الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

قال : «التكبير في الفطر والأضحى اثنتا عشرة تكبيرة : يكبر في الأولى واحدة ثم يقرأ ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات والسابعة يركع بها ، ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا والخامسة يركع بها. الحديث».

وعن يعقوب بن يقطين في الصحيح (١) قال : «سألت العبد الصالح (عليه‌السلام) عن التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ وكم عدد التكبير في الاولى وفي الثانية والدعاء بينهما وهل فيهما قنوت أم لا؟ فقال تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ ويكبر خمسا ويدعو بينهما ثم يكبر اخرى ويركع بها فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها ، ثم يكبر في الثانية خمسا : يقوم فيقرأ ثم يكبر أربعا ويدعو بينهن ثم يكبر التكبيرة الخامسة».

وعن إسماعيل الجعفي عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) «في صلاة العيدين قال يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ أم الكتاب وسورة ثم يكبر خمسا يقنت بينهن ثم يكبر واحدة ويركع بها ، ثم يقوم فيقرأ أم القرآن وسورة ، يقرأ في الأولى «سبح اسم ربك الأعلى» وفي الثانية «والشمس وضحاها» ثم يكبر أربعا ويقنت بينهن ثم يركع بالخامسة».

وعن محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير في الفطر والأضحى فقال ابدأ فكبر تكبيرة ثم تقرأ ثم تكبر بعد القراءة خمس تكبيرات ثم تركع بالسابعة ، ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات ثم تركع بالخامسة».

وعن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر فقال ركعتين بغير أذان ولا اقامة ، وينبغي للإمام أن يصلى قبل الخطبة ، والتكبير في الركعة الأولى يكبر ستا ثم يقرأ ثم يكبر السابعة ثم يركع بها فتلك سبع تكبيرات ، ثم يقوم في الثانية فيقرأ فإذا فرغ من القراءة كبر أربعا ثم يكبر الخامسة ويركع بها. الحديث». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من صلاة العيد.

٢٤١

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد وقع الخلاف هنا في مواضع (الأول) في التكبيرات الزائدة وهي التكبيرات التسع هل هي واجبة أو مستحبة؟ فالذي عليه الأكثر ـ ومنهم السيد المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس ـ الوجوب وقال الشيخ المفيد في المقنعة : من أخل بالتكبيرات التسع لم يكن مأثوما إلا انه يكون تاركا سنة ومهملا فضيلة. وهو صريح في الاستحباب.

واستدل له الشيخ في التهذيب بصحيحة زرارة (١) قال : «ان عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الصلاة في العيدين فقال الصلاة فيهما سواء : يكبر الإمام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود ، وان شاء ثلاثا وخمسا وان شاء خمسا وسبعا بعد ان يلحق ذلك الى وتر». قال الشيخ : ألا ترى انه جوز الاقتصار على الثلاث تكبيرات وعلى الخمس تكبيرات وهذا يدل على ان الإخلال بها لا يضر الصلاة.

والى هذا القول مال جملة من المتأخرين : منهم ـ المحقق في المعتبر وغيره. وأجاب في الاستبصار عن هذه الرواية وما في معناها بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب كثير من العامة (٢) قال ولسنا نعمل به وإجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه.

واستدل في المدارك للقول المشهور ـ حيث اختاره وجعله الأصح ـ بالتأسي وظاهر الأمر.

وأنت خبير بان استدلاله بالتأسي هنا لا وجه له وان وقع منه مثله في غير موضع كما وقع منه رد ذلك أيضا في غير موضع ، وهذا من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه كما تقدمت الإشارة إليه في مواضع من الكتاب. والتأسي انما يمكن الاستدلال به على الوجوب في ما علم وجوبه على المعصوم (عليه‌السلام) لا مطلقا كما

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من صلاة العيد.

(٢) نيل الأوطار ج ٣ ص ٢٥٣ والبحر الرائق ج ٢ ص ١٦٠.

٢٤٢

صرحوا به في الأصول. نعم الاستدلال بظاهر الأمر جيد.

ثم ان مما يؤيد ما ذكره الشيخ من صحيحة زرارة ما رواه عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن التكبير في الفطر والأضحى قال خمس واربع فلا يضرك إذا انصرفت على وتر». قوله «خمس واربع» يعني خمس في الأولى وأربع في الثانية من غير إضافة تكبيرة الإحرام ولا تكبيرة الركوع. وقوله «فلا يضرك إذا انصرفت على وتر» يعنى ان السنة في التكبيرات هو ما ذكرنا من التسع على الوجه المذكور إلا انه لا يضرك الاقتصار على ما دون ذلك مع كون إتمام التكبير على وتر فيهما معا كما في الخبر ، أو في كل واحدة كما في صحيحة زرارة المذكورة.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) بعد أن ذكر أولا كيفية الصلاة على نحو ما قدمناه في الأخبار : وروى ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) صلى بالناس صلاة العيد فكبر في الركعة الأولى بثلاث تكبيرات وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما «سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية» وروى انه كبر في الأولى بسبع وكبر في الثانية بخمس وركع بالخامسة ، وقنت بين كل تكبيرتين.

