الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

أقول : الظاهر ان مرادهم اجراء حكم اليومية في ما لو صليت فرادى فإنه يستحب إعادتها جماعة لو وجدت الجماعة إماما كان أو مأموما في هذه الصلاة ، فإنها هي الصورة التي يمكن فيها اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس.

وأنت خبير بأنه مع قطع النظر عن القاعدة المشهورة في كلامهم ـ من ان إطلاق الأخبار انما ينصرف الى الافراد المتكثرة المتكررة دون النادرة ، وصلاة الآيات بالنسبة إلى الصلاة اليومية من هذا القبيل ـ فإن لقائل أن يقول ان جملة من اخبار تلك المسألة ظاهرة في اليومية بخصوصها مثل صحيحة سليمان بن خالد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلى إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام. الحديث». وفي جملة من تلك الأخبار «تقام الصلاة» و «أقيمت الصلاة» والإقامة انما تكون في اليومية. وبالجملة فسياق أكثر تلك الأخبار ظاهر في اليومية وحمل ما أطلق على الباقي ممكن ، وبه يظهر ان دعوى شمولها لهذه الصلاة لا يخلو من اشكال.

تفريع

لو أدرك المأموم الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه أدرك الركعة بغير إشكال.

إنما الإشكال في ما لو لم يدركه حتى رفع رأسه من الركوع الأول ، والذي صرح به جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه والشهيد في الذكرى هو فوات تلك الركعة المشتملة على الركوعات الخمسة فلا يجوز له الدخول فيها بل يصبر الى ان يسجد ويقوم ويدخل معه في أول قيامه ، والوجه في ذلك هو لزوم أحد محذورين مع الدخول بعد فوات الركوع الأول ، وهو إما تخلف المأموم عن الامام ان تدارك الركوع بعد سجود الامام واما تحمل الامام الركوع ان رفض الركوع وسجد بسجود الإمام.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٦ من صلاة الجماعة. وهي أجنبية عن المورد.

٣٤١

ونقل عن العلامة انه احتمل في التذكرة جواز الدخول معه في هذه الحالة فإذا سجد الامام لم يسجد هو بل ينتظر الإمام الى أن يقوم فإذا ركع الإمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الأولى فإذا انتهى الى الخامس بالنسبة إليه سجد ثم لحق بالإمام ويتم الركعات قبل سجود الثانية.

قال في المدارك : ويشكل بان فيه تخلف المأموم عن الإمام في ركن وهو السجدتان من غير ضرورة ولا دليل على جوازه.

أقول : لا يخفى على من تأمل كلامهم ما وقع لهم فيه من النقض والإبرام وما هو عليه من الاختلاف والتناقض الظاهر لذوي الأفهام.

والتحقيق ان الكلام في هذه المسألة وجواز الدخول في الصورة المفروضة وعدمه مبنى على مسألة أخرى وهو انه هل يجوز للمأموم التخلف عن الامام لغير عذر بركن أو ركنين أم لا يجوز ذلك؟ والذي صرح به جملة منهم في باب صلاة الجماعة هو الجواز.

وممن صرح بذلك الشهيد في الذكرى حيث قال : ولا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا ، وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخير بركن ، والمروي بقاء القدوة رواه عبد الرحمن عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) في من لم يركع ساهيا حتى انحط الامام للسجود انه يركع ويلحق به. انتهى ومثل ذلك كلامه في الدروس. وظاهر قوله «عندنا» مؤذن بدعوى الاتفاق على الحكم المذكور.

وقال المحقق الشيخ على في رسالته الجعفرية : ولو تخلف المأموم بركن أو أكثر لم تنقطع القدوة. وقال الشارح الجواد ـ في شرح الرسالة المذكورة تعليلا للحكم المذكور ـ ما لفظه : لثبوتها وان زوالها بعد ذلك يحتاج الى دليل والأصل عدمه ولرواية عبد الرحمن. ثم ساق الرواية المذكورة ثم نقل التوقف عن العلامة في التذكرة واستبعده بناء على ما ذكره من الدليل.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من صلاة الجماعة.

٣٤٢

وأنت خبير بأنه يأتي على ما ذكره هؤلاء ان المأموم يجوز له الدخول في صلاة الكسوف بعد مضى ركوع بل ركوعين أو أكثر ثم يتابع الامام حتى إذا سجد الإمام أتم ما بقي عليه من الركوعات وان فاتته المتابعة في السجود ثم يلتحق به في الركعة الثانية بعد السجود ، وكذا يفعل في الركعة الثانية إذا فاته شي‌ء من ركوعاتها.

والسيد السند في المدارك لما كان مذهبه عدم جواز التخلف عن الامام بركن منع هنا من الدخول فيها في الصورة المذكورة إلا انه انما علل ذلك بعدم الدليل على جواز التخلف ، وللخصم ان يقابله بأن الأصل الجواز وعدم الإبطال بالتخلف حتى يقوم دليل على خلافه كما سمعت من كلام الشارح الجواد في شرح الرسالة.

والأظهر عندي في المسألة المفرع عليها هو وجوب المتابعة وعدم جواز التخلف بركن لغير عذر فضلا عن الأكثر.

(أما أولا) ـ فلان الرواية التي استندوا إليها موردها العذر وهو سهو المأموم وهذا غير محل النزاع ، فالاستناد إليها في عموم الحكم لا يخلو من مجازفة.

