الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

الثاني ـ في تفسير الأذان الثاني فقيل هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت من مؤذن واحد أو قاصد كونه ثانيا سواء كان بين يدي الخطيب أو على المنارة أو غيرهما.

وقيل ما وقع ثانيا بالزمان والقصد لان الواقع أولا هو المأمور به والمحكوم بصحته فيكون التحريم متوجها الى الثاني.

وقيل انه ما لم يكن بين يدي الخطيب لأنه الثاني باعتبار الأحداث سواء وقع أولا أو ثانيا بالزمان :

لما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا خرج الى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون».

ورد بضعف سند الرواية ومعارضتها بحسنة محمد بن مسلم أو صحيحته (٢) قال : «سألته عن الجمعة فقال أذان واقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر. الحديث». وهو صريح في استحباب الأذان قبل صعود الامام المنبر فيكون المحدث غيره.

وقال ابن إدريس الأذان الثاني ما يفعل بعد نزول الامام مضافا الى الأذان الذي عند الزوال. وهو غريب فإنه لم يقل أحد ولا ورد خبر بالأذان بعد نزول الإمام أقول : قال شيخنا أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان في تفسير قوله تعالى «إِذا نُودِيَ ..(٣) أي إذا اذن لصلاة الجمعة وذلك إذا جلس الامام على المنبر يوم الجمعة ، وذلك لانه لم يكن على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نداء سواه ، قال السائب بن يزيد كان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذن واحد بلال فكان إذا جلس على المنبر اذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ثم كان أبو بكر وعمر كذلك حتى إذا كان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل الباب ٦ و ٢٥ من صلاة الجمعة.

(٣) سورة الجمعة الآية ٩.

١٨١

عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأول على سطح دار له بالسوق يقال لها الزوراء وكان يؤذن له عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه (١) انتهى.

وفيه دلالة على ان المراد بالثاني هو ما لم يكن بين يدي الخطيب بعد صعوده المنبر لانه هو المسنون الموظف فما عداه تقدم أو تأخر يكون بدعة كما هو القول الثالث من الأقوال المتقدمة.

واما الإيراد عليه بمضمرة محمد بن مسلم وان رواية القداح ضعيفة ففيه ان اشتهار الحكم بين الخاصة والعامة (٢) بمضمون الرواية المذكورة جابر لضعفها بناء على القول بهذا الاصطلاح المحدث. وأما مضمرة محمد بن مسلم فتحمل على الرخصة. والله العالم.

(المسألة الرابعة) إذا لم يكن إمام الجمعة ممن يصح الاقتداء به تخير المكلف متى ألجأته التقية والضرورة إلى الصلاة معه بين الصلاة قبل الفريضة ثم يصلى معه نافلة وبين أن يصلى معه ثم يتمها بركعتين بعد فراغه وفي الأفضل منهما تردد.

ومما يدل على الأول من الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بكر الحضرمي (٣) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) كيف تصنع يوم الجمعة؟ قال كيف تصنع أنت؟ قلت أصلي في منزلي ثم اخرج فأصلي معهم. قال كذلك أصنع انا».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ما من

__________________

(١) البخاري باب الأذان يوم الجمعة وباب التأذين عند الخطبة والام للشافعي ج ١ ص ١٧٣ وسنن أبى داود ج ١ ص ٢٨٥ وسنن النسائي ج ١ ص ٢٠٧ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٣٤٨ وسنن البيهقي ج ١ ص ١٩٢ وفيها هكذا «فثبت الأمر على ذلك» وفي بعضها «فثبت حتى الساعة» وربما كان «فلم يعب ذلك عليه» نقلا بالمضمون.

(٢) ارجع الى التعليقة ٣ ص ١١٠.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من صلاة الجمعة.

(٤) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجماعة عن الصدوق.

١٨٢

عبد يصلى في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلى معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمسا وعشرين درجة».

ومما يدل على الثاني ما رواه في الكافي عن حمران بن أعين (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) جعلت فداك انا نصلي مع هؤلاء يوم الجمعة وهم يصلون في الوقت فكيف نصنع؟ فقال صلوا معهم. فخرج حمران إلى زرارة فقال له قد أمرنا أن نصلي معهم بصلاتهم فقال زرارة ما يكون هذا إلا بتأويل. فقال له حمران قم حتى تسمع منه قال فدخلنا عليه فقال له زرارة جعلت فداك ان حمران زعم أنك أمرتنا أن نصلي معهم فأنكرت ذلك؟ فقال لنا : كان على بن الحسين (عليهما‌السلام) يصلى معهم الركعتين فإذا فرغوا قام فأضاف إليهما ركعتين».

