الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

وروى الشيخ في التهذيب عن أبي أسامة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».

قال في الفقيه بعد نقل صحيحة جميل الثانية : يعني انهما من صغار الفرائض وصغار الفرائض سنن لرواية حريز عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «صلاة العيدين مع الإمام سنة». ومراده بهذا الجمع بين الخبرين بأنه لا منافاة بين كونها سنة وبين كونها فريضة. وفيه ما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى. والشيخ في التهذيبين قد فسر السنة بما علم وجوبه بالسنة لئلا ينافي كونها فريضة يعنى واجبة.

وفي كل من الجمعين نظر ، أما ما ذكره الصدوق فانا لا نعرف له مستندا لان الفرض ان أريد به ما وجب بالكتاب ويقابله إطلاق السنة بمعنى ما وجب بالسنة فإنه لا فرق بين كبار الفرائض ولا صغارها في المعنى المذكور ، وإطلاق السنة على صغار الفرائض دون كبارها مع كون السنة بمعنى ما ثبت وجوبه بالسنة لا معنى له ههنا لان هذه الفريضة مما ثبت وجوبها بالكتاب كما عرفت من الأخبار المتقدمة بتفسير قوله تعالى «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى» (٣) فلا معنى لوجوبها بالسنة. وأظهر منه بطلانا حمل السنة على المتبادر منها وهو المستحب.

واما كلام الشيخ فيدفعه دلالة الآية بمعونة الأخبار الواردة بتفسيرها بصلاة العيدين ، وحينئذ فتكون الفريضة في خبر جميل بمعنى ما ثبت وجوبه بالكتاب لا بمعنى الواجب المقابل بالسنة بمعنى المستحب.

والظاهر في الجمع بين الخبرين المذكورين ـ كما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي ـ انما هو حمل الفريضة في الخبر المذكور على معنى ما ثبت وجوبه بالكتاب والسنة ، وفي خبر حريز عن زرارة إنما أريد بها ان السنة في فرض هذه الصلاة ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة العيد و ١ من صلاة الكسوف.

(٢) الوسائل الباب ١ من صلاة العيد.

(٣) سورة الأعلى الآية ١٤ و ١٥.

٢٠١

تكون مع الامام فمن صلاها بدون الامام معتقدا وجوبها فقد خالف السنة كما تدل عليه الأخبار الآتية من انه لا صلاة إلا مع إمام يعنى واجبة.

إلا أن لقائل أن يقول ان ما استدل به من الآيتين المتقدمتين لا دلالة فيهما على الوجوب نصا بل ولا ظاهرا ، اما الثانية فلعدم ورود نص فيها بما ذكروه كما عرفت واما الأولى فإن غاية ما تدل عليه هو مدح المزكى والمصلى بأنه قد أفلح وهذا لا ظهور له في الوجوب وان أفهمه إفهاما ضعيفا ، وحينئذ فيكون المراد بالفرض في الأخبار المتقدمة انما هو بمعنى الواجب كما هو أحد اطلاقيه ، ويؤيده اضافة صلاة الكسوف وانها فريضة في صحيحة جميل الثانية ورواية أبي أسامة مع انها غير مذكورة في القرآن.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) : ان الصلاة في العيدين واجبة. الى ان قال : وان صلاة العيدين مع الإمام مفروضة ولا تكون إلا بإمام وخطبة. الى ان قال ايضا : وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة يوم الجمعة إلا على خمسة. الى آخر ما سيأتي من نقل تتمة العبارة المذكورة ان شاء الله تعالى.

(المسألة الثانية) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل نقل جملة منهم الإجماع عليه ـ انه يشترط في صلاة العيد ما يشترط في الجمعة من الشروط المتقدمة وقد تقدم أنها خمسة ، إلا ان الخلاف هنا قد وقع في الخطبتين كما سيأتي ان شاء الله تعالى ذكره في المقام :

أحدها عندهم ـ السلطان العادل أو من نصبه ، وظاهر العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على هذا الشرط.

واحتج عليه بصحيحة زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «ليس في الفطر والأضحى أذان ولا اقامة. الى ان قال : ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه».

__________________

(١) ص ١٢.

(٢) الوسائل الباب ٢ و ٧ من صلاة العيد.

٢٠٢

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر والأضحى فقال ليس صلاة إلا مع امام».

ورواية معمر بن يحيى عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع إمام».

أقول : ومن الأخبار بهذا المعنى ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «من لم يصل مع إمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه».

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع امام عادل».

وعن سماعة في الموثق عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «لا صلاة في العيدين إلا مع امام وان صليت وحدك فلا بأس».

ونحوه كلام المحقق وتبعهما جماعة ممن تأخر عنهما.

إلا ان جملة من متأخري المتأخرين الذين جرت عادتهم بدقة النظر في الأحكام والتأمل التام في أخبارهم (عليهم‌السلام) قد طعنوا في هذا الشرط فمنهم من استشكله وصارت المسألة عنده في قالب الإشكال ، ومنهم من خالفهم وجزم بمنع ما ذكروه.

ومنشأ ذلك عند الأولين هو احتمال حمل الإمام في الأخبار المذكورة على ما هو أعم من إمام الأصل وامام الجماعة ، والى هذا ذهب المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح فإنه جعل هذه الأخبار متشابهة باعتبار احتمال ارادة المعصوم منها وليست محكمة في أحد المعنيين ، وعند الآخرين هو ان الظاهر منها انما هو إمام الجماعة خاصة.

