الحدائق الناضرة - ج ١٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

عنه) في ما ذهب اليه هنا ومثله اخبار كتاب دعائم الإسلام.

ولا فرق في تحريم الكلام بين الامام والمأموم لظاهر الخبرين المتقدمين أعني صحيحة عبد الله بن سنان (١) ومرسلة الفقيه (٢) وربما فرق بينهما وخص التحريم بغير الامام لتكلم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حال الخطبة (٣).

أقول : حديث تكلم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حال الخطبة انما هو من طريق العامة كما ذكره أصحابنا في مطولاتهم فلا يقوم حجة ولكنهم (رضوان الله عليهم) يستسلقون أمثال هذه الأحاديث ويستدلون بها في مقام المجازفة وهو غير جيد.

(الثاني) في وجوب الطهارة وعدمه ، اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب طهارة الخطيب من الحدث حال الخطبة فذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى الوجوب ومنعه ابن إدريس والفاضلان.

وبالأول صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، وكذلك ظاهره القول بتحريم الكلام على الخطيب والمأمومين. واحتج على الثاني بأن فائدة الخطبة لا تتم إلا بالإصغاء. وعلى الأول بصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) «انما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الامام». قال فجعل (عليه‌السلام) الخطبتين صلاة وكل صلاة تجب فيها الطهارة ويحرم الكلام. ولا يرد ان ذلك في الصلاة الشرعية وليست مراده هنا بل اما المعنى اللغوي أو التشبيه بحذف أداته فلا تتم كلية الكبرى. ثم أجاب بأن اللفظ يجب حمله على المعنى الشرعي ومع تعذره يحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذرة وهو يستلزم المطلوب فتجب مساواتهما للصلاة في كل ما لا يدل على خلافه دليل يجب المصير اليه. وللتأسي في الطهارة

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ و ٨ من صلاة الجمعة.

(٢) ص ٩٧.

(٣) في عمدة القارئ ج ٣ ص ٣١٢ ذكر حديث جابر ان سليك الغطفاني دخل يوم الجمعة المسجد ورسول الله «ص» على المنبر يخطب فقعد سليك قبل ان يصلى «تحية المسجد» فقال له النبي «ص» أصليت ركعتين؟ قال لا. فقال قم فاركعهما ....

(٤) الوسائل الباب ٦ و ٨ من صلاة الجمعة.

١٠١

بالنبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وهذا هو الأجود. انتهى.

وبما قرره من التقريب في الاستدلال بالرواية يندفع ما أجاب به سبطه السيد السند عن الرواية المذكورة من ان وجوب التماثل بين الشيئين لا يستلزم ان يكون من جميع الوجوه ، فان هذا الجواب لا يندفع به ما قرره جده. نعم يمكن الجواب عنه بما ذكره الشهيد في شرح الإرشاد من ان المراد بالصلاة هنا الدعاء لاشتمالها على الدعاء وهو اولى من حمله على المجاز الشرعي لأن الحقيقة اللغوية خير من المجاز الشرعي. انتهى.

واما ما أجاب به في الذخيرة عن الخبر المذكور ـ من ان المتبادر منه بقرائن المقام ان الخطبة كالصلاة في وجوب الإتيان بها أو الثواب أو غير ذلك ـ فإنه وان تم له في صحيحة ابن سنان إلا انه لا يتم في رواية الفقيه المتقدم نقلها وكذا في رواية كتاب دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) المانعة من الالتفات إلا كما يحل في الصلاة معللا ذلك بان الخطبتين عوض عن الركعتين فهي صلاة ما دام الامام يخطب حسبما ذيلنا به الرواية المذكورة ، وبه يظهر قوة القول المشهور. وكيف كان فاقتضاء الاحتياط له يوجب الوقوف عليه.

قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : وقد علم من الدليل ان الطهارة من الحدث والخبث شرط وبذلك صرح الشهيد في البيان ، وفي الذكرى والدروس خصها بالحدثية لا غير ، ولعل الأقوال حينئذ ثلاثة. ومقتضى الدليل ايضا وجوبها على الامام والمأموم لكن لم نقف على قائل بوجوبها على المأموم كما ذكروه في الكلام فلذلك قيدناه بالخطيب. انتهى.

أقول : لا يخفى ان خبر الفقيه المتقدم مشعر بالوجوب على المأموم لما دل عليه من المنع عن الالتفات إلا على نحو الصلاة ، فإن منعه من الالتفات من حيث كونه في الصلاة ما دام الامام يخطب ظاهر في انه يجب ان يكون على طهارة بطريق اولى. ونحوه الخبر الأخير من اخبار دعائم الإسلام.

١٠٢

(الثالث) في وجوب الإسماع وعدمه ، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض وهل يجب إسماع من يمكن سماعه من غير مشقة وان زاد على العدد؟ نظر من وجوب الإصغاء عليه كما سيأتي وهو لا يتم إلا بإسماعه ، ومن كون الوجوب بالنسبة إلى الزائد عن العدد مشروطا بإمكان السماع كما سيأتي فلا منافاة. وربما قيل بعدم وجوب الأسماع مطلقا لأصالة البراءة وان وجب الاستماع لتغاير محل الوجوبين فلا يستلزم وجوب الإصغاء على المأموم وجوب الأسماع على الخطيب ، ولان وجوبه مشروط بإمكان السماع كما مر. ووجوب الإصغاء غير مختص بالعدد لعدم الأولوية نعم سماع العدد شرط في الصحة ولا منافاة بينهما فيأثم من زاد وان صحت الخطبة كما ان الكلام لا يبطلها ايضا وان حصل الإثم. انتهى.