و (اما ثانيا) ـ فإن صحيحة زرارة ـ (١) الواردة في حكم المسبوق وانه يقرأ في كل ركعة مما أدرك بأم الكتاب وسورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، وصحيحة معاوية بن وهب (٢) في من أدرك الإمام في آخر صلاته وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ هل يقضى القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم ـ تمنع ما ذكروه فإنهما ظاهرتان في وجوب المتابعة وعدم جواز التخلف عن الركوع وان كان للاشتغال بواجب كالقراءة المفروضة فيهما ، فان الاجتزاء بأم الكتاب كما تضمنته الرواية الأولى وعدم إمهال الإمام كما تضمنته الثانية انما هو لخوف رفع الإمام رأسه من الركوع قبل إتمام القراءة والدخول معه في الركوع ، والثانية قد تضمنت انه يترك القراءة بالكلية ويقضيها في آخر الصلاة محافظة على ادراك الركوع معه ، وحينئذ فإذا امتنع التخلف وان كان لأجل الاشتغال بواجب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجماعة.

٣٤٣

فكيف يجوز ذلك مطلقا كما ادعوه؟ وبذلك يظهر ان ما ذكروه لا يخلو من غفلة عن إعطاء التأمل حقه في ملاحظة الأدلة.

و (أما ثالثا) فان شيخنا الشهيد قد خالف قوله وناقض نفسه في ما قدمنا نقله عنه مما ظاهره دعوى الإجماع عليه كما أشرنا إليه آنفا في باب الجماعة بما ذكره هنا في صلاة الآيات ، حيث صرح بالمنع من الدخول تبعا للفاضلين كما قدمنا ذكره في الصورة المفروضة حذرا من لزوم التخلف عن الامام بركن أو أكثر ، فقال بعد ذكر صورة المسألة ما ملخصه : فان قلنا بالمتابعة فالأصح عدم سلامة الاقتداء لاستلزامه محذورين اما التخلف عن الإمام أو تحمل الامام الركوع ، لأنه ان اتى بما بقي عليه قبل أن يسجد مع الامام لزم المحذور الأول ، وان رفض الركوعات وسجد بسجود الامام لزم الثاني. الى ان قال (فان قيل) لم لا يأتي المأموم بما بقي عليه ثم يسجد ثم يلحق الإمام في ما بقي من الركوعات؟ وليس في هذا الا تخلف عن الامام لعارض وهو غير قادح في الاقتداء لما سيأتي (قلنا) ان من قال ان التخلف عن الامام يقدح فيه فوات الركن فعلى مذهبه لا يتم هذا ومن اغتفر ذلك فإنما يكون عند الضرورة كالمزاحمة ولا ضرورة هنا فحينئذ يستأنف المأموم النية. إلى آخر كلامه

فانظر الى صراحته في المخالفة لما قدمنا نقله عنه من كلامه في باب الجماعة الدال على جواز التخلف بركن أو أكثر وان كان لا لعذر ، وقوله هنا ان التخلف بركن منحصر في قولين اما الجواز مع الضرورة أو البطلان.

وأشار بالمزاحمة الى ما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن (١) «في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ولا أن يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجمعة. واللفظ في الفقيه ج ١ ص ٢٧٠ هكذا «أيركع ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال يركع ويسجد ثم يقوم في الصف ولا بأس بذلك».

٣٤٤

يقوم في الصف؟ قال لا بأس». وهذه كما ترى مثل صحيحته المتقدمة في ان موردها العذر

وبما أوضحناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأعلام ظهر انه لا يجوز الدخول مع الامام بعد فوات شي‌ء من الركوعات في الركعة الأولى خوفا من الوقوع في المحذور المذكور بل يصبر الى أن يسجد ويقوم للركعة الثانية. ولو أدركه كذلك في الثانية لم يدخل معه وعدل الى الانفراد. والله العالم.

البحث الثالث ـ في الأحكام وما يتبعها في المقام ، أقول : قد قدمنا أكثر الأحكام في البحثين المتقدمين وبقي الكلام في ما يتعلق بهذه الصلاة في مواضع :

الأول ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة ، فان تضيق وقت إحداهما تعينت للأداء إجماعا ثم يصلى بعدها ما اتسع وقتها ، وان تضيقا معا قدمت الحاضرة ، قالوا لأنها أهم في نظر الشارع ، وقال في الذكرى انه لا خلاف فيه ، وان اتسع الوقتان فالمشهور انه مخير في الإتيان بأيهما شاء.

وقال في من لا يحضره الفقيه : لا يجوز ان يصليها في وقت فريضة حتى يصلى الفريضة ، وإذا كان في صلاة الكسوف ودخل عليه وقت الفريضة فليقطعها وليصل الفريضة ثم يبنى على ما فعل من صلاة الكسوف. انتهى.

وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية حيث قال : ان بدأ بصلاة الكسوف ودخل عليه وقت الفريضة قطعها وصلى الفريضة ثم رجع وتمم صلاته. ومثله في المبسوط إلا انه قال فيه باستئناف صلاة الكسوف ، كذا نقله في المختلف ، ونقل هذا القول فيه عن ابني بابويه وابن البراج.

