الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

بالصحة كما أشرنا إليه في الأبحاث المتقدمة.

ومنها ـ موثقة عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «التكبير واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق».

ومنها ـ صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن التكبير أيام التشريق أواجب هو؟ قال يستحب وان نسي فلا شي‌ء عليه. الحديث».

ومنها ـ صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٤) قال هي أيام التشريق كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهم كان ابى يفعل كذا وكذا فقال الله عزوجل (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ) ـ (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (٥) قال والتكبير : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام».

وجملة من الأخبار انما تضمن السؤال عنه أو بيان كيفيته من غير اشعار بوجوب أو استحباب.

وأنت خبير بأنه وان كان ظاهر ما عدا صحيحة على بن جعفر من هذه الأخبار هو الوجوب إلا ان ظاهر الصحيحة المذكورة بل صريحها هو الاستحباب لانه لا مجال للتأويل هنا في لفظ الاستحباب فيها فيجب حمل ما عداها من الأخبار عليها ، وكذلك الآية المذكورة في حسنة محمد بن مسلم وصحيحة منصور.

ومما يؤيد القول بالاستحباب صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٦) قال : «سألته عن التكبير بعد كل صلاة فقال كم شئت انه ليس شي‌ء

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد.

(٢) الوسائل الباب ٢١ و ٢٣ من صلاة العيد.

(٤) سورة البقرة الآية ١٩٩.

(٥) سورة البقرة الآية ١٩٦ «فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ ...».

(٦) الوسائل الباب ٢٤ من صلاة العيد.

٢٨١

موقت. يعني في الكلام». وظاهر هذه الرواية العموم لكل من تكبير الفطر والأضحى

وأظهر منه قوله في هذا الحديث على ما نقله في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي بسند صحيح ايضا (١) عوض هذه العبارة قال : «كم شئت انه ليس بمفروض» ويشعر به ايضا قوله (عليه‌السلام) في موثقة عمار المتقدمة (٢) «واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة». مع دلالة رواية داود بن فرقد (٣) على انه ليس في النافلة تكبير. والله العالم.

الثالث ـ في كيفيته وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال ابن ابى عقيل ان كيفيته : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله ما أولانا. ولم يذكر تكبير الفطر.

وقال ابن الجنيد في كيفية تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا. وفي الأضحى الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام والحمد لله على ما أولانا.

وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٤) عن على (عليه‌السلام) انه كان يقول في دبر كل صلاة في عيد الأضحى : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ولم يذكر تكبير الفطر. وفي المقنع (٥) في صفة تكبير الأضحى : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد والله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من صلاة العيد.

(٢) ص ٢٨١.

(٣) ص ٢٨٨.

(٤) ج ١ ص ٣٠٨ وفي الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ١٧ من صلاة العيد.

٢٨٢

وقال الشيخ المفيد في تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الانعام.

وقال الشيخ في النهاية في صفة تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى كذلك إلا انه يزيد فيه «ورزقنا من بهيمة الانعام» وكذلك في المبسوط.

وقال في الخلاف : صفة التكبير ان يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ولم يفصل بين العيدين.

هذا ما وقفت عليه من الأقوال المنقولة في المختلف ، وأقوال من تأخر عنه أيضا مختلفة في ذلك كما لا يخفى على من راجعها.

واما الاخبار الواردة في ذلك فاما بالنسبة إلى عيد الفطر فالذي وقفت عليه ما تقدم في رواية الأعمش المنقولة من كتاب الخصال ورواية سعيد النقاش (١).

والذي في الأولى : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا.

والذي في الثانية برواية الصدوق (٢) مثل هذه الرواية ، وأما برواية الكليني والشيخ عنه (٣) فإنهما أسقطا قوله في آخر الرواية : «والحمد لله على ما أبلانا» كما أشرنا إليه آنفا.

وروى في كتاب الإقبال (٤) قال : روينا بإسنادنا الى ابى محمد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده إلى معاوية بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ان في الفطر تكبيرا. قلت متى؟ قال في المغرب ليلة الفطر والعشاء وصلاة الفجر وصلاة العيد ثم ينقطع وهو قول الله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) (٥) والتكبير

__________________

(١) ص ٢٧٧ و ٢٧٨.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة العيد.

(٤) ص ٢٧١.

(٥) سورة البقرة الآية ١٨١.

٢٨٣

ان يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا.

أقول : وهذه كيفية أخرى أيضا. والعمل بالصورة التي اتفقت عليها رواية الأعمش ورواية النقاش بناء على نقل الصدوق لها هو الأحوط وان كان القول بالتخيير بين ما ورد هو الوجه في الجمع بين الأخبار.