وكيف كان فالأقرب هو القول المشهور مع تأيده بالاحتياط وتوقف الخروج عن عهدة التكليف على الإتيان بذلك وتعين حمل ما خالفه على التقية (٣) كما صرح به في الاستبصار. والله العالم.

الثاني ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التكبير في الركعتين هل هو بعد القراءة فيهما معا أو في الثانية خاصة وأما الأولى فقبلها أو يفرق في الثانية فتجعل واحدة قبل القراءة والباقي بعدها؟ على أقوال ، والمشهور الأول ونقله في المدارك عن معظم الأصحاب ، قال : ومنهم ـ الشيخ والمرتضى وابن بابويه وابن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من صلاة العيد.

(٢) ص ١٢.

(٣) التعليقة ٢ ص ٢٤٢.

٢٤٣

ابى عقيل وابن حمزة وابن إدريس ، وقال ابن الجنيد التكبير في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها ، وقال الشيخ المفيد يكبر للقيام إلى الثانية قبل القراءة ثم يكبر بعد القراءة ثلاثا ويقنت ثلاثا. وهذا القول نقله في المختلف عن السيد المرتضى والشيخ المفيد وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة.

قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : مسألة ـ قال الشيخ يبدأ بعد تكبيرة الإحرام بالقراءة ثم يكبر التكبيرات للقنوت في الركعة الاولى وفي الثانية يكبر ايضا بعد القراءة ، وهو قول السيد المرتضى وابن ابى عقيل وابن حمزة وابن إدريس وابن بابويه والمفيد وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة ، إلا ان السيد المرتضى قال : فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ ثم كبر الباقي بعد القراءة. وكذا قال المفيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة. والظاهر ان مرادهم بالتكبير السابق على القراءة في الركعة الثانية هو تكبيرة القيام إليها. ثم نقل مذهب ابن الجنيد.

أقول : وظاهره انه قول مشهور بين المتقدمين فاقتصاره في المدارك على نقل ذلك عن الشيخ المفيد خاصة غفلة منه عن ملاحظة ما في المختلف بل عده ابن بابويه والمرتضى من جملة القائلين بالقول المشهور مع ان الأمر ليس كذلك ، أما المرتضى فلما عرفت من عبارة المختلف واما ابن بابويه فلما ذكره في الفقيه حيث قال : يبدأ الإمام فيكبر واحدة ثم يقرأ الحمد و «سبح اسم ربك الأعلى» ثم يكبر خمسا يقنت بين كل تكبيرتين ثم يركع بالسابعة ويسجد سجدتين فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ الحمد و «الشمس وضحاها» ثم كبر تمام أربع تكبيرات مع تكبيرة القيام ثم يركع بالخامسة.

بقي الكلام في مستند هذا القول حيث انه خلاف ما صرحت به أخبار المسألة مما تقدم وسيأتي ان شاء الله تعالى ، وعدم وصول المستند إلينا لا يدل على العدم فإن هؤلاء الأجلاء لا يقولون بذلك إلا مع وصول النص إليهم إلا أنا غير مكلفين به مع عدم وصوله إلينا. واما مستند القول المشهور فهو ما قدمناه من الأخبار.

٢٤٤

واما ما ذهب اليه ابن الجنيد فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله ابن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة وفي الأخيرة خمس بعد القراءة».

وعن إسماعيل بن سعد الأشعري في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن التكبير في العيدين قال التكبير في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الأخيرة خمس تكبيرات بعد القراءة».

وعن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله وحماد عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في صلاة العيدين قال تصل القراءة بالقراءة ، وقال تبدأ بالتكبير في الاولى ثم تقرأ ثم تركع بالسابعة».

وعن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر فقال ركعتين بغير أذان ولا اقامة. الخبر». وقد تقدم في صدر البحث.

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه عن ابى الصباح الكناني (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير في العيدين فقال اثنتا عشرة سبع في الاولى وخمس في الأخيرة ، فإذا قمت في الصلاة فكبر واحدة وتقول اشهد ان لا إله إلا الله. ثم ساق التكبيرات والأدعية بعدها الى أن قال وتقرأ الحمد و «سبح اسم ربك الأعلى» وتكبر السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد و «الشمس وضحاها» وتقول الله أكبر اشهد أن لا إله إلا الله.» ثم ساق التكبيرات وأدعيتها.

وأجاب الشيخ في التهذيبين عن هذه الروايات بأنها موافقة لمذهب بعض العامة (٦) قال في المعتبر بعد نقل ذلك عنه : وليس هذا التأويل بحسن فان ابن بابويه ذكر ذلك في كتابه بعد أن ذكر في خطبته انه لا يودعه إلا ما هو حجة ، قال

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من صلاة العيد.

(٥) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة العيد.

(٦) نيل الأوطار ج ٣ ص ٢٥٣.