واختار في المدارك القول المشهور قال : لنا انهما واجبان اجتمعا ووقتهما موسع فيتخير المكلف بينهما. ولنا ايضا ان فيه جمعا بين ما تضمن الأمر بتقديم

٣٤٥

الفريضة الحاضرة كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة فقال ابدأ بالفريضة». وبين ما تضمن الأمر بتقديم الكسوف كصحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) قالا : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف فإذا فرغت من الفريضة فارجع الى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى». انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما قدمناه من عبارة الصدوق في من لا يحضره الفقيه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي وان كان بأدنى تغيير في اللفظ حيث قال (عليه‌السلام) (٣) «ولا تصلها في وقت الفريضة حتى تصلى الفريضة فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة فاقطعها وصل الفريضة ثم ابن على ما صليت من صلاة الكسوف». ومن ذلك يعلم ان مستند الصدوق وكذا أبوه في الرسالة انما هو الكتاب المذكور على ما عرفت سابقا وستعرف أمثاله لاحقا ان شاء الله تعالى.

ومن اخبار المسألة زيادة على ما ذكرنا قوله في صحيحة محمد بن مسلم المتقدم نقلها عن صاحب المدارك تتمة لما ذكره منها : «فقيل له في وقت صلاة الليل فقال صل صلاة الكسوف قبل صلاة الليل».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ونخشى فوت الفريضة فقال اقطعوها وصلوا الفريضة وعودوا الى صلاتكم». وعن محمد بن مسلم في الصحيح (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صلينا الكسوف

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٥ من صلاة الكسوف.

(٣) ص ١٢.

٣٤٦

خشينا ان تفوتنا الفريضة؟ فقال إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد فيها. قلت فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلينا صلاة الكسوف فأتتنا صلاة الليل فبأيتهما نبدأ؟ فقال صل صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح».

وقال في كتاب دعائم الإسلام : وعن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) انه قال : «في من وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت الصلاة؟ قال يؤخرها ويمضى في صلاة الكسوف حتى يصير الى آخر الوقت فان خاف فوت الوقت قطعها وصلى الفريضة. وكذلك إذا انكسفت الشمس أو انكسف القمر في وقت صلاة الفريضة بدأ بصلاة الفريضة قبل صلاة الكسوف».

أقول : ويستنبط من هذه الأخبار أحكام : منها ـ انه لا يخفى ان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم الأولى هو وجوب تقديم الفريضة في حال سعة الوقت ، وكذا ظاهر كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي حيث نهى أولا عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة وأوجب قطعها متى دخل عليه وقت الفريضة وهو فيها وان يصلى الفريضة أولا وهو عين مذهب الصدوق كما علمت ، وظاهر صحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية هو تقديم صلاة الكسوف في حال سعة الوقتين الى ان يتضيق وقت الحاضرة.

والعجب ان الصدوق قد نقل هذه الصحيحة في كتابه ثم عقبها بهذه الفتوى ووجه التدافع بينهما ظاهر ، ولم يجب عن الرواية المذكورة بشي‌ء مع ظهورها في خلاف ما افتى به.

ولهذا ان صاحب المدارك اعترضه في هذا المقام فقال بعد نقل كلامه : ومقتضاه جواز القطع بل وجوبه إذا دخل وقت الفريضة وهو بعيد جدا ، فإن الرواية التي أوردها في كتابه في هذا المعنى عن بريد ومحمد بن مسلم صريحة في الأمر بصلاة الكسوف ما لم يتخوف ان يذهب وقت الفريضة ، وإذا جاز ابتداء صلاة

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٤ من صلاة الكسوف.

٣٤٧

الكسوف والحال هذه فلا وجه لوجوب قطعها بدخول الوقت بل ولا لجوازه.

أقول : قد عرفت ان مستند الصدوق (قدس‌سره) في هذه الفتوى انما هو كتاب الفقه الرضوي ، نعم جمعه في كتابه بين هذه الفتوى وهذه الرواية مع ما عرفت لا يخلو من مدافعة لما قرره في صدر كتابه من القاعدة.

ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل في الجمع بين هذه الأخبار على وجه تندفع به هذه المناقضة عن الصدوق (قدس‌سره) ويزول به التنافي بين اخبار المقام ان يقال لا ريب في دلالة صحيحة محمد بن مسلم وعبارة كتاب الفقه الرضوي على ما ذهب اليه الصدوق من وجوب تقديم الحاضرة في حال السعة ، واما صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة وصحيحة أبي أيوب فظاهرهما انه مع خوف فوات فضيلة أول الوقت يقطع صلاة الكسوف لو شرع فيها ويبدأ بالفريضة ، وهو ظاهر في تأييد ما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم الأولى وعبارة كتاب الفقه الرضوي.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد إيراد هذين الخبرين الأخيرين أعني خبري محمد بن مسلم وابى أيوب : ولعل الجماعة يتمسكون بهاتين الروايتين على التقديم مع السعة وعلى القطع مع دخول الوقت والبناء ، وهما صحيحتان إلا ان دلالتهما على ذلك غير صريحة. انتهى.

أقول : بل متمسك الجماعة خصوصا الصدوقين (قدس‌سرهما) انما هو عبارة كتاب الفقه الصريحة بل هي عين عبارة الصدوقين كما عرفت.