وقال في المدارك بعد ذكر المصنف (قدس‌سره) التردد في المسألة : منشأه أصالة عدم الوجوب وان الغرض من الخطبة لا يحصل بدون الأسماع ، والوجوب أظهر للتأسي وعدم تحقق الخروج عن العهدة بدونه ، ويؤيده ما روى (١) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا خطب يرفع صوته كأنه منذر جيش». انتهى. وفيه ما لا يخفى فإن غاية ما تدل عليه أدلته هو الاستحباب لا الوجوب والاحتياط لا يخفى.

(المورد الرابع) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وقت الخطبة فذهب جملة : منهم ـ المرتضى وابن ابى عقيل وأبو الصلاح الى ان وقتها بعد الزوال فلا يجوز تقديمها عليه واختاره العلامة ونسبه في الذكرى الى معظم الأصحاب واليه مال في المدارك ، وقال الشيخ في الخلاف يجوز ان يخطب عند وقوف الشمس فإذا زالت صلى الفرض. وقال في النهاية والمبسوط : ينبغي للإمام إذا قرب من الزوال ان يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت

__________________

(١) في سنن البيهقي ج ٣ ص ٢٠٦ عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله «ص» إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش ....

١٠٣

الشمس فإذا زالت نزل فصلى بالناس. واختاره ابن البراج. وذهب ابن حمزة إلى وجوب صعود الامام المنبر بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس وان يخطب قبل الزوال ، واختاره المحقق واليه ذهب في الذخيرة قال : ومال اليه الشهيدان استدل القائلون بالأول بوجوه : منها ـ قوله تعالى «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ» (١) فأوجب السعي بعد النداء الذي هو عبارة عن الأذان إجماعا فلا يجب السعى قبله.

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته (٢) قال : «سألته عن الجمعة فقال أذان واقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلى الناس ما دام الامام على المنبر. الحديث».

قالوا : ويؤيده ان الخطبتين بدل الركعتين فكما لا يجوز إيقاع المبدل قبل الزوال فكذا البدل تحقيقا للبدلية ، وانه يستحب صلاة ركعتين عند الزوال وانما يكون ذلك إذا وقعت الخطبة بعد الزوال لأن الجمعة عقيب الخطبة فلو وقعت الخطبة قبل الزوال تبعتها صلاة الجمعة فينتفى استحباب صلاة ركعتين والحال هذه.

أقول : ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الله بن ميمون عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا خرج الى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون».

وأجاب الفاضل الخراساني في الذخيرة عن هذه الأدلة ، قال : والجواب عن الأول انه موقوف على عدم جواز الأذان يوم الجمعة قبل الزوال وهو ممنوع (لا يقال) قد مر سابقا ان عدم جواز إيقاع الأذان قبل دخول وقت الصلاة اتفاقي بين علماء الإسلام (لأنا نقول) الخطبتان بمنزلة بعض الصلاة فإذا دخل وقت

__________________

(١) سورة الجمعة الآية ٩.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من صلاة الجمعة.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة الجمعة.

١٠٤

الخطبتين فكأنه دخل وقت الصلاة ، وبالجملة القدر المسلم حصول الاتفاق على عدم جواز الأذان قبل وقت الخطبتين لا وقت الصلاة ، على ان هذا لازم على المانعين أيضا إذ على قولهم وقت الصلاة بعد الزوال بمقدار الخطبتين فإذا جاز الأذان في أول الزوال يلزم جوازه قبل دخول وقت الصلاة. وبما ذكرنا يعلم الجواب عن الثاني ، على ان الخبر غير دال على وجوب ما اشتمل عليه بقرينة ذكر ما لا خلاف في استحبابه واما الأخيران فضعفهما ظاهر لا يحتاج إلى الإطالة. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذا الجواب من التمحل البعيد والتكليف الغير السديد (أما أولا) فإن ما ادعاه من أن الخطبتين بمنزلة بعض الصلاة فمسلم إلا ان ما ادعاه من أن لهما وقتا على حدة خارجا عن الأوقات المحدودة شرعا ممنوع أتم المنع ، لأن الأوقات ولا سيما وقت الظهر محدودة آية ورواية لقوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (١) المفسر في صحيحة زرارة (٢) بزوالها الشامل ليوم الجمعة وغيره صليت فيه الجمعة أم لا ، ولو كان هنا وقت آخر للخطبة زائد على الأوقات المحدودة لوقعت الإشارة إليه في روايات الأوقات على كثرتها وتعددها سيما مع تكرر صلاة الجمعة في جميع الأعصار والأمصار كالصلوات اليومية ، والاستناد في هذا الوقت الى هذا الخبر معارض بالأخبار (٣) واتفاق الأصحاب على انه لا يجوز الأذان إلا بعد دخول الوقت كما اعترف به ، والمراد بالوقت فيها هو الوقت المحدود آية ورواية وهو زوال الشمس بالنسبة إلى الظهر مثلا ، فإنه هو المتبادر الذي ينساق إليه الإطلاق دون هذا الفرد النادر لو سلمنا وجود دليل عليه. وكون الخطبتين صلاة لا يقتضي أن يجعل لها وقت آخر بل المراد انها يدخل وقتها بالزوال كما يدخل وقت الأربع الركعات لأن الخطبتين فيهما بمنزلة الأخيرتين من الأربع كما أشارت

__________________

(١) سورة بني إسرائيل الآية ٨٠.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أعداد الفرائض ونوافلها.