٢٤٥

والأولى ان يقال فيه روايتان أشهرهما بين الأصحاب ما اختاره الشيخ. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو حسن. أقول ـ وبالله سبحانه التوفيق الى هدايته سواء الطريق ـ ما ذكره هذان الفاضلان محل نظر عندي من وجوه :

الأول ـ انه لا يخفى على من تأمل كتاب من لا يحضره الفقيه ونظره ولاحظه بعين التدبر والتفكر انه لم يبق مصنفه على هذه القاعدة التي ذكرها في صدر كتابه (١) أو انه أراد بها معنى غير ما يتسارع اليه فهم الناظر فيها ، حيث انه أورد في الكتاب جملا من الأخبار الظاهرة التناقض من غير تعرض للجمع بينها وجملا من الاخبار الشاذة النادرة الظاهرة في الموافقة للعامة وجملا من الاخبار المخالفة لما عليه كافة علماء الفرقة سلفا وخلفا ، مثل خبر الوضوء والغسل بماء الورد (٢) وخبر نقض الطهارة بمجرد مس الذكر (٣) وخبر طهارة جلد الميتة (٤) وأمثال ذلك مما مر بنا حال قراءة

__________________

(١) ج ١ ص ٦.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الماء المضاف عن الكليني ورواها الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٦٢ عن الكليني وكذا في الاستبصار ج ١ ص ١٤ والصدوق لم يورد ذلك في الفقيه بنحو الرواية وانما ذكره ج ١ ص ٦ بنحو الفتوى. هذا على تقدير ان تكون العبارة ـ كما نقلها المصنف (قدس‌سره) ج ١ ص ٣٩٤ ـ هكذا «ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد» واما على تقدير أن تكون العبارة ـ كما هي في الفقيه ـ هكذا «ولا بأس بالوضوء منه والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد» فلا دلالة لها على جواز الوضوء والغسل بماء الورد أصلا وانما تتعرض للاستياك بماء الورد فقط إذ هي واردة عقيب خبر بلوغ الماء القلتين وانه لا ينجسه شي‌ء فهي ناظرة إلى جواز الوضوء والغسل من الماء البالغ قلتين وضمير «منه» راجع إليه.

(٣) الوسائل الباب ٩ من نواقض الوضوء عن الشيخ ولم يورده في الفقيه بنحو الرواية وانما ذكره ج ١ ص ٣٩ بنحو الفتوى.

(٤) الوسائل الباب ٣٤ من النجاسات.

٢٤٦

بعض الأخوان في الكتاب علينا. وبالجملة فإنا قد صار الأمر عندنا في عبارته المذكورة بناء على ما وقفنا عليه في كتابه مما لا شك في عدم العمل بها على ظاهرها كما يقف عليه المتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير.

الثاني ـ ان ما ذكروه ـ من حجية ما ذكره ابن بابويه في كتابه بناء على ما قدمه في صدره ـ لا نراهم يقفون عليه دائما ولا يجعلونه كليا وانما يدورون فيه مدار أغراضهم ومقاصدهم ، فتارة يحتجون بما في الكتاب بناء على القاعدة المذكورة في صدره وتارة يرمون اخباره بضعف السند إذا لم تكن صحيحة باصطلاحهم ويغمضون النظر عن هذه القاعدة ويلغون ما فيها من الفائدة كما لا يخفى على من تتبع كتاب المدارك في غير مقام. ومقتضى الوقوف على هذه القاعدة هو الجواب عن اخباره بغير ضعف السند كما لا يخفى.

الثالث ـ ان مرجع كلام هذا القائل إلى التخيير ، وفيه انه لا يخفى ان التخيير حكم شرعي يتوقف على ثبوت الدليل الواضح كغيره من الأحكام الشرعية ، ومجرد اختلاف الأخبار لا يصلح لان يكون دليلا على ذلك وإلا لكان ذلك قاعدة كلية في مواضع اختلاف الأخبار ولا أظن هذا القائل يلتزمه ، والاخبار المذكورة عارية عن الإشارة فضلا عن الدلالة الظاهرة على ما ادعاه.

الرابع ـ ان الأئمة (عليهم‌السلام) قد قرروا لنا قواعد لاختلاف الأخبار وأمروا بالرجوع إليها في الترجيح بينها والأخذ بالراجح في هذا المضمار ومنها العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه (١).

والعامة وان كانوا في هذه المسألة مختلفين أيضا إلا ان جملة منهم ـ كما نقله في المنتهى ـ على التقديم مطلقا وجملة منهم على التقديم على القراءة في الاولى والتأخير في الثانية كما هو مذهب ابن الجنيد ، ونقل الأول في المنتهى عن الشافعي قال : وهو المروي عن أبي هريرة والفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والليث

__________________

(١) الوسائل الباب من ٩ صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

٢٤٧

واحمد في إحدى الروايتين ، ونقل الثاني عن أحمد في الرواية الأخرى وابن مسعود وحذيفة وابى موسى والحسن وابن سيرين والثوري ، قال وبه قال أصحاب الرأي (١)

ومنه يظهر ان اخبار القول المشهور سالمة من تطرق احتمال التقية بالكلية حيث لا قائل منهم بالتأخير في الركعتين معا وهذه الأخبار موافقة لأهل القول الثاني الذين من جملتهم أبو حنيفة واتباعه وهم المشار إليهم بأصحاب الرأي ، ولا ريب ان مذهب أبي حنيفة في عصره كان في غاية القوة والشيوع كما لا يخفى على من لاحظ السير والأخبار فيتعين حملها على التقية.

