الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

في الصلاة صفوف جميع الصلوات الشاملة لصلاة الجنازة وغيرها ، والمراد بصفوف الجنائز انما هو الجنائز المختلفة إذا وضعت بين يدي الإمام للصلاة عليها ، وان المراد خير الصفوف في الصلاة الصف المقدم أى ما كان أقرب الى القبلة وخير الصفوف في الجنائز المؤخر أي ما كان أبعد من القبلة وأقرب الى الامام ، ولما كان الأشرف في جميع المواضع متعلقا بالرجال صار كل من الحكمين سببا لستره النساء لأن تأخرهن في الصفوف سترة لهن وتأخر جنائزهن لكونه سببا لبعدهن عن الرجال المصلين سترة لهن ، فاستقام التعليل في الجزأين وسلم الكلام عن ارتكاب الحذف والمجاز وصار الحكم مطابقا لما دلت عليه الأخبار. والعجب من الأصحاب كيف غفلوا عن هذا الاحتمال الظاهر وذهبوا الى ما يحتاج الى تلك التكلفات البعيدة الركيكة ، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. انتهى. وهو جيد كما لا يخفى على الفطن النبيه.

إلا انه قال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) «وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير». وهو كما ترى موافق لما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) وفهموه من خبر السكوني.

وقال الصدوق في الفقيه : وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير والعلة في ذلك ان النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنائز فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير». فتأخرن إلى الصف الأخير فبقي فضله على ما ذكره (عليه‌السلام). وصدر عبارته كما ترى عين عبارة كتاب الفقه.

ومن الظاهر ان العلة التي ذكرها إنما أخذها من نص وصل اليه بذلك لانه من أرباب النصوص الذين لا يعولون إلا عليها بالخصوص دون التخريجات العقلية وحينئذ فتكون هذه رواية ثانية مطابقة لما في كتاب الفقه ، وما ذكره شيخنا المشار اليه وان تم في رواية السكوني إلا انه لا يتم في هذين الخبرين.

__________________

(١) ص ١٩.

٤٠١

ويمكن الجمع بين ما ذكره وذكرناه بان ما ذكره المتقدمون من هذا الحكم لا ينحصر دليله في الرواية المذكورة ، لما عرفت في غير موضع انه كثيرا ما يذكرون الأحكام التي لم تصل أدلتها إلى المتأخرين فيعترضونهم تارة بعدم وجود الدليل ـ ودليله موجود في هذا الكتاب كما مر بيانه في غير مقام ـ وربما يتكلفون لهم الاستدلال بخبر أو دليل عقلي ، ومن المحتمل ان الأمر هنا من هذا القبيل فإن المتأخرين حيث لم يصل إليهم إلا هذا الخبر استدلوا به ظنا منهم انه الدليل والحال ان الدليل شي‌ء غيره مما ذكرناه ، والخبر المذكور انما خرج على الوجه الذي ذكره شيخنا المشار اليه. والله العالم.

المطلب الثالث ـ في الكيفية وهي على ما تضمنه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان يكبر تكبيرة الإحرام ثم يتشهد عقيبها الشهادتين ثم يكبر ثانية ثم يصلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم يكبر ثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبر رابعة ويدعو للميت ان كان مؤمنا ثم خامسة وينصرف.

والمستند في هذه الكيفية ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن محمد بن مهاجر عن امه أم سلمة (١) قالت «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة ودعا للميت ثم كبر وانصرف ، فلما نهاه الله عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد ثم كبر وصلى على النبيين ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة وانصرف».

ورواه الصدوق في العلل (٢) بوجه أبسط وفيه في التكبير الثاني على المؤمن «فصلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)» عوض قوله في رواية الكافي «على الأنبياء» ومثلها في الصلاة على المنافق.

وفي الفقيه (٣) نقل متن الخبر قال : وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى على ميت. وساق الخبر ، وفيه في التكبير الثاني في الموضعين «ثم كبر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجنازة. وفي آخر الرواية هكذا «ولم يدع للميت».

(٢) ص ١٠٩.

(٣) ج ١ ص ١٠٠.

٤٠٢

فصلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وفي معنى هذه الرواية ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسماعيل بن همام عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على جنازة فكبر عليه خمسا وصلى على آخر فكبر عليه أربعا ، فأما الذي كبر عليه خمسا فحمد الله ومجده في التكبيرة الاولى ودعا في الثانية للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ودعا في الرابعة للميت وانصرف في الخامسة. واما الذي كبر عليه أربعا فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى ودعا لنفسه وأهل بيته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الثانية ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة وانصرف في الرابعة ولم يدع له لأنه كان منافقا».

وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع (الأول) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الدعاء بين التكبيرات ، بل قال في الذكرى ان الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة كابني بابويه والجعفي والشيخين وأتباعهما وابن إدريس ولم يصرح أحد منهم بندب الأذكار ، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب. وذهب المحقق في الشرائع صريحا وفي النافع ظاهرا الى الاستحباب.

