الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

ورسالة الشيخ المذكور غير موجودة الآن ، إلا ان الأقرب ان ذلك انما وقع ممن نقل كلامه حيث ان عبارات رسالته عين عبارات الكتاب غالبا في كل مقام. وبما ذكرنا يتأكد كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم الوقوف على مستند هذا القول. والله العالم.

الموضع الثاني ـ ان ما نقل عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) ـ من التفصيل مع عدم العلم بين احتراق القرص فيصلي جماعة وعدم الاحتراق فيصلي فرادى ـ الظاهر انه مبنى على وجوب القضاء على الجاهل ، وحينئذ فيرجع الى مذهب ابني بابويه المنقول عنهما في الذكرى والمختلف من انه إذا احترق القرص كله صلى في جماعة وان احترق بعضه صلاها فرادى.

واستدل لهم في المختلف برواية ابن ابى يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس ان يفزعوا الى امام يصلى بهم وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل أن يصلى وحده». وستأتي تتمة الكلام في هذه المسألة في استحباب الجماعة في هذه الفريضة.

والظاهر ان الشيخ المفيد (قدس‌سره) وكلامه في القضاء انما بنى على ما بنى عليه ابنا بابويه وان كان كلامهما في الأداء من الرواية المذكورة أو غيرها لا من حيث خصوصية الجاهل في الصورة المذكورة ، ومرجع الجميع الى ان صلاة الكسوف مع وجوبها أداء أو قضاء تصلى جماعة في صورة الاحتراق والاستيعاب وفرادى مع عدم ذلك.

المقام الثالث ـ ان يعلم الآية الموجبة للصلاة ويترك الصلاة عامدا أو ناسيا والمشهور وجوب القضاء عليه ، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط لا يقضي الناسي ما لم يستوعب الاحتراق وهو اختيار ابن حمزة وابن البراج ، ونقل عن ظاهر المرتضى في المصباح عدم وجوب القضاء ما لم يستوعب وان تعمد الترك ، وعن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من صلاة الكسوف.

٣٢١

ابن إدريس إيجاب القضاء مع احتراق القرص وعدمه عند احتراق البعض ، وهو يرجع الى قول السيد.

احتج الأولون بوجوه : منها ـ الأخبار الدالة على قضاء ما فات من الصلوات من غير استفصال.

ومن هذه الأخبار قول ابى جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك متى ذكرتها أديتها. الحديث».

وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة أخرى لزرارة (٢) «وقد سأله عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة أو نام عنها : يقضيها إذا ذكرها».

واعترض هذه الروايات في المدارك بأنه لا عموم لها على وجه يتناول صورة النزاع ، قال ولهذا لم يحتج بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوب القضاء مع انتفاء العلم بالسبب. ومرجع كلامه الى ما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من ان إطلاق الأخبار انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكررة دون الأفراد النادرة الوقوع سيما إذا لم يكن العموم مستندا إلى الأداة الموضوعة له.

ومنها ـ مرسلة حريز وقد تقدمت في سابق هذا المقام (٣) وموثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «وان أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل فعليك قضاؤها».

ورد في المدارك الأولى بأنها قاصرة بالإرسال وإطباق الأكثر على ترك العمل بظاهرها ، واما رواية عمار فباشتمالها على جماعة من الفطحية. ثم قال ومن ذلك يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ من عدم وجوب القضاء على الناسي إذا لم يستوعب الاحتراق بل رجحان ما ذهب اليه المرتضى (قدس‌سره) من عدم وجوب القضاء

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٢ من قضاء الصلوات.

(٣) ص ٣١٩.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من صلاة الكسوف.

٣٢٢

مطلقا إلا مع الاستيعاب ، ويدل عليه مضافا الى الأصل ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر «انه سأل أخاه موسى (عليه‌السلام). الخبر» وقد تقدم في سابق هذا المقام (١) ثم قال بعدها : دلت الرواية على سقوط قضاء صلاة الكسوف مع الفوات مطلقا خرج من ذلك ما إذا استوعب الاحتراق فإنه يجب القضاء بالنصوص الصحيحة فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق. انتهى.

أقول : لما كان نظر السيد السند (قدس‌سره) في الاستدلال مقصورا على صحاح الأخبار اختار هنا مذهب السيد المرتضى (رضى الله عنه) لدلالة ظاهر صحيحة على بن جعفر المذكورة عليه.

ومثلها ما رواه البزنطي صاحب الرضا (عليه‌السلام) على ما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر (٢) قال : «سألته عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال إذا فاتتك فليس عليك قضاء».

ويدل على هذا القول أيضا رواية الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء ، وقد كان في أيدينا انها تقضى».

وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٤) «انه سئل عن الكسوف والرجل نائم ولم يدر به أو اشتغل عن الصلاة في وقته هل عليه أن يقضيها؟ قال لا قضاء في ذلك وانما الصلاة في وقته فإذا انجلى لم تكن صلاة».