وما رواه في التهذيب في الحسن أو الموثق عن زرارة عن حمران (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان في كتاب على (عليه‌السلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ، قال زرارة قلت له هذا ما لا يكون ، اتقاك ، عدو الله اقتدى به؟ قال حمران كيف اتقاني وانا لم أسأله هو الذي ابتدأني وقال في كتاب على (عليه‌السلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم كيف يكون في هذا منه تقية؟ قال قلت قد اتقاك وهذا مما لا يجوز حتى قضى انا اجتمعنا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) فقال له حمران أصلحك الله حدثت هذا الحديث الذي حدثني به ان في كتاب على (عليه‌السلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم فقال هذا ما لا يكون ، عدو الله فاسق لا ينبغي لنا ان نقتدي به ولا نصلي معه. فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في كتاب على (عليه‌السلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك حتى تصلى ركعتين أخريين. قلت فأكون قد صليت أربعا لنفسي لم أقتدي به؟ فقال نعم. فسكت وسكت صاحبي ورضينا».

وفي الصحيح أو الحسن عن زرارة (٣) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ان

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٩ من صلاة الجمعة.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٥٣ وفي الوسائل الباب ٢٩ من صلاة الجمعة.

١٨٣

أناسا رووا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه صلى أربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم؟ فقال يا زرارة ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) صلى خلف فاسق فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فصلى أربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم فقال له رجل الى جنبه يا أبا الحسن صليت أربع ركعات لم تفصل بينهن بتسليم فقال إنهن أربع ركعات مشبهات فسكت ، فوالله ما عقل ما قال له».

وهذا الخبر يدل على وجه ثالث وهو الإتيان بالفرض بعد الصلاة معهم نافلة. هذا ، وظاهر خبري حمران المذكورين الإشارة إلى صحة القاعدة المشهورة في كلام الأصحاب من حمل المطلق على المقيد وتقييده به ، حيث انه أخبره أولا بما يدل على جواز الصلاة معهم مطلقا وظاهره صحة الاقتداء بهم كما توهمه حمران ثم بعد المراجعة أخبرهم بالمخصص وهو انه لا يقوم من مقامه حتى يضيف إليها ركعتين أخريين ، فدل على اختصاص جواز الصلاة معهم بهذا الوجه.

ونحو هذين الخبرين في ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسن بن الجهم (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل مات. الى ان قال : قلت ما تقول في الصبي لامه ان تحلل؟ قال نعم ان كان لها ما ترضيه أو تعطيه. قلت فان لم يكن لها؟ قال فلا. قلت فقد سمعتك تقول انه يجوز تحليلها؟ فقال إنما أعني بذلك إذا كان لها». ونحو ذلك في الاخبار كثير يقف عليه المتتبع. والله العالم.

(المسألة الخامسة) في آداب الجمعة وما يستحب في يومها ، ومنها ـ الغسل في هذا اليوم وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الطهارة في باب الأغسال منقحا موضحا.

ومنها ـ التنفل في هذا اليوم وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا لاختلاف الأخبار في مواضع :

الأول ـ في عدد النوافل فالمشهور انها عشرون ركعة ، وقال ابن الجنيد انها اثنتان وعشرون ركعة ، وقال الصدوقان زيادة الأربع الركعات للتفريق فان قدمت

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الضمان.

١٨٤

النوافل وأخرتها فهي ست عشرة ركعة.

والواجب نقل الأخبار المتعلقة بذلك ليعلم بذلك مستند هذه الأقوال ، فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن التطوع في يوم الجمعة قال إذا أردت أن تتطوع في يوم الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار وست ركعات قبل نصف النهار وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة وست ركعات بعد الجمعة».

وعن أحمد بن محمد بن ابى نصر في الصحيح عن محمد بن عبد الله (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن التطوع يوم الجمعة فقال ست ركعات في صدر النهار وست ركعات قبل الزوال وركعتان إذا زالت وست ركعات بعد الجمعة ، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة». ورواه في الاستبصار (٣) عن ابن ابى نصر قال : «سألت أبا الحسن. الحديث».

واحتمال سقوط محمد بن عبد الله من هذا السند قائم كما ان احتمال زيادته في ذلك السند قائم أيضا إلا أن الأمر في ذلك هين عندنا بل عند جملة من أهل هذا الاصطلاح حيث أن الطريق الى ابن أبى نصر صحيح مع كونه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وموافقة هذا الخبر لصحيح يعقوب المتقدم.

وما رواه في الكافي عن احمد بن محمد بن ابى نصر (٤) قال : «قال أبو الحسن.

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٣٢٣ وفي الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

(٣) ج ١ ص ٤١٠ الطبع الحديث وفيه «إذا زالت الشمس».

(٤) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة. ورواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٢٤٨ عن الكليني هكذا : «الصلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات صدر النهار وركعتان إذا زالت الشمس ثم صل الفريضة ثم صل بعدها ست ركعات». وفي الاستبصار ج ١ ص ٤٠٩ الطبع الحديث رواه هكذا : «الصلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات صدر النهار وست ركعات عند ارتفاعه وركعتان إذا زالت الشمس ثم تصلي الفريضة ثم صل بعدها ست ركعات» ....

