الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله فرض الصلاة خمسا وجعل للميت من كل صلاة تكبيرة».

وما رواه الشيخ عن قدامة بن زائدة (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى على ابنه إبراهيم فكبر عليه خمسا». الى غير ذلك من الأخبار.

ومقتضى ذلك انه لا يجوز الزيادة على ذلك بقصد انها من الصلاة لأنه تشريع محض. وهل تبطل الصلاة بالزيادة؟ قيل لا لخروجه بالخامسة من الصلاة. ولا يجوز النقيصة عن ذلك إلا مع إمكان التدارك.

واما ما يدل على خلاف ذلك ـ مثل ما رواه الشيخ عن جابر (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن التكبير على الجنازة هل فيه شي‌ء موقت؟ فقال لا كبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أحد عشر وتسعا وسبعا وخمسا وستا وأربعا». ـ

فقد أجاب الشيخ عنه فقال : ما تضمن هذا الخبر من زيادة التكبير على الخمس مرات متروك بالإجماع ، ويجوز أن يكون (عليه‌السلام) أخبر عن فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك لانه كان يكبر على جنازة واحدة أو اثنتين فكان يجاء بجنازة اخرى فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات فإذا أضيف الى ما كان كبر زاد على الخمس تكبيرات ، وذلك جائز على ما سنبينه في ما بعد ان شاء الله تعالى. واما ما يتضمن من الأربع تكبيرات فمحمول على التقية لأنه مذهب المخالفين (٣) أو يكون أخبر عن فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مع المخالفين والمتهمين بالإسلام لانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كذا كان يفعل. انتهى.

وربما حمله بعض الأصحاب على الاستحباب إذا التمس أهل الميت ذلك وفي

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ و ١٤ من صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجنازة.

(٣) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٤٠٤.

٤٢١

بعض الأخبار اشارة اليه. وبالجملة فالمفهوم من الأخبار هو وجوب الخمس في الصلاة على المؤمن وأما المنافق والمخالف فالأربع كما تقدم. والله العالم.

السابع ـ لا يخفى ان لهذه الصلاة واجبات ومندوبات ، وتحقيق الكلام في ذلك يقع في مقامين (الأول) في ما يجب فيها :

ومنها ـ النية وهي قصد الفعل طاعة لله ، قالوا : ولا يجب فيها التعرض للوجه ولا للأداء والقضاء.

أقول : والأمر في النية ـ كما عرفت في المباحث المتقدمة ـ مفروغ عنه عندنا ونعني بها النية الحقيقية لا هذه النية الافتعالية كما تقدم تحقيقه.

ومنها ـ وجوب الاستقبال من المصلى ولا خلاف فيه ، واستدلوا على ذلك بأنه هو المنقول عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) فيجب تحصيلا للبراءة اليقينية لعدم ثبوت شرعيتها على وجه آخر.

ومثل هذا التعليل وان جرت لهم فيه مناقشات في غير هذا الموضع إلا انه في هذا الموضع مسلم الثبوت بين أصحابنا تلك المناقشات.

قال في الذكرى : يجب فيها استقبال المصلي إلحاقا لها بسائر الصلوات. ولا يخفى ما فيه وكيف كان فيقين البراءة يقتضيه.

نعم انما يجب ذلك مع الإمكان فلو تعذر من المصلى أو الجنازة كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله سقط الوجوب.

وروى الكليني في الصحيح الى ابى هاشم الجعفري (١) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن المصلوب فقال اما علمت ان جدي صلى على عمه؟ قلت أعلم ذلك ولكني لا أفهمه مبينا. قال أبينه لك : ان كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن وان كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر فإن بين المشرق والمغرب قبلة وان كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن وان كان منكبه الأيمن إلى القبلة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من صلاة الجنازة.

٤٢٢

فقم على منكبه الأيسر ، وكيف كان منحرفا فلا تزايلن مناكبه وليكن وجهك الى ما بين المشرق والمغرب ولا تستقبله ولا تستدبره البتة. قال أبو هاشم وقد فهمته ان شاء الله تعالى فهمته والله».

قال في الذكرى : وهذه الرواية وان كانت غريبة نادرة كما قال الصدوق وأكثر الأصحاب لم يذكروا مضمونها في كتبهم إلا انه ليس لها معارض ولا راد ، وقد قال أبو الصلاح وابن زهرة يصلى على المصلوب ولا يستقبل وجهه الإمام في التوجه فكأنهما عاملان بها ، وكذا صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين بن سعيد ، والفاضل في المختلف قال ان عمل بها فلا بأس ، وابن إدريس نقل عن بعض الأصحاب انه صلى عليه وهو على خشبة استقبل بوجهه وجه المصلى عليه ويكون هو مستدبر القبلة ، ثم حكم بأن الأظهر إنزاله بعد الثلاثة والصلاة عليه. قلت هذا النقل لم أظفر به وإنزاله قد يتعذر كما في قضية زيد (عليه‌السلام). انتهى.

