الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

فعله في خارجه إلا ان يثبت من الشارع شرعية فعله في خارج الوقت ، ومن ثم اعتبر العلامة ومن تأخر عنه إدراك الركعة في الوقت كاليومية لعموم قوله (عليه‌السلام) «من أدرك من الوقت ركعة فكمن أدرك الوقت كله». وهو أولى. انتهى. وحذا حذوه في الذخيرة واختار ما اختاره.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) وان تبعه من تبعه فيه منظور فيه من وجهين : أحدهما ـ قوله «ويتوجه عليه ان التكليف بفعل موقت. الى آخره» فإنه ينبغي ان يعلم ان هنا مقامين : (الأول) أن يدخل في الصلاة بانيا على امتداد الوقت وسعته ثم يظهر في الأثناء عدم ذلك. و (الثاني) ان يعلم قبل الدخول في الصلاة عدم سعة الوقت فهل يجب عليه الدخول فيها والحال هذه أم لا؟ والظاهر من كلام المصنف (قدس‌سره) في هذه المقالة انما هو الأول فإنه قد صرح بالثاني في المقالة الآتية بعد ذلك ان شاء الله تعالى ، واعتراض الشارح عليه انما يتوجه بناء على الثاني وذلك فإنه متى دخل في الصلاة بناء على سعة الوقت واستكمال شرائط الوجوب بحسب نظره كان دخوله مشروعا غاية الأمر أنه انكشف بعد ذلك ضيق الوقت عن إتمامها ، وهذا لا يصلح للمانعية عن وجوب الإتمام كما في غير هذا الموضع ومنه ما لو دخل في صلاة الكسوف وصلى بعضا ثم انجلى الكسوف فإن صحيحة زرارة (١) قد صرحت بوجوب إتمام الصلاة وان كان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو قصر الوقت عنها سقطت لاستحالة التكليف بشي‌ء يقصر وقته عنه ، والجمع بين كلامهم وبين الرواية لا يحصل إلا بالفرق بين الابتداء والاستدامة بمعنى انه لا تكليف بذلك قبل الشروع في الفعل اما لو شرع بناء على سعة الوقت وامتداده ثم ظهر ضيقه عن الإتيان بالصلاة فإنه يجب الإتمام كما دلت عليه الصحيحة المذكورة فكذا في ما نحن فيه وحينئذ فيجب الإتمام. وقوله في الجواب ـ ان التكليف بفعل موقت يستدعي زمانا يسعه. الى آخره ـ انما يتجه

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من صلاة الكسوف والآيات رقم ٦.

١٤١

في ما لو علم ضيق الوقت قبل الدخول فان التكليف بالدخول والحال كذلك يستلزم ما ذكره ، اما لو لم يعلم بل دخل بانيا على السعة فإنه لا يتوجه عليه هذا الجواب للفرق عندهم بين أصل الدخول وبين الاستدامة كما تقدم التصريح به في مسألة العدد في ما لو انفض العدد بعد الدخول ولم يبق إلا واحد مثلا فإنهم أوجبوا عليه الإتمام جمعة.

وثانيهما ـ قوله : «لعموم قوله من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله» فإنه ربما يتسارع الى الفهم ان هذا الخبر من جملة أخبارنا المروية في كتب الأخبار فيجوز الاستناد إليه في إثبات الأحكام الشرعية كما اختاره هنا بقوله بعد ذكر الخبر المذكور «وهو أولى» مع انا قد قدمنا في مبحث الأوقات ان الظاهر ان هذا الخبر إنما هو من طريق المخالفين ، واليه يشير أيضا كلام السيد المذكور في شرح قول المصنف في مبحث الأوقات «ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها» حيث انه نقل هذا الخبر مرسلا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم آخر عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ايضا (١) ثم قال ومن طريق الأصحاب ثم نقل رواية الأصبغ بن نباتة وموثقة عمار الساباطي (٢) الدالتين على أن من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة ، وقد تقدم منا (٣) تحقيق الكلام في هذا المقام والبحث مع الأصحاب في تعميم الحكم مع اختصاص الأخبار المروية من طريقنا بصلاة الصبح نعم ظاهرهم دعوى الإجماع على ما ذكروه من العموم ، وبه يظهر أن المسألة هنا لا تخلو من الإشكال لعدم النص المعتمد عليه في هذا المجال. والله سبحانه وأولياؤه أعلم بحقيقة الحال.

الثاني ـ لو تيقن أو غلب على ظنه قبل الدخول ان الوقت لا يسع للجمعة وجبت صلاة الظهر ، صرح به جملة من الأصحاب : منهم المحقق في

__________________

(١ و ٣) ج ٦ ص ٢٧٥.

(٢) الوسائل الباب ٣٠ من مواقيت الصلاة.

١٤٢

الشرائع وهو ما أشرنا إليه آنفا من أن المصنف صرح بالثاني في المقالة الآتية.

