الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

التي قد حملوها عليها ، على ان ما ادعاه الشهيد من مشروعية الجماعة وان كانت مستحبة محل المنع كما عرفت.

وبالجملة فإن ما يفعله علماء زماننا كما حكيناه عنهم مما لا اعرف له وجه صحة على كل من القولين ، اما على القول المشهور ـ من اشتراط الوجوب العيني بوجود إمام الأصل فتكون في زمن الغيبة مستحبة ـ ففيه أنه مع تسليم ذلك فإن غاية ما دلت عليه الأخبار هو استحبابها فرادى لا جماعة كما تقدم تحقيقه ، سيما مع دلالة الأخبار المتكاثرة على عدم مشروعية الجماعة في صلاة النافلة إلا في مواضع مخصوصة وليس هذا منها ، واما على القول المختار ـ من وجوبها حال الغيبة عينا وانعقادها بإمام الجماعة حسبما مر في الجمعة ـ فإنها باستكمال الشروط من وجود الامام وإمكان الخطبة والعدد والجماعة والكون في فرسخ تكون واجبة عينا فمتى أقيمت وجب على كل من في مسافة الفرسخ السعي إليها والحضور فيها وكيف يتجه صلاتها ثانيا ندبا بناء على الحال المذكورة. ثم لو فرضنا تخلف بعض عن الحضور لعذر أو لغير عذر فغاية ما دلت عليه الأخبار انه يصليها منفردا.

وبالجملة فالحكم فيها كما في الجمعة إلا انها تزيد هنا باستحباب الصلاة فرادى مع عدم إدراك الجماعة أو تعذر حضورها ، وأما الصلاة جماعة فكما انه تحرم الجمعة الثانية بعد إقامتها أولا كذلك تحرم صلاة العيد ثانيا جماعة بعد الإتيان بها أولا ، ولهذا انا نعجل الصلاة بها حال طلوع الشمس ليتوجه البطلان الى من صلى بعدنا. والله العالم

المسألة الرابعة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على سقوط صلاة العيدين عن كل من تسقط عنه صلاة الجمعة ، قال في التذكرة انما تجب صلاة العيد على من تجب عليه الجمعة عند علمائنا أجمع. وقال في المنتهى لا نعرف فيه خلافا.

قال في المدارك : ويدل عليه أصالة براءة الذمة من وجوب هذه الصلاة على من لا تجب عليه الجمعة السالمة عن ما يصلح للمعارضة لانتفاء ما يدل على العموم في من تجب عليه.

٢٢١

وفيه نظر ظاهر وكيف لا والأخبار التي قدمناها في المسألة الأولى ظاهرة الدلالة في العموم فإنه لا ريب ان الخطاب فيها راجع الى جميع المكلفين فان قولهم (عليهم‌السلام) (١) : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة». يعنى على كل مكلف إلا ما خرج بدليل وارد عنهم (عليهم‌السلام) وإلا لزم مثله في صلاة الكسوف التي قرنها بها مع ان هذا القائل لا يلتزمه ، وحينئذ فالواجب الوقوف على ما دل الدليل على خروجه من هذا العموم ويبقى ما عداه داخلا تحت خطاب التكليف.

والذي وقفت عليه في الأخبار من الافراد المستثناة عن الدخول منها المسافر لصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «إنما صلاة العيدين على المقيم ولا صلاة إلا بإمام».

وصحيحة ربعي والفضيل بن يسار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا اضحى».

وما رواه البرقي في كتاب المحاسن بسنده عن العلاء بن الفضيل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ليس في السفر جمعة ولا أضحى ولا فطر». قال ورواه ابى عن خلف بن حماد عن ربعي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٥).

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (٦) انه قال : «ليس على المسافر جمعة ولا عيد».

أقول : دلالة هذه الروايات على السقوط عن المسافر واضحة مضافا الى الإجماع المتقدم نقله.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة العيد و ١ من صلاة الكسوف.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من صلاة العيد.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة رقم ٢٩.

(٦) مستدرك الوسائل الباب ٥ من صلاة العيد.

٢٢٢

وأما ما رواه في التهذيب والفقيه عن سعد بن سعد عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المسافر إلى مكة وغيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر والأضحى؟ قال نعم إلا بمنى يوم النحر». فقد حمله الشيخ على الاستحباب ، والأظهر ـ كما ذكره في الوافي ـ ان يقيد الاستحباب بما إذا شهد المسافر بلدة يصلى فيها العيد فإنه يستحب له حضوره كما في الجمعة لا انه ينشئ صلاة العيد في سفره.

ونحو هذه الرواية أيضا موثقة سماعة (٢) قال : «سألته عن صلاة العيد قال في الأمصار كلها إلا في يوم الأضحى بمنى فإنه ليس يومئذ صلاة ولا تكبير».

وأنت خبير بان هذه الرواية ليست نصا في عدم السقوط عن المسافر بل ربما كان استثناء الأضحى بمنى مشعرا بالسقوط عن المسافر فتكون منطبقة على الأخبار المتقدمة.

ومنها ـ النساء لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «انما رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للنساء العواتق في الخروج في العيدين للتعرض للرزق».

وعن عمار بن موسى في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ فقال لا يؤم بهن ولا يخرجن وليس على النساء خروج. وقال أقلوا لهن من الهيئة حتى لا يسألن الخروج».

وما رواه في كتاب معاني الأخبار عن محمد بن شريح (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خروج النساء في العيدين فقال لا إلا العجوز عليها منقلاها يعنى الخفين».

