الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

ولا شي‌ء عليه إذ ليست أركانا ، وهل تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ ولعله لما سبق من الرواية في باب السهو المتضمنة لقضاء الفائت من الصلاة بعدها ، ونفاه في المعتبر وتبعه الفاضل لانه ذكر تجاوز محله فيسقط بالنافي السليم من المعارض. وكأنه عنى بالنافي دلالة الأصل على عدم القضاء وان الفائت لا يجب قضاؤه وعنى بالمعارض الأمر الجديد الدال على القضاء فإنه منفي ، وللشيخ أن يبدى وجود المعارض وهي الرواية المشار إليها. انتهى.

أقول : ومنه يعلم ان ذكر صاحب المدارك صحيحة ابن سنان دليلا للشيخ انما هو منه (قدس‌سره) لا ان الشيخ استدل بها كما يوهمه ظاهر كلامه ، ومنه يعلم ايضا ان توقفه في المسألة كما حكيناه عنه لا وجه له بعد استدلاله بالصحيحة المذكورة والواجب عليه حينئذ أن يجيب عن كلام المحقق الذي نقله عنه ـ من سقوط القضاء بالأصل السالم من المعارض ـ بان المعارض موجود وهو هذه الصحيحة كما هو ظاهر كلام الذكرى.

هذا ، ويمكن أن يقال ان المحقق انما نفى وجوب القضاء هنا بنا على ما يختاره في هذه التكبيرات من الاستحباب كما تقدم نقله عنه في الموضع الأول وان كان تعليله ربما أشعر بان ذلك بناء على القول بالوجوب.

وأما صحيحة ابن سنان التي استدلوا بها هنا للشيخ فقد تقدم الكلام عليها وعلى أمثالها مما دل على ذلك أيضا في المسألة الخامسة من المطلب الثاني في السهو من كتاب الصلاة (١) فإن جميع الأخبار المشار إليها قد اشتركت في الدلالة على قضاء ما نسبه من الأفعال كائنا ما كان وان كان ركنا ، ولم يقل به أحد منهم وانما أوجبوا قضاء أشياء معينة كالتشهد والسجدة الواحدة والقنوت بالأدلة الخاصة المتعلقة بذلك وأبطلوا الصلاة بنسيان الركن كالركوع والسجدتين ، وبالجملة فإنها على إطلاقها غير معمول عليها فلا يمكن الاستناد إليها ، ومن ذلك يعلم قوة ما ذهب اليه المحقق وغيره

__________________

(١) ج ٩ ص ١٤١.

٢٦١

من عدم وجوب القضاء لعدم الدليل الواضح على ذلك مضافا الى أصالة العدم. والله العالم

وهل تجب سجدتا السهو لنسيان التكبير هنا كلا أو بعضا؟ صرح ابن الجنيد بذلك فقال على ما نقله عنه في المختلف : ولو نسي بعض التكبير رجع فتممه ما لم يركع وان تجاوز الركوع وأيقن بالترك سجد سجدتي السهو. انتهى. وجعله في الذكرى احتمالا فقال : ويحتمل ايضا وجوب سجدتي السهو بناء على تناول أدلة الوجوب في اليومية لهذه الصورة وهو قول ابن الجنيد. انتهى.

الخامسة ـ لو قلنا بتقديم التكبير على القراءة في الأولى كما هو أحد القولين فنسي التكبير حتى قرأ قال في المعتبر : لم يعد اليه لفوات محله. وقال في الذكرى وليس ببعيد وجوب استدراكه أو ندبه على اختلاف القولين لانه محل في الجملة ولهذا كان التكبير في الثانية واقعا فيه ، ولان الروايات المتضمنة لتأخره عن القراءة في الركعتين أقل أحوالها أن يقتضي استدراكه إذا نسي. وفي التذكرة أوجب استدراكه وتوقف في إعادة القراءة من حيث عدم وقوعها في محلها وصدق القراءة. قال في الذكرى والأولى إعادتها ، ثم قال ولو ذكر في أثنائها قطعها واتى به ثم استأنف القراءة ، ولا يقضى التكبير عندنا في الركوع لما فيه من تغيير هيئة الصلاة وإذا قلنا بقضاء التكبير أو استدراكه فالقنوت تابع. والظاهر وجوب الاستقبال فيهما لأنهما جزءان مما يجب فيه الاستقبال وكذا يعتبر بقية شرائط الصلاة. انتهى كلامه زيد مقامه.

السادسة ـ لو أدرك بعض التكبيرات مع الامام دخل معه فإذا ركع الإمام فإن أمكنه الإتيان به وبالقنوت مخففا واللحوق بالإمام في الركوع فلا اشكال ، وإلا فإن قلنا بالاستحباب في التكبير والقنوت فإنه يركع مع الإمام حينئذ إذ لا يجوز له ترك المتابعة الواجبة لأجل أمر مندوب ، وان قلنا بالوجوب فيهما كما هو المختار فعلى قول الشيخ بالقضاء في ما تقدم فإنه يتابع هنا ويقضى بعد الفراغ ، واما مع عدم العمل بهذا القول فإنه يحتمل المنع من الاقتداء في هذه الصورة أعني إذا علم

٢٦٢

عدم اللحوق به ، فلو اقتدى ولما يعلم ولم يمكنه الجمع بين المتابعة وبين التكبير فإنه ينوي الانفراد. ويحتمل جواز الاقتداء ويسقط القنوت ويأتي بالتكبير ولاء. ويشكل بأن الأصل عدم سقوط فرض المكلف بفعل غيره إلا في ما دل عليه الدليل.