١٨٥

(عليه‌السلام) صلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات بكرة وست ركعات صدر النهار وركعتان إذا زالت الشمس ثم صل الفريضة وصل بعدها ست ركعات». وفي الفقيه (١) نسب مضمون هذا الحديث إلى رسالة أبيه اليه ، وزاد : وفي نوادر أحمد بن محمد بن عيسى «وركعتين بعد العصر».

وعن مراد بن خارجة (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما أنا فإذا كان يوم الجمعة وكانت الشمس من المشرق بمقدارها من المغرب في وقت صلاة العصر صليت ست ركعات فإذا انتفخ النهار صليت ستا فإذا زاغت أو زالت صليت ركعتين ثم صليت الظهر ثم صليت بعدها ستا». أقول : النفخ كناية عن ارتفاع النهار يعنى وقت الضحى ، يقال انتفخ النهار إذا علا.

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز (٣) قال : «قال أبو بصير قال أبو جعفر (عليه‌السلام) ان قدرت يوم الجمعة أن تصلى عشرين ركعة فافعل ستا بعد طلوع الشمس وستا قبل الزوال إذا تعالت الشمس ـ وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم ـ وركعتين قبل الزوال وست ركعات بعد الجمعة».

وروى الشيخ في كتاب المجالس بسنده عن زريق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال «كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) ربما يقدم عشرين ركعة يوم الجمعة في صدر النهار فإذا كان عند زوال الشمس اذن وجلس جلسة ثم أقام وصلى الظهر وكان لا يرى صلاة عند الزوال إلا الفريضة ولا يقدم صلاة بين يدي الفريضة إذا زالت الشمس وكان يقول هي أول صلاة فرضها الله تعالى على العباد صلاة الظهر يوم الجمعة مع الزوال.

__________________

(١) ج ١ ص ٢٦٧ و ٢٦٨.

(٢) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة. وفي التهذيب ج ١ ص ٢٤٨ رواه عنه هكذا «ارتفع» بدل «انتفخ». وفي الاستبصار ج ١ ص ٤١٠ الطبع الحديث والفروع ج ١ ص ١١٩ (فإذا زاغت الشمس أو زالت).

(٣) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من صلاة الجمعة.

١٨٦

وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لكل صلاة أول وآخر لعلة يشغل سوى صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة الفجر وصلاة العيدين فإنه لا يقدم بين يدي ذلك نافلة. قال وربما كان يصلى يوم الجمعة ست ركعات إذا ارتفع النهار وبعد ذلك ست ركعات أخر وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم للصلاة فيصلي الظهر ويصلى بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن ويصلى ركعتين ثم يقيم ويصلى العصر».

أقول : ما اشتمل عليه هذا الخبر من تقديم الأذان على الزوال وصلاة ركعتين غريب مخالف للاخبار وكلام الأصحاب وكذا الأذان للعصر في يوم الجمعة.

وروى الصدوق في كتاب العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «انما زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الأيام».

أقول : هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على العشرين كما هو القول المشهور.

واما ما يدل على انها ست عشرة فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان ابن خالد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) النافلة يوم الجمعة؟ قال ست ركعات قبل زوال الشمس وركعتان عند زوالها ، والقراءة في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين وبعد الفريضة ثمان ركعات».

وعن سعيد الأعرج في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة النافلة يوم الجمعة فقال ست عشرة ركعة قبل العصر ثم قال وكان على (عليه‌السلام) يقول ما زاد فهو خير. وقال ان شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار وست ركعات نصف النهار ويصلى الظهر ويصلى معها أربعة ثم يصلى العصر».

وأما ما يدل على انها اثنتان وعشرون ركعة فهو ما رواه الشيخ في الصحيح

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

١٨٧

عن سعد بن سعد الأشعري عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال ست ركعات بكرة وست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ، ثماني عشرة ركعة ، وركعتان بعد الزوال ، فهذه عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر ، فهذه اثنتان وعشرون ركعة».

قال في المعتبر : وهذه الرواية انفردت بزيادة ركعتين وهي نادرة. وقد تقدم كلام الفقيه نقلا عن نوادر احمد بن محمد بن عيسى بزيادة ركعتين بعد العصر زيادة على العشرين المذكورة في حديثه وهو مؤيد لهذه الرواية.