والسيد السند هنا بناء على اعتراضه على العبارة المتقدمة قال هنا ايضا بعد ذكره عبارة المصنف المذكورة : هذا بظاهره مناف لما سبق من أن من تلبس بالجمعة في الوقت يجب عليه إتمامها فإنه يقتضي بإطلاقه جواز الشروع فيها مع ضيق الوقت وأجيب عنه بان الشروع فيها انما يشرع إذا ظن ادراك جميعها. الى أن قال : ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب الدخول في الصلاة متى علم انه يدرك ركعة بعد الخطبتين لعموم «من أدرك.» بل صرح العلامة في النهاية بوجوب الدخول في الصلاة مع ادراك الخطبتين وتكبيرة الإحرام خاصة وهو بعيد. انتهى

أقول : قد قدمنا لك ان مراد المصنف بالعبارة الأولى انما هو من دخل في الصلاة بناء على سعة الوقت يقينا أو ظنا ، وهذه العبارة صريحها كما ترى انما هو من علم أو ظن قبل الدخول ضيق الوقت عن الجمعة فإنه تجب عليه الصلاة ظهرا ، فموضوع تلك المسألة غير موضوع هذه المسألة ، ويشير الى ذلك كلامه في المعتبر الذي ذكره الشارح في المسألة المتقدمة ، وصورته بتمامه هكذا : قال الشيخ إذا انعقدت الجمعة فخرج وقتها ولم يتم أتمها جمعة وبه قال مالك ، وقال الشافعي بقاء الوقت شرط فإذا خرج أتمها ظهرا ، وقال أبو حنيفة تبطل (١) لنا ـ ان الوجوب تحقق باستكمال الشرائط فيجب إتمامها. انتهى. فان هذا الخلاف انما يترتب على من تبين له ضيق الوقت بعد الدخول بناء على ما سعته لا من علم بضيقه أولا ثم دخل والحال هذه ، فدعوى الشارح منافاة هذا الكلام لما سبق ـ وان إطلاق عبارته الاولى يقتضي جواز الشروع فيه مع يقينه ضيق الوقت ـ ليس في محله. وكيف كان فحمل كلامه على ما يندفع به التنافي في عبارتيه أولى وأظهر سيما مع كونه وجها واضحا صحيحا.

بقي الكلام في ما ذكره المصنف في هذه المقالة ـ من انه لو تيقن أو ظن عدم سعة الوقت فإنه لا يشرع له الجمعة بل يجب أن يصلى ظهرا ، وما أورده

__________________

(١) المغني ج ٢ ص ٣١٨ والمدونة ج ٢ ص ١٤٩.

١٤٣

الشارح عليه في ما طوينا ذكره من ان قوله (عليه‌السلام) «من أدرك ركعة من الوقت» يعم الجميع. الى آخر الكلام ـ

فان فيه (أولا) ـ ان ظاهر كلام الشارح في المقالة السابقة يعطي منع الدخول مع تيقن سعة الوقت أو ظنها وهو الذي رد به الخبر المذكور هنا حيث قال ثمة : ويشكل بان الواجب الموقت يعتبر وقوعه في الوقت فمع الشك فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل. الى آخره ، فإنه ظاهر في عدم جواز الدخول وان تيقن بقاء ركعة بل لا بد من وقت يسع الجميع كما هو ظاهر كلام الشافعي المتقدم.

وثانيا ـ ما أشرنا إليه آنفا من ان هذا الخبر لم يثبت وروده من طريقنا (١) فلا يمكن الاعتماد عليه في هذا المحل ولا غيره وان كثر تناقله في كلامهم وتداوله على رؤوس أقلامهم ، وبه يظهر لك ما في هذا الكلام من تكرار هذا الخبر وما يتفرع عليه من الأحكام وما ذكره من التعارض في المقام بالنقض والإبرام ، فإنه بناء على ما عرفت نفخ في غير ضرام. وبه يتبين ان من ذهب الى وجوب الدخول في الصلاة متى علم إدراك ركعة من الوقت ان استند الى هذا الخبر فقد عرفت ما فيه ، وان استند إلى الإجماع كما تقدم نقله عنهم في باب الأوقات فقد عرفت ايضا ما في باطنه وخافية.

الثالث ـ قال المحقق في الشرائع : ولو تيقن ان الوقت يتسع للخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة. قال السيد السند بعد نقل العبارة المذكورة : الضابط في ذلك تيقن اتساع الوقت للمقدار الواجب من الخطبتين والصلاة دون المسنون منهما. قيل وكذا تجب الجمعة مع ظن اتساع الوقت أو الشك في السعة وعدمها لأصالة بقاء الوقت. ويشكل بان الواجب الموقت يعتبر وقوعه في الوقت فمع الشك فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل ، والاستصحاب هنا انما يفيد ظن البقاء وهو غير كاف في ذلك. انتهى.

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ١ ص ١٤٠.

١٤٤

أقول : العجب منه (قدس‌سره) وتناقض كلامه في هذا المقام واضطرابه على وجه لا يمكن الإصلاح فيه والالتئام. فإن مقتضى كلامه هنا كما سمعت انه لا يشرع الدخول في الصلاة إلا مع تيقن سعة الوقت للخطبة والصلاة وان كانتا مخففتين وجعل ذلك ضابطا كليا وقانونا جليا ، مع انه صرح في شرح قول المصنف «ولو خرج الوقت وهو فيها أتمها جمعة» بالاكتفاء بإدراك ركعة كما قدمنا نقله عنه عملا بخبر «من أدرك من الوقت ركعة» ومثله أيضا في شرح قول المصنف «وان تيقن أو غلب على ظنه ان الوقت لا يتسع لذلك» فإنه قال في ما طوينا ذكره من كلامه : وأجيب عنه بان الشروع فيها انما يشرع إذا ظن إدراك جميعها لأنها لا يشرع فيها القضاء وانما وجب الإكمال مع التلبس بها في الوقت للنهى عن إبطال العمل. وأورد عليه ان قوله (عليه‌السلام) «من أدرك من الوقت ركعة» يعم الجميع. وأجيب بأن هذا الحديث مقيد بقيد يستفاد من خارج وهو كون الوقت صالحا للفعل للقطع بان ما لا يصلح للفعل يمتنع وقوعه فيه. وفيه نظر فإنه ان أريد بصلاحية الوقت للفعل إمكان إيقاعه فيه فهو متحقق هنا وان أريد غير ذلك فلا دليل عليه ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب. إلى آخر ما تقدم في الموضع الثاني. وفيه ـ كما ترى ـ خروج عن ذلك الضابط الكلي الذي قرره سابقا من انه لا بد من تيقن اتساع الوقت للمقدار الواجب في صحة الدخول وانه لا يكفى الظن حيث انه هنا بعد أن أجاب عن الخبر بتقييده بهذا الضابط تنظر في ذلك واكتفى بمجرد إمكان اتساعه. وبالجملة فإن اضطراب كلامه في هذه المقالات الثلاث لا يخفى على المتأمل. واما ما علل به هنا وجوب الإكمال مع التلبس بها في الوقت من النهى عن إبطال العمل فهو ضعيف والحق كما قدمناه وهو انه لا يشرع الدخول فيها إلا مع تيقن سعة الوقت أو ظنه.