وكيف كان فان كلا منهما مؤذن بما ذكرنا من التأييد وان لم تكونا صريحتين في الحكم المذكور إلا ان رواية محمد بن مسلم الأولى وعبارة كتاب الفقه صريحتان في ذلك ، وحينئذ فلم يبق في المقام إلا صحيحة محمد بن مسلم وبريد لانحصار المخالفة ظاهرا فيها ، وتطبيقها على هذه الأخبار ممكن بحمل وقت الفريضة فيها على وقت الفضيلة كما صرحت به صحيحته الثانية وصحيحة أبي أيوب جمعا بين الأخبار ، ووجهه ما قدمنا بيانه وشيدنا أركانه وبنيانه في مبحث الأوقات من إطلاق الوقت

٣٤٨

في كثير من الأخبار على وقت الفضيلة خاصة لا ما يشمل وقت الإجزاء.

وبالجملة فإن عبارة كتاب الفقه الرضوي قد صرحت بالنهي عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة حتى يصلى الفريضة والنهى حقيقة في التحريم ، وصحيحة محمد بن مسلم الأولى قد صرحت بالأمر بالبدأة بالفريضة في الصورة المذكورة والأمر حقيقة في الوجوب ، وأيد ذلك الصحيحتان الأخريان لدلالتهما على قطع صلاة الكسوف محافظة على تحصيل فضيلة أول الوقت بلفظ الأمر الظاهر في الوجوب ، فحمل هذه الصحيحة الباقية على ما ذكرنا لتجتمع به مع باقي أخبار المسألة على معنى واحد ليس ببعيد بل هو أقرب قريب ، والاستبعاد في ذلك ان حصل فإنما هو من حيث الالف بالمشهورات وإلا فما ذكرنا في مقام الجمع بين الأخبار شائع ذائع في كلامهم. وبه يظهر قوة ما ذهب اليه الصدوق ومن حذا حذوه في المقام وتزول عنه غشاوة الإشكال والإبهام.

ومنها ـ ان ما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم الأولى من الأمر بتقديم صلاة الكسوف على صلاة الليل فهو مما لا خلاف فيه ، قال في المنتهى انه قول علمائنا أجمع. ويدل عليه زيادة على هذه الصحيحة صحيحته الأخرى مع بريد بن معاوية المتقدمة أيضا. وفي معنى صلاة الليل غيرها من النوافل المرتبة.

قال في الذكرى : لو كانت صلاة الليل منذورة فكالفريضة الحاضرة في التفصيل السالف ، وهل ينسحب فيها قول البناء وكذا في كل صلاة منذورة تزاحم صلاة الكسوف؟ الظاهر لا اقتصارا على موضع النص مع المخالفة للأصل. انتهى.

أقول : لا يخفى ان لفظ الفريضة في أخبار الكسوف المتقدمة انما ينصرف إلى اليومية إذ هي المتبادرة من الإطلاق لا كل واجب ، وحينئذ فكون صلاة الليل المنذورة أو غيرها من الصلوات المنذورة كالفريضة الحاضرة محل اشكال كما لا يخفى لعدم الدليل في المقام زيادة على الأخبار المذكورة التي قد عرفت اختصاصها باليومية ومنها ـ انه مع القطع والرجوع الى صلاة الفريضة فهل يبنى على ما قطع

٣٤٩

ويتم ما مضى من صلاة الكسوف أو يعيد صلاة الكسوف من رأس؟ قولان المشهور الأول وعليه تدل الأخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم وبريد وصحيحة محمد بن مسلم الثانية وصحيحة أبي أيوب وعبارة كتاب الفقه الرضوي (١).

وذهب الشيخ في المبسوط الى ان من قطع صلاة الكسوف لخوف فوات الفريضة وجب عليه استئنافها من رأس ، واختاره في الذكرى قال لأن البناء بعد تخلل الصلاة الأجنبية لم يعهد من الشارع تجويزه في غير هذا الموضع. والاعتذار ـ بان الفعل الكثير مغتفر هنا لعدم منافاته للصلاة ـ بعيد فانا لم نبطلها بالفعل الكثير بل بحكم الشارع بالإبطال والشروع في الحاضرة فإذا فرع منها فقد اتى بما يخل بنظم صلاة الكسوف فيجب إعادتها من رأس تحصيلا ليقين البراءة. انتهى.

وظاهر المحقق في المعتبر التردد في ذلك ، وهو اجتهاد محض في مقابلة النصوص وهو غير جيد سيما منهما على الخصوص.

وفيه زيادة على ما قلناه انه قد تقدم في المسألة الثالثة من المطلب الثاني في السهو من كتاب الصلاة (٢) رواية عبد الله بن جعفر الحميري عن الناحية المقدسة الصاحبية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية «انه سأله عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر فلما ان صلى من صلاته العصر ركعتين استيقن انه صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (عليه‌السلام) ان كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاتين أعاد الصلاتين ، وان لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك» وقد قدمنا في المسألة المذكورة ان جمعا من الأصحاب ذهبوا الى القول بمضمون الخبر المذكور ومنهم الشهيد وكذلك الشهيد الثاني (عطر الله مرقديهما).

وأنت خبير بان ما أورده في هذا المقام جار في العمل بمضمون هذا الخبر بل العمل بمضمون هذا الخبر أشكل والأمر فيه أشد وأعضل ، فإن القطع والبناء في

__________________

(١) ص ٣٤٦.