ودلالة هذه الروايات ايضا على السقوط عن النساء واضحة مضافا الى الإجماع المتقدم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من صلاة العيد.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة العيد.

٢٢٣

إلا ان بإزاء هذه الأخبار ما يدل بظاهره على وجوب الخروج عليهن مثل ما رواه في قرب الاسناد (١) عن على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) قال : «سألته عن النساء هل عليهن صلاة العيدين والتكبير؟ قال نعم قال وسألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال؟ قال نعم. قال وسألته عن النساء هل عليهن من التطيب والتزين في الجمعة والعيدين ما على الرجال؟ قال نعم».

وما رواه في كتاب الذكرى (٢) قال روى ابن ابى عمير في الصحيح عن جماعة منهم حماد بن عثمان وهشام بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال : «لا بأس بأن تخرج النساء في العيدين للتعرض للرزق».

ومن الذكرى ايضا (٣) قال روى إبراهيم بن محمد الثقفي في كتابه بإسناده الى على (عليه‌السلام) قال : «لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين فهو عليهن واجب».

وحملها الأصحاب على الاستحباب ، والمشهور استحباب صلاة العيد لكل من سقطت عنه إلا الشواب وذوات الهيئة من النساء فإنه يكره لهن الخروج إليها.

قال في الذكرى : قال الشيخ لا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهن من النساء في صلاة الأعياد ليشهدن الصلاة ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن والجمال. وفي هذا الكلام أمران (أحدهما) ان ظاهره عدم الوجوب عليهن ولعله لما رواه ابن ابى عمير في الصحيح عن جماعة ثم ساق الرواية كما تقدمت. ثم قال إلا انه لم يخص فيها العجائز وقد روى عبد الله بن سنان قال : انما رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم ساق الخبر كما قدمناه (٤) ثم قال والعواتق الجواري حين يدركن. ولكنه معارض بما رواه أبو إسحاق إبراهيم الثقفي في كتابه بإسناده الى على (عليه‌السلام) ثم ذكره كما تقدم ثم قال ولأن الأدلة عامة للنساء (الأمر الثاني) ان الشيخ منع خروج ذوات الهيئات

__________________

(١) ص ١٠٠ وفي الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجمعة و ٢٨ من صلاة العيد والثالث في الباب ٤٧ من صلاة الجمعة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة العيد.

(٤) ص ٢٢٣.

٢٢٤

والجمال والحديث دال على جوازه للتعرض للرزق اللهم إلا ان يريد به المحصنات أو المملكات كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد حيث قال : وتخرج إليها النساء العواتق والعجائز ونقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدماء علمائنا. انتهى كلامه في الذكرى ملخصا.

ومنها ـ المريض لما رواه الشيخ والصدوق في الحسن بل الصحيح عن هارون ابن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الخروج يوم الفطر والأضحى إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها. فقلت أرأيت ان كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلى في بيته؟ قال لا». وقد تقدم ان المراد بقوله «لا» نفى الوجوب لما عرفت سابقا من استحبابها فرادى بالنصوص المتقدمة.

ومنها ـ العبد ويدل عليه وعلى الافراد المتقدمة أيضا قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٢) «وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة الجمعة إلا على خمسة : المريض والمرأة والمملوك والصبي والمسافر».

هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على الاستثناء في هذه الصلاة وبموجبه يبقى ما عدا هؤلاء المذكورين داخلين تحت خطاب التكليف إلا ان يقال باستثنائها بالأدلة العامة كالأعمى والكبير السن لحصول الحرج والمشقة في السعي عليهما.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد صرح الأصحاب باستحباب الصلاة لهؤلاء فرادى وجماعة بناء على ما يدعونه من مشروعية الجماعة استحبابا في هذه الصلاة ، ويدل عليه فرادى بالنسبة إلى المسافر والمرأة ما تقدم من الأخبار المحمولة على الاستحباب وعلى المريض صحيحة منصور بن حازم المتقدمة (٣) في حكاية الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) انه مرض يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى.

قال في المدارك : وقد حكم الأصحاب باستحبابها ايضا لمن لا تجب عليه الجمعة كالمسافر والعبد والمرأة ، وهو حسن وان أمكن المناقشة فيه بعدم الظفر بما يدل عليه بالخصوص. نعم روى سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من صلاة العيد.

(٢) ص ١٢.

(٣) ص ٢١٨.

٢٢٥

كما تقدم في المقام ثم قال : وهي محمولة على الاستحباب جمعا بينها وبين قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «إنما صلاة العيدين على المقيم». انتهى كلامه زيد مقامه.

والعجب منه (قدس‌سره) انه مع اعترافه بعدم الظفر بما يدل عليه بالخصوص كيف حكم باستحسان ما ذكره الأصحاب وان كان بغير دليل مع مناقشاته للأصحاب في ما قامت الأدلة عليه بزعم انها ضعيفة باصطلاحه وان كانت مجبورة بالشهرة بينهم فكيف يوافقهم هنا من غير دليل بالكلية؟ وربما أوهم قوله : «ما يدل عليه بالخصوص» على وجود دليل بطريق العموم وليس كذلك.

