الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

ولا بأس بذكر جملة من الأخبار الدالة على ما ادعيناه من الكفر والنصب والشرك وحل المال والدم ليعلم ان ما ذهب إليه المتأخرون ـ من الحكم بإسلامهم حتى فرعوا عليه هنا وجوب الصلاة عليهم ونحوه من أحكام الإسلام ـ نفخ في غير ضرام وغفلة عن النظر بعين التحقيق في أخبارهم (عليهم‌السلام).

فمن ذلك ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (١) في ما استطرفه من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا ابى الحسن الهادي (عليه‌السلام) في جملة مسائل محمد ابن على بن عيسى قال : «كتبت إليه أسأله عن الناصب هل أحتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو ناصب».

ومعنى الخبر هو انه لما استفاضت الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) بكفر الناصب وشركه ونجاسته وحل ماله ودمه كتب إليه يسأله عن معنى الناصب ومظهر النصب بما يعرف حتى تترتب عليه الأحكام المذكورة وانه هل يحتاج إلى شي‌ء زائد على مجرد تقديم الجبت والطاغوت واعتقاده إمامتهما؟ فرجع الجواب ان مظهر النصب والعداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام) هو مجرد التقديم والقول بإمامة الأولين. وهو ظاهر الدلالة في الرد على ما اشتهر بين متأخري أصحابنا من جعلهم الناصب أخص من المخالف. نعم يجب أن يستثني من عموم هذا الخبر المستضعف الذي دلت الأخبار على إسلامه ووجوب إجراء أحكام الإسلام عليه في دار الدنيا وانه في الآخرة من المرجأين لأمر الله تعالى.

ومنها ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل (٢) بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهم‌السلام) لأنك لا تجد رجلا يقول انا أبغض محمدا وآل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولكن الناصب من نصب لكم

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس و ٦٨ من القصاص في النفس.

٣٦١

وهو يعلم انكم تتولونا وانكم من شيعتنا».

ومنها ـ ما رواه في كتاب معاني الأخبار بسند معتبر عن المعلى بن خنيس (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهم‌السلام) لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمدا وآل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولونا وتتبرؤون من أعدائنا».

وحاصل معنى الخبرين انه لا ينحصر الناصب في من أظهر بغضنا بلسانه وجاهر بعداوتنا لأنه لو كان كذلك لم يوجد ناصب بالكلية لأنك لا تجد أحدا يتظاهر بعداوتنا ويعلن ببغضنا وانما الناصب لنا والعدو هو من أبغضكم وهو يعلم انكم من شيعتنا تتولونا وتتبرؤون من أعدائنا ، وعلى هذا فالنصب والعداوة للشيعة من حيث التشيع مظهر للنصب لهم (عليهم‌السلام).

ويدل على ذلك بأوضح دلالة ما رواه الصدوق في كتاب الأمالي (٢) عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «من سره أن يعلم أمحب لنا أم مبغض فليمتحن قلبه فان كان يحب وليا لنا فليس بمبغض لنا وان كان يبغض وليا لنا فليس بمحب لنا. الحديث». ونحوه أخبار عديدة.

ومن هذه الأخبار يعلم ان مظهر النصب والعداوة لهم (عليهم‌السلام) منحصر في أمرين : تقديم الجبت والطاغوت وإظهار العداوة للشيعة.

وقد وافقنا في هذا المقام من متأخري علمائنا الأعلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض في باب السؤر حيث قال ـ بعد قول المصنف وسؤر الكافر والناصب ـ ما هذا لفظه : والناصب من نصب العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام) أو لأحدهم وأظهر البغضاء لهم صريحا أو لزوما ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والاعراض عن مناقبهم من حيث انها مناقبهم والعداوة لمحبيهم من حيث محبتهم ، وروى الصدوق ابن بابويه عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر الأول ثم قال وفي بعض الأخبار

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٨ من القصاص في النفس.

(٢) ارجع الى الاستدراكات.

٣٦٢

ان كل من قدم الجبت والطاغوت فهو ناصب. واختاره بعض الأصحاب إذ لا عداوة أكثر ممن قدم المنحط عن مراتب الكمال وفضل المنخرط في سلك الأغبياء والجهال على من تسنم أوج الجلال حتى شك في انه الله المتعال. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو الحق الذي لا تعتريه شبهة ولا اشكال وان خالفه في مواضع من كلامه في أمثال هذا المجال.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال «ان الله تعالى نصب عليا (عليه‌السلام) علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا». وبهذا المضمون أخبار عديدة في الكتاب المذكور وغيره.

ونحوه ما رواه في الكافي أيضا عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «أهل الشام شر من أهل الروم وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله جهرة».

وعنه (عليه‌السلام) (٣) «ان أهل مكة ليكفرون بالله جهرة وان أهل المدينة أخبث من أهل مكة أخبث منهم سبعين ضعفا».

وعن ابى مسروق (٤) قال : «سألني أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن أهل البصرة فقلت مرجئة وقدرية وحرورية. فقال لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شي‌ء». الى غير ذلك من الأخبار.