(٢) ج ٩ ص ١٢٢.

٣٥٠

صلاة الكسوف في الصورة المذكورة مستند الى الأخبار الصحيحة الصريحة السالمة عن المعارض ، والعمل بهذا الخبر ـ مع استلزامه لتخلل الركعتين المشتملتين على عدة من الأركان المتفق على إبطالها الصلاة عمدا وسهوا من النية وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود ـ معارض بالأخبار الكثيرة الدالة على ان الحكم في مثل ذلك انما هو النقل الى الظهر بأن ينوي بالركعتين الأوليين الظهر ويتم الركعتين الباقيتين بهذه النية ثم يصلى العصر ، ولم يعهد من الشارع اغتفار زيادة هذه الأركان المتعددة في أثناء الصلاة الواحدة.

وبالجملة فإنه لا مستمسك لما ذكره إلا مجرد الاستبعاد وهو مردود بهذه الرواية التي ذهب هو نفسه الى القول بمضمونها ، ولا فرق بين الصورتين إلا ان الشارع حكم في تلك الصورة بالإبطال ثم العود وفي هذه الصورة الإبطال أيضا متحقق في ما اتى به من الظهر ركعتين إذ لا خلاف ولا إشكال في بطلانهما ، مع انه (عليه‌السلام) جوز إتمامها بما بقي عليه من ركعتي العصر التي ذكر النقصان في أثنائها ، فمرجع الصورتين إلى أمر واحد كما لا يخفى. والله العالم.

ومنها ـ ان ما دلت عليه رواية كتاب الدعائم ـ من ان من وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة فإنه يتم صلاة الكسوف أولا الى ان يضيق وقت الفريضة ـ وان وافق كلام جمهور الأصحاب وصحيحة محمد بن مسلم وبريد المتقدمة إلا انه خلاف ظاهر باقي أخبار المسألة ، والتأويل الذي ذكرناه في صحيحة محمد بن مسلم وبريد بعيد في هذه الرواية ، وكيف كان فهي لا تبلغ قوة في معارضة ما ذكرناه من الأخبار مع ما عرفت آنفا من عدم صلوح اخبار هذا الكتاب لتأسيس الأحكام وان صلحت للتأييد.

الموضع الثاني ـ قال في المعتبر : لو اشتغل بالحاضرة مع ضيق وقتها فانجلى الكسوف ولم يحصل تفريط فالأشبه انه لا قضاء لعدم استقرار الوجوب. انتهى أقول : الظاهر ان مراده انه لو وقع تأخير الفريضة إلى آخر وقتها واتفق

٣٥١

الكسوف في ذلك الوقت وانجلى مدة اشتغاله بالفريضة ، فإن كان تأخير الفريضة إلى آخر وقتها لم ينشأ من تفريط واعمال في تأخيرها بل كان ذلك لعذر شرعي من حيض أو إغماء أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار فلا قضاء لصلاة الكسوف لعدم استقرار الوجوب ، وان كان عن تفريط فالأشبه القضاء لاستناد الفوات الى تفريطه بتأخير الفريضة إلى آخر وقتها.

وفيه أنه يمكن ان يقال ان التأخير الى ذلك الوقت كان مباحا له ثم تعين عليه بسبب التضيق ولزم من ذلك الفوات ، فهو في هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف فلا يجب الأداء لعدم التمكن ولا القضاء لعدم الاستقرار ، لأنه لم يمض عليه بعد وقوع الكسوف زمان يمكن الأداء فيه ليحصل به استقرار الوجوب.

وتؤيده الأخبار المتقدمة الدالة على انه بعد زوال السبب فلا قضاء مثل رواية الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء». ونحوها صحيحة البزنطي المنقولة في السرائر ورواية كتاب دعائم الإسلام المتقدم جميعه في المقام الثالث من المسألة الخامسة من البحث الأول (٢) ونحوها صحيحة على بن جعفر المتقدمة في المقام الثاني (٣).

إلا انه قد تقدم حمل هذه الروايات على صورة الجهل بالكسوف وعدم استيعاب الاحتراق جمعا بينها وبين ما دل على الأمر بالقضاء.

وكيف كان فالقضاء هو الأحوط سيما مع ما قدمناه من حمل الأخبار على السببية دون التوقيت.

الثالث ـ قال في الذكرى : لو جامعت صلاة العيد بان تجب بسبب الآيات المطلقة أو بالكسوفين نظرا الى قدرة الله تعالى وان لم يكن معتادا ، على انه قد اشتهر ان الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين (عليه‌السلام) كسفة بدت الكواكب نصف

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من صلاة الكسوف.

(٢) ص ٣٢٣.

(٣) ص ٣١٩.