وبالجملة فإن الذي وقفنا عليه من أخبار المسألة هو ما ذكرناه إلا ان ثبوت الاستحباب بها في المقام عندي لا يخلو من الإشكال لما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم من أن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح ، ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل إذ مبنى القول بالاستحباب هنا على الجمع بين الأخبار وإلا فلو خلينا وأدلة الثبوت لكانت دالة على الوجوب إلا ان ضرورة الجمع بينها وبين الأخبار الدالة على السقوط أوجب حملها على الاستحباب. وأيضا فإن إخراج ما ظاهره الوجوب عن حقيقته يحتاج إلى القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز. ومحل الإشكال في روايات النساء حيث أن ظاهر جملة منها الوجوب عليهن وإلا فروايات المسافر لا إشكال فيها متى حملنا صحيحة سعد بن سعد على ما قدمنا ذكره من أن المراد بها صلاة المسافر مع من يصليها من الحاضرين دون أن ينشئ صلاة وحده أو جماعة مسافرين. وأما رواية سماعة فقد عرفت انها غير ظاهرة الدلالة. ويمكن حمل ما دل على الوجوب في النساء على العجائز منهن فلا ينحصر الجمع في الاستحباب كما ادعوه. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ كما حكاه العلامة في التذكرة والنهاية ـ على ان وقت صلاة العيدين ما بين طلوع الشمس الى الزوال.

__________________

(١) ص ٢٢١.

٢٢٦

قال في المدارك بعد نقل ذلك : ومستنده حسنة زرارة (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) ليس في الفطر والأضحى أذان ولا إقامة إذ انهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا». وموثقة سماعة (٢) قال : «سألته عن الغدو الى المصلى في الفطر والأضحى فقال بعد طلوع الشمس». ثم نقل عن الشيخ في المبسوط ان وقتها إذا طلعت الشمس وارتفعت وانبسطت. ثم قال : وهو أحوط. ومقتضى الروايتين ان وقت الخروج الى المصلى بعد طلوع الشمس ، وقال المفيد انه يخرج قبل طلوعها فإذا طلعت صبر هنيئة ثم صلى. انتهى.

أقول : لا يخفى ان المدعى في كلامهم هو امتداد الوقت من طلوع الشمس الى الزوال والخبران المذكوران اللذان جعلهما مستندا لهذه الدعوى انما يدلان على التوقيت بطلوع الشمس بمعنى انه إذا طلعت الشمس خرجوا إلى الصلاة ولا دلالة فيهما على ما يدعونه من الامتداد الى الزوال فهما غير منطبقين على المدعى بتمامه.

ومما يدل ايضا على ما دل عليه الخبران المذكوران ما رواه السيد العابد الزاهد المجاهد رضى الدين على بن طاوس (قدس‌سره) في كتاب الإقبال (٣) بإسناده إلى يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسكان عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يخرج بعد طلوع الشمس».

وروى فيه (٤) بسنده الى محمد بن هارون بن موسى بإسناده إلى زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال : «لا تخرج من بيتك إلا بعد طلوع الشمس».

وفي حديث خروج الرضا (عليه‌السلام) الى صلاة العيد بتكليف المأمون المروي في كتابي الكافي وعيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) (٥) «فلما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم». ثم ساق الخبر في كيفية خروجه (عليه‌السلام).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٩ من صلاة العيد.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٨ من صلاة العيد.

(٥) الوسائل الباب ١٩ من صلاة العيد.

٢٢٧

ولم أقف في الأخبار بعد التتبع التام على ما يدل على الامتداد الى الزوال كما ذكروه ولا اعرف لهم مستندا غير الإجماع الذي ادعوه مع ظهور الخلاف من ظاهر عبارتي الشيخين المنقولتين.

والعجب من السيد السند (طاب ثراه) انه مع مناقشاته الأصحاب وعدوله عن ما عليه اتفاقهم في جملة من الأحكام كما لا يخفى على من له أنس بكتابه مع قيام الأدلة على ما يدعونه بمناقشاته في أسانيد أدلتهم والجمود هنا على ما ذكروه من غير دليل. وأعجب منه استدلاله لهم بهذين الخبرين والحال كما عرفت.

نعم ربما يشير الى ما ذكروه من الامتداد صحيحة محمد بن قيس الدالة على قضاء صلاة العيد في الغد مع ثبوت الرؤية بعد الزوال (١) لقوله فيها «إذا شهد عند الامام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس فان شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخر الصلاة الى الغد».

قال في الوافي : هكذا وجد في النسخ والظاهر سقوط «وصلى بهم» بعد قوله «في ذلك اليوم» أولا ويجوز انه قد اكتفى عنه بالظهور. انتهى.

أقول : أنت خبير بأنه مع تسليم صحة ما ذكروه فغاية ما يدل عليه الخبر ثبوت الامتداد في هذه الصورة ولعله مقصور عليها من حيث الضرورة وعدم إمكان الصلاة في ذلك الوقت المذكور في الأخبار لفواته فلا يثبت به الحكم كليا وإلا فمن المحتمل قريبا في الخبر المذكور ان جملة «وأخر الصلاة الى الغد» مستأنفة لا معطوفة على الجملة الجزائية ، وحاصل الكلام انه أمر بالإفطار مع ثبوت الرؤية قبل الزوال أو بعد الزوال وعلى كل منهما أخر الصلاة الى الغد لفوات وقتها.

ويؤيده إطلاق الخبر الذي معه وهو مرفوعة محمد بن احمد (٢) قال : «إذا

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من صلاة العيد. وتتمة الرواية هكذا «فصلى بهم».

(٢) الوسائل الباب ٩ من صلاة العيد.

