الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

به ابن إدريس ، إلا انى لم أقف على مذهبهم في هذه المسألة.

وقد حققنا ثمة ان المستفاد من الأخبار الواردة فيه ان له حالة غير حالتي الايمان والكفر الحقيقيين» لأنه بالنسبة إلى أحكامه في الدنيا ـ من الحكم بنجاسته وكون ديته دية اليهود والنصارى وعدم قبول شهادته وعدم جواز إمامته في الصلاة كما دلت على جميع ذلك الأخبار ـ لا يمكن الحكم بإيمانه لأن سلب هذه الأحكام عنه لا يجامع الإيمان ، ولا يمكن الحكم بكفره بالنظر الى أنه متدين بظاهر الإيمان كما هو المفروض ، ومن ذلك يعلم أن الحكم بوجوب الصلاة عليه لا يخلو من الإشكال لعدم الوقوف على خبر نفيا أو إثباتا في ذلك يتضح به الحال.

الرابع ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يلحق بالمسلم الواجب الصلاة عليه الطفل البالغ ست سنين ، ولا خلاف ولا اشكال فيه إذا كان متولدا من مسلم كما تقدم الكلام فيه.

فاما إذا كان لقيطا في دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم يمكن تولده منه ذكرا كان الملحق بالمسلم أو أنثى حرا كان أو عبدا فظاهر كلام الأصحاب انه كذلك ايضا تغليبا للإسلام ، بل صرح جملة منهم بإلحاق الطفل المسبي المتولد من كافر بالسابي إذا كان مسلما فيتبعه في الطهارة والحكم بالإسلام ، ومقتضاه وجوب الصلاة عليه ايضا

وقد قدمنا في آخر المسألة الثالثة من المسائل الملحقة بالفصل السابع في الكافر من المقصد الأول في النجاسات من كتاب الطهارة ضعف ما ذهبوا اليه من الحكم بالطهارة والإسلام بالنسبة إلى المسبي ولحوقه بالسابي.

وأما حكم اللقيط في دار الإسلام أو دار الحرب وفيها من يمكن تولده منه من المسلمين فلا يحضرني الآن دليل من الأخبار يدل عليه ، والشهيدان في الذكرى والروض انما عللاه بتغليب الإسلام ، وأنت خبير بما في هذا التعليل العليل من عدم الصلاح لتأسيس الأحكام. والله العالم.

المطلب الثاني ـ في من يصلي والكلام فيه يقع أيضا في مسائل الأولى ـ لا خلاف

٣٨١

بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في أن أولى الناس بالميت يعنى الأحق بالقيام بأحكامه من غسل وصلاة ونحوهما أولاهم بميراثه يعنى ان من يرث من الأقرباء أولى ممن لا يرث بالكلية ، وأما تقديم بعض الورثة على بعض فسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.

قال في المدارك : وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وظاهرهم انه مجمع عليه ، واستدلوا عليه بقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (١) وما رواه الكليني عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب». وعن احمد بن محمد بن ابى نصر عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب». وفي الجميع نظر أما الآية الشريفة فلانتفاء العموم فيها على وجه يتناول موضع النزاع. واما الروايتان فضعيفتا السند بالإرسال واشتمال سند الثانية على سهل بن زياد وهو عامي ، ومع ذلك فليس فيها تصريح بان المراد الأولوية في الميراث ، مع ان مقتضى ما ذكروه من تقديم بعض الوراث على بعض كالأب على الابن وان كان أقل نصيبا منه كون المراد بالأولى ذلك البعض لا مطلق الوارث. ولو قيل ان المراد بالأولى هنا أمس الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة من غير اعتبار لجانب الميراث لم يكن بعيدا. انتهى.

أقول : فيه (أولا) انه قد تقدم منه نظير هذا الكلام في مسألة غسل الميت في كتاب الطهارة وقد قدمنا ثمة (٤) تحقيق الكلام في المقام وبينا ضعف ما توهمه وان تبعه فيه جملة من الأعلام ، وملخصه ان المراد بالأولى في جميع أحكام الميت من غسل وصلاة وتلقين وقضاء عبادات ونحوها انما هو الولي المالك للتصرف والتدبير كولي الطفل وليس المراد به الجري على صيغة التفضيل كما توهمه ، واما

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٧٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من صلاة الجنازة.

(٤) ج ٣ ص ٣٧٨.

٣٨٢

كون الولي المشار اليه هو من كان اولى بالميراث فقد دلت عليه صحيحة حفص التي قدمناها ثمة (١) ومن أراد تحقيق الحال في صحة ما ذكرنا من المقال فليرجع الى الموضع المشار اليه من كتاب الطهارة.

ثم ان من قبيل الروايتين المذكورتين قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٢) «ويصلى عليه أولى الناس به».

وثانيا ـ ان ما ذكره من عدم العموم في الآية على وجه يتناول موضع النزاع ممنوع لو كان المراد من الآية العموم كما توهمه إلا ان الأمر ليس كذلك بل الذي دلت عليه اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) ـ الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم أعرف الناس بباطنه وخافية ـ ان مورد الآية انما هو بالنسبة إلى الميراث بمعنى ان من كان أقرب الى الميت في النسب فهو أولى بميراثه ، وقد عرفت مما قدمناه سابقا من التحقيق وأشرنا إليه هنا ان ولى الميت المالك للتصرف في أموره هو الاولى بميراثه فتكون الآية بمعونة الأخبار الدالة على ما ذكرناه دالة ايضا على الأولوية في الأحكام المذكورة وان كان بطريق الاشعار والفحوى ، لأنها قد دلت على ان الأقرب من أولى الأرحام هو الأولى بالميراث وكل من كان أولى بالميراث فهو الأولى بالميت في جميع أحكامه بالأخبار المشار إليها.