وقال في المختلف بعد ذكر الحكم المذكور : ويحمل الصلب على من وجب عليه قودا وفي حق المحارب إذا قتل فإنه يقتل ويصلب بعد ان يؤمر بالغسل والكفن.

ومنها ـ القيام مع القدرة إجماعا ومع العجز يصلى بحسب الإمكان ، قال في الذكرى بعد دعوى الإجماع على وجوبه : بل هو الركن الأظهر لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) والصحابة صلوا عليها قياما والتأسي واجب خصوصا في الصلاة لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «صلوا كما رأيتموني أصلي». ولأن الأصل بعد شغل الذمة عدم البراءة إلا بالقيام فيتعين. انتهى. والكلام فيه كما عرفت في الأول لأنه مسلم الصحة بينهم لا راد ولا مناقش فيه.

وفي الاكتفاء بصلاة العاجز مع وجود من يمكنه القيام اشكال ، من صدق الصلاة الواجبة بالنسبة الى ذلك المصلى ، ومن نقصها ووجود من يأتي بالصلاة الكاملة. ورجح في المدارك الثاني معللا بأن الأصل عدم السقوط بغير الصلاة الكاملة

__________________

(١) مسند احمد ج ٥ ص ٥٣.

٤٢٣

وجعل الأول احتمالا. وظاهره في الذكرى وكذا الفاضل الخراساني في الذخيرة التوقف ، وهو كذلك لعدم الدليل الواضح في المقام.

ومنها ـ وجوب الستر مع الإمكان على خلاف فيه ، فجزم العلامة (قدس‌سره) بعدم اعتباره ، قال لانه دعاء. وقال في الذكرى : الأقرب وجوب ستر العورة مع الإمكان إلحاقا لها بسائر الصلوات وبحكم التأسي. ثم قال : وقال الفاضل ليس الستر شرطا في صلاة الجنازة لأنها دعاء. ثم أجاب عنه وقال : قلت لا ريب انها تسمى صلاة وان اشتملت على الدعاء فتدخل تحت عموم الصلاة ، ويعارض بوجوب القيام والاستقبال فيها. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في كلامه (قدس‌سره) من الوهن وتطرق المناقشة إليه بأن الإطلاق أعم من الحقيقة ، والاستدلال على الوجوب الإلحاق بسائر الصلوات والتأسي مجازفة محضة في الأحكام الشرعية المطلوب فيها الثبوت بالأدلة القطعية دون مجرد التخمينات الظنية وإلا كان قولا على الله بغير علم ، وقد استفاضت الآيات والروايات بالنهي عنه ، ومن ذلك يظهر لك ان لا مستند لهم في جميع هذه الأحكام أزيد من الاتفاق والإجماع الذي يدعونه ، فان جميع ما ذكروه من هذه التعليلات العليلة وان جرى الخلف فيها على ما جرى عليه السلف لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، وليس في المقام دليل شرعي يمكن التمسك به سوى الاحتياط فإنه في مواضع الاشتباه واجب كما قدمنا تحقيقه في غير مقام.

قال في الذكرى : وفي وجوب ازالة الخبث عنه وعن ثوبه نظر من الأصل وانها دعاء وأخفية الخبث بالنسبة إلى الحدث ومن ثم صحت الصلاة مع الخبث لا مع بقاء حكم الحدث ، ومن إطلاق التسمية بالصلاة التي يشترط فيها ذلك والاحتياط. ولم أقف في هذا على نص ولا فتوى. انتهى.

أقول : ضعف الوجه الثاني أظهر من أن يحتاج الى بيان ، سيما بعد ما عرفت في ما قدمناه مما ظاهرهم الاتفاق عليه في هذا المكان ، ويزيده تأييدا ما في موثقة

٤٢٤

يونس بن يعقوب (١) «في الصلاة على الجنازة من غير وضوء؟ قال نعم انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك».

وما في صحيحة الحلبي الواردة في جواز الصلاة حين تغيب الشمس وحين تطلع (٢) قال «انما هو استغفار».

ومنها ـ وجوب الاستقبال بالميت بان يوضع رأسه عن يمين المصلى مستلقيا ورجلاه الى يسار المصلى ، قال ابن حمزة بحيث لو اضطجع على يمينه لكان بإزاء القبلة وعللوه بالتأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) وعدم يقين الخروج من العهدة بدونه.

والأظهر الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «انه سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه الى موضع رأسه قال : يسوى وتعاد الصلاة عليه وان كان قد حمل ما لم يدفن فان دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلى عليه وهو مدفون».

والحكم المذكور مما لا خلاف فيه بينهم ، لكن ينبغي أن يعلم ان ذلك انما يعتبر بالنسبة الى غير المأموم ولا بد ايضا من تقييده بصورة الإمكان ، فلو تعذر كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله سقط كما تقدم (٤) في صلاة الصادق (عليه‌السلام) على عمه زيد مصلوبا.

ومنها ـ انهم صرحوا بأنه لا يجوز الصلاة عليه إلا بعد تغسيله وتكفينه إلا ان يتعذر الكفن فإنه يجعل في قبره وتستر عورته ويصلى عليه.