قال في المدارك بعد نقل الاستدلال عن العلامة بما قدمناه من الاخبار : وعندي في هذا الاستدلال نظر إذ الظاهر ان المراد بالإمام هنا إمام الجماعة لا إمام

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢ من صلاة العيد.

٢٠٣

الأصل كما يظهر من تنكير الامام ولفظ الجماعة وقوله (عليه‌السلام) (١) في صحيحة ابن سنان «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة». وفي موثقة سماعة (٢) «لا صلاة في العيدين إلا مع امام وان صليت وحدك فلا بأس». قال جدي (قدس‌سره) في روض الجنان : ولا مدخل للفقيه حال الغيبة في وجوبها في ظاهر الأصحاب وان كان ما في الجمعة من الدليل قد يتمشى هنا إلا انه يحتاج إلى القائل ، ولعل السر في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقا بخلاف الجمعة ان الواجب الثابت في الجمعة انما هو التخييري كما مر أما العيني فهو منتف بالإجماع والتخييري في العيد غير متصور إذ ليس معها فرد آخر يتخير بينها وبينه فلو وجبت لوجبت عينا وهو خلاف الإجماع. قلت : الظاهر انه أراد بالدليل ما ذكره في الجمعة من ان الفقيه منصوب من قبله عموما فكان كالنائب الخاص وقد بينا ضعفه في ما سبق. واما ما ذكره من السر فكلام ظاهري إذ لا منافاة بين كون الوجوب في الجمعة تخييريا وفي العيد عينيا إذا اقتضته الأدلة. وبالجملة فتخصيص الأدلة الدالة على الوجوب بمثل هذه الروايات لا يخلو من اشكال ، وما ادعوه من الإجماع فغير صالح للتخصيص ايضا لما بيناه غير مرة من ان الإجماع انما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول الإمام في أقوال المجمعين وهو غير متحقق هنا ، ومع ذلك فالخروج من كلام الأصحاب مشكل واتباعهم بغير دليل أشكل. انتهى. وقال في الذخيرة بعد ذكر نحو ما ذكره في المدارك أولا : ويؤيد الوجوب ما دل على وجوب التأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ما علم كونه صدر عنه على جهة الوجوب وان كان لنا فيه نوع تأمل إذ الأمر ههنا كذلك فان وجوبها عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثابت بإجماع الأصحاب ، مع ان التمسك بأصل عدم الوجوب في ما ثبت وجوبه عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) محل إشكال ، فإذن القول بعدم الوجوب في غاية الاشكال والاجتراء على الحكم بالوجوب

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من صلاة العيد.

(٢) الوسائل الباب ٢ من صلاة العيد.

٢٠٤

مع عدم ظهور مصرح به من الأصحاب لا يخلو من اشكال. وطريق الاحتياط واضح

وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار ـ بعد نقل كلام الفاضلين بالاشتراط واستدلالهما بالإجماع وبعض الأخبار المتقدمة ـ ما لفظه : وفيه نظر إذ الظاهر ان المراد بالإمام في هذه الأخبار إمام الجماعة لا إمام الأصل كما يشعر به تنكير الامام ولفظة الجماعة في بعض الأخبار ومقابلة «ان صليت وحدك» مما يعين هذا. وقوله «لا صلاة» يحتمل «كاملة» كما هو الشائع في هذه العبارة ، وفي صحيحة عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة». ويؤيد الوجوب ما دل على وجوب التأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ما علم صدوره عنه على وجه الوجوب والأمر هنا كذلك قطعا. وبالجملة ترك هذه الفريضة بمحض الشهرة بين الأصحاب جرأة عظيمة مع انه لا ريب في رجحانه ، ونية الوجوب لا دليل عليها ولعل القربة كافية في جميع العبادات كما عرفت سابقا. انتهى.

أقول : معظم الإشكال عند هؤلاء بعد إجمال هذه الاخبار هو عدم تصريح أحد ممن ذهب الى الوجوب العيني في الجمعة زمان الغيبة بالوجوب العيني هنا ، وأنت خبير بان مقتضى حكمهم في العيدين بأنها جارية على نحو صلاة الجمعة في شروط الوجوب هو تبعية صلاة العيدين لصلاة الجمعة كيف كانت ، فان هذا الكلام قد صرح به الجميع ممن حكم بالوجوب التخييري في الجمعة زمان الغيبة أو التحريم أو الوجوب العيني ، وحينئذ فاللازم من ذلك ان كل من اشترط في الجمعة شرطا من حضور إمام الأصل أو نائبه أو انعقادها بإمام الجماعة أو وجوبها عينا به فإنه يجريه في صلاة العيدين ، وبه يظهر ان كل من قال بالوجوب العيني زمان الغيبة في الجمعة فهو قائل به في العيدين ايضا.

قال شيخنا المفيد في المقنعة في باب صلاة العيدين : وهذه الصلاة فرض

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من صلاة العيد.

٢٠٥

لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام سنة على الانفراد عند عدم حضور الامام.