وأما الأخبار الواردة في معنى الآية فمنها ـ ما رواه في الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال «كان على (صلوات الله عليه) إذا مات مولى له وترك ذا قرابة لم يأخذ من ميراثه شيئا ويقول (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)» (٤).

وما رواه فيه عن محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل فقرأ هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)» (٦).

__________________

(١) ج ٣ ص ٣٧٨.

(٢) ص ٢٠.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١ من ميراث ولاء العتق.

(٤ و ٦) سورة الأنفال الآية ٧٦.

٣٨٣

وفي تفسير العياشي عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «الخال والخالة يرثون إذا لم يكن معهم أحد غيرهم ان الله يقول «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» (٢) إذا التقت القرابات فالسابق أحق بالميراث من قرابته». والمراد بالسابق يعنى الأقرب اليه.

وروى فيه عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) «في قول الله عزوجل (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٤) ان بعضهم أولى بالميراث من بعض لأن أقربهم إليه رحما أولى به».

وفي تفسير الثقة الجليل على بن إبراهيم بن هاشم (٥) ان هذه الآية نسخت قوله تعالى (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ)» (٦).

وبمثل ذلك صرح شيخنا أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان (٧) ونقله عن ابن عباس والحسن وجماعة من المفسرين ، وقال : قالوا صار ذلك نسخا لما قبله من التوارث بالمعاقدة والهجرة وغير ذلك من الأسباب فقد كانوا يتوارثون بالمؤاخاة وان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان آخى بين المهاجرين والأنصار. انتهى.

ومما يزيد ذلك إيضاحا وتأكيدا ان ثبوت الميراث بالقرابة وهم غير أصحاب الفروض انما استندوا فيه الى هذه الآية بإجماع الأصحاب والأخبار التي ذكرنا بعضها في أصل المسألة.

ويمكن ان يقال ان المراد بالآية انما هو العموم وورود هذا الفرد في هذه الأخبار لا يقتضي قصر الحكم عليه إذ لا دلالة في شي‌ء منها على ذلك وانما غايتها الدلالة على دخول هذا الفرد تحت هذه الآية.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من ميراث الأعمام والأخوال.

(٢ و ٤) سورة الأنفال الآية ٧٦.

(٣) الوسائل الباب ٨ من باب موجبات الإرث.

(٥) تفسير الصافي عنه ص ١٢١.

(٦) سورة النساء الآية ٣٧.

(٧) ج ٣ ـ ٤ ص ٥٦٣.

٣٨٤

ويؤيد ما قلناه ورود بعض الأخبار في استدلال على (عليه‌السلام) على استحقاق الإمامة وراثة من إبراهيم (على نبينا وآله وعليه‌السلام) في مقام الرد على معاوية كما نقلناه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد.

ومما يزيد ما ذكرناه في أصل المسألة تأييدا وعلى منارة تشييدا ما رواه في الكافي في الصحيح عن بريد الكناسي عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ابنك اولى بك من ابن ابنك وابن ابنك أولى بك من أخيك. قال وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك. قال وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك. قال وابن أخيك لأبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك. قال وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك. قال وعمك أخو أبيك من أبيه وامه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه قال وعمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه. قال وابن عمك أخي أبيك من أبيه وامه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه. قال وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه». فإن الأولوية في الخبر كما ترى دائرة مدار الإرث فمن كان الوارث فهو الأولى من غير الوارث. وفيه دلالة ايضا على ان الأكثر إرثا أولى من الأقل كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم).

و (ثالثا) ان ما طعن به على الخبرين المذكورين لا يقوم حجة على المتقدمين ممن لا أصل لهذا الاصطلاح عندهم ولا على من لا يقول به من المتأخرين بل ولا على من قال به منهم ايضا حيث ان ضعفهما مجبور بالاتفاق الذي قد حكاه في ما قدمناه من كلامه ، على انه قد وافقهم في مواضع عديدة مما تقدم في العمل بالأخبار الضعيفة المجبورة باتفاق الأصحاب كما نبهنا عليه ثمة ، بل تبعهم في بعض المواضع

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من موجبات الإرث والباب ١٣ من ميراث الاخوة والأجداد و ٤ من ميراث الأعمام والأخوال ، ويرجع في ضبط اسم الراوي إلى ج ١ ص ٨٢.

٣٨٥

مع اعترافه بعدم الدليل لهم وقال انه لا خروج عن ما عليه الأصحاب ، ولكنه (رضوان الله عليه) ليس له قاعدة يقف عليها ولا قاعدة يرجع إليها.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : واعلم ان ظاهر الأصحاب ان اذن الولي إنما تتوقف عليها الجماعة لا أصل الصلاة لوجوبها على الكفاية فلا تناط برأي أحد من المكلفين فلو صلوا فرادى بغير إذن أجزأ.