والأظهر الأول لوقوع الأمر به في الأخبار المتكاثرة الآتية في المقام ووقوع ذلك في بيان كيفية الواجب كما في رواية أبي بصير (٢) «انها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات».

ولم نقف لما ذكره المحقق على مستند واضح إلا انه قال السيد السند في المدارك : وربما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمنة لأن الصلاة على الميت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك. انتهى.

أقول : ومن الأخبار المشار إليها ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل الباب ٥ من صلاة الجنازة رقم ١٢.

٤٠٣

ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «التكبير على الميت خمس تكبيرات». وفي معناها غيرها.

وأنت خبير بأن إطلاق هذه الاخبار يجب تقييده بما أشرنا إليه من تلك الأخبار حملا للمطلق على المقيد كما هي القاعدة المسلمة بينهم. وما ذكره من كون هذه الأخبار واردة في مقام البيان يمكن أن يجاب عنه بعد الإغماض عما ذكرنا بأنه من الجائز ان المراد انما هو بيان كمية التكبير لوقوع الاختلاف فيه بين الخاصة والعامة (٢) لا بيان كيفية الصلاة كما ادعاه. وظاهر صاحب المدارك حيث نقل الحجة المذكورة للمحقق ولم يطعن فيها بشي‌ء الجمود عليها ، وفيه ما عرفت.

الثاني ـ انه على تقدير القول بالوجوب فهل يتعين فيها شي‌ء مخصوص أم لا؟ ظاهر المشهور بين المتأخرين الأول ، فإنه قد صرح العلامة ومن تأخر عنه

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من صلاة الجنازة.

(٢) في بدائع الصنائع ج ١ ص ٣١٢ «اختلفت الروايات في فعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فروى عنه الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك إلا ان آخر فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان اربع تكبيرات ، وعمر جمع الصحابة حين اختلفوا في عدد التكبير وقال انكم اختلفتم في عدد التكبير ومن يأتي بعدكم يكون أشد منكم اختلافا فانظروا آخر صلاة صلاها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على جنازة فخذوا به فوجدوه انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى على امرأة فكبر أربعا فاتفقوا على ذلك فكان هذا دليلا على كون التكبيرات في صلاة الجنازة أربعا» وفي شرح صحيح مسلم للنووي على هامش إرشاد الساري ج ٤ ص ٢٨٤ «كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكبر أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعا وثبت على ذلك. واختلفت الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات الى تسع ، وروى عن على (عليه‌السلام) انه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى سائر الصحابة خمسا وعلى غيرهم أربعا. وانعقد الإجماع بعد ذلك على الأربع ، ولا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن ابى ليلى» وفي عمدة القارئ ج ٤ ص ٢٦ «فرقة تكبر سبعا وفرقة تكبر ثلاثا وقيل ست ، وقال القاصي أبو محمد أكثره سبع تكبيرات وأقله ثلاث. وذهبت الشيعة وابن ابى ليلى وزيد بن أرقم إلى الخمس وتبعهم الظاهرية وأبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة».

٤٠٤

بوجوب التشهد في الأولى والصلاة على النبي وآله في الثانية والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة والدعاء للميت في الرابعة.

ونقل عن ابن الجنيد انه ليس في الدعاء بين التكبيرات شي‌ء موقت لا يجوز غيره ، والى هذا مال جماعة من متأخري المتأخرين ، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى ايضا ، وهو الأظهر.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة في الصحيح (١) «انهما سمعا أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت إلا أن تدعوا بما بدا لك ، وأحق الأموات أن يدعى له أن يبدأ بالصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر ابن يحيى وإسماعيل الجعفي عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك ، وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن وان يبدأ بالصلاة على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجنازة أيصلى عليها على غير وضوء؟ فقال نعم انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل. الحديث».

الثالث ـ انه على تقدير القول المشهور من وجوب الأذكار الأربعة المتقدمة لا يتعين فيها لفظ مخصوص وبه صرح كثير من الأصحاب ، قال شيخنا الشهيد في الذكرى : والمشهور توزيع الأذكار على ما مر ونقل الشيخ فيه الإجماع ، ولا ريب انه كلام الجماعة إلا ابن ابى عقيل والجعفي فإنهما أوردا الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة وان تخالفا في الألفاظ ، قال الفاضل وكلاهما جائز. قلت لاشتمال ذلك على الواجب والزيادة غير منافية مع ورود الروايات بها وان كان العمل بالمشهور أولى ، وينبغي

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من صلاة الجنازة.

(٣) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجنازة. والرواية للكليني والشيخ يرويها عنه.

٤٠٥

مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم (عليهم‌السلام). انتهى.