وهو كما ترى صريح في ما قلناه واضح في ما ادعيناه فإنه حكم بأن صلاة العيدين فرض عيني لكل من لزمته الجمعة ، وقد عرفت مذهبه في الجمعة وشرطها عنده انما هو إمام الجماعة وهي واجبة عينية عنده باجتماع شرائطها المتقدمة التي من جملتها إمام الجماعة ، ومقتضى ذلك وجوب صلاة العيدين عينا متى حصلت تلك الشروط

وقوله هنا «على شرط حضور الإمام. الى آخره» أراد به بيان التفرقة بين الجمعة والعيدين بحصول الاستحباب في هذه دون تلك فجعل مدار الوجوب والاستحباب على حضور الامام وعدم حضوره فمتى صلى مع الإمام فهي واجبة عينا ومتى تعذر الصلاة معه فهي مستحبة فرادى بخلاف الجمعة فإنه مع عدم الامام تسقط بالكلية. والمراد بالإمام في كلامه هو إمام الجماعة الذي تقدم تصريحه به في صلاة الجمعة.

واما ما ذهب اليه بعض من الاستحباب جماعة فهو باطل كما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله تعالى بل هي اما واجبة عينا ان وجد الامام وكملت باقي الشروط وإلا صليت فرادى استحبابا. وجميع ما ذكرنا بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء عليه.

واما توهم حمل الأخبار المتقدمة على إمام الأصل فقد عرفت ما فيه من كلام مشايخنا المذكورين (رضوان الله عليهم) فإنه جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

ويؤيد ما ذكرناه من عدم اشتراط إمام الأصل في هذه الصلاة ما نقله في كتاب البحار (١) عن الصدوق في كتاب ثواب الأعمال حيث انه نقل فيه خبرا عن سلمان الفارسي (رضى الله عنه) عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ثواب صلاة أربع ركعات على كيفية مخصوصة بعد صلاة العيد ، ثم قال (قدس‌سره) هذا لمن كان امامه مخالفا لمذهبه فيصلي معه تقية ثم يصلى هذه الأربع ركعات للعيد فاما من كان

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ٨٦١ والعبارة فيها تلخيص ونقل بالمضمون.

٢٠٦

امامه موافقا لمذهبه وان لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له ان يصلى بعد ذلك حتى تزول الشمس. انتهى.

وهو صريح كما ترى في ان مذهبه (قدس‌سره) صحة الصلاة بإمام الجماعة وعدم اشتراط إمام الأصل ، وبه يظهر لك ما في دعوى الإجماع على اشتراط هذه الصلاة بإمام الأصل مع تصريح هذا العمدة الذي هو من أهل الصدر الأول الذين عليهم المعول بجوازها مع إمام الجماعة كما سمعت. واما احتمال الحمل على صلاة مستحبة فغير جيد لما سنبين ان شاء الله تعالى من انه لا مستند له ولا دليل عليه وان ذكره جلهم.

وبالجملة فإن عدم ذكر قدماء أصحابنا للوجوب العيني في هذه الصلاة انما هو باعتبار احالتهم لاحكام هذه الصلاة على صلاة الجمعة فكل ما حكموا به في صلاة الجمعة فهو آت في هذه الصلاة ، فلا يتوهم من سكوتهم عن التصريح به هنا نفيه عن هذه الصلاة وان قالوا به في الجمعة فهو غلط محض كما أوضحناه لك في عبارة المقنعة.

ومما يؤيد ذلك الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى الدالة على تعليم الأئمة (عليهم‌السلام) لأصحابهم كيفية الصلاة وآدابها وأحكامها وما يتعلق بالإمام فيها فان جميع ذلك قرينة واضحة على انها يتأتى من أصحابهم أن يصلوها بغير المعصوم إذ مع الاختصاص بالمعصوم لا يظهر لهذا التعليم كثير فائدة كما لا يخفى على المتأمل المنصف.

وثانيها ـ العدد وقد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على اعتباره هنا ، ويدل عليه صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٢) انه قال : «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة فصاعدا مع إمام في مصر فعليهم ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجمعة و ٣٩ من صلاة العيد.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٣١ من صلاة العيد.

٢٠٧

يجمعوا للجمعة والعيدين».

ونقل عن ابن ابى عقيل أنه ذهب الى اشتراط السبعة هنا مع انه اكتفى في الجمعة بخمسة. ورده بعض الأصحاب بعدم المستند.

أقول : الظاهر من كلام ابن أبى عقيل وصول المستند اليه بذلك وان لم يصل إلينا حيث قال ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ ولا عيد مع الامام ولا مع أمرية في الأمصار بأقل من سبعة من المؤمنين فصاعدا ولا جمعة بأقل من خمسة ، ولو كان الى القياس سبيل لكانا جميعا سواء ولكنه تعبد من الخالق سبحانه. وهو كما ترى ظاهر في وصول المستند اليه ،

وثالثها ـ الجماعة وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة على ذلك (١).

ورابعها ـ الوحدة قال في المدارك وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراطها حيث أطلقوا مساواتها للجمعة في الشرائط ، ونقل عن الحلبيين التصريح بذلك محتجين بأنه لم ينقل عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه صلى في زمانه عيدان في بلد كما لم ينقل انه صليت جمعتان ، وبما رواه محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال الناس لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) ألا تخلف رجلا يصلى في العيدين؟ قال لا أخالف السنة». وهما لا يدلان على المنع ومن ثم توقف العلامة في التذكرة والنهاية في اشتراط ذلك وهو في محله. انتهى.

أقول : الظاهر ان مرجع التعليل المنقول عن الحلبيين الى أن العبادات لما كانت توقيفية من الشارع وجوبا وندبا وتعددا واتحادا وكمية وكيفية ونحو ذلك فالواجب الوقوف على ما علم منهم (صلوات الله عليهم) بقول أو عمل ، وغاية ما يفهم من الاخبار هو جواز صلاة واحدة في المصر وتوابعه الى امتداد مسافة الفرسخ فثبوت الثانية ومشروعيتها في هذه المسافة يتوقف على الدليل. وهذا الكلام موجه صحيح دال على المدعى بأوضح دلالة كما لا يخفى وبه يقيد إطلاق الأخبار

__________________

(١) ص ٢٠٢ و ٢٠٣.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من صلاة العيد.