ولكن بعض المتصلفين من أصحاب هذا الاصطلاح كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم يتهافتون على صحة الأسانيد فإذا كان الخبر صحيحا باصطلاحهم جمدوا عليه وان كان مضمونه مخالفا للقواعد الشرعية ومشتملا على العلل الظاهرة غير الخفية ، ومتى كان الخبر ضعيفا باصطلاحهم أعرضوا عنه وان اعتضد بموافقة الأصول والكتاب والشهرة بين الأصحاب إلا ان تلجئهم الحاجة إليه فيغمضون عن ذلك.

ومما يعضد ما ذكرناه اتفاق الأصحاب على العمل بمضمون ما قدمناه من الأخبار والإعراض عن هذه الأخبار قديما وحديثا سوى ابن الجنيد الذي قد طعنوا عليه بموافقته للعامة في جملة فتاواه بل عمله بالقياس الذي هو من أصول العامة. وبالجملة فالحق هو القول المشهور.

وقد وافقنا في هذا المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك في جل الأحكام والجمود على أقواله وأدلته وتشييدها ، فقال بعد نقل الجمع بين الأخبار بحمل اخبار ابن الجنيد على التقية : وهو حسن. وقال بعد نقل كلام المعتبر الذي استحسنه صاحب المدارك : وفيه تأمل لا يخفى على المتدبر.

وبالجملة فالجمع بما ذكره الشيخ (قدس‌سره) بين الأخبار جيد لا يعتريه عند

__________________

(١) نيل الأوطار ج ٣ ص ٢٥٣.

٢٤٨

الإنصاف شبهة الإنكار. والله العالم.

الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في القنوت بعد التكبيرات السبع هل هو واجب أو مستحب؟ فالأكثر على الأول وهو الذي عليه المعول ونص المرتضى كما ذكره في الذكرى على انه مما انفرد به الإمامية ، وقال الشيخ في الخلاف انه مستحب لأن الأصل براءة الذمة من الوجوب.

وظاهر صاحب المدارك الميل الى ذلك فإنه بعد ان احتج للقول الأول بروايتي يعقوب بن يقطين وإسماعيل بن جابر (١) نقل عن الشيخ في الخلاف القول بالاستحباب والاحتجاج عليه بأصالة براءة الذمة من الوجوب. قال وجوابه ان الأصل يصار الى خلافه لدليل وقد بيناه. ثم قال : وقد يقال ان هاتين الروايتين لا تنهضان حجة في إثبات حكم مخالف للأصل خصوصا مع معارضتهما بعدة أخبار واردة في مقام البيان خالية من ذكر القنوت.

وأنت خبير بما فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه (أما أولا) فلأنه قد حكم بصحة رواية يعقوب بن يقطين في صدر هذه المقالة في الاستدلال على بيان الكيفية والأمر كذلك وان ذكرها هنا عارية عن وصف الصحة ، وحينئذ فتمسكه بالأصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح الذي هو دليل شرعي عنده خروج عن قاعدته في هذا الكتاب بل القاعدة المتفق عليها بين الأصحاب.

و (أما ثانيا) فان الفصل بالقنوت والأمر به هنا ليس منحصرا في هاتين الروايتين بل هو موجود في جملة من الأخبار :

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الكلام الذي يتكلم به في ما بين التكبيرتين في العيدين فقال ما شئت من الكلام الحسن».

__________________

(١) ص ٢٤١.

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة العيد.

٢٤٩

وفي رواية على بن أبي حمزة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال في الركعة الاولى : «ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين. الى ان قال في الثانية : ثم يكبر أربعا فيقنت بين كل تكبيرتين».

وفي رواية بشر بن سعيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين : الله ربي. الى آخره».

وفي رواية محمد بن عيسى بن ابى منصور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «تقول بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين : اللهم أهل الكبرياء.».

وفي رواية جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين : اشهد ان لا إله إلا الله. الى آخره».

وفي موثقة سماعة (٥) «وينبغي ان يتضرع بين كل تكبيرتين ويدعو الله».

ولفظ «ينبغي» في الأخبار كما قدمنا بيانه مشترك بين الوجوب والاستحباب.

وفي رواية الكناني (٦) «فكبر واحدة وتقول أشهد ان لا إله إلا الله. الى آخره».

ثم ساق التكبيرات والأدعية على أثرها.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٧) «تكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات تقنت بين كل تكبيرتين ، والقنوت أن تقول. الى آخره».

و (أما ثالثا) فان ما ذكره ـ من المعارضة بعدة من الأخبار الواردة في مقام البيان خالية من ذكر القنوت ـ مردود بان غايتها ان تكون مطلقة بالنسبة إلى الإتيان بالقنوت وعدمه لا انها دالة على نفيه ، ومقتضى الجمع بينها وبين ما ذكرنا من الأخبار هو حمل إطلاقها على هذه الأخبار المقيدة كما هو مقتضى القاعدة المطردة على انه يمكن ان يقال ـ بل هو الظاهر لا على طريق الاحتمال ـ ان كون المقام في تلك الأخبار مقام البيان انما هو بالنسبة إلى التكبيرات كما وكيفا لاختلاف الأخبار

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من صلاة العيد.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة العيد.