وقد ساعدتها على ذلك جملة من الآيات القرآنية وما ورد في تفسيرها عن الأئمة المعصومين (عليهم‌السلام) بتفسير الكفر فيها بإنكار ولاية على (عليه‌السلام) رواها في الكافي (٥).

ومنها ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) في حديث قال فيه بعد ان ذكر اليهودي والنصراني

__________________

(١) الأصول ج ١ ص ٤٣٧ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ٦ من حد المرتد.

(٢ و ٤) الأصول ج ٢ ص ٤٠٩ الطبع الحديث.

(٣) الأصول ج ٢ ص ٤١٠ الطبع الحديث.

(٥) باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية من كتاب الحجة.

(٦) الوسائل الباب ١١ من الماء المضاف.

٣٦٣

والمجوسي قال : «والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم ان الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه». وفي معناه أخبار عديدة تقدمت في باب النجاسات من كتاب الطهارة (١).

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس».

وما رواه عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «ولولا انا نخاف عليكم ان يقتل رجل منكم برجل منهم ـ ورجل منكم خير من الف رجل منهم ومائة ألف منهم ـ لأمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك الى الامام».

وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن مؤمن قتل ناصبا معروفا بالنصب على دينه غضبا لله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أيقتل به؟ قال أما هؤلاء فيقتلونه به ولو رفع الى امام عادل ظاهر لم يقتله. قلت فيطل دمه؟ قال لا ولكن ان كان له ورثة فعلى الامام أن يعطيهم الدية من بيت المال لأن قاتله انما قتله غضبا لله ولإمام المسلمين».

وفي معناه غيره ومن أراد استقصاء الوقوف على جملة هذه الأخبار وما يتعلق بها من البحث والنقض والإبرام فليرجع الى كتابنا الشهاب الثاقب المتقدم ذكره فإنه شاف واف بالمراد عار عن تطرق وصمة النقض والإيراد. والله الهادي إلى الرشاد.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان من أوجب الصلاة على هؤلاء بناء على الحكم بإسلامهم احتج على ذلك بما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) قال : «صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله».

__________________

(١) ج ٥ ص ١٨٧.

(٢) الوسائل الباب ٢ من ما يجب فيه الخمس.

(٣) الوسائل الباب ٩٥ من ما يكتسب به.

(٤) الوسائل الباب ٦٨ من القصاص في النفس ، ويرجع فيه الى الاستدراكات.

(٥) الوسائل الباب ٣٧ من صلاة الجنازة.

٣٦٤

وما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلوا على المرجوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة».

والجواب عن ذلك ـ مع الإغماض عن ضعفهما وعدم قيامهما بالمعارضة لا يسر يسير مما قدمناه من الأخبار مما ذكرناه وما لم نذكره ـ ان هذا المستدل لا يقول بهما على إطلاقهما لشمولهما للفرق التي قدمنا سابقا الاتفاق على كفرها فلا بد من تخصيصهما بغيرهم ، وليس تخصيصهما بما ذكروه من الأدلة الدالة على كفر تلك الفرق أولى من تخصيصهما بما قدمنا ذكر بعضه من الأخبار الدالة على نصب المخالف وكفره وشركه ونحو ذلك ، واحتمال الخروج مخرج التقية فيهما ظاهر لا ينكر إلا ممن صد عن قبول الحق في ما ذكرناه من الاخبار واستكبر.

قال في المدارك في هذا المقام ـ بعد نقل القول المشهور والاستدلال له بالروايتين المذكورتين ثم نقل قول الشيخ المفيد ومن تبعه ـ ما لفظه : وهو غير بعيد لأن الإجماع إنما انعقد على وجوب الصلاة على المؤمن ، والروايات التي استدل بها على العموم لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة ، والواجب التمسك بمقتضى الأصل الى ان يقوم على الوجوب دليل يعتد به. انتهى.

أقول : قد سبق له نظير هذا الكلام المنحل الزمام في مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة حيث قال بعد نقل كلام الشيخ المفيد المنقول هنا : والمسألة قوية الإشكال وان كان الأظهر عدم وجوب تغسيل غير المؤمن. انتهى.

وفيه (أولا) ان مقتضى الحكم بإسلامهم كما هو مذهبه في المسألة تبعا لجده والمحقق قبله وأمثالهم هو ترتب أحكام الإسلام وإجراؤها عليهم مما يتعلق بالحياة والممات ، فكما يجوز الحكم بمناكحتهم وموارثتهم وطهارتهم وحقن دمائهم وأموالهم بل عدالتهم كما عرفت مما تقدم في مسألة العدالة من باب صلاة الجمعة المترتب جميع ذلك على الإسلام ، فكذا يجب الحكم بغسلهم والصلاة عليهم فان جميع ذلك من

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من صلاة الجنازة.

٣٦٥

توابع الإسلام وأحكامه المترتبة عليه ، وتوقفه هنا على الدليل بخصوص هذين الحكمين لا معنى له ، لان تلك الأحكام التي أجروها عليهم في حال الحياة إنما أجروها تبعا للإسلام وتفريعا عليه لا لخصوص أدلة دلت عليها بالنسبة إلى المخالف وان زعموا ورود ذلك في بعض هذه الأشياء المعدودة ، والذي دلت عليه هذه الأدلة الواردة عنهم (عليهم‌السلام) انما هو خلاف ما يدعونه من تلك الأحكام.