(٣) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

١٠٥

إليه الأخبار المستفيضة بأن وقت صلاة الجمعة زوال الشمس (١) فان لفظ الصلاة هنا مراد به ما يعم الخطبتين ، لما عرفت مما قدمنا من الأخبار من أنهما صلاة ما دام الامام يخطب قد منع فيهما ما منع في الصلاة من الأمور المتقدم ذكرها في الأخبار (٢) وكلام الأصحاب. وما توهمه (قدس‌سره) ـ كما يشير اليه قوله «على ان هذا لازم على المانعين ايضا. الى آخره» من حمل لفظ الصلاة على مجرد الركعتين في هذه الأخبار ـ غلط محض ، فإن صلاة الجمعة حيثما أطلقت في مثل هذه الأخبار وكلام الأصحاب إنما يتبادر منها ما يعم الخطبتين إلا مع القرينة الصارفة عن ذلك كما لا يخفى على المتأمل المنصف.

و (اما ثانيا) فلما نقله ابن إدريس في كتاب السرائر (٣) عن البزنطي في كتاب النوادر قال بعد ذكر حديث يتضمن الركعتين اللتين قبل الزوال (٤) : قال صاحب الكتاب وهو احمد بن محمد بن ابى نصر صاحب الرضا (عليه‌السلام): ومن أراد أن يصلى الجماعة فليأت بما وصفناه مما ينبغي للإمام ان يفعل فإذا زالت الشمس قام المؤذن فأذن وخطب الامام وليكن من قوله في الخطبة. وأورد دعاء تركت ذكره. هذا كلام ابن إدريس في كتابه. وأنت خبير بما فيه من الدلالة الظاهرة على صحة ما قلناه مما هو المعمول عليه عند كافة الأصحاب من ان الأذان في صلاة الجمعة وغيرها انما هو بعد الزوال وكلام هذا الثقة الجليل لا يقصر عن خبر لما علم من عدم اعتماد أمثاله من ثقات الأصحاب وأجلائهم في الفتوى إلا على قول المعصومين (عليهم‌السلام).

وبالجملة فإن كلام هذا الفاضل عندي بمحل سحيق عن التحقيق وان تبعه فيه شيخنا المجلسي في البحار كما هي عادته غالبا.

واستدل القائلون بالقول الثاني بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من صلاة الجمعة.

(٢) ص ٩٦ الى ١٠٢.

(٣) ص ٤٦٥.

(٤) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجمعة رقم ١٥.

١٠٦

سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل (عليه‌السلام) يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد زالت الشمس فانزل فصل».

وجه الاستدلال ان المستفاد من الظل الأول ما كان قبل حدوث الفي‌ء بقرينة قول جبرئيل «يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد زالت الشمس فانزل» وتحديد الزوال في أول الخبر بقدر الشراك بناء على انه مقدار قليل لا يكاد يحصل اليقين بالزوال قبل ذلك. كذا ذكره في الذخيرة.

وفيه انه كما يحتمل أن يكون الأمر في الخبر المذكور ما ذكره كذلك يحتمل أن يكون المعنى فيه ما صرح به السيد السند في المدارك حيث قال ـ بعد نقل تأويل العلامة في المختلف للخبر المذكور ورده بالبعد والمخالفة لمقتضى الظاهر ـ ما لفظه : نعم يمكن القدح فيها بأن الأولية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف اليه فيمكن أن يراد به أول الظل وهو الفي‌ء الحاصل بعد الزوال بغير فصل كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك». فإن إتيانه بالصلاة بعد زوال الشمس عن دائرة نصف النهار قدر شراك يستدعي وقوع الخطبة أو شي‌ء منها بعد الزوال فيكون معنى قول جبرئيل «يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد زالت الشمس فانزل وصل» انها قد زالت قدر الشراك فانزل وصل. وكيف كان فهذه الرواية مجملة المتن فلا تصلح معارضا لظاهر القرآن والأخبار المعتبرة. انتهى. وهو جيد وجيه.

وبالجملة فإن الرواية المذكورة بالنظر الى ظاهر قوله (عليه‌السلام) «يخطب في الظل الأول» وقول جبرئيل (عليه‌السلام) «يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد زالت الشمس فانزل» ظاهرة الدلالة في ما ذهبوا اليه ومقتضاه ان الصلاة حينئذ تكون في أول الزوال كما يدعونه أيضا ، إلا ان قوله (عليه‌السلام) في صدر الخبر «كان يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك»

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من صلاة الجمعة.

١٠٧

ظاهر المنافرة للمعنى المتقدم ولهذا ارتكبوا التأويل في صدر الخبر وبالنظر الى صدر الخبر الظاهر في تأخير الصلاة عن أول الزوال بحيث تقع الخطبة أو بعض منها بعد الزوال يعضد القول الأول ومن ثم ارتكبوا التأويل في بقية الخبر.

وكيف كان فهذه الرواية باعتبار ما هي عليه من هذا الإجمال وقبول الاحتمال لا تقوم بمعارضة ما قدمناه من الأدلة للقول الأول آية ورواية.

وما أجيب به عنها من جواز تقديم الأذان في صلاة الجمعة على الزوال يحتاج الى دليل قاطع لمخالفته لاتفاق الأصحاب والأخبار على انه لا يجوز الأذان قبل الوقت المحدود شرعا إلا في صلاة الصبح خاصة كما تقدم في بحث الأوقات (١) ولو كان الأذان في صلاة الجمعة كذلك كما يدعيه هذا القائل لكان اولى بالذكر من أذان صلاة الصبح الذي تكاثرت به الأخبار مع انه لم ترد به اشارة فضلا عن التصريح وبما ذكرنا يظهر لك قوة القول الأول مع تأيده بموافقة الاحتياط كما اعترف به أصحاب القول الثاني وجعلوه وجه الجمع بين الأخبار فحملوا ما دل على التأخير إلى الزوال على الأولوية. وفيه منع ظاهر فإنها صريحة في الوجوب آية ورواية.

