الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

ويدل على الثاني ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله عن على (عليهما‌السلام) (١) «انه كان لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة يعني في التكبير».

وعن إسماعيل بن إسحاق بن ابان الوراق عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «كان أمير المؤمنين على بن ابى طالب (عليه‌السلام) يرفع يده في أول التكبير على الجنازة ثم لا يعود حتى ينصرف».

وحملهما الشيخ في التهذيبين تارة على الجواز ورفع الوجوب واخرى على التقية ، قال لموافقته لمذهب كثير من العامة (٣). أقول : واليه يشير قوله في رواية يونس : «ان الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى».

وقال المحقق في المعتبر بعد إيراد أخبار الطرفين : ما دل على الزيادة أولى ولأن رفع اليدين مراد الله في أول التكبير وهو دليل الرجحان فيسوغ في الباقي تحصيلا للأرجحية ، ولأنه فعل مستحب فجاز ان يفعل مرة ويخل به اخرى فلذلك اختلفت الروايات فيه.

واعترضه في الذكرى فقال بعد نقل كلامه : قلت رواية النقيصة تدل على نفى الزائد صريحا فهما متعارضان في الإثبات والثاني مرغوب عنه ، والثالث لا بأس به لولا ان «كان» تشعر بالدوام. ثم قال ولو حملت رواية عدم الرفع على التقية كما قاله الشيخ أمكن لأن بعض العامة يرى ذلك (٤) وبالجملة الخروج عن جمهور الأصحاب بخبر الواحد فيه ما فيه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه فان ترجيح العمل بالشهرة التي هي عبارة عن الشهرة في

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من صلاة الجنازة.

(٣ و ٤) في المغني ج ٢ ص ٤٩٠ «أجمع أهل العلم على ان المصلى على الجنائز يرفع يديه في أول تكبيرة يكبرها ، وكان يرفع عند كل تكبيرة ابن عمر وسالم وعمر بن عبد العزيز وعطاء وقيس بن ابى حازم والزهري وإسحاق وابن المنذر والأوزاعي والشافعي ، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة لا يرفع يده إلا في الأولى لأن كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الأيدي في جميع الركعات».

٤٤١

الفتوى لم يقم عليه دليل ، والمرجحات المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهم‌السلام) وان تضمنت الترجيح بها لكن المراد انما هو الشهرة في الرواية ، وهو في جانب الروايات الدالة على الاستحباب في الجميع لا سيما مع صحة سند الرواية الأولى ، مضافا الى الترجيح بالعرض على مذهب العامة وان كانوا هنا على قولين أيضا إلا ان العدم مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري (١) ولا يخفى قوة مذهب أبي حنيفة وشيوعه في الصدر الأول والى ذلك تشير رواية يونس كما عرفت. وأيضا فإن من القواعد المنصوصة (٢) ـ وان كان الأصحاب قد أعرضوا عنها كملا كما نبهنا عليه في غير مقام مما تقدم ـ انه متى ورد خبر عن أولهم (عليهم‌السلام) وخبر عن آخرهم فإنه يؤخذ بالأخير ، وروايتا العدم قد وردتا عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) ورواية الاستحباب قد وردت عن الرضا (عليه‌السلام) فيكون الترجيح بمقتضى هذه القاعدة في جانب الاستحباب والله العالم.

ومنها ـ استحباب ان لا يبرح من مكانه حتى ترفع الجنازة إماما كان أو مأموما كما صرح به جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وخصه الشهيد بالإمام تبعا لابن الجنيد ، وقال في الروض : ويستحب لكل مصل تأسيا به (عليه‌السلام) نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثنى منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة. والأقرب القول الأول ،

فروى الشيخ عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) «ان عليا (عليه‌السلام) كان إذا صلى على جنازة لم يبرح من مصلاه حتى يراها على أيدي الرجال».

وفي رواية يونس المتقدمة (٤) في الموضع الثالث «ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه».

__________________

(١) ارجع الى التعليقة (٣) و (٤) ص ٤٤١.

(٢) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

(٣) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجنازة.

(٤) ص ٤٠٩.

٤٤٢

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) بعد ذكر الصلاة : ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال.

ومنها ـ استحباب الدعاء له عقيب الرابعة ان كان مؤمنا وعليه ان كان مخالفا وبدعاء المستضعف ان كان كذلك وبدعاء المجهول ان كان مجهولا وبدعاء الأطفال ان كان طفلا.

وفسر ابن إدريس المستضعف بمن لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم. وعرفه في الذكرى بأنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا بعينه. وحكى عن المفيد في الغرية أنه عرفه بأنه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراء. وهذه التعريفات متقاربة في المعنى.