ثم انه لو ظهر الضيق بعد الدخول والحال هذه فوجوب الإتمام عليه انما هو من حيث ان اشتراط السعة إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة ، فمتى دخل بناء على السعة وجب الإتمام وان كان خارج الوقت لعين ما تقدم في اشتراط العدد وما قدمناه من مسألة صلاة الكسوف ونحو ذلك.

١٤٥

هذا هو التحقيق في المقام وهو الذي يرجع اليه كلام المحقق وغيره من الاعلام فعليه اعتمد ودع عنك فضول الكلام. والله سبحانه وأولياؤه أعلم بحقائق الأحكام.

الرابع ـ لو كان ممن تجب عليه الجمعة فصلى الظهر والحال هذه فالواجب عليه السعي إلى الجمعة فإن أدركها وإلا أعاد ظهره ولم يجزئه ما صنع أولا ، لأنه في تلك الحال قد اتى بغير ما هو الواجب عليه والمخاطب به فلا تبرأ ذمته بل يبقى تحت عهدة التكليف الى ان يأتي بالجمعة إن أمكن وإلا فالظهر لتعينها بعد فوات الجمعة. ولا فرق في ذلك بين العمد والنسيان ولا بين ان يظهر في نفس الأمر عدم الوجوب أم لا. نعم لو صلى الظهر ناسيا وظهر عدم التمكن من الجمعة فإشكال وظاهر المدارك والذخيرة إمكان القول بالاجزاء والصحة.

ولو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعة لكن يرجو اجتماعها قبل خروجه فهل يجوز له تعجيل الظهر والاجتزاء بها وان أقيمت الجمعة بعد ذلك أم يجب الصبر الى ان يظهر الحال؟ وجهان واستجود في المدارك الثاني ، قال : لان الواجب بالأصل هو الجمعة وانما يشرع فعل الظهر إذا علم عدم التمكن من الجمعة في الوقت. ونحوه في الذخيرة أيضا. ولقائل أن يقول ان هذا التعليل ربما أمكن قلبه فيكون بالدلالة على الأول انسب ، وذلك لان أصالة الجمعة إنما يتم مع اجتماع شرائطها والحال انها حينئذ غير مجتمعة ومشروعية الظهر ظاهرة لأنه مخاطب بها في ذلك الوقت فلو أوقعها فيه صحت لذلك وانتظار التمكن وعدمه الى آخر الوقت لا دليل عليه إذ لعله يخترمه الموت في تلك الحال فيكون قد ضيع فرضا واجبا عليه. والله العالم.

(المطلب الثالث) ـ في من تجب عليه الجمعة ويراعى فيه شروط تسعة ، والأصل في هذه الشروط الأخبار المتكاثرة عن الأئمة الأطهار (عليهم‌السلام) :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان الله عزوجل فرض في كل سبعة أيام خمسا

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة.

١٤٦

وثلاثين صلاة : منها ـ صلاة واجبة على كل مسلم ان يشهدها إلا خمسة : المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي».

وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «انما فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة : منها ـ صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن (٢) ورواه ايضا الشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن احمد ابن على القمي في كتاب العروس بإسناده عن زرارة (٣) وقال بعد نقله : وروى مكان «المجنون» «الأعرج».

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن منصور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث قال : «الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة : المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي».

ومنها ـ ما في بعض خطب أمير المؤمنين (عليه‌السلام) المروية في الفقيه (٥) وفي المتهجد (٦) وفيها «الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمريض والمجنون والشيخ الكبير والأعمى والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس فرسخين».

أقول : وقد ظهر من هذه الاخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض ان الشروط المعتبرة في التكليف بالجمعة تسعة وضم إليها أيضا المطر لما سيأتي ان شاء الله تعالى فتكون عشرة :

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة.

(٥) ج ١ ص ٢٧٦ وفي الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة.

(٦) ص ٢٦٨ وفي مستدرك الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة. واللفظ فيه هكذا «الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا الصبي والمرأة والعبد والمريض» وقد أورد تمام الخطبة في المستدرك عن المصباح في الباب ١٩ من صلاة الجمعة.

١٤٧

أولها وثانيها ـ البلوغ والعقل ويجمعهما التكليف ، ولا ريب في اشتراطه في هذه الصلاة وغيرها اتفاقا نصا وفتوى فلا تجب على المجنون والصبي وان كان مميزا نعم تصح من المميز تمرينا وتجزئه عن الظهر. ولو أفاق المجنون في وقت الصلاة خوطب بها خطابا مراعى ببقاء الإفاقة إلى آخر الصلاة.