والحكم الأول مما ظاهرهم الاتفاق عليه ، قال في المدارك : هذا قول العلماء كافة لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هكذا فعل وهكذا الصحابة والتابعون فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرما.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجنازة.

(٣) الوسائل الباب ١٩ من صلاة الجنازة.

(٤) في حديث ابى هاشم ص ٤٢٢.

٤٢٥

والأظهر في الاستدلال على عدم الجواز في الصورة المذكورة هو وجوب الاحتياط في مقام الاشتباه «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك» (١). والحكم الشرعي في الشبهات هو الوقوف عن الفتوى والعمل بالاحتياط في مقام العمل وفعل ذلك الشي‌ء ، وحينئذ فالأحوط وجوبا أن لا يصلى عليه إلا بعد الغسل والتكفين

واما الحكم الثاني فيدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس عليهم إلا إزار كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته فتستر عورته باللبن وبالحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن. قلت فلا يصلى عليه إذا دفن. الحديث».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة (٣) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قوم كسر بهم مركب في بحر فخرجوا يمشون على الشط فإذا هم برجل ميت عريان والقوم ليس عليهم إلا مناديل متزرين بها وليس عليهم فضل ثوب يوارون الرجل فكيف يصلون عليه وهو عريان؟ فقال إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره ويضعوه في لحده ويوارون عورته بلبن أو أحجار أو تراب ثم يصلون عليه ثم يوارونه في قبره. قلت ولا يصلون عليه وهو مدفون بعد ما يدفن؟ قال لا لو جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلا يصلى على المدفون ولا على العريان». ومقتضى إطلاق الأمر بالستر عدم إناطته بوجود الناظر.

وذكر الشهيد في الذكرى انه ان أمكن ستره بثوب صلى عليه قبل الوضع في اللحد وتبعه الشهيد الثاني مصرحا بالوجوب ، والرواية الثانية دالة عليه وان كان إطلاق

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٦ من صلاة الجنازة.

٤٢٦

الأولى يدفعه والظاهر انه كذلك. قال في المدارك بعد نقل كلام الذكرى : ولا ريب في الجواز نعم يمكن المناقشة في الوجوب.

المقام الثاني في المستحبات : ومنها ـ ان يقف الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة على المشهور ، وقال الشيخ في الاستبصار انه يقف عند رأس المرأة وصدر الرجل.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه».

وعن جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقوم من الرجل بحيال السرة ومن النساء أدون من ذلك قبل الصدر».

ويدل على ما ذهب اليه الشيخ ما رواه هو وقبله الكليني عن موسى بن بكير عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره». والشيخ في التهذيب حمل الصدر في هذا الخبر على الوسط والرأس على الصدر ، قال لأنه يعبر عن الشي‌ء باسم ما يجاوره. والأظهر الجمع بين الاخبار بالتخيير.

ومنها ـ استحباب الطهارة والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم اشتراط الطهارة من الحديث في الصلاة على الميت ، نقل اتفاقهم عليه العلامة في التذكرة.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل تفجأه الجنازة وهو على غير طهر؟ قال فليكبر معهم».

وما رواه الكليني والشيخ في الموثق وابن بابويه بإسناد فيه ضعف عن يونس

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٧ من صلاة الجنازة.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجنازة.

٤٢٧

ابن يعقوب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء؟ فقال نعم انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تسبح وتكبر في بيتك على غير وضوء».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال نعم ولا تقف معهم مفردة». كذا في التهذيب ، وفي الكافي (٣) «ولا تصف معهم».

وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت تصلي الحائض على الجنازة؟ قال نعم ولا تصف معهم وتقوم مفردة».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة؟ قال تتيمم وتصلى عليها وتقوم وحدها بارزة عن الصف».

وعن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الحائض تصلي على الجنازة؟ فقال نعم. ولا تقف معهم والجنب يصلى على الجنازة».

وقال (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (٧) : ولا بأس ان يصلى الجنب على الجنازة والرجل على غير وضوء والحائض إلا ان الحائض تقف ناحية ولا تختلط بالرجال وان كنت جنبا وتقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ وصل عليها ، وقد أكره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة لأنه ليس بالصلاة انما هو التكبير ، والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود. انتهى.

أقول : ما دل عليه جملة من هذه الاخبار من تأخر الحائض يحتمل أن يكون المراد تأخرها ولو عن من تكون بصفها من النساء كما هو ظاهر الأصحاب ، قال في

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجنازة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة الجنازة.

(٧) ص ١٩.

٤٢٨

التذكرة : وإذا صلوا جماعة ينبغي أن يتقدم الامام والمؤتمون خلفه صفوفا ، وان كان فيهم نساء وقفن آخر الصفوف ، وان كان فيهم حائض انفردت بارزة عنهم وعنهن. ونحوه قال في المنتهى.