والمفهوم من الأخبار ان المستضعف هو من لا يعرف الولاية ولم ينكر ، ففي الخبر (٢) «قلت هل يسلم الناس حتى يعرفوا ذلك؟ قال لا (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) الذين (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (٣) قلت من هو؟ قال أرأيتم خدمكم ونساءكم ممن لا يعرف. الحديث». وقد ورد في تفسير الآية المذكورة (٤) : لا يستطيعون حيلة إلى الكفر فيكفرون ولا يهتدون سبيلا الى الايمان فيؤمنوا. واما المجهول فالمراد به من جهل دينه ومذهبه.

واما الأخبار الدالة على ما ذكرنا من هذه الأحكام فاما بالنسبة إلى المستضعف والمجهول فما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف : الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والدعاء للمؤمنين والمؤمنات يقول :

__________________

(١) ص ٥٩.

(٢ و ٣) تفسير البرهان ج ١ ص ٤٠٦ الطبع الثاني نقلا بالمعنى.

(٤) تفسير البرهان ج ١ ص ٤٠٦ الطبع الثاني نقلا بالمعنى.

(٥) الوسائل الباب ٣ من صلاة الجنازة.

٤٤٣

ربنا اغفر (لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ). الى آخر الآيتين» (١). والمراد بالذي لا يعرف يعنى مذهبه كما سيأتي التصريح به في الخبر الآتي. والآية الثانية هكذا «رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف مذهبه : يصلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقول : اللهم (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ)».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عمر بن أذينة عن الفضل بن يسار عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا صليت على المؤمن فادع له واجتهد له في الدعاء وان كان واقفا مستضعفا فكبر وقل : اللهم اغفر (لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ)».

والظاهر ان المراد بقوله «واقفا» أى متحيرا في دينه ، وهو يرجع الى المستضعف بالمعنى الذي قدمنا دلالة الآية عليه وتفسيرها به. واما الحمل على الوقف على أحد الأئمة (عليهم‌السلام) فبعيد ، وأبعد منه ما وقع من تبديل لفظ «واقفا» ب «منافقا» كما وقع في كلام بعض أصحابنا.

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي الفقيه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان كان مستضعفا فقل : اللهم اغفر (لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ، وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم ان كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وان كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية».

__________________

(١) سورة المؤمن الآية ٧ و ٨. والآية الأولى «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‌ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ).».

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من صلاة الجنازة.

٤٤٤

قال في الوافي : بيان ـ «منك بسبيل» أى له عليك حق ، ويعني بالولاية ولاية أهل البيت (عليهم‌السلام) يعنى حق من لا ولاية له عليك لا يوجب أن تدعو له كما تدعوا لأهل الولاية بل يكفى لذلك ان تستغفر له على وجه الشفاعة. انتهى. ولا يخفى من تكلف وبعد.

والظاهر ـ والله سبحانه وقائله أعلم ـ ان المراد بقوله «ان كان منك بسبيل» أى قريبا منك في النسب ، والمراد بالولاية انما هي الاخوة والإيمانية فإن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، والمراد انه ان كان قريبا لك في النسب فاستغفر له على وجه الشفاعة والالتماس لا على جهة الأخوة الإيمانية الموجبة لمزيد الجد والاجتهاد في الدعاء له كما يشير اليه قوله في حديث الفضيل المتقدم (١) «إذا صليت على المؤمن فادع له واجتهد له في الدعاء». ولعل السر في ذلك هو ان المستضعف لما كان من المرجأين لأمر الله إما يتوب عليه واما يعذبه كما دلت عليه الأخبار فلا ينبغي الحتم عليه سبحانه والإلحاح في الدعاء بل ينبغي أن يكون بطريق الالتماس والشفاعة.

وما رواه في الكافي عن سليمان بن خالد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تقول : اشهد أن لا إله إلا الله واشهد ان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رسول الله اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته وبيض وجهه وأكثر تبعه اللهم اغفر لي وارحمني وتب على اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. فان كان مؤمنا دخل فيها وان كان ليس بمؤمن خرج عنها».

وعن ثابت بن ابى المقدام (٣) قال «كنت مع ابى جعفر (عليه‌السلام) فإذا بجنازة لقوم من جيرته فحضرها وكنت قريبا منه فسمعته يقول : اللهم انك أنت خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها ، اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه سوء وأنت أعلم به وقد جئناك شافعين له

__________________

(١) ص ٤٤٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من صلاة الجنازة.

٤٤٥

بعد موته فان كان مستوجبا فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه».

قال في الوافي في الحاشية : هذا الخبر أورده في الكافي في باب الصلاة على المؤمن (١) والأنسب أن يورد في هذا الباب كما فعلناه لأن الدعاء المذكور من قبيل دعاء المستضعفين والمجهولين كما لا يخفى.

أقول : الظاهر ان مبنى ما ذكره في الكافي من حمل هذا الخبر على المؤمن هو قوله في الخبر «من جيرته» أى جيرانه ويبعد على هذا أن يكون داخلا في المجهول الذي لا يعرف مذهبه ولا دينه ، نعم ظاهر الدعاء المذكور انه ليس بمؤمن على اليقين والظاهر انه من المستضعفين الذين هم أكثر الناس يومئذ كما يفهم من الاخبار ، والمراد به كما قدمنا ذكره من لا يعرف ولا ينكر.