والعلامة مع قوله بوجوبهما أسقطه مع عدم إمكان الإتيان به ولم يوجب قضاءه بعد التسليم حتى لو أدرك الإمام راكعا كبر ودخل معه واجتزأ بالركعة عنده ولا يجب القضاء.

وفيه ما عرفت ، ويعضده ايضا ان المتابعة وإن كانت واجبة إلا ان وجوبها ليس جزء من الصلاة من حيث هي صلاة بخلاف التكبير والقنوت فإنهما واجبان ومن جملة اجزاء الصلاة الواجبة لأن كلامنا مبنى على القول بالوجوب فكيف تصح الصلاة مع فوات بعض واجباتها عمدا؟ وسقوطه بفعل الغير قد عرفت انه متوقف على الدليل. والمسألة لا تخلو من شوب الإشكال لعدم الدليل الواضح في هذا المجال. والله العالم.

السابعة ـ قال في الذكرى : لا يتحمل الامام هذا التكبير ولا القنوت وإنما يتحمل القراءة ، ويحتمل تحمل الدعاء ويكفى عن دعاء المأمومين ، وهذا لم أقف فيه على نص ولو قلنا بالتحمل فيه فدعا المأموم فلا بأس سواء كان بدعاء الإمام أو غيره. وعدم تحمل الامام القنوت في اليومية يدل بطريق اولى على عدم تحمله هنا. انتهى.

أقول : قد عرفت آنفا ان سقوط الواجب عن المكلف بفعل غيره يتوقف على الدليل وهو قد اعترف بعدم الوقوف هنا على نص ، فما ذكره من احتمال تحمل الامام القنوت بعيد جدا سيما مع ما ذكره من الأولوية في آخر كلامه.

الثامنة ـ قال في الذكرى ايضا : لو شك في عدده بنى على الأقل لأنه المتيقن ، وفي انسحاب الخلاف في الشك في الأولتين المبطل للصلاة هنا احتمال ان قيل بوجوبه ، ولو تذكر بعد فعله انه كان قد كبر لم يضر لعدم ركنيته. وكذا الشك. في القنوت. انتهى.

٢٦٣

وهو جيد إلا ان ما ذكره من الاحتمال في انسحاب الخلاف في الشك في الأولتين المبطل للصلاة هنا محل نظر ، لما قدمنا تحقيقه من أن الشك المبطل في الأولتين انما هو الشك في أعداد الركعات لا في سائر الواجبات ، وحينئذ فلا وجه لهذا الاحتمال في المقام. والله العالم.

البحث الثالث ـ في سنن هذه الصلاة وما يلحق بها ، فمنها الإصحار بها إلا في مكة المعظمة وعليه إجماع علمائنا وأكثر العامة (١).

ومستنده التأسي به (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه كان يصحر بها ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يخرج حتى ينظر الى آفاق السماء وقال لا يصلين يومئذ على بساط ولا بارية».

وما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام». ورواه في الفقيه عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) مثله (٤).

وما رواه في الكافي عن ليث المرادي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قيل لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم فطر أو يوم اضحى لو صليت في مسجدك؟ فقال إني لأحب أن أبرز إلى آفاق السماء».

__________________

(١) الامام للشافعي ج ١ ص ٢٠٧ والمغني ج ٢ ص ٣٧٢ وعمدة القارئ ج ٣ ص ٣٧٠ والفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٣١٣. وفي البحر الرائق ج ٢ ص ١٥٩ عن التجنيس «الصحيح عند عامة المشايخ السنة في صلاة العيد الخروج إلى الجبانة وان كان يسعهم المسجد الجامع» ولم يستثن مكة.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ١٧ من صلاة العيد.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من صلاة العيد. وفي النسخ هكذا «عن حفص بن غياث عن أبيه عن جعفر عن أبيه» وحيث ان كلمة «عن أبيه» الاولى زائدة حذفناها واللفظ في الفقيه ج ١ ص ٣٢١ هكذا «وروى حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه».

٢٦٤

وما رواه في الفقيه عن ابن رئاب عن ابى بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا ينبغي أن تصلى صلاة العيدين في مسجد مسقف ولا في بيت انما تصلى في الصحراء أو في مكان بارز».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن الفضيل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «اتى ابى بالخمرة يوم الفطر فأمر بردها ثم قال : هذا يوم كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يجب ان ينظر فيه الى آفاق السماء ويضع جهته على الأرض».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) «انه كان إذا خرج يوم الفطر والأضحى ابى أن يؤتى بطنفسة يصلى عليها يقول هذا يوم كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يخرج فيه حتى يبرز لآفاق السماء ثم يضع جبهته على الأرض».