أقول : والأخبار الواردة في المسألة مع كثرتها وتعددها لا تجد فيها خبرا يوافق الآخر في تعيين الأذكار وتشخيصها ، ولنورد منها جملة في المقام لتحيط خبرا بما اشتملت عليه من الكلام :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى ولاد ورواه ثقة الإسلام بإسنادين أحدهما من الصحيح أو الحسن عنه (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير على الميت فقال خمس : تقول في أولاهن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم صل على محمد وآل محمد. ثم تقول : اللهم ان هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك وقد قبضت روحه إليك وقد احتاج الى رحمتك وأنت غنى عن عذابه اللهم انا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا وأنت أعلم بسريرته اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته. ثم تكبر الثانية وتفعل ذلك في كل تكبيرة».

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تكبر ثم تشهد ثم تقول انا لله وانا إليه راجعون الحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة صل على محمد وأهل بيته جزى الله عنا محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خير الجزاء بما صنع بأمته وبما بلغ من رسالات ربه. ثم تقول اللهم عبدك وابن عبدك ابن أمتك ناصيته بيدك خلا من الدنيا واحتاج الى رحمتك وأنت غنى عن عذابه اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا ، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه وان كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك ، اللهم ألحقه بنبيك وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى واهدنا وإياه صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات».

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى عبد الله

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجنازة.

٤٠٦

(عليه‌السلام) (١) «في الصلاة على الميت؟ قال تكبر ثم تصلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم تقول اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك لا اعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منى ، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه وان كان مسيئا فاغفر له ذنبه وافسح له في قبره واجعله من رفقاء محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ثم تكبر الثانية وتقول ، اللهم ان كان زكيا فزكه وان كان خاطئا فاغفر له. ثم تكبر الثالثة وتقول : اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده. ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم اكتبه عندك في عليين واخلف على عقبه في الغابرين واجعله من رفقاء محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ثم كبر الخامسة وانصرف».

ومنها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن الصلاة على الميت فقال تكبر خمس تكبيرات تقول أول ما تكبر : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى الأئمة الهداة و (اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ،) اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا من المؤمنين والمؤمنات والف قلوبنا على قلوب أخيارنا واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من تشاء الى صراط المستقيم. فان قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك تقول : اللهم عبدك ابن عبدك وابن أمتك أنت أعلم به منى افتقر الى رحمتك واستغنيت عنه اللهم فتجاوز عن سيئاته وزد في إحسانه واغفر له وارحمه ونور له في قبره ولقنه حجته وألحقه بنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده. تقول هذا حتى تفرغ من خمس تكبيرات». وزاد في التهذيب (٣) «فإذا فرغت سلمت عن يمينك».

قال في الوافي ذيل هذا الخبر : قوله (عليه‌السلام) «فان قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك» كأنه أريد به انك ان كنت مأموما لمخالف فكبر الإمام الثانية قبل فراغك من هذا الدعاء أو بعده وقبل الإتيان بما يأتي فلا يضرك ذلك القطع بل تأتى بتمامه

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجنازة.

٤٠٧

أو بما يأتي بعد الثانية بل الثالثة والرابعة حتى تتم الدعاء. وقوله (عليه‌السلام) «تقول اللهم» أى تقول هذا بعد ذاك سواء قطع عليك بأحد المعنيين أو لم يقطع ، وفي التهذيب «فقل» بدل «تقول» وقوله في آخر الحديث «تقول هذا» يعنى تكرر المجموع أو هذا الأخير ما بين كل تكبيرتين. وفي التهذيب «حين تفرغ» مكان «حتى تفرغ» وعلى هذا يكون معناه أن تأتي بالدعاء الأخير بعد الفراغ من الخمس. وفيه بعد والظاهر انه تصحيف. والتسليم شاذ ولهذا ترك في الكافي ما تضمنه من الأخبار رأسا ولم يورده في هذا الخبر ، وحمله في التهذيب على التقية (١) وينافيه ذكر الخمس في عدد التكبيرات. انتهى.

ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن كليب الأسدي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير على الميت فقال بيده : خمسا. قلت كيف أقول إذا صليت عليه؟ قال تقول : اللهم عبدك احتاج الى رحمتك وأنت غنى عن عذابه اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فاغفر له».

أقول : الظاهر ان المراد هو الإتيان بهذا الدعاء بين كل تكبيرتين وأما احتمال انه بعد الرابعة بالخصوص بعد الإتيان بما هو الموظف في روايتي أم سلمة وإسماعيل بن همام (٣) فالظاهر بعده.

ومنها ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الصلاة على الميت فقال تكبر ثم تقول (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا

__________________

(١) في المهذب ج ١ ص ١٣٣ «في الأم يكبر في الرابعة ويسلم مثل تسليم الصلاة ، وهل يسلم تسليمة أو تسليمتين؟ على ما ذكرناه في الصلاة» وفي المغني ج ٢ ص ٤٩١ «يسلم تسليمة واحدة عن يمينه بعد التكبير للرابعة» وفي البدائع ج ١ ص ٣١٣ «يكبر للرابعة ويسلم تسليمتين».