وأنت خبير بان المفهوم من هذه الأخبار على كثرتها هو ان الصلاة على هذا الصنف هو مجرد التكبير وقول هذا المذكور في هذه الأخبار وان اختلفت فيه زيادة ونقصانا لا ما يفهم من كلام الأصحاب من كون ذلك بعد التكبيرة الرابعة كما قدمنا ذكره في صدر هذا الكلام وكذا في ما يأتي من اخبار الصلاة على المخالف فإنها كذلك ، والأخبار المتقدمة في بيان كيفية الصلاة ـ منها ما اشتمل على توزيع الأذكار بين التكبيرات الخمس ومنها ما اشتمل على جمع الأذكار بينها ـ موردها انما هو المؤمن ولم يتعرض في شي‌ء منها لذكر المخالف والمستضعف والمجهول ، نعم في خبر أم سلمة وإسماعيل

__________________

(١) هذا الخبر أورده في الكافي ج ١ ص ٥١ باب الصلاة على المستضعف وعلى من لا يعرف ، وحاشية الوافي ليست على هذا الخبر وانما هي على خبر إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه ، فان صاحب الوافي قد ذكره آخر باب الصلاة على المستضعف بعد حديث ثابت ابن ابى المقدام ، وقد أورده في الكافي في باب الصلاة على المؤمن وفي الوسائل في الباب ٢ من صلاة الجنازة رقم ٤ ولم يذكره المصنف (قدس‌سره) هنا. واحتمال سقوطه من قلم النساخ ينفيه ما في المتن في توجيه إيراده في الكافي في باب الصلاة على المؤمن من الاستفادة من لفظ «جيرته» الوارد في حديث ابن ابى المقدام فان هذا اللفظ لا وجود له في حديث إسماعيل.

٤٤٦

ابن همام (١) نقل صلاة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على المنافق بتوزيع الأذكار الثلاثة خاصة من غير ذكر دعاء للمنافق أو عليه ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

وظاهر كلام الأصحاب الاتفاق على ما قدمنا ذكره في صدر المسألة من أن الأدعية المختصة بهذه الأصناف محلها بعد التكبيرة الرابعة ، وفي فهمه من الأخبار كما عرفت إشكال إلا ما ربما يظهر من عبارة كتاب الفقه الرضوي الآتية في المقام ان شاء الله تعالى.

وأما بالنسبة إلى الطفل فهو ما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على (عليهم‌السلام) (٢) «في الصلاة على الطفل انه كان يقول : اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا». أقول «الفرط» بفتح الراء هو من يتقدم القوم ليصلح لهم ما يحتاجون اليه مما يتعلق بالمراد ، قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «انا فرطكم على الحوض». قال ابن الأثير : أي متقدمكم اليه ، يقال فرط يفرط فهو فارط وفرط إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والأرشية ، ومنه الدعاء للطفل الميت «اللهم اجعله لنا فرطا» أي أجرا يتقدمنا. انتهى. ومن ذلك ما سيأتي في عبارة الفقه ايضا ان شاء الله تعالى.

واما بالنسبة إلى المخالف فمنها ما تقدم في الموضع الرابع من حديث عامر بن السمط وصحيحة الحلبي وصحيحة محمد بن مسلم أو حسنته (٤).

ومنها ـ ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) في الموضع الأول (٥) من المواضع الثلاثة التي قدمنا نقلها عنه في الموضع الثالث بعد ذكر الصلاة على المؤمن بالتكبيرات الخمس والأدعية بينها موزعة «وإذا كان الميت مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة اللهم أخز عبدك. الى آخر ما تقدم في الموضع المذكور ، الى أن قال : واعلم ان

__________________

(١) ص ٤٠٢ و ٤٠٣.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من صلاة الجنازة.

(٣) كنز العمال ج ٧ ص ٢٢١ كتاب القيامة باب الحوض.

(٤) ص ٤١٤.

(٥) ص ٤١٥.

٤٤٧

الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة فإذا حضرت مع قوم يصلون عليه فقل : اللهم اجعله لأبويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا وأجرا ، وإذا صليت على مستضعف فقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وإذا لم تعرف مذهبه فقل : اللهم هذه النفس التي أنت أحييتها وأنت أمتها دعوت فاجابتك اللهم ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت وأنت أعلم بها».