ويحتمل أن يكون المراد تأخرها عن صف الرجال فلا اختصاص له بالحائض بل هذا حكم مطلق النساء ، ويؤيده لفظ الرجال في عبارة كتاب الفقه الرضوي وتذكير ضمير «معهم» في الروايات المتقدمة ، ومن ثم قال في الذكرى : وفي انفراد الحائض هنا نظر ، من خبر محمد بن مسلم فان الضمير يدل على الرجال وإطلاق الانفراد يشمل النساء ، وبه قطع في المبسوط وتبعه ابن إدريس والمحقق. انتهى.

والاستدلال بهذه الأخبار على تأخرها عن النساء كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا يخلو من الإشكال ولم أقف على غيرها في هذا المجال.

وأما ما اشتملت عليه عبارة كتاب الفقه الرضوي من الوضوء للجنب فلم أقف عليه إلا في الكتاب دون غيره من الأخبار وكلام الأصحاب وانما المذكور التيمم للمحدث وان أمكن الغسل والوضوء. واما قوله : «واكره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة» فالظاهر ان المراد بقوله «عمدا» يعنى بنية الوجوب إذ لا خلاف في الاستحباب نصا وفتوى. والله العالم.

واما ما يدل على الحكم الأول فمنه ما رواه الكليني والشيخ عنه عن صفوان بن يحيى عن عبد الحميد بن سعد (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فان ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة أيجزئنى أن أصلي عليها وانا على غير وضوء؟ قال تكون على طهر أحب الى».

وقد تقدم في باب التيمم جوازه مع وجود الماء في صلاة الجنازة إذا خاف فوت الصلاة محافظة على الطهارة بالممكن.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجنازة.

٤٢٩

ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها؟ قال يتيمم ويصلى».

وأطلق الشيخ وجماعة جواز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء لموثقة سماعة (٢) قال «سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم».

أقول : يمكن تقييد إطلاقها بما دلت عليه رواية الحلبي المذكورة من خوف فوت الصلاة فلا يحتاج الى الطعن فيها بضعف السند كما ذكره في المدارك.

ومنها ـ استحباب نزع النعلين حال الصلاة وهو مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا يعلم فيه مخالف كما ذكره غير واحد منهم.

والأصل فيه ما رواه الشيخ عن سيف بن عميرة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال «لا يصلى على الجنازة بحذاء ولا بأس بالخف». وهو مؤذن بتخصيص النهى بالنعل خاصة كما هو المصرح به في كلام الأصحاب لأن الحذاء هو النعل ، قال في النهاية الحذاء بالمد النعل.

واستحب المحقق في المعتبر الحفاء ، قال لأنه موضع اتعاظ فناسب التذلل بالحفاء ولقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤) «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار».

وقال الصدوق في الفقيه : وقال ابى في رسالته الى «لا تصل على الجنازة بنعل حذو ولا تجعل ميتين على جنازة».

أقول : هذه العبارة عين كلام الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي وكذا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجنازة. والراوي هو الحلبي.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجنازة.

(٣) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة الجنازة.

(٤) الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ١٦٤.

٤٣٠

ما ذكره في الفقيه بعدها ايضا حيث قال (عليه‌السلام) : ولا تصل على الجنازة بنعل حذو ولا تجعل ميتين على جنازة واحدة. الى آخره.

قيل أراد (عليه‌السلام) بالنعل الانتعال وهو لبس النعل ، وفي الصحاح : نعلت وتنعلت إذا احتذيت. وإضافته إلى الحذو لعله بمعنى الحذاء للتوضيح. وقيل يحتمل أن يكون مرادهم بنعل الحذو والحذاء غير العربية من النعال الهندية والعجمية الساترة لظهر القدم أو أكثره بغير ساق.

وقال الصدوق في المقنع على ما نقله في الذكرى : وروى انه لا يجوز للرجل أن يصلى على الجنازة بنعل حذو ، وكان محمد بن الحسن يقول : كيف تجوز صلاة الفريضة ولا تجوز صلاة الجنازة. وكان يقول لا نعرف النهى عن ذلك إلا من رواية محمد بن موسى الهمداني (١) وكان كذابا ، وقال الصدوق : وصدق في ذلك إلا انى لا اعرف عن غيره رخصة واعرف النهى وان كان من غير ثقة ولا يرد الخبر بغير خبر معارض. قال في الذكرى بعد نقل ذلك : قلت : وروى الكليني عن عدة عن سهل ابن زياد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة ما قلناه (٢) وهذا طريق غير طريق الهمداني إلا ان يفرق بين الحذاء ونعل الحذو. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ظاهر كلام الصدوق في عدوله عن مذهب شيخه هنا ان الخبر وان كان ضعيفا عنده فإنه يعمل به إذا لم يكن معارض أقوى وأما مع وجود المعارض الأقوى فإنه يطرح ولا يجب تحصيل وجه يحمل عليه ، وهو خلاف ما عليه ظاهر الأصحاب قديما وحديثا ، فان الظاهر من كلامهم ـ كما دلت عليه الآية والرواية (٣) ـ ان خبر الفاسق من كذاب وغيره لا يثبت به حكم شرعي فكيف

__________________

(١) الرواية المشار إليها لم نقف عليها في كتب الحديث. والعبارة المنقولة عن المقنع لم نجدها في المقنع المطبوع في مظانها.