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجنازة.

(٣) ص ٤٠٣.

٤٠٨

تَسْلِيماً ،) اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وعلى أئمة المسلمين اللهم صل على محمد وعلى امام المسلمين ، اللهم عبدك فلان وأنت أعلم به اللهم ألحقه بنبيه محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وافسح له في قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقنه حجته واجعل ما عندك خيرا له وأرجعه إلى خير مما كان فيه ، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده ، اللهم عفوك عفوك. تقول هذا كله في التكبيرة الأولى ثم تكبر الثانية وتقول : اللهم عبدك فلان اللهم ألحقه بنبيه محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وافسح له في قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقنه حجته واجعل ما عندك خيرا له وأرجعه إلى خير مما كان فيه ، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، اللهم عفوك اللهم عفوك. تقول هذا في الثانية والثالثة والرابعة فإذا كبرت الخامسة فقل : اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والف بين قلوبهم وتوفني على ملة رسولك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللهم (اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ،) اللهم عفوك اللهم عفوك. وتسلم».

قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : وما ذكر من الدعاء بعد الخامسة والتسليم شاذ وكذا في الخبر الآتي كما أشرنا إليه من قبل.

ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن يونس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الصلاة على الجنائز التكبيرة الأولى استفتاح الصلاة والثانية يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والثالثة الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى أهل بيته والثناء على الله تعالى والرابعة له والخامسة يسلم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه».

ومنها ـ ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (٢) : «وارفع يديك

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجنازة.

(٢) ص ١٩.

٤٠٩

بالتكبير الأول وقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وان الموت حق والجنة حق والنار حق والبعث حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور. ثم كبر الثانية وقل : اللهم صل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد. ثم تكبر الثالثة وتقول : اللهم اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات تابع اللهم بيننا وبينهم في الخيرات انك مجيب الدعوات وولى الحسنات يا ارحم الراحمين. ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم ان هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بساحتك وأنت خير منزول به اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته واغفر لنا وله ، اللهم احشره مع من يتولاه ويحبه وأبعده ممن يتبرأه ويبغضه ، اللهم ألحقه بنبيك وعرف بينه وبينه وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين. ثم تكبر الخامسة وتقول : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ). ولا تسلم ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال».

وقال (عليه‌السلام) في موضع آخر (١) : إذا أردت أن تصلى على الميت فكبر عليه خمس تكبيرات ، يقوم الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة ، ويرفع اليد بالتكبير الأول ويقنت بين كل تكبيرتين ، والقنوت ذكر الله والشهادتان والصلاة على محمد وآله والدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، هذا في تكبيرة بغير رفع اليدين ولا التسليم لأن الصلاة على الميت انما هو دعاء وتسبيح واستغفار. وساق الكلام الى ان قال : وتقول في التكبيرة الأولى في الصلاة على الميت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله انا لله وانا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته وجزى الله محمدا

__________________

(١) ص ٢٠.

٤١٠

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) عنا خير الجزاء بما صنع لأمته وما بلغ من رسالات ربه. ثم تقول : اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيته بيدك تخلى من الدنيا واحتاج الى ما عندك نزل بك وأنت خير منزول به وافتقر الى رحمتك وأنت غنى من عذابه ، اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه وان كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك ، اللهم ألحقه بنبيك وثبته بالقول الثابت في الدنيا والآخرة ، اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى واهدنا وإياه صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات. وقال ليس فيها تسليم. الى آخره.

وقال أيضا في الكتاب المذكور (١) : باب آخر في الصلاة على الميت قال : تكبر ثم تصلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته ، ثم تقول اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك لا اعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به ، اللهم ان كان محسنا فافسح له في قبره واجعله من رفقاء محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ثم تكبر الثانية فقل : اللهم ان كان زاكيا فزكه وان كان خاطئا فاغفر له. ثم تكبر الثالثة فقل : اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده. ثم تكبر الرابعة وقل : اللهم اكتبه عندك في عليين واخلف على أهله في الغابرين واجعله من رفقاء محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ثم تكبر الخامسة وتنصرف.

أقول : ما ذكره (عليه‌السلام) في هذا الباب الأخير هو رواية زرارة المتقدم نقلها عن الكافي وهي الثالثة من الروايات المتقدمة ، وما ذكره في سابق هذه الكيفية هو مضمون حسنة الحلبي المتقدم نقلها عن الكافي أيضا وهي الثانية بتغيير يسير ، ولعله من قلم النساخ في إحدى النسختين واما الأولى مما ذكره (عليه‌السلام) فهو من خصوصيات الكتاب وهي راجعة إلى الرواية المشهورة إلا ان تلك مجملة وهذه مفصلة فتكون مؤيدة لها وعاضدة لما دلت عليه من التوزيع على النحو المخصوص. وذكره (عليه‌السلام) هذه الكيفيات الثلاث مشعر بان الأمر في ذلك موسع وانه ليس فيه

__________________

(١) ص ٢١.