٢٠٨

الدالة على الوجوب فلا يمكن الاستناد إليها في المقام.

واما الرواية فلا إشكال في أن ظاهرها هو انه لما كان (عليه‌السلام) يصحر بصلاة العيدين كما هو السنة فيها قالوا له أن يخلف في المصر من يصلى العيدين بمن تخلف من الضعفة والعجزة عن الخروج فأجاب بأني لا أخالف السنة ، والمراد بالسنة يعنى وحدة الصلاة في الفرسخ فإنه واجب بالسنة النبوية ، وإطلاق السنة على ما وجب بالسنة شائع في الأخبار كما قدمنا ذكره في مسألة غسل الجمعة من كتاب الطهارة ، لا ان المراد بالسنة المستحب كما ربما يتوهم ، وعلى هذا المعنى بنى الاستدلال بالرواية وهو معنى واضح لا غبار عليه.

وبنحو هذه الرواية روى في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (١) انه «قيل له يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لو أمرت من يصلى بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد؟ قال أكره أن أستن سنة لم يستنها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وروى شيخنا المجلسي في كتاب البحار (٢) نقلا من كتاب عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول قال الناس لعلى (عليه‌السلام) ألا تخلف رجلا يصلى بضعفة الناس في العيدين؟ قال فقال لا أخالف السنة».

ونحوه بهذا المضمون روى في المحاسن عن رفاعة (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام). الحديث».

ومما يؤيد ذلك ما تقدم (٤) في صحيحة زرارة من ان «من لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه». ونحوه في صحيحته الأخرى (٥) وهو شامل بإطلاقه لما لو لم يكن ثمة إمام أو كان ولكن فاتته الصلاة معه. ومعنى «لا صلاة له» يعنى وجوبا وإلا فالاستحباب لا ريب فيه نصا وفتوى ، ففي الصحيح لابن سنان (٦)

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٤ من صلاة العيد.

(٢) ج ١٨ الصلاة ص ٨٦٣.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ٨٦.

(٤) ص ٢٠٢.

(٥) ص ٢٠٣.

(٦) الوسائل الباب ٣ من صلاة العيد.

٢٠٩

«من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده». ونحوه غيره مما سيأتي ان شاء الله تعالى.

والتقريب في هذه الأخبار انه لو شرعت الصلاة مرة أخرى في البلد لما حسن هذا الإطلاق في هذه الأخبار بان يقال «لا صلاة له ولا قضاء عليه» أو يقال : «فليصل وحده» لإمكان الاجتماع على جماعة أخرى كما لا يخفى.

وأما ما ذكره الشهيد ومن تأخر عنه ـ من أن هذا الشرط انما يعتبر مع وجوب الصلاتين فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمنع التعدد ـ ففيه انه لم يقم لنا دليل على استحباب الجماعة في العيدين كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في مسألة على حدة والى ذلك أشار في المدارك ايضا حيث قال بعد نقل ذلك عن الشهيد : وليس في النصوص دلالة على شي‌ء من ذلك. انتهى.

وقال في الذكرى : مذهب الشيخ في الخلاف ومختار صاحب المعتبر ان الامام لا يجوز له أن يخلف من يصلى بضعفة الناس في البلد. ثم أورد صحيحة ابن مسلم (١) ثم قال ونقل في الخلاف عن العامة «ان عليا (عليه‌السلام) (٢) خلف من يصلى بالضعفة» وأهل البيت (عليهم‌السلام) أعرف. انتهى.

وخامسها ـ الخطبتان وقد اختلف فيهما كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فقال الشيخ في المبسوط في باب صلاة العيدين : وشرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد والخطبة وغير ذلك. وهو ظاهر في قوله بشرطيتهما في العيدين ، وبه قال ابن إدريس والعلامة في المنتهى حيث قال : والخطبتان واجبتان كوجوبهما في الجمعة ولا نعرف خلافا بين المسلمين في كونهما بعد الصلاة إلا من بنى أمية (٣) ثم ذكر ايضا انه لا يجب حضورهما ولا استماعهما بغير خلاف. ونحو ذلك ذكر في التذكرة أيضا.

__________________

(١) ص ٢٠٨.

(٢) المغني ج ٢ ص ٣٧٣.

(٣) المغني ج ٢ ص ٣٨٤.

٢١٠

وقال المحقق في المعتبر : والخطبتان مستحبتان فيهما بعد الصلاة ولا يجب حضورهما ولا استماعهما اما استحبابهما فعليه الإجماع.

وقال الشهيد في الذكرى : المشهور بين الأصحاب في ظاهر كلامهم استحباب الخطبتين في صلاة العيدين وصرح به في المعتبر وأوجبهما ابن إدريس والفاضل والروايات مطلقة. ونقل بعض الأخبار الدالة على الخطبة ثم قال والعمل بالوجوب أحوط نعم ليستا شرطا في صحة الصلاة بخلاف الجمعة.