(٢) ص ٤٣٠.

(٣) اما الآية فقوله تعالى في سورة الحجرات الآية ٦ «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» واما الرواية فيمكن أن يستفاد ذلك من ما ورد في الباب ١١ من صفات القاضي وما يجوز

٤٣١

يتوقف رده على خبر معارض؟ وأعجب من ذلك عدم تنبه شيخنا الشهيد (قدس‌سره) لما قلناه.

والعجب ايضا من شيخنا الصدوق ان عبارة أبيه في الرسالة اليه المأخوذة كما عرفت من كتاب الفقه الرضوي الذي اعتمد عليه هو وأبوه في جميع أبواب الفقه مما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى قد دلت على النهى عن ذلك فكيف لم يستند الى ذلك واستند إلى رواية الهمداني مع اعترافه بان راويها كذاب. اللهم إلا ان يقال ان عبارة كتاب الفقه لا صراحة فيها في الدلالة على التحريم كما هو ظاهر عبارته في المقنع من قوله «لا يجوز» والكلام انما هو في التحريم كما تؤذن به هذه العبارة وحينئذ يكون هذا بحثا آخر خارجا عن ظاهر كلام الأصحاب. والله العالم.

ومنها ـ استحباب ترتيب الجنائز متى تعددت بالذكورة والأنوثة والصغرى والكبر والحرية والمملوكية.

وينبغي أن يعلم أولا انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما نقله في المنتهى في جواز الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة. واستشكل جمع من الأصحاب الصلاة الواحدة في صورة اجتماع الصبي الذي لم يبلغ الست مع غيره ممن تجب الصلاة عليه لاختلاف الوجه ، والحق انه لا اشكال بحمد الملك المتعال كما سيأتي بيانه في المقام ان شاء الله تعالى.

وقد صرح جملة من الأصحاب بأن الأفضل التفريق بان يصلى على كل جنازة على حيالها ، قال في الذكرى : والتفريق أفضل ولو كان على كل طائفة لما فيه من تكرار ذكر الله وتخصيص الدعاء الذي هو أبلغ من التعميم ، إلا أن يخالف حدوث أمر على الميت فالصلاة الواحدة أولى فيستحب إذا اجتمع الرجل والمرأة محاذاة

__________________

ان يقضى به من الوسائل من الأحاديث الظاهرة في إناطة أخذ الحكم من الراوي بكونه ثقة ومأمونا ، وتعضده الأخبار الواردة في عدم قبول شهادة الفاسق في الباب ٣٠ من الشهادات من الوسائل.

٤٣٢

صدرها لوسطه ليقف الامام موقف الفضيلة وان يلي الرجل الامام ثم الصبي لست ثم العبد ثم الخنثى ثم المرأة ثم الطفل لدون ست ثم الطفلة ، وجعل ابن الجنيد الخصى بين الرجل والخنثى ، ونقل في الخلاف الإجماع على تقديم الصبي الذي تجب عليه الصلاة الى الامام على المرأة ، ثم قال : وأطلق الصدوقان تقديم الصبي الى الامام. وفي النهاية أطلق تقديم الصبي إلى القبلة. انتهى.

أقول : ما ذكره من تقييد الطفل بكونه لدون ست سنين مبنى على ما قدمنا نقله عنهم مما اشتهر بينهم انه يستحب الصلاة عليه حيث انهم جعلوا ذلك وجه جمع بين أخبار المسألة ، ومن أجل ذلك استشكل بعضهم ـ كما قدمنا ذكره ـ في الصلاة الواحدة في هذه الحال لاختلاف الوجه.

قال في المدارك ـ بعد قول المصنف ولو كان طفلا جعل وراء المرأة ـ ما لفظه المراد بالطفل هنا من لا تجب الصلاة عليه كما نص عليه في المعتبر ، واستدل على استحباب جعله وراء المرأة بأن الصلاة لا تجب عليه وتجب على المرأة ومراعاة الواجب أولى فتكون مرتبتها أقرب الى الامام. وقال ابنا بابويه يجعل الصبي الى الامام والمرأة إلى القبلة وأسنده المصنف في المعتبر إلى الشافعي (١) واستحسنه لما رواه الشيخ عن ابن بكير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «توضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهن والرجال دون ذلك». قال : وهذه الرواية وان كانت ضعيفة لكنها سليمة من المعارض ولا بأس به. واستشكل جمع من الأصحاب الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا لاختلاف الوجه ، وصرح العلامة في التذكرة بعدم

__________________

(١) في الأم ج ١ ص ٢٤٤ «إذا اجتمعت جنائز رجال ونساء وصبيان وخناثى جعل الرجال مما يلي الامام وقدم الى الامام أفضلهم ثم الصبيان يلونهم ثم الخناثى يلونهم ثم النساء خلفهم مما يلي القبلة» وفي الوجيز ج ١ ص ٤٦ «إذا اجتمعت الجنائز يقرب من الامام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة».