و (ثانيا) ـ ان الأصحاب في هذه المسألة على قولين (أحدهما) القول بالكفر وعدم جواز تغسيلهم والصلاة عليهم ، و (ثانيهما) القول بالإسلام ووجوب الحكمين المذكورين ، والقول بالإسلام وعدم جواز الحكمين المذكورين خرق للإجماع المركب ، وقد عرفت انه في غير موضع من كتابه يراعى الإجماع ويتشبث به وان خالف نفسه في مواضع أخر. وظاهر قوله هنا ـ ان الإجماع إنما انعقد على وجوب الصلاة على المؤمن ـ هو الاعتماد على الإجماع فكيف يخرج عنه بإحداث القول بإسلامهم بل عدالتهم مع عدم جواز تغسيلهم والصلاة عليهم؟

وبالجملة فالبناء لما كان على غير أساس تطرق اليه الانتقاض والانطماس فان كفرهم من المشهورات في أخبارهم (عليهم‌السلام) بل وربما يدعى انه من ضروريات مذهبهم كما لا يخفى على من اطلع على ما أوردناه في كتابنا المشار اليه آنفا من الأخبار وجاس خلال الديار. والله الهادي لمن يشاء.

بقي الكلام في ما دل عليه خبر السكوني (١) من حيث تضمنه الصلاة على القاتل نفسه مع ما ورد في جملة من الأخبار انه من أهل النار (٢) ويمكن أن يقال انه بقتل نفسه لا يخرج عن الإسلام بل غايته أن يكون من أهل الكبائر المستحقين للنار ايضا ، وقد دل صحيح هشام بن سالم المروي في الفقيه (٣) على ان شارب

__________________

(١) ص ٣٦٥.

(٢) الوسائل الباب ٥ من القصاص في النفس.

(٣) الوسائل الباب ٣٧ من صلاة الجنازة. ورواه في التهذيب ج ١ ص ٣٤٥.

٣٦٦

الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا. وبالجملة من حيث عدم الخروج عن الإيمان تدركهم الشفاعة ويكونون بذلك من أهل الجنة كما دل عليه قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي». هذا مع عدم حصول التوبة وإلا فيسقط البحث. والله العالم.

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الحد الذي يجب فيه الصلاة على الطفل ، فالأشهر الأظهر هو بلوغ ست سنين ، ذهب اليه الشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وسلار والمتأخرون ونقل المرتضى فيه الإجماع وكذا العلامة في المنتهى ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة لا يصلى على الصبي حتى يعقل الصلاة. ونحوه قال الجعفي والصدوق في المقنع ، والظاهر ان هذا القول يرجع الى الأول. وقال ابن الجنيد تجب على المستهل يعنى من رفع صوته بالبكاء. وقال ابن ابى عقيل لا تجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ.

ويدل على القول الأول وهو المختار ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «مات ابن لأبي جعفر (عليه‌السلام) فأخبر بموته فأمر به فغسل وكفن ومشى معه وصلى عليه وطرحت خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه ثم انصرف وانصرفت معه حتى انى لأمشي معه فقال اما انه لم يكن يصلى على مثل هذا ـ وكان ابن ثلاث سنين ـ كان على (عليه‌السلام) يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئا (٣) فنحن نصنع مثله. قال قلت فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من جهاد النفس.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من صلاة الجنازة.

(٣) في المغني ج ٢ ص ٥٢٢ «السقط وهو الولد تضعه المرأة ميتا أو لغير تمام فاما ان خرج حيا واستهل فإنه يغسل ويصلى عليه بغير خلاف ، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان الطفل إذا عرفت حياته واستهل يصلى عليه وان لم يستهل قال أحمد إذا اتى له أربعة أشهر غسل وصلى عليه وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وإسحاق ، وصلى ابن عمر على ابن لابنته ولد ميتا ، وقال الحسن وإبراهيم والحكم وحماد ومالك والأوزاعي

٣٦٧

إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين. الحديث».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبيد الله الحلبي وثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ فقال إذا عقل الصلاة. قلت متى تجب الصلاة عليه؟ قال إذا كان ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه».

قلت : والمراد بالوجوب هنا ليس المعنى الشرعي بل مجرد الثبوت فإن صلاة الصبي مستحبة تمرينا ، والمعنى انه متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا؟ فقال إذا كان ابن ست سنين.

والذي يكشف عن هذا المعنى ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) «في الصبي متى يصلى عليه؟ قال إذا عقل الصلاة. قلت متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال لست سنين».

أقول : ومن هذه الروايات علم صحة ما حملنا عليه كلام الشيخ المفيد من رجوعه الى القول المشهور خلافا لمن زعم المغايرة فعده في مقابلة القول المشهور وعده قولا برأسه.