واما ما يدل على ما ذكره الصدوقان من التفصيل المتقدم نقله عنهما من أنه مع التفريق يصلى عشرين ومع الجمع في وقت واحد يصلى ست عشرة ركعة فهو مأخوذ مما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٢) حيث قال : لا تصل يوم الجمعة بعد الزوال غير الفرضين والنوافل قبلهما أو بعدهما. وفي نوافل يوم الجمعة زيادة أربع ركعات يتمها عشرين ركعة يجوز تقديمها في صدر النهار وتأخيرها الى بعد صلاة العصر. فان استطعت أن تصلى يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست ركعات فافعل ، فان صليت نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها الى بعد المكتوبة أجزأك وهي ست عشرة ركعة ، وتأخيرها أفضل من تقديمها ، وإذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا تصل إلا المكتوبة.

بقي الكلام في الجمع بين هذه الأخبار المنقولة في المقام على وجه يحصل به الالتئام والانتظام ، والظاهر انه ليس إلا التخيير وحمل الزائد على الأقل على الفضل والاستحباب كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة سعيد الأعرج بعد ذكر الست عشرة ركعة «كان على (عليه‌السلام) يقول ما زاد فهو خير».

الثاني ـ في وقت النوافل المذكورة فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

(٢) ص ١١ و ١٢.

١٨٨

والمصباح والشيخ المفيد في المقنعة وتبعهما جملة من المتأخرين إلى استحباب تقديم نوافل الجمعة كلها على الفريضة بان يصلى ستا عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين بعد الزوال ، وقال المفيد حين تزول تستظهر بهما في تحقق الزوال ، والظاهر من كلام السيد وابن ابى عقيل وابن الجنيد استحباب ست منها بين الظهرين ، ونقل عن الصدوق استحباب تأخير الجميع وليس في كلامه ما يشير اليه كما ستطلع عليه ان شاء الله تعالى.

ولا بأس بنقل جملة من عبارات الأصحاب في الباب ليزول به الشك عن ما نقلناه والارتياب فنقول :

قال السيد المرتضى (قدس‌سره) : يصلى عند انبساط الشمس ست ركعات فإذا انتفخ النهار وارتفعت الشمس صلى ستا فإذا زالت الشمس صلى ركعتين فإذا صلى الظهر صلى بعدها ستا.

وقال الشيخ في النهاية : وتقدم نوافل الجمعة كلها قبل الزوال ، هذا هو الأفضل في يوم الجمعة خاصة ، وان صلى ست ركعات عند انبساط الشمس وست ركعات عند ارتفاعها وركعتين عند الزوال وست ركعات بين الظهر والعصر لم يكن ايضا به بأس ، وان أخر جميع النوافل الى بعد العصر جاز له ذلك إلا ان الأفضل ما قدمناه ومتى زالت الشمس ولم يكن قد صلى من نوافله شيئا أخرها الى بعد العصر. وقال في الخلاف : يستحب يوم الجمعة تقديم نوافل الظهر قبل الزوال.

وقال في المبسوط : تقديم النوافل يوم الجمعة خاصة قبل الزوال أفضل وفي غيرها من الأيام لا يجوز ، ويستحب أن يصلى ست ركعات عند انبساط الشمس وست ركعات عند ارتفاعها وست ركعات إذا قرب من الزوال وركعتين عند الزوال وان فصل بين الفرضين بست ركعات على ما ورد به بعض الروايات (١) كان أيضا جائزا ، وان أخر جميع النوافل الى بعد العصر جاز ايضا غير ان الأفضل ما قلناه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

١٨٩

وقال الشيخ المفيد : وصل ست ركعات عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول تستظهر بهما في تحقق الزوال. ثم قال في موضع آخر : وقت النوافل للجمعة في يوم الجمعة قبل الصلاة ولا بأس بتأخيرها الى بعد العصر.

وقال ابن ابي عقيل : وإذا تعالت الشمس صلى ما بينها وبين الزوال أربع عشرة ركعة فإذا زالت الشمس فلا صلاة إلا الفريضة ثم يتنفل بعدها بست ركعات ثم يصلى العصر ، كذلك فعله رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) فان خاف الإمام إذا تنفل أن يتأخر العصر عن وقت الظهر في سائر الأيام صلى العصر بعد الفراغ من الجمعة ثم يتنفل بعدها بست ركعات ، هكذا روى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٢) انه ربما كان يجمع بين صلاة الجمعة والعصر ويصلى يوم الجمعة بعد طلوع الشمس وبعد العصر.

وقال أبو الصلاح : يستحب لكل مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل بعد الغسل ويلزم من حضره قبل الزوال ان يقدم النوافل عدا ركعتي الزوال فإذا زالت الشمس صلاهما.

وقال ابن الجنيد : الذي يستحب عند أهل البيت (عليهم‌السلام) من نوافل الجمعة ست ركعات ضحوة النهار وست ركعات ما بين ذلك وبين انتصاف النهار وركعتا الزوال وبعد الفريضة ثمان ركعات منها ركعتان نافلة العصر.

وقال ابن البراج : يصلى ست ركعات عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول الشمس استظهارا للزوال.