ومما يدل على القول المشهور موثقة عمار الساباطي المذكورة (٥) وما في كتاب الفقه الرضوي (٦) من قوله (عليه‌السلام) «وان علمت بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة

__________________

(١) ص ٣١٩.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من صلاة الكسوف.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ٩ من صلاة الكسوف.

(٥) ص ٣٢٢.

(٦) ص ١٢.

٣٢٣

فاقض متى شئت» وقال أيضا : «إذا احترق القرص كله فاغتسل. الى آخر ما تقدم» (١) فإنه واضح الدلالة في وجوب القضاء في الصورة المذكورة.

وأما الاستدلال للقول المشهور بمرسلة حريز (٢) كما ذكره جملة من الأصحاب فظني بعده ، إذ الأقرب حمل هذه الرواية على صورة الاحتراق الموجب للقضاء مطلقا علم أو لم يعلم وانه مع العلم والتفريط يضم الغسل الى القضاء ومع عدم العلم يقضى بلا غسل.

وأنت خبير بان من يحكم بصحة الأخبار كملا ولا يلتفت الى هذا الاصطلاح فالواجب عنده الجمع بين هذه الأخبار ، وذلك بتقييد إطلاق الأخبار الدالة على نفى القضاء بصورة عدم العلم مع عدم الاستيعاب فإنه لا قضاء في هذه الصورة كما دريت من الأخبار المتقدمة المفصلة» وبالجملة فإن رواية عمار ورواية كتاب الفقه مفصلة وتلك الروايات مجملة والمفصل يحكم على المجمل ، ولعل في عدوله (عليه‌السلام) في صحيحتي على بن جعفر والبزنطي المتقدمتين عن لفظ الراوي في سؤاله إلى التعبير بلفظ الفوات اشعارا بما ذكرنا.

وأما الجمع بين الأخبار ـ بحمل ما دل على القضاء على الاستحباب وإبقاء تلك الأخبار على إطلاقها كما احتمله بعض فضلاء الأصحاب ـ ففيه (أولا) ان مقتضى القاعدة المشهورة انما هو ما قلناه من حمل المطلق على المقيد والمجمل على المفصل ، والى هذه القاعدة تشير جملة من الأخبار ايضا وبها صرح الصدوق في كتاب الاعتقادات.

و (ثانيا) ـ ما قدمناه في غير مقام من أن هذه القاعدة وان اشتهرت بينهم وعكف عليها أولهم وآخرهم إلا انه لا مستند لها من سنة ولا كتاب بل ظواهر الأدلة ردها وإبطالها ، فإن الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز الموجبة لإخراج اللفظ عن حقيقته.

__________________

(١) ص ٣١٩ و ٣٢٠.

(٢) ص ٣١٩.

٣٢٤

ومما يؤيد القول المشهور هو انه قد علم اشتغال الذمة بيقين العلم بالسبب وإهمال المكلف ، ومن هنا استدل الأصحاب بالأخبار العامة في وجوب القضاء ، ويقين البراءة لا يحصل إلا بالقضاء. والله العالم.

البحث الثاني ـ في الكيفية وهي ان يحرم ثم يقرأ الحمد وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه ويقوم ويقرأ الحمد وسورة ثم يركع ، يفعل هكذا خمس مرات ، ثم يسجد بعد القيام من الركوع الخامس سجدتين ثم يقوم فيصلي الركعة الثانية كذلك ويتشهد ويسلم ، ويجوز أن يقرأ بعد الحمد بعض سورة فيقوم من الركوع ويتم تلك السورة بغير قراءة الحمد ، وان شاء وزع السورة على الركعات أو بعضها.

والمستند في هذه الكيفية جملة من النصوص : منها ـ ما رواه الشيخ عن عمر بن أذينة عن رهط في الصحيح عن الباقر والصادق ، ومنهم من رواه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «ان صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات واربع سجدات صلاها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها ، ورووا أن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء وأشدها وأطولها كسوف الشمس : تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة ثم تقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثانية ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت «سمع الله لمن حمده» ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى. قال قلت وان هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات ففرقها بينها؟ قال أجزأه أم القرآن في أول مرة ، وان قرأ خمس سور فمع كل سورة أم الكتاب. والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة ثم تقنت

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

٣٢٥

في الرابعة مثل ذلك ثم في السادسة ثم في الثامنة ثم في العاشرة». والرهط الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد بن معاوية ومحمد بن مسلم.

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (١) قالا : «سألنا أبا جعفر (عليه‌السلام) عن صلاة الكسوف كم هي ركعة وكيف نصليها؟ فقال هي عشر ركعات واربع سجدات : تفتتح الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة وترفع رأسك بتكبيرة إلا في الخامسة التي تسجد فيها وتقول «سمع الله لمن حمده» وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع وتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود فان فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي ، فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي ، وتجهر بالقراءة. قال قلت كيف القراءة فيها؟ فقال ان قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب وان نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب. قال وكان يستحب ان يقرأ فيها الكهف والحجر إلا أن يكون اماما يشق على من خلفه. وان استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل. وصلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر وهما سواء في القراءة والركوع والسجود».