وثالثها ـ الذكورة وهي مما ادعى عليها الإجماع حتى من العامة أيضا (١) وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة ، ويخرج بقيد الذكورة المرأة والخنثى.

ويمكن المناقشة في السقوط عن الخنثى لانتفاء ما يدل على اشتراط الذكورة وانما الموجود في الأخبار المتقدمة استثناء المرأة ممن تجب عليه الجمعة ، والخنثى لا يصدق عليها انها امرأة ومن ثم وقع الخلاف فيها ، فقيل بالسقوط عنها للشك في سبب الوجوب واختاره الشهيد ، وقيل بالوجوب عليها لعموم الأوامر خرج من ذلك المرأة بالأخبار المتقدمة فتبقى الخنثى تحت عموم الأوامر. وقربه الشهيد الثاني

وربما أورد عليه بان دخول الخنثى في المستثنى منه مشكوك فيه بمعنى انه غير معلوم شمول عموم الأوامر لها.

ويمكن توجيهه بأن إطلاق الأخبار وعمومها انما ينصرف الى الأفراد المتكررة الوقوع الشائعة فإنها هي المتبادر الى الذهن من الإطلاق والخنثى فرد نادر بل غايته مجرد الفرض.

وبالجملة فظاهر الأخبار المذكورة حيث خص السقوط بالمرأة وهي غير داخلة تحت هذا اللفظ هو الوجوب عليها إلا انه بالنظر الى ما ذكرنا من التقريب في عدم دخولها أيضا في المستثنى منه يقرب السقوط عنها ، وبه يظهر ان المسألة غير خالية من شوب الإشكال.

ورابعها ـ الحرية فلا تجب على العبد باتفاق الأصحاب نقله جملة منهم كالمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى ، ولا فرق في ذلك بين القن

__________________

(١) المغني ج ٢ ص ٣٢٧ والبداية ج ١ ص ١٤٣ والبدائع ج ١ ص ٢٦٢.

١٤٨

والمدبر والمكاتب الذي لم يؤد شيئا لصدق المملوك على جميع هذه الأفراد.

وإنما الخلاف والإشكال في المبعض إذا هاياه مولاه واتفقت الجمعة في نوبته فالمشهور سقوط الوجوب عنه وذهب الشيخ في المبسوط الى وجوبها عليه.

وهذا الخلاف راجع الى ما تقدم في الخنثى فإن الأخبار هنا إنما دلت على استثناء العبد والمملوك ممن تجب عليه الجمعة وهذا العنوان لا يصدق على المبعض وحينئذ فلا تسقط عنه الجمعة لدخوله تحت عموم الخطاب وعدم المسقط في هذا الباب ، واشتراط الحرية غير معلوم من الأخبار ليقال بعدم حصول الشرط المذكور فيه فيسقط عنه ، وبه يظهر قوة مذهب الشيخ في المبسوط ولذلك استحسنه في المدارك وكذا في الذخيرة ، وهو كذلك لما عرفت.

وهل تجب الجمعة على المملوك لو أمره مولاه؟ فيه إشكال ينشأ من إطلاق الأخبار بالسقوط ، ومن ان الظاهر ان الوجه في السقوط انما هو رعاية لحق مولاه فمتى أمره زال المانع.

وخامسها ـ الحضر فلا تجب الجمعة على المسافر اتفاقا ، نقله الفاضلان والشهيد والمشهور ان المراد به السفر الشرعي الموجب للقصر وعلى هذا فتجب الجمعة على ناوي الإقامة عشرا والمقيم في بلد ثلاثين يوما ، ونقل في المنتهى الإجماع عليه. وكذا تجب على كثير السفر والعاصي به كما صرح به الشهيد في الذكرى وغيره في غيره وقال في المنتهى : لم أقف على قول لعلمائنا باشتراط الطاعة في السفر لسقوط الجمعة ثم قرب الاشتراط ، قال بعض مشايخنا : والمسألة لا تخلو من الإشكال وان كان ما قربه قريبا.

ومن حصل في أحد مواضع التخيير فالظاهر عدم وجوب الجمعة عليه كما استظهره جملة من مشايخنا لعموم أدلة المسافر وشمولها له وان جاز له الإتمام بدليل من خارج ، ونقل عن العلامة في التذكرة القول بالوجوب ، وقيل بالتخيير بين الفعل وتركه وهو اختيار الشهيد في الدروس.

١٤٩

وسادسها وسابعها ـ السلامة من العمى والمرض ونقل الفاضلان وغيرهما عليه اتفاق الأصحاب مضافا الى ما دل على ذلك من الاخبار المتقدمة ، ولا ينافيه سقوط الأعمى من اخبار الخمسة لإمكان دخوله في المريض المذكور فيها ، على ان غاية ما تدل عليه هو الإطلاق بالنسبة إلى الوجوب عليه وعدمه وهو مقيد بالأخبار الأخر من قبيل حمل المطلق على المقيد.

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العمى والمريض بين ما يشق معهما الحضور وعدمه ، وبهذا التعميم صرح العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، واعتبر شيخنا الشهيد الثاني فيهما تعذر الحضور أو المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة أو خوف زيادة المرض. وهو تقييد للنص بغير دليل.

واعلم ان الشيخ قد عد في جملة من كتبه العرج ايضا وجعله من جملة الأعذار المانعة من السعي إلى الجمعة وكذا العلامة في بعض كتبه حتى انه قال في المنتهى انه مذهب علمائنا أجمع لأنه معذور بالعرج لحصول المشقة في حقه ولانه مريض فسقطت عنه. ولا يخفى ما في التعليلين المذكورين من الوهن. وقيده في التذكرة بالعرج البالغ حد الإقعاد ونقل إجماع الأصحاب عليه.