٢٢٨

أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا وليخرجوا من الغد أول النهار الى عيدهم». فإنه كما ترى مطلق في كون ثبوت الرؤية قبل الزوال أو بعده.

قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر أيضا : يعني إذا شهدوا بعد فوات الوقت. ومراده يعنى بعد الزوال الذي هو آخر الوقت بقرينة كلامه الأول.

ولا يخفى عليك ان صحة هذه التأويلات التي ذكرها في ذيل كل من هذين الخبرين موقوفة على قيام الدليل على ما ادعوه من الامتداد الى الزوال وقد عرفت انه لا دليل عليه ، وحينئذ فلا ثمرة لهذه التأويلات وإخراج الأخبار عن ظاهرها من غير معارض.

ويعضد ما ذكرناه ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (١) «في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى يمضى وقت صلاة العيد من أول النهار فيشهد شهود عدول أنهم رأوه من ليلتهم الماضية؟ قال يفطرون ويخرجون من غد فيصلون صلاة العيد في أول النهار». فإنها كما ترى ظاهرة الدلالة في أن وقت صلاة العيد أول النهار وهو بعد طلوع الشمس كما صرحت به الأخبار المتقدمة ، وان الشهود إذا كانوا انما شهدوا بعد مضى ذلك الوقت أفطر الناس وأخروا صلاة العيد الى الغد

وبالجملة فإنه لا يظهر لما ذكروه (رضوان الله عليهم) دليل غير الإجماع الذي ادعوه ، وطرح هذه الأخبار التي قدمناها مع صحة بعضها وصراحة الجميع في مقابلة هذا الإجماع مما لا يتجشمه ذو دين سيما مع ظهور القدح في إجماعاتهم كما تقدم في صلاة الجمعة وفي هذا الإجماع بخصوصه بمخالفة الشيخين المذكورين كما أشرنا اليه. وحمل تلك الأخبار على معنى تتفق به مع الإجماع المذكور غير ظاهر.

وأنت خبير بان البحث في هذه المسألة نظير ما تقدم في وقت صلاة الجمعة حيث ان أكثر الأصحاب على الامتداد فيه الى المثل ومنهم من زاد على ذلك وجعله

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٦ من صلاة العيد.

٢٢٩

ممتدا بامتداد وقت الظهر ومنهم من خصه بساعة الزوال ، وهذا هو المؤيد بالأخبار كما قدمنا بيانه وشيدنا أركانه.

وظاهر صاحب المدارك في تلك المسألة الميل الى ما دلت عليه تلك الأخبار المخالفة للقول المشهور وهنا الميل الى القول المشهور مع عدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه ، وسؤال الفرق متجه. والله العالم.

المسألة السادسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قضاء صلاة العيد وعدمه لو زالت الشمس ولم تصل بالكلية وكذا لو صليت ولكن فات ذلك بعض المكلفين ، ثم على تقدير القول بالقضاء في الصورة الثانية فهل تقضى ركعتين أم أربعا؟

والكلام هنا يقع في مقامين (الأول) في القضاء وعدمه لو لم تصل بالكلية قال في المختلف : لو لم تثبت رؤية الهلال إلا بعد الزوال أفطر وسقطت الصلاة فرضا ونفلا ، وقال ابن الجنيد ان تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا الى العيد ، لنا ان الوقت قد فات والأصل عدم القضاء فإنه انما يجب بأمر متجدد ولم يثبت بل قد ورد ان من فاتته مع الامام فلا قضاء عليه (١) ولان شرطها شرط الجمعة ومن شرائط الجمعة بقاء الوقت فكذا ما سواها. احتج القائلون بالقضاء بما ورد من أن من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته (٢). والجواب المراد بذلك الصلاة اليومية لظهورها عند الإطلاق. انتهى.

وقال الشهيد في الذكرى : لو ثبت الرؤية من الغد فان كان قبل الزوال صليت العيد وان كان بعده سقطت إلا على القول بالقضاء. وقال ابن الجنيد ان تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا الى العيد لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) انه قال : «فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون». وروى (٤) «ان ركبا

__________________

(١) ص ٢٠٣.

(٢) الوسائل الباب ٦ من قضاء الصلوات.

(٣) كنز العمال ج ٤ ص ٣٠٢ والمهذب للشيرازي ج ١ ص ١٢١.

(٤) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٤٩.

٢٣٠

شهدوا عنده (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنهم رأوا الهلال فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا الى مصلاهم». وهذه الأخبار لم تثبت من طرقنا. انتهى. وعلى هذا النهج كلام غيرهم من المتأخرين بل ظاهر العلامة في المنتهى كون ذلك متفقا عليه عندنا.

أقول : العجب منهم (رضوان الله عليهم) في ما ذكروه في هذا المقام مع وجود الأدلة على القضاء في الصورة المذكورة وهو ما قدمناه في سابق هذه المسألة من صحيحة محمد بن قيس ومرفوعة محمد بن احمد ورواية كتاب الدعائم ، وظاهر الكليني والصدوق ايضا القول بذلك حيث انه في الكافي (١) قال : «باب ما يجب على الناس إذا صح عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين» ثم أورد الخبرين المتقدمين. وأما الصدوق فإنه قال أيضا (٢) : باب ما يجب على الناس الى آخر ما ذكره الكليني ثم أورد رواية محمد بن قيس ثم قال وفي خبر ثم أورد مرفوعة محمد بن أحمد المذكورة مؤيدا ذلك بما قدمه في صدر كتابه.