وظاهر هذا الكلام محتمل لكون هذه الأدعية بعد الرابعة كما صرح به في المخالف ، ويحتمل أن تكون صورة الصلاة هكذا مستقلة كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة

وقال (عليه‌السلام) في الصورة الثالثة (١) من الكيفيات التي ذكرها بعد التكبيرات الأربع والأدعية بينها المختصة بالصلاة على المؤمن «ثم تكبر الخامسة وتنصرف وإذا كان ناصبا فقل : اللهم انا لا نعلم إلا انه عدو لك ولرسولك اللهم فاحش جوفه نارا وقبره نارا وعجله الى النار فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللهم ضيق عليه قبره. وإذا رفع فقل : اللهم لا ترفعه ولا تزكه وان كان مستضعفا فقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وإذا لم تدر ما حاله الحق فقل : اللهم ان كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ،

والكلام هنا كما تقدم من ظهور كون الصلاة على هؤلاء بهذا النحو من غير التكبيرات الخمس التي في الصلاة على المؤمن والاحتياط في ما قاله الأصحاب والله العالم. ومنها ـ استحباب الصلاة في المواضع المعتادة ، ذكره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وعللوه بأنه ليكون طريقا الى تكثير المصلين لان السامع بموته يقصدها للصلاة عليه فيها فيكون ذلك طريقا الى تكثير المصلين الذي قد قدمنا انه من مستحبات هذه الصلاة أيضا. ولم أقف في ذلك على نص.

نعم وقع الخلاف في الصلاة في المسجد كراهة وعدمها والمشهور الكراهة في جميع المساجد إلا مكة المشرفة.

__________________

(١) ص ٢١.

٤٤٨

استنادا الى الجمع بين ما رواه الشيخ عن ابى بكر بن عيسى بن أحمد العلوي (١) قال : «كنت في المسجد وقد جي‌ء بجنازة فأردت أن أصلي عليها فجاء أبو الحسن الأول (عليه‌السلام) فوضع مرفقه في صدري فجعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد ثم قال يا أبا بكر ان الجنائز لا يصلى عليها في المسجد».

وبين ما رواه في الصحيح عن الفضل بن عبد الملك (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يصلى على الميت في المسجد؟ قال نعم». ورواه في الفقيه ايضا عن الفضل في الصحيح (٣).

وما رواه عن الفضل بن عبد الملك ايضا (٤) قال : «سألته عن الميت هل يصلى عليه في المسجد؟ قال نعم». وما رواه ايضا عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) مثله (٥).

واما استثناء مسجد مكة فقد ذكره الشيخ في الخلاف واحتج عليه بإجماع الفرقة عقيب ذكر الكراهة والاستثناء.

وعلله العلامة في المنتهى بأن مكة كلها مسجد فلو كرهت الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع وهو خلاف الإجماع. وتبعه الشهيد في ذلك.

وأورد عليه بان مسجدية ما خرج عن المسجد الحرام منها ليس على حد المساجد لجواز تلويثه بالنجاسة واللبث فيه للجنب ونحو ذلك بخلاف المسجد. والله العالم.

المطلب الرابع ـ في الأحكام ، وقد تقدم جملة منها في ما قدمناه من الأبحاث المتقدمة وبقي الكلام هنا في مسائل :

الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تكرار الصلاة على الميت فالمشهور الكراهة ، وقال ابن ابى عقيل لا بأس بالصلاة على من صلى عليه مرة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٠ من صلاة الجنازة.

٤٤٩

فقد صلى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على سهل بن حنيف خمس مرات (١). وقال ابن إدريس تكره جماعة وتجوز فرادى لتكرار الصحابة الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) وقال الشيخ في الخلاف من صلى على جنازة يكره له أن يصلى عليها ثانيا. وهو مشعر باختصاص الكراهة بالمصلي المتحد. وقال الشهيد في الذكرى ظاهرهم اختصاص الكراهة بمن صلى على الميت لما تلوناه عنهم من جواز الصلاة ممن فاتته على القبر أو يريدون بالكراهة قبل الدفن حتى ينتظم الكلام. واحتمل الشيخ في الاستبصار استحباب التكرار من المصلى الواحد وغيره ، وللعلامة قول بكراهة تكرار الصلاة إذا خاف على الميت ، وله ايضا قول بكراهة التكرار عند الخوف عليه أو مع منافاته التعجيل وقيد شيخنا الشهيد الثاني الكراهة بكون التكرار من المصلى الواحد أو يكون منافيا للتعجيل. هذا ما وفقت عليه من أقوال الأصحاب المتعلقة بهذه المسألة.

وأما الأخبار فهي مختلفة في ذلك ومنها نشأ الاختلاف بين الأصحاب في هذا الباب ، وها أنا أسوق ما وقفت عليه منها مذيلا لها بما رزقني الله سبحانه فهمه منها فمنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابى مريم الأنصاري عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) «انه سأله كيف صلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال سجي بثوب وجعل وسط البيت فإذا دخل قوم داروا به وصلوا عليه ودعوا له ثم يخرجون ويدخل آخرون ثم دخل على (عليه‌السلام) القبر. الحديث».