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح (٢) قال : «سأل الحلبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الكسوف كسوف الشمس والقمر قال عشر ركعات واربع سجدات : تركع خمسا ثم تسجد في الخامسة ثم تركع خمسا ثم تسجد في العاشرة ، وان شئت قرأت سورة في كل ركعة وان شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة ، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وان قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى تستأنف أخرى ، ولا تقل «سمع الله لمن حمده» في رفع رأسك من الركوع إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها».

قال في الفقيه (٣) وروى عمر بن أذينة ان القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

٣٢٦

ثم في الرابعة ثم في السادسة ثم في الثامنة ثم في العاشرة. ثم قال (١) وان لم تقنت إلا في الخامسة والعاشرة فهو جائز لورود الخبر به.

وما رواه الشيخ عن ابى بصير (٢) قال : «سألته عن صلاة الكسوف فقال عشر ركعات واربع سجدات : تقرأ في كل ركعة منها مثل ياسين والنور ويكون ركوعك مثل قراءتك وسجودك مثل ركوعك. قلت فمن لم يحسن ياسين وأشباهها؟ قال فليقرأ ستين آية في كل ركعة فإذا رفع رأسه من الركوع فلا يقرأ بفاتحة الكتاب. قال فإن أغفلها أو كان نائما فليقضها».

ومنها ـ ما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٣) قال : «اعلم يرحمك الله ان صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات : تفتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم تقرأ الفاتحة وسورا طوالا وطول في القراءة والركوع والسجود ما قدرت فإذا فرغت من القراءة ركعت ثم رفعت رأسك بتكبير ولا تقول «سمع الله لمن حمده» تفعل ذلك خمس مرات ثم تسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الركعة الأولى ، ولا تقرأ سورة الحمد إلا إذا انقضت السورة فإذا بدأت بالسورة بدأت بالحمد ، وتقنت بين كل ركعتين وتقول في القنوت : ان الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب اللهمّ صل على محمد وآل محمد اللهم لا تعذبنا بعذابك ولا تسخط بسخطك علينا ولا تهلكنا بغضبك ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واعف عنا واغفر لنا واصرف عنا البلاء يا ذا المن والطول. ولا تقول «سمع الله لمن حمده» إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها. وتطول الصلاة حتى ينجلي ، وان انجلى وأنت في الصلاة فخفف ، وان صليت وبعد لم ينجل فعليك الإعادة أو الدعاء والثناء على الله وأنت مستقبل القبلة».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

(٣) ص ١٢.

٣٢٧

ومنها ـ ما رواه في كتاب دعائم الإسلام (١) قال : وعن جعفر بن محمد (عليه‌السلام) قال : «صلاة الكسوف في الشمس والقمر وعند الآيات واحدة وهي عشر ركعات واربع سجدات : يفتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام ويقرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة ويجهر فيها بالقراءة ثم يركع ويلبث راكعا مثل ما قرأ ثم يرفع رأسه ويقول عند رفعه «الله أكبر» ثم يقرأ كذلك فاتحة الكتاب وسورة طويلة ثم كبر وركع الثانية (٢) فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال الله أكبر ثم قرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة ثم كبر وركع الثالثة فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال «الله أكبر» ثم قرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة فإذا فرغ منها قنت ثم كبر وركع الرابعة فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال الله أكبر ثم قرأ فاتحة الكتاب وسورة طويلة فإذا فرغ منها كبر وركع الخامسة فأقام مثل ما قرأ فإذا رفع رأسه منها قال : «سمع الله لمن حمده» ثم يكبر ويسجد فيقيم ساجدا مثل ما ركع ثم يرفع رأسه فيكبر ويجلس شيئا بين السجدتين يدعو ثم يكبر ويسجد سجدة ثانية يقيم فيها ساجدا مثل ما أقام في الأولى ، ثم ينهض قائما ويصلى اخرى على نحو الأولى يركع فيها خمس ركعات ويسجد سجدتين ويتشهد تشهدا طويلا ، والقنوت بعد كل ركعتين كما ذكرنا في الثانية والرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة ولا يقول :

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٦ من صلاة الكسوف.

(٢) كتب في هامش الطبعة القديمة في هذا الموضع هكذا : «كذا في بعض النسخ وفي بعضها «الثالثة» بدل «الثانية» وكذا وجدنا الرواية في البحار ولم يحضرني كتاب دعائم الإسلام حتى أراجعه لكن الظاهر انه سقط بعد لفظ «الثانية» بيان القيام بعد الركوع الثاني والركوع الثالث والله العالم» أقول : العبارة في البحار ج ١٨ الصلاة ص ٩٠٨ كما ذكر المعلق وهكذا هي أيضا في مستدرك الوسائل ولكنها في دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٠ طبعة مصر تامة وقد جرينا في هذه الطبعة على ذلك ، إلا ان بين المستدرك وكتاب الدعائم المطبوع بمصر اختلافا في بعض ألفاظ هذا الحديث في غير المورد الساقط من المستدرك وقد أوردناها على طبق المستدرك إلا في ما نرى خلافه مناسبا.