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٣) قال : «صلى أبو جعفر (عليه‌السلام) على ابن له له صبي صغير له ثلاث سنين ثم قال لولا ان الناس يقولون ان بنى هاشم لا يصلون على

__________________

وأصحاب الرأي لا يصلى عليه حتى يستهل ، وللشافعي قولان كالمذهبين. واما من لم يأت له أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ويلف في خرقة ويدفن ولا نعلم فيه خلافا إلا عن ابن سيرين فإنه قال يصلى عليه إذا علم انه نفخ فيه الروح ، وحديث الصادق المصدق يدل على انه لا ينفخ فيه إلا بعد أربعة أشهر وقبل ذلك لا يكون نسمة» ونحو ذلك في البدائع ج ١ ص ٣٠٢ والمهذب ج ١ ص ٣٤ وبداية المجتهد ج ١ ص ٢٢ والمدونة ج ١ ص ١٦٢.

(١) الوسائل الباب ١٣ من صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أعداد الفرائض ونوافلها.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من صلاة الجنازة.

٣٦٨

الصغار من أولادهم ما صليت عليه». قال (١) : «وسئل (عليه‌السلام) متى تجب الصلاة عليه؟ قال إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال إذا عقل الصلاة صلى عليه».

أقول : قد عرفت من الأخبار السابقة ما يكشف إجمال هذا الخبر فإنها قد فسرت من يعقل الصلاة بأنه من كان ابن ست سنين.

وقال الرضا في كتاب الفقه (٣) «واعلم ان الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة».

ويدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها ، وإذا استهل فصل عليه وورثه».

وعن على بن يقطين في الصحيح (٥) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) لكم يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال يصلى عليه على كل حال إلا ان يسقط لغير تمام».

وعن احمد بن محمد عن رجل عن ابى الحسن الماضي (عليه‌السلام) (٦) قال : قلت لكم يصلى على الصبي؟. الحديث. مثله.

وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) (٧) قال : «يورث للصبي ويصلى عليه إذا سقط من بطن امه فاستهل صارخا وإذا لم يستهل صارخا لم يورث ولم يصل عليه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٣ من صلاة الجنازة.

(٣) ص ١٩.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ١٤ من صلاة الجنازة.

٣٦٩

وأجاب الشيخ ومن تبعه من الأصحاب عن هذه الأخبار بالحمل على الاستحباب أو التقية (١).

وفي الأول ما عرفت في غير مقام ، مع انه لا وجه للحمل على ذلك بعد قول الباقر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة السابقة صدر الأخبار «اما انه لم يكن يصلى على مثل هذا وان عليا (عليه‌السلام) كان يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه».

ويدل على ذلك ايضا ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة (٢) قال : «رأيت ابنا لأبي عبد الله (عليه‌السلام) في حياة أبي جعفر (عليه‌السلام) يقال له عبد الله فطيم قد درج فقلت له يا غلام من ذا الذي إلى جنبك؟ لمولى لهم فقال هذا مولاي فقال له المولى يمازحه لست لك بمولى. فقال ذلك شر لك. فطعن في جنان الغلام (٣) فمات فاخرج في سفط الى البقيع ، فخرج أبو جعفر (عليه‌السلام) وعليه جبة خز صفراء وعمامة خز صفراء ومطرف خز اصفر فانطلق يمشي إلى البقيع وهو معتمد على والناس يعزونه على ابن ابنه فلما انتهى الى البقيع تقدم أبو جعفر (عليه‌السلام) فصلى عليه وكبر عليه أربعا ثم أمر به فدفن ، ثم أخذ بيدي فتنحى بي ثم قال انه لم يكن يصلى على الأطفال انما كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يأمر بهم فيدفنون من وراء ولا يصلى عليهم وانما صليت عليه من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا لا يصلون على أطفالهم» (٤).

والعجب انه مع صراحة الخبرين في التقية وعدم مجال للحمل على هذا الاستحباب

__________________

(١ و ٤) ارجع الى التعليقة ٣ ص ٣٦٧.

(٢) الفروع ج ١ ص ٥٦ وفي الوسائل الباب ١٥ من صلاة الجنازة.

(٣) كذا في التهذيب ج ١ ص ٣١١ والوافي ج ١٣ ص ٧٥ ، وفي فروع الكافي ج ١ ص ٥٦ والاستبصار ج ١ ص ٤٧٩ الطبع الحديث هكذا «فطعن في جنازة الغلام» وفي هامش الكافي المطبوع بايران هكذا : قوله «فمات» تفسير لقوله «فطعن في جنازة الغلام» والعرب تقول طعن فلان في جنازته ورمى في جنازته إذا مات (المغرب).

٣٧٠

يحتملونه هنا جريا على قاعدتهم في جميع الأبواب وحرصا عليه مع ما عرفت انه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب.

ويزيد ذلك تأكيدا ما رواه في الكافي عن على بن عبد الله (١) قال : «سمعت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) يقول لما قبض إبراهيم ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جرت فيه ثلاث سنن ، أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فصعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال يا ايها الناس ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم نزل عن المنبر فصلى بالناس صلاة الكسوف فلما سلم قال يا على قم فجهز ابني فقام على (عليه‌السلام) فغسل إبراهيم وحنطه وكفنه ثم خرج به ومضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى انتهى به الى قبره فقال الناس ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نسي أن يصلى على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه فانتصب قائما ثم قال يا ايها الناس أتاني جبرئيل بما قلتم زعمتم انى نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع ألا وانه ليس كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى. الحديث».