وفي حملهم الأخبار المذكورة على الأولوية اعتراف منهم بأن الأذان فيها بعد الزوال ردا على ما تكلفه هذا الفاضل.

ولا يبعد عندي حمل هذه الرواية على التقية (٢) ومذهب العامة في المسألة

__________________

(١) ج ٧ ص ٣٩٤.

(٢) في البحر الرائق ج ٢ ص ١٥٦ «الصحيح في المذهب ان الأذان الذي يجب ترك البيع به بعد الزوال إذ الأذان قبله ليس بأذان» وفي عمدة القارئ ج ٣ ص ٢٧٩ «أجمع العلماء على ان وقت الجمعة بعد زوال الشمس الا ما روى عن مجاهد يجوز فعلها وقت صلاة العيد لأنها عيد. وقال أحمد تجوز قبل الزوال وقال الجرمي يجوز فعلها في الساعة السادسة» وفي البداية ج ١ ص ١٤٤ «الجمهور على ان وقت الجمعة وقت الظهر اعنى وقت الزوال وانها لا تجوز قبل الزوال ، وقال احمد تجوز قبل الزوال. واما الأذان فجمهور الفقهاء اتفقوا على ان وقته إذا جلس الامام على المنبر».

١٠٨

وان لم يكن معلوما إلا ان شيخنا الشهيد في الذكرى نقل بعد نقل قول الشيخ والمحقق بالجواز قبل الزوال والاستدلال عليه بما رواه العامة عن أنس (١) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلى إذا زالت الشمس». قال : وظاهره ان الخطبة وقعت قبل ميلها. ثم أردفها بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٢). ونقل العلامة في المنتهى من أخبارهم أيضا عن سلمة بن الأكوع (٣) قال : «كنا نجمع مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفي‌ء». والمراد نصلي معه جماعة كما هو ظاهر اللفظ ، والصلاة معه إذا زالت الشمس مستلزمة لتقدم الخطبتين على الزوال.

والعلامة في المنتهى حيث اختار فيه القول المشهور حمل الرواية على ما يوافق ما اختاره اعتضادا بها فقال : والجمعة انما هي الخطبتان والركعتان. والظاهر من اللفظ انما هو ما قلنا سيما مع اعتضاده بالرواية الأخرى. والله العالم

(المورد الخامس) في أمور أخر يجب التنبيه عليها : منها ـ انهم صرحوا بان حضور العدد شرط في صحة الخطبة كما هو شرط في صحة الصلاة ، قال في الخلاف : ومن شرطها العدد كما هو شرط في الصلاة فلو خطب من دونه ثم أحرم مع العدد لم يصح وبه قال الشافعي ولم يشترطه أبو حنيفة (٤). وقال في الذكرى : ولم أقف على مخالف فيه منا وعليه عمل الناس في سائر الأعصار والأمصار ، وخلاف أبي حنيفة (٥) هنا مسبوق بالإجماع وملحوق به أعني الإجماع الفعلي بين المسلمين.

ومنها ـ ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان أذان المؤذن يكون عند صعود الامام المنبر وجلوسه لرواية عبد الله بن ميمون المتقدمة في سابق هذا المورد (٦) وقوله (عليه‌السلام) فيها «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا خرج الى الجمعة قعد

__________________

(١) في صحيح البخاري باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس عن انس «كان النبي «ص» يصلى الجمعة حين تميل الشمس».

(٢) ص ١٠٦ و ١٠٧.

(٣) صحيح مسلم ج ٣ ص ٩ باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.

(٤ و ٥) المغني ج ٢ ص ٣٣٢ والمهذب ج ١ ص ١١١.

(٦) ص ١٠٤.

١٠٩

على المنبر حتى يفرغ المؤذنون».

وقال أبو الصلاح : إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان فإذا فرغوا منه صعد المنبر وخطب. وعليه تدل مضمرة محمد بن مسلم المتقدمة ثمة (١) وقوله فيها «يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر.».

ويؤيد الرواية الأولى ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٢) قال في حديث : «وإذا صعد الامام جلس واذن المؤذنون بين يديه فإذا فرغوا من الأذان قام فخطب. الحديث».

ولم يحضرني الآن وجه جمع بين الأخبار إلا القول بالتخيير بين الأمرين أو حمل مضمرة محمد بن مسلم على الرخصة وان كان السنة أن يكون الأذان بعد جلوس الامام على المنبر ، ويؤيده شهرة الحكم بذلك بين الخاصة والعامة (٣).

ومنها ـ أنه يستحب للخطيب السلام بعد ركوبه المنبر عند أكثر الأصحاب لما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع رفعه عن على (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «من السنة إذا صعد الامام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس». قال في الذكرى : وعليه عمل الناس.

ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال لا يستحب التسليم. قال في الذكرى : وكأنه لم يثبت عنده سند الحديث. وقال في الذخيرة : وكأنه نظر الى ضعف سند الرواية.

أقول : بل الظاهر انه لم تخطر الرواية المذكورة بخاطره يومئذ وإلا فإنه يتمسك في جملة من الأحكام بالروايات العامية فضلا عن مثل هذه الرواية ، وضعف السند بهذا الاصطلاح المحدث غير معمول عليه بين المتقدمين من الشيخ وغيره بل الأظهر هو ما ذكرناه.

__________________

(١) ص ١٠٤.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٦ و ١٤ من صلاة الجمعة.