(٧) ص ١٢.

٢٥٠

كما عرفت آنفا ـ في ذلك وكون بعضها انما خرج مخرج التقية كما قدمنا ذكره في روايات ابن الجنيد الدالة على ان التكبير في الأولى قبل القراءة (١) وكما تقدم نقله (٢) عن الشيخ في الاستبصار في الجواب عن رواية عبد الملك بن أعين الدالة في التكبير على التخيير «ان شاء ثلاثا وخمسا وان شاء خمسا وسبعا بعد ان يلحق ذلك الى وتر» ونحوها مما قدمنا ذكره ، وحينئذ فإذا كان الاختلاف في التكبير على هذا الوجه يكون الغرض من هذه الأخبار البيان بالنسبة إلى الوجه المذكور لا بالنسبة إلى كيفية الصلاة ، ويعضد ذلك ان هذه الروايات التي زعم ورودها في مقام البيان انما تضمنت التكبير خاصة دون غيره مما يتعلق بكيفية الصلاة.

ومن ذلك يظهر لك ان الظاهر هو القول المشهور من الوجوب في القنوت لوقوع الأمر به في جملة من هذه الأخبار وان كان بالجملة الفعلية ، ويعضده توقف يقين البراءة عليه.

وبذلك يتبين لك ايضا ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث انه تبع صاحب المدارك في الاستناد الى مقام البيان في تلك الأخبار الخالية من ذكر القنوت كما هي عادته غالبا. والله العالم.

الرابع ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوب قراءة سورة بعد الحمد وانه لا يتعين في ذلك سورة مخصوصة قاله في التذكرة ، وانما اختلفوا في الأفضل ، فنقل عن الشيخ في الخلاف والمفيد والسيد المرتضى وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة انه الشمس في الاولى والغاشية في الثانية ، وقال الشيخ في المبسوط والنهاية انه يقرأ في الأولى الأعلى وفي الثانية الشمس ، وهو قول ابن بابويه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه.

وقال في الذكرى : يجب قراءة الحمد وسورة معها كسائر الفرائض ، ولا خلاف في عدم تعين سورة وانما الخلاف في الأفضل ، فذهب جماعة إلى انه يقرأ

__________________

(١) ص ٢٤٥.

(٢) ص ٢٤٢.

٢٥١

الأعلى في الاولى والشمس في الثانية ، وقال آخرون الشمس في الاولى والغاشية في الثانية ، وهذان القولان مشهوران ، وقال على بن بابويه يقرأ في الأولى الغاشية وفي الثانية الأعلى ، وقال ابن ابى عقيل يقرأ في الأولى الغاشية وفي الثانية والشمس.

وقال في المدارك بعد ذكر القول الأول : وعليه دلت صحيحة جميل (١) لانه قال : «وسألته ما يقرأ فيهما؟ قال والشمس وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما». ثم نقل القول الثاني وذكر انه رواه إسماعيل بن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) ثم رد الرواية بضعف السند وقال : والعمل على الأول لصحة مستنده. انتهى.

أقول : لا يخفى ان هذه الصحيحة التي نقلها دليلا للقول الأول واختاره لأجلها لا دلالة فيها على ذلك إذ لا اشعار فيها فضلا عن التصريح أو الظهور بما ذكره هؤلاء المشار إليهم ، فان المدعى في كلامهم هو أفضلية الشمس في الاولى والغاشية في الثانية ، وغاية ما تدل عليه هذه الرواية هو انه يقرأ في صلاة العيدين هاتين السورتين وأشباههما في الطول من غير تعرض لافضلية هاتين السورتين على غيرهما ولا تعرض لوظيفة الركعة الاولى والثانية من هذه السور ، وانما الدليل على هذا القول ما رواه في الكافي بطريق فيه محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية ابن عمار وقد تقدمت في صدر البحث (٣) وهذه الرواية هي الرواية الصريحة في هذا القول وهي التي اعتمد عليها القائلون به ، والظاهر انه انما عدل عنها لضعف سندها ولم ير في هذا الباب رواية صحيحة السند إلا هذه الرواية فالتجأ إلى الاستدلال بها على القول المذكور ، وهي عن الدلالة بمعزل لما عرفت من انها لا خصوصية فيها لهاتين السورتين بل هما وما شابههما ومن الظاهر دخول سورة الأعلى ونحوها في ذلك المشابه ، ولا تعرض فيها لبيان وظيفة كل ركعة والمدعى ذلك وهو محل الخلاف إذ لا خلاف ولا نزاع في اجزاء هذه السور كيف اتفق انما الخلاف في بيان الفضيلة في التوظيف وتخصيص كل ركعة بسورة فكيف تصلح هذه الرواية للمدعى والحال

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من صلاة العيد.

(٢) ص ٢٤١.