وقال في المدارك بعد نقل ذلك : وقد يقال انه لا منافاة بين كون الوجوب كفائيا وبين إناطته برأي بعض المكلفين على معنى انه ان قام به سقط الفرض عن غيره ، وكذا ان اذن لغيره وقام به ذلك الغير ، وإلا سقط اعتباره وانعقدت الصلاة جماعة وفرادى بغير اذنه ، ومع ذلك فلا بأس بالمصير الى ما ذكره قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم وحملا للصلاة في قوله (عليه‌السلام) (١) «يصلى على الجنازة أولى الناس بها». على الجماعة لأنه المتبادر. انتهى.

أقول : حيث قد اشتهر في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف أن أحكام الميت واجبة كفائية على كافة المسلمين ممن علم بالموت وظاهر الخبرين المتقدمين اعنى بهما مرسلة ابن ابى عمير والبزنطي (٢) اختصاص ولاية الصلاة بالولي حصل هذا الإشكال في المقام واحتيج إلى التفصي في الجواب عن ذلك ، وظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض الجمع بين الأخبار بتخصيص أخبار الولي ومن يأمره بالإمامة خاصة لا أصل الصلاة ، وظاهر كلام السيد السند هو تخصيص للوجوب كفاية بالولي بمعنى انه يجب على الولي أو من يأمره القيام بذلك ، فان قام به سقط الفرض عن الغير وإلا سقط اعتبار الولي ووجب على الكافة صلاة كان أو غيرها.

وأنت خبير بأن منشأ الإشكال كما عرفت من دعوى كون أحكام الميت واجبة كفائية على جميع من علم بذلك ، وهذه الدعوى لم نجد لها مستندا في الأخبار كما

__________________

(١ و ٢) ص ٣٨٢.

٣٨٦

قدمنا ذكره وأوسعنا نشره في مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة سوى ما يظهر من كلامه من الاتفاق على هذا الحكم حتى من متأخري المتأخرين الذين عادتهم المناقشة في طلب الدليل ، فإنه لم يناقش أحد منهم في هذا الحكم بل تلقوه بالقبول والتسليم ، والمفهوم من الاخبار الواردة في أحكام الأموات هو توجه الخطاب إلى الولي من غسل وصلاة وتكفين وتلقين ونحوها ، ولو كان الأمر على ما ذكروه من الوجوب كفائيا على كافة المسلمين فكيف تخرج الاخبار في هذه الأحكام بما ذكرناه؟ وهم لما نظروا الى هذين الخبرين في مسألة الصلاة الدالين على اختصاص الولي بها أوردوا هذا الإشكال وأجابوا عنه بما عرفت ، والحال ان الأمر ليس مختصا بالصلاة كما لا يخفى على المتتبع بل هو عام لجملة أحكام الميت وحينئذ فقول شيخنا الشهيد الثاني في الجواب هنا بما ذكره وان تم بالنسبة إلى الصلاة إلا انه لا يحسم مادة الإشكال بالنسبة إلى غيرها من الأحكام التي ورد الخطاب فيها للولي خاصة ، وما ذكره السيد السند جيد لو قام الدليل على الوجوب الكفائي الذي يدعونه.

نعم يمكن أن يقال بالوجوب على سائر المسلمين كفاية مع تعذر الولي أو إخلاله بالقيام بذلك كما تدل عليه أخبار العراة الذين مروا بميت قذفه البحر الى الساحل فإنهم أمروا بالصلاة عليه ودفنه (١) ونحوها ما تقدم في صحيحة على بن جعفر في أكيل السبع تبقى عظامه (٢) قال : «يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن». فإنها تدل بإطلاقها على ذلك ، وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة». وقول الباقر (عليه‌السلام) (٤) «صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله تعالى».

ثم انه مع وجود الولي فإن كان متصفا بشرائط الإمامة جاز له التقدم والاستنابة وإلا تعين عليه الاستنابة وليس لأحد أن يتقدم بدون إذنه.

بقي هنا شي‌ء وهو ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط العدالة في إمام

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من صلاة الجنازة.

(٢) ص ٣٧٥.

(٣) في رواية السكوني ص ٣٦٥.

(٤) في رواية طلحة ص ٣٦٤.

٣٨٧

هذه الصلاة كالصلاة اليومية وغيرها من الصلوات ، ويظهر من العلامة في المنتهى الاتفاق على ذلك.

وقال في الذخيرة : ولولا ذلك ـ يعنى دعوى الاتفاق ـ لكان للمنازعة فيه مجال لعموم النص وعدم كونها صلاة حقيقة فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة الحقيقية كما يستفاد من بعض الاخبار السابقة. انتهى.

أقول : وما ذكره لا يخلو من قرب لما تكرر في الاخبار من قولهم (عليهم‌السلام) (١) «انما هو تكبير وتسبيح كما تسبح في بيتك من غير طهر». ونحو ذلك مضافا الى عدم ما يدل على ما ذكروه في شي‌ء من اخبار هذه الصلاة ، وكأنهم نظروا الى مجرد صدق الصلاة عليها.

المسألة الثانية ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأب أولى من الابن ، والوالد أولى من الجد والأخ والعم ، والأخ من الأب والام أولى ممن يتقرب بأحدهما.