وروى في كتاب الإقبال (٤) قال : روى محمد بن أبي قرة في كتابه بإسناده إلى سليمان بن حفص عن الرجل (عليه‌السلام) قال : «الصلاة يوم الفطر بحيث لا يكون على المصلى سقف إلا السماء».

وألحق ابن الجنيد بمسجد مكة شرفها الله تعالى مسجد المدينة. وصحيحة معاوية ابن عمار وكذا رواية ليث المرادي (٥) وصحيحة الحلبي (٦) صريحة في رده.

ولو كان هناك عذر من مطر أو خوف أو وحل أو نحوها فلا بأس بصلاتها في المسجد دفعا للمشقة اللازمة من الخروج.

ومنها ـ السجود على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه إظهارا لمزيد التذلل فيها ، وعليه يدل ما تقدم من صحيحة الحلبي (٧) وصحيحة الفضيل (٨).

ويظهر من صحيحة معاوية بن عمار (٩) استحباب الصلاة على الأرض بحيث لا يكون تحته بساط ولا بارية ولا نحوهما بل يكون مباشرا للأرض في قيامه وجلوسه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ١٧ من صلاة العيد.

(٥) ص ٢٦٤.

(٩) ص ٢٦٤.

٢٦٥

ونحوها ما رواه في الكافي عن معاوية عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث «انه سأله عن صلاة العيدين فقال ركعتان. الى ان قال : ويخرج الى البر حيث ينظر الى آفاق السماء ولا يصلى على حصير ولا يسجد عليه وقد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يخرج الى البقيع فيصلي بالناس».

وما رواه في كتاب الإقبال عن محمد بن الحسن بن الوليد بإسناده عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يخرج حتى ينظر الى آفاق السماء ، وقال لا تصلين يومئذ على بارية أو بساط. يعني في صلاة العيدين».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) «وإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء وقم على الأرض ولا تقم على غيرها. الى آخره».

وقل من نبه على هذا الحكم من أصحابنا (رضوان الله عليهم).

ومنها ـ ان يقول المؤذن عوض الأذان والإقامة ـ فإنه لا أذان ولا إقامة لغير الخمس ـ الصلاة (ثلاثا).

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان واقامة؟ قال ليس فيهما أذان ولا اقامة ولكن ينادى الصلاة (ثلاث مرات) وليس فيهما منبر ، المنبر لا يحرك من موضعه ولكن يصنع للإمام شبه المنبر من طين فيقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل».

والأخبار بأنه ليس فيها أذان ولا إقامة كثيرة قد تقدم جملة منها.

قال في الذكرى : لا أذان لصلاة العيد بل يقول المؤذن الصلاة (ثلاثا) ويجوز رفعها بإضمار خبر أو مبتدأ ونصبها بإضمار «احضروا أو ائتوا» وقال ابن ابى عقيل يقول «الصلاة جامعة». ولم نقف على مستنده.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٧ من صلاة العيد.

(٣) صلاة البحار ص ٨٦٢.

(٤) الفقيه ج ١ ص ٣٢٢ وفي الوسائل الباب ٧ و ٣٣ من صلاة العيد.

٢٦٦

وظاهر الأصحاب كما ذكره في الذكرى ان النداء بذلك ليعلم الناس بالخروج الى المصلى ، لأنه اجرى مجرى الأذان الذي يحصل به الأعلام بالوقت ، ومقتضى ذلك أن يكون قبل القيام للصلاة بل في أول الخروج إليها ، ولا ينافي ذلك ما ورد في صحيحة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (١) من قوله «ليس فيهما أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس فإذا طلعت خرجوا». لجواز الجمع بينهما بحصول ذلك بكل من الأمرين استظهارا ، وتعدد العلل الشرعية لمعلول واحد كثير في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار حتى قال الصدوق في بعض تلك المواضع ان هذا مما يزيد تأكيدا وتقوية. ويحتمل ايضا حمل خبر زرارة على من كان عالما بان وقتها الذي يخرج فيه طلوع الشمس يعنى عالما بالوقت الشرعي لها وخبر إسماعيل بن جابر على من ليس كذلك ليحصل له العلم بالخروج لها.

ونقل عن ابى الصلاح ان محله بعد القيام إلى الصلاة فإذا قال المؤذن ذلك كبر الإمام تكبيرة الإحرام ودخل بهم في الصلاة ، والى هذا مال بعض محققي متأخري المتأخرين.

ومنها ـ الخروج بعد الغسل متطيبا لابسا أحسن أثوابه متعمما شتاء كان أو قيظا.

أما الغسل فلما تقدم من الأخبار في باب الأغسال من كتاب الطهارة ، ومن ذلك

ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى يصلى قال ان كان في وقت فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة فان مضى الوقت فقد جازت صلاته».

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من صلاة العيد. واللفظ ـ كما في الفروع ج ١ ص ١٢٨ والتهذيب ج ١ ص ٢٨٩ ـ هكذا «ليس في يوم الفطر والأضحى أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا.».