قال في المدارك ـ بعد إيراد أخبار ابن الجنيد وصحيحة زرارة الواردة في موت ابن ابى جعفر (عليه‌السلام) ورواية موت إبراهيم ـ والمسألة محل إشكال إلا ان المقام مقام استحباب والأمر فيه هين.

أقول : قد عرفت انه لا إشكال بحمد الملك المتعال بعد ما عرفت من حمل اخبار ابن الجنيد على التقية ووضوح صحيحتي زرارة في ذلك ، وقد عرفت ان من القواعد المأثورة التي استفاضت بها الأخبار عرض الأخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه ، وحينئذ فأي اشكال يبقى في هذا المجال؟ والظاهر ان منشأ هذا الإشكال عنده انما هو من حيث صحة مستند ابن الجنيد في ما ذهب اليه

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٥٧ وفي الوسائل الباب ١٥ من صلاة الجنازة.

٣٧١

وهو بناء على شدة تمسكه بهذا الاصطلاح المحدث يحوم حول الأسانيد ويدور مدارها صحة وضعفا ولا ينظر الى متن الخبر ومخالفته القواعد الشرعية والسنة المحمدية أم لا؟ وأما قوله ـ إلا ان المقام مقام استحباب والأمر فيه هين ـ فإنه ليس في محله لان الاستحباب انما صاروا اليه جمعا بين الأخبار بزعمهم وإلا فمذهب ابن الجنيد انما هو القول بالوجوب واخباره ظاهرة في الوجوب وهي صحيحة صريحة فكيف يكون المقام مقام استحباب والأمر فيه هين؟ على انه لا منافاة بين صحة الخبر عنهم (عليهم‌السلام) وخروجه مخرج التقية حتى يحصل الإشكال عنده ، فإنهم إنما وضعوا هذا الاصطلاح للتحرز من العمل بالأخبار المكذوبة بزعمهم ، ومتى ثبت كون سندها صحيحا علم انها صدق ، وحينئذ فصحة الأخبار انما تنافي كونها مكذوبة لا كونها خرجت مخرج التقية. وبالجملة فكلامه (قدس‌سره) هنا لا اعرف له وجه استقامة.

والذي يدل على ما ذهب اليه ابن ابى عقيل على ما نقل عنه ان الصلاة استغفار للميت ودعاء له ومن لم يبلغ لا حاجة له الى ذلك.

وما رواه عمار في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال لا إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم».

قال في المدارك : وأجيب عن الأول بالمنع من كون الصلاة لأجل الدعاء للميت أو لحاجته إلى الشفاعة لوجوبها على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) ونحن محتاجون الى شفاعتهم. وعن الرواية بالطعن في السند باشتماله على جماعة من الفطحية ولا تنهض حجة في معارضة الأخبار الصحيحة ، قال في الذكرى : ويمكن أن يراد بجري القلم مطلق الخطاب الشرعي والتمرين خطاب شرعي. انتهى.

أقول : ومما يدل على هذا القول زيادة على الموثقة المذكورة ما رواه في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من صلاة الجنازة.

٣٧٢

الكافي عن هشام (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان الناس يكلمونا ويردون علينا قولنا انه لا يصلى على الطفل لأنه لم يصل ، فيقولون لا يصلى إلا على من صلى؟ فنقول نعم. فيقولون أرأيتم لو أن رجلا نصرانيا أو يهوديا أسلم ثم مات من ساعته فما الجواب فيه؟ فقال قولوا لهم أرأيتم لو أن هذا الذي أسلم الساعة افترى على انسان ما كان يجب عليه في فريته؟ فإنهم سيقولون يجب عليه الحد فإذا قالوا هذا قيل لهم فلو ان هذا الصبي الذي لم يصل افترى على انسان هل كان يجب عليه الحد؟ فإنهم سيقولون لا فيقال لهم صدقتم انما يجب أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة والحدود ولا يصلى على من لم تجب عليه الصلاة ولا الحدود». وظاهر الخبر المذكور شهرة الحكم بما تضمنه يومئذ حتى عند المخالفين حيث أن ظاهره انهم كانوا يطعنون على الشيعة بذلك.

وجمع المحدث الكاشاني في الوافي بين هذين الخبرين وبين اخبار القول المشهور بحمل تلك الأخبار على الاستحباب ، قال في الكتاب المذكور بعد ذكر هذا الخبر : لا منافاة بين هذا الخبر والذي قبله لأن الأول محمول على جواز الصلاة واستحبابها على من عقلها والثاني على من حتمها ووجوبها على من أدرك ، فمتى تستحب الصلاة للصبي تستحب عليه ومتى تجب تجب عليه ومتى لا يعقلها لا تجب عليه ولا تستحب. انتهى.

ولا يخفى بعده إلا ان الظاهر انه لا مندوحة عنه في هذا المقام حيث ان هذين الخبرين كالصريحين في التخصيص بالبلوغ.

