبار محمول على التقية لأنه مذهب العامة (٣) مع كونها ضعيفة.

أقول : وبذلك يظهر لك ضعف ما ذهب اليه ابن الجنيد فإنه موافق لأقوال العامة.

المسألة السادسة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز إيقاع صلاة الجنازة في جميع الأوقات ما لم تزاحم صلاة فريضة حاضرة ، ولا كراهة

__________________

(١) ص ٤٠٨.

(٢ و ٣) ارجع الى التعليقة ١ ص ٤٧٣.

٤٧٤

ايضا لها وان كان في الأوقات المكروهة.

قال في المعتبر : يصلى على الجنازة في الأوقات الخمسة المكروهة ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة ، وبه قال الشافعي واحمد ، وقال الأوزاعي تكره في الأوقات الخمسة ، وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها (١) وقال العلامة في التذكرة : ويصلى على الجنازة في الأوقات الخمسة المكروهة ذهب إليه علماؤنا اجمع. وقال في الذكرى لا كراهة في فعلها في الأوقات الخمسة في أشهر الأخبار لأنها دعاء مجرد وواجبة وذات سبب.

أقول : أما ما يدل من الأخبار على عدم الكراهة في الأوقات الخمسة المشار إليها مضافا الى ما نقل من الإجماع فمنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد الله بن على الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع انما هو استغفار».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «يصلى على الجنازة في كل ساعة انها ليست بصلاة ركوع ولا سجود وانما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان». ورواه الشيخ ايضا مثله (٤).

__________________

(١) في المغني ج ٢ ص ٥٥٤ «قال احمد تكره الصلاة على الميت عند طلوع الشمس ونصف النهار وعند غروب الشمس ، وعن ابن عمر وعطاء والنخعي والأوزاعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي جواز الصلاة على الميت في هذه الأوقات الثلاث ، وحكى عن احمد جوازها في هذه الأوقات وهو قول للشافعي» وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج ١ ص ٢٢٢ «قال قوم لا يصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة وقت المغرب والطلوع والزوال ، وقال قوم لا يصلى في الغروب والطلوع فقط ، وقال قوم لا يصلى عليها في الأوقات الخمسة التي ورد النهى عن الصلاة فيها وبه قال عطاء والنخعي وأبو حنيفة ، وقال الشافعي يصلى عليها في كل وقت لأن النهى انما هو خارج عن النوافل لا على السنن».

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجنازة.

٤٧٥

وعن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يمنعك شي‌ء من هذه الساعات عن الصلاة على الجنائز؟ قال : لا».

وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن ابى جعفر محمد بن على (عليهما‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تطلع الشمس وحين تغرب وفي كل حين انما هو استغفار».

وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار وفي كتاب العلل بإسناده عن الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «فان قال فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر؟ قيل ان هذه الصلاة انما تجب في وقت الحضور والعلة وليست هي موقتة كسائر الصلوات وانما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث وليس للإنسان فيه اختيار وانما هو حق يؤدى ، وجائز أن تؤدى الحقوق في أي وقت كان إذا لم يكن الحق موقتا».

وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «يكره الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس وحين تطلع». فقد حمل الشيخ وجه الكراهة على التقية لموافقة الخبر مذهب العامة (٥) وهو جيد لما عرفت.

وأما لو زاحمت صلاة الميت فريضة حاضرة فقال في المعتبر انه يتخير ما لم يخف على الميت أو يخفف فوت الحاضرة جمعا بين رواية جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٦) «وسأله عن الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فقال عجل الميت الى قبره إلا ان تخاف فوت الفريضة». ورواية هارون بن حمزة عن الصادق (عليه‌السلام) (٧) «إذا دخل وقت المكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت إلا أن يكون مبطونا أو نفساء أو نحو

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجنازة.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجنازة.

(٥) التعليقة ١ ص ٤٧٥.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجنازة.

٤٧٦

ذلك». قال ومع التعارض يتعين التخيير.

أقول : ويعضد الرواية الثانية ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرت الشمس أتصلح أو لا؟ قال لا صلاة في وقت صلاة. وقال : إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز».

وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي حمل الخبر الأول على وقت الفضيلة فمعنى قوله : إلا ان يخاف ان يفوت وقت الفريضة» أي وقت فضيلتها ، ومعناه انه يبدأ بالصلاة على الميت إلا أن يخاف فوت وقت الفضيلة والخبرين الآخرين على ما إذا ضاق وقت الفضيلة فإنه يقدم الحاضرة.

وقال في الذكرى بعد نقل كلام المعتبر : قلت الأقرب استحباب تقديم المكتوبة ما لم يخف على الميت لافضليتها وعموم أحاديث فضيلة أول الوقت.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا تضيق وقت فريضة بدأ بالفرض ثم الصلاة على الميت إلا أن يكون الميت يخاف من ظهور حادثة فيه فحينئذ يبدأ بالصلاة عليه. قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهذا كلام غير معتمد لان مع تضيق وقت الحاضرة تتعين ولا يجوز الاشتغال بغيرها سواء خيف على الميت أو لا. انتهى. وظاهر كلام ابن إدريس انه مع تضيق وقت الحاضرة تكون مقدمة على الإطلاق كما جزم به في المختلف.

أقول : من المحتمل قريبا ان مراد الشيخ هنا بتضيق وقت الفريضة يعني وقت فضيلتها ، فإن إطلاق الوقت عليه بقول مطلق غير عزيز في الأخبار كما تقدم ذكره في باب الأوقات ، وحينئذ فمعناه ما قدمنا نقله سابقا عن المحدث الكاشاني وهو انه تقدم الصلاة على الميت إلا إذا ضاق وقت الفضيلة فإنه تقدم الفريضة الحاضرة إلا ان يخاف على الميت من حادثة فإنه تقدم صلاة الميت ، ويكون هذا

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجنازة.