وأنت خبير بان ما قدمنا نقله عن ابن الجنيد والشيخ المفيد وكذلك الشيخ في النهاية والمبسوط من صورة تكبير الفطر مع اختلافه لا ينطبق شي‌ء منه على ما دل عليه الخبران المذكوران ، وحمله على وصول اخبار لهم مما ذكره كل منهم مع عدم وصول شي‌ء منها لنا وان أمكن لكنه بعيد ، وأبعد منه أن يكون ما قاله كل منهم عن اجتهاد في المسألة إذ لا مسرح للاجتهاد في مثل ذلك.

واما بالنسبة إلى عيد الأضحى فالأخبار فيه أشد اختلافا وأبعد ائتلافا ، قال في المدارك : واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية التكبير في الأضحى والأجود العمل بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «والتكبير ان يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا». انتهى.

أقول : لا أعرف لهذه الاجودية وجها إلا من حيث صحة سند هذه الرواية باصطلاحه ، وقد عرفت ان صحيحة منصور بن حازم المتقدمة (٢) قد تضمنت التكبير في الأضحى بوجه آخر ، وفي صحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم الذي قدمنا قريبا عنه عد حديثه في الحسن عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) «يقول فيه : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام». وهذه أيضا كيفية ثالثة.

وبذلك يظهر لك انه لا وجه لهذه إلا جودية وترجيح تلك الرواية لأجلها

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد.

(٢) ص ٢٨١.

٢٨٤

إلا من حيث غفلته وقت التصنيف عن هاتين الروايتين كما يشعر به قوله في رواية النقاش «انه لم يقف في تلك المسألة إلا عليها» مع وجود الأخبار التي ذكرناها ثمة.

ثم ان في صحيحة على بن جعفر المروية في كتابه وهي مروية في كتاب قرب الاسناد (١) عن أخيه (عليه‌السلام) قال : «تقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام».

وهذه الكيفية مطابقة لما ورد في صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة (٢). وفي رواية الأعمش المنقولة من كتاب الخصال التي قدمنا ذكرها في تكبير الفطر (٣) قال في آخرها. «وبالأضحى في الأمصار في دبر عشر صلوات. الى ان قال ويزاد في هذا التكبير : والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام». وهذه أيضا كيفية رابعة

وما يأتي نقله من كتاب الفقه الرضوي وهي كيفية خامسة أيضا. والعمل بكل ما ورد حسن ان شاء الله تعالى.

فائدة

قد تقدم في كلام ابن الجنيد ذكر التكبير في صدر التكبير المسنون في الأضحى ثلاث مرات والموجود في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا في الاخبار انما هو مرتان ، وأخبار المسألة على كثرتها وتعددها في الكتب الأربعة وغيرها لم تشتمل إلا على المرتين ، قال المحقق في الشرائع بعد قوله الله أكبر مرتين : وفي الثالثة تردد. والظاهر انه اشارة الى ما نقلناه عن ابن الجنيد كما تقدم تصريحه به في عبارته المتقدمة. وكيف كان فإنه لا وجه لهذا التردد بمجرد وجود القائل بذلك مع عدم وجود ما يدل عليه من الاخبار ، اللهم إلا أن يكون وصل اليه دليل لم يصل إلينا وهو بعيد.

الرابع ـ ما تقدم نقله عن الصدوق من زيادة فريضتين على الأربع المشهورة

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد.

(٢) ص ٢٨٤.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة العيد.

٢٨٥

قد صرح به في المقنع حيث قال بأنه عقيب ست صلوات اخيرتها صلاة العصر يوم الفطر. والأصحاب لم يذكروا له مستندا بل صرح الشهيد في الذكرى بعدم وقوفه على مأخذه.

قال بعض الأصحاب بعد نقل ذلك من الذكرى : الظاهر ان مأخذه ما أشار إليه في الفقيه عند نقل رواية سعيد (١) حيث قال : وفي غير رواية سعيد وفي الظهر والعصر

أقول : بل الظاهر ان مأخذه انما هو كتاب الفقه الرضوي الذي قد عرفت في غير مقام مما تقدم اعتماده وكذا أبوه في الرسالة على أخذ عبارات هذا الكتاب والإفتاء بها.

قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (٢) «وكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة والغداة وصلاة العيد والظهر والعصر كما تكبر أيام التشريق : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا وأبلانا والحمد لله بكرة وأصيلا».

وقد تقدم (٣) في رواية الأعمش المنقولة من الخصال انه في خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر. والظاهر ان مراده بالخمس مع لزوم كونها ستا يعنى من اليومية فلا ينافي كونها ستا مع صلاة العيد.

ويشير الى هذا القول ايضا ما رواه في عيون الأخبار في حديث عن الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (٤) في كتابه إلى المأمون «والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر». وإجمال هذه الرواية يعلم من رواية الخصال.

ويدل على هذا القول ايضا ما رواه العياشي في تفسيره عن سعيد ، والظاهر انه النقاش المتقدم حيث نقل عنه تلك الرواية المتقدمة في تفسيره (٥) ثم قال وعن

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة العيد.

(٢) ص ٢٥.

(٣) ص ٢٧٧.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ١٦ من صلاة العيد.