ولم يذكره المفيد ولا المرتضى في جملة الأعذار إلا ان المرتضى في المصباح ـ على ما نقله عنه في المعتبر والذكرى ـ قال : وقد روى ان العرج عذر.

قال في المعتبر : فان كان يريد به المقعد فهو أعذر من المريض والكبير لانه ممنوع من السعى فلا يتناوله الأمر بالسعي وان لم يرد ذلك فهو في حيز المنع.

أقول : هذا الكلام من المحقق لا يخلو من غرابة فان المرتضى (قدس‌سره) انما نسب ذلك الى الرواية فتفصيله هذا وجعله ما عدا المقعد في حيز المنع ان قصد به الرد على المرتضى فهو ليس في محله لان المرتضى لم يذكر ذلك فتوى منه ، وان قصد الرد على الرواية فهو يرجع الى الرد على الامام وهو كما ترى. نعم لو طعن في الخبر بالإرسال وعدم ثبوته لكان في محله.

١٥٠

ويعضد ما ذكره المرتضى (قدس‌سره) من الرواية ما تقدم نقله من كتاب العروس من الرواية المرسلة أيضا (١).

والظاهر ـ كما اختاره في التذكرة والذكرى ـ هو وجوب الحضور عليه مع الإمكان لعموم أدلة الوجوب وعدم وجود ما يصلح للتخصيص سوى هاتين المرسلتين والظاهر انهما لا يبلغان قوة في تخصيص الأدلة الدالة على شمول الوجوب لهذا الفرد سيما مع كونه الأوفق بالاحتياط.

وثامنها ـ الكبر والشيخوخة والظاهر ان المراد من يشق عليه الحضور من جهة كبر السن وبلوغه حد الشيخوخة ، قال في المنتهى : ولا تجب على الشيخ الكبير وهو مذهب علمائنا. وقيده في القواعد بالبالغ حد العجز أو المشقة الشديدة ، ونحوه في الروض ايضا. وبعض الأصحاب عبر هنا بالهم كما في الشرائع وهو بكسر الهاء الشيخ الفاني ، وبعضهم عبر بالكبير المزمن كما في الإرشاد ، قال في الروض بحيث يعجز عن السعي إليها أو تحصل له مشقة لا تتحمل عادة. والكل تقييد للنص من غير دليل فان النصوص مطلقة مترتبة على صدق الكبر كما في صحيحة زرارة (٢) أو بإضافة الشيخوخة كما في رواية الخطبة.

وتاسعها ـ المطر قال في التذكرة انه لا خلاف فيه بين جملة العلماء. ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان تترك الجمعة في المطر».

والحق العلامة ومن تأخر عنه بالمطر الوحل والحر والبرد الشديدين إذا خاف الضرر معها ، ولا بأس به تفصيا من لزوم الحرج المنفي بالآية والرواية (٤) واما ما لم يخف معه الضرر فيشكل الحاقه بالمطر لعدم صدقه عليهما.

__________________

(١ و ٢) ص ١٤٧.

(٣) الوسائل الباب ٢٣ من صلاة الجمعة. واللفظ في كتب الحديث «تدع» بدل «تترك».

(٤) ج ١ ص ١٥١.

١٥١

والحق به في الروض احتراق الخبز وفساد الطعام وغيره ، قال في المدارك وينبغي تقييده بالمضر فوته. وعندي فيه نظر وبالجملة فالظاهر عدم الترك إلا بما ورد به النص من تلك الأعذار إلا مع خوف الضرر الشديد ولا سيما للإمام.

وقال في المعتبر : قال علم الهدى وروى ان من يخاف على نفسه ظلما أو ماله فهو معذور وكذا من كان متشاغلا بجهاز ميت أو تعليل والد ومن يجرى مجراه من ذوي الحرمات الأكيدة يسعه التأخر.

وعاشرها ـ عدم البعد بأكثر من فرسخين ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحديد البعد المقتضى لسقوط السعي إلى الجمعة ، فالمشهور ان حده ان يكون أزيد من فرسخين واليه ذهب الشيخان والسيد المرتضى وأبو الصلاح وسلار وابن إدريس والفاضلان. وقال الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في المقنع : وضعها الله تعالى عن تسعة. الى ان قال ومن كان على رأس فرسخين. ورواه في من لا يحضره الفقيه (١) وذكره في كتاب الأمالي في وصف دين الإمامية ، وهو قول ابن حمزة ، وهو ظاهر في السقوط عن من كان على رأس فرسخين فلا تجب إلا على من نقص عن الفرسخين ، والأول صريح في الوجوب على من كان على رأس فرسخين وانما تسقط بالزيادة عنهما فتدافع القولين ظاهر.

وقال ابن ابى عقيل : ومن كان خارجا من مصر أو قرية إذا غدا من أهله بعد ما يصلى الغداة فيدرك الجمعة مع الإمام فإتيان الجمعة عليه فرض وان لم يدركها إذا غدا إليها بعد صلاة الغداة فلا جمعة عليه.

وقال ابن الجنيد : ووجوب السعي إليها على من سمع النداء بها أو كان يصل الى منزله إذا راح منها قبل خروج نهار يومه. وهو يناسب قول ابن ابى عقيل.

ويدل على الأول ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن محمد بن

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة.

١٥٢

مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين».