(٣) المغني ج ٢ ص ٢٩٦ و ٢٩٧ والبداية ج ١ ص ١٤٤.

(٤) الوسائل الباب ٢٨ من صلاة الجمعة.

١١٠

ومنها ـ استحباب استقبال الناس بوجهه حال الخطبة واستقبال الناس له لما رواه في الكافي عن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كل واعظ قبله. يعنى إذا خطب الامام الناس يوم الجمعة ينبغي للناس ان يستقبلوه».

وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كل واعظ قبلة وكل موعوظ قبلة للواعظ. يعني في يوم الجمعة والعيدين وصلاة الاستسقاء في الخطبة يستقبلهم الامام ويستقبلونه حتى يفرغ الامام من خطبته».

ومنها ـ الاعتماد حال الخطبة على سيف أو قوس أو عصا لما في صحيحة عمر بن يزيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) وفيها «وليلبس الامام البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصا. الحديث».

ومنها ـ التعمم شتاء كان أو قيظا والارتداء ببرد يمني أو عدني أو غيرهما لما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد ، ولما رواه سماعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) في الموثق قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ينبغي للإمام الذي يخطب الناس يوم الجمعة ان يلبس عمامة في الشتاء والصيف ويتردى ببرد يمني أو عدني. الحديث».

ومنها ـ ان يقوم على مرتفع من منبر ونحوه لما تقدم في جملة من الأخبار (٥)

ومنها ـ كونه بليغا بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد وضعف التأليف ومن كونها غريبة وحشية وبين القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال مع الاحتراز عن الإيجاز المخل والتطويل الممل ليكون كلامه أوقع في القلوب وبه يحصل الأثر المراد من الخطبة والمطلوب.

ومنها ـ مواظبته على الطاعات والانزجار عن المحرمات بل المكروهات

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥٣ من صلاة الجمعة.

(٣) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجمعة.

(٤) الوسائل الباب ٢٤ من صلاة الجمعة.

(٥) ص ٩٧ و ٩٩ و ١٠٤ و ١١٠.

١١١

ولا سيما المواظبة على الصلوات في أوقاتها والجماعات والجمعات واتصافه بما يأمر به وينهى عنه ليكون وعظه أبلغ تأثيرا في القلوب ، وقد قيل ان ما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان وما خرج من القلب فموقعه القلب.

(المقصد الرابع) ـ في الجماعة ، واشتراطها بالجماعة إجماعي نصا وفتوى ، اما الثاني فلما نقله جملة من الأصحاب واما الأول فللأخبار المستفيضة : منها ـ قول أبى جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة (١) في عد الروايات الدالة على الوجوب العيني «منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة». وقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة عمر بن يزيد (٢) «إذا كانوا سبعة فليصلوا في جماعة». الى غير ذلك من الروايات المتقدمة ثمة ونحوها ، فلا يصح الانفراد بها وان حصل العدد بل لا بد من الارتباط الحاصل من صلاة الامام والمأمومين.

وتتحقق الجماعة بنية اقتداء المأمومين بالإمام فلو أخلوا بها أو بعضهم لم تنعقد الجمعة متى كان أحد العدد المعتبر لانه يعتبر في الانعقاد نية العدد المعتبر ولم تصح صلاة المخل وان كان زائدا على العدد.

قالوا : وهل يجب على الامام هنا نية الإمامة؟ نظر من حصول الإمامة إذا اقتدى به ، ومن وجوب نية كل واجب. انتهى. وهو ضعيف لما عرفت مما حققناه في معنى النية في غير مقام ، وكلامهم هنا ـ كما في غير هذا الموضع ايضا ـ مبنى على النية بالمعنى المشهور بينهم وهو الحديث النفسي والتصوير الفكري وليس هو النية حقيقة كما عرفت.

ويجب التنبيه هنا على أمور : الأول ـ قال شيخنا الشهيد في الذكرى : لو بان للعدد ان الامام محدث فان كان العدد لا يتم بدونه فالأقرب انه لا جمعة لهم لانتفاء الشرط ، وان كان العدد حاصلا من غيره صحت صلاتهم عندنا لما يأتي ان شاء الله تعالى في باب الجماعة. وربما افترق الحكم هنا وهناك لأن الجماعة شرط في

__________________

(١) ج ٩ ص ٤٠٨.

(٢) الوسائل الباب ٦ من صلاة الجمعة.

١١٢

الجمعة ولم يحصل في نفس الأمر بخلاف باقي الصلوات ، فإن القدوة إذا فاتت فيها يكون قد صلى منفردا وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة.

وقال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : أقول انه لا يخفى ضعف هذا الفرق لمنع صحة الصلاة هناك على تقدير الانفراد لعدم إتيان المأموم بالقراءة التي هي من وظائف المنفرد ، وبالجملة فالصلاتان مشتركتان في الصحة ظاهرا وعدم استجماعهما الشرائط المعتبرة في نفس الأمر ، فما ذهب إليه أولا من الصحة غير بعيد ، بل لو قيل بالصحة مطلقا وان لم يكن العدد حاصلا من غيره لأمكن لصدق الامتثال وإطلاق قول ابى جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «وقد سأله عن قوم صلى بهم امامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ قال لا اعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه هو الإعادة وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه موضوع». انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد ، ويعضده ان الأحكام الشرعية من وجوب وتحريم وصحة وبطلان ونحوها إنما نيطت بنظر المكلف وعلمه لا بالواقع ونفس الأمر كما تقدم تحقيقه في غير مقام ، لما علم عقلا ونقلا من ان الشارع لم يجعل نفس الأمر مناطا للأحكام الشرعية وإلا لزم التكليف بما لا يطاق فان ذلك لا يعلمه إلا هو سبحانه والمناط إنما هو علم المكلف في تحليل أو تحريم أو صحة أو بطلان ونحو ذلك ، وبه يتجه الحكم بالصحة في الصورة التي حكم ببطلان الجمعة فيها وهو ما إذا كان العدد لا يتم بدونه فإن الصلاة صحيحة بالنظر الى ظاهر الأمر وانتفاء الشرط بحسب الواقع غير ملتفت اليه لما عرفت ويخرج الخبر المذكور شاهدا على ذلك.

