الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

«وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف. الى ان قال : وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) هي فريضة».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (١) قال : «وروى عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال صلاة الكسوف فريضة».

وروى الشيخ عن محمد بن حمران في حديث صلاة الكسوف (٢) قال : «وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) هي فريضة». وبإسناده عن أبي أسامة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «صلاة الكسوف فريضة». وبإسناده عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «صلاة الكسوف فريضة».

وروى في الكافي عن على بن عبد الله (٥) قال : «سمعت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) يقول انه لما قبض إبراهيم بن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جرت فيه ثلاث سنن ، أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فصعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال : يا ايها الناس ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى يجريان بأمره مطيعان له لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف».

وروى الصدوق عن سليمان الديلمي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا أراد الله ان يزلزل الأرض أمر الملك ان يحرك عروقها فتحرك بأهلها. قلت فإذا كان ذلك فما اصنع؟ قال صل صلاة الكسوف». ونحو ذلك ما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى في صحيحة الرهط.

واما غير هذه الأسباب الثلاثة المتقدمة فإن المشهور هو الوجوب لجميع الأخاويف السماوية وبه قال الشيخ في الخلاف والمفيد والمرتضى وابن الجنيد وابن

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من صلاة الكسوف.

(٦) الفقيه ج ١ ص ٣٤٣ والعلل ص ١٨٦ وفي الوسائل الباب ٢ و ١٣ من صلاة الكسوف.

٣٠١

ابي عقيل وابنا بابويه وسلار وابن البراج وابن إدريس وجمهور المتأخرين ، ونقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه.

وقال الشيخ في النهاية : صلاة الكسوف والزلازل والرياح المخوفة والظلمة الشديدة فرض واجب لا يجوز تركها على حال. ونحوه قال في المبسوط. وقال في كتاب الجمل : صلاة الكسوف فريضة في أربعة مواضع : عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح السوداء المظلمة. ونحوه قال ابن حمزة. وقد تقدم النقل عن ابى الصلاح انه لم يتعرض لغير الكسوفين.

وقال المحقق في الشرائع بعد ذكر كسوف الشمس وخسوف القمر والزلزلة : وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل نعم وهو المروي ، وقيل لا بل تستحب ، وقيل تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب. انتهى.

وقال في المعتبر بعد ذكر الكسوفين والزلزلة : وهل تصلى لأخاويف السماء كالظلمة الشديدة والصيحة والرياح؟ قال الشيخ في الخلاف نعم وبه قال علم الهدى وابن الجنيد والمفيد وسلار ، واقتصر الشيخ على الرياح الشديدة والظلم الشديدة.

وقال في الذكرى بعد ذكر الكسوفين والاستدلال عليهما بالإجماع والأخبار : واما باقي الآيات فلها صور تجب الصلاة أيضا للزلزلة نص عليه الأصحاب ، وابن الجنيد لم يصرح به ولكن ظاهر كلامه ذلك حيث قال تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي وكذا ابن زهرة ، وأما أبو الصلاح فلم يتعرض لغير الكسوفين ، لنا فتوى الأصحاب وصحاح الأخبار كرواية عمر بن أذينة عن رهط ثم ساق الرواية كما ستأتي (١) ان شاء الله تعالى ، الى ان قال : (الثانية) ـ الرجفة وقد تضمنته الرواية وصرح به ابن ابى عقيل وهو ظاهر الأصحاب أجمعين (الثالثة) ـ الرياح المخوفة ومنهم من قال الرياح العظيمة ، وقال المرتضى الرياح العواصف ، وأطلق المفيد الرياح

__________________

(١) في أول البحث الثاني في الكيفية.

٣٠٢

(الرابعة) ـ الظلمة الشديدة ذكره الشيخ وابن البراج وابن إدريس. (الخامسة) الحمرة الشديدة ذكرها الشيخ في الخلاف. (السادسة) ـ باقي الآيات المخوفة ذكره الشيخ والمرتضى في ظاهر كلامه ، وصرح ابن ابى عقيل بجميع الآيات وابن الجنيد على ما نقلناه عنه وابن البراج وابن إدريس وهو ظاهر المفيد ، ودليل الوجوب في جميع ما قلناه ـ مع فتوى المعتبرين من الأصحاب ـ ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم. ثم ساق الرواية كما سنذكره ان شاء الله تعالى (١).

أقول : ومن هذه العبارات التي نقلناها يظهر ان ما نقله في الشرائع من القول بالاستحباب في ما عدا الكسوفين والزلزلة ـ من الريح المظلمة والأخاويف السماوية أو تخصيص الوجوب بالريح المخوفة والظلمة الشديدة وان ما عداها يستحب الصلاة فيه ـ انما نشأ من حيث عدم عد هذه الأشياء في ما تجب له الصلاة كما وقع للشيخ في النهاية حيث اقتصر على عد الكسوفين والزلزلة والريح المخوفة والظلمة الشديدة ، وهو الذي أشار إليه في عبارته في الشرائع بقوله : وقيل تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب. يعني زيادة على الكسوفين والزلزلة. واليه أشار في المعتبر بقوله : واقتصر الشيخ على الرياح الشديدة. وكما وقع لأبي الصلاح من حيث الاقتصار على الكسوفين ولم يتعرض لغيرهما.