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم ايضا (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجمعة فقال تجب على كل من كان منها على رأس فرسخين فان زاد على ذلك فليس عليه شي‌ء». وروى هذه الرواية في المعتبر (٣) والذكرى عن محمد بن مسلم وحريز عن الصادق (عليه‌السلام).

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن ابى جعفر محمد بن على (عليهما‌السلام) (٤) انه قال : «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين إذا كان الامام عدلا».

ويدل على الثاني ما تقدم في صحيحة زرارة ورواية خطبة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٥) حيث جعل فيها من كان على رأس فرسخين من الأعذار الموجبة لسقوطها. ويدل على القولين الأخيرين صحيحة زرارة (٦) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) الجمعة واجبة على من إذا صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما يصلى العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رجعوا الى رحالهم قبل الليل وذلك سنة الى يوم القيامة».

وأجاب عن هذه الرواية في الذكرى بالحمل على الفرسخين جمعا. وأجاب الشيخ عنها بالحمل على الاستحباب. واليه مال في المدارك وتبعه جملة ممن تأخر عنه

بقي الكلام في التعارض بين اخبار القولين المتقدمين ، وجملة من الأصحاب قد ذكروا للجمع بينها وجهين (أحدهما) ان يكون المراد بمن كان على رأس فرسخين في اخبار السقوط يعني أزيد من فرسخين فأطلق رأس فرسخين على ما فيه زيادة يسيرة ، قيل : ويؤيده ان الغالب حصول العلم بكون المسافة فرسخين عند العلم بكونها أزيد من غير انفكاك بينهما فان العلم بمقدار الفرسخين من غير زيادة نادر جدا. و (ثانيهما) حمل الوجوب في ما دل على الوجوب في الفرسخين على الاستحباب

__________________

(و ٢ و ٦) الوسائل الباب ٤ من صلاة الجمعة.

(٣) ص ٢٤٥ وفي الذكرى التنبيه العاشر من تنبيهات الأمر الرابع من الشرط الثالث.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ٤ من صلاة الجمعة.

(٥) ص ١٤٧.

١٥٣

المؤكد. قيل ويرجع الأول كثرة الأخبار والشهرة وعموم الآية.

أقول : لا يخفى ان هذا الخلاف قليل الجدوى فان محل الخلاف هو الحصول على رأس فرسخين بلا زيادة ولا نقصان ولا ريب انه نادر جدا. والاحتياط ظاهر.

وتمام تحقيق الكلام في هذا المطلب يتوقف على بسطه في مقامين :

المقام الأول ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من لا تلزمه الجمعة من المكلفين الذكور إذا حضر موضع الجمعة جاز له فعلها تبعا وأجزأته عن الظهر ، واحترزوا بالمكلفين عن الصبي والمجنون فإنها لا تجب عليهما ولا تنعقد بهما لعدم التكليف في حقهما ، وبالذكر عن المرأة فلا تجب عليها ايضا وان حضرت وانما الكلام هنا في ما عدا ذلك.

وظاهر كلامهم الإجماع على الحكم المذكور ، قال في المنتهى : لا خلاف في ان العبد والمسافر إذا صليا الجمعة اجزأتهما عن الظهر. وحكى نحو ذلك في البعيد ، وقال في المريض : لو حضر وجبت عليه وانعقدت به وهو قول أكثر أهل العلم. وقال في الأعرج : لو حضر وجبت عليه وانعقدت به بلا خلاف. وعنه أيضا في التذكرة انه قال لو حضر المريض والمحبوس بعذر المطر والخوف وجبت عليهم وانعقدت بهم إجماعا. وقال في النهاية من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها وصلاها انعقدت جمعة وأجزأته. وعلله بتعليل ضعيف.

ويدل على الحكم المذكور ما رواه الشيخ عن حفص بن غياث (١) قال : «سمعت بعض مواليهم يسأل ابن ابى ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة والعبد والمسافر؟ فقال ابن ابى ليلى لا تجب الجمعة على واحد منهم ولا الخائف. فقال الرجل فما تقول ان حضر واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها معه هل تجزئه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال نعم. فقال له الرجل وكيف يجزئ ما لم يفرضه الله عليه عما فرضه الله عليه وقد قلت ان الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب الجمعة عليه فالفرض عليه

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٥١ وفي الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجمعة.

١٥٤

أن يصلى أربعا ، ويلزمك فيه معنى ان الله فرض عليه أربعا فكيف أجزأ عنه ركعتان؟ مع ما يلزمك أن من دخل في ما لم يفرضه الله عليه لم يجزئ عنه مما فرض الله عليه؟ فما كان عند ابن ابى ليلى فيها جواب وطلب اليه أن يفسرها له فأبى ثم سألته انا عن ذلك ففسرها لي فقال : الجواب عن ذلك ان الله عزوجل فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة والمسافر والعبد ان لا يأتوها فلما حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول فمن أجل ذلك أجزأ عنهم. فقلت عن من هذا؟ فقال عن مولانا ابى عبد الله (عليه‌السلام)». وهذه الرواية كما ترى صريحة في دخول المرأة في الحكم المذكور خلافا لما هو المتكرر في كلامهم والمشهور كما سيأتي تحقيقه.

ونحوها أيضا صحيحة أبي همام عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) انه قال : «إذا صلت المرأة في المسجد مع الامام يوم الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها وان صلت في المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصل في بيتها أربعا أفضل».

والتقريب فيها ان نقص الصلاة بالصاد المهملة يقتضي إجزاءها في الجملة وكذا قوله «لتصل في بيتها أفضل» نعم لو كانت بالضاد المعجمة انتفت دلالتها على الإجزاء بل دلت على نقيضه.