وما رواه في الكافي عن ابى مريم الأنصاري عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له كيف كانت الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال لما غسله أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وكفنه سجاه ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في وسطهم فقال (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥) فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

(٤) الأصول ج ١ ص ٤٥٠ باب مولد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووفاته.

(٥) سورة الأحزاب الآية ٥٦.

٤٥٠

وما رواه في الكافي (١) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «اتى العباس أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال يا على ان الناس قد اجتمعوا ان يدفنوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في بقيع المصلى وان يؤمهم رجل منهم فخرج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الى الناس فقال : يا ايها الناس ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) امام حيا وميتا ، وقال انى ادفن في البقعة التي اقبض فيها. ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون».

وما رواه في الكتاب المذكور (٢) عن جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال «لما قبض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا. قال وقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول في صحته وسلامته : إنما أنزلت هذه الآية على في الصلاة على بعد قبض الله لي (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)» (٣).

وما رواه الثقة الجليل احمد بن ابى طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن سليم بن قيس عن سلمان الفارسي في حديث يصف فيه تغسيل على (عليه‌السلام) له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤) قال فيه «فلما غسله وكفنه أدخلني وادخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهم‌السلام) فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون حتى لم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه».

وأنت خبير بأنه ربما ظهر من التأمل في هذه الأخبار الواردة في صلاة الناس على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فوجا فوجا انما هو بمعنى الدعاء خاصة وانه لم يصل عليه الصلاة المعهودة إلا على (عليه‌السلام) مع هؤلاء النفر الذين تضمنهم حديث الاحتجاج ، واليه

__________________

(١) الأصول باب مولد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووفاته وفي الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

(٢) الأصول باب مولد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووفاته.

(٣) سورة الأحزاب الآية ٥٦.

(٤) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

٤٥١

تشير أيضا صحيحة الحلبي أو حسنته (١) وقوله فيها : «ثم قام على (عليه‌السلام) على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس. الى آخره» فان ظاهر صحيح ابى مريم الأول (٢) وقوله فيه «فإذا دخل قوم داروا به وصلوا ودعوا له». انهم يحيطون به من جميع الجهات ويدعون له وهكذا من يدخل بعدهم. وكذا قوله في حديث الثاني «ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ـ يعنى بعد ما صلى عليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كما دل عليه خبر الاحتجاج ـ ثم وقف أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في وسطهم فقال. الحديث» فإنه ظاهر في ان الصلاة كانت بهذه الكيفية كما يدل عليه قوله «فيقول القوم كما يقول» واليه يشير قوله في حديث جابر «انه سمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول في حال صحته ان هذه الآية نزلت عليه في الصلاة عليه بعد الموت» ولا ريب ان الصلاة في الآية انما هي بمعنى الدعاء.

ولم أقف على من تنبه لهذا الاحتمال الذي ذكرناه إلا الفاضل محمد تقي المجلسي في حواشي التهذيب حيث كتب على حديث ابى مريم الأنصاري الأول منهما ما صورته : يمكن أن يكون المراد طافوا به احتراما له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم صلوا عليه بعد أو انهم جعلوه قبلة وتوجهوا اليه من كل جانب عند الصلاة عليه. ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة هنا الدعاء وكان صلاة الناس عليه هكذا وانما صلى عليه الصلاة المخصوصة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وخواصه كما دل عليه خبر أورده في كتاب الاحتجاج (٣). انتهى.

أقول : وما احتمله (قدس‌سره) غير بعيد للتقريب الذي قدمناه في جملة من اخبار الصلاة عليه (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين) وعلى هذا يسقط الاستدلال بهذه الأخبار على جواز التكرار.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله

__________________

(٣) ٤٥١.

(١) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

(٢) ص ٤٥٠.

٤٥٢

(عليه‌السلام) (١) قال : «كبر أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسة أخرى فصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة».

وعن عمرو بن شمر (٢) قال : «قلت لجعفر بن محمد (عليهما‌السلام) جعلت فداك انا نتحدث بالعراق ان عليا (عليه‌السلام) صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا ثم التفت الى من كان خلفه فقال انه كان بدريا؟ قال فقال جعفر (عليه‌السلام) انه لم يكن كذا ولكنه صلى عليه خمسا ثم رفعه ومشى به ساعة ثم وضعه فكبر عليه خمسا ففعل ذلك خمس مرات حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة».

وعن عقبة (٣) قال : «سئل جعفر (عليه‌السلام) عن التكبير على الجنائز فقال ذاك الى أهل الميت ما شاءوا كبروا. فقيل انهم يكبرون أربعا؟ فقال ذاك إليهم ثم قال أما بلغكم ان رجلا صلى عليه على (عليه‌السلام) فكبر عليه خمسا حتى صلى عليه خمس صلوات يكبر في كل صلاة خمس تكبيرات؟ قال ثم قال انه بدري عقبي احدى وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الاثني عشر نقيبا وكانت له خمس مناقب فصلى عليه لكل منقبة صلاة».