وأنت خبير بان مجرد ذكر بعض الأسباب وعدم ذكر غيرها لا يستلزم القول بالانحصار لا سيما مع التصريح الذي وقع منه في الخلاف مقرونا بدعوى الإجماع كما عرفت ، فانا لم نجد قولا صريحا بالاستحباب ولا مصرحا بالانحصار اللازم منه ذلك بل ولا مستندا لشي‌ء مما هنا لك ، فالقول بالاستحباب في تلك المواضع بمجرد ذلك لا يخلو من مسامحة.

ومما ذكرنا يظهر أن ما ذكره المحدث الكاشاني في المفاتيح ـ تبعا لظاهر عبارة الشرائع مما يوهم الناظر وجود القول بالاستحباب صريحا ـ مما لا ينبغي.

__________________

(١) ص ٣٠٤.

٣٠٣

وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (١) قالا : «قلنا لأبي جعفر (عليه‌السلام) أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٢) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف؟ فقال الصادق (عليه‌السلام) صلاتهما سواء».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عمر بن أذينة عن رهط عن كليهما (عليهما‌السلام) ومنهم من رواه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) «ان صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات. الخبر».

كما سيأتي ان شاء الله تعالى تمامه قريبا (٤) الى أن قال في آخر الخبر : والرهط الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد ومحمد بن مسلم.

وعن محمد بن مسلم وبريد بن معاوية في الصحيح عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (٥) قالا : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٦) «وإذا هبت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصل لها صلاة الكسوف ، وكذلك إذا زلزلت الأرض فصل صلاة الكسوف».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٧) قال : «يصلى في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من صلاة الكسوف.

(٣) الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

(٤) في أول البحث الثاني في الكيفية.

(٥) الوسائل الباب ٥ من صلاة الكسوف.

(٦) ص ١٢.

(٧) مستدرك الوسائل الباب ٢ من صلاة العيد.

٣٠٤

مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء».

وقال في الذخيرة : والأمر وان لم يكن واضح الدلالة على الوجوب في أخبارنا إلا ان عمل الأصحاب وفهمهم مما يعيننا على الحكم به.

أقول : قد عرفت في غير موضع مما تقدم ما في مثل هذا الكلام الواهي الذي هو لبيت العنكبوت ـ وانه لأوهن البيوت ـ مضاهى ، فإنه مؤذن بأن اعتماده في الأحكام الشرعية إنما هو على تقليد الأصحاب حيث ان الأدلة قاصرة عنده عن إثبات الأحكام في جميع الأبواب ، وحينئذ فلا معنى لمناقشاته لهم في جملة من المواضع ورده عليهم كما لا يخفى على من راجع الكتاب.

والظاهر ان المراد بالأخاويف يعنى ما يحصل منه الخوف لعامة الناس ، قال في المدارك : ولو كسف بعض الكواكب أو كسف بعض الكواكب لأحد النيرين كما يقال ان الزهرة رؤيت في جرم الشمس كاسفة لها فقد استقرب العلامة في التذكرة والشهيد في البيان عدم وجوب الصلاة بذلك ، لان الموجب لها الآية المخوفة لعامة الناس وأغلبهم لا يشعرون بذلك ، واحتمل في الذكرى الوجوب لأنها من الأخاويف والأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه الخوف كما تضمنته الرواية. انتهى. وهو جيد ، وأشار بالرواية إلى صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (١).

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن أول وقت هذه الصلاة في الكسوفين هو ابتداؤه بل قال في المنتهى انه قول علماء الإسلام.

ومستنده من الأخبار قول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة جميل المتقدمة (٢) «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها. الحديث كما تقدم».

ويدل عليه جملة من الأخبار الدالة على تعليق الوجوب على حصول الانكساف

__________________

(١) ص ٣٠٤.

(٢) ص ٣٠٠ و ٣٠١.

٣٠٥

مثل قولهما (عليهما‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم وبريد (١) «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها».

وقول ابى عبد الله (عليه‌السلام) في صحيحة أبي بصير (٢) «إذا انكسف القمر والشمس فافزعوا الى مساجدكم».

وقوله (عليه‌السلام) في رواية ابن ابى يعفور (٣) «إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا الى امام يصلى بهم». ونحوها غيرها.

وانما الخلاف في آخره والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) الأخذ في الانجلاء ، واليه ذهب الشيخان وابن حمزة وابن إدريس والمحقق في النافع والعلامة في جملة من كتبه.

وذهب المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى الى ان آخره تمام الانجلاء ، واختاره الشهيد والسيد في المدارك ونقل ايضا عن ظاهر المرتضى وابن ابى عقيل وسلار

وهو الظاهر من الأخبار فإنه وان لم يرد التصريح فيها بالتحديد أولا وآخرا إلا ان مقتضى ما قدمنا ذكره من تعليق الوجوب في الأخبار على وجود الكسوف انه ممتد بامتداده وثابت بثبوته. ودعوى كونه يفوت الوجوب بمجرد الأخذ في الانجلاء تخصيص للأخبار المذكورة من غير مخصص فيستمر الى تمام الانجلاء.