وربما أشكل ذلك نظرا الى ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من سقوط الجمعة عن هؤلاء المعدودين وبها خصت الآية وعموم الأخبار الدالة على وجوب الجمعة عليهم لو لا هذه الأخبار ، فالقول بعود الوجوب عليهم بعد الحضور يحتاج الى دليل قاطع ، والرواية الأولى من هاتين الروايتين ضعيفة السند بالراوي والمنقول عنه فلا تقوم حجة في تخصيص الأخبار المذكورة الدالة على السقوط ، والثانية وان كانت صحيحة إلا انها أخص من المدعى ، ومن ثم استشكل في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في المسألة. نعم لو ثبت الإجماع المدعى في المقام تم البحث إلا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من صلاة الجمعة.

١٥٥

انك قد عرفت ما في دعوى هذه الإجماعات من المجازفات.

لكن قد ورد ما يعضد هذين الخبرين بالنسبة إلى المسافر ايضا كما رواه الصدوق في كتاب الأمالي في المجلس الثالث بسنده عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «أيما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها وحبا لها أعطاه الله أجر مائة جمعة للمقيم». ورواه في كتاب ثواب الأعمال في الموثق عن سماعة عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) مثله (٢) وفيه تأييد ظاهر للقول بالوجوب وان كان أخص من المدعى ايضا.

والاحتياط يقتضي اما عدم حضور هؤلاء موضع الجمعة أو الجمع بين الفرضين احتياطا ان حضروا.

المقام الثاني ـ الظاهر انه لا خلاف بينهم في انعقاد الجمعة بما عدا المرأة والعبد والمسافر اما هؤلاء أو واحد منهم لو كان من جملة العدد الذي هو شرط الوجوب وهو السبعة أو الخمسة فهل تنعقد الجمعة به ويحصل شرط الوجوب أم لا؟ أما المرأة فالظاهر انه لا خلاف في عدم انعقاد الجمعة بها وانما الخلاف في الوجوب عليها لو حضرت وعدمه.

والذي يدل على الحكم الأول مضافا الى الإجماع المذكور الأخبار ، ففي صحيحة زرارة أو حسنته (٣) «لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط». والرهط ـ على ما في الصحاح ـ ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة

وفي صحيحة منصور (٤) «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة لا أقل». والقوم ـ على ما ذكره في الصحاح ـ الرجال دون النساء.

وقوله (عليه‌السلام) في ثالثة (٥) «جمعوا إذا كانوا خمسة نفر». قال في الصحاح :

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٩ من صلاة الجمعة.

(٣) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجمعة.

(٤) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجمعة وقوله «خمسة لا أقل» نقل بالمعنى كما يظهر بالرجوع الى ص ٧٣.

(٥) الوسائل الباب ٢ من صلاة الجمعة رقم ٦.

١٥٦

النفر بالتحريك عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة.

وهذه الأخبار كما ترى بالنظر الى ما نقلناه من كلام أهل اللغة متطابقة الدلالة على ان العدد المشترط في الجمعة لا بد أن يكونوا من الرجال.

وأما الكلام بالنسبة إلى الحكم الثاني فظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية هو الوجوب على المرأة لو حضرت ، قال في المقنعة : وهؤلاء الذين وضع الله عنهم الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها وان يصلوها كغيرهم ويلزمهم استماع الخطبة وصلاة ركعتين ، ومتى لم يحضروها لم تجب عليهم وكان عليهم الصلاة أربع ركعات كفرضهم في سائر الأيام. ومقتضاه كما ترى وجوبها على الجميع مع الحضور من غير استثناء. واستدل عليه الشيخ في التهذيب برواية حفص المتقدمة ، ونحوه في النهاية. وبه صرح ابن إدريس فقال بوجوبها على المرأة عند الحضور غير انها لا تحسب من العدد ، وتدل عليه رواية حفص المتقدمة.

وقال في المبسوط : أقسام الناس في الجمعة خمسة : من تجب عليه وتنعقد به وهو الذكر الحر البالغ العاقل الصحيح السليم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك معها الحاضر ومن بحكمه ، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وهو الصبي والمجنون والعبد والمسافر والمرأة لكن يجوز لهم فعلها إلا المجنون ، ومن تنعقد به ولا تجب عليه وهو المريض والأعمى والأعرج ومن كان على رأس أكثر من فرسخين ، ومن تجب عليه ولا تنعقد به وهو الكافر لانه مخاطب بالفروع عندنا. والظاهر ـ كما ذكره بعض الأصحاب ـ ان مراده بنفي الوجوب في موضع جواز الفعل نفى الوجوب العيني لأن الجمعة لا تقع مندوبة إجماعا.

وقطع المحقق في المعتبر بعدم الوجوب على المرأة حيث قال : ان وجوب الجمعة عليها مخالف لما عليه اتفاق فقهاء الأمصار. وطعن في رواية حفص المتقدمة بضعف حفص وجهالة المروي عنه. وظاهره عدم جواز الفعل ايضا.

قال في المدارك : وهو متجه لولا رواية أبي همام المتقدمة. ثم قال (قدس‌سره)

١٥٧

والحق ان الوجوب العيني منتف قطعا بالنسبة الى كل من سقط عنه الحضور واما الوجوب التخييري فهو تابع لجواز الفعل فمتى ثبت الجواز ثبت الوجوب ومتى انتفى انتفى. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ظاهر كلمة الأصحاب وكذا ظاهر رواية حفص المتقدمة انما هو الوجوب العيني بعد الحضور لان ظاهر الجميع هو ان الساقط عن هؤلاء انما هو السعى فمتى تكلفوه وحضروا صار الوجوب عينيا وتعين عليهم الصلاة جمعة ، وهذا الوجوب التخييري الذي اختاره لا اعرف له وجها ، نعم يبقى الكلام في الافراد المختلف فيها وهو أمر آخر.