وأما حمل موثقة عمار على بلوغ ست سنين ـ وان المراد بجري القلم يعنى جريه بالتكليف التمريني كما نقله في المدارك عن الذكرى وعليه جمد في المختلف وتبعهما صاحب الوسائل ـ فظني بعده بل عدم صحته ، لانه (عليه‌السلام) عبر بالحصر في الرجل والمرأة وانه لا يصلى عليهما إلا إذا جرى عليهما القلم ، ولا يخفى ان المفهوم من تتبع الأخبار وعليه يساعد العرف ان الرجل والمرأة لا يطلقان إلا على البالغ ، وعلى

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من صلاة الجنازة.

٣٧٣

هذا فقوله «إذا جرى عليهما القلم» بعد ذكر الرجل والمرأة إما احترازا عن المجنون بعد البلوغ حيث انه مرفوع عنه القلم أو يكون في مقام البدل من الرجل والمرأة.

وبالجملة فإن من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فلا ريب ولا اشكال عنده في ترجيح القول المشهور واما من لا يعمل عليه فالحكم لا يخلو عنده من الاشكال والاحتياط فيه مطلوب على كل حال.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله ابن بكير عن قدامة بن زائد (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى على ابنه إبراهيم فكبر عليه خمسا».

ولا يخفى ما فيه من المدافعة للأخبار المتقدمة الدالة على القول المشهور ولا سيما رواية على بن عبد الله (٢) الواردة في موت إبراهيم صريحة في انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يصل عليه.

وحمل هذه الرواية على التقية كما حملنا عليها روايات ابن الجنيد غير ممكن هنا لعدم جواز التقية في حقه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مع منافاة التكبير خمسا لذلك ، والحمل على التقية في النقل وان أمكن لكن ذكر التكبير خمسا في الخبر ينافر ذلك.

واما ما ذكره في الوسائل من الاحتمالات في الجمع بين الخبرين المذكورين ـ من انه يحتمل في الخبر الأول نفى الوجوب ويحتمل النسخ وانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى بعد قولهم أو لعله صلى عليه غيره بأمره ولم يصل عليه هو فيصدق النفي حقيقة والإثبات مجازا عقليا ـ فلا يخفى ما فيه لان الخبرين تصادما في وقوع الصلاة وعدمها لا في الأمر حتى يحتمل نفى الوجوب والنسخ.

وبالجملة فوجه الجمع عندي غير ظاهر والأول منهما هو المعتضد بالأخبار الكثيرة مضافا الى اتفاق جمهور الأصحاب على القول بها ، وانما يبقى الإشكال في هذا الخبر الأخير وهو مردود إلى قائله وهو أعلم بما قال. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ و ١٤ من صلاة الجنازة.

(٢) ص ٣٧١.

٣٧٤

وجد بعض الميت فان كان فيه الصدر أو وجد الصدر وحده غسل وكفن وصلى عليه ودفن ، ذكره الشيخ وجملة من الأصحاب بل صرح العلامة في جملة من كتبه بان صدر الميت كالميت في جميع أحكامه وأطلق.

والأخبار في هذه المسألة مع كثرتها لا تخلو من التنافر والاضطراب : ومنها ما رواه الشيخ والصدوق عن الفضل بن عثمان الأعور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه في قبيلة؟ فقال ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه».

قوله «ووسطه الى قوله في قبيلة» ليس في التهذيب والظاهر انه سقط سهوا من قلمه كما لا يخفى على من له أدنى انس بطريقته في الكتاب المذكور.

وبهذا الخبر والخبر الآتي بنقل المحقق في المعتبر عن جامع البزنطي استدل العلامة على ما ذكره من أن صدر الميت كالميت في جميع أحكامه ، مع انهما لم يشتملا على أزيد من الصلاة فلا دلالة فيهما على وجوب الغسل والتكفين ، إلا ان يدعى استلزام الصلاة لوجوب الغسل والتكفين. قال في المدارك : وهو ممنوع.

ومنها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن». وزاد في الكافي والتهذيب (٣) «وإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب». ومثلها مع الزيادة رواية القلانسي عن ابى جعفر (عليه‌السلام) مثله (٤).

وظاهر هذين الخبرين بالنسبة إلى مجموع العظام هو المساواة للميت إلا في الحنوط وهو ظاهر لفوات محله ، واما بالنسبة إلى النصف الذي فيه القلب على رواية الشيخين المذكورين وكذا رواية القلانسي ان الصدر ليس كالميت في ما يدعونه من جميع الأحكام ، لأنهما (عليهما‌السلام) أوجبا في العظام الخالية من اللحم ـ حيث

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة. والحديث (١) في الوسائل والفقيه ج ١ ص ١٠٤ عن الصادق عن أبيه (عليه‌السلام).

٣٧٥

انها مجموع بدن الميت كما تفيده اضافة الجمع ـ الأحكام الأربعة المذكورة. واما الصدر فلم يتعرض فيه إلا الى الصلاة ، والدفن وان لم يذكر إلا انه معلوم من الأخبار الأخر.