ويعضده ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال قال : «ان صليت الكسوف الى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فان ذلك أفضل وان أجبت أن تصلى فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز».

والتقريب فيه انه دل على التخيير بين أن يطول في صلاته بقدر مدة الكسوف ويفرغ بانجلائه كملا وهو أفضل وبين ان يفرغ قبل الانجلاء ، وقضية جعل الغاية

__________________

(١) ص ٣٠٤.

(٢) الوسائل الباب ٦ من صلاة الكسوف.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من صلاة الكسوف.

(٤) الوسائل الباب ٨ من صلاة الكسوف.

٣٠٦

الذهاب الذي هو عبارة عن الانجلاء التام هو كون ما قبله وقتا للصلاة الذي من جملته الأخذ في الانجلاء وما بعده الى ان ينجلي بتمامه.

ويزيده تأييدا أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد». ولو خرج الوقت بالأخذ في الانجلاء كما ادعوه لما استحبت الإعادة كما هو المشهور كما انها لا تستحب بعد تمام الانجلاء أو وجبت كما هو القول الآخر ، وهو في غاية الوضوح والظهور.

ولم أقف للقول الآخر على دليل غير مجرد الشهرة ، وجملة من المتأخرين تكلفوا له الاستدلال بما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ذكروا عنده انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته فقال إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى».

قال في المعتبر : فان احتج الشيخ بما رواه حماد. ثم ساق الرواية المذكورة الى أن قال : فلا حجة في ذلك لاحتمال ان يكون أراد تساوى الحالين في زوال الشدة لا بيان الوقت. انتهى.

قالوا : وتظهر الفائدة في نية القضاء أو الأداء لو شرع في الانجلاء ، وكذا في ضرب زمان التكليف الذي يسع الصلاة وفي إدراك ركعة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من صلاة الكسوف.

(٢) الوسائل الباب ٤ من صلاة الكسوف. والرواية في التهذيب ج ٣ ص ٢٩١ الطبع الحديث هكذا «ذكرنا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته قال فقال أبو عبد الله «عليه‌السلام» إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى» وفي الفقيه ج ١ ص ٣٤٧ هكذا «ذكروا عنده انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته فقال «عليه‌السلام» إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى» راجع الوافي أيضا باب فرض صلاة الكسوف.

٣٠٧

فرع

قالوا : لو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف وقبل الانجلاء وجبت الصلاة أداء الى أن يتحقق الانجلاء ، وكذا لو سترها غيم أو طلعت الشمس على القمر ، صرح بذلك جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو كذلك عملا بإطلاق الأمر وعدم العلم بانقضاء الوقت المقتضى لفوات الأداء. وعلله في الذكرى بالعمل بالاستصحاب ، والظاهر ان مرجعه الى ما ذكرنا من استصحاب عموم الدليل الى أن يقوم الرافع.

وقال في الذكرى : ولو اتفق اخبار رصديين عدلين بمدة المكث أمكن العود إليهما ، ولو أخبرا بالكسوف في وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن أخبراه بمثابة العالم ، وكذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن. وقال في المدارك بعد نقله عنه : ولا ريب في الوجوب حيث يحصل العلم للسامع أو يستند اخبار العدلين إليه.

المسألة الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم يتسع وقت الكسوف للصلاة ولو أخف صلاة لم تجب الصلاة لاستحالة التكليف بعبادة موقتة في وقت لا يسعها. كذا قال في المدارك وتبعه غيره في ذلك. ومقتضى ذلك ان المكلف لو اتفق شروعه في الصلاة في ابتداء الوقت فتبين ضيقه عنها وجب القطع لانكشاف عدم الوجوب.

وعندي في كل من الحكمين إشكال ، أما الأول ففيه (أولا) ان ما ذكروه من القاعدة التي بنوا عليها في هذا الموضع وغيره مما لم يقم عليه دليل شرعي وان كانت هذه القاعدة عندهم من الأدلة العقلية التي يوجبون تقديمها على الأدلة السمعية إلا ان الأمر عندنا بالعكس ، وبالجملة فالاعتماد على هذه القواعد الأصولية سيما مع معارضة الأخبار لها كما سيظهر لك في هذا المقام مما لا معول عليه عندنا.

و (ثانيا) ـ انه ان تم ما ذكروه فإنه انما يتم في التكليف بالموقت ، وكون ما ذكروه غير الزلزلة لا سيما ما سوى الكسوفين من قبيل الوقت لتلك الصلاة ممنوع ، لاحتمال

٣٠٨

كون ما سوى الكسوفين بل هما ايضا من قبيل السبب كالزلزلة عندهم فتكون الصلاة حينئذ واجبة وان قصر الوقت.

وبالجملة فالظاهر هو الرجوع الى ما يستفاد من الأخبار الواردة في المقام من هذا المكان وغيره من الأحكام ، ولعل ظاهر الأخبار حيث وردت بوجوب الصلاة بالكسوف على الإطلاق من غير تقييد بقصر المدة وطولها مشعر بكون الكسوف سببا للإيجاب لا وقتا ، وغيره بالطريق الاولى لا سيما مع اشتراكها معه في إطلاق اخبارها ايضا.