والأول متفق عليه كما نقله في المدارك ، واستدل عليه بان الأب أشفق على الميت من الابن وارق عليه فيكون دعاؤه أقرب الى الإجابة. ورد بان ذلك انما يصلح توجيها للنص لا دليلا برأسه. وعلل الثاني بما تقدم من الأولوية في الميراث

ونقل عن ابن الجنيد انه جعل الجد هنا أولى من الأب والابن محتجا بان منصب الإمامة أليق بالأب من الولد والجد أب الأب فكان أولى من الأب. ورده في المختلف بأن الأولى بالميراث أولى لعموم الآية (٢).

قال في المدارك بعد نقل كلام المختلف : وقد عرفت ما فيه. وعلى ما احتملناه من معنى الأولوية يقرب ما ذكره ابن الجنيد.

أقول : قد عرفت مما قدمناه صحة الاستدلال بالآية على ما ذكره الأصحاب

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة الجنازة.

(٢) «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» سورة الأنفال الآية ٧٦.

٣٨٨

(رضوان الله عليهم) بمعونة الأخبار المتقدمة ، وقد عرفت ان ما احتمله في معنى الاولى ساقط لا اعتماد عليه ، وان ما ذكره الأصحاب من أن الولي هو الأولى بالميراث هو الظاهر من الاخبار. على ان ما احتمله لا ينطبق على مذهب ابن الجنيد لانه فسر الأولى ـ كما تقدم ـ بمن كان أمس الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة ، ولا ريب ان أبا الميت أشد به علاقة وأمس به رحما.

وعلل تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب خاصة بأنه لا يرث معه واما على الأخ من الام فعلله في المنتهى بأنه أكثر نصيبا في الميراث ، وبان الأم لا ولاية لها في الصلاة فمن يتقرب بها أولى.

أقول : والوجه هو التعليل الأول كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في المقام والثاني وان قال في المدارك انه لا بأس به فالبأس فيه أظهر من أن يخفى على ذوي الأفهام ، فإن ما ذكره من الأولوية لا وجه له مع عدم صحة بناء الأحكام الشرعية على أمثال هذه التعليلات العليلة.

ونقل في المعتبر عن الشيخ في المبسوط انه قال : الأب أولى الأقارب ثم الولد ثم ولد الولد ثم الجد من قبل الأب ثم الأخ من قبل الأب والام ثم الأخ من قبل الأب ثم الأخ من قبل الام ثم العم ثم الخال ثم ابن العم ثم ابن الخال ، ثم قال وبالجملة من كان أولى بميراثه كان أولى بالصلاة عليه.

قال في المدارك : ومقتضى ذلك ان ترتب الأولياء على هذا الوجه لأولوية الإرث وهو مشكل فإنه ان أراد بالأولوية ان من يرث أولى ممن لا يرث لم يلزم منه أولوية بعض الورثة على بعض كالأب على الابن والجد على الأخ والعم على الخال ، وان أراد بها كثرة النصيب انتقض بالأب فإنه أولى من الابن مع انه أقل نصيبا منه ، وكذا الجد فإنه أولى من الأخ مع تساويهما في الاستحقاق. إلا ان يقال ان التخلف في هاتين الصورتين لعارض وهو قوة جانب الأب والجد باختصاصهما بزيادة الحنو والشفقة وحصول النسل منهما ، لكن في ذلك خروج

٣٨٩

عن اعتبار الإرث. ولو حمل الاولى هنا على المعنى الذي ذكرناه وجب الرجوع في تحقيق الأولوية إلى العرف وسقط جانب الإرث مطلقا. انتهى كلامه (زيد مقامه).

أقول : لا يخفى على من تأمل في ما حققناه في المقام مما دلت عليه اخبارهم (عليهم‌السلام) ولا سيما صحيحة بريد الكناسي (١) ان ولى الميت هو الاولى بميراثه بمعنى من يرث دون من لا يرث.

ويستفاد من صحيحة بريد المذكورة انه مع تعدد الوارث فمن كان أكثر نصيبا فهو الولي كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه صرح في المنتهى في ما قدمنا نقله عنه ، وأشرنا إلى انه هو الوجه في ما علل به الحكم المتقدم لهذه الصحيحة الصريحة في ذلك.

واما مع تساوى الورثة في الميراث فالمفهوم من صحيحة محمد بن الحسن الصفار المروية بطرق المشايخ الثلاثة (٢) ـ قال : «كتبت الى ابى محمد الحسن (عليه‌السلام) رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما ان يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع (عليه‌السلام) : يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء ان شاء الله تعالى». ونحوه قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٣) «وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجلين أن يقضى عنه فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء». ـ ان الولي شرعا هو الأكبر.

كما انه مع تعددهم ذكورة وأنوثة فالولاية للذكر دون الأنثى كما تشعر به صحيحة حفص الواردة في القضاء ايضا (٤) لقوله فيها : «قلت ان كان أولى الناس به امرأة

__________________

(١) ص ٣٨٥.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان. وفي الفروع ج ١ ص ١٩٧ والتهذيب ج ١ ص ٤٢١ كما في الوسائل أيضا هكذا «كتبت الى الأخير (عليه‌السلام)» نعم في الفقيه ج ٢ ص ٩٨ التصريح بالاسم المبارك.

(٣) ص ٢٥.