وقال الشيخ على بن بابويه : فان استطعت أن تصلى يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست ركعات فافعل ، فان قدمت نوافلك كلها في يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها الى بعد المكتوبة فهي ست عشرة ركعة وتأخيرها أفضل من تقديمها. أقول : وهذه

__________________

(١ و ٢) لم نقف في الأخبار بعد الفحص في مظانها على ما يدل على هذه النسبة.

١٩٠

عين عبارة الفقه الرضوي التي قدمناها.

وقال ابنه في المقنع : ان استطعت أن تصلى يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست ركعات فافعل ، وان قدمت نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها الى بعد المكتوبة فهي ست عشرة ركعة ، وتأخيرها أفضل من تقديمها في رواية زرارة بن أعين ، وفي رواية أبي بصير (١) تقديمها أفضل من تأخيرها. وهو كما ترى يرجع الى ما قدمناه من عبارة كتاب الفقه الرضوي أيضا إلا انه (عليه‌السلام) حكم في الكتاب بكون التأخير أفضل من التقديم وفي عبارة المقنع نسب أفضلية التأخير إلى رواية زرارة وأفضلية التقديم إلى رواية أبي بصير. وهاتان الروايتان وان لم تصلا إلينا ولكن كفى بنقله لهما لأنه هو الصدوق في ما يقول.

ومما يدل على أفضلية التأخير ما رواه الشيخ عن عقبة بن مصعب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقلت أيما أفضل أقدم ركعات يوم الجمعة أو أصليها بعد الفريضة؟ فقال لا بل تصليها بعد الفريضة».

وعن سليمان بن خالد (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقدم يوم الجمعة شيئا من الركعات؟ قال نعم ست ركعات. قلت فأيهما أفضل أقدم الركعات يوم الجمعة أم أصليها بعد الفريضة؟ قال تصليها بعد الفريضة أفضل».

ومما يدل على أفضلية التقديم زيادة على رواية أبي بصير التي أشار إليها في المقنع رواية زريق المتقدم نقلها عن كتاب مجالس الشيخ (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين (٥) قال : «سألت أبا الحسن

__________________

(١) نقل في الوسائل هذه العبارة من المقنع في الباب ١٣ من صلاة الجمعة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٣ من صلاة الجمعة.

(٤) ص ١٨٦.

(٥) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

١٩١

(عليه‌السلام) عن النافلة التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال قبل الصلاة».

والشيخ قد جمع بين هذه الأخبار بناء على ما ذهب اليه من أفضلية التقديم بحمل الخبرين الأولين على ما إذا أدركه الوقت ولم يصلها بعد ، وعلل الأفضلية في خبر على بن يقطين بأنه لا يأمن أن يخترم فيفوته ثواب النافلة. وهو جيد ، ويعضده استحباب الجمع بين الفرضين يوم الجمعة وعدم الفصل بالنافلة وكذا الأخبار الدالة على ان وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام (١).

الثالث ـ في وقت ركعتي الزوال هل هو حال الزوال كما تدل عليه التسمية أم لا بل يكون قبله أو بعده؟ قولان ظاهر ما قدمناه من كلام السيد المرتضى وكلام الشيخ في النهاية والمبسوط وكلام ابن الجنيد وابى الصلاح هو الأول ، وظاهر كلام ابن ابى عقيل الثاني ، وظاهر كلام الشيخ المفيد وابن البراج الأول أيضا مع احتمال الحمل على الثاني بأن تكون صلاة الركعتين في موضع الشك في الزوال وعدم تحققه.

ومما يدل على الأول من الروايات المتقدمة في المقام صحيحة يعقوب بن يقطين ورواية محمد بن عبد الله ورواية أحمد بن محمد بن ابى نصر ومراد بن خارجة وصحيحة سليمان بن خالد وصحيحة سعد بن سعد الأشعري.

واما ما يدل على الثاني منها فرواية أبي بصير المنقولة من كتاب السرائر ورواية زريق المنقولة عن كتاب مجالس الشيخ وكلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي

ومنها ـ صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ و ٩ من صلاة الجمعة.

(٢) تقدمت هذه الرواية ص ١٣٥ ولم يصفها بالصحة كما لم يصفها بذلك السبزواري في الذخيرة عند ما تعرض لها في وقت صلاة الجمعة في أول مبحث صلاة الجمعة وكذلك صاحب المدارك ، وقد تقدم في التعليقة ٥ ص ١٣٥ تخريجها من قرب الاسناد حيث لم نجدها في الوافي

١٩٢

«سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال إذا قامت الشمس صل الركعتين فإذا زالت الشمس فصل الفريضة».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن عجلان (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين وإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة».