(٣) ص ٢٤٠.

٢٥٢

كما عرفت؟ ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب لهم الوقوع في أمثال ما قلناه من المجازفات التي تتطرق إليها المناقشات ، والواجب بمقتضى العمل باصطلاحه هو ضرب الصفح عن الكلام في هذه المسألة وترجيح شي‌ء من القولين لان اخبار القولين كلها ضعيفة باصطلاحه ، وهذا أحد مفاسد هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح.

وكيف كان فالذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما عرفته من رواية معاوية بن عمار (١) وفيها والشمس وضحاها في الأولى والغاشية في الثانية ، ورواية إسماعيل بن جابر (٢) وفيها سبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى وفي الثانية والشمس وضحاها ، والأولى دليل القول الأول والثانية دليل القول الثاني كما عرفت ، ورواية أبي الصباح الكناني المتقدم نقلها عن الفقيه (٣) وفيها سبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى والشمس وضحاها في الركعة الثانية وهي موافقة لرواية إسماعيل بن جابر فتكون دليلا للقول الثاني.

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٤) : واقرأ في الركعة الأولى هل أتاك حديث الغاشية وفي الثانية والشمس وضحاها أو سبح اسم ربك الأعلى. الى ان قال وروى ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) صلى بالناس صلاة العيد فكبر في الأولى بثلاث تكبيرات وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية.

وفي صحيحة جميل المذكورة آنفا ان الذي يقرأ فيهما الشمس وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما.

وأنت خبير بأنه من المحتمل قريبا ان تعيين بعض هذه السور في الركعة الاولى والثانية انما وقع على جهة التمثيل لا الاختصاص على جهة الأفضلية كما ادعوه فإنه لا قرينة في شي‌ء من هذه الأخبار تؤنس بهذه الأفضلية ولا إشعار بالكلية وانما غاية ما تدل عليه انه يقرأ فيها سورة كذا ، ويعضد ذلك إطلاق صحيحة جميل وإطلاق

__________________

(١) ص ٢٤٠.

(٢) ص ٢٤١.

(٣) ص ٢٤٥.

(٤) ص ١٢.

٢٥٣

ما نقله في كتاب الفقه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ويشير اليه قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه وفي الثانية والشمس وضحاها أو سبح اسم ربك الأعلى. ومن كلامه (عليه‌السلام) في الفقه يعلم مستند الشيخ على بن بابويه وابن ابى عقيل في ما تقدم نقله عنهما حيث انهما اتفقا على الغاشية في الاولى واختلفا في الثانية فأحدهما ذكر سورة الشمس والأخر سورة الأعلى ، والرواية المذكورة قد دلت على التخيير في الثانية بين هاتين السورتين. والله العالم.

الخامس ـ المشهور انه لا يتعين في القنوت لفظ مخصوص للأصل ، وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال «سألته عن الكلام الذي يتكلم به في ما بين التكبيرتين في العيدين فقال ما شئت من الكلام الحسن».

ويعضده اختلاف الروايات في القنوت المرسوم عنهم (عليهم‌السلام). وربما ظهر من عبارة الشيخ ابى الصلاح قصر الوجوب بما ورد عنهم (عليهم‌السلام) فإنه قال : فيلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول : اللهم أهل الكبرياء والعظمة. الى آخره. قال في الذكرى فإن أراد به الوجوب تخييرا والأفضلية فحق وان أراد به الوجوب عينا فممنوع. وهو جيد.

أقول : ومن الأخبار الواردة عنهم (عليهم‌السلام) في القنوت في هذه الصلاة ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسى بن ابى منصور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تقول بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين : اللهم أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك وصل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ بك

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة العيد.

٢٥٤

منه عبادك المرسلون».

وعن جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله اللهم أهل الكبرياء.» وذكر الدعاء المتقدم الى آخره.

وعن بشر بن سعيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين : الله ربي أبدا والإسلام ديني أبدا ومحمد نبيي أبدا والقرآن كتابي أبدا والكعبة قبلتي أبدا وعلى وليي أبدا والأوصياء أئمتي أبدا ـ وتسميهم الى آخرهم ـ ولا أحد إلا الله».

وما رواه في التهذيب والفقيه عن محمد بن الفضيل عن ابى الصباح الكناني (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير في العيدين فقال اثنتي عشرة سبع في الاولى وخمس في الأخيرة فإذا قمت في الصلاة فكبر واحدة وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله اللهمّ أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت والقدرة والسلطان والعزة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد وان تصلى على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وان تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المخلصون ، الله أكبر أول كل شي‌ء وآخره وبديع كل شي‌ء ومنتهاه وعالم كل شي‌ء ومعاده ومصير كل شي‌ء ومرده ومدبر الأمور وباعث من في القبور قابل الأعمال مبدئ الخفيات معلن السرائر ، الله أكبر عظيم الملكوت شديد الجبروت حي لا يموت دائم لا يزول إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، الله أكبر خشعت لك الأصوات وعنت لك الوجوه وحارت دونك الأبصار وكلت الألسن عن عظمتك

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة العيد.