(الثاني) ـ في القضاء لو لم تدرك الصلاة مع الجماعة ، وقد اضطرب كلامهم في هذا المقام والمشهور عدم القضاء. قال في المدارك بعد قول المصنف «ولو فاتت لم تقض» ما صورته : إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الصلاة بين كونها فرضا أو نفلا وفي الفوات بين أن يكون عمدا أو نسيانا ، وبهذا التعميم صرح في التذكرة وقال ان سقوط القضاء مذهب أكثر الأصحاب. وقال الشيخ في التهذيب من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب عليه القضاء ويجوز أن يصلى ان شاء ركعتين وان شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء وقال ابن إدريس يستحب قضاؤها. وقال ابن حمزة إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا إذا وصل في حال الخطبة وجلس مستمعا لها. وقال ابن الجنيد من فاتته ولحق الخطبتين صلاها أربعا مفصولات يعنى بتسليمتين. ونحوه قال على بن بابويه إلا انه قال يصليها بتسليمة. والأصح السقوط مطلقا. ثم استدل على ذلك بان القضاء

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢١٠.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٠٩.

٢٣١

فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة ، وبصحيحة زرارة (١) الدالة على ان من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه. ثم نقل عن القائلين بأنها أربع الاحتجاج برواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا». ثم أجاب بالطعن في السند وبمنع الدلالة فإن الأربع لا يتعين كونها قضاء. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في كلامهم هنا من الإجمال بل الاختلال وذلك انك قد عرفت في سابق هذه المسألة أنهم أجمعوا على ان وقت صلاة العيد ممتد الى الزوال وحينئذ فالقضاء الذي هو عبارة عن فعل العبادة في خارج وقتها لا يصدق إلا على ما كان بعد الزوال مع ان ظاهر كلامهم واختلافهم هنا يعطي ان المراد بالقضاء انما هو ما بعد فوات الجماعة كما يعطيه مذهب ابن حمزة وابن الجنيد وابن بابويه من فرضهم المسألة في من لحق الخطبة واستمع لها فإنه يصلى بعدها ركعتين أو أربعا على الخلاف ، وهذا لا يسمى قضاء وانما يرجع الى ما قدمناه من ان من لم يدرك الجماعة أو كان له عذر عن حضورها فإنه يستحب له أن يصلى صلاة العيد ركعتين ، وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة واتفقت عليه كلمات الأصحاب ، وانما وقع الخلاف والإشكال في كون ذلك الاستحباب مخصوصا بالفرادى أو يشمل الجماعة أيضا ، وحينئذ فذكر هذه المسألة هنا ونقل هذه الأقوال مما لا وجه له ولا معنى بالكلية إذ القضاء كما يدعونه غير متجه كما عرفت.

(فان قيل) يمكن حمل القضاء في كلامهم هنا على مجرد الإتيان بها فالقضاء بمعنى الفعل كما في قوله سبحانه وتعالى «فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ» (٣).

(قلنا) الحمل على هذا المعنى ينافيه مقابلة هذه الأقوال بسقوط القضاء الذي

__________________

(١) ص ٧٠٣.

(٢) الوسائل الباب ٥ من صلاة العيد. والسند هكذا «عن أبيه عن على قال».

(٣) سورة الجمعة الآية ٩.

٢٣٢

هو المشهور ، إذ ليس المراد بالقضاء هنا إلا الإتيان بها خارج الوقت كما عرفت من احتجاج صاحب المدارك ، مع ان المشهور استحباب الإتيان بها مع اختلال الشرائط فرادى وجماعة كما تقدم ، فلو كان مرادهم بالقضاء انما هو مجرد الفعل لكان معنى القول المشهور بأنه لا قضاء يعنى لا تفعل بعد ذلك مع ان المشهور هو فعلها كما عرفت. وبالجملة فإن كلامهم هنا لا يخلو من تشويش وإجمال كما أوضحناه بحمد الملك المتعال.

نعم هذا الخلاف انما يتجه على ما اخترناه وصرحنا به آنفا من أن وقت صلاة العيد هو طلوع الشمس الى أن يأتي بها جماعة فلو فات هذا الوقت وانقضت صلاة الجماعة فيه صدق القضاء لخروج الوقت الذي ذكرناه ، وهذا هو الذي دلت عليه صحيحة زرارة المذكورة (١) فإطلاق القضاء فيها مؤيد لما اخترناه من تخصيص الوقت بما قلناه ، ففيها تأييد ظاهر لما ذكرناه من الوقت وان خالف المشهور فان ذلك هو مقتضى الأدلة كما عرفت وهذا الخبر من جملتها.

بقي الكلام هنا في أشياء : أحدها ـ ان ظاهر كلام المدارك عدم وجود دليل لابن حمزة في ما نقله عنه من تخصيصه وجوب القضاء بما إذا وصل حال الخطبة وجلس مستمعا ، حيث ذكر الدليل للقول المشهور ولمذهب ابن الجنيد وابن بابويه ولم يتعرض لدليل ابن حمزة ، وقد استدل له في المختلف برواية زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال قال : «إذا أدركت الامام على الخطبة تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم تقوم فتصلي. الحديث». وهي ظاهرة الدلالة على القول المذكور.

وثانيها ـ في ما دل على الصلاة أربع ركعات والمروي في كتب الأخبار المشهورة هو ما قدمناه من رواية أبي البختري ونحوها في كتاب دعائم الإسلام حيث روى فيه عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) «انه سئل عن الرجل لا يشهد العيد

__________________

(١) ص ٢١٩.