أقول : والمذكور في الخبر في تعداد المناقب انما هو اربع مناقب مع قوله (عليه‌السلام) ان له خمس مناقب وان تعداد الصلاة خمسا كان بإزاء المناقب الخمس ، ولعل المنقبة الخامسة هو إخلاص الرجل في التشيع والولاء لأمير المؤمنين وأهل بيته (عليهم‌السلام) وانه كان من السابقين الذين رجعوا اليه بعد ارتداد الناس.

واما ما تضمنه الخبر من عدم التحديد في التكبير وان ذلك الى أهل الميت يكبرون ما شاءوا فترده الأخبار المستفيضة المتقدمة في الموضع التاسع (٤) وقد مر نظير هذا الخبر في عدم التوقيت في التكبير ، وحمل الجميع على التقية متعين.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

(٤) ص ٤١٩ وهو الموضع السادس.

٤٥٣

قال في المنتهى : وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية وعليه علماؤنا أجمع وبه قال زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان ، وقال الشافعي يكبر أربعا وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وداود وأبو ثور ، وقال محمد بن سيرين وأبو السقيا جابر بن زيد يكبر ثلاثا ، ورواه الجمهور عن ابن عباس ، وقال عبد الله بن مسعود يكبر ما كبر الإمام أربعا وخمسا وسبعا وتسعا ، وعن احمد روايات إحداها يكبر أربعا والأخرى يتابع الإمام الى خمس والأخرى يتابعه الى السبع (١) وبذلك يظهر انه لم يوافق الإمامية في هذه المسألة إلا زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان من الصحابة وأما علماؤهم فكما عرفت من الاختلاف.

وبالجملة فإن كلمة الأصحاب قديما وحديثا متفقة على الخمس في المؤمن وقد عضدها الأخبار المستفيضة المتقدم كثير منها في الموضع المشار اليه وأقوال العامة كما ترى ، وحينئذ فلا وجه لما دل على خلاف ما قلناه إلا التقية.

ثم لا يخفى ان خبر عقبة المذكور وان لم يصرح فيه باسم سهل بن حنيف المذكور لكنه هو المراد قطعا من الخبر المذكور بقرينة الأخبار الأخر.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال «كبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على حمزة سبعين تكبيرة ، وكبر على (عليه‌السلام) عندكم على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة ، قال كبر خمسا كلما أدركه الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعفه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى الى قبره خمس مرات».

وعن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على حمزة سبعين صلاة».

ومنها ـ قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على ما نقله في كتاب نهج البلاغة (٤) «ان قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل

__________________

(١) عمدة القارئ ج ٤ ص ٢٦ و ١٢٩ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٥١ وشرح المهذب ج ٥ ص ٢٢١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

(٤) ج ٣ ص ٣٥.

٤٥٤

سيد الشهداء وخصه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه».

ونحوه ما نقله شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار (١) عن كتاب الهداية للحسين بن حمدان الحصيني بسنده عن سيدنا ابى محمد العسكري (عليه‌السلام) في حديث طويل يتضمن قتل حمزة (عليه‌السلام) وحزن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) له قال فيه : «وامره الله أن يكبر عليه سبعين تكبيرة ويستغفر له ما بين كل تكبيرتين منها فأوحى الله تعالى اليه انى قد فضلت عمك حمزة بسبعين تكبيرة لعظمته عندي وكرامته على. الحديث».

وما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار (٢) عن الرضا عن آبائه عن الحسين ابن على (عليهم‌السلام) قال : «رأيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كبر على حمزة خمس تكبيرات وكبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات فلحق حمزة سبعون تكبيرة».

ورواه في صحيفة الرضا (عليه‌السلام) بإسناده الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٣) قال «رأيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كبر على عمه حمزة خمس تكبيرات وكبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات فلحق حمزة بسبعين تكبيرة ووضع يده اليمنى على اليسرى».

أقول : ومن هذين الخبرين يظهر ان السبعين تكبيرة على حمزة وقعت في صلوات متعددة كل صلاة منها خمس تكبيرات ويعضده الاتفاق كما عرفت ، وعليه دلت النصوص المستفيضة ان صلاة الميت لا تزيد على خمس تكبيرات ، وحينئذ تكون هذه السبعون عبارة عن أربع عشرة صلاة ، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك هو انه لما صلى على حمزة بخمس تكبيرات جي‌ء بجماعة بعد جماعة فكان يصلى على كل جماعة بخمس تكبيرات وكان يشركهم في الصلاة وحمزة مع كل جماعة حتى إذا انتهت الصلاة عليهم صارت الصلوات أربع عشرة صلاة ولحق حمزة من الجميع سبعون تكبيرة. إلا ان ظاهر كلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في كتاب النهج وكذا ظاهر خبر

__________________

(١) ج ١٨ الطهارة ص ٢٨٥.