وقال السيد في المدارك ـ في شرح قول المصنف : وهي واجبة مع وجود الإمام. الى آخره ـ ان الشيخ صرح في المبسوط باشتراطهما في هذه الصلاة فقال شرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد والخطبة وغير ذلك. ثم ذكر انه الظاهر من عبارة الشرائع حيث أطلق مساواتها للجمعة في الشرائط. ثم ذكر ان العلامة جزم في جملة من كتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا. ثم قال وهو كذلك تمسكا بالأصل والتفاتا الى كونهما متأخرتين عن الصلاة ولا يجب استماعهما إجماعا فلا تكونان شرطا فيها.

وقال في موضع آخر ـ في شرح قول المصنف : الثالثة الخطبتان في العيد بعد الصلاة وتقديمهما بدعة ـ ولم يتعرض المصنف في هذا الكتاب لبيان حال الخطبتين من حيث الوجوب والاستحباب ونقل عنه في المعتبر انه جزم بالاستحباب وادعى عليه الإجماع ، وقال العلامة في جملة من كتبه بالوجوب ، واحتج عليه في التذكرة بورود الأمر بهما وهو حقيقة في الوجوب. وكأنه أراد بالأمر ما يستفاد من الجملة الخبرية فإنا لم نقف في ذلك على أمر صريح. والمسألة محل تردد وكيف كان فيجب القطع بسقوطهما حال الانفراد للأصل السالم من المعارض.

وقال أيضا ـ في شرح قول المصنف : ولا يجب استماعهما بل يستحب ـ هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين حكاه في التذكرة والمنتهى مع تصريحه في الكتابين بوجوب الخطبتين وهو دليل قوى على الاستحباب وروى العامة عن عبد الله بن

٢١١

السائب (١) قال : «شهدت مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) العيد فلما قضى الصلاة قال انا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب».

والى القول بالاستحباب مال الفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في المفاتيح.

والأظهر عندي هو القول بالوجوب ، ويدل عليه قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الذي قد ظهر لك في غير موضع مما قدمنا وسيجي‌ء أمثاله اعتماد الصدوقين سيما الأول عليه وافتاؤهما بعبائر الكتاب كما كشفنا عنه النقاب في غير باب من الأبواب حيث قال (عليه‌السلام) (٢) «فإن صلاة العيدين مع الإمام فريضة ولا تكون إلا بإمام وخطبة».

ومما يعضد ذلك ويؤيده بأوضح تأييد ما رواه الصدوق في كتاب العلل والعيون من علل الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «انما جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة لأن الجمعة أمر دائم يكون في الشهر مرارا وفي السنة كثيرا فإذا كثر على الناس ملوا وتركوه وتفرقوا عنه والعيد إنما هو في السنة مرتان والزحام فيه أكثر والناس فيه أرغب وان تفرق بعض الناس بقي عامتهم».

والتقريب فيه انه لو كان ما يدعونه من الاستحباب حقا لكان هو الأولى بأن يذكر علة للفرق في الخبر بان يقال إنما أخرت لان استماعها غير واجب حيث انها مستحبة فمن شاء جلس لاستماعها ومن شاء انصرف ، وظاهر الخبر انما هو وجوبها في الصلاتين وان اختلفتا بالتقدم والتأخر للعلة المذكورة في الخبر. ويؤيده توقف يقين

__________________

(١) نيل الأوطار ج ٣ ص ٣٧٦ عن النسائي وابن ماجة وابى داود ونقله في الوسائل في الباب ٣٠ من صلاة العيد من مجالس ابن الشيخ عن عبد الله بن السائب باختلاف في اللفظ.

(٢) ص ١٢.

(٣) الوسائل الباب ١١ من صلاة العيد.

٢١٢

البراءة عليه لانه المعهود من فعلهم والمأثور من أوامرهم (عليهم‌السلام).

وذكر الخطبتين في بيان كيفية الصلاة أيضا ظاهر في ذلك إذ قضية الذكر في بيان كيفية الواجب الوجوب في جميع ما اشتملت عليه الكيفية وخروج بعض الأفراد التي قام الدليل من خارج على استحبابها لا يقتضي خروج ما لم يقم عليه دليل.

هذا ، وما ذكره في المدارك هنا لا يخلو من نوع تشويش واضطراب بل النظر الظاهر في ما أيد به ذلك من عدم وجوب استماعهما بل الاستحباب.

أما الأول فلان مقتضى كلامه الأول هو اختيار الاستحباب صريحا وظاهر الثاني بل صريحه التردد والتوقف في المسألة. وايضا ظاهر كلامه الأول ان العلامة في جملة من كتبه جزم بالاستحباب وظاهر كلامه الثاني خلافه وانه جزم بالوجوب ثم أورد دليله ، ومقتضى الدليل الذي نقله لازم له حيث انه صرح في مواضع من كتابه بأنه لا فرق في دلالة الأمر على الوجوب بين كونه بلفظ الأمر أو بالجملة الخبرية ، وحينئذ فالظاهر ان منشأ التردد عنده هو معارضة دعوى الإجماع الذي ذكره في المعتبر مع ما عرفت من طعنه في هذه الإجماعات.