(٢) الوسائل الباب ٨ من صلاة العيد. والرواية كما في المختلف ايضا هكذا قال : «قلت أدركت الامام على الخطبة؟ قال تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم تقوم فتصلي».

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٢ و ٣ من صلاة العيد.

٢٣٣

هل عليه ان يصلى في بيته؟ قال نعم ولا صلاة إلا مع امام عدل ، ومن لم يشهد من رجل أو امرأة صلى أربع ركعات ركعتين للعيد وركعتين للخطبة ، وكذلك من لم يشهد العيد من أهل البوادي يصلون لأنفسهم أربعا».

والأظهر عندي حمل ما دل على الأربع على التقية لما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من ان جمعا من العامة ذهبوا الى ذلك مع اختلافهم أيضا في انها تقضى بسلام واحد أو سلامين ، ورووا عن ابن مسعود مضمون هذا الخبر (١) بل رووا عن على (عليه‌السلام) ذلك في حديث هذه صورته (٢)

__________________

(١) في البداية لابن رشد ج ١ ص ٢٠١ «اختلفوا في من تفوته صلاة العيد مع الامام فقال قوم يصلى أربعا قال به احمد ، وقال قوم يقضيها على صفة صلاة الامام وبه قال الشافعي وأبو ثور ، وقال قوم بل ركعتين لا يجهر فيهما ولا يكبر تكبيرة العيد ، وقال قوم ان صلى الإمام في المصلى صلى ركعتين وان صلى في غير المصلى صلى اربع ركعات ، وقال قوم لا قضاء عليه وبه قال مالك وأصحابه» وفي المغني ج ٢ ص ٣٩٠ «من فاتته صلاة العيد فلا قضاء عليه لأنها فرض كفاية وقام بها من حصلت به الكفاية فإن أحب قضاءها فهو مخير ان شاء صلاها أربعا اما بسلام واحد وإما بسلامين ، روى هذا عن ابن مسعود وهو قول الثوري ـ ثم ذكر رواية هزيل بن شرجيل انه قيل لعلى (عليه‌السلام) «لو أمرت رجلا يصلى بضعفة الناس هونا في المسجد الأكبر قال ان أمرت رجلا يصلى بهم أمرت أن يصلى بهم أربعا». وروى انه استخلف أبا مسعود فصلى بهم في المسجد ـ وقال أحمد أنها قضاء صلاة عيد فكان أربعا كالجمعة. وان شاء صلى ركعتين كصلاة التطوع وهذا قول الأوزاعي ، وان شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير ، نقل ذلك عن احمد واختاره الجوزجاني وهو قول النخعي ومالك والشافعي وابى ثور وابن المنذر» وفي الإنصاف في الفقه الحنبلي ج ٢ ص ٤٣٣ ذكر ان أشهر الروايات عن أحمد قضاؤها على صفة صلاة العيد ، ثم ذكر رواية عنه انه يقضيها أربعا بلا تكبير بسلام واحد ورواية أخرى قضاؤها أربعا بلا تكبير بسلام أو سلامين.

(٢) المغني ج ٢ ص ٣٧٢ قال : وروينا عن على انه قيل له. ولم ينسبه الى مصدر من مصادر الحديث.

٢٣٤

«قيل لعلى (عليه‌السلام) قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس وعميانهم فلو صليت بهم في المسجد فقال أخالف السنة اذن ولكن نخرج الى المصلى واستخلف من يصلى بهم في المسجد أربعا». وقد عرفت مما قدمناه (١) من أخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) إنكار استخلافه (عليه‌السلام) ردا لهذا الخبر.

وثالثها ـ ان الروايات المتقدمة في المقام الأول صريحة كما عرفت في وجوب القضاء لو فات وقت الصلاة ، وصحيحة زرارة المذكورة في هذا المقام صريحة في العدم والذي يظهر لي من الجمع بينهما هو حمل الروايات الأولة على فوات الصلاة من أصلها بحيث لم تصل بالكلية فإنه يجب القضاء على عامة المكلفين بها أداء من الامام والمأمومين كما هو موردها ، والصحيحة المذكورة على الإتيان بالصلاة وفواتها بالنسبة الى بعض المكلفين كما هو موردها أيضا ، فيحمل كل منهما على مورده.

ورابعها ـ انه مع وجوب القضاء كما دلت عليه الأخبار الأولة فما السبب في التأخير إلى الغد ولم لا يقع في ذلك اليوم بعينه؟ فان القضاء لا يختص بوقت بل ربما تعين ساعة الذكر كما تقدم في قضاء اليومية ، ولعل الوجه في ذلك هو تحصيل مثل الوقت الموظف الذي هو عبارة عن أول النهار من اليوم الثاني كما صرحت به تلك الأخبار. وبالجملة فإنه بعد ورود الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) بذلك يجب القول بها ولا يجب علينا طلب العلة وهو مرجوع إليهم (عليهم‌السلام).

وظاهر كلام شيخنا المجلسي في البحار كونها في الصورة المذكورة أداء ، قال وظاهر الروايات كونها أداء. أقول وعلى هذا يزول الاشكال. ثم نقل عن العامة انهم اختلفوا في ذلك فذهب بعضهم إلى انه يأتي بها في الغد قضاء وبعضهم أداء وبعضهم نفوها مطلقا (٢) ثم قال ولعل الأحوط إذا فعلها ان لا ينوي الأداء ولا

__________________

(١) ص ٢٠٨ و ٢٠٩.