(٢) الوسائل الباب ١٦ من الأغسال المسنونة.

٢٦٧

ومن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من لم يشهد جماعة الناس يوم العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة ، وقال (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٢) قال العيدان والجمعة».

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) في قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) «أى خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والأعياد».

وقال الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٤) «وإذا أصبحت يوم الفطر اغتسل وتطيب ، وتمشط والبس أنظف ثيابك وأطعم شيئا قبل أن تخرج إلى الجبانة فإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء وقم على الأرض ولا تقم على غيرها وأكثر من ذكر الله تعالى».

ومنها ـ خروج الامام ماشيا حافيا مشمرا ثيابه داعيا بالمأثور عليه السكينة والوقار معتما شاتيا كان أو قائظا ببرد أو حلة.

ويدل على هذه الأحكام حديث خروج الرضا (عليه‌السلام) (٥) الى صلاة العيد بأمر المأمون له (عليه‌السلام) وهو مشتمل على سنن عديدة وهو مروي في الكافي وغيره من كتب الصدوق وفيه «لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (عليه‌السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلى. الى أن قال فقال يا أمير المؤمنين ان أعفيتني من ذلك فهو أحب الى وان لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال المأمون اخرج كيف شئت ، وأمر المأمون القواد والناس أن يركبوا (٦) الى باب ابى الحسن (عليه‌السلام) قال فحدثني ياسر الخادم انه قعد الناس لأبي الحسن (عليه‌السلام) في الطرقات والسطوح الرجال والنساء والصبيان واجتمع القواد والجند على باب ابى الحسن

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٤ من صلاة العيد.

(٢) سورة الأعراف الآية ٢٩.

(٤) صلاة البحار ص ٨٦٢.

(٥) الأصول ج ١ ص ٤٨٩ وفي الوسائل الباب ١٩ من صلاة العيد.

(٦) «يبكروا» خ ل.

٢٦٨

(عليه‌السلام) فلما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر ثم قال لجميع مواليه افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله الى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فلما مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه الى السماء وكبر أربع تكبيرات فخيل إلينا ان السماء والحيطان تجاوبه ، والقواد والناس على الباب قد تهيئوا ولبسوا السلاح وتزينوا بأحسن زينة ، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرضا (عليه‌السلام) وقف على الباب وقفة ثم قال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا. نرفع بها أصواتنا ، قال ياسر فتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا الى ابى الحسن (عليه‌السلام) وسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن (عليه‌السلام) حافيا وكان يمشى ويقف في كل عشر خطوات ويكبر ثلاث تكبيرات ، قال ياسر فتخيل إلينا ان السماء والأرض والجبال تجاوبه وصارت مرو ضجة واحدة من البكاء ، وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين يا أمير المؤمنين ان بلغ الرضا (عليه‌السلام) المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس والرأي أن تسأله أن يرجع فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (عليه‌السلام) بخفه فلبسه وركب ورجع».

وفي هذا الخبر الشريف جملة من الفوائد : منها ـ ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليا (عليه‌السلام) كانا يخرجان بهذه الكيفية.

ومنها ـ استحباب التشمير للثياب والسراويل لكل من الإمام والمأموم والمشي حافيا للكل ايضا والتعمم على النحو المذكور ، وهذا هو السنة في التعمم لا ما اشتهر من التحنك كما قدمنا تحقيقه في بحث اللباس من كتاب الصلاة (١) ومنها ـ أن تكون العمامة بيضاء من القطن.

__________________

(١) ج ٧ ص ١٢٧ و ١٢٨.

٢٦٩

ومنها ـ مشى الامام وبيده عكاز وقد روى نحوه عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : روى في الفقيه عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال «كانت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عنزة في أسفلها عكاز يتوكأ عليها ويخرجها في العيدين يصلى إليها».

وفي صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) في حديث في أحوال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى ان قال : وكان له عنزة يتكى‌ء عليها ويخرجها في العيدين فيخطب بها.

والظاهر الاختصاص بالإمام فقط وظاهر الخبرين استحباب العنزة مطلقا.

ومنها ـ الاشتغال بالتكبير والدعاء في طريقه مما ذكر هنا وغيره مما تقدم ويأتي ان شاء الله تعالى ، ومنها الوقوف حال التكبير.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) انه قال : «وينبغي لمن خرج الى العيد أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب بأحسن طيبه وقال عزوجل «يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (٤) قال ذلك في العيدين والجمعة ، قال وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيد بردا وإن يعتم شاتيا كان أو صائفا. وعن على (عليه‌السلام) انه كان يمشي في خمس مواطن حافيا ويعلق نعليه بيده اليسرى وكان يقول انها مواطن لله تعالى وأحب أن أكون فيها حافيا : يوم الفطر ويوم النحر ويوم الجمعة وإذا عاد مريضا وإذا شهد جنازة». انتهى ما نقلناه من كتاب الدعائم.