٣٢٨

«سمع الله لمن حمده». إلا في الركعتين اللتين يسجد عنهما وما سوى ذلك يكبر كما ذكرنا. فهذا معنى قول ابى عبد الله جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) في صلاة الكسوف في روايات شتى عنه (عليه‌السلام) حذفنا ذكرها اختصارا. وان قرأ في صلاة الكسوف بطوال المفصل ورتل القرآن فذلك أحسن وان قرأ بغير ذلك فليس فيه توقيت ولا يجزئ غيره ، وقد روينا عن على (عليه‌السلام) (١) انه قرأ في الكسوف سورة المثاني وسورة الكهف وسورة الروم وسورة ياسين وسورة والشمس وضحاها. وروينا عن على (عليه‌السلام) (٢) انه صلى صلاة الكسوف فانصرف قبل ان ينجلي فجلس في مصلاه يدعو ويذكر الله وجلس الناس كذلك يدعون ويذكرون حتى انجلت».

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي البختري عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) ـ (٣) «ان عليا (عليه‌السلام) صلى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات واربع ركعات : قام فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه فقرأ ثم ركع ثم قام فدعا مثل ركعته ثم سجد سجدتين ثم قام ففعل مثل ما فعل في الأولى في قراءته وقيامه وركوعه وسجوده». وعن يونس بن يعقوب (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) انكسف القمر فخرج ابى وخرجت معه الى المسجد الحرام فصلى ثماني ركعات كما يصلى ركعة وسجدتين» ـ.

فقد حملهما الشيخ على التقية قال لموافقتهما لمذهب بعض العامة (٥).

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٨ من صلاة الكسوف.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

(٥) في عمدة القارئ ج ٣ ص ٤٦٨ أول باب الكسوف «عند الليث بن سعد ومالك والشافعي واحمد وابى ثور صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان فتكون الجملة اربع ركوعات واربع سجدات في ركعتين. وعند طاوس وحبيب بن ابى ثابت وعبد الملك بن جريح ركعتان في كل ركعة اربع ركوعات وسجدتان فتكون الجملة ثمان ركوعات واربع سجدات ويحكى هذا عن على وابن عباس. وعند قتادة وعطاء بن

٣٢٩

وروى الشيخ في التهذيب عن روح بن عبد الرحيم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الكسوف تصلى جماعة؟ قال جماعة وغير جماعة».

وعن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس ان يفزعوا الى امام يصلى بهم وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل ان يصلى وحده. الحديث».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي صاحب الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن القراءة في صلاة الكسوف قال تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب. قال وإذا ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب وان قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم السورة

__________________

ابى رباح وإسحاق وابن المنذر ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان فتكون الجملة ست ركوعات واربع سجدات. وعند سعيد بن جبير وإسحاق بن راهويه في رواية ومحمد بن جرير الطبري وبعض الشافعية لا توقيت فيها بل يطيل ابدا ويسجد الى ان تنجلي الشمس. وعند إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وابى حنيفة وابى يوسف ومحمد ركعتان في كل ركعة ركوع واحد وسجدتان كسائر صلاة التطوع. ويروى عن أبي حنيفة ان شاءوا صلوها ركعتين وان شاءوا أربعا ، وفي البدائع وان شاءوا أكثر من ذلك. وعند الظاهرية ان كسفت الشمس ما بين طلوعها إلى صلاة الظهر صلاها ركعتين وما بين الظهر الى الغروب صلاها أربعا وفي خسوف القمر ان كان بعد صلاة المغرب الى العشاء الآخرة صلى ثلاث ركعات كالمغرب وان كان بعد العتمة إلى الصبح صلى أربعا» وفي سنن البيهقي ج ٣ ص ٣٢١ نقل رواية عائشة المتضمنة ان رسول الله (ص) صلى ركعتين جملتها اربع ركوعات واربع سجدات وفي ص ٣١٥ نقل رواية جابر المتضمنة انه (ص) صلى ركعتين جملتها ست ركوعات واربع سجدات وفي ص ٣٢٩ نقل رواية أبي بن كعب المتضمنة انه (ص) صلى ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان. ثم نقل عن الحسن البصري ان عليا (ع) صلى في كسوف الشمس خمس ركعات واربع سجدات. وفي ص ٣٣٠ نقل رواية حنش بن ربيعة المتضمنة ان عليا (ع) صلى ركعتين في ثمان ركوعات واربع سجدات.

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من صلاة الكسوف.

(٣) الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

٣٣٠

ولا تقل «سمع الله لمن حمده» في شي‌ء من ركوعك إلا الركعة التي تسجد فيها».

وعن على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) مثله (١) ونحوه في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٢).

أقول : الكلام في هذه الأخبار وما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مواضع :

الأول ـ المستفاد من هذه الأخبار التخيير بين قراءة سورة كاملة بعد الحمد في كل قيام وبين تفريق سورتين على العشر بان يكون في كل خمس سورة وان كان الأول أفضل وان يفرق سورتين على الخمس. وكيف كان فإنه متى أتم السورة وجب قراءة الحمد ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

وقال ابن إدريس انه يستحب له قراءة الحمد في الصورة المذكورة محتجا بان الركعات كركعة واحدة.