٤١١

تعيين لفظ مخصوص ولا ترتيب مخصوص كما يفهم من الروايات الأخرى التي سردناها ايضا وان كان الأفضل العمل بالرواية المشهورة المعتضدة بعمل الأصحاب بمضمونها سلفا وخلفا.

وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك هنا حيث قال بعد ان نقل عن المصنف ان أفضل ما يقال في صلاة الجنازة ما رواه محمد بن مهاجر عن امه أم سلمة (١) : وكأن وجه الدلالة على أفضلية ما تضمنته الرواية قوله (عليه‌السلام): «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى على ميت كبر وتشهد». فان لفظ «كان» يشعر بالدوام وأقل مراتب مواظبة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ذلك الرجحان. الى ان قال : والأولى والأفضل اعتماد ما تضمنته الروايات المعتبرة عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) ثم نقل صحيحة أبي ولاد وحسنة الحلبي وحسنة زرارة.

أقول : لا يخفى ان وجه هذه الأفضلية عنده إنما نشأت من حيث اعتبار أسانيد هذه الأخبار باصطلاحه فان فيها الصحيح والحسن بخلاف رواية ابن المهاجر المعتضدة برواية إسماعيل بن همام حيث انهما ضعيفتا السند باصطلاحه.

وفيه انهما وان ضعف سندهما بهذا الاصطلاح إلا ان عمل الطائفة سلفا وخلفا بما اشتملتا عليه هو المرجح لهما ، فإنه لم ينقل عن أحد القول بما دلت عليه هذه الأخبار التي نوه بها وان صح سندها حتى من أصحاب هذا الاصطلاح بل الكل متفقون على القول بمضمون الروايتين المذكورتين ، وكم من رواية صحيحة قد اعرض عنها الأصحاب حتى مثل هذا القائل إذا اعوزتهم الحيلة فيها ، ومنها يعلم انه ليس المدار على الصحة بهذا المعنى المحدث وانما المدار على الصحة بالمعنى القديم المعمول عليه بين جمهور القدماء الذين ليس لهذا الاصطلاح عندهم اثر. على ان هذه الأخبار التي استند إليها غير متفقة على نمط واحد بل هي مختلفة كما عرفت.

وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور وحمل هذه الأخبار على الرخصة والتوسعة كما يشير إليه إيراده (عليه‌السلام) في كتاب الفقه هذه الكيفيات الثلاث. والله العالم.

__________________

(١) ص ٤٠٢.

٤١٢

الرابع ـ ظاهر خبري أم سلمة وإسماعيل بن همام المتقدمين (١) انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صلاته على المنافق انصرف بعد التكبير الرابع ولم يدع له ولا عليه ، وعلى هذا فالمراد بقوله (عليه‌السلام) في حديث أم سلمة «فلما نهاه الله عن الصلاة على المنافقين» انما هو بمعنى الدعاء لهم لا ان النهى عن أصل الصلاة ، لأن الخبرين صريحان في انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى عليهم بعد النهى وانما ترك الدعاء لهم بعد الرابعة خاصة. وبالجملة فظاهر الخبرين المذكورين انه ينصرف بمجرد التكبير الرابع في الصلاة على المنافق كما ينصرف بالخامس في الصلاة على المؤمن.

وما احتمله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ـ من أن المراد الانصراف بإتمام دعاء الرابعة جمعا بينه وبين ما دل على الدعاء على المنافق كما سيأتي في الأخبار ـ فلا يخفى بعده وركاكته بالنظر الى ظاهر سياق الخبرين المذكورين.

وبما ذكرنا صرح شيخنا الشهيد في الذكرى فقال : والظاهر ان الدعاء على هذا القسم غير واجب لان التكبير عليه اربع وبها يخرج من الصلاة. قال في المدارك : وهو غير جيد فان الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة كما بيناه.

أقول : أشار بما بينه الى ما اختاره ـ كما قدمنا نقله عنه ـ من العمل بتلك الروايات الصحيح بعضها والحسن بعضها وطرح روايتي أم سلمة وإسماعيل بن همام. وفيه ان كلام شيخنا الشهيد مبنى على العمل بهذين الخبرين الذين هما مستند الأصحاب في تفريق الأدعية وتوزيعها على التكبيرات كما هو القول المشهور بين كافة الأصحاب سلفا وخلفا. والأخبار التي أشار إليها لم يقل بها أحد سواه ومن تبعه ، ولا ريب ان الخبرين المذكورين واضحا الدلالة في ما ذكره الشهيد من الانصراف بمجرد التكبير الرابع وعدم الدعاء مطلقا.