وفي صحيحة محمد بن مسلم (٥) «لا بد من العمامة والبرد يوم الأضحى والفطر فأما الجمعة فإنها تجزئ بغير عمامة وبرد».

وفي صحيحة الحلبي (٦) «قلت تجوز صلاة العيدين بغير عمامة؟ قال نعم والعمامة

__________________

(١ و ٢ و ٥) الوسائل الباب ١١ من صلاة العيد.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١١ و ٨ و ١٥ من صلاة العيد.

(٤) سورة الأعراف الآية ٢٩.

(٦) الوسائل الباب ١١ من صلاة العيد.

٢٧٠

أحب الى». وظاهره العموم للإمام والمأموم.

وفي صحيحة معاوية (١) «وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيدين بردا ويعتم شاتيا كان أو قائظا».

وفي تفسير العياشي بسنده عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في قول الله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)؟ قال الأردية في العيدين والجمعة».

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عنه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يعتم في العيدين شاتيا كان أو قائظا ويلبس درعه وكذلك ينبغي للإمام ، ويجهر بالقراءة كما يجهر في الجمعة».

وفي صحيحة أبي بصير (٤) «ينبغي للإمام أن يلبس حلة ويعتم». ولعل المراد بالحلة هنا الرداء حيث ان الحلة المشهورة لا تكون إلا من الحرير كما صرحوا به.

ومنها ـ الذهاب الى المصلى من طريق والعود منه من آخر ، بل الظاهر من الأخبار الاستحباب مطلقا :

روى الصدوق في الفقيه عن السكوني (٥) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا خرج الى العيدين لم يرجع في الطريق الذي بدأ فيه يأخذ في طريق غيره».

وروى في الكافي عن موسى بن عمر بن بزيع (٦) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) ان الناس رووا ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره فهكذا كان؟ قال فقال. نعم فانا أفعله كثيرا ثم قال : أما انه أرزق لك.

وروى ابن طاوس في كتاب الإقبال بإسناده عن ابى محمد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده عن الرضا (عليه‌السلام) (٧) قال «قلت له يا سيدي انا نروى عن النبي

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١١ من صلاة العيد.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١١ من صلاة العيد.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٦ من صلاة العيد.

(٧) ص ٢٨٣ وفي الوسائل الباب ٣٦ من صلاة العيد.

٢٧١

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه كان إذا أخذ في طريق لم يرجع فيه وأخذ في غيره ، فقال هكذا كان نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يفعل وهكذا أفعل انا وهكذا كان أبي يفعل وهكذا فافعل فإنه أرزق لك؟ وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول هذا ارزق للعباد».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «انه كان إذا انصرف من المصلى يوم العيد لم ينصرف على الطريق الذي خرج عليه».

ومنها ـ أن يطعم قبل خروجه يوم الفطر وبعد رجوعه في يوم الأضحى والأفضل في الأول أن يكون إفطاره على حلو والمروي التمر ، وفي الإفطار على التربة الحسينية كلام ، والأفضل في الثاني الأكل من أضحيته.

فههنا مقامات «الأول» في الفرق بين العيدين بالإفطار في الأول قبل الخروج وفي الثاني بعد الرجوع.

ويدل عليه صحيحة حريز عن زرارة المروية في الفقيه عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا ولا تأكل يوم الأضحى إلا من هديك وأضحيتك إن قويت عليه وان لم تقو فمعذور. قال وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يأكل يوم الأضحى شيئا حتى يأكل من أضحيته ولا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ويؤدى الفطرة. قال وكذلك نفعل نحن».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «اطعم يوم الفطر قبل ان تخرج الى المصلى».

وروى فيه وفي الفقيه عن جراح المدائني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : اطعم يوم الفطر قبل أن تصلى ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الامام».

وروى في الفقيه مرسلا (٥) قال «كان على (عليه‌السلام) يأكل يوم الفطر قبل ان يغدو

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٢٩ من صلاة العيد.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٢ من صلاة العيد.

٢٧٢

الى المصلى ولا يأكل يوم الأضحى حتى يذبح».

وروى في التهذيب في الموثق عن سماعة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الأكل قبل الخروج يوم العيد وان لم تأكل فلا بأس». أقول : يعنى عيد الفطر كما تقدم في الأخبار.

المقام الثاني ـ في ما يستحب الإفطار عليه في الفطر ، فروى الشيخان في الكافي والفقيه عن على بن محمد النوفلي (٢) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) انى أفطرت يوم الفطر على طين وتمر؟ فقال لي جمعت بركة وسنة».

وقال في كتاب الإقبال : روى ابن أبي قرة بإسناده عن الرجل (عليه‌السلام) (٣) قال : «كل تمرات يوم الفطر فان حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل ذلك».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) «والذي يستحب الإفطار عليه يوم الفطر الزبيب والتمر ، واروى عن العالم (عليه‌السلام) الإفطار على السكر ، وروى أفضل ما يفطر عليه طين قبر الحسين (عليه‌السلام)».