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجنازة.

٤٣٣

جواز جمع الجميع بنية واحدة متحدة الوجه. ثم قال ولو قيل بإجزاء الواحدة المشتملة على الوجهين بالتقسيط أمكن. وهو مشكل لان الفعل الواحد الشخصي لا يتصف بوصفين متنافيين. وقال في الذكرى انه يمكن الاكتفاء بنية الوجوب لزيادة الندب تأكيدا. وهو مشكل أيضا لأن الوجوب مضاد للندب فلا يكون مؤكدا له. والحق انه لم يثبت الاجتزاء بالصلاة الواحدة بنص أو إجماع وجب نفيه لأن العبادة كيفية متلقاة من الشارع فيقف إثباتها على النقل ، وان ثبت الاجتزاء بذلك كان الإشكال مندفعا بالنص كما في تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة ، وعلى هذا فيكون المراد ان الغرض المطلوب من الصلاة على الطفل يتأدى بالصلاة الواجبة على هذا الوجه كما تتأدى وظيفة غسل الجمعة بإيقاع غسل الجنابة في ذلك اليوم. انتهى.

وانما أطلنا الكلام بنقله بالتمام لتطلع بذلك على كلامهم في المقام وما وقع لهم من النقض والإبرام وان كان نفخا في غير ضرام كما لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في أخبارهم (عليهم‌السلام).

وذلك ان منشأ الشبهة التي أوجبت لهم هذا الاضطراب والوقوع في هذا الإشكال الذي اختلفت في المخرج عنه كلمة الأصحاب هو الأخبار الدالة على مذهب ابن الجنيد وهو وجوب الصلاة على من استهل وان لم يبلغ ست سنين ، وهم قد جمعوا بينها وبين الأخبار المقيدة للوجوب بست سنين بالحمل على الاستحباب كما هي القاعدة عندهم في جميع الأبواب ، ونحن قد أوضحنا في ما تقدم (١) خروجها مخرج التقية بغير شك ولا ارتياب ، والصبيان الذين قد تضمنتهم مرسلة ابن بكير المذكورة انما أريد بهم من تجب الصلاة عليه ممن بلغ ست سنين فصاعدا لا الأطفال الذين لم يبلغوا ذلك. ومع فرض التصريح بالأطفال الذين لم يبلغوا هذا المبلغ فإنه يجب حمل الرواية على التقية لو كان الأمر كذلك كما حملت عليه تلك الأخبار.

وأما ما نقله عن ابن بابويه من قوله : «يجعل الصبي الى الامام والمرأة إلى

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٣ ص ٣٦٧ وص ٣٧٠.

٤٣٤

القبلة» فإنما أراد به الصبي الذي تجب الصلاة عليه لا الطفل الذي هو محل البحث وكيف لا وهو قد روى في الكتاب صحيحة زرارة وعبيد الله بن على الحلبي (١) الدالة على «ان الصبي تجب عليه الصلاة إذا عقل الصلاة. قلت متى تجب الصلاة عليه؟ قال إذا كان ابن ست سنين. ثم قال وصلى أبو جعفر (عليه‌السلام) على ابن له صبي صغير له ثلاث سنين. ثم قال لو لا ان الناس يقولون ان بنى هاشم لا يصلون على الصغار من أولادهم ما صليت عليه» وهذا مضمون صحيحة زرارة التي قدمناها في تلك المسألة (٢) ومن هنا يعلم ان مذهبه موافق للمشهور في تخصيص الوجوب بمن بلغ ستا وان نقص عن ذلك انما يصلى عليه تقية ، وحينئذ فكيف ينظم عبارته بمجرد تضمنها لفظ الصبي في هذه المسألة المخصوصة ويخصها بمن لم يبلغ هذا المقدار. وبالجملة فإن نقل الرواية المذكورة وكلام الصدوق المذكور هنا مغالطة أو غفلة ظاهرة.

وبذلك يظهر لك ما في قوله : وأسنده المصنف في المعتبر إلى الشافعي واستحسنه لما رواه. الى آخره. ثم قال ولا بأس به ، فان فيه ان قول الشافعي (٣) بذلك انما هو لوجوب الصلاة عندهم على الأطفال الذين لم يبلغوا الست (٤) كما هو مذهب ابن الجنيد فهو صحيح على مذهبهم وأما عندنا فلا ، والخبر الذي قد استند اليه قد عرفت الوجه فيه ، وبه يظهر ان نفيه البأس عن ذلك محل البأس بلا شبهة ولا التباس. على انه لم يقم لنا دليل على اعتبار نية الوجه لا في هذا الموضع ولا في غيره ، فالإشكال بسبب ذلك كما ذكروه ليس في محله كما لا يخفى على من راجع ما حققناه في بحث النية في كتاب الطهارة.

ثم انه مما يدل على تقديم الرجل الى الامام وتأخير المرأة أخبار عديدة منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الرجال

__________________

(١ و ٢) ص ٣٦٧ و ٣٦٨.