(٢) ص ٢١٠ وفي الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

٤٥٥

الحصيني يدل على وقوع ذلك في صلاة واحدة وان ذلك فضيلة ومزية اختص بها حمزة (رضى الله عنه) دون غيره ، فلا منافاة فيها للأخبار التي وقع الاتفاق عليها من أن صلاة الميت لا تزيد على خمس تكبيرات.

ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر؟ قال تقضى ما فاتك. قلت استقبل القبلة؟ قال بلى وأنت تتبع الجنازة فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خرج الى جنازة امرأة من بنى النجار فصلى عليها فوجد الحفرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجي‌ء قوم إلا قال لهم صلوا عليها».

وعن عمار بن موسى في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال «الميت يصلى عليه ما لم يوارث بالتراب وان كان قد صلى عليه».

وعن يونس بن يعقوب في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر أصلي عليها؟ قال ان أدركتها قبل ان تدفن فإن شئت فصل عليها».

أقول : هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على جواز التكرار.

واما الأخبار الدالة على العدم فمنها ـ ما رواه الشيخ عن وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى على جنازة فلما فرغ جاءه أناس فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم ندرك الصلاة عليها فقال لا يصلى على جنازة مرتين ولكن ادعوا لها».

وعن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى على جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا فأتتنا الصلاة عليها فقال ان الجنازة لا يصلى عليها مرتين ادعوا له وقولوا خيرا».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ و ٦ من صلاة الجنازة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

٤٥٦

وما رواه في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى على جنازة فلما فرغ جاء قوم لم يكونوا أدركوها فكلموا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن يعيد الصلاة عليها فقال لهم قد قضيت الصلاة عليها ولكن ادعوا لها».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ورد في الأخبار من التعدد في الصلاة على سهل ابن حنيف فهو محمول على خصوصية الرجل المذكور لما صرحت به رواية عقبة المتقدمة ، وبه يظهر ضعف ما ذكره في المدارك من تخصيصه استحباب الإعادة بمن لم يصل للتأسي وانتفاء ما ينهض حجة على اختصاص الحكم بذلك الشخص. وهو غفلة منه عن هذه الرواية حيث انه انما أورد حسنة الحلبي وما ورد من الاخبار بالنسبة الى حمزة (سلام الله عليه) فان حملنا السبعين على كونها في صلاة واحدة كما هو الظاهر من كلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في كتاب نهج البلاغة وخبر الحصيني المتقدم لم تكن هذه الأخبار من محل البحث في شي‌ء ، لأن الكلام في تعداد الصلاة وتكررها وهذه صلاة واحدة غاية الأمر أنه زيد في تكبيراتها الموظفة لمزية هذا الشخص وإظهار فضله كما صرح به خبر الحصيني ، وان حملنا السبعين على كونها في صلوات متعدد كما هو ظاهر خبر كتاب عيون الأخبار وخبر الصحيفة الرضوية فالظاهر حمل التكرار هنا ايضا على المزية والفضيلة. وأما اخبار الصلاة على الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأظهر في الفضيلة والمزية ، وان حملناها على الاحتمال الذي قدمنا ذكره خرجت عن محل البحث.

وبالجملة فإن حمل الأخبار في هذه المواضع الثلاثة على الاختصاص لمزيد الفضيلة مما لا يمكن إنكاره سيما خبر سهل بن حنيف الصريح في ان كل صلاة بإزاء منقبة من مناقبه وحديث حمزة ، وحينئذ فلا يمكن الاستناد إليها في عموم الحكم وشموله لجميع الأموات.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

٤٥٧

بقي الكلام في الأخبار والجمع بينها وهو ممكن بأحد وجهين : (الأول) حمل الأخبار الدالة على التكرار على ان الصلاة فيها بمعنى الدعاء لا الصلاة المعهودة ، ويؤيده ما يأتي ان شاء الله تعالى في مسألة الصلاة على القبر. و (الثاني) حمل الأخبار الدالة على النهى عن التكرار على التقية فإن العلامة في المنتهى نقل القول بالكراهة عن ابن عمر وعائشة وابى موسى والأوزاعي واحمد والشافعي ومالك وابى حنيفة وأسنده ايضا الى على (عليه‌السلام) (١) ولعله الأقرب ويعضده ان أكثر روايات النهى من العامة.