وما رواه الكليني عن ابن ابى عمير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرئيل (عليه‌السلام) مضيقة إذا زالت الشمس فصلها. قال قلت إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها قال فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما أنا إذا زالت الشمس لم أبدأ بشي‌ء قبل المكتوبة». قال القاسم : وكان ابن بكير يصلى الركعتين وهو شاك في الزوال فإذا استيقن الزوال بدأ بالمكتوبة في يوم الجمعة.

وعن ابن سنان (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في المتهجد عن محمد بن مسلم وما رواه فيه عن حريز (٤) وما رواه في التهذيب عن على بن جعفر (٥) غير الرواية المتقدمة ، وما رواه عن ابن ابى عمير في الصحيح (٦) غير روايته المتقدمة ، والكل قد تقدم في المقصد السادس في الوقت من مقاصد المطلب الثاني.

__________________

في مظانها وقد نقلها في الوسائل في الباب ١١ من صلاة الجمعة من السرائر وقرب الاسناد ولم نقف على نقلها من التهذيب كما هو ظاهره (قدس‌سره) في ما يأتي وكما هو ظاهر صاحب الذخيرة حيث عدها في سياق روايات الشيخ.

(١) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة وفي التهذيب ج ١ ص ٢٤٨ والاستبصار ج ١ ص ٤١٢ عبد الرحمن بدل عبد الله.

(٢) الفروع ج ١ ص ١١٧ وفي الوسائل الباب ٨ من صلاة الجمعة.

(٣) الوسائل الباب ٨ من صلاة الجمعة.

(٤) ص ١٣٧.

(٥) تقدمت ص ١٣٩ وظاهر كلامه ان الرواية المتقدمة من روايات التهذيب ويدل عليه نقلها في ما يأتي من قرب الاسناد وقد تقدم في التعليقة ٢ ص ١٩٢ بيان خلاف ذلك.

(٦) تقدم ص ١٣٩.

١٩٣

ومنها ـ ما رواه في كتاب قرب الاسناد (١) عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال إذا قامت الشمس صل الركعتين فإذا زالت فصل الفريضة وإذا زالت الشمس قبل ان تصلى الركعتين فلا تصلهما وابدأ بالفريضة واقض الركعتين بعد الفريضة. قال : وسألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال قبل الأذان».

وما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو عن سليمان بن خالد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له أيما أفضل أقدم الركعتين يوم الجمعة أو أصليهما بعد الفريضة؟ قال تصليهما بعد الفريضة». وذكر ايضا عن رجل عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الركعتين اللتين قبل الزوال يوم الجمعة قال اما انا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة».

ويؤيد هذه الأخبار وجوه (أحدها) صراحتها في المدعى كما لا يخفى على من أمعن النظر في مضامينها بخلاف تلك الأخبار فإنه من المحتمل قريبا حمل قولهم «وركعتين إذا زالت» أى قارب زوالها وهو وقت قيامها أو الشك في الزوال فان باب المجاز واسع. و (ثانيها) الأخبار المتكاثرة بأن وقت الجمعة ساعة تزول وانه مضيق و (ثالثها) الأخبار الدالة على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة وهي مستفيضة صحيحة صريحة كما قدمناها في بحث الأوقات (لا يقال) انه يجوز تخصيصها بهذه الأخبار الدالة على جواز هاتين الركعتين بعد الزوال (لأنا نقول) التخصيص بها انما يتم لو سلمت من المعارض ولا سيما مع ترجحه عليها بما ذكرنا. و (رابعها) انه الأوفق بالاحتياط في الدين.

وبالجملة فالأقرب عندي هو القول الثاني لما عرفت. والله العالم.

ومنها ـ المباكرة الى المسجد للإمام وغيره لما رواه الكليني والشيخ في الصحيح

__________________

(١) ص ٩٨ وفي الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة.

١٩٤

عن عبد الله بن سنان (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فضل الله يوم الجمعة على غيره من الأيام وان الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها وانكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة وان أبواب السماء لتفتح لصعود اعمال العباد».

وعن جابر (٢) قال : «كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يبكر الى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك ، وكان يقول ان لجمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل شهر رمضان على سائر الشهور».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم قراطيس من فضة وأقلام من ذهب فيجلسون على أبواب المساجد على كراسي من نور فيكتبون الناس على منازلهم الأول والثاني حتى يخرج الإمام فإذا خرج الامام طووا صحفهم ، ولا يهبطون في شي‌ء من الأيام إلا في يوم الجمعة يعني الملائكة المقربين».

ونحوه روى في الفقيه عن ابى جعفر (عليه‌السلام) مرسلا (٤). وما رواه الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٥) انه قال : «إذا كان يوم الجمعة خرج إحلاف الشياطين يزينون أسواقهم ومعهم الرايات وتقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الناس على منازلهم حتى يخرج الامام ، فمن دنا الى الامام وأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان من الأجر ، ومن تباعد عنه فاستمع وأنصت ولم يلغ كان له كفل من الأجر ، ومن دنا من الامام ولغى ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزر ، ومن قال لصاحبه «صه» فقد تكلم ومن

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من صلاة الجمعة. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من صلاة الجمعة.