واعترضه المحقق في المعتبر بأنه خلاف فتوى الأصحاب والمنقول عن أهل البيت (عليهم‌السلام). وهو جيد.

وقال الشهيد في الذكرى (٣) : فان احتج ابن إدريس برواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) ـ قال : «انكسفت الشمس على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فصلى ركعتين قام في الأولى فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع ، فعل ذلك خمس مرات قبل أن يسجد ثم سجد سجدتين ، ثم قام في الثانية ففعل مثل ذلك ، فكان له عشر ركعات واربع سجدات». والتوفيق بينها وبين باقي الروايات بالحمل على استحباب قراءة الفاتحة مع الإكمال ـ فالجواب ان تلك الروايات أكثر وأشهر وعمل الأصحاب بمضمونها فتحمل هذه الرواية على ان الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به لتوافق تلك الروايات الأخرى. انتهى. وهو جيد.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

(٣) في النظر الثاني من صلاة الآيات في الإشارة إلى المدارك.

٣٣١

أقول : لم أقف على هذه الرواية إلا في كتاب الذكرى فإنه لم ينقلها صاحب الوافي الجامع لأخبار الكتب الأربعة ولا صاحب الوسائل مع جمعه لما زاد عنها ولا شيخنا المجلسي في البحار مع تصديه فيه لنقل جملة الأخبار ، والظاهر انه غفل عنها وإلا لنقلها عن الذكرى كما هو مقتضى قاعدته من التصدي لنقل جميع الأخبار وان كانت من كتب الفروع.

ويظهر من إطلاق صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة (١) جواز التفريق بان يبعض سورة واحدة في إحدى الركعتين ويقرأ في الأخرى خمسا والجمع في الركعة الواحدة بين الإتمام والتبعيض بان يتم سورة مثلا في القيام الأول ويبعض سورة في الأربعة الباقية ، وعلى ذلك تدل صحيحة البزنطي المنقولة في مستطرفات السرائر ونحوها صحيحة على بن جعفر المتقدمتان (٢) ايضا. وبالجملة فالذي يظهر من الأخبار هو جواز التبعيض في القيامات الخمسة أو بعضها مع الإتمام في بعض وانه يتخير في ذلك وان كان الأفضل قراءة خمس سور في كل ركعة.

وأما ما ذكره في المدارك ـ من قوله : ولا ريب ان الاحتياط يقتضي الاقتصار على قراءة خمس سور في كل ركعة أو تفريق سورة على الخمس ـ فالظاهر انه بنى على ما احتمله الشهيد في الذكرى هنا حيث قال : ويحتمل ان ينحصر المجزئ في سورة واحدة أو خمس سور لأنها ان كانت ركعة وجبت الواحدة وان كانت خمسا فالخمس فيمكن استناد ذلك الى تجويز الأمرين وليس بين ذينك واسطة. انتهى.

أقول : أنت خبير بأنه لا وجه له بعد ما عرفت من دلالة صحيحة البزنطي وعلى بن جعفر (٣) على جواز التفريق في ركعتين أو في ثلاث ، إلا انه يمكن الاعتذار عنهما بعدم وقوفهما على الخبرين المذكورين ، على ان إطلاق غيرهما من الأخبار المتقدمة ظاهر في ذلك ايضا سيما قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي «وان شئت قرأت

__________________

(١) ص ٣٢٦.

(٢ و ٣) ص ٣٣٠.

٣٣٢

سورة في كل ركعة وان شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة. الحديث». وقد تقدم (١).

وظاهر الأخبار وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب إتمام سورة في الخمس لصيرورتها بمنزلة ركعة فتجب الحمد وسورة.

بقي الكلام في ما لو جمع في ركعة بين الإتمام والتبعيض فأتم في القيام الأول مثلا وبعض في البواقي فهل يجوز أن يسجد قبل إتمام السورة؟ فيه وجهان ، قال في الذخيرة : ولعل الأقرب الجواز.

أقول : يمكن توجيه الأقربية بإطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على جواز التبعيض أعم من أن يتم السورة في ركعة واحدة أم لا.

وقال العلامة : الأقرب انه يجوز أن يقرأ في الخمس سورة وبعض أخرى فإذا قام في الثانية فالأقرب وجوب الابتداء بالحمد لانه قيام من سجود فوجب فيه الفاتحة قال : ويحتمل ضعيفا أن يقرأ من الموضع الذي انتهى اليه أولا من غير أن يقرأ الفاتحة لكن يجب أن يقرأ الحمد في الثانية بحيث لا يجوز الاكتفاء بالحمد مرة في الركعتين. انتهى.