(٤) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٣٩٠

فقال لا إلا الرجال». فإنها شاملة بإطلاقها لما لو اختصت بالولاية أو شاركها رجل ، والتقريب فيها ان ولى الميت المخاطب بوجوب القضاء عنه هو الذي جعل إليه أحكام الميت من غسل وتكفين وتلقين وصلاة ونحوها كما تقدم تحقيقه.

بقي الإشكال في ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) من صورة اجتماع الأب والابن فإنهم جزموا بأن الولاية للأب إلا انهم لم يأتوا عليه بدليل سوى ما عرفت من ذلك التخريج العليل ، وهو كما ترى مخالف لمقتضى القاعدة المستفادة من الصحيحة المتقدمة (١) من حيث انه يفهم منها ان الأكثر نصيبا من الوارث هو الولي للميت وبموجبه تكون الولاية للولد دون الأب. وبالجملة فإنه لا مستند لهذا الحكم مع مخالفته لظاهر الصحيحة المذكورة إلا مجرد كلام الأصحاب وفيه ما لا يخفى على ذوي الأفهام والألباب. ويعضد ما ذكرناه تصريح النص بسقوط ولاية الأب مع الزوج وعليه الأصحاب من غير خلاف يعرف ، فيمكن أن يكون مع الولد كذلك. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الزوج أولى بزوجته من جميع قراباتها ، قال في الذكرى لا أعرف فيه مخالفا من الأصحاب. وقال في المدارك : هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب.

أقول : والذي يدل عليه من الاخبار ما رواه المشايخ الثلاثة في الكتب الثلاثة عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له المرأة تموت من أحق الناس بالصلاة عليها؟ قال زوجها. قلت الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال نعم ويغسلها».

ويعضد هذه الرواية ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها».

واعترض في المدارك هنا بان الرواية ضعيفة السند لاشتراك راويها وهو

__________________

(١) ص ٣٨٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من صلاة الجنازة.

٣٩١

أبو بصير بين الثقة والضعيف ، بل الظاهر انه الضعيف الضرير بقرينة أن الراوي عنه قائده وهو على بن أبي حمزة البطائني ، وقال النجاشي انه كان أحد عمد الواقفية ، وفي الطريق القاسم بن محمد وهو واقفي أيضا ، قال وروى الشيخ في الصحيح عن حفص ابن البختري عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلى عليها؟ فقال أخوها أحق بالصلاة عليها». وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال الأخ». ثم أجاب عنهما بالحمل على التقية (٣) وهو يتوقف على وجود المعارض. انتهى

أقول : لا يخفى ان المعارض عند الشيخ وأمثاله من المتقدمين ممن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح موجود ، وكذا عند من يعمل به بالنظر الى جبر الخبر باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونه ، ولا سيما ان الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة بأسانيد عديدة ، وهو من أقوى المرجحات لصحتها وثبوتها ولا سيما صاحب الفقيه بناء على ما قدمه في صدر كتابه من القاعدة التي قد احتج بها السيد المذكور في جملة من المواضع لجبر الخبر الضعيف الذي يتمسك به ، وما تضمنته الرواية متفق عليه بين الأصحاب سلفا وخلفا كما يشير اليه كلامه المتقدم نقله ، ولكنه لما رأى صحة سند رواية حفص المذكورة جمد عليها كما هي عادته من دورانه مدار صحة السند وان اشتمل المتن على خلل وعلل ، وقد تقدم منه في مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة المناقشة في ذلك ايضا استنادا إلى الصحيحة المذكورة بعد أن أورد دليلا للقول المشهور رواية إسحاق بن عمار المتقدمة ثم نقل عن المعتبر ان مضمون الرواية متفق عليه. ثم قال : قلت ان كانت المسألة إجماعية فلا بحث وإلا أمكن المناقشة فيها بضعف السند. ونحن قد قدمنا في غير مقام ان هذه المناقشات الواهية لا تقوم حجة على المتقدمين لعدم الدليل على هذا الاصطلاح ، واما المتأخرون فضعف هذه الاخبار عندهم مجبور بالاتفاق على القول بمضمونها ، والحكم بما دلت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٤ من صلاة الجنازة.

(٣) ارجع الى التعليقة ١ ص ٣٩٣.

٣٩٢

عليه الصحيحة التي جمد عليها معمول عليه عند العامة (١) وقد تقرر في القاعدة المنصوصة عن أهل البيت (عليهم‌السلام) عرض الأخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه (٢) ومقتضاه حمل الصحيحة المذكورة على التقية كما ذكره الشيخ.

وكيف كان فإطلاق الأخبار التي هي مستند الحكم المذكور دال على انه لا فرق بين الدائم والمستمتع بها ولا بين الحرة والمملوكة ، فعلى هذا يكون الزوج أولى من سيد المملوكة لو كانت لغيره.

ولا يلحق بالزوج الزوجة في هذا الحكم لعدم النص ، وذهب بعض الأصحاب إلى مساواتها للزوج لشمول اسم الزوج لها لغة كما قال الله تعالى «وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ» (٣) ويضعف بان ذلك انما يتم مع إطلاق ولاية الزوج لا مع التصريح بأنه أحق بامرأته كما تضمنه الخبران اللذان هما مستند الحكم المذكور (٤).

المسألة الرابعة ـ لو حضر إمام الأصل فإنه أولى من الولي كائنا من كان لقيامه مقام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم (٥).