ومن تأمل في مضامين الأخبار التي قدمناها لا يخفى عليه قوة ما ذكرناه ، مثل قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم وبريد (١) «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها. الحديث». ونحوها غيرها مما علق فيه وجوب الصلاة على مجرد حصول تلك الآية من غير تقييد فيها بقصر ولا طول.

والى ما اخترناه من عدم التوقيت في سائر الآيات غير الكسوفين مال الشهيد في الدروس بل جزم به واختاره العلامة في جملة من كتبه نظرا إلى إطلاق الأمر.

وتردد المحقق في المعتبر هنا والظاهر ان وجهه ما ذكر من القاعدة المذكورة ومن إطلاق الأخبار المذكورة في المقام.

ويميل الى ما اخترناه كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال : والظاهر ان الأدلة غير دالة على التوقيت بل ظاهرها سببية الكسوف لإيجاب الصلاة. انتهى

وأما ما ربما يدل على التوقيت واليه استند القائل بذلك ـ من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة (٢) : «كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن». بناء على ان «حتى» هنا إما أن تكون لانتهاء الغاية أو للتعليل ، وعلى الأول يثبت التوقيت صريحا وعلى الثاني يلزم التوقيت ايضا لاستلزام انتفاء العلة انتفاء المعلول ـ

__________________

(١ و ٢) ص ٣٠٤.

٣٠٩

فيمكن الجواب عنه بان محل النزاع هو التوقيت الذي يقتضي السقوط بقصر الوقت لا ما يقتضي لزوم الإطالة والتكرار إذا طال والفرق بين الأمرين ظاهر للناظر المنصف.

وبذلك يظهر ما في كلامه في المدارك حيث قال ـ بعد ذكر الخلاف في الرياح والأخاويف وانه هل يترتب وجوبها على سعة الآية للصلاة أم لا ، ونقل القول بالثاني عن الشهيد في الدروس والعلامة في جملة من كتبه كما قدمنا ذكره ـ ما لفظه : والأصح الأول لقوله (عليه‌السلام) : «كل أخاويف السماء.» الى آخر ما قدمناه من الرواية وبيان وجه الدلالة ، وقد عرفت ما فيه.

وبالجملة فإن ما ذكرناه من إطلاق الأوامر بذلك ظاهر لا ينكر وبه يتم الاستدلال على الوجه الأظهر. والرواية المذكورة قاصرة عن إفادة الدلالة على ما ادعوه لما بيناه في معناها. والله العالم.

واما الثاني فإنه لا يخفى انه قد روى زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) في حديث يأتي بكماله ان شاء الله تعالى في المقام الآتي (١) قال : «فان انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي». وهذا كما ترى ظاهر في رد ما ذكروه من هذا التفريع ، وبذلك صرح العلامة في المنتهى ايضا حسبما دلت عليه الصحيحة المذكورة.

ويعضده ايضا قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) «وان انجلى وأنت في الصلاة فخفف».

وعلى هذا فيمكن الفرق بين ما إذا تبين ضيق الوقت قبل الشروع في الصلاة وبين ما إذا دخل بانيا على اتساعه وتبين الضيق في الأثناء ويخص كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) بالأول بل الظاهر انه هو مرادهم ، وحينئذ فلا منافاة في الصحيحة المذكورة لما صرحوا به لان موردها تبين ذلك في الأثناء. وبالجملة فإنه

__________________

(١) البحث الثاني في الكيفية وفي الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف.

(٢) ص ١٢.

٣١٠

يفرق بين الابتداء والاستدامة فسعة الوقت انما تكون شرطا في الابتداء لا في الاستدامة ، وقد مر نظائره في فصل صلاة الجمعة.

وبما ذكرنا يظهر عدم صحة هذا التفريع الذي ذكره السيد السند وان تبعه فيه غيره كما هي عادتهم غالبا.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قال في المعتبر : الخامس ـ لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب ، وفي وجوبها مع قصور الوقت عن أخف صلاة تردد. ونحوه في المنتهى حيث قال : الخامس ـ لو تضيق وقت الكسوف حتى لا يدرك ركعة لم تجب ، ولو أدركها فالوجه الوجوب لأن إدراك الركعة بمنزلة إدراك الصلاة. ثم قال : السادس ـ لو قصر الوقت عن أقل صلاة يمكن لم تجب على اشكال.

أقول : لا يخفى ان ما ذكراه (عطر الله مرقديهما) من التردد كما في عبارة المعتبر والاشكال كما في عبارة المنتهى فان الظاهر ان وجهه هو ما أشرنا إليه آنفا من أن هذه الآيات من كسوف وغيره هل هي من قبيل الأوقات فيعتبر فيها ما يعتبر في الوقت من سعته لإيقاع الفريضة أم من قبيل الأسباب فيكفي وجوده في الجملة؟ وقد عرفت ان مقتضى القاعدة المتقدمة بناء على الأول عدم الوجوب ومقتضى إطلاق الأخبار بناء على الثاني الوجوب ، فلحصول التعارض بين القاعدة المذكورة وإطلاق الأخبار حصل التردد والإشكال. إلا ان قولهما بوجوبها بإدراك ركعة وعدمه مع عدم إدراكها إنما يتجه على القول بالتوقيت وصريح كلامهما في المقام التردد والتوقف في ذلك كما أوضحناه ، والجمع بين هذين الكلامين لا يخلو من غفلة. على ان ما ذكراه من التعليق على إدراك ركعة استنادا الى ما اشتهر بينهم من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت». مع الإغماض عن المناقشة في صحته وثبوته كما تقدم الكلام فيه (١) انما ينصرف إلى الصلاة اليومية كما هو مورد الخبر المذكور ، وانسحابه الى غيرها لا يخلو من الإشكال. والله العالم.