ومنها ـ حسنة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه وان وجد عظم بلا لحم صلى عليه». وظاهرها انه يصلى على العظم مجردا مطلقا ولا قائل به ومن أجل ذلك حملت على الاستحباب

والأظهر عندي هو حمل هذه الرواية على سابقتها بمعنى انه ان وجد من هذا القتيل بعد قتله جميع لحمه إلا انه لا عظم فيه فإنه لا يصلى عليه ، وان وجدت عظامه كملا خالية من اللحم صلى عليها ، وبه تنطبق على الرواية المتقدمة ، ولا استبعاد في ذلك إلا من حيث إطلاق العظم على المجموع ومثله في باب التجوز الواسع كثير.

ومنها ـ رواية عبد الله بن الحسين عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا وسط الرجل نصفين صلى على الذي فيه القلب». هكذا في رواية الكليني.

وفي الفقيه (٣) عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «إذا وسط الرجل بنصفين صلى على النصف الذي فيه القلب وان لم يوجد منه إلا الرأس لم يصل عليه». وهذه الزيادة قد رواها في الكافي مرسلا (٤) بعد نقل حسنة محمد بن مسلم فقال : «وروى انه لا يصلى على الرأس إذا أفرد من الجسد».

وهذه الرواية مثل روايتي الفضل الأعور وعلى بن جعفر المتقدمتين في الدلالة على وجوب الصلاة على الصدر أو ما فيه الصدر من غير تعرض فيه لغير الصلاة.

ومنها ـ رواية محمد بن خالد عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة.

(٢) الفروع ج ١ ص ٥٨ وفي الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة.

(٣) ج ١ ص ١٠٤ وفي الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة.

(٥) الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة. والسند هكذا : «عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام).

٣٧٦

وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام صلى عليه ودفن وان لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه ودفن». وهذه الرواية نقلها في الكافي مسنده كما ذكرنا ، وروى في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) مثله (١).

وهذه الرواية بالنظر الى ظاهرها لم يقل بها أحد إلا الصدوق بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه. وربما حمل العضو هنا على ما فيه القلب ، وبعده ظاهر وبعض القائلين بالقول المشهور اطرح هذا الخبر وبعض حمله على الاستحباب وهو الأحوط.

ومنها ـ رواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «ان عليا (عليه‌السلام) وجد قطعا من ميت فجمعت ثم صلى عليها ثم دفنت». ورواها الصدوق والشيخ ، ويمكن تقييد إطلاقها بوجود العضو الذي فيه القلب في جملة تلك القطع.

ومنها ـ ما رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «انه سئل عن رجل قتل ووجد أعضاؤه متفرقة كيف يصلى عليه؟ قال يصلى على الذي فيه قلبه».

ويمكن الاستدلال بهذا الخبر للقول المشهور من وجوب الصلاة على الصدر لانه محل القلب فيكون هو العضو الذي فيه القلب ، ومنه يظهر التأييد لما احتملناه في سابق هذا الخبر.

ومنها ـ رواية طلحة بن زيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا تصل على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا فإذا كان البدن فصل عليه وان كان ناقصا من الرأس واليد والرجل».

ووجوب الصلاة على البدن وان لم تكن معه هذه الأعضاء ظاهر بعد ما عرفت من تصريح الأخبار بوجوب الصلاة على ما فيه القلب. واما النهي عن الصلاة على

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ١٠٤ وفي الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٣٤٥ وفي الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة.

٣٧٧

تلك الأعضاء منفردة فهو المعروف بين الأصحاب إلا انه ينافيه ما تقدم من رواية محمد بن خالد (١) وما يأتي من رواية ابن المغيرة (٢).

ومنها ـ ما رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن احمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابه رفعه (٣) قال : «المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى على العضو الذي فيه القلب».

وهذا الخبر ظاهر في القول المشهور لان العضو الذي فيه القلب هو الصدر أعم من أن يكون معه أعضاء أخر من رأس ويد ونحو ذلك أم لا ، ومنه يعلم ـ وكذا من مرسلة عبد الله بن الحسين المتقدم نقلها عن صاحب الكافي ومثلها مرسلة الفقيه ـ ان ذكر اليد في رواية الفضل بن عثمان الأعور مع كونها في كلام السائل لا توجب تقييدا بأنه لا بد في الصلاة على الصدر من كون اليد معه كما توهمه صاحب المعتبر وغيره.

ومنها ـ ما رواه في الكتاب المذكور ايضا عن ابن المغيرة (٤) قال : «بلغني عن ابى جعفر (عليه‌السلام) انه يصلى على كل عضو رجلا كان أو يدا أو الرأس جزء فما زاد ، فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه».

وهذا الخبر مما يوافق ظاهر رواية محمد بن خالد المتقدم من الصلاة على العضو التام ، قال الذكرى بعد نقلهما : وهذان الخبران مطرحان مع إرسالهما. وقد قدمنا ان حملهما على الاستحباب طريق الاحتياط ، إلا ان رواية طلحة بن زيد المتقدمة قد دلت على النهى عن الصلاة على هذه الأعضاء الثلاثة ، وايدها بالنسبة إلى الرأس رواية الصدوق ومرسلة الكافي المتقدمتان في انه لو لم يوجد إلا الرأس فلا يصلى عليه ، وبه يشكل الحكم بالاستحباب إذ أقل مراتب النهي الكراهة وهي لا تجامع الاستحباب ، واما مجرد الجواز فلا وجه له في العبادات.