أقول : ويمكن ترجيح ما استضعفه بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (٢) «وان نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب». وقوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٣) «ولا تقرأ سورة الحمد إلا إذا انقضت السورة». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحتي البزنطي وعلى بن جعفر (٤) «فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم السورة». فإن الجميع كما ترى ظاهر في انه ما لم يتم السورة التي بعضها فلا يقرأ فاتحة الكتاب وانه يجب القراءة من موضع القطع ، والأخبار المذكورة بعمومها شاملة لموضع المسألة.

وذكر الشهيدان (طاب ثراهما) انه متى ركع عن بعض سورة تخير في القيام

__________________

(١ و ٢) ص ٣٢٦.

(٣) ص ٣٢٧.

(٤) ص ٣٣٠ و ٣٣١.

٣٣٣

بعده بين القراءة من موضع القطع وبين القراءة من أى موضع شاء من السورة متقدما أو متأخرا وبين رفضها وقراءة غيرها.

واحتمل في الذكرى امرا رابعا وهو ان له اعادة البعض الذي قرأه من السورة بعينه ، قال فحينئذ هل يجب قراءة الحمد؟ يحتمل ذلك لابتدائه بسورة ويحتمل عدمه لأن قراءة بعضها مجزئ فقراءة جميعها أولى ، هذا ان قرأ جميعها وان قرأ بعضها فأشد إشكالا.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : أقول ان في أكثر هذه الصور إشكالا ، فإن مقتضى قوله (عليه‌السلام) «فان نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت» تعين القراءة من موضع القطع فلا يكون العدول الى غيره من السورة والقراءة من غيرها جائزا. انتهى. وهو جيد لما عرفت من الأخبار. والله العالم.

الثاني ـ قد تضمنت صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (١) الأمر بالجلوس والدعاء حتى ينجلي الكسوف متى فرغ من الصلاة ولم ينجل ، وعبارة كتاب الفقه (٢) الإعادة أو الدعاء في الصورة المذكورة ، ورواية كتاب دعائم الإسلام (٣) الجلوس والدعاء

وقد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد».

والمستفاد من هذه الأخبار بعد ضم بعضها الى بعض هو وجوب الجلوس والدعاء أو الإعادة حتى ينجلي مخيرا بينهما وهو صريح عبارة كتاب الفقه.

والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا المقام انه يستحب له الإعادة متى فرغ ولم ينجل ، ونقل عن ظاهر المرتضى وابى الصلاح وسلار وجوب الإعادة ، وعن ابن إدريس انه منع الإعادة وجوبا واستحبابا.

قال في المدارك : لنا على الاستحباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية ابن عمار. ثم ساق الرواية المذكورة الى ان قال : ولنا على انتفاء الوجوب قوله (عليه‌السلام)

__________________

(١) ص ٣٢٦.

(٢) ص ٣٢٧.

(٣) ص ٣٢٨.

(٤) الوسائل الباب ٨ من صلاة الكسوف.

٣٣٤

في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (١) «وان فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي». وقد يقال ان الجمع بين الروايات يقتضي القول بوجوب الإعادة والدعاء تخييرا إلا انى لا اعلم به قائلا. انتهى. وتبعه في الذخيرة في هذا المقام.

وأنت خبير بان ظاهر كلام الصدوق في الفقيه هو القول بالوجوب فيهما تخييرا حيث قال : وإذا فرغ الرجل من صلاة الكسوف ولم تكن انجلت فليعد الصلاة وان شاء قعد ومجد الله تعالى حتى ينجلي. انتهى.

ثم انه لا يخفى عليك ما في استدلاله بصحيحة معاوية بن عمار على الاستحباب وان كان قد جرى على هذه الطريقة في غير باب ، فإن الرواية قد تضمنت الأمر بالإعادة وهو حقيقة في الوجوب كما صرح به في غير موضع من هذا الكتاب فكيف تكون دالة على الاستحباب؟ وكان الأولى في التعبير ان يجعل مستند الاستحباب الجمع بين الروايتين المذكورتين.

وزاد في الذخيرة بعد اختيار الاستحباب كما ذكره في المدارك التأييد بموثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان صليت الكسوف الى ان يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فان ذلك أفضل ، وان أحببت أن تصلى فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز».

وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه الرواية هو إطلاق جواز الفراغ قبل الانجلاء ، ولا ينافيه وجوب الإعادة أو الجلوس حتى يحصل تمام الانجلاء حسبما دلت عليه الأخبار المتقدمة.

وبالجملة فعبارة كتاب الفقه صريحة في الوجوب تخييرا والظاهر انها مستند الصدوق كما عرفت في غير مقام ، ورواية كتاب الدعائم المروية عن على (عليه‌السلام) ايضا ظاهرة في وجوب الجلوس ، والصحيحتان الآخرتان (٣) لا وجه للجمع بينهما إلا بما

__________________

(١) ص ٣٢٦.

(٢) الوسائل الباب ٨ من صلاة الكسوف.

(٣) ص ٣٣٤.

٣٣٥

ذكرناه من الوجوب تخييرا ، فرد هذه الروايات ـ على ما هي عليه من الصحة والصراحة في بعض والظاهرية في آخر بهذه الرواية مع قبولها التأويل بما ذكرناه ـ مما لا يلتزمه محصل. والله العالم.