ومما ذكرنا يظهر ضعف الأقوال المتقدمة ، اما القول بالكراهة مطلقا كما هو المشهور عملا بالأخبار الدالة على النهى فينافيه ظاهر أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالصلاة لمن اتى في رواية جابر (٢) وكذلك التزام أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في الصلاة على سهل بن حنيف بالأمر المكروه خمس مرات ، وأظهر منه صلاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على عمه (رضى الله عنه) ومثله صلاة الناس على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). واما ما ذكره ابن إدريس من كراهة الصلاة جماعة فترده اخبار سهل بن حنيف وتكرار أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الصلاة عليه جماعة خمس مرات وكذا أخبار حمزة (سلام الله عليه) (٣) وأما تخصيص الكراهة بالمصلي نفسه كما نقل عن الشيخ في الخلاف فينافيه مورد الأخبار الثلاثة الدالة على النهى ، فان موردها من لم يصل. وأما تخصيص الكراهة بما خيف على الميت أو بضم منافاة التعجيل فلم نقف له على مستند ، وربما كان المستند حمل أخبار النهى على ذلك ، وأنت خبير بأنه لا إشعار في شي‌ء منها بذلك فضلا عن التصريح

__________________

(١) عمدة القارئ ج ٤ ص ١٣٥ وشرح المهذب ج ٥ ص ٢٤٩ وفي المغني ج ٢ ص ٥١٢ «من صلى مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها ، وإذا صلى على الجنازة مرة لم توضع لأحد يصلى عليها ، قال القاضي لا يحسن بعد الصلاة عليه ويبادر بدفنه ، وقال ابن عقيل لا ينتظر به أحد ، فاما من أدرك الجنازة فمن لم يصل فله ان يصلى عليها فعل ذلك على (عليه‌السلام) وانس وسلمان بن ربيعة وأبو حمزة ومعمر بن سمير» وفي المهذب ج ١ ص ١٣٤ نحوه.

(٢) ص ٤٥٦.

(٣) ص ٤٥٤ و ٤٥٥.

٤٥٨

به أو ظهوره فيه. وبالجملة فالظاهر عندي من اخبار المسألة هو ما ذكرته. والله العالم.

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة على القبر ، فقال الشيخان (عطر الله مرقديهما) من لم يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر يوما وليلة فإن زاد على ذلك لم تجز الصلاة عليه ، وهو اختيار ابن إدريس وابن البراج وابن حمزة وبه صرح المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد. وإطلاق كلامهم يقتضي جواز الصلاة عليه وان كان قد صلى عليه. ولم يقدر ابن ابى عقيل وعلى بن بابويه لها وقتا بل قالا من لم يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر ، وقربه الشهيد في البيان ، وقال ابن الجنيد يصلى عليه ما لم تتغير صورته ، وقال سلار يصلى عليه ثلاثة أيام وجعله الشيخ في الخلاف رواية ، وقال في المختلف : والأقرب عندي انه ان لم يصل على الميت أصلا بل دفن بغير صلاة صلى على قبره وإلا فلا. وحكم المحقق في المعتبر بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا قال ولا امنع الجواز. واستدل في المعتبر على عدم الوجوب بان المدفون خرج بدفنه من أهل الدنيا فساوى من فني في قبره ، وعلى الجواز بالأخبار الواردة بالإذن في الصلاة على القبر كصحيحة هشام بن سالم ، ثم ساق الخبر كما يأتي ان شاء الله تعالى (١) وقال في المدارك : والأصح ما اختاره المصنف من عدم الوجوب بعد الدفن مطلقا لكن لا يبعد اختصاص الجواز بيوم الدفن. انتهى. والى ما ذكره المحقق في المعتبر مال العلامة في المنتهى. هذا ما حضرني من أقوالهم.

واما الأخبار الواردة في هذه المسألة فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام ابن سالم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس أن يصلى الرجل على الميت بعد ما يدفن».

وما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن مالك مولى الجهم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) والصدوق في الفقيه مرسلا عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجنازة.

٤٥٩

وما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا فاتته الصلاة على الميت صلى على القبر».

وعن محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة (٢) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) يصلى على المدفون بعد ما يدفن؟ قال لا لو جاز لأحد لجاز لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال بل لا يصلى على المدفون ولا على العريان».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال «سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام إذا الميت مقلوب رجلاه الى موضع رأسه؟ قال يسوى وتعاد الصلاة عليه وان كان قد حمل ما لم يدفن ، فان كان قد دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلى عليه وهو مدفون».

وقد تقدم (٤) في المسألة المتقدمة في موثقة يونس بن يعقوب «ان أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها».

وفي موثقة عمار (٥) «الميت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب وان كان قد صلى عليه».

وما رواه في الكافي والتهذيب في تتمة حديث عمار المتقدم في الموضع السابع من البحث المتقدم (٦) قال : «قلت فلا يصلى عليه إذا دفن؟ قال لا لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان حتى توارى عورته».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن حريز عن محمد بن مسلم أو زرارة (٧) قال : «الصلاة على الميت بعد ما يدفن انما هو الدعاء. قال قلت فالنجاشي لم يصل عليه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ فقال لا انما دعا له».

وعن جعفر بن عيسى (٨) قال «قدم أبو عبد الله (عليه‌السلام) مكة فسألني عن عبد الله

__________________

(١ و ٢ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجنازة.

(٣) الوسائل الباب ١٩ من صلاة الجنازة.

(٦) ص ٤٢٦.

٤٦٠