٣٥٢

النهار فيها ، رواه البيهقي وغيره (١) وقد قدمنا (٢) ان الشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وروى الزبير بن بكار في كتاب الأنساب أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول (٣) وروى الأصحاب ان من علامات المهدى (عليه‌السلام) كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان (٤) فحينئذ إذا اجتمع الكسوف والعيد فان كانت صلاة العيد نافلة قدم الكسوف وان كانت فريضة فكما مر من التفصيل في الفرائض ، نعم تقدم على خطبة العيدين ان قلنا باستحبابها كما هو المشهور. انتهى

الرابع ـ قال في الذكرى ايضا : هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع الوقت لجميعها أم يكفي ركعة بسجدتيها أم يكفي مسمى الركوع لأنه يسمى ركعة لغة وشرعا في هذه الصلاة أم لا؟ احتمالات ، من تغليب السبب فلا يشترط شي‌ء من ذلك فتكون كالزلزلة. إلا ان هذا الاحتمال مرفوض بين الأصحاب ، ومن إجرائها مجرى اليومية فتعتبر الركعة ، ومن خروج اليومية بالنص فلا يتعدى الى غيرها. انتهى أقول : لا يخفى ان الاحتمال الأخير وان كان مرفوضا بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلا انه هو الظاهر من إطلاق أخبار الباب كما تقدم نبذة من الكلام فيه في المسألة الثالثة من البحث الأول (٥).

الخامس ـ قال في الذكرى ايضا : لو اجتمعت آيتان فصاعدا في وقت واحد كالكسوف والزلزلة والريح المظلمة فإن اتسع الوقت للجميع تخير في التقديم ، ويمكن وجوب تقديم الكسوف على الآيات لشك بعض الأصحاب في وجوبها ،

__________________

(١) في مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٧ «لما قتل الحسين بن على (ع) انكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار وظننا انها هي».

(٢) تقدم ص ٣٠١.

(٣) في عمدة القارئ ج ٣ ص ٤٧٢ «كانت وفاة إبراهيم (ع) يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الأول سنة ١٠ ودفن بالبقيع» وفي المواهب اللدنية كما في شرحها للزرقانى ج ٣ ص ٢١٢ نحوه.

(٤) البحار ج ١٣ ص ١٦١ و ١٦٢.

(٥) ص ٣٠٨.

٣٥٣

وتقديم الزلزلة على الباقي لأن دليل وجوبها أقوى. ولو اتسع لصلاتين فصاعدا وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له احتمل قويا هنا تقديم الكسوف ثم الزلزلة ثم يتخير في باقي الآيات ، ولا يقضى ما لا يتسع له إلا على احتمال عدم اشتراط سعة الوقت للصلاة في الآيات. ولو وسع واحدة لا غير فالأقرب تقديم الكسوف للإجماع عليه ، وفي وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء وقضاء وجهان ، وعلى قول الأصحاب بأن اتساع الوقت ليس بشرط يصليها من بعد قطعا. وكذا الكلام في باقي الآيات. انتهى.

فائدة بها التمام والختام

قال في من لا يحضره الفقيه في العلل التي ذكرها الفضل بن شاذان النيسابوري عن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «انما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله تعالى لا يدرى ألرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فأحب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس (عليه‌السلام) حين تضرعوا الى الله عزوجل ، وانما جعلت عشر ركعات لأن أصل الصلاة التي نزل فرضها من السماء أولا في اليوم والليلة انما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات ههنا ، وانما جعل فيها السجود لانه لا تكون صلاة فيها ركوع إلا وفيها سجود ولان يختموا صلاتهم ايضا بالسجود والخضوع ، وانما جعلت أربع سجدات لان كل صلاة نقص سجودها من اربع سجدات لا تكون صلاة ، لأن أقل الفرض من السجود في الصلاة لا يكون إلا أربع سجدات ، وانما لم يجعل بدل الركوع سجود لأن الصلاة قائما أفضل من الصلاة قاعدا ، ولأن القائم يرى الكسوف والأعلى والساجد لا يرى ، وانما غيرت عن أصل الصلاة التي افترضها الله لأنها تصلى لعلة تغير أمر من الأمور وهو الكسوف فلما تغيرت العلة تغير المعلول».

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٤٢ وفي الوسائل الباب ١ من صلاة الكسوف.

٣٥٤

وروى ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه والشيخ على بن إبراهيم في تفسيره (١) بأسانيدهم عن على بن الحسين (عليه‌السلام) قال : «ان من الأوقات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون اليه البحر الذي خلقه الله بين السماء والأرض ، قال وان الله قد قدر فيها مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب وقدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك فهم يديرون الفلك فإذا أداروه دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها الله تعالى فيها ليومها وليلتها ، فإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله ان يستعتبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب فيأمر الملك أولئك السبعين الف ملك أن يزيلوه عن مجاريه فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك ، قال فيطمس ضوؤها ويتغير لونها ، فإذا أراد الله أن يعظم الآية طمس الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالآية قال وذلك عند انكساف الشمس ، قال وكذلك يفعل بالقمر ، قال فإذا أراد الله ان يجليها أو يردها الى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك ان يرد الفلك الى مجراه فيرد الفلك فترجع الشمس الى مجراها ، قال فتخرج من الماء وهي كدرة ، قال والقمر مثل ذلك ، قال ثم قال على بن الحسين (عليه‌السلام) اما انه لا يفزع لهما ولا يرهب بهاتين الآيتين إلا من كان من شيعتنا ، فإذا كان كذلك فافزعوا الى الله تعالى ثم ارجعوا اليه».

ولصاحب الوافي هنا كلام بعد ذكر هذا الخبر في كتاب الروضة يجرى على مذاقه ومذاق أمثاله من أراده فليراجعه.