__________________

(١) ص ١٤ و ١٤٢.

٣١١

المسألة الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان وقت الزلزلة مدة العمر وانه يصليها أداء وان سكنت وهو قول المعظم منهم ، وحكى الشهيد في البيان قولا بأنها تصلى بعد سكونها بنية القضاء.

وللأول إطلاق الأمر الخالي من التقييد الدال على ان مجرد حصولها سبب لوجوب الفعل من غير أن يكون موقتا بزمانها. وبذلك يظهر ما في شك العلامة في ذلك على ما نقله عنه في الذكرى حيث قال : وشك فيه الفاضل لمنافاته للقواعد الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان لا يسعه. فان هذا الشك انما يتجه لو قلنا بأن الزلزلة وقت للصلاة واما على تقدير جعلها سببا كما هو الظاهر من كلامهم فلا وجه له.

قال في المدارك : وألحق العلامة في التذكرة بالزلزلة الصيحة ثم قال : وبالجملة كل آية يقصر وقتها عن العبادة يكون وقتها دائما اما ما ينقص عن فعلها وقتا دون وقت فان وقتها مدة الفعل فان قصر لم تصل.

ثم أورد عليه بأنه يشكل بأنه لا يلزم من عدم قصور زمان الآية عن مقدار الصلاة كونها موقتة بل الحق ان التوقيت انما يثبت إذا ورد التصريح بتحديد زمان الفعل وبدونه يكون وقته العمر. انتهى. وهو جيد.

وبه يظهر ان كلماتهم في هذه المسألة لا تخلو من نوع غفلة أو تساهل ، ومنه ما قدمنا نقله عنهم من قولهم ان وقت الزلزلة العمر ويصليها أداء وان سكنت ، فان مقتضى كون وقتها العمر ان الزلزلة انما هي من قبيل الأسباب فمتى حصلت طالت أو قصرت وجب الإتيان بها واشتغلت الذمة بها الى ان يأتي بها لا تقدير لها بوقت ولا تحديد لها بحد ، ومقتضى قولهم يصليها أداء وان سكنت انها من قبيل الأوقات لأن الأداء والقضاء انما يطلقان في مقام التوقيت فمتى اتى بالفريضة في الوقت سمى أداء وفي خارجه قضاء ، فصدر العبارة وعجزها لا يخلو من مدافعة.

وأجاب المحقق الشيخ على (قدس‌سره) عن ذلك في بعض حواشيه بما يحقق

٣١٢

ما ذكرناه من المقال بل يزيد في الإشكال ، فقال : وانما كانت هذه الصلاة أداء لأن الإجماع واقع على كون هذه الصلاة موقتة والتوقيت يوجب نية الأداء ، ولما كان وقتها لا يسعها وامتنع فعلها فيه وجب المصير الى كون ما بعده صالحا لإيقاعها فيه حذرا من التكليف بالمحال وبقي حكم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل عنه ، وروعي فيها الفورية من حيث ان فعلها خارج وقت السبب انما كان بحسب الضرورة فاقتصر في التأخير على قدرها. وفي ذلك جمع بين القواعد المتضادة وهي توقيت هذه الصلاة مع قصر وقتها واعتبار سعة الوقت لفعل العبادة. انتهى.

وليت شعري بأي دليل ثبت التوقيت في هذه الصلاة وأى خبر دل عليه؟ بل إطلاق الأخبار كما عرفت على خلافه ، فإنه مؤذن بالسببية وان الزلزلة من قبيل الأسباب لهذه الصلاة كما عرفت مما قدمناه ، وأعجب من ذلك دعواه الإجماع على التوقيت مع اتفاقهم على انها تمتد بامتداد العمر.

والاعتذار بما ذكره من هذا الكلام المنحل الزمام لا يسمن ولا يغني من جوع ، فان ظاهره ان الغرض من ارتكاب هذا التكلف هو الجمع بين القواعد المتضادة ، وقد عرفت انه لا مستند لهذه القواعد إلا مجرد اصطلاحهم على ذلك في الأصول التي بنوا عليها ودونوها ، فان ما ذكره من قاعدة توقيت هذه الصلاة مع قصر وقتها لا دليل عليه بل الدليل واضح في خلافه كما أشرنا إليه آنفا ، إذ ظاهر إطلاق الاخبار انما هو السببية دون التوقيت. وما ذكره من قاعدة اعتبار سعة الوقت بناء على ما ذكروه من امتناع التكليف في زمان لا يسعه فقد عرفت ايضا انه لا دليل عليه.