٤٧٧

من قبيل الأعذار في التأخير عن وقت الاختيار الى الوقت الثاني الذي هو وقت أصحاب الأعذار ، ولعل هذا من جملة الأعذار عنده ، وحينئذ فلا يرد عليه ما ذكره في المختلف. والله العالم.

الفصل الخامس في الصلوات المندوبة

وقد تقدم الكلام في الرواتب منها في محلها وبقي ما عداها وهو مما لا حصر له لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر». إلا أنا نذكر هنا ما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) من مهمات هذه الصلوات جريا على وتيرتهم في ما قعدوا فيه وقاموا وأسامة لسرح اللحظ حيث اساموا ، وذلك يقع في مطالب :

المطلب الأول ـ في صلاة الاستسقاء وهو طلب السقيا من الله عزوجل يعنى نزول المطر عند الحاجة اليه.

وقد كان مشروعا في الزمن الأول والملل السابقة قال الله تعالى «وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ» (٢).

وروى الصدوق (عطر الله مرقده) عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان سليمان بن داود (عليه‌السلام) خرج ذات يوم مع أصحابه يستسقى فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمهما الى السماء وهي تقول : «اللهم انا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بنى آدم. فقال سليمان (عليه‌السلام) لأصحابه ارجعوا فقد سقيتم بغيركم».

وهي مستحبة عند غور الأنهار وفتور الأمطار لكون ذلك علامة غضب

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من أحكام المساجد والمستدرك الباب ١٠ من أعداد الفرائض.

(٢) سورة البقرة الآية ٥٧.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٣٣٣ وفي الوسائل الباب ١ من صلاة الاستسقاء.

٤٧٨

الله تعالى على عباده كما رواه الشيخ في التهذيب مرسلا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) قال : «إذا غضب الله تعالى على امة ثم لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارها ولم تزك ثمارها ولم تعذب أنهارها وحبس عنها أمطارها وسلط عليها أشرارها».

وعن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية وإذا جار الحكام في القضاء أمسك القطر من السماء وإذا خفرت الذمة نصر المشركون على المسلمين».

واستحبابها ثابت بالإجماع والنصوص ، أما الأول فقد نقله العلامة في التذكرة والمنتهى ، قال : اجمع كل من يحفظ عنه العلم على استحباب صلاة الاستسقاء إلا أبا حنيفة فإنه قال ليس له صلاة بل مجرد الدعاء (٣).

وها انا اذكر أولا ما وقفت عليه من الأخبار في المقام ثم أعطف ان شاء الله تعالى الكلام على ما دلت عليه وصرحت به علماؤنا الأعلام :

الأول ـ ما رواه في الكافي عن مرة مولى محمد بن خالد (٤) قال : «صاح أهل المدينة الى محمد بن خالد في الاستسقاء فقال لي : انطلق الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) فاسأله ما رأيك؟ فإن هؤلاء قد صاحوا إلي فأتيته فقلت له فقال لي قل له فليخرج قلت له متى يخرج جعلت فداك؟ قال يوم الاثنين. قلت كيف يصنع؟ قال يخرج المنبر ثم يخرج يمشى كما يمشى يوم العيدين وبين يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم حتى إذا انتهى الى المصلى يصلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا اقامة ، ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة فيكبر الله

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من صلاة الاستسقاء.

(٣) في المغني ج ٢ ص ٤٣٠ «قال أبو حنيفة لا تسن الصلاة للاستسقاء ولا الخروج لها. الى ان قال : وخالفه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فوافقا سائر العلماء».

(٤) الوسائل الباب ١ من صلاة الاستسقاء.

٤٧٩

مائة تكبيرة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت الى الناس عن يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت الى الناس عن يساره فيهلل الله مائة تهليلة رافعا بها صوته ، ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ، ثم يرفع يديه فيدعو ثم يدعون فإني لأرجو ان لا يخيبوا. قال ففعل فلما رجعنا قالوا هذا من تعليم جعفر» وفي رواية يونس (١) «فما رجعنا حتى أهمتنا أنفسنا».

الثاني ـ ما رواه في الكتاب المذكور في الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن صلاة الاستسقاء فقال مثل صلاة العيدين : يقرأ فيها ويكبر كما يقرأ ويكبر فيها ، يخرج الامام ويبرز الى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسكنة ويبرز معه الناس ، فيحمد الله ويمجده ويثنى عليه ويجتهد في الدعاء ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ، ويصلى مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلم الامام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كذلك صنع».

الثالث ـ ما رواه عن محمد بن يحيى رفعه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن تحويل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رداءه إذا استسقى فقال علامة بينه وبين أصحابه يحول الجدب خصبا». ورواه في الفقيه مرسلا (٤) والشيخ في التهذيب مسندا عن ابن محبوب عن على بن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن محمد بن يحيى الصيرفي عن محمد بن سفيان عن رجل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٥).

الرابع ـ ما ذكره في الكافي (٦) قال : وفي رواية ابن المغيرة قال «يكبر في صلاة الاستسقاء كما يكبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ويصلى قبل الخطبة ويجهر بالقراءة ويستسقى وهو قاعد».

__________________

(١ و ٢ و ٦) الوسائل الباب ١ من صلاة الاستسقاء.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ من صلاة الاستسقاء.

٤٨٠