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٦) في خطبة الغدير «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى

__________________

(١) في الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٤٨١ «عند الحنفية والحنابلة الزوج يتأخر في الصلاة على الميت عن ذوي الأرحام ، وعند الشافعية يتقدم الأولى فالأولى في الميراث وعند المالكية بعد ان ذكر الترتيب في من يصلى عليه من السلطان وغيره قال لا حق لزوج الميت في التقدم» وفي المغني ج ٢ ص ٤٨٣ «اما زوج المرأة وعصبتها فظاهر كلام الخرقي تقديم العصبات وهو أكثر الروايات عن احمد وهو قول سعيد بن المسيب والزهري وبكير ابن الاشبح ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على ابنها ، وروى عن احمد تقديم زوج المرأة على العصبات لأن أبا بكر صلى على امرأته ولم يستأذن إخوتها».

(٢) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضى به.

(٣) سورة الأنبياء الآية ٩.

(٤) ص ٣٩١.

(٥) لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية ٦ «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ».

(٦) الغدير لآية الله الأميني ج ١ ص ١١ وص ٢٩٤ الى ٣١٣.

٣٩٣

يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال من كنت مولاه فعلى مولاه».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن طلحة بن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها ان قدمه ولى الميت وإلا فهو غاصب». فان الظاهر ان المراد بالسلطان هنا هو الامام المعصوم لان سلطنته من جهة الله تعالى على عباده سلطنة حقيقية.

وظاهر إطلاق الخبر الأول عدم التوقف على اذن الولي ، وهو ظاهر ابى الصلاح حيث قال : الإمام أولى فإن تعذر حضوره واذنه فولي الميت. إلا ان ظاهر الخبر الثاني التوقف على الاذن فان لم يأذن له الولي فإنه يكون غاصبا لحق الامام (عليه‌السلام) وهذا هو المنقول عن الشيخ في المبسوط استنادا الى الخبر المذكور وبه صرح العلامة في المنتهى.

وظاهر الشهيد في الذكرى العمل على الخبر الأول وتأول الخبر الثاني بالحمل على غير إمام الأصل ، قال لان تنكيره مشعر بالكثرة وفيه اشعار باستحباب تقديم الولي إياه. انتهى.

والظاهر بعده فان نسبة السلطنة إلى كونها من الله عزوجل لا تتبادر إلا الى امام الأصل ، والأخبار المتقدمة قد عرفت صراحتها مع كثرتها واستفاضتها في أن الاولى بالميت هو الأولى بميراثه من غير تقييد إلا ان قضية أولويته (عليه‌السلام) مطلقا بالناس من أنفسهم تمنع من توقف تقديمه على الاذن. وبذلك يظهر ان المسألة لا تخلو من شوب الإشكال.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض عدم التوقف على اذن الولي في الصورة

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٣ من صلاة الجنازة.

٣٩٤

المذكورة كما اختاره في الذكرى.

وكيف كان فالكلام في هذه المسألة تكلف مستغنى عنه الآن الى ان يظهر صاحب الزمان عجل الله فرجه.

ونقل عن ابن الجنيد ان الأولى الإمام ثم خلفاؤه ثم إمام القبيلة كباقي الصلوات أقول : وفي هذا إسقاط لولاية الولي المنصوص عليه إلا ان يخص بفقده أو طفوليته وعدم لياقته للصلاة والاذن فيها.

المسألة الخامسة ـ قال الشيخ المفيد : إذا حضر الصلاة رجل من بنى هاشم كان اولى بالتقديم للصلاة عليه بتقديم وليه له ، ويجب على الولي تقديمه وان لم يقدمه لم يجز له التقدم.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : فإن أراد المفيد (قدس‌سره) بالرجل الذي أشار إليه إمام الأصل فهو حق وإلا فهو ممنوع بل الأولى للولي التقديم اما الوجوب فلا ، لنا عموم الآية (١) انتهى.

وقال في الذكرى : قال ابن بابويه والشيخان والجعفي واتباعهم الهاشمي أولى وبالغ المفيد (قدس‌سره) فأوجب تقديمه ، وربما حمل كلامه على إمام الأصل وهو بعيد لانه قال : «وان حضر رجل من فضلاء بنى هاشم» وهو صريح في كل واحد من فضلائهم ، ولم أقف على مستنده ، والصدوق عزاه إلى أبيه في رسالته ، ولم يذكر في التهذيب عليه دليلا ، وفي المعتبر احتج بما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «قدموا

__________________

(١) «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» سورة الأنفال الآية ٧٦.

(٢) في الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٨٥ عن أبي هريرة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعلموها». وفيه عن عبد الله بن السائب «قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا من قريش ولا تعلموها ، ولو لا ان تبطر قريش لاخبرتها ما لخيارها عند الله تعالى». وفيه عن على (عليه‌السلام) «قدموا قريشا ولا تقدموها ولولا ان تبطر قريش لاخبرتها بما لها عند الله تعالى». قال المناوى في شرح الجامع الصغير ج ٤ ص ٥١٢ استدل بهذه الأحاديث على تقديم قول الشافعي على غيره ورده عياض بان

٣٩٥

قريشا ولا تقدموها». ولم نستثبته في رواياتنا مع انه أعم من المدعى. انتهى.