ولله در شيخنا المجلسي (قدس‌سره) حيث أشار إليه معرضا عنه بقوله في كتاب البحار : وربما يأول البحر بكل الأرض والقمر والأحوط في أمثاله ترك

__________________

(١) الروضة ص ٨٣ والفقيه ج ١ ص ٣٤٠ وفيه «الآيات» بدل «الأوقات» وفي الروضة «الأقوات» وفي الوسائل الباب ١ رقم ٤ من صلاة الكسوف.

٣٥٥

الخوض فيها وعدم إنكارها ورد علمها إليهم (عليهم‌السلام) كما ورد ذلك في اخبار كثيرة. انتهى.

وقال الصدوق في الفقيه بعد نقل خبر على بن الحسين (عليه‌السلام) : ان الذي يخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق كما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شي‌ء وانما يجب الفزع الى المساجد والصلاة عند رؤيته لأنه مثله في المنظر وشبيه له في المشاهدة كما ان الكسوف الواقع مما ذكره سيد العابدين (عليه‌السلام) انما وجب الفزع فيه الى المساجد والصلاة لأنه آية تشبه آيات الساعة ، وكذلك الزلازل والرياح والظلم وهي آيات تشبه آيات الساعة فأمرنا بتذكر القيامة عند مشاهدتها والرجوع الى الله تعالى ذكره. انتهى.

قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره متين إذا رئي وقوع الكسوفين غير الوقت الذي يمكن وقوعهما عند المنجمين كالكسوف والخسوف في يوم شهادة الحسين (عليه‌السلام) وليلته ، وما روى انه يقع عند ظهور القائم (عليه‌السلام) من الكسوفين في غير أوانهما (١) ويحتمل ايضا أن يتفق عند ما يخبره المنجمون ما ورد في الخبر.

ونحوه قول والده (طاب ثراه) في حاشيته على الفقيه حيث قال : يحتمل ان يكون غيره كما يقع في بعض الأوقات على خلاف قول المنجمين وشاهدناه مرارا. ويحتمل أن يكون ما ذكره (عليه‌السلام) هو ما ذكره المنجمون ، ولا استبعاد في أن يقدر الله حركتهما بحيث تصير الشمس تجتمع مع القمر محاذاة والقمر مع الأرض ويحصل الكسوف والخسوف ليخاف العباد ويرجعوا الى ربهم ويتذكروا بها آيات الساعة كما قال الله تعالى «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» (٢) انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من مشاهدة الكسوف والخسوف مرارا على خلاف قول المنجمين لا يخلو من غرابة فإنه لم ينقل مثل ذلك إلا في مقام

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ١ و ٤ ص ٣٥٣.

(٢) سورة التكوير الآية ٢ و ٣.

٣٥٦

المعاجز الغريبة كشهادة الحسين (عليه‌السلام) (١) وقيام القائم (عليه‌السلام) (٢) ونحوهما كما وقع في كلام ابنه وتقدم في كلام الشهيد في الذكرى. والله العالم.

وروى في الكافي عن عبد الصمد بن بشير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال «ان الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه انه انما يحمل الأرض بقوته فأرسل الله اليه حوتا أصغر من شبر وأكبر من فتر (٤) فدخل في خياشيمه فصعق فمكث بذلك أربعين يوما ثم ان الله تعالى رؤف به ورحمه وخرج ، فإذا أراد الله تعالى بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت الى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض».

وروى في الفقيه (٥) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ان الله خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها فقالت حملتها بقوتي فبعث الله إليها حوتا قدر فتر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا ، فإذا أراد الله تعالى ان يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فتزلزلت الأرض خوفا».

وروى الصدوق في الفقيه (٦) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ان ذا القرنين لما انتهى الى السد جاوزه فدخل في الظلمات فإذا بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك يا ذا القرنين أما كان خلفك مسلك؟ فقال له ذو القرنين من أنت؟ فقال أنا ملك من ملائكة الرحمن موكل بهذا الجبل وليس من جبل خلقه الله تعالى إلا وله عرق متصل بهذا الجبل فإذا أراد الله عزوجل ان يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها».

ورواه الشيخ في التهذيب عن جميل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «سألته

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ١ ص ٣٥٣.

(٢) ارجع الى التعليقة ٤ ص ٣٥٣.

(٣) الروضة ص ٢٥٥.

(٤) الفتر سعة ما بين السبابة والإبهام إذا فتحتهما.

(٥) ج ١ ص ٣٤٢ وفيه «فرقا» بدل «خوفا».

(٦) ج ١ ص ٣٤٢.

(٧) ج ٣ ص ٢٩٠ الطبع الحديث.

٣٥٧

عن الزلزلة قال أخبرني ابى عن آبائه (عليهم‌السلام) قال قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث».

وروى في الفقيه (١) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ان الله تبارك وتعالى أمر الحوت بحمل الأرض وكل بلد من البلدان على فلس من فلوسه فإذا أراد الله تعالى ان يزلزل أرضا أمر الحوت ان يحرك ذلك الفلس فيحركه ولو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن الله تعالى».

وروى فيه (٢) قال : «وسأل سليمان الديلمي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الزلزلة ما هي؟ فقال آية. فقال وما سببها؟ قال ان الله تعالى وكل بعروق الأرض ملكا فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى الى ذلك الملك ان حرك عرق كذا وكذا قال فيحرك ذلك الملك عرق تلك الأرض التي أمر الله تعالى فتتحرك بأهلها. قال قلت فإذا كان ذلك فما اصنع؟ قال صل صلاة الكسوف فإذا فرغت خررت لله ساجدا وتقول في سجودك : يا من يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده انه كان حليما غفورا يا من يمسك السماء ان تقع على الأرض إلا بإذنه أمسك عنا السوء انك على شي‌ء قدير».