٢٥٥

والنواصي كلها بيدك ومقادير الأمور كلها إليك لا يقضى فيها غيرك ولا يتم منها شي‌ء دونك ، الله أكبر أحاط بكل شي‌ء حفظك وقهر كل شي‌ء عزك ونفذ كل شي‌ء أمرك وقام كل شي‌ء بك وتواضع كل شي‌ء لعظمتك وذلك كل شي‌ء لعزتك واستسلم كل شي‌ء لقدرتك وخضع كل شي‌ء لملكك الله أكبر ، وتقرأ الحمد وسبح اسم ربك الأعلى وتكبر السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد والشمس وضحاها وتقول الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله ، اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة. تتمه كله كما قلت أول التكبير يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات».

وقال الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (١) «تقنت بين كل تكبيرتين والقنوت ان تقول : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله اللهمّ أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والمغفرة وأهل التقوى والرحمة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد وأسألك بهذا اليوم الذي شرفته وكرمته وعظمته وفضلته بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن تغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك مجيب الدعوات يا ارحم الراحمين».

وقال الشيخ في المتهجد (٢) في القنوت : ثم يرفع يديه بالتكبير فإذا كبر قال اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذخرا ومزيدا ان تصلى على محمد وآل محمد وان تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد وان تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد صلواتك عليه وعليهم اللهم إني أسألك خير ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون.

__________________

(١) ص ١٢.

(٢) ص ٤٥٤ وفي آخره «عبادك المخلصون».

٢٥٦

قال شيخنا المجلسي في البحار : واما ما ذكره الشيخ في المصباح فلم أره في رواية والظاهر انه مأخوذ من رواية معتبرة عنده اختاره فيه إذ لا سبيل الى الاجتهاد في مثل ذلك. انتهى.

أقول : ويعضده ما ذكره السيد الزاهد العابد رضى الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب الإقبال حيث قال : واعلم أنا وقفنا على عدة روايات في صفات صلاة العيد بإسنادنا الى ابن أبي قرة والى ابى جعفر بن بابويه والى ابى جعفر الطوسي وها نحن نذكر رواية واحدة ، ثم ذكر رواية المتهجد كما ذكرنا من القنوت وغيره مما لم نذكره.

بقي الكلام هنا في فوائد تتعلق بالمقام وبها يتم ما يتعلق به من الأحكام :

الأولى ـ لا يخفى ان ظاهر الروايات المتقدمة ان القنوتات في الركعة الأولى انما هي أربعة وفي الثانية انما هي ثلاثة لنصها على ان القنوت بين التكبيرات وقضية البينة انه لا قنوت بعد التكبير الخامس في الركعة الأولى ولا بعد الرابع في الركعة الثانية ، وبذلك عبر الشيخ في النهاية والمبسوط والصدوق في الفقيه وغيرهما ، والمعروف من كلام جل الأصحاب ان القنوت بعدد التكبيرات وانه بعد كل تكبير قنوت فتكون القنوتات في الأولى خمسة وفي الثانية أربعة ، وقد تقدم في كلام الشيخ المفيد ومن تبعه ان التكبيرات في الركعة الثانية بعد القراءة ثلاث ومعها ثلاثة قنوتات.

ويمكن حمل البينية في الأخبار على الأغلب بمعنى انه لما كان أكثر القنوتات واقعا بين التكبيرات ـ إذ لا يتخلف عن ذلك إلا القنوت الذي بعد التكبيرة الخامسة في الركعة الأولى والذي بعد الرابعة في الركعة الثانية ـ صح إطلاق البينية على الجميع تجوزا وباب المجاز واسع.

وعلى ذلك يحمل كلام من عبر بهذه العبارة من الأصحاب ، قال في المدارك بعد قول المصنف «ثم يكبر أربعا ويقنت بينها أربعا» ما لفظه : واعلم ان في قول المصنف ـ ثم يكبر أربعا ويقنت بينها أربعا ـ تجوزا لأنه إذا كانت التكبيرات أربعا لم يتحقق

٢٥٧

كون القنوت بينها أربعا بل ثلاثا وكان الأظهر أن يقول بعد كل تكبيرة. ثم ذكر ان المستفاد من الروايات سقوط القنوت بعد الخامسة والرابعة. إلا انه يمكن خدشه بان الحمل على خلاف الظاهر لا يصار اليه إلا مع المعارض ولا معارض هنا من الأخبار والمعارضة انما هي في كلام الأصحاب.

وربما يستعان على ما ذكرنا من الحمل المذكور برواية الكناني المتقدمة (١) المشتملة على خمسة قنوتات بعد خمس تكبيرات في الركعة الاولى وأربعة في الثانية وان كانت الرواية قد اشتملت على تقديم التكبيرات والقنوتات على القراءة كما تقدم ، واشتملت على تكبير سادس بعد التكبيرات الخمس وأدعيتها والجميع خلاف ما عليه جل الأصحاب والاخبار إلا ان ذلك أمر خارج عن ما نحن فيه.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال والأحوط هو الإتيان بالقنوت الخامس والرابع من غير ان يعتقد به الوجوب.