(٢) عمدة القارئ ج ٣ ص ٢٩٩ ونيل الأوطار ج ٣ ص ١٦٣ والإنصاف ج ٢ ص ٤٢٠ و ٤٢٦.

٢٣٥

القضاء. انتهى. والله العالم.

(المسألة السابعة) لو اتفق العيد والجمعة فقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك ، فقال الشيخ في جملة من كتبه أنه يتخير من صلى العيد في حضور الجمعة وعدمه ، ونحوه قال الشيخ المفيد في المقنعة ورواه ابن بابويه في كتابه ، واختاره ابن إدريس ، واليه ذهب أكثر المتأخرين بل نسبه العلامة في المنتهى الى من عدا ابى الصلاح وفي الذكرى الى الأكثر ، ونقل عن ابن الجنيد في ظاهر كلامه اختصاص الترخيص بمن كان قاصي المنزل ، واختاره العلامة في بعض كتبه. وقال أبو الصلاح قد وردت الرواية إذا اجتمع عيد وجمعة ان المكلف مخير في حضور أيهما شاء ، والظاهر في المسألة وجوب عقد الصلاتين وحضورهما على من خوطب بذلك. وقريب منه كلام ابن البراج وابن زهرة.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن الحلبي (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا يوم الجمعة قال اجتمعا في زمان على (عليه‌السلام) فقال من شاء أن يأتي الجمعة فليأت ومن قعد فلا يضره وليصل الظهر. وخطب على (عليه‌السلام) خطبتين جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة».

وما رواه في الكافي عن سلمة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فخطب الناس فقال هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل ومن لم يفعل فان له رخصة يعنى من كان متنحيا».

وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) «ان على بن ابى طالب (عليه‌السلام) كان يقول إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام ان يقول للناس في خطبته الاولى انه قد اجتمع لكم

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من صلاة العيد.

٢٣٦

عيدان فأنا أصليهما جميعا فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له».

وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (١) «انه اجتمع في خلافته عيدان في يوم واحد جمعة وعيد فصلى بالناس صلاة العيد ثم قال قد أذنت لمن كان مكانه قاصيا ـ يعنى من أهل البوادي ـ أن ينصرف ثم صلى الجمعة بالناس في المسجد».

واختار في المدارك القول الأول واستدل عليه بصحيحة الحلبي المذكورة ثم نقل احتجاج ابن الجنيد برواية إسحاق بن عمار ونحوها رواية سلمة ، ثم قال والجواب بعد تسليم السند منع الدلالة على اختصاص الرخصة بالنائي فإن استحباب اذن الامام في الخطبة للنائي في عدم الحضور لا يقتضي وجوب الحضور على غيره. ثم قال احتج القائلون بوجوب الصلاتين بان دليل الحضور فيهما قطعي وخبر الواحد المتضمن لسقوط الجمعة والحال هذه انما يفيد الظن فلا يعارض القطع. وأجاب عنه في الذكرى بان الخبر المتلقى بالقبول المعمول عليه عند معظم الأصحاب في قوة المتواتر فيلحق بالقطعي ، وبان نفى الحرج والعسر يدل على ذلك ايضا فيكون الخبر معتضدا بالكتاب العزيز. هذا كلامه (قدس‌سره) وفيه بحث طويل ليس هذا محله. انتهى. أقول ومنه يعلم أدلة الأقوال في المقام وما يتعلق بها من النقض والإبرام

والتحقيق عندي في هذه المسألة ان يقال لا ريب ان من يرى العمل بهذا الاصطلاح فإن الأظهر من هذه الأقوال عنده هو القول الأول للصحيحة المذكورة وضعف ما عارضها من الروايات المذكورة ، وأما ما عارضها من الأدلة الدالة على وجوب الجمعة كتابا وسنة فالظاهر انها تخصص بها كما وقع لهم في غير موضع من تخصيص عموم أدلة الكتاب والسنة بالخبر الصحيح ، وأما من لا يرى العمل به بل يحكم بصحة جميع الأخبار الواردة ولكن يحكم بإلحاقه بالصحيح لشهرته بين الأصحاب وتلقيه بالقبول كما سمعت من كلام الذكرى فإنه يجب ان يكون الأظهر عنده

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٢ من صلاة العيد.

٢٣٧

هو ما ذكره ابن الجنيد.

وتوضيحه ان صحيحة الحلبي وان دلت بإطلاقها على السقوط عن كل من حضر العيد من أهل المصر وغيرهم من أهل القرى إلا ان الروايات الأخر قد خصت الرخصة بالنائي من أهل القرى ، فيجب حمل إطلاق الصحيحة المذكورة على ما فصلته هذه الروايات حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المسلمة بينهم. وأما قوله في المدارك ـ في منع دلالة الروايتين المذكورتين في كلامه : ان اذن الإمام للنائي في عدم الحضور لا يقتضي وجوب الحضور على غيره ـ فهو مغالطة لأن أحدا لا يدعى ذلك وانما الوجه في ذلك هو ان الأدلة من الكتاب والسنة قد دلت على وجوب الجمعة فسقوطها يحتاج الى دليل ، والروايات هنا مع صحتها كما هو المفروض قد دل بعضها على السقوط مطلقا وبعضها على تخصيص السقوط بالنائي ، ومقتضى الجمع حمل مطلقها على مقيدها وبها حينئذ يخص عموم الكتاب والسنة ، واللازم من ذلك هو ما قلناه من تخصيص الرخصة بالنائي خاصة.