قال في الفقيه (٣) بعد نقل هذه الأخبار : والزلزلة تكون من هذه الوجوه الثلاثة وليست هذه الأخبار مختلفة.

وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل جملة من هذه الأخبار : يمكن الجمع بين هذه الأخبار باجتماع تلك العلل عند الزلزلة أو بأنها تكون على هذه الوجوه مرة لعلة ومرة أخرى لأخرى كما ذكره في الفقيه. ويمكن أن يكون ترائي الحوت للزلزلة الشاملة لجميع الأرض ورفع الفلس للزلزلة الشديدة الخاصة ببعض البلاد وتحريك العرق للخاصة الغير الشديدة.

__________________

(١) ج ١ ص ٣٤٣.

(٢) ج ١ ص ٣٤٣ وفي الوسائل الباب ٢ من صلاة الكسوف.

(٣) ج ١ ص ٣٤٣.

٣٥٨

وقال والده (طاب ثراه) في شرحه على الفقيه : اعلم ان الصدوق ذكر طرق هذه الأخبار وفيها جهالة وإرسال ولما كانت مختلفة ظاهرا جمع بينها بأن الزلزلة تكون لهذه الأسباب حتى لا تكون بينها منافاة. ويمكن الجمع بينها على تقدير صحتها بوجه آخر بان تكون عروق البلدان بيد الملك الذي على جبل قاف المحيط بجميع الأرض ويكون كل بلد على فلس من فلوس الحوت الحامل لها بقدرة الله تعالى وإذا أراد الله تعالى أن يزلزل أرضا أمر الملك أن يحرك عرق تلك الأرض وأمر الحوتة الصغيرة إن تتراءى للحوت الكبير حتى يفزع لها فيحرك الفلس الذي وقعت عليه الأرض التي أراد الله زلزلتها. انتهى.

وروى في الفقيه (١) عن على بن مهزيار قال : «كتبت الى ابى جعفر (عليه‌السلام) وشكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز وقلت ترى لي التحويل عنها؟ فكتب لا تتحولوا عنها وصوموا الأربعاء والخميس والجمعة واغتسلوا وطهروا ثيابكم وابرزوا يوم الجمعة وادعوا الله تعالى فإنه يرفع عنكم. قال ففعلنا فسكنت الزلازل».

الفصل الرابع

في صلاة الأموات

والبحث في من يصلى عليه ومن يصلى والكيفية والأحكام المتعلقة بالمقام ، وحينئذ فتحقيق الكلام في هذا الفصل يتوقف على بسطه في مطالب أربعة :

المطلب الأول ـ في من يصلى عليه وفيه مسائل (الأولى) لا خلاف في وجوب الصلاة على المؤمن وهو المسلم المعتقد لامامة الأئمة الاثني عشر (عليهم‌السلام) كما انه لا خلاف ولا إشكال في عدم الوجوب بل عدم الجواز إلا للتقية على الخوارج والنواصب والغلاة والزيدية ونحوها ممن يعتقد خلاف ما علم من الدين ضرورة.

__________________

(١) ج ١ ص ٣٤٣ وفي الوسائل الباب ١٣ من صلاة الكسوف.

٣٥٩

وانما الخلاف في غير ما ذكرنا من المخالفين الذين قد اشتهر بين متأخري أصحابنا الحكم بإسلامهم ، فقال الشيخ في جملة من كتبه وابن الجنيد والمحقق وأكثر المتأخرين بالوجوب.

وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) : ولا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية ولا يصلى عليه إلا ان تدعو ضرورة الى ذلك من جهة التقية.

وظاهر الشيخ في التهذيب موافقته في ذلك حيث انه احتج له بان المخالف لأهل البيت كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل ، وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون غسل المخالف ايضا غير جائز. وأما الصلاة عليه فتكون على حد ما كان يصلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) على المنافقين.

والى هذا القول ذهب أبو الصلاح وابن إدريس وسلار ، وهو الحق الظاهر بل الصريح من الأخبار لاستفاضتها وتكاثرها بكفر المخالف ونصبه وشركه وحل ماله ودمه كما بسطنا عليه الكلام بما لا يحوم حوله شبهة النقض والإبرام في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب عليه من المطالب.

والقول بالكفر هو المشهور بين الأصحاب من علمائنا المتقدمين (رضوان الله عليهم أجمعين) كما نقله الشيخ ابن نوبخت من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت حيث قال : دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يحكم بفسقهم. الى آخره. وقال العلامة في شرحه على الكتاب المذكور المسمى بأنوار الملكوت : اما دافعوا النص على أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بالإمامة فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى كفرهم لان النص معلوم بالتواتر من دين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيكون ضروريا أى معلوما من دينه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالضرورة فجاحده يكون كافرا كمن يجحد وجوب الصلاة وصوم رمضان. ثم نقل الأقوال الأخر. وبذلك صرح في باب الزكاة من كتاب المنتهى وهو ظاهر الكليني في الكافي والمرتضى واختاره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين

٣٦٠