الثانية ـ قال في الذكرى : يستحب التوجه بالتكبيرات المستحب تقديمها في اليومية ودعواتها سواء قلنا بان تكبير العيد قبل القراءة أو بعدها ، وربما خطر لبعضهم سقوط دعاء التوجه ان قلنا بتقديم التكبير ، ولا ارى له وجها لعدم المنافاة بين التوجه والقنوت بعده. انتهى.

أقول : ما ذكره هنا من استحباب التكبيرات المستحبة للتوجه في اليومية في هذه الصلاة زيادة على التكبيرات الموظفة فيها لم أقف عليه في كلام غيره من الأصحاب بل ظاهر كلامهم وكذا ظاهر الاخبار الواردة في بيان الكيفية ـ كما قدمنا شطرا منها ـ انما هو انه يكبر تكبيرة الإحرام ثم يقرأ ثم يأتي بالتكبيرات الموظفة كما هو أحد القولين أو يأتي بعد تكبيرة الإحرام بالتكبيرات الموظفة لهذه الصلاة مقدمة على القراءة ثم يقرأ بعدها كما هو القول الآخر ، ففي رواية معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث (٢) «يبدأ فيكبر ويفتتح الصلاة ثم يقرأ فاتحة الكتاب.».

__________________

(١) ص ٢٥٥.

(٢) ص ٢٤٠.

٢٥٨

وفي رواية على بن أبي حمزة «يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا». وفي رواية أبي بصير «يكبر في الأولى واحدة ثم يقرأ ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات». وفي صحيحة يعقوب بن يقطين «يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ ويكبر خمسا». وفي رواية إسماعيل الجعفي «يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ أم الكتاب وسورة ثم يكبر خمسا». وعلى هذا النهج جملة روايات المسألة كما لا يخفى على من راجعها ، وهذه الروايات المذكورة كلها قد تقدمت في صدر البحث (١) ونحوها الروايات الواردة بتقديم التكبيرات على القراءة وهي متفقة في عدم ذكر هذه التكبيرات التي ادعى استحبابها في هذه الصلاة. نعم قد تقدم في الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من الباب الثاني في الصلوات اليومية (٢) ان من جملة الأقوال في استحباب هذه التكبيرات هو استحبابها في الفرائض مطلقا وكذا في النوافل مطلقا ولعله هنا بنى على ذلك ونحن قد أوضحنا المسألة في المقام المشار إليه وبينا ان الاخبار الواردة بهذه التكبيرات وان كانت مطلقة إلا ان إطلاقها محمول على الفريضة اليومية لأنها المتبادرة من الإطلاق ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك مستوفى.

وكيف كان فمن الظاهر بل الصريح في عدم استحباب هذه التكبيرات في هذه الصلاة ما رواه الصدوق في كتابي العلل والعيون عن عبد الواحد بن عبدوس عن على بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) في العلل التي رواها عنه (عليه‌السلام) قال في الخبر : «فان قال فلم جعل سبع في الاولى وخمس في الأخيرة ولم يسو بينهما؟ قيل لأن السنة في صلاة الفريضة ان يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدئ هنا بسبع تكبيرات وجعل في الثانية خمس تكبيرات لان التحريم من التكبير في اليوم والليلة خمس تكبيرات وليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا. الحديث». وهو ظاهر كما ترى في ان هذه السبع الموظفة في هذه الصلاة

__________________

(١) ص ٢٤٠ و ٢٤١.

(٢) ج ٨ ص ٥٢.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من صلاة العيد.

٢٥٩

انما جعلت سبعا في الركعة الأولى عوضا عن السبع الافتتاحية التي في الصلوات اليومية وقضية ذلك عدم الإتيان بتلك السباع الافتتاحية الموظفة في اليومية ، وإلا لزم الجمع بين العوض والمعوض عنه ، فكيف يجمع بينهما كما ذكره (قدس‌سره) والمراد بالفريضة في هذا الخبر الصلاة اليومية ، وفيه اشعار بما قدمنا ذكره من ان إطلاق تلك الأخبار الدالة على استحباب التكبيرات الافتتاحية محمول على الصلوات اليومية. والله العالم.

الثالثة ـ يستحب رفع اليدين في كل تكبيرة كما في تكبيرات الصلاة اليومية وبه صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن يونس (١) قال : «سألته عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبيرة أم يجزئه أن يرفع في أول تكبيرة؟ فقال يرفع مع كل تكبيرة».

الرابعة ـ قال في المدارك : لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى ركع مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه لأنها ليست أركانا ولعموم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٢) «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود». وهل تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة ابن سنان (٣) «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا». نفاه المصنف في المعتبر ومن تأخر عنه لانه ذكر تجاوز محله فيسقط للأصل السالم من المعارض. انتهى. وظاهره التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل القولين وما استدل به كل منهما في البين ولم يرجح شيئا منهما.

وقال في الذكرى : لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى يركع مضى في صلاته

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من صلاة العيد.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من القراءة في الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من الركوع و ٢٣ و ٢٦ من الخلل.

٢٦٠