٢٨٦

سعيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان في الفطر تكبيرا. قال قلت ما تكبير إلا في يوم النحر؟ قال فيه تكبير ولكنه مسنون : في المغرب والعشاء والفجر والظهر والعصر وركعتي العيد».

وبذلك يظهر لك ما في كلام من رد على الصدوق هنا بعدم وجود المستند ، لعدم إعطاء التأمل حقه في تتبع الأخبار.

ولم أقف على من تعرض للجواب عن هذه الأخبار حيث ان الأكثر كما عرفت لم يطلعوا عليها بالكلية ، وغاية ما أجاب به بعض محققي متأخري المتأخرين بعد أن ذكر رواية الأعمش المنقولة في الخصال ان قال : ولا يخفى ان الاستناد الى ما هو المنجبر بعمل الأصحاب والمروي في الكتب الأربعة أولى. ولا يخفى ما فيه سيما بعد ما عرفت من تعدد الرواية بذلك.

واما ما ذكره ابن الجنيد من ضم النوافل فإن العلامة في المختلف نقل عنه القول بالوجوب عقيب الفرائض المذكورة والاستحباب عقيب النوافل ، ونقل عنه انه احتج بأنه تكبير مستحب وذكر مندوب اليه فيكون مشروعا ، ثم أجاب عنه بما حاصله انا نسلم ان التكبير مستحب لكن من حيث انه تكبير اما من حيث انه تكبير العيد فمنع مشروعيته.

وظاهره في المنتهى إنكار القول المذكور ونسبه للشافعي (٢) ونقل استدلاله عليه بما نقله في المختلف عن ابن الجنيد ثم رده بمثل ما رده في المختلف.

أقول : لا يخفى ان جملة من الروايات قد صرحت بالاستحباب بعد النوافل مثل

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٦ من صلاة العيد.

(٢) في المهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ١٢٢ «وهل يكبر خلف النوافل؟ فيه طريقان ، من أصحابنا من قال يكبر قولا واحدا لأنها صلاة راتبة فأشبهت الفرائض ، ومنهم من قال لا يكبر لان النفل تابع للفرض والتابع لا يكون له تبع» وفي الأم ج ١ ص ٢١٤ «ويكبر خلف النوافل وخلف الفرائض وعلى كل حال» وفي المغني ج ٢ ص ٣٩٥ «وقال الشافعي يكبر عقيب كل صلاة فريضة كانت أو نافلة منفردا صلاها أو في جماعة».

٢٨٧

ما في صحيحة على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير؟ قال نعم وان نسي فلا بأس».

وفي موثقة عمار المتقدمة في الموضع الثاني (٢) «واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق».

وفي رواية حفص بن غياث بإسناده الى على (عليه‌السلام) الآتية قريبا ان شاء الله تعالى (٣) «وعلى من صلى تطوعا».

إلا ان في صحيحة داود بن فرقد (٤) ـ قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) التكبير في كل فريضة وليس في النافلة تكبير أيام التشريق».

ـ ما يدل على نفى ذلك. والجمع بين هذه الصحيحة والروايات المتقدمة لا يخلو من اشكال إلا ان يحمل هذه الصحيحة على نفى الوجوب والأخبار المتقدمة على تأكيد الاستحباب إلا ان ذلك لا يوافق مراد الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث أن التكبير عندهم بعد الفريضة أو النافلة انما هو على جهة الاستحباب وبموجبه يكون النفي في الصحيحة المذكورة متوجها الى نفى التوظيف مطلقا وان كان ما ذكرناه من الجمع موافقا لما نقله في المختلف عن ابن الجنيد. وجملة من أصحابنا نقلوا الأخبار المذكورة مع ما هي عليه من التعارض ولم يتعرضوا لوجه الجمع بينها.

وبالجملة فالظاهر من الأخبار هو ما ذكره ابن الجنيد من الاستحباب عقيب النافلة ، وحينئذ يحمل النفي في صحيحة داود بن فرقد على نفى تأكد الاستحباب مثل الفريضة. وأما على القول المشهور من تخصيص الاستحباب بالفريضة فيشكل الجمع بين أخبار المسألة كما عرفت.

هذا ، والظاهر الاستحباب في هذا التكبير للرجال والنساء والمصلي جماعة

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من صلاة العيد عن كتاب على بن جعفر.

(٢) ص ٢٨١.

(٣) ص ٢٨٩.

(٤) الوسائل الباب ٢٥ من صلاة العيد.

٢٨٨

أو منفردا ، قال في الذكرى : هذا التكبير مستحب للمنفرد والجامع والحاضر والمسافر والبلدي والقروي والذكر والأنثى والحر والعبد للعموم. انتهى. وهو كذلك.

ومن الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «قال على (عليه‌السلام) على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر الصلوات وعلى من صلى وحده وعلى من صلى تطوعا».