وبذلك يظهر لك ضعف قول من ذهب الى السقوط مطلقا كما هو القول الأول لما فيه من اطراح هذه الأخبار مع إمكان الجمع بينها وبين الصحيحة المذكورة بما ذكرناه ، وضعف قول من ذهب الى الوجوب مطلقا كما هو قول ابى الصلاح ومن معه لما ذكرنا من تخصيص تلك الأدلة بهذه الأخبار بعد جمعها على ذلك الوجه الواضح المنار

وأما ما ذكره في الذكرى ـ من ان البعد والقرب من الأمور الإضافية فيصدق القاصي على من بعد بأدنى بعد فيدخل الجميع إلا من كان مجاورا للمسجد ، وجعل هذا وجه جمع بين الأخبار ومن ثم قال بالقول الأول مع ما ذكره من الاعتماد على روايتي إسحاق وسلمة ـ فبعده أظهر من أن يخفى ، إذ المتبادر عرفا من القاصي هنا انما هو من كان خارجا عن المصر وهم أصحاب القرى الخارجة كما صرح به صاحب كتاب الدعائم ، وهذا هو المعنى الذي فهمه عامة الأصحاب لأنه هو المتبادر المنساق الى الفهم في هذا الباب ، وقد اعترف هو نفسه بذلك ايضا فقال بعد ذكر

٢٣٨

ما قدمنا نقله عنه : وربما صار بعض الى تفسير القاصي بأهل القرى دون أهل البلد لأنه المتعارف. انتهى. وتخصيصه بالبعض المؤذن بوجود بعض آخر قائل بما ذهب اليه لا وجه له فان من أمعن النظر في كلام الأصحاب لا يخفى عليه ان ما ذكره (قدس‌سره) مخصوص به.

ثم على تقدير القول المشهور من تخيير الجميع المؤذن بسقوط الوجوب عنهم فهل يجب الحضور على الإمام أم لا؟ قطع جمع من الأصحاب : منهم ـ المرتضى في المصباح على ما نقل عنه بوجوب الحضور عليه فان اجتمع معه العدد صلى الجمعة وإلا سقطت وصلى الظهر.

قال في المدارك وربما ظهر من الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا ولا بأس به. انتهى.

أقول : لا يخفى ثبوت البأس في ما نفى عنه البأس (أما أولا) فللأدلة العامة في وجوب الحضور للجمعة وهي قطعية لا معارض لها هنا.

و (اما ثانيا) فلقوله (عليه‌السلام) في خبر إسحاق بن عمار (١) «فأنا أصليهما جميعا». وقوله (عليه‌السلام) في خبر سلمة «ان يجمع معنا». وفي خبر الدعائم (٢) «قد أذنت لمن كان مكانه قاصيا».

وبالجملة فإن المفهوم من هذه الأخبار ان التخيير إنما هو للمأمومين كما تشعر به الصحيحة المذكورة أو لخصوص القاصي كما تشعر به الروايات الأخر.

قال في الذكرى : تنبيه ـ ظاهر كلام الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا وصرح المرتضى بوجوب الحضور عليه وهو الأقرب لوجود المقتضى مع عدم المنافي ، ولما مر في خبر إسحاق «وانا أصليهما جميعا» انتهى. وهو جيد.

ونقل في الذخيرة القول بالوجوب على الامام عن ابى الصلاح وابن البراج والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى وهو الحق في المسألة.

__________________

(١) ص ٢٣٦.

(٢) ص ٢٣٧.

٢٣٩

ثم انهم صرحوا بأنه يستحب للإمام الاعلام بذلك في الخطبة تأسيا بأمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) وهو جيد. وهو العالم.

البحث الثاني ـ في الكيفية وكيفيتها أن يكبر تكبيرة الإحرام ويقرأ الحمد وسورة ثم يكبر بعد القراءة على الأظهر ثم يقنت بالمرسوم حتى يكبر خمسا ثم يكبر ويركع فإذا سجد السجدتين قام وقرأ الحمد وسورة ثم يكبر أربعا ويقنت بعد كل تكبيرة ثم يكبر خامسة للركوع ويركع ، فيكون الزائد على المعتاد تسع تكبيرات خمس في الاولى واربع في الثانية.

والأصل في هذه الكيفية الأخبار الواردة عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) ومنها ـ

ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألته عن صلاة العيدين فقال ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء وليس فيهما أذان ولا اقامة ، يكبر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة : يبدأ فيكبر ويفتتح الصلاة ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقرأ «والشمس وضحاها» ثم يكبر خمس تكبيرات ثم يكبر ويركع فيكون يركع بالسابعة ثم يسجد سجدتين ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب و «هل أتاك حديث الغاشية» ثم يكبر أربع تكبيرات ويسجد سجدتين ويتشهد ويسلم. قال : وكذلك صنع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والخطبة بعد الصلاة وانما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان. الحديث».

ومنها ـ ما رواه عن على بن أبي حمزة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في صلاة العيدين قال يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين ثم يكبر السابعة ويركع بها ، ثم يسجد ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا ويقنت بين كل تكبيرتين ثم يكبر ويركع بها».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١) كما دلت عليه صحيحة الحلبي ورواية سلمة المتقدمتان ص ٢٣٦.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من صلاة العيد.

٢٤٠