ونظير هذه القاعدة مسألة من استطاع الحج ثم بادر في عام الاستطاعة ومات في الطريق ، فان المشهور بينهم سقوط القضاء لعدم استقرار الحج في ذمته وظهور كون هذا الزمان الذي بادر فيه الى ان مات لا يسع الحج ولا يصح وقوع التكليف فيه لذلك ، فهو راجع الى هذه المسألة ، مع ان ظواهر الأخبار ـ وبه قال الشيخان

٣١٣

وغيرهما ـ هو وجوب القضاء ، وهم انما منعوا القضاء استنادا الى هذه القاعدة العقلية مع ان النصوص على خلافها واضحة جلية ، وهو مؤيد لما ذكرناه من عدم جواز الاعتماد على هذه القواعد الأصولية وانما المدار على النصوص المعصومية والسنة النبوية وان كان المشهور بينهم تقديم الأدلة العقلية على الأدلة السمعية كما نقلناه في مقدمات الكتاب. والله الهادي إلى جادة الصواب.

وقال الشهيد في الذكرى : وحكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى أداء طول العمر لا بمعنى التوسعة فإن الظاهر كون الأمر هنا على الفور بل على معنى نية الأداء وان أخل بالفورية لعذر أو غيره. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وما ذكره أحوط وان أمكن المناقشة فيه بانتفاء ما يدل على الفورية هنا على الخصوص ، والأمر المطلق لا يقتضي الفورية كما بيناه مرارا. انتهى.

أقول : والتحقيق ان النزاع في كونها تصلى بنية الأداء أو القضاء لا ثمرة فيه لعدم قيام دليل على ذلك كما سلف مرارا في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة وغيره ، وأما الفورية فالأمر فيها على ما ذكره السيد السند (قدس‌سره) والله العالم.

المسألة الخامسة ـ لو لم يعلم بالآية المخوفة إلا بعد انقضائها لم يجب القضاء إلا في الكسوف إذا احترق القرص كله ، وأما مع العلم فان ترك عامدا أو ناسيا وجب القضاء ، فههنا مقامات ثلاثة :

المقام الأول ـ ان لا يعلم بتلك الآية المخوفة التي هي غير الكسوف إلا بعد انقضائها وخروج وقتها ، والظاهر انه لا خلاف في سقوط القضاء.

قال في المدارك بعد ذكر الحكم المذكور : وهذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ثم قال ويدل عليه ما أسلفناه مرارا من ان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل وبدونه يكون منفيا بالأصل ، وتشهد له الروايات المتضمنة لسقوط

٣١٤

القضاء في الكسوف إذا لم يستوعب الاحتراق (١) مع انه أقوى للإجماع على انه موجب للصلاة واستفاضة النصوص به. انتهى.

أقول : ما ذكره من الدليل الأول جيد ، واما الاستشهاد بالروايات التي ذكرها بالتقريب المذكور فلا يخفى ما فيه كما قدمناه في غير مقام من ان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات عليل.

واحتمل شيخنا الشهيد الثاني في الروض وجوب القضاء هنا لوجود السبب وعموم قوله (عليه‌السلام) (٢) «من فاتته فريضة.».

قال في المدارك : وهو ضعيف لان السبب انما وجد في الأداء خاصة وقد سقط بفوات محله ، والفريضة لا عموم فيها بحيث يتناول موضع النزاع بل المتبادر منها اليومية أقول : قد عرفت مما قدمنا تحقيقه ان الظاهر من إطلاق الأخبار بالنسبة إلى جملة الآيات حتى الكسوفين انما هو السببية دون التوقيت وان كلامهم هنا والتعبير بالأداء والقضاء مشعر بالتوقيت ، فمن المحتمل قريبا ان يكون مراد شيخنا الشهيد الثاني بالقضاء هنا مجرد الفعل وان هذه الآيات من قبيل الأسباب لا الأوقات كما يشير اليه قوله «لوجود السبب» وحاصل كلامه انه متى وجد السبب ثبت الفعل لعين ما ذكروه في الزلزلة. وبالجملة فإنه على تقدير القول بأنها أسباب كما هو ظاهر إطلاق الأخبار فإنه تجب الصلاة مطلقا من غير تقييد بوقت لوجود السبب ، إلا ان دليله الثاني ربما نافر ما قلناه. وكيف كان فما ذكرناه جيد بالنظر الى الأخبار واما بالنظر الى كلامهم وهو الذي بنى الإيراد عليه في المدارك فالأمر فيه كما ذكره. وأما منع العموم في الفريضة ودعوى تبادر اليومية فلا يخلو من الإشكال.

وقال في المدارك في شرح قول المصنف وفي غير الكسوف لا يجب القضاء :

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من صلاة الكسوف.

(٢) هذا مضمون ما دل على وجوب القضاء وقد ورد في الوسائل في الباب ١ و ٢ و ٦ من قضاء الصلوات.

٣١٥

واعلم انه ليس في العبارة دلالة على حكم صلاة الزلزلة إذا لم يعلم المكلف بحصولها حتى انقضت ، وقد صرح العلامة في التذكرة بسقوطها فقال : أما جاهل غير الكسوف مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة فالوجه سقوطها عنه عملا بالأصل السالم من المعارض. وهو غير بعيد وان كان الإتيان بالصلاة هنا أحوط. انتهى.