واما الثاني ـ وهو ما ذكره في كلامه الثالث من أن تصريح العلامة في الكتابين بالإجماع على عدم وجوب استماع الخطبتين دليل قوى على الاستحباب ـ ففيه أن خطبة الجمعة مع الاتفاق على وجوبها وانها شرط في صحة الصلاة قد وقع الخلاف في وجوب استماعها فممن ذهب الى عدم وجوب استماعها الشيخ في المبسوط والمحقق في المعتبر مع قولهما بوجوبها وشرطيتها في صحة الصلاة وتردد في الشرائع ، ولم نره في تلك المسألة بعد أن نقل قولهما المذكور رد عليهما بأنه يلزم منه المناقضة لأن القول بالوجوب يستلزم القول بوجوب الاستماع وعدم وجوب الاستماع يستلزم الاستحباب كما ذكره هنا. وبالجملة فإنه كما ان أصل وجوب الخطبة متوقف على الدليل كذلك وجوب الاستماع يتوقف عليه ولا ملازمة بينهما ؛ وما علل به وجوب الاستماع في خطبة الجمعة في مقام الرد على صاحب المعتبر من انتفاء فائدة الخطبة بدون الاستماع فهي علة مستنبطة ترجع الى مجرد الاستبعاد ، ومع فرض

٢١٣

وجودها في نص فإنه يمكن الجواب عنها بان علل الشرع ليست عللا حقيقية يجب اطرادها كالعلل العقلية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي معرفات وموضحات لنوع مناسبة أو بيان حكمة أو نحو ذلك كما لا يخفى على من أحاط خبرا بالعلل المذكورة في اخبار علل الشرائع والأحكام.

واما ما ذكره في كلامه الثالث من الخبر العامي للتأييد به ـ ولعله من حيث ان الشيخ نقله في كتاب المجالس (١) ـ فضعفه أظهر من أن يمكن الاعتماد عليه في تأسيس حكم شرعي به.

وبالجملة فإن مقتضى ظواهر الأخبار كما ذكره في التذكرة واعترف به في المدارك هو الوجوب مع اعتضاده بما ذكرناه من خبري كتاب الفقه والعلل والعيون ، وليس في الأخبار ما يدل على الاستحباب ولا ما يشير اليه إلا ما ربما يتوهم من كونهما بعد الصلاة وهو محض خيال قاصر.

واما دعوى عدم اشتراطهما في صحة الصلاة ـ وكذا دعوى ما يلازمه ويقتضيه من عدم وجوب حضورهما واستماعهما ـ فلم نقف له على دليل أزيد من دعوى الإجماع ، مع ما عرفت من دلالة ظاهر كلام الشيخ في المبسوط بل ظاهر كل من أطلق الحكم بكون شرائط العيد شرائط الجمعة من غير تعرض لعدم وجوب ما ذكروه على خلاف هذا الإجماع.

قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين بعد ذكر نحو ما ذكرناه : انا لا نعرف لهم دليلا سوى الإجماع المسبوق بخلاف الشيخ صريحا بل سائر أرباب النصوص ايضا حيث لم يتعرضوا لاستثناء هذا من شرائط الجمعة لا صريحا ولا ضمنا سوى خبر عامي ضعيف السند نقله الشيخ أولا من كتب المخالفين في مجالسه (٢) مع انه لم يعمل به على ما يظهر من كلامه ثم اشتهر بين من بعده فاستدلوا به من غير وجدان شاهد من روايات أهل البيت (عليهم‌السلام) ولا مؤيد ، إذ لو كان

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٠ من صلاة العيد.

٢١٤

لنقلوه قطعا مع خلو الكتب عنه اليوم ايضا ، والخبر ما رواه من طريق العامة عن عطاء عن عبد الله بن السائب ثم ساق الخبر كما قدمنا نقله من المدارك. ثم قال : والذي يظهر من فحوى كلام أصحابنا ان أصل مناط حكمهم في جميع ما ذكروا من نفى الاشتراط وعدم وجوب الحضور والاستماع بل أصل استحباب الخطبتين هذا الخبر فان عليه مبنى الإجماع الذي ذكروه. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد متين كما لا يخفى على الحاذق المكين.

المسألة الثالثة ـ قد اشتهر في كلام متأخري الأصحاب انه مع اختلال شرائط الوجوب أو بعضها فإنه يستحب أن تصلى جماعة وفرادى ، قال في المعتبر : وتستحب مع عدم الشرائط أو بعضها جماعة وفرادى في السفر والحضر وتصلى كما تصلى في الجماعة. وقال القطب الراوندي من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنة بلا خطبتين لكن جمهور الإمامية يصلون هاتين الصلاتين جماعة وعملهم حجة.

أقول : وتصريح المحقق ومن تأخر عنه بذلك معلوم من كتبهم وعليه العامة أيضا فإنهم بين قائل بتعين الاستحباب جماعة وقائل بالتخيير بين الجماعة والانفراد وهو قول أكثرهم (١).

وقال الشيخ المفيد بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه من انها فرض لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام سنة على الانفراد مع عدم حضور الامام : ومن فاتته صلاة العيد جماعة صلاها وحده كما يصلى في الجماعة ندبا مستحبا.

وقال الشيخ في المبسوط : متى تأخر عن الحضور لعارض صلاها في المنزل منفردا سنة وفضيلة. ثم قال : ومن لا تجب عليه صلاة العيد من المسافر والعبد

__________________

(١) المذكور في المعتبر والتذكرة والمنتهى نسبة هذا القول إلى الشافعي واحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا تصلى إلا في جماعة وهو قول أبي حنيفة ، وأضاف في المنتهى الحسن البصري إلى الشافعي واحمد. راجع المهذب ج ١ ص ١٢٠ والإنصاف ج ٢ ص ٤٢٦ وعمدة القارئ ج ٣ ص ٣٩٩ والبحر الرائق ج ٢ ص ١٧٥.

٢١٥

وغيرهما يجوز لهما إقامتها منفردين سنة.

وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية : هما سنة تصلى على الانفراد عند فقد الإمام أو اختلال بعض الشرائط.

وأنت خبير بان ظاهر عبارة الشيخ المفيد والشيخ في المبسوط والمرتضى هنا هو استحباب الصلاة منفردا بعد فوات الصلاة الواجبة ولم يتعرضوا للاستحباب جماعة.

وقال أبو الصلاح : فان اختل شرط من شرائط العيد سقط فرض الصلاة وقبح الجمع فيها مع الاختلال وكان كل مكلف مندوبا الى هذه الصلاة في منزله والإصحار بها أفضل.

وقال ابن إدريس : معنى قول أصحابنا «على الانفراد» ليس المراد بذلك أن يصلى كل واحد منهم منفردا بل الجماعة أيضا عند انفرادها من دون الشرائط مسنونة مستحبة ، قال ويشتبه على بعض المتفقهة هذا الموضع بان يقول على الانفراد أراد مستحبة إذا صلاها كل واحد وحده قال لان الجمع في صلاة النوافل لا يجوز وإذا عدمت الشرائط صارت نافلة فلا يجوز الاجتماع فيها ، قال محمد بن إدريس وهذا قلة بصيرة من قائله بل مقصود أصحابنا على الانفراد ما ذكرناه من انفرادها عن الشرائط.

وقال العلامة في المختلف ونعم ما قال : وتأويل ابن إدريس بعيد مع انه روى النهى

عمار بن موسى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ قال لا يؤم بهن ولا يخرجن». ولو كانت الجماعة مستحبة لاستحبت هنا إذ المستحب في حق الرجل مستحب في حق المرأة إلا ما خرج بالدليل ، إلا ان فعل الأصحاب في زماننا الجمع فيها. ثم نقل ملخص كلام الراوندي الذي قدمناه بتمامه.

وقال الشهيد في الذكرى : وتفارق الجمعة عند الأصحاب بأنها مع عدم الشرائط تصلى سنة جماعة وهو أفضل وفرادى ، وكذلك يصليها من لم تجب عليه من المسافر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة العيد.

٢١٦

والعبد والمرأة ندبا ان لم يقم في البلد فرضها مع الامام. ثم نقل كلام السيد المرتضى وابى الصلاح وابن إدريس والراوندي. ثم قال ونص عليه الشيخ في الحائريات. ثم قال وقد روى عمار عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال : وربما يفهم منه نفى الجماعة فيها وكذلك في رواية سماعة عنه (عليه‌السلام) (١) قال : «لا صلاة في العيدين إلا مع الإمام فإن صليت وحدك فلا بأس». وقد يجاب عن رواية عمار بنفي تأكيد الجماعة بالنساء ، وعن الثانية ان المراد بها إذا كانت فريضة لا تكون إلا مع الامام كما قاله في التهذيب ، وقد روى عبد الله بن المغيرة (٢) قال : «حدثني بعض أصحابنا قال سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الفطر والأضحى فقال صلهما ركعتين في جماعة وغير جماعة». وظاهر هذا عموم الجماعة. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ظاهر مرسل عبد الله بن المغيرة المذكور انما هو بيان ان صلاة العيد ركعتان صليت وجوبا في الجماعة أو ندبا بغير جماعة. وفيه اشارة للرد على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الامام. وان لم يكن ما ذكرناه هو الأظهر فلا أقل من أن يكون مساويا لما ذكره وبه يسقط الاستدلال بالخبر المذكور.

ثم أقول : لا يخفى ان الأخبار قد تكاثرت بالصلاة منفردا مع عدم الإمام بالكلية أو عدم إدراك الصلاة معه ولم نقف في الأخبار على ما يقتضي توظيف الجماعة في هذه الصورة بل ظاهر خبر عمار المتقدم كما عرفت هو التصريح بالمنع منها

وأما ما يدل على استحباب الصلاة وحده مع عدم الجماعة فمن ذلك موثقة سماعة المتقدمة (٣) وصحيحة عبد الله بن سنان (٤) قال : «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل في بيته وحده كما يصلى في الجماعة».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢ من صلاة العيد.

(٢) الوسائل الباب ٥ من صلاة العيد.

(٤) الوسائل الباب ٣ من صلاة العيد.

٢١٧

وموثقة الحلبي (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يخرج في يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم».

وعن سماعة في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له متى يذبح؟ قال إذا انصرف الامام. قلت فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة؟ فقال إذا استقلت الشمس. وقال لا بأس أن تصلى وحدك ولا صلاة إلا مع امام».

ومرسلة عبد الله بن المغيرة المتقدمة ، وقد عرفت ان المراد بقوله فيها «في جماعة» انما هو حال الوجوب وحينئذ يكون غير الجماعة عبارة عن الانفراد وهو المستحب

وصحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «مرض ابى يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى».

واحتمل في الوافي في هذا الخبر الوجوب مع اختصاص الحكم بالإمام وأيده بما رواه الشيخ عن الحلبي (٤) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الامام لا يخرج يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم». واحتمل الاستحباب مع عموم الحكم كما تقدم في الأخبار المذكورة.

وظني ان ما ذكره من الاحتمال الأول بعيد ، وتوهم الوجوب من قوله (عليه‌السلام) في رواية الحلبي «أعليه» معارض بما تقدم في موثقة الحلبي (٥) من قوله «الرجل لا يخرج في يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم». وحينئذ فالمراد بقوله «عليه» في كلتا الروايتين انما هو مطلق الثبوت الشامل للوجوب والاستحباب ، على ان وجه الخصوصية هنا غير ظاهر ، وحينئذ فالرواية منتظمة مع ما ذكرناه من الأخبار.