__________________

(١) ص ٣٧٦ و ٣٧٧.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٨ من صلاة الجنازة.

٣٧٨

وقد تلخص مما ذكرنا ذيل هذه الأخبار ان الواجب الصلاة على العظام كملا كما تضمنته صحيحة على بن جعفر وكذا على النصف الذي فيه القلب ، والقول بوجوب الصلاة على الصدر كما هو المشهور ليس ببعيد ايضا كما أشرنا إليه آنفا. واما الرأس واليد والرجل كل منها على حدة فقد عرفت تصادم الأخبار فيها على وجه لا يمكن الجمع بينها. والله العالم.

فروع

الأول ـ قال في الذكرى : إذا صلى على الصدر أو قلنا بالصلاة على العضو التام فالشرط فيه موت صاحبه إجماعا ، وهل ينوي الصلاة عليه خاصة أو على الجملة؟ قضية المذهب الصلاة عليه خاصة إذ لا صلاة على الغائب ، فلو وجد الباقي وجبت الصلاة على ما لم يصل عليه. انتهى.

الثاني ـ قال في الذكرى ايضا : لو اشتبه المسلم بالكافر فالأقرب الصلاة على الجميع بنية الصلاة على المسلمين لتوقف الواجب عليه ، وروى حماد بن يحيى عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في يوم بدر أمر بمواراة كميش الذكر اى صغيره وقال انه لا يكون إلا في كرام الناس». وأورده الشيخ في الخلاف (٢) والمبسوط عن على (عليه‌السلام) فحينئذ يمكن العمل به في الصلاة في كل مشتبه لعدم تعقل معنى في اختصاص الشهيد. وفي المبسوط أورد الرواية في اشتباه قتلي المسلمين بالمشركين وبنى عليها الصلاة ثم قوى ما قلناه أولا واحتاط بان يصلى على كل واحد واحد بشرط إسلامه قال في المعتبر : ولو قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة المسلم كان صوابا. وهذا فيه طرح للرواية لضعفها والصلاة على الجميع حينئذ بطريق الأولى.

الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة على ولد الزنا تفريعا على الخلاف في إسلامه وكفره ، فكل من حكم بالإسلام كالشيخ واتباعه ـ وهو المشهور بين المتأخرين ـ أوجبوا الصلاة عليه ، ونقل الشيخ فيه في الخلاف

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٩ من الدفن.

(٢) ص ١٠٩.

٣٧٩

الإجماع ، واحتجوا بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «صلوا على من قال لا إله إلا الله». وبرواية طلحة بن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) المتقدمة في المسألة الأولى (٢).

ومنع ابن إدريس من الصلاة عليه واحتج بأنه كافر بالإجماع. ورده في المختلف بأنه أي إجماع حصل على كفر ولد الزنا بل أى دليل دل على ذلك؟

قال في الذكرى بعد نقل قول الشيخ في الخلاف ودعواه الإجماع : ويشكل قبل بلوغه إذ لا إلحاق له بأحد الأبوين ، ويمكن تبعية الإسلام هنا للغة كالتحريم ، ويؤيد الإسلام تبعية الفطرة.

أقول : ونحن قد أشبعنا الكلام في مسألة ابن الزنا في الفصل السابع من المقصد الأول في النجاسات من كتاب الطهارة (٣) وذكرنا ان جملة من الأصحاب كالمرتضى والصدوق قالوا بكفره ، وقضية القول بالكفر المنع من الصلاة كما صرح

__________________

(١) في كنز العمال ج ٨ ص ٨٣ عن حلية الأولياء والطبراني عن ابن عمر عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «صلوا على من قال لا إله إلا الله». ورواه في مجمع الزوائد ج ٢ ص ٦٧ عن الطبراني في الكبير ثم قال فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب. وفي سنن البيهقي ج ٤ ص ١٩ «قال الشيخ قد روى في الصلاة على كل بر وفاجر والصلاة على من قال لا إله إلا الله أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف» وفي نيل الأوطار ج ٣ ص ١٣٩ حديث «صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله». أخرجه الدارقطني وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن كذبه يحيى بن معين ورواه ايضا من وجه آخر عنه وفي إسناده خالد بن إسماعيل وهو متروك ورواه ايضا من وجه آخر عنه وفي إسناده أبو الوليد المخزومي وقد خفي حاله على الضياء المقدسي وتابعه أبو البختري وهب بن وهب وهو كذاب. ورواه ايضا والطبراني من طريق مجاهد عن ابن عمر وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وله طريق آخر عند ابن عمر وفيه عثمان بن عبد الله بن العاص وقد رماه ابن عدي بالوضع. انتهى وهذا الحديث استدل به ابن قدامة في المغني ج ٢ ص ٥٥٩ في الصلاة على سائر المسلمين من أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيره. ونحوه في بداية المجتهد ج ١ ص ٢١٩ والمحلى ج ٥ ص ١٧١.

(٢) ص ٣٦٤.

(٣) ج ٥ ص ١٩٠.

٣٨٠