وعن على بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق؟ قال نعم ولا يجهرن. قال : وسألته عن الرجل يصلى وحده أيام التشريق هل عليه تكبير؟ قال نعم وان نسي فلا بأس. قال : وسألته عن التكبير أيام التشريق هل يرفع فيه اليدين أم لا؟ قال يرفع يده شيئا أو يحركها». وروى هذا الخبر بكماله الحميري في قرب الإسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) في الصحيح مثله (٣).

ولو نسيه حتى قام من موضعه سقط الإتيان به لما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل ينسى أن يكبر أيام التشريق قال ان نسي حتى قام من موضعه فليس عليه شي‌ء».

الخامس ـ المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) بحيث لم يظهر فيه مخالف ان أول التكبير في الأضحى ظهر يوم النحر الى تمام خمس عشرة صلاة وهو غداة اليوم الثالث عشر لمن كان بمنى ناسكا أو غير ناسك ، وعشر صلوات اخيرتها غداة اليوم الثاني عشر لمن كان من أهل الأمصار أو نفر اليوم الثاني عشر من منى.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة العيد.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة العيد عن كتاب على بن جعفر والسؤال الأول نقله من التهذيب أيضا في نفس الباب رقم (١).

(٤) التهذيب ج ١ ص ٥٢٣ وفي الوسائل الباب ٢٣ من صلاة العيد.

٢٨٩

قال بعض محققي متأخري المتأخرين : هذا مما تفردنا به ايضا ولم يقل به أحد من العامة ، فإن أحدا منهم لم يفرق بين من بمنى ومن بغيرها (١) ومع هذا أوله عند أكثرهم من صلاة الفجر يوم عرفة وآخره عند الشافعي وجماعة العصر من آخر أيام التشريق ، وعند أبي حنيفة وجمع منهم العصر من يوم النحر ، وفي قول آخر للشافعي يكبر من المغرب ليلة النحر الى الصبح من آخر أيام التشريق ، وقال جمع منهم من الظهر يوم النحر الى الظهر من يوم النفر ، ولهم أقوال أخر شاذة (٢) انتهى.

وبالجملة فإن المتفق عليه عندنا هو تحديد الوقت أولا وآخرا بما قدمنا ذكره إلا ان بعض الأخبار الواردة في المسألة ربما ظهر منه المنافاة فلا بأس ببسط أخبار المسألة الواردة في ذلك عنهم (عليهم‌السلام) ما كان موافقا أو مخالفا ليحصل به الوقوف على ما تضمنته من الأحكام فلا نحتاج إلى إعادته في كتاب الحج وان كان هو الأنسب بالمقام فنقول :

من الأخبار الواردة في ذلك ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة (٣) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) التكبير أيام التشريق في دبر الصلوات؟ فقال التكبير بمنى في دبر خمس عشرة صلاة وفي سائر الأمصار في دبر عشر صلوات ، وأول التكبير في دبر صلاة الظهر يوم النحر يقول فيه : الله أكبر. إلى آخر ما تقدم في الموضع الثالث. ثم قال (عليه‌السلام) وانما جعل في سائر الأمصار في دبر عشر صلوات لأنه إذا نفر الناس في النفر الأول أمسك أهل

__________________

(١) في عمدة القارئ ج ٣ ص ٣٨٣ «حكى ابن المنذر عن ابن عيينة واستحسنه احمد ان أهل منى يبدأون من ظهر يوم النحر وأهل الأمصار من صبح يوم عرفة واليه مال أبو ثور».

(٢) المغني ج ٢ ص ٣٩٣ وفتح الباري ج ٢ ص ٣١٦ وعمدة القارئ ج ٣ ص ٣٨٣.

(٣) الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد. والرواية عن ابى جعفر (عليه‌السلام) كما في الفروع ج ١ ص ٣٠٦ والتهذيب ج ١ باب الرجوع الى منى والوافي باب التكبير في العيدين ، إلا انها في الوسائل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام).

٢٩٠

الأمصار عن التكبير وكبر أهل منى ما داموا بمنى الى النفر الأخير».

وما رواه ثقة الإسلام (عطر الله مرقده) في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٢) قال التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث وفي الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليكبر».

وهذه الرواية قد دلت على انه من أقام بمنى في اليوم الثالث عشر وصلى بها الظهر والعصر فليكبر ، وفيه زيادة فريضتين هي الظهر والعصر على الخمس عشرة المحدودة

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «التكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق ان أنت أقمت بمنى وان أنت خرجت فليس عليك التكبير ، والتكبير ان يقول الله أكبر. الحديث». وقد تقدم في الموضع الثالث في كلام صاحب المدارك.

وهذه الرواية بهذه الصورة في الكافي (٤) والظاهر ان لفظ «الظهر» الأخير تحريف الفجر كما هو الموجود في التهذيب (٥) ولهذا ان صاحب الوافي إنما نقلها (٦) برواية التهذيب ، وعليه فلا إشكال في الخبر المذكور.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد. وقوله «فإذا نفر الناس النفر الأول» مطابق لرواية التهذيب ج ١ ص ٥٢٣ عن الكليني ، وفي الفروع ج ١ ص ٣٠٦ «فإذا نفر بعد الأولى».