ومما ذكرنا ظهر أن حكم المرأة عدم انعقاد الجمعة بها وان وجبت عليها بالحضور كما ذكره الشيخان وابن إدريس.

ويعضد ذلك ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه الكاظم (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين وصلاة الجمعة ما على الرجال؟ قال نعم». والظاهر حمله على الحضور في موضع الجمعة جمعا بينه وبين الأخبار الدالة على السقوط عنها.

وأنت خبير بان هذه الرواية مع ضمها إلى روايتي حفص وابى همام المتقدمتين لا تقصر عن تخصيص تلك الأخبار الدالة على السقوط ، وتؤيدها رواية المجالس المتقدمة وان كانت بخصوص المسافر.

واما العبد والمسافر لو حضرا فقال الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر وابن إدريس انها تنعقد بهما لأن ما دل على اعتبار العدد مطلق فيتناولهما كما يتناول غيرهما. وهو جيد إلا انه لا يتم في ما إذا كان العدد منحصرا في المسافرين وان زعمه شيخنا الشهيد لما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في المقام.

وذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ الشيخ في المبسوط كما تقدم في عبارته وابن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من صلاة الجمعة.

١٥٨

حمزة والعلامة في بعض كتبه إلى انها لا تنعقد بهما ، لأنهما ليسا من أهل فرض الجمعة كالصبي ، ولأن الجمعة انما تصح من المسافر تبعا لغيره فكيف يكون متبوعا؟ ولانه لو جاز ذلك لجاز انعقادها بالمسافرين وان لم يكن معهم حاضر.

وأجيب بأن الفرق بينهما وبين الصبي عدم التكليف في الصبي دون المسافر والعبد ، وبمنع التبعية للحاضر ، والالتزام بانعقادها بجماعة المسافرين.

وفيه نظر كما أشرنا إليه. نعم يمكن منع الملازمة بجواز ذلك مع المنع من انعقادها بجماعة المسافرين وهذا هو المفهوم من الاخبار. واما ما ذكره في الذكرى ـ من ان الظاهر ان الاتفاق واقع على صحتها بجماعة المسافرين واجزائها عن الظهر ـ فان ظاهر الأخبار منعه لاستفاضتها بان المسافر فرضه في السفر انما هو الظهر دون الجمعة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال لنا صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة».

وعنه في الصحيح ايضا (٢) قال : «سألته عن صلاة الجمعة في السفر قال تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا يجهر الامام فيها بالقراءة وانما يجهر إذا كانت خطبة».

وعن جميل في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر قال تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ولا يجهر الإمام إنما يجهر إذا كانت خطبة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن ربعي بن عبد الله وفضيل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا اضحى». ورواه البرقي في المحاسن بسنده عن العلاء بن الفضيل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) ورواه بسند آخر عن ربعي

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧٣ من القراءة في الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ١٩ من صلاة الجمعة.

(٥) الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة.

١٥٩

عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١).

الى غير ذلك من الأخبار الصريحة في أن فرض المسافر انما هو الظهر ، وحينئذ فما ادعاه من انعقادها بالمسافرين مردود بهذه الأخبار. نعم لما دل خبر حفص على انه مع حضور المسافر لموضع الجمعة المنعقدة بالحاضرين تجب عليه صلاة الجمعة وكذا خبر كتاب المجالس وجب القول بالصحة في الموضع المذكور سواء كان الحاضر إماما أو مأموما فإنه تجب عليه الصلاة كذلك وتنعقد به على القول بذلك كما هو الأظهر.

ومما ذكرنا ظهر الوجوب على المرأة والعبد والمسافر لو حضروا وهو مورد رواية حفص المتقدمة ، فيكون الاجزاء في غيرهم بطريق أولى لأنه متى ثبت ذلك في محل الخلاف ففي ما لم يحصل فيه خلاف سيما مع ادعاء العلامة في ما قدمنا نقله عنه الإجماع على الصحة والاجزاء عن الظهر بطريق أولى. وقد اشتمل النص المذكور على تعليل حكمة الوجوب بما يوجب اطراده في الباقين.

ثم انه مما يدل على بطلان ما نقله في الذكرى من الاتفاق على الانعقاد بجماعة المسافرين ما صرح به الشيخ في المبسوط حيث قال : والمسافر يجوز ان يصلى الجمعة بالمقيمين وان لم يكن واجبا عليه إلا انه لا يصح منه ذلك إلا إذا اتى بالخطبتين ويكون العدد قد تم بغيره. حيث انه اشترط في صحة صلاته مع كونه مسافرا ان يتم العدد بغيره من الحاضرين. وبالجملة فإن كلام شيخنا المذكور المشار اليه هنا لا يخلو من غفلة. والله العالم.

(المطلب الرابع) في اللواحق والكلام فيه ينتظم في مسائل (الأولى) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم السفر يوم الجمعة بعد الزوال وقبل الصلاة ، ونقل الإجماع على ذلك جماعة : منهم ـ العلامة في المنتهى والتذكرة واليه ذهب أكثر العامة (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من صلاة الجمعة.

(٢) المغني ج ٢ ص ٣٦٢.

١٦٠