(الثاني) ـ لو عرض للإمام عارض من موت أو إغماء أو حدث لم تبطل الصلاة وجاز للمأمومين أن يقدموا من يتم بهم الصلاة ، أما الأول فلان الأصل صحة الصلاة والحكم بالإبطال يتوقف على دليل شرعي وليس فليس ، وأما الثاني

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من صلاة الجماعة.

١١٣

فلثبوت ذلك في مطلق الجماعة كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في باب صلاة الجماعة.

وهل الاستخلاف هنا وجوبا أو استحبابا؟ صرح العلامة في المنتهى بالأول وجزم ببطلان الصلاة بدونه محافظة على اعتبار الجماعة فيها استدامة كما تعتبر ابتداء.

وفيه ان الظاهر ان الجماعة انما تعتبر ابتداء لا استدامة كما صرح به غير واحد من الأصحاب ، وقد تقدمت الإشارة الى ذلك في فروع المقصد الثاني في العدد. وبه يعلم الوجه في الثاني وان كان الأحوط ما ذكره (قدس‌سره).

ولو لم يتفق في الجماعة من هو بشروط الإمامة أتموا فرادى جمعة لا ظهرا.

وهل يشترط مع الاستخلاف استئناف نية القدوة؟ الأظهر ذلك لانتفاء القدوة الأولى بما عرض للإمام مما أوجب خروجه مع وجوب نية تعيين الامام كما سيجي‌ء ان شاء الله تعالى في باب الجماعة. وقيل لا يشترط لتنزيل الخليفة منزلة الأول. وفيه ما عرفت من وجوب نية التعيين.

(الثالث) ـ لو ركع مع الإمام في الأولى وزوحم عن السجود فليس له السجود على ظهر غيره بل ان امكنه السجود بعد قيام الصفوف وسجد والتحق بالإمام في الركوع الثاني وجب وأجزأه ، وما حصل من الإخلال بالمتابعة في الركن مغتفر بالعذر كما سيأتي بيانه في محله ان شاء الله تعالى.

وان لم يمكنه السجود حتى ركع الامام ثانيا فليس له الركوع معه لئلا يلزم زيادة ركن في الصلاة فتبطل فإذا سجد سجد معه ونوى بسجدتيه الركعة الاولى ثم أتم صلاته بعد تسليم الإمام فإن صلاته تصح إجماعا.

ولو لم ينو بسجدتيه الاولى بل نوى الثانية أو لم ينو شيئا فأقوال : أحدها ـ بطلان صلاته وعليه الشيخ في النهاية وأكثر المتأخرين والظاهر انه المشهور ، والظاهر ان وجهه ـ كما ذكره في المدارك ـ عدم الاعتداد بهما لعدم نيتهما للأولى واستلزام إعادتهما زيادة الركن في الصلاة.

١١٤

وقال في المبسوط انه ان لم ينو بهما الأولى لم يعتد بهما ويستأنف سجدتين للركعة الاولى ثم يستأنف بعد ذلك ركعة أخرى وقد تمت جمعة ، قال وقد روى انه تبطل صلاته. ونحوه قال في الخلاف على ما نقل عنه ، وهو مذهب السيد المرتضى في المصباح.

وقال ابن إدريس إنما تبطل إذا نوى أنهما للثانية لا بترك نية أنهما للأولى. ورده العلامة بأن أفعال المأموم تابعه لإمامه فالإطلاق ينصرف الى ما نواه الامام وقد نوى الثانية فينصرف فعل المأموم اليه.

وقال المحقق في المعتبر بعد ذكر رواية حفص الآتية ان شاء الله تعالى وردها بضعف السند وانه لا عبرة بها : فالأشبه ما ذكره في النهاية. وهو مؤذن باختيار مذهب الشيخ في النهاية من القول بالبطلان.

وفي المعتبر علل البطلان الذي ذهب اليه الشيخ في النهاية متى لم ينو بالسجدتين الأولى بأنه قد زاد ركنا وهو السجدتان فتبطل صلاته كما لو زاد ركعة ، قال : ويؤيد ذلك ما رواه زرارة وبكير ابنا أعين عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا». ثم نقل نحوها رواية أبي بصير (٢) وعلل في المدارك وجه البطلان بما قدمنا نقله عنه ، والظاهر ان المرجع إلى أمر واحد فإنه متى كانتا غير معتد بهما لزم زيادة الركن.

وظاهر الشهيد في الذكرى اختيار القول بالصحة كما ذهب اليه الشيخ في المبسوط فإنه بعد ان نقل عن المعتبر رد الرواية بضعف السند قال ما لفظه : قلت ليس ببعيد العمل بهذه الرواية لاشتهارها بين الأصحاب وعدم وجود ما ينافيها ، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل امامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الابطال عن الدلالة. واما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار ، على

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٩ من الخلل في الصلاة.

١١٥

ان الشيخ في الفهرست قال ان كتاب حفص معتمد عليه. انتهى. وأشار بالروايات الدالة على الإبطال الى ما أورده المحقق (قدس‌سره) من الروايات الدالة على إبطال الصلاة بزيادة الركن فيها.