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٩.

(٣) الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد.

(٤) الموجود في الكافي ج ١ ص ٣٠٦ هكذا «الى صلاة العصر من آخر أيام التشريق» وكذا في الوسائل.

(٥) ج ١ ص ٥٢٣.

(٦) في باب التكبير أيام التشريق من أفعال العمرة والحج.

٢٩١

وما رواه الشيخ في التهذيب عن غيلان (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن التكبير في أيام الحج من أى يوم يبتدئ به وفي أي يوم يقطعه؟ وهو بمنى وسائر الأمصار سواء أو بمنى أكثر؟ فقال التكبير بمنى يوم النحر عقيب صلاة الظهر إلى صلاة الغداة من يوم النفر فإن أقام الظهر كبر وان أقام العصر كبر وان أقام المغرب لم يكبر ، والتكبير بالأمصار يوم عرفة صلاة الغداة إلى النفر الأول صلاة الظهر وهو وسط أيام التشريق».

وهذه الرواية فيها من الإشكال مثل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم من زيادة فريضتين.

قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين في الجواب عن الخبرين المذكورين : يحتمل أن يكون المرادان من نفر في النفر الأول من غير أن يصلى الظهرين بمنى فاخيرتها الفجر ، وان أقام الى أن صلاهما فليكبر بعدهما ايضا ولا سيما إذا كان مراده البيتوتة الأخيرة. ويحتمل أن يكون هذا في النفر الأخير أي من لم ينفر في الأخير إلى صلاة الظهرين فليكبر بعدهما ايضا إما تقية لكونه مذهب جمع منهم واما لاستحبابه بالنسبة الى هذا واقعا. انتهى.

أقول : والظاهر هو الحمل على التقية كما أشار إليه (قدس‌سره) فإنه لا وجه لهذه المخالفة مع اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحكم المذكور سلفا وخلفا كما تقدمت الإشارة إليه المعتضد بالأخبار الكثيرة إلا التقية ويؤيده التتمة التي في رواية غيلان «والتكبير بالأمصار يوم عرفة. الى آخره» فإنه موافق لمذهب جمع من العامة (٢) ولهذا ان الشيخ (قدس‌سره) قال في الجواب عن هذا الخبر انه موافق للعامة ولسنا نعمل به.

السادس ـ قال بعض المحققين من مشايخنا من متأخري المتأخرين : واعلم ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد.

(٢) ارجع الى التعليقة ١ ص ٢٩٠.

٢٩٢

ظاهر ما رواه الصدوق عن على (عليه‌السلام) «انه كان إذا صلى كل صلاة يبدأ بهذا التكبير». أى مقدما على سائر التعقيب (١) وكذا يظهر من ما مر من تكبير على (عليه‌السلام) في أول خطبته (٢) وكذا من ما نقل من حكاية الرضا (عليه‌السلام) من انه حين ما خرج من بيته نادى بالتكبير وكلما مشى عشر خطوات وقف فنادى بالتكبير (٣) وكذا يظهر من غيرهما ايضا عدم اختصاص هذا التكبير بتعقيب الصلاة بل الظاهر استحبابه في ذينك الوقتين ايضا ولا سيما وقت الذهاب الى المصلى. انتهى.

ولا يخفى ما فيه فإنه وان أمكن احتماله إلا ان ظواهر الأخبار تعطي ان التكبير الذي وقع الاختلاف في كيفيته نصا وفتوى انما هو التكبير المخصوص بأعقاب الصلوات ، وقد تقدم ان من جملة أحكامه انه متى نسيه حتى قام من مكانه فلا قضاء عليه ، ولو كان التكبير المذكور انما هو الموقت كما زعمه (قدس‌سره) لما حسن نفى القضاء مع بقاء الوقت ، ومثله نفى البأس عن من نسي وقد صلى وحده كما تقدم في صحيحة على بن جعفر (٤) فإنه لو كان الاستحباب لهذا الوقت لما حسن نفى البأس عن من نسيه دبر الصلاة الى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه كما لا يخفى على المتأمل. وجميع ما عده من المواضع المشتملة على تكبيرهم (عليهم‌السلام) فالظاهر أنها وظائف أخر ومستحبات على حدة كما لا يخفى ، خصوصا مع عدم انطباق التكبير في هذه المواضع التي ذكرها على شي‌ء من الكيفيات الواردة في الأخبار المتضمنة لكيفية ذلك التكبير المخصوص وتفسيره ما في الآية الشريفة بهذه الكيفية الواردة عقيب الصلوات. والله العالم.

ومنها ـ كراهة التنفل قبلها وبعدها الى الزوال إلا بمسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه يصلى فيه ركعتين قبل خروجه الى المصلى.

والأصل في ذلك الأخبار المتكاثرة وقد مر طرف منها ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «صلاة العيدين مع

__________________

(١ و ٢) الفقيه ج ١ ص ٣٢٨.