الثالث ـ ما ذكره (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (١) من قوله «وتطول الصلاة حتى ينجلي». مما يصلح لان يكون مستندا للأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث صرحوا بان من جملة مستحبات هذه الصلاة ان يطول بقدر الكسوف وهم قد استدلوا على ذلك بموثقة عمار المتقدمة (٢) ويمكن الاستدلال عليه ايضا بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الرهط المتقدمة (٣) في حكاية صلاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها».

وقيل ان الاستدلال بهذا الخبر لا يخلو من شوب التأمل لجواز ان يكون ذلك من باب الاتفاق. وفيه ان الظاهر من نقله (عليه‌السلام) ذلك انما هو العمل بما تضمنه النقل إذ لا معنى لنقل الأمور الاتفاقية مع عدم ترتب شي‌ء عليها من الأحكام الشرعية ، ويمكن استناد ذلك الى علمه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بوقت تمام الانجلاء فأطال الصلاة على حسب علمه وفرغ بتمام الانجلاء.

بقي هنا شي‌ء وهو ان الحكم باستحباب الإطالة على الوجه المذكور لا يتم إلا مع العلم بذلك أو الظن الحاصل باخبار رصدي أما بدونه فلا ، وحينئذ فلا يبعد ان يكون التخفيف في الصلاة أولى وجبت الإعادة أو الجلوس لو فرغ قبل الانجلاء على أحد القولين أو استحبت على القول المشهور حذرا من خروج الوقت قبل الإتمام. كذا قيل وهو مبنى على انه مع خروج الوقت قبل الإتمام يجب القطع وقد بينا سابقا ضعفه وان الواجب هو الإتمام في الصورة المذكورة. والله العالم.

الرابع ـ ظاهر قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (٤) «وكان يستحب ان يقرأ فيها الكهف والحجر إلا أن يكون اماما يشق على من خلفه». استحباب التطويل في الصلاة بقراءة السور الطوال إلا في الجماعة إذا كان يشق ذلك

__________________

(١) ص ٣٢٧.

(٢) ص ٣٣٥.

(٣) ص ٣٢٥.

(٤) ص ٣٢٦.

٣٣٦

على من خلفه ، وبكل من الحكمين صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم).

أما الأول فيدل عليه مضافا الى هذا الخبر ما تقدم من كلام الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ورواية كتاب دعائم الإسلام ورواية أبي بصير المتقدم ذلك كله (١) وقد دلت رواية أبي بصير المذكورة ايضا على استحباب التطويل في ركوعه مثل قراءته وسجوده مثل ركوعه ، واليه يشير ايضا قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه «وطول في القراءة والركوع والسجود ما قدرت». ونحوه في رواية كتاب الدعائم. وينبغي تقييد ذلك بسعة الوقت كما صرح به بعضهم ايضا.

وأما الثاني فيدل عليه مضافا الى الرواية المذكورة أخبار صلاة الجماعة فإنها استفاضت بالأمر بالتخفيف والإسراع رعاية لحال المأمومين فإن فيهم الضعيف وصاحب الحاجة ونحوهما (٢).

إلا انه قد روى الصدوق في الفقيه مرسلا (٣) قال : «انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر الى الرجل قد ابتلت قدمه من عرقه».

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن القداح عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «انكسفت الشمس في زمن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فصلى بالناس ركعتين وطول حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام».

وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل العمل بهذين الخبرين حيث قال : باب استحباب اطالة الكسوف بقدره حتى للإمام (٥) ثم أورد الخبرين المذكورين ولم يجب عن صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم بشي‌ء بل لم ينقل منها الموضع المتعلق بهذا الحكم في كتابه بالكلية وانما ذكر منها ما يتعلق بكيفية الصلاة في باب كيفية صلاة الكسوف (٦) وهو غفلة منه (طاب ثراه).

__________________

(١) ص ٣٢٧ و ٣١٨.

(٢) الوسائل الباب ٦٩ من صلاة الجماعة.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٩ من صلاة الكسوف.

(٦) ذكرها هناك بتمامها.

٣٣٧

وبالجملة فالجمع بين الروايات هنا لا يخلو من اشكال سيما مع اعتضاد صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم باخبار الجماعة المستفيضة بالأمر بالتخفيف وعدم الإطالة رعاية لحال المأمومين ، إلا أن يقال باختصاص ذلك بهما (صلوات الله عليهما) في هذه الصلاة بخصوصها لأجل بسطها على مقدار زمان الكسوف. وفيه ما فيه. والله العالم

الخامس ـ انه يستفاد من الأخبار المتقدمة استحباب التكبير عند الرفع من كل ركوع إلا الخامس والعاشر فإنه يقول «سمع الله لمن حمده» وهذا التكبير من خصوصيات هذه الصلاة ، وانه يقنت خمس قنوتات ، والجميع مما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم).

إلا ان الشهيد في البيان قال انه يجزئ القنوت على الخامس والعاشر وأقله على العاشر. قال في المدارك ولم نقف على مأخذه.