وقال في المدارك بعد أن رد الرواية بضعف السند وانه لا عبرة بها كما ذكره في المعتبر : والأصح البطلان ان نوى بهما الثانية كما اختاره المصنف اما مع الذهول عن القصد فتنصرفان إلى الأولى. انتهى. وهو راجع الى ما قدمنا نقله عن ابن إدريس.

وظاهر القائلين بالبطلان هو العموم بمعنى انه متى لم ينو بهما الأولى بطلت صلاته أعم من أن ينوي بهما الثانية أو لم ينو بهما شيئا ، ولهذا اعترض العلامة على مذهب ابن إدريس بما قدمنا ذكره. والظاهر ان ما ادعاه كل منهما من الانصراف إلى الأولى أو الثانية لا يخلو من نظر لما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام ، وحينئذ فتكون الأقوال في المسألة ثلاثة : البطلان مطلقا والصحة مطلقا والتفصيل الذي ذهب اليه ابن إدريس. والرواية المشار إليها في المقام

ما رواه الشيخ وابن بابويه عن حفص بن غياث (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس وكبر مع الامام وركع ولم يقدر على السجود وقام الامام والناس في الركعة الثانية وقام هذا معهم فركع الامام ولم يقدر هذا على الركوع في الركعة الثانية من الزحام وقدر على السجود كيف يصنع؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما الركعة الأولى فهي إلى عند الركوع تامة فلما لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن له ذلك فلما سجد في الثانية فإن كان نوى ان هذه السجدة هي للركعة الأولى فقد تمت له الأولى فإذا سلم الامام قام فصلى ركعة يسجد فيها ثم يتشهد ويسلم ، وان كان لم ينو ان تكون تلك السجدة للركعة الأولى لم تجزئ عنه الأولى ولا الثانية وعليه ان يسجد سجدتين

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجمعة.

١١٦

وينوي أنهما للركعة الأولى وعليه بعد ذلك ركعة ثانية يسجد فيها». قال حفص : وسألت عنها ابن ابى ليلى فما طعن فيها ولا قارب.

وأنت خبير بأن الرواية المذكورة لا معارض لها في البين واطراحها بمجرد ضعف السند بهذا الاصطلاح الغير المعتمد غير مرضى سيما مع ما ذكره شيخنا الشهيد من شهرة الرواية بين الأصحاب. إلا أن الرواية المذكورة غير صريحة الدلالة في ما يدعونه من الصحة مع زيادة سجدتين أخريين وذلك فإنه مبنى على ان يكون قوله «وعليه أن يسجد سجدتين. إلخ» معطوفا على جواب الشرط بمعنى انه إذا لم ينو ان تكون تلك السجدة للركعة الأولى فإنها لا تجزئ عن الأولى ولا عن الثانية والواجب عليه في الصورة المذكورة ان يسجد. الى آخره ، وهذا المعنى غير متعين في الرواية بل من الممكن حمل قوله (عليه‌السلام) «وعليه ان يسجد. إلخ» على أن يكون كلاما مستأنفا مؤكدا لما تقدم ، ويكون حاصل المعنى انه إذا لم ينو ان تكون تلك السجدة التي سجدها للركعة الأولى فإنها لا تجزئ عنه للأولى ولا للثانية بل الواجب عليه من أول الأمر انه متى حصلت له فرصة للسجود في الركعة الثانية ان ينوي بها الاولى وعليه بعد ذلك ركعة ثانية. وبذلك يظهر لك ان الأقوى في المسألة هو القول بالبطلان كما هو المشهور بين المتأخرين.

فروع

(الأول) ـ قد تقدم النقل عن ابن إدريس وصاحب المدارك بأنه لو سجد وذهل عن نية كونهما للأولى أو الثانية فإن ذلك ينصرف إلى الأولى وعلى هذا تصح صلاته في الصورة المذكورة ، والى هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان ونقل أيضا عن المحقق الشيخ على.

وعلله في الروض بحمل الإطلاق على ما في ذمته ، قال : فإنه لا تجب لكل فعل من أفعال الصلاة نية وان كان المصلى مسبوقا وانما يعتبر للمجموع النية أولها

وقد تقدم النقل عن العلامة بأنه اختار البطلان معللا بانصراف الإطلاق إلى

١١٧

الركعة الثانية لأن أفعال المأموم تابعه لأفعال امامه فالإطلاق ينصرف الى ما نواه الامام وقد نوى الثانية فينصرف فعل المأموم اليه.

ورد بان وجوب المتابعة لا يصير المنوي للإمام منويا للمأموم كما في كل مسبوق ولا يصرف فعله عما في ذمته والأصل يقتضي الصحة.

أقول : لا يخفى ان التعليل الأول أيضا لا يخلو من خدش فان قوله ـ لا تجب لكل فعل من أفعال الصلاة نية ـ على إطلاقه ممنوع لان هذا انما يتم في مقام الإتيان بالفعل في محله على الترتيب الشرعي الذي وضعت عليه الصلاة ، اما في ما نحن فيه من هذه الصورة التي صار السجود فيها في غير مقامه صالحا في حد ذاته لان يكون للركعة الأولى أو الثانية وان بطلت الصلاة على تقدير جعله للثانية فإنه لا يتعين لأحدهما إلا مع النية ، وانصراف الإطلاق الى ما في ذمته لو تم لورد عليهم إيجاب القيود في النية كما صرحوا به من وجوب نية الأداء والقضاء والوجوب والاستحباب وكونها ظهرا أو عصرا ونية الرفع في الطهارة والاستباحة ونحو ذلك ، فإنه بمقتضى هذا الكلام لو نوى «أصلي قربة الى الله أو أتوضأ قربة الى الله» صح ذلك وانصرف الإطلاق الى ما في ذمته وهم لا يقولون به كما لا يخفى على من وقف على كلامهم في بحث النية.