(٣) ص ٢٦٨.

(٤) ص ٢٨٩.

(٥) الوسائل الباب ١ من صلاة العيد.

٢٩٣

الإمام سنة وليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم الى الزوال».

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «صلاة العيدين ركعتان بلا أذان ولا اقامة ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء».

وفي صحيحة حريز المروية في التهذيب عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تقض وتر ليلتك ان كان فاتك حتى تصلى الزوال في يوم العيدين». وفي الفقيه رواها عن حريز عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٣).

وروى الشيخ في التهذيب عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «صلاة العيدين مع الإمام سنة وليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم الى الزوال فان فاتك الوتر في ليلتك قضيته بعد الزوال». ومطلق هذه الأخبار يحمل على مقيدها.

وروى الشيخان ثقة الإسلام والصدوق (عطر الله مرقديهما) في الكافي والفقيه عن محمد بن الفضل الهاشمي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا بالمدينة قال تصلى في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في العيد قبل أن يخرج الى المصلى ليس ذلك إلا بالمدينة لأن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فعله».

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع (أحدها) ان المشهور كما عرفت هو الكراهة ونقل في الذكرى عن ابن زهرة وابن حمزة انهما قالا لا يجوز التنفل قبلها ولا بعدها. وظاهرهما التحريم كما ترى. وقال أبو الصلاح لا يجوز التطوع ولا القضاء قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس. وظاهره كما ترى التحريم ايضا ، وربما أشعر بتحريم قضاء الفريضة أيضا إلا ان يحمل على قضاء النافلة كما دل عليه الخبران المتقدمان.

__________________

(١ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٧ من صلاة العيد.

(٢) الوسائل الباب ٧ من صلاة العيد ، والسند مطابق للوافي باب آداب العيدين ، وفي التهذيب ج ١ ص ٢١٤ والوسائل عن حريز عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام).

(٤) الوسائل الباب ١ من صلاة العيد.

٢٩٤

وقال في المختلف بعد نقل العبارة المذكورة : وهذه عبارة ردية فإنها توهم المنع من قضاء الفرائض إذ قضاء النوافل داخل تحت التطوع ، فان قصد بالتطوع ابتداء النوافل وبالقضاء ما يختص بقضاء النوافل فهو حق في الكراهة ، وان قصد المنع من قضاء الفرائض فليس كذلك وتصير المسألة خلافية. ثم احتج على وجوب القضاء في الفرائض بعموم الأمر بالقضاء وقوله (عليه‌السلام) (١) «من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها» ثم قال فان احتج بما رواه زرارة في الحسن عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) «وليس قبلها ولا بعدها صلاة». أجبنا بأن المراد بذلك النوافل جمعا بين الأدلة ، وما أظنه يريد سوى ما قصدناه. انتهى. وهو جيد.

وثانيها ـ قد عرفت استثناء الركعتين في مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الكراهة حيث انهما تستحبان فيه قبل الخروج ، وهو المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ونقل في المختلف والذكرى عن الصدوق في المقنع والشيخ في الخلاف إطلاق الكراهة وعدم الاستثناء ، ونقل في الذكرى استنادهما الى حسنة زرارة المتقدمة ورده بأن إطلاق الرواية المذكورة محمول على الروايات المقيدة الدالة على استثناء الركعتين في مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وهو كذلك.

وثالثها ـ انه نقل في المختلف والذكرى عن ابن الجنيد انه قال : ولا يستحب التنفل قبل الصلاة ولا بعدها للمصلي في موضع التعبد ، فان كان الاجتياز بمكان شريف كمسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلا أحب إخلاءه من ركعتين قبل الصلاة وبعدها ، وقد روى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يفعل ذلك في البدأة والرجعة في مسجده» انتهى.

وأنت خبير بان كلامه هذا يشعر بالمخالفة في مقامين (أحدهما) ـ في إلحاق

__________________

(١) هذا المضمون يستفاد مما ورد من الأحاديث في الوسائل في الباب ٦٣ من مواقيت الصلاة و ١ من قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل الباب ١ من صلاة العيد.

٢٩٥

المسجد الحرام وكل مكان شريف بمسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد عرفت ان الاستثناء نصا وفتوى مقصور على مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). و (ثانيهما) ـ استحباب الركعتين بعد الرجوع ، والموجود في النص وعليه اتفقت كلمة الأصحاب انما هو قبل الخروج.

ونقل عنه في المختلف انه احتج بمساواة المسجد الحرام لمسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في أكثر الأحكام فيساويه في هذا الحكم ، والابتداء كالرجوع فيتساويان. ثم أجاب عنه بالمنع من التساوي في المقامين للحديث. وأشار بالحديث الى ما قدمه من رواية محمد بن الفضل الهاشمي التي ذكرناها.