أقول : ما ذكره ـ من انه ليس في العبارة دلالة على حكم صلاة الزلزلة ـ فيه ان إطلاق العبارة وقوله «غير الكسوف» شامل للزلزلة كغيرها ، والعبارة ظاهرة بالنظر الى ما قلناه في سقوط القضاء مع الجهل بالزلزلة ، ولا فرق بين هذه العبارة وما نقله عن العلامة في التذكرة إلا باعتبار الإتيان بالأمثلة لهذا الإطلاق في عبارة العلامة وعدم الإتيان بها في هذه العبارة ، بل عبارة العلامة وتمثيله بهذه الأشياء قرينة ظاهرة في العموم كما ادعيناه ، إذ لو لم تكن العبارة بمقتضى إطلاقها عامة لما صح التمثيل.

وفي الذخيرة اعترض كلام التذكرة هنا فقال : وفيه نظر لأن المعارض موجود وهو عموم ما دل على وجوب الصلاة للزلزلة من غير توقيت ولا تقييد بالعلم المقارن لحصولها ، ولهذا قال في النهاية : ويحتمل في الزلزلة قويا الإتيان بها لان وقتها العمر. انتهى كلامه.

أقول : فيه ان ما ذكره من هذه المعارضة في الزلزلة جار أيضا في غيرها ، فإن أدلة الآيات والأخبار الواردة بها كذلك مطلقة غير مقيدة بوقت ولا بالعلم المقارن لحصولها مثل قولهما (عليهما‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم وبريد (١) «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة». وما تقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي وغيرها مما هو مطلق كما ذكرناه ، فالواجب عليه حينئذ القول بوجوب القضاء في جميع الآيات بالتقريب الذي ذكره.

وبالجملة فإن كلماتهم في هذه المقامات لا تخلو من التشويش والاضطراب

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من صلاة الكسوف.

٣١٦

والتحقيق كما عرفته انه ان قلنا بالتوقيت وان هذه الآيات من قبيل الأوقات اتجه ما ذكروه هنا من سقوط القضاء مطلقا في الزلزلة وغيرها ، إلا أن تستثنى الزلزلة من ذلك بناء على ظاهر اتفاقهم على الخروج من قاعدة التوقيت فيها كما عرفت ، وان قلنا فيها بالسببية كما هو ظاهر إطلاق الأخبار فالواجب هو الصلاة متى حصلت الآية ولفظ الأداء والقضاء في كلامهم هنا لا معنى له بناء على ذلك ، لكن توجه الخطاب الى الجاهل بعد العلم لا يخلو من اشكال. والله العالم.

المقام الثاني ـ ان لا يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت وزال السبب ، والحكم فيه انه ان لم يستوعب الاحتراق فالحكم فيه كما تقدم من عدم القضاء وان احترق القرص كله وجب القضاء.

قال في المدارك : هذا قول معظم الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل قال في التذكرة انه مذهب الأصحاب عدا المفيد (قدس‌سره) انتهى.

أقول : تخصيص الخلاف بالشيخ المفيد مؤذن بعدم المخالف سواه والحال ان الخلاف في ذلك منقول عن جمع من مشاهير المتقدمين : منهم ـ الشيخ على ابن بابويه في الرسالة وابنه في المقنع والسيد المرتضى في الجمل وأجوبة المسائل المصرية وأبو الصلاح.

قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة : إذا احترق القرص كله ولم تكن علمت به حتى أصبحت صليت صلاة الكسوف جماعة ، وان احترق بعضه ولم تعلم به حتى أصبحت صليت القضاء فرادى. قال في المدارك : ولم نقف لهذا التفصيل على مستند. انتهى.

وقال الشيخ على بن بابويه (نور الله ضريحه) على ما نقله عنه في الذكرى بعد نقل كلام الشيخ المفيد المذكور : إذا انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم فعليك ان تصليها إذا علمت به ، وان تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصلها ، وان لم يحترق كله فاقضها ولا تغتسل. ثم قال في الذكرى : وكذا قال ابنه في المقنع. ثم قال

٣١٧

(قدس‌سره) وظاهر هؤلاء وجوب القضاء على الجاهل وان لم يحترق جميع القرص ولعله لرواية لم نقف عليها. ومثل ذلك نقل في المختلف عن المرتضى وابى الصلاح

وتحقيق الكلام هنا يقع في موضعين الأول ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم وجوب القضاء على الجاهل بالكسوف إلا مع الاحتراق فإنه يجب ، وذهب هؤلاء الفضلاء الى القضاء مع عدم احتراق القرص كله ، وقد اعترضهم جملة ممن تأخر عنهم بعدم الوقوف على دليله بل دلالة الأخبار على خلافه وفيه ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من الدليل على القول المذكور.

والذي يدل على ما هو المشهور من وجوب القضاء مع الاحتراق كملا وعدمه مع عدمه ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلك فعليك القضاء وان لم يحترق كلها فليس عليك قضاء».

قال في الكافي (٢) بعد نقل هذه الرواية : وفي رواية أخرى «إذا علم بالكسوف ونسي ان يصلى فعليه القضاء وان لم يعلم به فلا قضاء عليه هذا إذا لم يحترق كله».