هذا ، والمفهوم من الرواية المتقدمة ـ حيث دلت على انه إذا لم ينو بتلك السجدة الركعة الأولى الذي هو أعم من نية الثانية وعدم النية بالكلية فإنها لا تجزئ للأولى ولا للثانية ـ هو البطلان في الصورة المذكورة ولكن الجماعة المذكورين حيث اطرحوا الرواية لضعف سندها أعرضوا عن العمل بما دلت عليه مطلقا ، والمتجه عندنا هو العمل بما دلت عليه لعدم تعويلنا على هذا الاصطلاح المحدث وعدم المعارض لها ، ولو سلمت من الاحتمال الذي قدمنا ذكره لحكمنا بالصحة في أصل المسألة كما ذهب إليه في المبسوط ولكنها غير ظاهرة فيه لما عرفت.

(الثاني) ـ لو سجد ولحق الامام راكعا في الثانية وجب عليه المتابعة وأدرك

١١٨

الجمعة وأتم صلاته مع الامام بلا إشكال ولا خلاف ، انما الخلاف في ما لو أدركه رافعا فقيل بوجوب الانفراد حذرا من مخالفة الإمام في الأفعال لتعذر المتابعة ، وقيل بوجوب المتابعة وحذف الزائد كمن تقدم الامام سهوا في ركوع أو سجود ، وقيل بالتخيير بين أن يجلس حتى يسجد الامام ويسلم ثم ينهض إلى الثانية وبين ان يقعد ويعدل الى الانفراد.

(الثالث) ـ لو لم يتمكن من السجود في ثانية الإمام أيضا حتى قعد الامام للتشهد ففي فوات الجمعة وعدمه اشكال من عدم إدراك الركعة الثانية ، ومن إدراكها حكما. أقول : ويرجع الثاني الى ما تقدم من ان الجماعة والعدد شرط في صحة صلاة الجمعة ابتداء لا استدامة. هذا إذا اتى بالسجود قبل تسليم الامام اما لو لم يأت به إلا بعده فقد قال في المنتهى ان الوجه هنا فوات الجمعة قولا واحدا لان ما يفعله بعد التسليم لم يكن في حكم صلاة الامام. وتنظر فيه بعض الأفاضل قال : لمنع اشتراط الجماعة في صحة صلاة الجمعة إلا في الابتداء.

ثم ان قلنا بفوات الجمعة فهل يعدل بنيته الى الظهر أو يستأنف؟ احتمالان وقرب العلامة الثاني ، وربما يوجه بان كلا منهما صلاة منفردة عن الأخرى في الشرائط والأحكام والأصل عدم جواز العدول بالنية من فرض الى آخر لقوله (عليه‌السلام) (١) «وإنما لكل امرئ ما نوى». وان النية انما تعتبر في أول العبادات لقوله (عليه‌السلام) (٢) : «إنما الأعمال بالنيات». وربما يوجه الأول بأن الجمعة ظهر مقصورة فإذا جاز العدول من السابقة المغايرة فههنا اولى.

وأنت خبير بما في هذه التعليلات والتوجيهات من عدم الصلاحية لتأسيس الأحكام الشرعية ، والمسألة لا تخلو من الاشكال لعدم الدليل في المقام.

(الرابع) ـ لو زوحم عن الركوع والسجود معا صبر حتى يتمكن منهما ثم يلتحق بالإمام ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.

١١٩

ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) «في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على ان يركع ولا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم يقوم في الصف؟ قال لا بأس بذلك».

وكذا الحكم في ما لو زوحم عن ركوع الأولى فإنه يصبر حتى يلتحق بالإمام في ركوع الثانية فإنه يركع معه وتصير له الأولى ثم يأتي بالثانية بعد تسليم الامام.

اما لو لم يدركه إلا بعد الرفع من الأخيرة ففي إدراك الجمعة بذلك وعدمه قولان ثانيهما للمحقق في المعتبر وأولهما لجمع من الأصحاب : منهم ـ الشهيد في الذكرى والمحقق الشيخ على استنادا الى عموم الرواية المذكورة.

قال في الذكرى : ولو لحقه بعد رفعه من الثانية فالأقرب الإجزاء لأنه أدرك ركعة مع الامام حكما وان لم يكن فعلا والرواية تشمله ، ووجه المنع انه لم يلحق ركوعا مع الامام. انتهى.

أقول : لا يخفى ضعف ما قربه ، اما التعليل الأول فعليل كما لا يخفى ، واما الرواية فإن ظاهر «ثم يقوم في الصف» هو إدراك الركعة الثانية كملا والركوع مع الامام فيها. نعم يمكن توجيه ما ذكره بما تقدم من ان الجماعة شرط في الابتداء لا في الاستدامة وحينئذ فيمكن الاستناد الى عموم ما دل على وجوب الجمعة وتعينها. والله العالم.

(الأمر الرابع) ـ انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه تدرك الجمعة بإدراك ركعة مع الامام ، نقل الاتفاق على ذلك جملة منهم.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن العرزمي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها ، وان أدركته وهو يتشهد فصل أربعا».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من صلاة الجمعة. ولفظ الرواية في الفقيه ج ١ ص ٢٧٠ هكذا «أيركع ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال يركع ويسجد ثم يقوم في الصف ولا بأس بذلك».

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من صلاة الجمعة.

١٢٠