أقول : قال الصدوق في الفقيه : وقال ابى في رسالته الى : اعلم يا بنى ان أولى الناس بالصلاة على الميت من يقدمه ولى الميت ، فان كان في القوم رجل من بنى هاشم فهو أحق بالصلاة عليه إذا قدمه ولى الميت فان تقدم من غير أن يقدمه ولى الميت فهو غاصب. انتهى.

وهذه العبارة عين عبارة كتاب الفقه الرضوي بتغيير ما حيث قال (عليه‌السلام) (١) واعلم ان أولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي ، فإن كان في القوم رجل من بنى هاشم فهو أحق بالصلاة عليه إذا قدمه الولي فإن تقدم من غير ان يقدمه الولي فهو غاصب. انتهى.

ومن ذلك علم ان مستند الشيخ على بن بابويه في ما ذكره في الرسالة والشيخ المفيد في ما تقدم نقله عنه انما هو هذا الكتاب كما أشرنا إليه في غير مقام ، إلا ان الكتاب المذكور حيث لم يصل الى المتأخرين أنكروا الوقوف على المستند.

ولعل السبب في عدم اشتهار هذا الكتاب ووصوله الى الشيخ الطوسي (قدس‌سره) ومن كان في عصره هو ان نسخة الكتاب في الصدر الأول لعلها كانت عزيزة الوجود ولم تصل إلا الى الشيخ على بن بابويه وابنه الصدوق ، ولما كان كل منهما قد أخذ عبائر الكتاب وافتى بها كما حكيناه في غير موضع مما تقدم وسيأتي في هذا الكتاب وفي كتاب الزكاة والحج والصوم ونحو ذلك ايضا اخفيا الكتاب فلم ينتشر ولم يشتهر الى هذا العصر الأخير كما ذكره شيخنا غواص بحار الأنوار في مقدمة كتاب البحار وكذا أبوه (قدس‌سره) كما وجدته بخطه من حكاية أصل الوقوف على الكتاب المذكور ، ولذا لم تر لنقل عبائره والاستدلال بها أثرا في غير كلام الصدوقين وان وجد قليلا في عبائر الشيخ المفيد (قدس‌سره) ايضا ، ولعله

__________________

المراد منها الخلافة وقد قدم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ابن حذيفة في الصلاة وخلفه قريش.

(١) ص ١٩.

٣٩٦

للأخذ عنهما. والله العالم.

المسألة السادسة ـ لو اوصى الميت الى شخص بان يصلى عليه فالمنقول عن ابن الجنيد وجوب تقديمه ، قال في المختلف : قال ابن الجنيد الموصى إليه أولى بالصلاة من القرابات. ولم يعتبر علمائنا ذلك ، لنا عموم قوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (١) احتج بعموم قوله «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ» (٢) والجواب الوجوب مختص بالحقوق لقوله «إِنْ تَرَكَ خَيْراً» انتهى.

ونقل عنه في الذكرى الاستدلال باشتهار ذلك بين السلف كوصية الأول بصلاة الثاني ووصية الثاني بصلاة صهيب ووصية عائشة بصلاة أبي هريرة ووصية ابن مسعود بصلاة الزبير ووصية ابن جبير بصلاة انس ووصية أبي شريحة بصلاة زيد ابن أرقم فجاء عمرو بن حريث أمير الكوفة ليتقدم فأعلمه بوصيته فقدم زيدا (٣) ولأن إيصاءه إليه لظنه فيه مزية فلا ينبغي منعه منها. ثم قال في الذكرى : والفاضل (قدس‌سره) قال الوارث أولى وهو أقرب للآية والخبر (٤) وفعل المذكورين ليس حجة وجاز أن يكون برضاء الوارث ونحن لا نمنعه إذا رضي بل يستحب له إنفاذه مع الأهلية. انتهى. وهو جيد.

والأظهر التمسك في ذلك بالأخبار الدالة على اختصاص الصلاة بمن هو الأولى بالميراث كما تقدم تحقيقه في المسألة الاولى ، وتخصيصها يحتاج الى دليل واضح. وعموم آية «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ» (٥) معارض بعموم «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (٦).

__________________

(١ و ٦) سورة الأنفال الآية ٧٦ وسورة الأحزاب الآية ٦.

(٢ و ٥) سورة البقرة الآية ١٧٧.

(٣) ذكر ذلك كله في المغني ج ٢ ص ٤٨.

(٤) اما الآية فقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» في سورة الأنفال الآية ٧٦ ، واما الخبر فروايتان ابن ابى عمير والبزنطي المتقدمتان ص ٣٨٢.

٣٩٧

وشيخنا الشهيد الثاني في الروض اقتصر على نقل القولين ودليلهما ولم يرجح شيئا في البين.

المسألة السابعة ـ لو تساوى الأولياء في مرتبة الولاية قال الشيخ في المبسوط والخلاف يقدم الأقرأ فالأفقه فالأسن ، وتبعه الفاضلان في المعتبر والتذكرة لعموم قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «يؤمكم أقرؤكم». وزاد في المبسوط بعد الأسن قال : فان تساووا أقرع بينهم.

وقال فيه ايضا ان الحر أولى من العبد والذكر أولى من الأنثى إذا كان ممن يعقل الصلاة. وتبعه ابن إدريس. وهو يشعر بان التمييز كاف في الإمامة كما افتى به في المبسوط والخلاف في جماعة اليومية.

أقول : أما أولوية الذكر على الأنثى فقد صرح به جملة منهم (رضوان الله عليهم) بل قال في المنتهى انه لا خلاف فيه ، وحكى بعض المتأخرين قولا باشتراك الورثة في الولاية.