وما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار في الصحيح (٣) «انهما قالا قلنا لأبي جعفر (عليه‌السلام) أيقضى صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟ قال ان كان القرصان احترقا كلهما قضيت وان كان انما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه».

وما رواه الشيخ عن حريز (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا انكسف القمر ولم تعلم به حتى أصبحت ثم بلغك فان كان احترق كله فعليك القضاء وان لم يكن احترق كله فلا قضاء عليك».

واما ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٥) ـ قال «انكسفت الشمس وانا في الحمام فعلمت بعد ما خرجت فلم اقض».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من صلاة الكسوف.

٣١٨

وعن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء ، وقد كان في أيدينا انها تقضى».

وعن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) في الصحيح (٢) قال : «سألته عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال إذا فاتتك فليس عليك قضاء».

ورواها على بن جعفر في كتاب المسائل والحميري في قرب الاسناد عنه عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) وابن إدريس في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) (٤).

وما رواه الشيخ عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل ان يصلى فليغتسل من غد وليقض الصلاة وان لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل» ـ.

فهي محمولة على ما تقدم من التفصيل في الروايات المتقدمة ، فاما الثلاث الأول فهي محمولة على عدم استيعاب الاحتراق القرص والرابعة على الاستيعاب.

واما ما يدل على القول الآخر فهو ما وقفت عليه في كتاب الفقه الرضوي ولا يخفى ان عبارة الشيخ على بن بابويه التي ذكرها في الذكرى كما قدمنا ذكره ومثله العلامة في المختلف عين عبارة الفقه الرضوي ، وبه يظهر ان دليله في المسألة انما هو الكتاب المذكور على ما عرفت سابقا في غير مقام وستعرف أمثاله ان شاء الله تعالى في جملة من الأحكام.

إلا ان كلامه (عليه‌السلام) في الكتاب في هذا المقام غير خال من الإشكال ، وذلك فإنه (عليه‌السلام) صرح قبل هذه العبارة بيسير بما يدل على عدم القضاء في الصورة المذكورة وهذه العبارة التي نقلوها عن الشيخ على بن بابويه قبلها كلام يمكن ارتباطها به وبه تنتفي دلالتها على ما ذكروه.

وها أنا أسوق لك عبارة الكتاب المتعلقة بالمقام قال (عليه‌السلام) (٦) : وان علمت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من صلاة الكسوف.

(٦) ص ١٢.

٣١٩

بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة فاقض متى شئت ، وان أنت لم تعلم بالكسوف في وقته ثم علمت بعد ذلك فلا شي‌ء عليك ولا قضاء. ثم ذكر (عليه‌السلام) كلاما آخر أجنبيا لا تعلق له بالمسألة الى ان قال : وإذا احترق القرص كله فاغتسل ، وان انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك ان تصليها إذا علمت ، فان تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصل ، وان لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل. انتهى.

وصدر كلامه (عليه‌السلام) كما ترى ظاهر في عدم القضاء مع عدم العلم ، وهو وان كان مطلقا بالنسبة إلى الاحتراق وعدمه إلا انه يجب حمله على عدم الاحتراق بقرينة العبارة الأخيرة ، والظاهر ان معنى العبارة الثانية هو انه متى احترق القرص كله فعليه الغسل وانه مع الانكساف في صورة الاحتراق وعدم العلم عليه القضاء متى علم ، وان علم وتركها حينئذ متعمدا مع الاحتراق حتى يصبح اغتسل وصلى ، وان تركها عمدا والحال انه لم يحترق القرص فعليه القضاء بغير غسل ، وحينئذ فقوله : «وان لم يحترق القرص» راجع الى الترك عمدا يعنى ان الترك عمدا موجب للقضاء لكن مع الاحتراق يضم اليه الغسل ومع عدم الاحتراق لا يضم اليه.

وعلى هذا فلا منافاة في العبارة لما تقدم من كلامه (عليه‌السلام) ولا دلالة فيها على ما نقلوه عن ابن بابويه ، لان صدر العبارة التي نقلوها مبنى على قوله (عليه‌السلام) قبل ذلك «وإذا احترق القرص كله فاغتسل» وهم لم ينقلوا عن ابن بابويه هذه الجملة المتقدمة ومن حذفها نشأ الإشكال ، ولو اعتبر انقطاع العبارة عن هذه الجملة المتقدمة كما هو ظاهر نقلهم للزم المنافاة والمناقضة في كلامه (عليه‌السلام) لان صدر هذا الكلام الذي نقلوه يدل بظاهره على وجوب القضاء مع عدم العلم احترق أم لم يحترق ، والكلام الأول الذي نقلناه يدل على عدم وجوب القضاء في صورة الجهل احترق أو لم يحترق ، والجمع بين الكلامين لا يتم إلا بما ذكرناه من ارتباط هذه الجملة بالعبارة التي نقلوها.

ولا أدرى ان حذف هذه الجملة وقع من الشيخ المذكور أو ممن نقل عنه حيث اقتطع هذه العبارة من كلامه بناء على ظن استقلالها وتمامها كما يتراءى في بادئ النظر

٣٢٠