قال في المدارك : ويستحب يوم الفطر الإفطار على الحلو لما روى (٥) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأكل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر». ولا يجوز الإفطار على التربة الحسينية إلا بقصد الاستشفاء لمن كان به علة كغيره من الأيام. انتهى.

وقال في الذكرى : قال كثير من الأصحاب يستحب الإفطار يوم الفطر على الحلو لما روى (٦) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر». ولو أفطر على التربة الحسينية (على مشرفها الصلاة والسلام) لعلة به فحسن وإلا فالأقرب التحريم ، والأفضل الإفطار على الحلاوة وأفضلها

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من صلاة العيد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٣ من صلاة العيد.

(٤) ص ٢٥.

(٥ و ٦) مستدرك الحاكم ج ١ ص ٢٩٤.

٢٧٣

السكر ، وروى تربة الحسين (عليه‌السلام) والأول أظهر لشذوذ الرواية وتحريم الطين على الإطلاق إلا ما خرج بالدليل من التربة للاستشفاء. انتهى.

أقول : اما ما ذكروه من الإفطار على الحلو بقول مطلق فلم أقف فيه على خبر والذي وقفت عليه ما قدمت من الأخبار الدالة على التمر وزاد في كتاب الفقه الزبيب ، واما السكر فقد ذكره الشهيد كما عرفت ، ولعله استند فيه الى رسالة على بن الحسين ابن بابويه الذي قد عرفت انه يفتي فيها غالبا بعبارات هذا الكتاب ، ولعله كان في الرسالة المذكورة أو انه ذكره أحد من المتقدمين فذكره الشهيد كذلك ، وكيف كان فالمستند فيه هو هذا الكتاب وبه يظهر ما في اعتراض بعض متأخري المتأخرين على الشهيد بعدم وجود المستند فيه. ولعل من عبر بالحلو بقول مطلق حمل ما ذكر من التمر ونحوه هنا على التمثيل. واما الرواية التي نقلوها عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فالظاهر انها من طريق العامة التجأوا الى الاستدلال بها حيث لم تحضرهم هذه الروايات التي ذكرناها فانى بعد التتبع لم أقف عليها في كتب أخبارنا ، وأيضا فإن بعض محققي متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) أسندها إلى العامة (١).

المقام الثالث ـ في الكلام على التربة الحسينية (على مشرفها أفضل الصلاة والتحية) والظاهر اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على جواز الأكل منها لقصد الاستشفاء وعليه تدل جملة من الأخبار ، انما الخلاف في الأكل للتبرك فظاهر جملة من الأخبار المنع إلا انه روى الجواز في العيد كما عرفت من رواية النوفلي المتقدمة ورواية كتاب الفقه (٢) وروى في إفطار يوم عاشوراء ايضا.

قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : واما الأكل بمحض التبرك فالظاهر عدم الجواز للتصريح به في بعض الأخبار وعموم بعضها ، لكن ورد في بعض الأخبار جواز إفطار العيد به وإفطار يوم عاشوراء ايضا وجوزه فيهما بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولا يخلو من قوة ، والاحتياط في الترك إلا

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ١ ص ٢٩٤.

(٢) ص ٢٧٣.

٢٧٤

أن يكون به مرض يقصد الاستشفاء.

وقال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) بعد ذكر المسألة : ولا بد أن يكون بقصد الاستشفاء وإلا فيحرم ولم يحصل له الشفاء كما في رواية أبي يحيى (١) ويدل عليه غيرها ايضا ، وقد نقل اكله يوم عاشوراء بعد العصر وكذا الإفطار به في يوم العيد ولم تثبت صحته فلا يؤكل إلا للشفاء.

وظاهر كلامه (قدس‌سره) رد خبري الجواز في هذين الموضعين لضعف السند بناء على هذا الاصطلاح حيث انه (قدس‌سره) من القائلين به والعاكفين عليه ، وظاهر كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره) القول بمضمون الخبرين والظاهر انه لكونهما خاصين وتلك الأخبار مطلقة فالعمل بهما مقدم كما هو القاعدة ، وكلامه (قدس‌سره) مبنى على إلغاء هذا الاصطلاح كما هو المعروف من طريقته.

والظاهر ان الرواية المشار إليها في الجواز يوم عاشوراء هو ما ذكره الشيخ في المتهجد (٢) قال : ويستحب صوم هذا العشر فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام والشراب الى بعد العصر ثم يتناول شيئا يسيرا من التربة. ولم يذكر شيخنا المجلسي في كتاب البحار دليلا سواها في هذا الحكم.

ومن الأخبار الواردة في المسألة ما رواه في كتاب كامل الزيارات (٣) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «قلت له ما تقول في طين قبر الحسين (عليه‌السلام)؟ قال يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل لهم أكل لحومنا ولكن الشي‌ء اليسير منه مثل الحمصة». وظاهر الخبر الجواز بهذا المقدار وان لم يكن بقصد الاستشفاء.

ومنها ـ ما رواه فيه ايضا بسنده عن سماعة بن مهران عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «كل طين حرام على بنى آدم ما خلا طين قبر ابى عبد الله (عليه

__________________

(١) ص ٢٧٦.