واستدل في المدارك للقول الأول قال وربما كان مستنده قوله (عليه‌السلام) (٢) «يصلى على الجنازة أولى الناس بها». ومع وجود الذكر يصدق كونه أولى فيتعلق به الحكم.

وفيه ان ما ذكره نوع مصادرة فإنه عين الدعوى ، فإن أراد باعتبار كون الذكر أكثر ميراثا فهو لا يتم كليا لتخلفه في ما لو انحصرت الولاية في الأخ من قبل الام مع الأخت من قبل الأبوين فإنها أكثر ميراثا وبموجبه تكون الولاية لها دونه. نعم يمكن استفادة ما ذكره من صحيحة حفص بالتقريب الذي ذكرناه فيها كما تقدم في المسألة الثانية (٣).

هذا إذا كانت الأنثى في طبقة الذكر كما هو المفروض وان كانت جملة من عبائر الأصحاب مطلقة في ذلك.

أما لو لم يكن في طبقتها ذكر فالظاهر اختصاصها بالولاية لما رواه الصدوق

__________________

(١) في سنن ابى داود ج ١ ص ١٥٩ عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» ...

(٢) ص ٣٨٢.

(٣) ص ٣٩٠.

٣٩٨

والشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت المرأة تؤم النساء؟ قال لا الا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن في الصف فتكبر ويكبرن». ورواه الشيخ بسند آخر في الموثق وبسند ثالث في الضعيف (٢).

وأما أولوية الحر على العبد وان كان العبد أقرب فالظاهر انه لا خلاف فيه لانه لا يرث مع الحر ، ويعضده انه محجور من التصرف في نفسه فكذا في غيره.

وأما ما ذكروه ـ من تقديم الاقرأ فالأفقه فالأسن كما قدمناه وهو خيرة الأكثر أو تقديم الأفقه ثم الاقرأ ثم الأسن كما هو خيرة العلامة في القواعد والتحرير والمحقق في الشرائع ـ فلم نقف له على نص في هذا المقام ، وكأنهم بنوا الحكم هنا على ما ذكروه في جماعة اليومية.

قال في الذكرى بعد ذكر نحو ما ذكرنا : ولم نقف لهم على مأخذ ذلك في خصوصية الجنازة ، وظاهرهم إلحاقها بجماعة المكتوبة وهي مرجحة بهذه الأوصاف كلها ، ولكن ذكر العبد هنا مشكل لانه لا إرث له فيخرج عن الولاية. والمحقق في الشرائع قدم الأفقه على الأقرأ ، وهو متوجه لأن القراءة هنا ساقطة إلا انه خلاف فتوى الأصحاب بتقديم الأقرأ في الجماعة على الإطلاق وخلاف فتواه وفتوى الشيخ في هذه المسألة. انتهى.

وما علل به توجه تقديم الأفقه على الأقرأ من أن القراءة هنا ساقطة قد أورد عليه بان مرجحات القراءة معتبرة في الدعاء ولو لا ذلك لسقط الترجيح بالقراءة مطلقا ، وانتقل جماعة : منهم ـ الشيخ إلى القرعة بعد التساوي في السن كما تقدم ذكره ، واعتبر بعضهم بعد الأسن الأقدم هجرة ثم الأصبح وجها ، لما سيأتي ان شاء الله تعالى في باب الجماعة منقحا موضحا.

المسألة الثامنة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان المؤتم في صلاة الجنازة واحدا وقف خلف الامام ولم يقف الى جنبه كما في جماعة اليومية ،

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٥ من صلاة الجنازة و ٢٠ من صلاة الجماعة.

٣٩٩

وإذا اقتدى النساء بالرجل وقفن خلفه ولو كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا ، ولو اجتمع الرجال والنساء وقفن النساء خلف الرجال.

والذي يدل على الحكم الأول ما رواه ثقة الإسلام والصدوق عن اليسع بن عبد الله القمي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يصلى على الجنازة وحده؟ قال نعم. قلت فاثنان يصليان عليها؟ قال نعم ولكن يقوم الآخر خلف الآخر ولا يقوم بجنبه».

وعلى الحكم الثاني ما سيأتي في باب الجماعة من أن مواقف النساء خلف الرجال وعدم جواز محاذاة المرأة للرجل.

وعلى الحكم الثالث ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال نعم ولا تقف معهم وتقف مفردة».

وعلى الحكم الرابع ما رواه الكليني عن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خير الصفوف في الصلاة المقدم وخير الصفوف في الجنائز المؤخر. قيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولم؟ قال صار سترة للنساء».

أقول : ما دلت عليه هذه الرواية بظاهرها ـ من ان أفضل الصفوف في صلاة الجماعة اليومية الصف الأول وهو الأقرب الى القبلة وفي صفوف صلاة الجنائز هو الصف الأخير ـ هو الذي عليه جملة الأصحاب استنادا الى هذه الرواية.

إلا ان شيخنا المجلسي في كتاب البحار قد استظهر من الخبر معنى آخر وطعن في المعنى المشهور بوجوه ذكرها ثمة.

قال : والذي يفهم من الرواية وهو الظاهر منها لفظا ومعنى ان المراد بالصفوف

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة الجنازة.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من صلاة الجنازة.

٤٠٠