أقول : الظاهر ان ما ذكره من مستند ابن الجنيد انما هو من كلامه كما هي قاعدته في الكتاب المذكور غالبا ، والذي يقرب عندي ان مستنده بالنسبة إلى الإلحاق انما هو شرف المكان كما يشير اليه قوله «الاجتياز بمكان شريف» وفيه ان هذه العلة مستنبطة فالعمل بها قياس محض ، وبالنسبة إلى استحباب الركعتين بعد انما هو الخبر الذي نقله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) من أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يفعل في البدأة والرجعة في مسجده ، وحينئذ فإن ثبت الخبر المذكور فلا اعتراض عليه في ذلك ويبقى محل الإيراد على كلامه بالنسبة إلى الأول.

ورابعها ـ ما ذكره في الذكرى عن الفاضلين من جواز صلاة التحية إذا صليت في مسجد لعموم الأمر بالتحية ، ثم أجاب عنه بان الخصوص مقدم على العموم.

أقول : التحقيق ان هنا عمومين قد تعارضا وهو صلاة التحية فإن ظاهر النصوص استحبابها مطلقا في يوم العيد وغيره ، وكراهية الصلاة يوم العيد قبل صلاة العيد وبعدها أعم من أن تصلى في مسجد أو غيره ، فقول شيخنا المذكور ان الخصوص مقدم على العموم لا أعرف له وجها ، فإنه كما يحتمل العمل بعموم الأمر بالتحية الشامل ليوم العيد وغيره وتقييد الكراهة في العيدين بما عدا صلاة التحية كما ذكره الفاضلان يمكن ايضا العمل بعموم ما دل على كراهية التنفل يوم العيد الشامل لصلاة التحية وغيرها وتخصيص عموم صلاة التحية بغير يوم العيد. وبالجملة تخصيص

٢٩٦

أحد العامين بالآخر يحتاج الى دليل من خارج وإلا فالاحتمال قائم من الطرفين كما عرفت.

وخامسها ـ ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن إبراهيم عن عثمان بن محمد وابى يعقوب القزاز معا عن محمد بن يوسف عن محمد بن شعيب عن عاصم بن عبد الله عن إسماعيل بن ابى زياد عن سليمان التيمي عن ابى عثمان النهدي عن سلمان (رضى الله عنه) (١) قال «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من صلى اربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهن «سبح اسم ربك الأعلى» فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله تعالى ، وفي الركعة الثانية «والشمس وضحاها» فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس ، وفي الثالثة «والضحى» فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين ودهنهم ونظفهم ، وفي الرابعة «قل هو الله أحد» ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة مستقبلة وخمسين سنة مستدبرة».

وهذا الخبر كما ترى مخالف لما تكاثرت به الاخبار واجتمعت عليه كلمة جل الأصحاب (رضوان الله عليهم) من عدم الصلاة في هذا الوقت ، ولهذا قال الصدوق (قدس‌سره) في الكتاب المذكور بعد نقله ما صورته : أقول ـ وبالله التوفيق ـ ان هذا الثواب هو لمن كان امامه مخالفا لمذهبه فيصلي معه تقية ثم يصلى هذه الأربع ركعات للعيد ولا يعتد بما صلى خلف مخالفه ، فاما من كان امامه يوم العيد اماما من الله تعالى عزوجل واجب الطاعة على العباد فصلى خلفه صلاة العيد لم يكن له ان يصلى بعد ذلك صلاة حتى تزول الشمس ، وكذا من كان امامه موافقا لمذهبه وان لم يكن مفروض الطاعة وصلى معه العيد لم يكن له ان يصلى بعد ذلك صلاة حتى تزول الشمس. انتهى.

وأنت خبير بما فيه من البعد عن سياق الخبر المذكور سيما مع ما قدمناه من أن استحباب الإتيان بها مع اختلال الشرائط انما هو بالإتيان بركعتين كما تصلى في

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من صلاة العيد. وفيه «شبيب» بدل «شعيب».

٢٩٧

الجماعة لا بأربع كما دل عليه الخبر المذكور وان كان قد قيل بالأربع أيضا ودل عليه بعض الأخبار الضعيفة التي قدمنا ان الأظهر حملها على التقية ، ولو صح سند الخبر المذكور لأمكن تخصيص تلك الأخبار به إلا انه لضعفه وشذوذه وندوره لا يمكن التعلق به ، ولا اعرف جوابا عنه إلا الإرجاء فيه الى قائله لو ثبت عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا ان الظاهر ان الخبر عامي ورجاله انما هم من العامة وحينئذ فلا حاجة الى تكلف الجواب عنه.

واما ما ذكره الصدوق من الجواب عنه فبعيد إلا ان مذهبه في القضاء مع اختلال الشروط هو الصلاة أربعا كما ذكره في الهداية ، ومن أجل ذلك حمل الأربع المذكورة هنا على انها صلاة العيد المقضية بعد فوات شرطها. والله العالم.

ومنها ـ كراهة نقل المنبر من المسجد بل يعمل له شبه المنبر من طين ، ونقل عليه في الذكرى الإجماع.