أقول : ان كان مراده انه لم يقف على مأخذه ولو بالنسبة إلى الخامس والعاشر ففيه ما قدمنا نقله عن الصدوق من قوله «وان لم تقنت إلا في الخامسة والعاشرة فهو جائز لورود الخبر به» وان أراد من حيث الاكتفاء بالعاشر خاصة فهو كذلك ولعله لمجرد اعتبار كون هذه الصلاة في الحقيقة ركعتين فالقنوت انما هو في الثانية.

ومن مستحبات هذه الصلاة أيضا الجهر بالقراءة ، قال في المنتهى انه مذهب علمائنا وأكثر العامة (١) وقد تقدم ذلك في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (٢)

__________________

(١) في عمدة القارئ ج ٣ ص ٥٠١ حكى الترمذي عن مالك والشافعي واحمد وإسحاق الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف ، وفي شرح مسلم للنووي مذهبنا ومذهب مالك وابى حنيفة والليث بن سعد وجمهور الفقهاء انه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر. وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن واحمد وإسحاق يجهر فيهما. وحكى الرافعي عن الصيدلاني مثله عند أبي حنيفة. وقال محمد بن جرير الطبري الجهر والأسرار سواء قال العيني وما حكاه النووي عن مالك هو المشهور عنه ، وقال ابن العربي روى المصريون عنه انه يسر وروى المدنيون عنه انه يجهر والجهر عندي أولى.

(٢) ص ٣١٦.

٣٣٨

ومن مستحباتها ايضا أن يكون بارزا تحت السماء لما في الصحيحة المشار إليها من قوله (عليه‌السلام) «فان استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل».

إلا ان جملة من الأخبار قد دلت على الفزع الى المساجد كما في صحيح ابى بصير (١) قال : «انكسف القمر وأنا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) في شهر رمضان فوثب وقال انه كان يقال إذا انكسف القمر والشمس فافزعوا الى مساجدكم».

وفي كتاب المجالس بإسناده عن محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «ان الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة فإذا رأيتم شيئا من ذلك فتذكروا قيام الساعة وأفزعوا الى مساجدكم».

ويمكن الجمع بان الفزع الى المساجد لا يستلزم الصلاة تحت سقوف المساجد بل يمكن أن يصلى على سطوح المساجد وفي فضائها البارز من غير سقف ، هذا إذا كانت مسقفة كما هو الآن صار معمولا واما على ما هو السنة في المساجد من جعلها مكشوفة فلا اشكال.

وينبغي أن يعلم ان جملة هذه الأحكام وان كان موردها صلاة الكسوف إلا ان المفهوم من الأخبار ان صلاة الكسوف هي الصلاة في سائر الآيات فجميع الأحكام المترتبة على صلاة الكسوف تترتب على الصلاة لغير الكسوف من الآيات إلا التطويل فان ظاهر الأخبار اختصاصه بالكسوفين كما مر.

ومما يدل على ان صلاة الآيات هي صلاة الكسوف صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (٣) قالا «قلنا لأبي جعفر (عليه‌السلام) أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل لها صلاة الكسوف حتى تسكن».

وروى في كتاب الدعائم عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٤) انه قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من صلاة الكسوف.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من صلاة الكسوف.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ٢ من صلاة الكسوف.

٣٣٩

«يصلى في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء».

ومن مستحبات هذه الصلاة أيضا الجماعة ، قال في التذكرة انه قول علمائنا اجمع

ويدل عليه ما تقدم (١) في صحيحة الرهط من قوله (عليه‌السلام) «صلاها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والناس خلفه».

وما تقدم (٢) في الموضع الرابع من خبري الصدوق والقداح في صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى (عليه‌السلام) بالناس وقد غشي على بعض القوم وابتلت اقدامهم من العرق.

وقد تقدمت (٣) رواية روح بن عبد الرحيم الدالة على انها تصلى جماعة وغير جماعة.

ونحوها رواية محمد بن يحيى الساباطي عن الرضا (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى؟ قال اى ذلك شئت».

وقد دلت رواية ابن ابى يعفور المتقدمة (٥) على تأكد استحباب الجماعة مع الاحتراق.

وقال الصدوقان : إذا احترق القرص كله فصلها في جماعة وان احترق بعضه فصلها فرادى. ويمكن حمل كلامهما على ما حملت عليه رواية ابن ابى يعفور من تأكد الجماعة مع الاحتراق وعدمه مع العدم.

قال في الذكرى : انهما ان أرادا نفى تأكد الاستحباب مع احتراق البعض فمرحبا بالوفاق ، وان أرادا نفى استحباب الجماعة وترجيح الفرادى طولبا بدليل المنع وصرح الشهيد في البيان بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل في هذه الصلاة وبالعكس كاليومية. قال في المدارك ومثله في الذخيرة : وهو حسن.

__________________

(١) ص ٣٢٥.

(٢) ص ٣٤٧.

(٣ و ٥) ص ٣٣٠.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من صلاة الكسوف.

٣٤٠