نعم يبقى الكلام في الجمع بين هذين الخبرين وبين الأخبار الدالة على الدعاء على المنافق كما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد عرفت بعد ما احتمله بعض

__________________

(١) ص ٤٠٢ و ٤٠٣.

٤١٣

المحققين في الجمع بين هذه الأخبار كما أشرنا إليه آنفا.

ويمكن التوفيق بينها بان يقال لا يخفى ان ما دل على الانصراف بعد الرابعة انما ورد في صلاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على منافقي زمانه وحكاية صلاته عليهم ، وما ورد في الدعاء عليهم انما ورد في الصلاة على الناصب والمخالفين من أهل السنة وان عبر عنهم بالمنافقين أيضا في بعض الأخبار.

وها أنا أسوق ما وقفت عليه من الأخبار في ذلك لتطلع على صحة ما هنالك ، فمن ذلك ما رواه في الكافي عن عامر بن السمط عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «ان رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن على (عليهما‌السلام) يمشى معه فلقيه مولى له فقال له الحسين (عليه‌السلام) أين تذهب يا فلان؟ فقال له مولاه أوفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها. فقال له الحسين (عليه‌السلام) انظر ان تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله. فلما ان كبر عليه وليه قال الحسين (عليه‌السلام) : الله أكبر العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم أخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا صليت على عدو الله فقل : اللهم ان فلانا لا نعلم منه إلا انه عدو لك ولرسولك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجل به الى النار فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك اللهم ضيق عليه قبره. وإذا رفع فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «ان كان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحياة والعقارب وذلك قاله أبو جعفر (عليه‌السلام) لامرأة سوء من بنى أمية صلى عليها ابى ، وقال هذه المقالة : واجعل الشيطان لها قرينا».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من صلاة الجنازة.

٤١٤

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) في تتمة العبارة الأولى مما قدمنا نقله عنه : وإذا كان الميت مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة : اللهم أخز عبدك وابن عبدك هذا اللهم أصله حر نارك اللهم أذقه اليم عذابك وشديد عقوبتك وأورده نارا واملأ جوفه نارا وضيق عليه لحده فإنه كان معاديا لأوليائك ومتواليا لأعدائك. اللهم لا تخفف عنه العذاب واصبب عليه العذاب صبا. فإذا رفع جنازته فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه».

وهذه ا؟ لروايات كلها كما ترى ظاهرة في المخالف من أهل السنة ، وحينئذ فيجب ان يقصر كل من هذه الاخبار والخبرين المتقدمين على مورده.

ولا ينافي ذلك ما ورد في حديث عبد الله بن ابى وهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال «لما مات عبد الله بن ابى بن سلول حضر.

__________________

(١) ص ١٩.

(٢) الوسائل الباب ٤ من صلاة الجنازة وقد ورد مضمون هذا الحديث في روايات العامة. ففي البخاري باب الكفن في القميص «ان ابنه عبد الله جاء إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وطلب منه قميصه والصلاة عليه والاستغفار له فأجابه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى ما أراد فلما قام ليصلي عليه جذبه عمر وقال أليس نهاك الله أن تصلى على المنافقين؟ فقال أنا بين خيرتين قال : «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فصلى عليه». وفي تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤٧٨ «قال عمر بن الخطاب لما قام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليصلي عليه تحولت حتى قمت في صدره وقلت أعلى عدو الله القائل يوم كذا وكذا تصلى؟ ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يتبسم حتى إذا أكثرت عليه قال أخر عني يا عمر انى خيرت فاخترت ولو أعلم انى زدت على السبعين يغفر له لفعلت. ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه. قال عمر فعجبت من جرأتى على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والله ورسوله أعلم». وفي تفسير السراج المنير ج ١ ص ٦١٢ للخطيب الشربينى وأسباب النزول للواحدي ص ١٩٣ وروح المعاني للالوسى ج ١٠ ص ١٥٤ «لما أكثر عليه عمر بن الخطاب قال له رسول الله «ان قميصي لا يغني عنه من الله شيئا وانى أؤمل ان يدخل في الإسلام بسببه كثير». فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج. وقد أوردوا هذه القصة في تفاسيرهم في تفسير قوله تعالى في سورة التوبة الآية ٨٥ «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ».

٤١٥

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنازته فقال عمر لرسول الله يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ألم ينهك الله ان تقوم على قبره؟ فسكت فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال له ويلك وما يدريك ما قلت؟ انى قلت : اللهم احش جوفه نارا واملأ قبره نارا وأصله نارا. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فأبدى من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما كان يكره».

فإنه يمكن تخصيص الخبر به حيث انه كان رأس النفاق (١) على ان الخبر غير ظاهر في كونه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى عليه وانما فيه انه حضر جنازته ومجرد الحضور لا يستلزم الصلاة.