ولا ينافي ذلك ما في رواية هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) من قوله : «فقلت أرأيت ان كان مريضا لا يستطيع ان يخرج أيصلى في بيته؟ قال لا».

وفي رواية محمد بن قيس عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٧) قال : «إنما الصلاة

__________________

(١١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ من صلاة العيد. والظاهر ان الرقم (٤) عين الرقم (١) ولفظ «الإمام» في الوافي.

(٢ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢ من صلاة العيد.

٢١٨

يوم العيد على من خرج الى الجبانة ومن لم يخرج فليس عليه صلاة».

وفي صحيحة زرارة (١) حيث قال (عليه‌السلام) «ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه». فان الوجه فيها الحمل على نفى الوجوب جمعا بين الاخبار.

وفي هذه الأخبار رد على ما نقل عن الصدوق في المقنع حيث قال : ولا يصلين الا مع الإمام جماعة. وابن ابى عقيل حيث قال : من فاتته الصلاة مع الامام لم يصلها وحده. ولعلهما قد استندا الى ما ذكرناه من هذه الروايات الأخيرة. إلا انه يمكن تأويل كلامهما بما أولنا به الأخبار المذكورة إذ من البعيد عدم اطلاعهما على الأخبار الدالة على الانفراد مع كثرتها وتعددها وأبعد منه الاطلاع عليها وطرحها من البين.

إذا عرفت ذلك فاعلم انا لم نقف لما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) من الاستحباب جماعة مع اختلال بعض شروط الوجوب على دليل.

وغاية ما استدل به في الذكرى كما تقدم مرسلة عبد الله بن المغيرة وقد عرفت الجواب عنها ، مع معارضتها ـ لو سلمت من الاحتمال الذي ذكرناه ـ بموثقة عمار المتقدمة (٢) وان تأولها بالبعيد والاحتمال الغير السديد.

وغاية ما تعلق به الراوندي هو عمل جمهور الإمامية وصلاتهم لها جماعة استحبابا حال الغيبة. ولا يخفى ما فيه إذ رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور ، سيما مع ورود الأخبار المتقدمة الدالة على التقييد بالوحدة والانفراد في الإتيان بها مع اختلال شرط الوجوب ، مع عدم وجود المعارض الصريح بل وجود المؤيد الفصيح كما عرفت من موثقة عمار ، فكيف يمكن التعلق بعملهم وفعلهم في مقابلة هذه الأخبار وخصوصا مع موافقة ما يفعلونه للعامة كما تقدمت الإشارة اليه (٣) وأما إيقاع القدماء لها كذلك ان ثبت فلعله بناء على الوجوب كما هو ظاهر ما تقدم من عدم الدليل على اشتراط إمام الأصل في وجوبها فتوهم من اشترطه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من صلاة العيد.

(٢) ص ٢١٦.

(٣) ص ٢١٥.

٢١٩

ان فعلهم لها على جهة الاستحباب. وسيأتي ما يؤيده.

وبالجملة فالظاهر هو انحصار الاستحباب في الانفراد كما هو مفاد الأخبار المتقدمة مع كونه خلاف جميع العامة.

وكيف كان فالاستحباب جماعة إنما يتجه على ما هو المشهور من اشتراط وجوب العيدين وجوبا عينيا بإمام الأصل ، ولا ريب ان هذا الشرط مختل زمان الغيبة ولهذا نقل القطب الراوندي والعلامة في المختلف ـ على ما قدمنا نقله عنهما ـ ان عمل الأصحاب على الصلاة جماعة استحبابا زمان الغيبة ، إلا انك قد عرفت انه لا مستند له.

واما على ما هو الظاهر من كلام جملة من محققي متأخري المتأخرين ـ وهو الظاهر ايضا ممن قال بالوجوب العيني حال الغيبة من المتقدمين حيث انهم يجعلون شرائط الجمعة ثابتة لصلاة العيد من أن صلاة العيد زمن الغيبة كصلاة الجمعة واجبة عينا والامام المشترط فيها انما هو إمام الجماعة ـ فيشكل التعدد جماعة فيها في مسافة الفرسخ كما عليه علماء زماننا الآن فإنهم يصلون جماعات عديدة في البلد الواحد مع ترجيحهم هذا القول الذي أشرنا اليه وقولهم باشتراط الوحدة فيها كما في الجمعة ، لأنه متى صليت في مسافة الفرسخ بناء على ما ذكرنا امتنعت الصلاة ثانيا لعين ما تقرر في صلاة الجمعة من عدم مشروعية الجمعة الثانية في المسافة المذكورة.

وربما كان مستندهم في جواز التعدد في الصورة المذكورة ما تقدم نقله عن شيخنا الشهيد من أن شرط الوحدة في فرسخ انما يعتبر مع وجوب الصلاتين فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمتنع التعدد.

وفيه ان كلام شيخنا المذكور مبنى على اشتراط المعصوم في الوجوب العيني فهي الآن عنده مستحبة فلا يشترط فيها هذا الشرط إذ هو مخصوص بالواجبة ، وأما من ثبت عنده الوجوب زمن الغيبة عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على الوجوب من غير ما يصلح لتقييدها بوجود إمام الأصل كما يدعونه وقد حصل باقي الشروط فان الوجوب يكون عينيا عنده فلا بد من اعتبار الوحدة فيها كما في الجمعة

٢٢٠