(٣) ارجع الى التعليقة ١ ص ٤٣٣.

(٤) ارجع الى التعليقة ٣ ص ٣٦٧.

(٥) الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجنازة.

٤٣٥

والنساء كيف يصلى عليهم؟ قال الرجال امام النساء مما يلي الإمام يصف بعضهم على اثر بعض».

وصحيحة زرارة والحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «في الرجل والمرأة كيف يصلى عليهما؟ قال يجعل الرجل والمرأة ويكون الرجل مما يلي الامام».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : فإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وغلام ومملوك فقدم المرأة إلى القبلة واجعل المملوك بعدها واجعل الغلام بعد المملوك والرجل بعد الغلام مما يلي الامام ويقف الامام خلف الرجل في وسطه ويصلى عليهم جميعا صلاة واحدة. ومما يدل على تقديم الحر على العبد والكبير على الصغير

رواية طلحة بن زيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان إذا صلى على المرأة والرجل قدم المرأة وأخر الرجل ، وإذا صلى على العبد والحر قدم العبد وأخر الحر ، وإذا صلى على الصغير والكبير قدم الصغير وأخر الكبير». بحمل التقديم فيها على التقديم إلى القبلة جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة.

ويحتمل أن يكون هذا الخبر على وجه الجواز والتخيير بين الأمرين ، ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (٤) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يصلى عليهما قال يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره ويكون رأسها أيضا مما يلي يسار الامام ورأس الرجل مما يلي يمين الإمام». فإن هذا الخبر كما ترى ظاهر بل صريح في خلاف الصورة المتقدمة ، ولا طريق الى الجمع بينه وبين ما قدمناه من الأخبار إلا بالقول بالتخيير كما هو ظاهر الشيخ في الاستبصار.

ومما يدل على كون الترتيب المذكور على وجه الاستحباب دون الوجوب صحيحة هشام بن سالم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا بأس بأن يقدم الرجل

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجنازة.

(٢) ص ١٩.

٤٣٦

وتؤخر المرأة ويؤخر الرجل وتقدم المرأة يعني في الصلاة على الميت». ويحتمل ما عرفت من التخيير ايضا ، وبالأول قال في التهذيب وبالثاني في الاستبصار ، والظاهر انه الأقرب لما عرفت من صحيحة عبيد الله الحلبي المذكورة.

ثم ان إطلاق أكثر الأخبار الواردة في المقام دال على وضع الجنائز مع الاختلاف قدام الإمام بأن تكون في صف واحد إلى جهة القبلة كل ميت بجنب الآخر ، إلا انه يقدم من حقه التقديم الى الامام ويؤخر من حقه التأخير على ما تقدم في عبارة الذكرى.

وظاهر موثقة عمار انه متى تعددت الجنائز جعلت صفا واحدا مثل الدرج بحيث يجعل رأس الثاني عند ألية الأول ، ولو كان فيها جنائز النساء جعلت في الصف ايضا ولكن بعد تمام صف الرجال فيجعل رأس المرأة عند ألية الرجل الأخير وهكذا ، وان الامام يقوم وسط الرجال.

وهي ما رواه في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يصلى على ميتين أو ثلاثة موتى كيف يصلى عليهم؟ قال (عليه‌السلام) ان كان ثلاثة أو اثنين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصل عليهم صلاة واحدة ، يكبر عليهم خمس تكبيرات كما يصلى على ميت واحد وقد صلى عليهم جميعا : يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر إلى ألية الأول ثم يجعل رأس الثالث إلى ألية الثاني شبه المدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا ، فإذا سواهم هكذا قام في الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على ميت واحد سئل فإن كان الموتى رجالا ونساء؟ قال يبدأ بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى ألية الأول حتى يفرغ من الرجال كلهم ثم يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل الأخير ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى ألية المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم ، فإذا سوى هكذا قام في الوسط وسط الرجال فكبر وصلى عليهم كما يصلى على ميت واحد».

قال في الذكرى : لو اجتمع الرجال صفوا مدرجا يجعل رأس الثاني الى

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجنازة.

٤٣٧

ألية الأولى وهكذا ثم يقوم الإمام في الوسط ، ولو كان معهم نساء جعل رأس المرأة الأولى الى ألية الرجل الأخير ثم الثانية إلى ألية الأولى وهكذا ، ثم يقوم الإمام في وسط الرجال ويصلى عليهم صلاة واحدة ، روى ذلك كله عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (١). انتهى.

أقول : رواية عمار قد رواها الكليني في الكافي (٢) والشيخ في التهذيب (٣) وهي في الكافي كما نقلناه وذكره شيخنا المذكور ، وأما في التهذيب فان فيه «ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى رأس المرأة الأولى» ومثله في المنتهى ، والظاهر انه أخذه من التهذيب ، ولا يبعد انه سهو من قلم الشيخ فان الموافق لسياق الرواية انما هو ما في الكافي. وظاهر كلام شيخنا الشهيد في الذكرى تخصيص إطلاق تلك الروايات بهذه الرواية.