ومما يعضد الأول أعني تخصيص الخبر به ما صرح به شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في كتاب المقنعة (٢) حيث قال : روى عن الصادقين (عليهم‌السلام) انهم قالوا «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى على المؤمنين ويكبر خمسا ويصلى على أهل النفاق سوى من ورد النهى عن الصلاة عليهم فيكبر أربعا». فإنه يدل على

__________________

(١) في تفسير الخازن ج ٣ ص ١٠٨ نقلا عن شرح مسلم للقرطبى «كان ابن أبي رأسا في المنافقين وأعظمهم نفاقا وأشدهم وكان المنافقون كثيرين بلغوا ثلثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة وانتهت إليه رئاسة الخزرج فلما ظفر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وانصرف الخزرج اليه حسد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبالغ في العداوة له وكان ولده عبد الله من خيار الصحابة وأصدقهم إسلاما وأكثرهم عبادة واشرحهم صدرا بارا بأبيه مع كفره ونفاقه ، قال للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انك لتعلم انى أبر الناس بأبي وان أمرتني لآتيك برأسه فعلت وأخشى ان تأمر أحدا بقتله فلا تدعني نفسي ان انظر الى قاتل ابى فاقتله فأكون قد قتلت مؤمنا بكافر؟ فقال نبي الحنان (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه بل أحسن صحبته وبر به وترفق به ما صحنا». وفي أسد الغابة ج ٣ ص ١٩٧ «ان الخزرج أجمعوا على ان يتوجوه ويملكوه أمرهم قبل الإسلام فلما جاء (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رجعوا عن ذلك فحسد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأخذ به العزة وأضمر النفاق وهو القائل في غزوة بني المصطلق «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» سورة المنافقين الآية ٨.

(٢) الوسائل الباب ٥ من صلاة الجنازة.

٤١٦

إن النهى انما هو عن أناس مخصوصين ، ولا ريب ان رأس المنافقين الذي نزلت فيه سورة المنافقين هو عبد الله المذكور.

على ان حديث الحسين (عليه‌السلام) غير صريح ولا ظاهر في كونه صلى عليه الصلاة المعهودة وانما تضمن انه دعا عليه ، فان قوله «فلما ان كبر عليه وليه قال الحسين (عليه‌السلام) الله أكبر اللهم العن فلانا. الى آخره» ظاهر في انه دعا عليه في أول تكبيرة ثم لم يزل يكرر ذلك في كل تكبيرة.

وبالجملة فإنك قد عرفت مما قدمنا ذكره في المطلب الأول ان المخالف لا يصلى عليه إلا ان تلجئ التقية الى ذلك ، وحينئذ فمتى صلى عليه فهو مخير بين الدعاء عليه بعد كل تكبيرة ـ كما هو ظاهر خبر الحسين (عليه‌السلام) بالتقريب الذي ذكرناه ، وعليه يحمل ما بعده ايضا من خبري الحلبي ومحمد بن مسلم فإنهما ظاهران في الإطلاق ـ وبين الدعاء بعد الرابعة كما هو صريح عبارة كتاب الفقه الرضوي. وأما روايتا أم سلمة وإسماعيل بن همام (١) فقد عرفت انهما مخصوصتان بمنافقى أهل زمانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأجل تأليف الناس ، مع ان الخبرين ليس فيهما دعاء له ولا عليه. والله العالم.

الخامس ـ روى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابى بصير (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) لأي علة تكبر على الميت خمس تكبيرات ويكبر مخالفونا اربع تكبيرات؟ قال لأن الدعائم التي بنى عليها الإسلام خمس : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية لنا أهل البيت ، فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة ، وانكم أقررتم بالخمس كلها وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة ، فمن ذلك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات وتكبرون خمسا».

وروى في كتاب عيون الأخبار بسنده عن الحسن بن النضر (٣) قال : «قال الرضا (عليه‌السلام) ما العلة في التكبير على الميت خمس تكبيرات؟ قلت رووا انها

__________________

(١) ص ٤٠٢ و ٤٠٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من صلاة الجنازة.

٤١٧

اشتقت من خمس صلوات. فقال هذا ظاهر الحديث فاما في وجه آخر فان الله فرض على العباد خمس فرائض : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة واحدة ، فمن قبل الولاية كبر خمسا ومن لم يقبل الولاية كبر أربعا ، فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم يكبر أربعا».

أقول : المعنى في هذين الخبرين ان العلة في فرض الله سبحانه خمس تكبيرات في الصلاة على الميت المؤمن هو فرض هذه الفرائض الخمس عليه في حال الحياة فجعل له بعد الموت من كل فريضة تكبيرة ، ولما كانت الشيعة الإمامية ممن وفق في الحياة للقيام بالفرائض الخمس المذكورة كان الواجب عندهم في التكبير على الميت هذا العدد فحصل لهم التوفيق بالفرضين حياة وموتا ، والمخالف لما سلب التوفيق للقيام بالفريضة الخامسة وهي الولاية في الحياة سلب التوفيق لتكبيرها بعد الموت ، فحصل لهم من الشبهة في الحالين الناشئة عن الخذلان وسلب التوفيق ما أوجب لهم ترك الولاية في الحياة وترك التكبير بعد الموت.