(٣) الوسائل الباب ٢٧ من صلاة الجمعة. ونقل فيه ان الشيخ رواه عن الكليني.

(٤) الوسائل الباب ٢٧ من صلاة الجمعة إلى قوله «طووا صحفهم».

(٥) الوافي باب التبكير إلى الجمعة فإنه بعد نقل اخبار من الباب قال : «بيان ـ الاخبار في فضل الجمعة أكثر من ان تحصى» ثم ذكر عدة اخبار من الأمالي منها هذا الخبر.

١٩٥

تكلم فلا جمعة له. ثم قال على (عليه‌السلام) هكذا سمعت نبيكم (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وعن جابر بن يزيد عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له قول الله تعالى : «(فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)؟ قال قال : اعملوا وعجلوا فإنه يوم مضيق على المسلمين فيه وثواب اعمال المسلمين فيه على قدر ما ضيق عليهم والحسنة والسيئة تضاعف فيه. قال وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) والله لقد بلغني ان أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كانوا يتجهزون للجمعة يوم الخميس لانه يوم مضيق على المسلمين». الى غير ذلك من الأخبار.

ومنها ـ التطيب ولبس أفخر الثياب وتسريح اللحية وقلم الأظفار وأخذ الشارب والخروج على سكينة ووقار والدعاء حال الخروج إلى الجمعة وكثرة الصلاة على محمد وآله (صلوات الله عليهم) في ذلك اليوم :

روى ثقة الإسلام في الكافي عن هشام بن الحكم (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ليتزين أحدكم يوم الجمعة : يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه وليتهيأ للجمعة وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار وليحسن عبادة ربه وليفعل الخير ما استطاع فان الله يطلع على الأرض ليضاعف الحسنات».

وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة وشم الطيب والبس صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار».

وقال الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٤) : وعليكم بالسنن يوم الجمعة وهي سبعة : إتيان النساء وغسل الرأس واللحية بالخطمي وأخذ الشارب وتقليم الأظفار وتغيير الثياب ومس الطيب ، فمن أتى بواحدة من هذه السنن نابت عنهن وهي الغسل وأفضل أوقاته قبل الزوال.

وقد قدمنا جملة من الأخبار المتعلقة بالغسل يوم الجمعة في فصل الأغسال من

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من صلاة الجمعة. والرواية عن الكليني والشيخ.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٧ من صلاة الجمعة.

(٤) ص ١١.

١٩٦

كتاب الطهارة (١) وجملة من الأخبار في استحباب التطيب وأخذ الشارب وتقليم الأظفار والنورة في آخر كتاب الطهارة (٢).

وروى الشيخ في التهذيب (٣) عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال : «ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدعاء : اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب نائله وجوائزه وفواضله ونوافله فإليك يا سيدي وفادتي وتهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك فلا تخيب اليوم رجائي يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ولكن أتيتك مقرا بالظلم والاسائة لا حجة لي ولا عذر فأسألك يا رب أن تعطيني مسألتي وتقلبني برغبتي ولا تردني مجبوها ولا خائبا يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم أسألك يا عظيم ان تغفر لي العظيم لا إله إلا أنت اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته وتغسلني فيه من جميع ذنوبي وخطاياي وزدني من فضلك انك أنت الوهاب».

وروى في الكافي عن عمر بن يزيد (٤) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا عمر انه إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر في أيديهم أقلام الذهب وقراطيس الفضة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا الصلاة على محمد وآل محمد فأكثر منها. وقال يا عمر ان من السنة ان تصلى على محمد وأهل بيته في كل جمعة ألف مرة وفي سائر الأيام مائة مرة».

وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عنه (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا كانت عشية الخميس ليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف

__________________

(١) ج ٤ ص ٢١٧.

(٢) ج ٥ ص ٥٤٠ الى ٥٧٦.

(٣) ج ٣ ص ١٤٢ الطبع الحديث وفي الوافي باب التبكير إلى الجمعة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٣ من صلاة الجمعة.

١٩٧

الفضة لا يكتبون عشية الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة الى ان تغيب الشمس إلا الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وروى في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أكثروا من الصلاة على في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة. فسئل إلى كم الكثير؟ فقال الى مائة وما زادت فهو أفضل».

وعن المفضل عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «ما من شي‌ء يعبد الله به يوم الجمعة أحب الى من الصلاة على محمد وآل محمد».