ويدل عليه ما رواه الصدوق عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان واقامة؟ قال ليس فيهما أذان ولا اقامة ولكن ينادى : الصلاة «ثلاث مرات» وليس فيهما منبر ، المنبر لا يحرك من موضعه ولكن يصنع للإمام شي‌ء شبه المنبر من طين فيقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل».

ومنها ـ كراهة الخروج بالسلاح ، قال في الذكرى : لمنافاته الخضوع والاستكانة ، ولو خاف عدوا لم يكره لما روى عن السكوني عن الصادق عن الباقر (عليهما‌السلام) (٢) انه قال : «نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يخرج السلاح في العيدين إلا أن يكون عدو ظاهر».

ومنها ـ كراهة السفر بعد الفجر من يوم العيد ، وتردد المحقق في الشرائع في

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ و ٣٣ من صلاة العيد.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من صلاة العيد.

٢٩٨

التحريم ثم قال الأشبه الجواز.

قال في المدارك : منشأ التردد أصالة الجواز السالمة عن معارضة الإخلال بالواجب ، وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير (١) «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد». قال في الذكرى : ولما لم يثبت الوجوب حمل ، النهى عن السفر على الكراهة. ويشكل بعدم المنافاة بين الأمرين حتى يتوجه الحمل لكن الراوي وهو أبو بصير مشترك بين الثقة والضعيف فلا يصح التعلق بروايته والخروج بها عن مقتضى الأصل. انتهى ما ذكره في المدارك.

أقول : لا إشكال في أن ظاهر النهي في الرواية المذكورة هو التحريم ، وجواب صاحب الذكرى ـ بأنه لما لم يدخل وقت الصلاة ولم يتحقق وجوبها والخطاب بها يحمل النهى على الكراهة ـ فيه ما ذكره السيد (قدس‌سره) من ان التحريم لا يتوقف على دخول وقتها إذ لا منافاة بين التحريم وبين عدم وجوبها إذ يجوز ان يكون التحريم لأمر آخر.

وجواب صاحب المدارك بضعف الرواية مردود بأن الراوي عن ابى بصير هنا عاصم بن حميد ، وقد تقرر في كلامهم انه متى كان الراوي عن ابى بصير عاصم بن حميد أو عبد الله بن مسكان فهو ليث المرادي الثقة الجليل القدر ، والراوي هنا عنه عاصم بن حميد فتكون الرواية صحيحة ، ولهذا ان صاحب الذخيرة وصفها بالصحة ولكن أجاب عنها بعدم انتهاض الدلالة على التحريم خصوصا إذا لم يكن القول بذلك مشهورا بين الأصحاب. ولا يخفى ما فيه إذ لا أعرف لهذا الجواب وجها إلا من حيث ما تكرر في كلامه ـ كما نبهنا عليه في غير مقام ـ من أن الأوامر والنواهي عنده في الأخبار لا تدل على الوجوب والتحريم إلا باعتبار اعتضادها بالشهرة بين الأصحاب. وقد أوضحنا ما فيه من الوهن والبطلان في غير مقام مما تقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من صلاة العيد.

٢٩٩

وبالجملة فإنه لا خلاف كما ذكره في التذكرة في جواز السفر قبل الفجر ، ولا خلاف ايضا بينهم في ما أعلم في التحريم بعد طلوع الشمس ، والبحث هنا يجرى على حسب ما تقدم في تحريم السفر بعد الزوال يوم الجمعة على من وجبت عليه الجمعة وانما الإشكال في ما بعد الفجر وقبل طلوع الشمس ، وقد عرفت الكلام في ذلك والاحتياط لا يخفى.

الفصل الثالث

في صلاة الآيات

والكلام فيها يقع في بيان سببها وكيفيتها وأحكامها فههنا بحوث ثلاثة :

الأول ـ في السبب وفيه مسائل (الأولى) أجمع علماؤنا (رضوان الله عليهم) على وجوب الصلاة بكسوف الشمس وخسوف القمر ، حكاه الفاضلان في المعتبر والمنتهى ، وأضاف في التذكرة الزلزلة فادعى دخولها تحت الإجماع المذكور ، ونقل المحدث الكاشاني في المفاتيح انه قيل باستحبابها في الزلزلة ، ولم نقف على قائل بذلك بل صريح عبارة التذكرة كما ذكرنا دعوى الإجماع على وجوب الصلاة لها ، وقريب منه عبارة المحقق في المعتبر حيث نسبه الى الأصحاب ، نعم ذكر في المختلف ان أبا الصلاح لم يتعرض لغير الكسوفين ، وقال في الذكرى ان ابن الجنيد لم يصرح بالوجوب هنا ولكن ظاهر كلامه ذلك حيث قال : تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي وكذا ابن زهرة. ولعل المحدث المذكور بنى على ذلك.

ومن الأخبار الدالة على وجوب هذه الصلاة ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة العيد و ١ من صلاة الكسوف.

(٢) الوسائل الباب ٤ و ١ من صلاة الكسوف.

٣٠٠