ولعل الشبهة الموجبة لتركهم التكبير الخامس ما ورد في بعض الأخبار عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه كان يكبر أربعا على بعض الأموات ولم يتفقهوا الى ان ذلك انما هو في ما إذا كان الميت منافقا كما صرحت به أخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) من انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلى على بعض خمس تكبيرات وعلى أناس أربعا وانه إذا كبر اربع تكبيرات اتهم بالنفاق.

وربما أكد ذلك عندهم إصرار الشيعة على الخمس حيث انهم يتعمدون مخالفتهم وان اعترفوا بأن السنة النبوية في ما عليه الشيعة ، بل قد صرح بهذا الوجه بعض شراح صحيح مسلم على ما نقله بعض أصحابنا (رضوان الله عليهم) حيث قال نقلا عنه : انما ترك القول بالتكبيرات الخمس في صلاة الجنازة لأنه صار علما للتشيع. وقال عبد الله المالكي المغربي في كتابه المسمى بفوائد مسلم (١) ـ كما نقله بعض أصحابنا

__________________

(١) لم نعثر على هذين الكتابين ولكنه غير بعيد بعد ما ذكر الغزالي في الوجيز ج ١

٤١٨

ايضا ـ ان زيدا كبر خمسا على جنازة ، قال وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكبرها ، وهذا المذهب الآن متروك لانه صار علما على القول بالرفض. وقد أوردنا في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد جملة من مخالفتهم التي من هذا القبيل.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى يجب فيها خمس تكبيرات لخبر زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمسا وقال كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكبرها ، أورده مسلم (١) وأكثر المسانيد ، ولفظ «كان» يشعر بالدوام ، والأربع وان رويت فالإثبات مقدم على النفي وجاز أن يكون راوي الأربع لم يسمع الخامسة أو نسيها ، قال بعض العامة الزيادة ثابتة عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والاختلافات المنقولة في العدد من جملة الاختلاف في المباح والكل شائع. وفي كلام بعض شراح مسلم انما ترك القول بالخمس لانه صار علما للقول بالتشيع وهذا عجيب. انتهى.

هذا ، وأما الأخبار الدالة على انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يكبر على المنافقين أربعا فإنه لا منافاة فيها لهذه العلة المذكورة في هذين الخبرين ، لان هذه العلة إنما ذكرت بالنسبة الى من دخل في الإسلام وصدق به ودان به من الأنام دون من لم يصدق به من المنافقين في زمنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وحينئذ فصلاته عليهم أربعا الظاهر انها انما وقعت للتمييز بينهم وبين المؤمنين وإظهار بغضهم ونفاقهم بين العالمين ، والمخالفون لخذلانهم وسلب توفيقهم للولاية قد دخلوا في زمرتهم والتحقوا بهم. والله العالم.

السادس ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الواجب في الصلاة على الميت المؤمن خمس تكبيرات وبه استفاضت الأخبار عنهم (عليهم‌السلام)

__________________

ص ٤٧ ان تسنيم القبور أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض. وفي المهذب ج ١ ص ١٢٧ «قال أبو على الطبري في زماننا يسنم القبر لان التسطيح من شعار الرافضة» ويرجع في ذلك الى التعليقة ٢ ص ٤٦٦ ج ٨.

(١) ج ١ ص ٣٥٢ باب الصلاة على القبر من كتاب الجنائز ، وأورده البيهقي في السنن وابن ماجة والنسائي وأبو داود.

٤١٩

وقد مر جملة منها في المباحث المتقدمة ولا سيما الأخبار المتضمنة لعلة الخمس المذكورة

ومنها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «لما مات آدم فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة الله لجبرئيل تقدم يا رسول الله فصل على نبي الله فقال جبرئيل ان الله أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدم أبرار ولده وأنت من أبرهم فتقدم فكبر عليه خمسا عدة الصلوات التي فرضها الله على امة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهي من السنة الجارية في ولده الى يوم القيامة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «التكبير على الميت خمس تكبيرات».

وعن إسماعيل بن سعد الأشعري في الصحيح عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الصلاة على الميت فقال أما المؤمن فخمس تكبيرات واما المنافق فأربع ، ولا سلام فيها».

وعن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «كبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خمسا».

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «التكبير على الميت خمس تكبيرات».

وما رواه في الكافي عن ابى بكر الحضرمي (٦) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) يا أبا بكر هل تدري كم الصلاة على الميت؟ قلت لا. قال خمس تكبيرات. فتدري من أين أخذت الخمس؟ قلت لا. قال أخذت الخمس تكبيرات من الخمس صلوات من كل صلاة تكبيرة».

وعن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبيه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال «قال

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٥ من صلاة الجنازة.

٤٢٠