وكيف كان فعندي في العمل برواية عمار إشكال ، فإنه متى طال الصف وقام الإمام في وسط الرجال فان قرب الإمام إلى الجنازة التي يقوم بحذائها كما هو السنة في الصلاة على الجنازة لزم تأخر ميمنة الصف خلفه وان بعد على وجه تكون الميمنة قدامه لزم خلاف السنة في الصلاة. ولم أر من تعرض لهذا الإشكال في هذا المجال. والله العالم.

ومنها ـ استحباب كثرة المصلين ، قال في الذكرى : يستحب كثرة المصلين لرجاء مجاب الدعوة فيهم وفي الأربعين بلاغ ، ففي الصحاح عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤) «ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه». وروينا عن عمر بن يزيد عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) «إذا مات المؤمن فحضر جنازته

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من صلاة الجنازة.

(٢) الفروع ج ١ ص ٤٨.

(٣) ج ١ ص ٣٤٤.

(٤) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٥١ وسنن البيهقي ج ٤ ص ٣٠.

(٥) الوسائل الباب ٩٠ من الدفن.

٤٣٨

أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا قال الله تعالى قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون» والمائة أبلغ لما في الصحاح عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «ما من ميت يصلى عليه امة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه».

أقول : ومما يدل على ذلك من طريقنا ما نقله شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار (٢) عن كتاب الزهد للحسين بن سعيد عن إبراهيم بن ابى البلاد عن سعد الإسكاف عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال : «كان في بني إسرائيل عابد فأعجب به داود (عليه‌السلام) فأوحى الله تعالى اليه لا يعجبك شي‌ء من أمره فإنه مراء ، قال فمات الرجل فاتى داود (عليه‌السلام) فقيل له مات الرجل فقال ادفنوا صاحبكم قال فأنكرت ذلك بنو إسرائيل وقالوا كيف لم يحضره؟ قال فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا فلما صلوا عليه قام خمسون رجلا فشهدوا بالله انهم ما يعلمون إلا خيرا قال فأوحى الله عزوجل الى داود (عليه‌السلام) ما منعك أن تشهد فلانا؟ قال الذي أطلعتني عليه من امره ، قال انه كان كذلك ولكن شهده قوم من الأحبار والرهبان فشهدوا انهم ما يعلمون إلا خيرا فأجزت شهادتهم عليه وغفرت له مع علمي فيه».

ثم قال شيخنا المذكور في تتمة كلامه المتقدم : وأقل الفضل اثنان لما في الصحاح عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «أيما مؤمن شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. قلنا وثلاثة؟ قال وثلاثة. قلنا واثنان؟ قال واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد». وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الصحاح (٤) «انهم مروا بجنازة فاثنوا عليها خيرا فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وجبت ثم مروا بأخرى فاثنوا عليها شرا فقال وجبت فقيل له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما وجبت؟ فقال هذا اثنيتم عليه خيرا فوجبت له

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٥٠ وسنن البيهقي ج ٤ ص ٣٠.

(٢) ج ١٨ الطهارة ص ٢٨٠.

(٣) صحيح البخاري باب ثناء الناس على الميت كتاب الجنائز.

(٤) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٥١ باب من يثنى عليه خير أو شر.

٤٣٩

الجنة وهذا اثنيتم عليه شرا فوجبت له النار ، المؤمنون شهداء الله في الأرض». قال الفاضل : وليكونوا ثلاثة صفوف لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب». قلت : الخبر عامي ولكن فضائل الأعمال ربما تثبت بالخبر الضعيف. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في اعتراضه على الفاضل بان الخبر عامي مع ان جل اخباره التي أوردها في المقام عامية ، والاعتذار الذي ذكره مما لا يسمن ولا يغني من جوع كما تقدم تحقيقه. والله العالم.

ومنها ـ استحباب رفع اليدين بالتكبيرات كملا ، أما استحباب الرفع في التكبير الأول فهو مجمع عليه كما نقله غير واحد من الأصحاب وانما الخلاف في البواقي والأظهر انه كذلك ، وهو اختيار الفاضلين وظاهر الشيخ في كتابي الأخبار واليه يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة ، والمشهور العدم وانه غير مستحب وذهب اليه الشيخ المفيد والمرتضى والشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس وغيرهم

ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن العرزمي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «صليت خلف ابى عبد الله (عليه‌السلام) على جنازة فكبر خمسا يرفع يده في كل تكبيرة».

وعن يونس (٣) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) قلت جعلت فداك ان الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى ولا يرفعون في ما بعد ذلك فاقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو ارفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال ارفع يدك في كل تكبيرة».

وعن محمد بن عبد الله بن خالد مولى بنى الصيداء (٤) «انه صلى خلف جعفر بن محمد (عليه‌السلام) على جنازة فرآه يرفع يديه في كل تكبيرة».

__________________

(١) سنن ابى داود ج ٣ ص ٢٠٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من صلاة الجنازة.

٤٤٠