وعن سهل رفعه (٣) قال قال : «إذا صليت يوم الجمعة فقل : اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته. فإنه من قالها في دبر العصر كتب الله له مائة ألف حسنة ومحا عنه مائة ألف سيئة وقضى له بها مائة ألف حاجة ورفع له بها مائة ألف درجة».

وجملة من الأصحاب قد ذكروا في مستحبات يوم الجمعة حلق الرأس. وأنكر جمع ممن تأخر عنهم الوقوف فيه على اثر ، وعلله المحقق في المعتبر بأنه يوم اجتماع الناس فيجتنب ما ينفر.

أقول : ويمكن الاستدلال على ذلك بما رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «انى لأحلق في كل جمعة في ما بين الطلية إلى الطلية». والتقريب فيه ان المتبادر من الحلق هو حلق الرأس ، والحمل على حلق العانة بعيد لأن المستفاد من الأخبار انهم كانوا يطلونها بالنورة سيما مع ملازمتهم على النورة بعد ثلاثة أيام

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٣ من صلاة الجمعة.

(٣) الفروع ج ١ ص ١١٩ وفي الوسائل الباب ٤٨ من صلاة الجمعة.

(٤) الوسائل الباب ٦٠ من آداب الحمام.

١٩٨

ونحوها كما تقدم في الاستطابة من آخر كتاب الطهارة (١) فتكون العانة داخلة في الطلية المذكورة في الخبر. والله العالم.

الفصل الثاني في صلاة العيدين

وهما اليومان المعلومان واحدهما عيد وياؤه منقلبة عن «واو» لأنه مأخوذ من العود إما لكثرة عوائد الله تعالى فيه على عباده واما لعود السرور والرحمة بعوده ، والجمع أعياد على غير القياس لان حق الجمع رد الشي‌ء إلى أصله ، قيل وانما فعلوا ذلك للزوم الياء في مفردة أو للفرق بين جمعه وجمع عود الخشب.

وتفصيل الكلام في هذا المقام يقع في بحوث الأول ـ في وجوبها وما يتبعه وفيه مسائل :

الأولى ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوبها كما نقله جماعة : منهم ـ المحقق والعلامة في جملة من كتبه ، والأصل في ذلك مضافا الى الإجماع المذكور الكتاب والسنة ، قال الله عزوجل «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى» (٢) فقد ذكر جمع من المفسرين في معنى هذه الآية ان المراد بالزكاة زكاة الفطرة والصلاة صلاة العيد.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه في الفقيه مرسلا (٣) قال : «وسئل الصادق (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى)؟ قال من أخرج الفطرة. فقيل له (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى؟) قال خرج الى الجبانة فصلى».

وروى حماد بن عيسى عن حريز عن ابى بصير وزرارة (٤) قالا : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من تمام الصلاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ولا

__________________

(١) ج ٥ ص ٥٤٠.

(٢) سورة الأعلى الآية ١٤ و ١٥.

(٣) الوسائل الباب ١٧ من صلاة العيد.

(٤) الوسائل الباب ١ من زكاة الفطرة.

١٩٩

صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) ان الله عزوجل قد بدأ بها قبل الصلاة فقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى».

وفي تفسير على بن إبراهيم (١) «قوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى)؟ قال زكاة الفطرة إذا أخرجها قبل صلاة العيد ، وذكر اسم ربه فصلى؟ قال صلاة الفطر والأضحى».

واستدل جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك على ذلك بقوله عزوجل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» (٢) قال قيل هي صلاة العيد ونحر البدن للأضحية. وقال في المعتبر قال أكثر المفسرين المراد صلاة العيد وظاهر الأمر الوجوب. وبنحو ما ذكره في المدارك صرح في الذكرى أيضا.

أقول : لم أقف في الأخبار على تفسير الآية بهذا المعنى وانما الذي ورد فيها التفسير بمطلق الصلاة والمراد بالنحر رفع اليدين حال التكبير حذاء الوجه ، وقد تقدمت الأخبار بذلك في المسألة الثالثة من الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة (٣).

واما السنة فمنها انه قد روى الصدوق والشيخ (عطر الله مرقديهما) في الصحيح عن جميل (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير في العيدين قال سبع وخمس. وقال صلاة العيدين فريضة. قال وسألته ما يقرأ فيهما؟ قال «والشمس وضحاها» و «هل أتاك حديث الغاشية» وأشباههما».

وعن جميل في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) انه قال : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».

__________________

(١) ص ٧٢١.

(٢) سورة الكوثر الآية ٢.

(٣) ج ٨ ص ٤٣.

(٤) الوسائل الباب ١١ من صلاة العيد ، واللفظ من أوله الى آخره للشيخ ولم يرو الصدوق منه إلا قوله «صلاة العيدين فريضة» كما سيأتي في الرواية الأخرى فإنها للصدوق.

(٥) الوسائل الباب ١ من صلاة العيد ومن صلاة الكسوف.

٢٠٠