(٢) ص ٥٣٨.

(٣) ص ٢٨٥ و ٢٨٦ وفي الوسائل الباب ٧٤ من المزار عن الشيخ عن ابن قولويه.

(٤) الوسائل الباب ٥٩ من الأطعمة المحرمة.

٢٧٥

السلام) من أكله من وجع شفاه الله». وظاهره يشير الى الجواز بقصد الشفاء إلا انه غير صريح بل ولا ظاهر في المنع من غيره.

ومنها ـ ما رواه في كتاب دعوات الراوندي عن سدير عن الصادق (عليه‌السلام) (١) انه قال «من أكل من طين قبر الحسين (عليه‌السلام) غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا». وهو صريح في التحريم إلا بقصد الاستشفاء ويمكن تقييده بالأخبار المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه في كتاب العلل (٢) عن أبي يحيى الواسطي عن رجل قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) الطين حرام أكله كلحم الخنزير ومن أكله ثم مات فيه لم أصل عليه إلا طين القبر ، فمن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء».

ورواه الكليني في الكافي (٣) وابن قولويه في كتاب كامل الزيارات (٤) عن الكليني وفيهما «حرام أكله. إلى قوله إلا طين القبر فان فيه شفاء من كل داء ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء». وليس فيه دلالة صريحة بل ولا ظاهرة على التحريم بقصد التبرك كما هو محل الخلاف.

والظاهر ان جملة «فإن فيه شفاء من كل داء» سقطت من قلم صاحب العلل أو من بعض الرواة حيث انها الأنسب بسياق الخبر ورواية الشيخين المذكورين لها وهذه هي الرواية التي أشار إليها المحقق الأردبيلي (نور الله مرقده) وادعى دلالتها على التحريم إلا بقصد الاستشفاء والحال فيها كما ترى.

وبالجملة فالأخبار المدعى دلالتها على التحريم مطلقا وان كان للتبرك لا بقصد الشفاء لا صراحة فيها ولا ظاهرية بذلك كما عرفت إلا رواية سدير وقد عرفت قيام الاحتمال بتقييدها ، وروايتا النوفلي وكتاب الفقه الرضوي صريحتان

__________________

(١) البحار ج ١٤ ص ٣٢٣.

(٢) ص ١٧٩ وفي الوسائل الباب ٥٩ من الأطعمة المحرمة.

(٣) الفروع ج ٢ ص ١٥٦ وفي الوسائل الباب ٥٩ من الأطعمة المحرمة.

(٤) ص ٢٨٦ وفي الوسائل الباب ٥٩ من الأطعمة المحرمة.

٢٧٦

في الجواز للتبرك ورواية المصباح في يوم عاشوراء. وقضية الجمع بين أخبار المسألة تقييد ما يدعى دلالته على التحريم بإطلاقه وقصر الحكم بالتحريم على ما عدا المواضع الثلاثة المذكورة في ما قدمناه من الأخبار. والاحتياط لا يخفى. والله العالم

ومنها ـ التكبير في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب وآخرها صلاة العيد ، وضم الصدوق الى هذه الصلوات الأربع صلاة الظهرين ، وضم ابن الجنيد النوافل ايضا ، وفي الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر يوم النحر لمن كان بمنى وفي الأمصار عقيب عشر صلوات أولها ما تقدم.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (الأول) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب هذا التكبير واستحبابه في عيد الفطر فنقل عن المرتضى (رضى الله عنه) القول بالوجوب والمشهور الاستحباب.

ويدل على ما ذهب اليه المرتضى من الوجوب في الفطر الآية أعني قوله عزوجل «وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ» (١).

وروى الصدوق (قدس‌سره) في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٢) في حديث شرائع الدين قال : «والتكبير في العيدين واجب أما في الفطر ففي خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر ، وهو ان يقال : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا. لقوله عزوجل (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ). الحديث».

والتقريب فيه انه قد فسر (عليه‌السلام) الآية بهذا التكبير الواقع في الفطر ، والأوامر القرآنية للوجوب إجماعا إلا ما قام الدليل على خلافه ، ويعضده تصريح الخبر بالوجوب أيضا.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة العيد.

٢٧٧

ونحوه ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (١) «انه كتب الى المأمون : والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر». ورواه الحسن بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول مرسلا (٢).

وقال في المدارك ـ بعد نقل القول بالاستحباب عن أكثر الأصحاب والوجوب عن المرتضى ـ ما لفظه : والذي وقفت عليه في هذه المسألة رواية سعيد النقاش (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما ان في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون. قال قلت واين هو؟ قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وصلاة العيد ثم يقطع. قال قلت كيف أقول؟ قال تقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا. وهو قول الله سبحانه (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ)» (٤). وهي صريحة في الاستحباب وينبغي العمل بها في كيفية التكبير ومحله وان ضعف سندها لأنها الأصل في هذا الحكم. انتهى.

ولا يخفى عليك ما فيه (أما أولا) فلما ادعاه من أن الذي وقف عليه انما هو هذه الرواية وانها الأصل في هذا الحكم مع ما عرفت مما قدمناه من الروايتين في هذه المسألة. ومن رواياتها ايضا

ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «تكبر ليلة الفطر وصبيحة الفطر كما تكبر في العشر».

أقول : الظاهر ان المراد بالعشر يعنى عشر صلوات في الأمصار في الأضحى والمراد استحباب التكبير أو وجوبه في هذا الموضع كما في ذلك الموضع ، ولا يلزم منه اتحاد الكيفية.

و (اما ثانيا) فان ما ذكره ـ من ان هذه الرواية هي الأصل في هذا الحكم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة العيد.

(٤) البقرة الآية ١٨١.

٢٧٨

وانه ينبغي العمل بها وان ضعف سندها ـ إنما ألجأه إليه ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ، وذلك فان الخبر الضعيف عنده ليس بدليل شرعي ومن عادته وقاعدته رد الأخبار الضعيفة في كتابه ، وبموجب ذلك انه لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ولا يجوز بناؤها عليه ، ومن قاعدته تقديم العمل بالبراءة الأصلية على الأخبار الضعيفة ، فكيف خرج عن قاعدته هنا واحتج بهذه الحجة الواهية التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لأوهن البيوت ـ مضاهية؟ على انك قد عرفت وجود الأخبار في الحكم المذكور غير هذه الرواية كرواية معاوية بن عمار ، فإنها قد تضمنت الأمر بالتكبير وان لم تدل على كيفيته ، ورواية الأعمش وان اشتملت على كيفيته إلا ان في رواية الأعمش زيادة على ما نقله في رواية النقاش في آخر التكبير «والحمد لله على ما أبلانا» وهذه الزيادة أيضا موجودة في رواية النقاش بنقل الصدوق لها في الفقيه (١) وأما على نقل الشيخ في التهذيب (٢) وهو الذي أخذ منه فهو كما نقله هنا. وبالجملة فهو معذور في ما ذكره حيث لم يعط التأمل حقه في تتبع الأخبار والوقوف عليها في مظانها وان لم يكن معذورا حقيقة لما ذكرناه.

وكيف كان فان ظاهر رواية النقاش هو الاستحباب ، إذ الظاهر من قوله «مسنون» انما هو المستحب لا ما ثبت وجوبه بالسنة كما يدل عليه السياق ، وعلى ذلك تحمل الآية المذكورة في الخبر ، لأنه لو أريد بها الوجوب لكان حق العبارة في الخبر ان يقال انه مفروض أى واجب بالكتاب ، ويؤيد ذلك ما يأتي في صحيحة على بن جعفر (٣) وأما لفظ الوجوب في الخبرين المتقدمين ففيه ما عرفت مما قدمناه في غير موضع من مباحث الكتاب من ان هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة ، فإنه وان كان في اصطلاح أرباب الأصول بمعنى ما يترتب العقاب على تركه لكنه في الأخبار أعم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة العيد.

(٢) ج ١ ص ٢٩٠ عن الكليني.

(٣) ص ٢٨١.

٢٧٩

من ذلك كما لا يخفى على من تدبر الأخبار وجاس خلال الديار.

الثاني ـ في وجوبه أو استحبابه في عيد الأضحى ، والمشهور الاستحباب ايضا ونقل عن المرتضى وابن الجنيد والشيخ في الاستبصار الوجوب.

قال في المدارك بعد ذكر المصنف تكبير الأضحى : المشهور بين الأصحاب ان ذلك على سبيل الاستحباب ايضا ، وقال المرتضى وابن الجنيد والشيخ في الاستبصار بالوجوب لما رواه محمد بن مسلم في الحسن (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٢) قال التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الأمصار عشر صلوات فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار». انتهى. ثم نقل الاختلاف في الكيفية.

أقول : ظاهر كلامه (زيد في مقامه) ـ حيث ذكر ان المشهور هو الاستحباب ولم ينقل عليه دليلا ثم نقل القول بالوجوب وأورد له دليلا الحسنة المذكورة ثم تجاوز عن المقام الى نقل الاختلاف في الكيفية ، ولم يرجح شيئا من القولين ولم يتكلم بشي‌ء في البين ـ هو التوقف في الحكم بل ربما أشعر بالميل الى الوجوب حيث نقل ما يدل عليه ولم يطعن فيه بشي‌ء كما هي عادته إذا لم يرتض القول بالخبر ، مع عدم تعرضه لنقل دليل مقابله.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة الحسنة التي ذكرها ، ولا يخفى ان وصفه لها بالحسن انما هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عرفت اضطراب كلامه فيه ما بين ان يرد روايته بالضعف وما بين ان يصفها بالحسن كما هنا وما بين أن يصفها

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد. وفيه كما في الفروع ج ١ ص ٣٠٦ «فإذا نفر بعد الاولى» وفي التهذيب ج ١ ص ٥٢٣ عن الكليني والوافي باب التكبير في أيام التشريق من الحج كما هنا.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٩.

٢٨٠